أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء














المزيد.....

أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 10:02
المحور: قضايا ثقافية
    


في البصرة، تلك المدينة التي تنام على كتف الماء وتستيقظ على رائحة الملح، وُلد الأدب كما يولد النخيل من التربة الرطبة، صلبًا، عاليًا، وممتدًا نحو الشمس. هنا تشكّل تاريخُ اللغة في خليطٍ من أسطورةٍ سومرية وذاكرةٍ عربية، وهنا نمت قصائد السيّاب كأنها مطر يتكلم، وهنا أيضًا بدأت المرأة البصرية تتحرر تدريجيًا من أدوار الصمت لتصبح شريكًا في الكتابة، وحارسةً لجمال المدينة التي تنحاز دائمًا إلى الشعر حتى في أقسى اللحظات. من هذا المناخ الروحي والفلسفي خرجت أزهار السيلاوي—أزهار رجب شعبان—واحدة من الأسماء التي حافظت على وهج البصرة في زمن تختلط فيه الأصوات، وبقيت هي تؤمن أن الشعر يمكنه دائمًا أن يرمم ما تهدم في الروح.أزهار السيلاوي لم تكتب من فراغ، فهي ابنة مدينة تعرف أن الكلمات مثل الماء: إن جرت صفّت الروح، وإن توقفت خدّرت الذاكرة. درست في معهد إعداد المعلمات–قسم العلوم والرياضيات، وهو مسار يثير الدهشة لمن يتتبع علاقتها بالكلمات، لكن هذه المفارقة منحتها لغة دقيقة ومشدودة، فيها من حسابات الرياضيات بُعدٌ منطقي، وفيها من مزاج الأنثى بُعدٌ إنساني لا يخطئ القلب. لم يكن طريقها إلى الأدب معزولًا عن المجتمع، بل كانت جزءًا من المشهد الثقافي منذ بداياتها، عضوة في اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة، وفاعلة في النشاط الصحفي بوصفها عضوة في اتحاد الصحفيين العراقيين فرع البصرة سابقًا، ثم شاعرة تحضر المهرجانات وتشارك في الأمسيات وتخوض التجارب الإبداعية كأنها تخوض رحلتها الوجودية الخاصة.وما يميز أزهار أنها كتبت نفسها بوعي، وكتبت البصرة بحدس، وكتبت المرأة بجرأة هادئة لا تستفز أحدًا لكنها تحفر أثرًا لا يُنسى. المدينة التي تضم ملتقى النهرين، وتنام على شط العرب، وتنتشر على أطرافها الأسواق القديمة برائحة القهوة والتمر والصوت الشعبي، لم تكن مجرد خلفية جغرافية لنصوصها؛ لقد كانت المعلم الأول لروحها. فشط العرب منحها اللغة التي تسيل بهدوء، والنخيل أهدى لها ذلك الإصرار على الشموخ والعطاء، والضجيج اليومي للسوق منحها عينًا لا تخطئ التفاصيل، والماضي الشعري للمدينة—من السيّاب إلى آخر شاعر يمر في الزقاق—منحها الإحساس بأن الكتابة مسؤولية وامتداد وليست مجرد كلمات.وفي مجموعاتها الشعرية التي شكّلت مع مرور السنوات أرشيفًا لرحلة قلبها—"طقوس لأزمنة الحب"، "قبلة على جنح السراب"، "لقاء على شفاه الحب"، "عناق في قطر المحيط"، "خطوط استواء النبيذ"—تبدو أزهار شاعرة لا تتعاطى الحب باعتباره انفعالًا عابرًا، بل كمسألة فلسفية تسأل فيها الوجود عن جدوى العاطفة، وتبحث عن ذلك الخط الرفيع بين الخسارة والامتلاء، بين الحضور والغياب، بين ما نعيشه وما نودّ لو عشناه. حبها لا ينفصل عن الماء، ولا عن الجغرافيا، ولا عن القدر الشرقي الذي يضع المرأة دومًا أمام حوارٍ بين ما تريد وما يجب، لكنها تمكنت من تحويل هذا الصراع إلى جمال لغوي، وإلى نصوص لا تخلو من رمزية تحاكي وجدان الشرق وتعيد للعاطفة هيبتها.ولم تقف تجربتها عند حدود الشعر، بل اتسعت إلى الصحافة الثقافية حيث نُشرت مقالاتها ونصوصها في صحف عربية وعراقية وعالمية، منها جريدة الدستور العراقية، المستقبل الجزائرية، الحدث الصادرة في لندن، العدالة الآن، العراقية الأسترالية، صحيفة الكنوز، مجلة الهيكل، مجلة شرارة، جريدة الأضواء، وموقع أنطولوجيا المغربية، إضافة إلى مشاركاتها في الورش الأدبية والإقامات الإبداعية مثل الإقامة الأدبية في معهد غوته والورش المتخصصة بكتابة الرواية. هذا الامتداد لا يؤكد حضورها فحسب، بل يؤكد قدرتها على الانتقال من الذات إلى العالم، ومن البصرة إلى الفضاء العربي، ومن القصيدة إلى النص المتعدد الأنواع.وإذا كان الأدب المرآة الأصدق للمجتمع، فإن أزهار السيلاوي تمثل إحدى الصور الحديثة للمرأة البصرية: امرأة لا تستسلم للقوالب، بل تكسرها برفق، تكتب بلا خوف، وتشارك بلا تردد، وتؤمن أن صوتها ليس أقل جدارة من أي صوت آخر. لم تأخذ من البصرة جغرافيتها فقط، بل أخذت منها أخلاق النخلة؛ ثابتة الجذور، عالية السعف، مانحة للظلّ مهما اشتد الحرّ.هكذا تبدو أزهار السيلاوي اليوم: شاعرة تحمل جغرافيا كاملة في قلبها، تكتب بروح مدينةٍ ولدت من الماء، وتنهض من الرماد في كل مرة. وما بين حقيقتها الشعرية وحقيقتها الإنسانية تقف امرأة تجمع في كلماتها ما بين الضوء والظل، بين الحنين والمستقبل، بين أنوثة لا تخجل من نفسها وفكرٍ يواجه العالم ولا يلين.في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتختلط فيه الأصوات، تبقى أزهار واحدة من تلك الأصوات التي تذكّرنا بأن الأدب ليس رفاهية، بل ضرورة روحية، وأن البصرة ما زالت قادرة على منح العالم أدباء يكتبون بلغتها: لغة الماء، والرطب، والسماء المنخفضة على شط العرب. وفي حضورها تتأكد حقيقة قديمة: أن كل مدينة عظيمة تحتاج دائمًا إلى امرأة تكتبها، وتصدّقها، وتحمل في صوتها ما عجز التاريخ عن قوله. وهذه المرأة، اليوم، هي أزهار السيلاوي.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظلال لا تُكتب… حين يولد الأدب في العتمة
- حكاية العراق بين فلسفة الفساد وميتافيزيقيا السلطة
- المرأة التي مشت فوق حدود النار… وسقطت في ظلّها
- ذاكرة العراق بعد أربعين عامًا من الحروب
- رحيل البلبل الأصيل… قراءة في وجع المبدع العراقي
- وَجْهُ الظَّلام
- ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها
- -صمتٌ مصلوب-
- -تاريخ الأعمال الفنية التي حاولت قتل أصحابها-


المزيد.....




- بعد قفزه مباشرة.. شاهد مظليًا يعلق بجناح طائرة في أستراليا
- غوتيريش يتحدث عن اجتماع مرتقب في جنيف سيجمع طرفي النزاع في ا ...
- تهديد بهدم قبر عزّ الدين القسّام.. ما الرسالة التي يسعى بن غ ...
- زيلينسكي يكشف -نقاط الخلاف- في الخطة الأميركية.. وترامب -مست ...
- أفراح في الشوارع السورية بعد إلغاء مجلس النواب الأمريكي قانو ...
- غزة: ما مصير خطة ترامب في القطاع؟
- السعودية تربح أمام فلسطين 2-1 وتتأهل لنصف نهائي كأس العرب
- ترامب: إنهاء الحروب في العالم مزاعم أم حقيقة؟
- ما تداعيات التصويت الأميركي على إلغاء قانون قيصر ورفع العقوب ...
- هل تنجح سوريا في تنفيذ اشتراطات إلغاء -قانون قيصر-؟


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أزهار السيلاوي… نخلة البصرة التي كتبت تاريخها بالحبر والضوء