أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - منصور رفاعي اوغلو - تركيا والاتحاد الأوروبي: حب من طرف واحد














المزيد.....

تركيا والاتحاد الأوروبي: حب من طرف واحد


منصور رفاعي اوغلو

الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 03:25
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


منذ أكثر من نصف قرن، تحاول تركيا أن تطرق أبواب أوروبا لتصبح جزءًا من النادي الغربي الذي طالما حلمت بالانضمام إليه. بدأت المسيرة رسميًا عام 1963 باتفاقية الشراكة مع الجماعة الاقتصادية الأوروبية، ثم تقدمت أنقرة بطلب العضوية عام 1987، وافتُتحت مفاوضات الانضمام في 2005.
لكن بعد كل هذه العقود من “الخطوبة السياسية”، لا يزال الاتحاد الأوروبي ينظر إلى تركيا كجارٍ صعب المراس، لا كشريك مستحق للمقعد الأوروبي. وهكذا تحولت العلاقة بين الطرفين إلى حبٍّ من طرف واحد: تركيا تطلب، وأوروبا ترفض بلطف.

من حلم أتاتورك إلى مأزق أردوغان

لطالما اعتبر مصطفى كمال أتاتورك أن مستقبل تركيا في الغرب، لا في الشرق. فبنى جمهورية علمانية، وألغى الخلافة، وأدخل القوانين الأوروبية إلى المحاكم والمدارس.
لكن هذا الإرث الأوروبي أخذ يتآكل تدريجيًا مع صعود رجب طيب أردوغان، الذي حاول الجمع بين الخطاب الإسلامي والطموح الأوروبي في آنٍ واحد.
في السنوات الأولى من حكمه، بدا وكأنه الزعيم الذي سيقود تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بعد إصلاحات في القضاء والاقتصاد وحقوق الإنسان.
لكن مع الوقت، ومع تحوله إلى حكم فردي، بدأت أوروبا تغلق أبوابها واحدة تلو الأخرى.

لماذا لا تريد أوروبا تركيا عضوًا؟

السبب لا يقتصر على السياسة فقط، بل يمتد إلى الهوية والثقافة والديموغرافيا:

دخول تركيا سيجعلها أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان، ما يعني وزنًا سياسياً كبيرًا لا ترغب به العواصم الأوروبية.

أوروبا تخشى فتح الحدود أمام 85 مليون تركي، في وقت تعاني فيه أصلاً من أزمات الهجرة والاندماج.

والأهم، أن القيم السياسية في تركيا — من تراجع الحريات، وقمع الصحافة، والتضييق على المعارضة — تجعلها بعيدة جدًا عن “معايير كوبنهاغن” التي تحدد هوية الديمقراطية الأوروبية.

باختصار، أوروبا ترى في تركيا جارًا نافعًا ولكن غير مرغوب به في العائلة: يمكنها أن تكون شريكًا اقتصاديًا، أو حارسًا لحدود المهاجرين، لكن لا يمكنها أن تكون عضوًا متساويًا في الاتحاد.

تركيا وأوروبا... علاقة المصلحة لا المبدأ

من جهة أخرى، لم تعد تركيا نفسها متمسكة بالحلم الأوروبي كما كانت في السابق.
فأردوغان، الذي بنى جزءًا من شعبيته على خطاب “الكرامة الوطنية”، وجد في الرفض الأوروبي ذريعة لتأجيج المشاعر القومية، وتقديم نفسه كزعيم يقف في وجه “غرور الغرب”.
وبينما يهاجم أوروبا في خطاباته، لا يتردد في استخدام العلاقة معها كورقة ضغط:

يهدد بفتح حدود اللاجئين نحو أوروبا.

يساوم الاتحاد على ملفات الغاز والهجرة والاتفاقيات الجمركية.

ويستثمر كل توتر جديد ليذكّر الأوروبيين بأنه لا يمكنهم الاستغناء عن تركيا.

هكذا تحوّلت العلاقة إلى زواج مصلحة بلا حب متبادل: أوروبا تريد من تركيا أن تبقى في موقع الحارس الجنوبي، وتركيا تريد من أوروبا شرعيةً تعزز مكانتها أمام الداخل والعالم.

من تركيا الأوروبية إلى تركيا العثمانية

كلما ازداد الرفض الأوروبي، ازداد انكفاء تركيا نحو الهوية العثمانية والإسلامية.
بدأ أردوغان يتحدث عن “تركيا الكبرى” التي تقود العالم الإسلامي، لا عن “تركيا الأوروبية” التي تنتظر القبول في بروكسل.
وهكذا، بدل أن تدفع مفاوضات الانضمام تركيا نحو الإصلاح، دفعتها — paradoxically — نحو الاستبداد والانغلاق، حتى بات حلم الاتحاد الأوروبي بالنسبة للأجيال الجديدة في تركيا رمزًا للسذاجة القديمة.


المواطن التركي... الخاسر الأكبر

في النهاية، ليس السياسيون ولا الأحزاب من يدفعون ثمن هذا “الحب من طرف واحد”، بل المواطن التركي البسيط.
فبينما يتحدث أردوغان عن “الكرامة الوطنية”، يجد الشاب التركي نفسه عاجزًا عن الحصول على تأشيرة شنغن، بعد أن أصبحت أوروبا تنظر إلى الطلبات التركية بعين الشك، وتضعها في قوائم المراجعة الأمنية.
أما فرص العمل والتعليم، فباتت محدودة جدًا مقارنة بما كانت عليه قبل عقد، إذ تراجع التعاون الجامعي، وتقلصت فرص المنح الأوروبية، وانكمشت مشاريع البحث المشتركة التي كانت تفتح الأبواب أمام النخب التركية الشابة.

اقتصاديًا، خسر المواطن العادي أكثر من الجميع، لأن غياب العضوية الأوروبية يعني غياب الاستقرار المالي والاستثماري الذي كان يمكن أن يضمن قوة الليرة وتحسن المعيشة.
واليوم، بينما يسافر الأوروبي إلى تركيا للسياحة، لا يستطيع التركي نفسه السفر إلى أوروبا إلا بشق الأنفس، حاملاً أوراقه في طوابير الانتظار أمام السفارات.

وهكذا انتهى “الحلم الأوروبي” الذي وعد به السياسيون الأتراك أجيالًا متعاقبة، وبقي التركي العادي هو العاشق الوحيد الذي لم يتلقَّ يومًا كلمة قبول من الطرف الآخر.


بعد ستين عامًا من الانتظار، تبدو الحقيقة واضحة:
الاتحاد الأوروبي لا يريد تركيا، وتركيا لم تعد تؤمن بأوروبا.
لكنّ الطرفين لا يستطيعان الانفصال كليًا — فالمصالح الاقتصادية والأمنية أقوى من المشاعر السياسية.
لقد انتهت قصة الحب التي لم تبدأ أصلًا، وباتت العلاقة اليوم مثل علاقة شريكين يسكنان في بيت واحد، لكنهما يعيشان في عالمين مختلفين:
أوروبا تتحدث عن القيم، وتركيا تتحدث عن القوة.



#منصور_رفاعي_اوغلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسلمون في أوروبا: جعجعة بلا طحين
- انهيار الليرة التركية: هل أفقر أردوغان الأتراك لعشرين سنة قا ...
- الحزب القومي التركي والذئاب الرمادية: الوجه الخفي للارهاب ال ...
- هل انتهت داعش أم أنها باقية ببقاء الإسلام السلفي؟ سوريا نموذ ...
- بعد نجاح تجربة أربيل: هل حان الوقت لدولة كردية جديدة في المن ...
- بين الاحتلالين الإسرائيلي والتركي: لماذا يغضّ المسلمون الطرف ...
- كمال اتاتورك اراده الاتراك يسوعا فحصلوا على هولاكو
- هل شوّه المسلمون الإسلام أم أنه وُلِد مشوّهًا؟
- نحو تحالف استراتيجي كردي عربي في وجه المد التركي


المزيد.....




- خارجية أمريكا ترد على -لقاء كوشنر وأبو شباب قائد الميليشيا ا ...
- الاتحاد الأوروبي يسعى لتأجيل قانون إزالة الغابات
- مجموعة السبع تبحث بكندا أزمات غزة والسودان والكاريبي وأوكران ...
- العلاج الحراري المنزلي ربما يكون الحل الأمثل لخفض ضغط الدم
- روسيا تتصدى لمسيّرات وأوكرانيا تؤكد تدهور الأوضاع في زاباروج ...
- نشأة وتطور التصوير الفوتوغرافي في القدس
- علاج جديد يحمي الخلايا العصبية المتضررة من مرض العصبون الحرك ...
- فيديو.. تركيا تعلن مقتل 20 عسكريا في -كارثة الطائرة-
- وثائق سرية تكشف -مخاوف مكبوتة- من إمكانية انهيار اتفاق غزة
- بعدما خدعت 128 ألف شخص.. القضاء يقرر عقوبة -ملكة الكريبتو-


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - منصور رفاعي اوغلو - تركيا والاتحاد الأوروبي: حب من طرف واحد