محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 14:19
المحور:
القضية الفلسطينية
في صباحٍ باهِتٍ يشبه رماد الغيم، استيقظنا على خبرٍ لم نتدرّب يوماً على احتماله، خبرٌ جاء بلا تمهيد، بلا تلك المساحة الرحيمة التي تُمنح عادةً للقلوب كي تستعد. هكذا وببساطة موجِعة، قيل لنا: زهرة البيلسان لم تعد موجودة في هذه الحياة.
وكأن العالم فقد لونه، وكأن الشوارع التي مرّت فيها خطواتها تُعيد صدى الغياب لا صدى الحياة.
كيف فقدنا زهرة البيلسان؟
وما الذي يجعل القدر أكثر براعةً منّا في اقتناص أحبّتنا؟ يمدّ يده في لحظة شرود، يختار أكثر الوجوه قرباً وأكثر الأصوات دفئاً، ثم يسحبها من بين أصابعنا كما تُسحب ورقةٌ من شجرةٍ في آخر الخريف… ورقةٌ كانت ما تزال خضراء، ولم يكن ينبغي لها أن تسقط.
لم يمنحنا القدر فرصةً لوداعٍ أخير،
ًلم يترك لنا مقعدا شاغراً قرب ظلّها، ولا لحظةً نضع فيها كلماتنا الأخيرة في جيب الرحيل.
غادرت كما يختفي الضوء حين تُطفأ المصابيح: فجأة، بلا صوت، تاركةً وراءها ظلاماً نحتاج وقتاً طويلاً كي نعتاد ملامحه.
لماذا يرحل الذين نحبّهم دائماً دون وداع؟
لماذا تُتقن الحياة فنَّ الخسارة، بينما تعجز عن تعليمنا درساً واحداً في الربح؟
نربّي قلوبنا على الاحتمال، لكنها تبقى هشّة أمام غيابٍ واحد. نملأ أيامنا بهم، ثم نجد أنفسنا مضطرين فجأة لأن نواصل الحياة دونهم، كمن يُطلب منه أن يمشي على ساقٍ واحدة.
على رصيف الغياب تتكدّس أسئلتنا، تتزاحم دون أن تجد إجابة.
نبحث عن ظلّها في التفاصيل الصغيرة: في فنجان قهوة لم يُشرب، وفي كرسيٍّ ما يزال دافئاً، وفي بابٍ كان يُفتح بصوت ضحكتها، لكن الأشياء، مهما حاولت، لا تُجيد تقمّص الغائبين.
تظلّ زهرة البيلسان علامةً على ألمٍ لا يُنسى، ورائحةً لا تذبل رغم الغياب.
وربما… كل ما نستطيع فعله هو أن نحمل غيابها بطمأنينةٍ خجلى، وأن نصدّق أنّ الأرواح الجميلة لا تُطفِئها المسافات، بل تُعيد ترتيب العالم بصمتٍ أعلى من كل الأصوات.
رحلت زهرة البيلسان،
لكن البيلسان لا يموت؛ بل يتحوّل إلى ذاكرةٍ بيضاء تعلّمنا كل يوم أن القلوب التي تستحق الحب… تظلّ هنا، حتى وإن غابت.
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟