نحو تحالف استراتيجي كردي عربي في وجه المد التركي

منصور رفاعي اوغلو

الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 08:10
المحور: القضية الكردية
    

يشهد الشرق الأوسط اليوم مرحلةً من التحولات الجيوسياسية المتسارعة، تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية على نحوٍ غير مسبوق. وفي ظلّ هذا الواقع المربك، تبرز السياسات التوسعية التركية بوصفها أحد أهم مصادر التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، إذ تمتدّ أنقرة في نفوذها العسكري والاقتصادي من شمال سوريا والعراق إلى ليبيا وشرق المتوسط. أمام هذا المشهد، يفرض الواقع ضرورة بناء تحالف استراتيجي عربي–كردي قادر على تحقيق التوازن وردع التمدّد التركي، وصون مصالح شعوب المنطقة من الهيمنة الخارجية.


أولًا: جذور الطموح التركي

تستند السياسة التركية الحديثة، خصوصًا منذ صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، إلى مشروع يقوم على إحياء الدور العثماني في الإقليم. وقد تجلّى ذلك في:

1. التدخل العسكري المباشر في شمال سوريا والعراق بحجة "محاربة الإرهاب"، بينما الهدف الفعلي هو السيطرة على مناطق استراتيجية غنية بالنفط والمياه.


2. التغلغل الاقتصادي والسياسي في بعض الدول العربية عبر الاستثمارات والدعاية الدينية والثقافية.


3. استخدام الورقة الكردية كورقة ضغط دائمة لتبرير التدخلات، في حين تستهدف أنقرة فعليًا إضعاف أي كيان كردي مستقل أو شبه مستقل في المنطقة.

ثانيًا: العرب والأكراد… تاريخ من التلاقي والمشترك

رغم تعقيدات التاريخ الحديث، فإنّ العلاقة بين العرب والأكراد تمتد جذورها إلى قرونٍ من التعايش المشترك في إطارٍ حضاري وثقافي واحد.

كلا الشعبين يشتركان في الانتماء إلى الجغرافيا نفسها والتهديدات ذاتها.

تقاطعت مصالحهما في مواجهة مشاريع خارجية استهدفت المنطقة، سواء كانت عثمانية أو استعمارية أو حديثة.

ثمة اليوم فرصة تاريخية لتجاوز الجروح القديمة وبناء شراكة قائمة على الندية والمصالح المشتركة لا على التبعية أو الارتياب المتبادل.


ثالثًا: ملامح التحالف الاستراتيجي المنشود

يقوم التحالف الكردي–العربي المقترح على ثلاثة أبعاد رئيسة:

1. البعد الأمني والعسكري:

تنسيق الجهود الاستخبارية والعسكرية لمواجهة التنظيمات المدعومة من تركيا.

حماية الحدود المشتركة ومنع أنقرة من استغلال الفجوات الأمنية.


2. البعد الاقتصادي:

إقامة مناطق تجارة حرة ومشاريع تنمية في شمال العراق وسوريا تعزز التكامل العربي–الكردي.

استثمار الموارد النفطية والمائية بشكل مشترك بعيدًا عن الهيمنة الخارجية.


3. البعد السياسي والثقافي:

دعم الاعتراف المتبادل بالحقوق القومية والثقافية لكل طرف.

إنشاء أطر تشاورية دائمة بين الحكومات العربية والإدارة الكردية في العراق وسوريا

رابعًا: التحديات والعقبات

لا يمكن تجاهل أن طريق هذا التحالف محفوف بالتعقيدات، منها:

الانقسامات الداخلية داخل البيت العربي والكردي على حد سواء.

الضغوط الدولية التي قد تمارسها قوى كبرى ترى في أي تقارب عربي–كردي تهديدًا لمصالحها.

الذاكرة التاريخية المثقلة بالشكوك المتبادلة، والتي تحتاج إلى مصالحة سياسية وثقافية جادة لتجاوزها.

إنّ مواجهة المدّ التركي المتصاعد ليست مسؤولية طرفٍ واحد، بل هي قضية أمن قومي إقليمي تتطلب تنسيقًا واعيًا وشراكة متكافئة بين العرب والأكراد.
إن تحالفًا استراتيجيًا بينهما لن يكون فقط جدار صدٍّ أمام الأطماع التركية، بل خطوة نحو نظامٍ إقليمي جديد يقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ويعيد للمنطقة توازنها المفقود.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل