أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - الصنم الخلدوني والدولة الحديثة: استشراف مستقبل الحكم في العالم العربي














المزيد.....

الصنم الخلدوني والدولة الحديثة: استشراف مستقبل الحكم في العالم العربي


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 11:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نواجه في الفكر والممارسة السياسية العربية إشكالية بنيوية متجذرة في مفهوم الدولة، تتجلى في دورات متكررة من السقوط والقيام. وهذا يعني بأنه لا يمكن الإلمام بها خارج دائرة العلاقات التاريخية. فعندما ينهار نظام (دولة سابقة)، ينهار معه البناء المؤسسي بكامله وكأنه لم يكن موجوداً. تبدأ بعد ذلك عملية بناء جديدة تعتمد على أشخاص جدد ومنطق "الغلبة" كآلية وحيدة لتأسيس الشرعية والسلطة. هذا المنطق يؤدي إلى إعادة إنتاج النموذج السابق؛ حيث يقوم البناء الجديد على الأسس ذاتها ومنهجية التعامل السابقة. وهذا يعني ببساطة أن هذا الإنتاج لم يكن مصادفة عابرة، بل كان نتيجة مترتبة على تأصيل منطق الغلبة، وهذا الأمر ليس بغريبٍ طالما أن القبيلة أو الطائفية أو الفئوية تُعتبر جزءاً أساسياً ومكوناً للدولة.
في هذا السياق، نجد أن الدولة لا تُعبّر عن نفسها من خلال مؤسساتها الدستورية، بل يُختزل كيانها في شخص القائد أو الرئيس، الذي يصبح المحرك الأساسي لدواليب الدولة. وبالتالي، عندما يسقط هذا القائد أو الرئيس، تنهار معه كافة المؤسسات، لأنها لم تكن يوماً مستقلة أو ذاتية الحضور، بل كانت مجرد ظلال لسلطة الحاكم.
هذا النمط ينطبق بوضوح على الحالات العراقية والليبية والسورية، حيث أثبتت التجارب أن غياب المؤسسات الحقيقية يجعل الدولة عرضة للانهيار الشامل مع كل تغيير في رأس الهرم. بالتالي، تسبب هذا الخلل البنيوي في تعثر عملية التحول من دولة تقليدية إلى دولة حديثة تتوافق مع معايير الحوكمة والمحاسبة والسيادة القانونية.
إن المشهد السياسي العربي المعاصر يعد في جوهره استعادة لافتة لنظريات ابن خلدون في مقدمته. وكأن الزمن قد توقف في البناء البنيوي للدولة العربية عند منطق "العصبية" و"الغلبة". فعلى الرغم من استبدالنا لقب "الأمير" بلقب "الرئيس" أو "القائد"، إلا أن المنطق الجوهري للحكم يبقى واحداً: الفرد هو الدولة، والدولة هي الفرد. وتتجلى هنا المفارقة المؤلمة في حراك "الجموع"، تلك الجماهير التي خرجت تطالب بإسقاط الأنظمة، ساعية وراء تحول ديمقراطي حقيقي يهدف إلى إعادة صياغة "العقد الاجتماعي جديد". حيث كانت الرؤية تقتضي تحويل الحاكم من "سلطان مطلق" إلى "موظف عمومي" مكلف بإدارة مؤسسات الدولة وفق شروط دستورية صارمة، تتيح محاسبته أو إقالته عبر مؤسسات تشريعية وقضائية تمتلك سلطة المحاسبة والرقابة والتقصي والسيادة القانونية.
إلا أن الواقع يكشف عن فجوة عميقة؛ إذ لا تزال الثقافة السياسية العربية تفتقر إلى نمط التفكير المؤسسي. بدلاً من أن يكون الرئيس رأساً للسلطة التنفيذية ضمن منظومة توازنات دقيقة، ينتهي به الأمر غالباً محركاً أوحداً لكافة السلطات. وهنا، نسارع إلى القول بأن غياب الثقافة القانونية والمؤسسية في العقل الجمعي العربي أدى إلى فشل محاولات التغيير، مما ينتهي في كثير من الأحيان بإنتاج "ديكتاتورية جديدة" بوجوه مختلفة. فالصنم الخلدوني لا يزال يهيمن على العقل الجمعي العربي تجاه السلطة والدولة. وهذا ما يفسر أن بنية أداء الدولة لم تتغير من الداخل ولا من الخارج.
وإذا أردنا مقاربة الواقع برؤية واقعية، فإن الإشارة إلى النموذج المغربي قد تكون مفيدة، حيث قدم رؤية مغايرة لتفكيك إشكالية "الدولة المشخصة". فمنذ حراك 20 فبراير عام 2011، اختار النظام السياسي (المخزن) استيعاب المطالب الشعبية من خلال تقديم تنازلات مؤسسية ودستورية، أسفرت عن تفويض جزء من الصلاحيات التنفيذية لصالح البرلمان والحكومة. كانت هذه الخطوة بمثابة إعادة صياغة ذكية للعقد الاجتماعي، تهدف إلى إفساح المجال لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والحيلولة دون ارتهان مؤسسات الدولة بالكامل لإرادة الفرد الواحد.
بالتالي، لم يكن مراجعة وتعديل صلاحيات الحاكم في المغرب مجرد إجراء شكلي، بل كانت محاولة لترسيخ فكرة المؤسسات الشريكة في تدبير الشأن العام. في هذا السياق، يأتي حراك "زد (Z)" الأخير في المغرب في سنة 2025 ليصب في اتجاه تعزيز هذا المسار التصحيحي، مطالباً بمزيد من النجاعة المؤسساتية وتوسيع صلاحيات الهيئات الرقابية.
بوجه عام، تعكس هذه الديناميكية رغبة في الانتقال بالدولة من الفكر الأوحد إلى التعددية المؤسساتية، مما يسهم في تحطيم الصنم الخلدوني. حيث يعمل دولاب الدولة وفق سيرورة تعاقدية قانونية تضمن استمرارية المؤسسات بمعزل عن التقلبات المرتبطة بالأشخاص، مما يجعل التجربة المغربية نموذجاً أقرب إلى التطور التدريجي نحو مأسسة السلطة.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الحوكمة في معايير الاعتماد الليبية: إشكالية الدمج بين ص ...
- تحليل الفساد الليبرالية: كيف يفهم الجنوب التحول القيمي والاس ...
- لماذا لا تزال الجامعات العربية نصف جامعات
- إعادة التفكير في شكل ومضمون الإنتاج السوسيولوجي في ظل التحول ...
- لماذا نستمر في الكتابة في علم الاجتماع؟
- المقال السوسيولوجي كجرعة وعي: نحو علم اجتماع شعبي رقمي
- تعطيل النظام الاخلاقي الغربي في حرب غزة
- بين الجبال والمواقف: رحلة حياة جدتي البطولية
- الدكتورة ناديا حياصات……كما عرفتها
- جيل زد في المغرب: من إسقاط الأنظمة إلى تحسين حوكمة الأداء ال ...
- الكتابة العلمية : ممارسة فكرية حيوية تنبض بالحياة
- ثمن العلم... إلى أين؟
- الأخلاقيات في البحث العلمي والحياة الاجتماعية : ممارسة فعلية ...
- مقاربة الشجرة في بناء المشروع النهضوي للتعليم في ليبيا
- عامين من طوفان الأقصى : تحولات من الدائرة العربية المغلقة إل ...
- دعوة لتأسيس تصنيف عربي للباحثين المؤثرين
- القضية الفلسطينبة بعد الخطاب الإسرائيلي في الأمم المتحدة : ق ...
- استدعاء أنماط التحية في المجتمع الليبي : تجسيد الهوية الوطني ...
- مدينة ودان كنموذج للتماسك الاجتماعي في ظل الأزمات في ليبيا
- عملية طوفان الأقصى : ليست مجرد خاطرة أو تسمية عابرة


المزيد.....




- إسرائيل تعلن مقتل عنصر -بارز- في فيلق القدس الإيراني في غارة ...
- حضور لافت لزيدان في مباراة الجزائر وبونجاح يغادر المباراة غا ...
- جدل حول إزالة مقبرة أمير الشعراء وسط مخاوف على تراث القاهرة ...
- قسد تكشف عن -تفاهم مشترك- مع دمشق بشأن دمج القوات العسكرية
- إسرائيل تعلن القضاء على عنصر من الحرس الثوري الإيراني في لبن ...
- إعلان الطوارئ بلوس أنجلس جراء مخاوف من فيضانات خلال عطلة عيد ...
- موقع بريطاني: فانس سيرث الحكم بعد ترامب لكن كيف سيحقق ذلك؟
- هكذا تفاعل الجزائريون بعد إقرار قانون تجريم الاستعمار الفرنس ...
- ما نماذج العالم؟.. الخطوة التالية في تطور الذكاء الاصطناعي
- 5 أمور تحسم شكل العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإعلام في 202 ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - الصنم الخلدوني والدولة الحديثة: استشراف مستقبل الحكم في العالم العربي