أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منصور رفاعي اوغلو - لماذا ينهار التدين التركي أمام النزعة القومية؟














المزيد.....

لماذا ينهار التدين التركي أمام النزعة القومية؟


منصور رفاعي اوغلو

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 12:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تُعدّ تركيا ساحةً فريدة يتقاطع فيها الدين مع القومية والدولة الحديثة. ومع أنّ الإسلام شكّل لقرون طويلة العمود الفقري للهوية العثمانية، فإنّ المشهد المعاصر يكشف عن صعود ملحوظ للنزعة القومية التركية على حساب الدور التقليدي للتديّن في تشكيل الهوية العامة. هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة مجموعة من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية والنفسية التي تفاعلت عبر الزمن.

1. إرث الجمهورية الكمالية: التأسيس على القومية وليس على الدين

عندما أسّس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية الحديثة عام 1923، جعل القومية التركية مركز المشروع الوطني، بينما قرر تحجيم الدين ليكون شأناً خاصاً لا مؤثراً في المجال العام.
تجلّى ذلك في:

فصل مؤسسة الخلافة عن الدولة ثم إلغاؤها.

إقامة مؤسسات تعليمية وقانونية حديثة على النموذج الغربي.

ربط الهوية الوطنية باللغة والثقافة التركية وليس بالدين.


هذا الإرث طويل الأمد جعل القومية إطاراً أصيلاً للهوية الحديثة، بينما أصبح التديّن لاحقاً يشتغل داخل حدود رسمتها الدولة بدقة.

2. الدولة التركية الحديثة تعيد “توجيه الدين” لا “إطلاقه”

حتى عندما عاد الإسلام للظهور في الحياة السياسية والاجتماعية في العقود الأخيرة، لم يُسمح له بأن يكون بديلاً عن الهوية القومية، بل جرى توجيهه ليخدم هذه الهوية.
مؤسسة ديانت (الشؤون الدينية) مثال واضح:
تقدم خطاباً دينياً “وطنياً”، يؤكد على طاعة الدولة، والوحدة القومية، واعتبار الإسلام جزءاً من “التركية” وليس إطاراً فوقها.

وهكذا أصبح الدين أداة داعمة للقومية، وليس منافساً لها، ومع الوقت أصبحت القومية أكثر حضوراً بوصفها الهوية الجامعة، بينما بقي الدين وظيفة اجتماعية.


3. صعود الدولة القومية الحديثة عالمياً

تركيا لا تعيش في معزل عن العالم. فالعصر الحديث قام على:

تعزيز مفهوم الدولة الوطنية.

بناء الجيش القومي.

تفضيل الولاء الوطني على الولاءات الدينية أو الطائفية.


هذا السياق العالمي جعل الأتراك، مثل شعوب كثيرة، يميلون إلى تعريف أنفسهم أولاً كـ“أتراك”، بينما تراجع تعريف “المسلم” كمرجعية شاملة تتجاوز الحدود.


4. العامل النفسي–الاجتماعي: القومية تُشبع الحاجة إلى الفخر

تعرضت تركيا في مراحل مختلفة لضغوط خارجية وصراعات سياسية واقتصادية. في مثل هذه السياقات، تبرز القومية كخطاب يمنح:

الإحساس بالقوة.

الكبرياء التاريخي.

الشعور بالانتماء العرقي والثقافي.


بينما يقدّم التدين قيماً أخلاقية وروحية لكنه لا يزيح مشاعر “الجرح القومي” أو “الفخر القومي” بنفس القوة، ولذلك يظهر القومي أكثر جاذبية للشارع العام.

5. تجارب الإسلام السياسي التي أثارت ردود فعل

شهدت تركيا في العقود الأخيرة تجربة الإسلام السياسي بزعامة حزب العدالة والتنمية.
ومع مرور الزمن، تداخل المشروع الديني بالمشروع القومي، وأحياناً طغت البراغماتية السياسية على الخطاب الديني، الأمر الذي أنتج:

خيبة أمل لدى المتدينين.

شعوراً بأن الاستغلال السياسي للدين أفقده بريقه.

دفْع الشباب للابتعاد عن التدين والاقتراب من قومية “أقل ادّعاءً وأكثر عملية”.


6. الهوية التركية أقوى تاريخياً من الهوية الإسلامية المشتركة

على عكس بعض المجتمعات العربية أو الإسلامية، الهوية التركية تمتلك:

لغة موحدة قوية.

تاريخاً قومياً واسعاً.

شعوراً بالاستمرارية الحضارية من قبائل الأوغوز إلى الدولة العثمانية.


لذلك فإنّ القومية التركية تعمل كحاضنة عميقة الجذور، بينما يُنظر للتدين باعتباره أحد مكوّنات الشخصية التركية وليس محرّكها الأول.


7. التحولات الجيلية: شبابٌ قومي أكثر منه ديني

تشير الدراسات الاجتماعية في تركيا إلى أن الجيل الجديد:

أكثر تركيزاً على القيم القومية.

أقل التزاماً بالشعائر الدينية مقارنةً بالجيل السابق.

أكثر تأثراً بالإنترنت، الثقافة العالمية، وأفكار الهوية الوطنية الحديثة.


والنتيجة: انتقال مركز الهوية من “الإسلام” إلى “التركية”.


إنّ “انهيار التدين” أمام “النزعة القومية” في تركيا ليس انقطاعاً فجائياً، بل استمرار لمسار تاريخي بدأ مع تأسيس الجمهورية، ثم ترسّخ عبر المدرسة والجيش والإعلام والسياسة.
القومية التركية أصبحت الإطار الأكبر الذي يتحرك فيه كل شيء بما فيه الدين بينما لم يعد التدين قادراً على منافسة القومية في تشكيل الشعور الجماعي، لأن الأخيرة ترتبط بالوطن واللغة والذاكرة التاريخية، وهي عناصر عاطفية قوية يصعب أن ينافسها خطاب ديني مؤطر وموجّه.



#منصور_رفاعي_اوغلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلفية الجهادية في سوريا: هل هي ظاهرة طارئة أم أصيلة في الم ...
- كيف ترى سوريا والعراق أن تركيا تسرق حصتهما من مياه دجلة والف ...
- صراع الهوية في تركيا: هل يشبه الأتراك شعوب المنطقة؟
- لماذا تتبنّى بعض الحركات السلفية الجهادية خطابًا يحضّ على قت ...
- اكراد تركيا ... متى سيحصلون على حقوقهم
- لواء إسكندرون… الأرض السورية التي ابتلعها الجيران
- انهيار الدولة التركية… هل هو حلم أوروبا أم كابوسها؟
- الدولة العميقة في تركيا… خطر يهدد المنطقة
- القضاء التركي أعمى عندما يتعلق الأمر بالسوريين
- سوريا بين مطرقة تركيا وسندان اسرائيل
- الدولة العثمانية… لعنة أصابت العالم لسبعمئة عام
- هل يقبل الأتراك برئيس كردي يأتي عبر صناديق الاقتراع؟
- وزارة الخارجية التركية تسرق السوريين باسم الفيزا
- هل فتح الله غولن ارهابي ،، ام رجل دين ،، ام كلاهما
- لماذا لا احد يحب تركيا؟ كيف تحولت سياسة صفر مشاكل الى صفر اص ...
- صراع الدين والعلمانية في تركيا .... هل انهزم الاثنان؟
- تركيا والاتحاد الأوروبي: حب من طرف واحد
- المسلمون في أوروبا: جعجعة بلا طحين
- انهيار الليرة التركية: هل أفقر أردوغان الأتراك لعشرين سنة قا ...
- الحزب القومي التركي والذئاب الرمادية: الوجه الخفي للارهاب ال ...


المزيد.....




- ترتيب الجناة الرئيسيين خلف مقتل 67 إعلاميا وفقا لمراسلون بلا ...
- -الغبيات القذرات-… عبارة بريجيت ماكرون التي أشعلت فرنسا
- الكونغرس الأمريكي يوافق على إلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات ع ...
- تشيكيا تشرّع استخدام مادة السيلوسيبين المستخلص من الفطر السح ...
- إسرائيل تقر بناء 764 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية ا ...
- لوموند: إسرائيل تفرض نظاما غير مسبوق من الإرهاب في الضفة الغ ...
- الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تف ...
- قوة إسرائيلية تفجر منزلا بعد تسللها في جنوب لبنان
- صحف عالمية: غزة تتعرض لوصاية استعمارية غير قانونية بقيادة تر ...
- زعيم الانقلاب الفاشل في بنين يفر إلى توغو المجاورة


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منصور رفاعي اوغلو - لماذا ينهار التدين التركي أمام النزعة القومية؟