أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عماد الطيب - هكذا تُربّى الأجيال: حين يقف التلميذ لأن الفساد جلس مكانه














المزيد.....

هكذا تُربّى الأجيال: حين يقف التلميذ لأن الفساد جلس مكانه


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 12:18
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


كشفت مقاطع فيديو متداولة ما كان مكشوفاً أصلاً، لكنها هذه المرة بلا أقنعة: تلاميذ يقفون في الصفوف لأن المدارس لا تملك مقاعد كافية، أطفال يحملون دفاترهم ويبحثون عن مكان للجلوس، فيما السبورة ثابتة والكرسي غائب، وكأن الجلوس صار امتيازاً لا حقاً. هذه ليست لقطات من زمن الحروب ولا من بلدان منكوبة بالكوارث الطبيعية، بل من مدارس دولة تُعلن كل عام عن موازنات ضخمة وتخصيصات “لإصلاح التعليم” و”رعاية الأجيال”.
المشهد صادم لأنه بسيط حد الفضيحة: مقعد دراسي مفقود. ليس مختبراً نووياً ولا بنية تكنولوجية معقدة، بل قطعة خشب وحديد. وحين تعجز الدولة عن توفير مقعد لطفل، فإنها تعلن إفلاسها الأخلاقي قبل المالي، وتقرّ بأن الفساد جلس على الكراسي كلها ولم يترك للتلاميذ سوى الأرض أو الوقوف.
السكوت الحكومي على هذه المقاطع ليس أقل فظاعة من المشهد ذاته. الصمت هنا شراكة، والتجاهل اعتراف ضمني بأن ما يحدث طبيعي، وأن وقوف الأطفال لساعات تحت شعار “التحمل” و”الصبر” جزء من المنهاج غير المكتوب. هكذا تتحول المدرسة من فضاء للتعلم إلى أول درس عملي في الإذلال، وأول تمرين على قبول النقص بوصفه قدراً لا جريمة.
الأموال موجودة، هذا ما تؤكده الموازنات والبيانات الرسمية، لكن المقعد غير موجود. بين الرقم في الورق والكرسي في الصف مسافة اسمها الفساد. هناك من جلس على المال، ومن جلس على القرار، ومن جلس على الضمير، ولم يبقَ للتلميذ سوى أن يقف. الفساد هنا ليس مجرد سرقة، بل إعادة هندسة للظلم: طفل بلا مقعد، معلم محبط، مدرسة متهالكة، ومستقبل يُربّى على فكرة أن الدولة غائبة إلا حين تجبي أو تعاقب.
أي جيل نرعاه بهذه الطريقة؟ جيل يتعلم منذ سنواته الأولى أن حقه مؤجل، وأن صوته لا يُسمع، وأن صوره في الهاتف لا تحرك مسؤولاً. جيل يُدرَّس عملياً أن الصبر فضيلة حين يتعلق الأمر به، وأن الفشل العام لا يُحاسَب عليه أحد. هذه ليست تربية، بل إعداد نفسي لقبول القهر، وتطبيع مبكر مع اللاعدالة.
المدرسة مرآة الدولة، وحين تكون بلا مقاعد فهي تعكس دولة بلا مقومات احترام الإنسان. وحين يُترك الأطفال واقفين، فإن الرسالة أبلغ من ألف خطاب: لا مكان لكم الآن، وربما لا مكان لكم لاحقاً. هكذا تتم رعاية الأجيال في زمن الفساد؛ لا بالعلم، بل بالتعوّد على النقص، لا بالقيم، بل بتبرير العجز، ولا بالمستقبل، بل بترويضه على الانكسار.
ما نحتاجه ليس بيانات استنكار ولا لجاناً مؤقتة، بل محاسبة حقيقية تعيد المقعد إلى مكانه الطبيعي، وتعيد للطفل إحساسه بأنه مواطن صغير لا عبء مؤقت. فالأمم التي تسرق من مدارسها، تسرق من أعمارها القادمة، وحين يكبر هؤلاء الأطفال، لن يسألوا عن المناهج بقدر ما سيتذكرون درسهم الأول: وقفنا لأن الفساد كان جالساً.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشريح خطاب السلطة ولغة الجسد
- القيادة الحقيقية : عندما يتفوق الوعي على السلطة
- عن اي شيء سيسجل التاريخ ؟
- تأملات في معنى الطبخة السياسية
- كيف خنتُ ضميري لأرفع وهماً ؟
- حضور باهت
- حين يصبح الهيام قدَرًا لا يُقاوَم
- كن صديقي
- تأملات في بؤس المشهد الثقافي
- كل الطرق تؤدي اليك
- قربكِ يؤذيني
- الوعي كألمٍ ناعم
- بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة
- تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً
- عدتِ متأخرة… فوجدتِ الخراب منظّماً
- عودة الشخص الآخر… عودة الحياة بطعم العتاب
- إمرأة من خيال
- همسة تصل… فتُزهر الروح
- الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف
- منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات المو ...


المزيد.....




- وقت الشاي.. ما القصة وراء هذا الطقس البريطاني الأصيل؟
- من الكواليس.. كيف يتم الاستعداد لإسقاط الكرة الشهيرة في ميدا ...
- روسيا تستبق لقاء زيلينسكي وترامب بهجوم واسع على كييف
- أم متهمة بقتل ابنتها بوحشية تدفع ببرائتها أمام القاضي.. شاهد ...
- خبير إتيكيت ألماني يشيد بميرتس: يجمع بين الصرامة وحسن التصرف ...
- مباشر: تونس ونيجيريا في كأس أمم أفريقيا
- التحالف بقيادة السعودية: سيتم التعامل مع أي تحركات عسكرية في ...
- الجيش الإسرائيلي يطلق عملية عسكرية في بلدة قباطية بالضفة الغ ...
- حين تكلمت الكرة عما عجزت عنه السياسة
- بفضل الذكاء الاصطناعي أصبح الصحفيون أكثر أهمية من أي وقت مضى ...


المزيد.....

- أساليب التعليم والتربية الحديثة / حسن صالح الشنكالي
- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عماد الطيب - هكذا تُربّى الأجيال: حين يقف التلميذ لأن الفساد جلس مكانه