أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد الطيب - القيادة الحقيقية : عندما يتفوق الوعي على السلطة














المزيد.....

القيادة الحقيقية : عندما يتفوق الوعي على السلطة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 13:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القيادة ليست كرسياً ولا خزنة أموال ولا فوهة بندقية. القيادة فكرة قبل أن تكون موقعاً، ووعي قبل أن تكون نفوذاً، ومسؤولية قبل أن تتحول إلى امتيازات. وحين تختزل القيادة في السلطة والمال والسلاح، فإننا لا ننتج قادة بل نعيد تدوير رؤساء عصابات بربطات عنق، أو تجار مخدرات بصفات رسمية، أو أمراء حرب بواجهات سياسية.
أخطر ما فعلته مجتمعاتنا الحديثة أنها ساوت – عن قصد أو غفلة – بين من يملك وسائل الإكراه ومن يستحق القيادة. من يسيطر على المال يُنصَّب زعيماً اقتصادياً، ومن يحتكر السلاح يُقدَّم بوصفه حامياً، ومن يعتلي السلطة يُعامل كقائد حتى وإن كان فارغاً من أي مشروع أو رؤية. هكذا تحولت القيادة من فعل عقلي وأخلاقي إلى صفقة قوة، ومن بناء إنساني إلى استعراض عضلات.
السلطة بلا فكر لا تصنع دولة، بل تصنع خوفاً. والمال بلا وعي لا يبني اقتصاداً، بل يؤسس لفساد أنيق. والسلاح بلا أخلاق لا يحمي وطناً، بل يحوله إلى ساحة صيد. هذه الثلاثية حين تجتمع لا تلد قائداً، بل تُنتج نموذجاً إجرامياً منظماً، الفرق الوحيد بينه وبين زعيم العصابة أنه يتحدث بلغة رسمية ويظهر على الشاشات.
القائد الحقيقي لا يُقاس بعدد الحراس ولا بحجم الحسابات البنكية ولا بعدة الترسانة. يُقاس بقدرته على التفكير، على طرح الأسئلة الصحيحة، على اتخاذ القرار الأصعب لا الأسهل، وعلى تحمّل ثمن الموقف لا جني أرباحه. القائد هو من يسبق مجتمعه بخطوة فكرية، لا من يجرّه خلفه بسوط القوة.
حين يغيب الفكر، تتحول القيادة إلى إدارة قمع. وحين يغيب المشروع، تصبح السلطة غاية لا وسيلة. وحين يُختزل الوطن في ملكية خاصة، يصبح الشعب مجرد جمهور يُطلب منه التصفيق أو الصمت. في هذه اللحظة تحديداً، لا يعود الفارق واضحاً بين الدولة والعصابة، ولا بين القائد ورئيس الشبكة الإجرامية.
الأكثر إيلاماً أن المجتمعات أحياناً تشارك في هذه الجريمة، حين تصفق للأقوى لا للأصلح، وحين تنحاز لمن يصرخ أعلى لا لمن يفكر أعمق. نحن نُسهم في صناعة القادة الزائفين حين نكافئ العنف ونهمّش العقل، وحين نخلط بين الهيبة والرعب، وبين الحزم والبطش.
القيادة الحقيقية لا تحتاج إلى استعراض سلاح، لأنها تستند إلى شرعية الفكرة. ولا تحتاج إلى شراء الولاءات، لأنها تبني قناعة. ولا تخاف من النقد، لأنها واثقة من مشروعها. أما من يحيط نفسه بالمال والسلاح ويطلب الطاعة العمياء، فهو لا يقود… هو يسيطر، والسيطرة شيء، والقيادة شيء آخر تماماً.
في النهاية، السلطة والمال والسلاح أدوات محايدة، يمكن أن تكون في يد قائد فتُستخدم للبناء، أو في يد مجرم فتُستخدم للهدم. الفارق ليس في الأدوات بل في العقل الذي يمسكها. وحين ننسى هذه الحقيقة، نكتشف متأخرين أننا لم نكن نعيش تحت قيادة حقيقية.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن اي شيء سيسجل التاريخ ؟
- تأملات في معنى الطبخة السياسية
- كيف خنتُ ضميري لأرفع وهماً ؟
- حضور باهت
- حين يصبح الهيام قدَرًا لا يُقاوَم
- كن صديقي
- تأملات في بؤس المشهد الثقافي
- كل الطرق تؤدي اليك
- قربكِ يؤذيني
- الوعي كألمٍ ناعم
- بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة
- تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً
- عدتِ متأخرة… فوجدتِ الخراب منظّماً
- عودة الشخص الآخر… عودة الحياة بطعم العتاب
- إمرأة من خيال
- همسة تصل… فتُزهر الروح
- الإنسان بعد انتهاء صلاحيته: قراءة في عنف التصنيف
- منحة المثقفين في ميزان التسليع: حين تُقاس الثقافة بفتات المو ...
- الشتيمة كفشل ثقافي: لماذا نُهين الصبر والوفاء؟
- صورة واحدة تكشف صدق الحوارات


المزيد.....




- الجيش الأمريكي ينفذ ضربات -قاتلة- في نيجيريا.. لماذا؟
- من البراءة إلى الإثارة.. لماذا نرتدي الدانتيل؟
- تركيا.. أخذ عينات وقود من الناقلة وطائرة رئيس أركان ليبيا ال ...
- أمطار غزيرة وفيضانات تسفر عن قتلى في كاليفورنيا
- عيد ميلاد مجيد
- ما تفسيرات انضمام بلجيكا إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟
- غزة في 2026.. أحلام بسيطة تصطدم بحرب لم تنته
- عاجل | مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية على محيط مدينة الهرمل ...
- هل تكبح واشنطن إسرائيل أم يتجه لبنان إلى مواجهة جديدة؟
- روسيا تحظر واتساب وتفرض ماكس.. سيادة رقمية أم رقابة شاملة؟


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد الطيب - القيادة الحقيقية : عندما يتفوق الوعي على السلطة