أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منصور رفاعي اوغلو - كمال اتاتورك اراده الاتراك يسوعا فحصلوا على هولاكو














المزيد.....

كمال اتاتورك اراده الاتراك يسوعا فحصلوا على هولاكو


منصور رفاعي اوغلو

الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كل أمة مهزومة تبحث عن مخلّص.
وحين سقطت الدولة العثمانية في ركام الحرب العالمية الأولى، كان الأتراك أشدّ ما يكونون عطشًا إلى منقذٍ يعيد لهم الكبرياء المفقود.
في تلك اللحظة المظلمة، خرج من بين رماد الإمبراطورية رجلٌ بملامح عسكرية صارمة وعيون لا تعرف التردد: مصطفى كمال أتاتورك.
رآه الناس بطلاً، نبيًّا للحداثة، مخلّصًا من الجهل والتخلّف.
لكن في سعيه لبناء تركيا الجديدة، لم يحمل مشعل الرحمة، بل سيف القطيعة.
لقد أرادوه يسوعاً، فإذا به يتحوّل إلى هولاكو قاسٍ أعاد تشكيل الأمة على مقاس رؤيته وحده.

1. منقذ من الركام

كان الظرف التاريخي يمنح لأتاتورك كل المبررات ليبدو بطلاً:
بلاد محتلة، جيش مهزوم، أمة بلا سيادة.
قاد حرب الاستقلال ببراعة، واستطاع أن يطرد الجيوش الأجنبية ويعلن قيام الجمهورية التركية عام 1923.
لقد وهب للأتراك الخلاص من الاحتلال الخارجي، لكنه في الوقت نفسه فرض عليهم احتلالًا من نوعٍ آخر: احتلال الذاكرة والهوية.

2. الجمهورية على أنقاض الروح

في مشروعه لتحديث الدولة، أراد أن يقطع مع “الشرق” بكل رموزه:
ألغى الخلافة، أغلق المدارس الدينية، بدّل الحروف العربية باللاتينية، وفرض اللباس الغربي بالقانون.
لم تكن تلك مجرد إصلاحات، بل عملية اقتلاع جماعي للهوية.
فبدلاً من أن يحرّر العقول، استبدل بها عقل الدولة.
وبدلاً من أن يوقظ الإيمان بالعلم، زرع الخوف من الدين.

لقد آمن الأتراك أن أتاتورك يقودهم إلى النور، لكنه في الحقيقة أغلق النوافذ القديمة قبل أن يفتح نوافذ جديدة.
وحين استيقظوا، وجدوا أنفسهم غرباء في وطن بلا ذاكرة، يتحدثون لغة لا تفهم ماضيهم، ويرفعون شعارات لا تشبه أرواحهم.

3. قسوة التنوير القسري

مشروع أتاتورك لم يكن مجرد إصلاح سياسي، بل ثورة ثقافية قسرية.
لقد أراد أن يصنع الإنسان التركي الحديث بالقوة، حتى لو سحق في طريقه كل ما تبقى من الإنسان القديم.
ألغى التعدد باسم الوحدة، وأسكت المعترضين باسم التقدم.
لم يترك للناس حقّ أن يختاروا، بل ألزمهم أن يتبعوا.
هكذا تحوّل المخلّص إلى حاكمٍ لا يُسأل، ورُسمت صورته في المدارس كرمزٍ مقدّس، لا يجوز نقده ولا حتى التساؤل حوله.

4. بين المخلّص والطاغية

الأتراك اليوم ما زالوا يعيشون في تلك المفارقة:
في قلوبهم أتاتورك الأب، وفي تاريخهم أتاتورك الحاكم الحديدي.
يتحدثون عنه كما لو كان رسول التنوير، لكنهم يغضّون الطرف عن قسوته وعن الدماء التي رافقت صعوده.
لقد منحهم وطناً، لكنه نزع منهم جذورهم.
حرّرهم من سلطان الدين، لكنه استبدله بسلطان صورته هو.

إنه الرجل الذي ظنوه “مخلّصهم”، لكنه في الواقع أعاد تشكيلهم على صورة نفسه؛
رأوه يسوعهم، لكنه سار فيهم باسلوب هولاكو.

5. الخاتمة: بين الخلاص والعبودية

التاريخ لا يحكم بالأمنيات، بل بالنتائج.
وقد أنقذ أتاتورك تركيا من التفكك، لكنه في المقابل حوّلها إلى أمة تعيش بين نقيضين:
حداثة بلا حرية، وعلمانية بلا تسامح، وهوية تبحث عن ذاتها بين المسجد والتمثال.

مصطفى كمال كانوحشًا، و لم يكن مخلّصًا أبداً
لقد كان تجسيدًا لمرحلةٍ أرادت الخلاص فقبلت القسوة، طلبت النور فوجدت النار.
وحتى اليوم، ما زال الأتراك يعبدون صورته كما تُعبد الرموز، دون أن يتجرؤوا على النظر في عينيه ليروا الحقيقة:
أن الرجل الذي صنع جمهوريتهم، صنعها على أنقاض أرواحهم.



#منصور_رفاعي_اوغلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل شوّه المسلمون الإسلام أم أنه وُلِد مشوّهًا؟
- نحو تحالف استراتيجي كردي عربي في وجه المد التركي


المزيد.....




- أحمد الشرع وما يحتاج لتأمينه في سوريا وتعليق عقوبات -قانون ق ...
- فرنسا تحيي الذكرى السنوية الـ107 لهدنة عام 1918 التي أنهت ال ...
- سوريا.. صورة مريض ملقى أمام مستشفى تثير الغضب
- تايلاند تنوي تعليق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع كمبوديا ال ...
- تحقيق: أوكرانيا صنعت صاروخا يتفوق على صاروخ توماهوك الأمريكي ...
- منذ أحداث 13 نوفمبر وحالة الطوارئ... تراجع مستمر للحريات الف ...
- مليشيات ومجموعات مدعومة من إسرائيل وغيرها... من هم أعداء حما ...
- -قطر للتنمية- يوقّع منحة لدعم مستشفى فلسطين في بيت لحم
- توبيخ نتنياهو خلال محاكمته بتهم فساد
- نتنياهو ينفي التعهد بخروج مقاتلي حماس العالقين بأنفاق رفح


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منصور رفاعي اوغلو - كمال اتاتورك اراده الاتراك يسوعا فحصلوا على هولاكو