أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - غزة والشاعر في ديوان -دم دافئ فوق رمل الطريق- سميح محسن















المزيد.....

غزة والشاعر في ديوان -دم دافئ فوق رمل الطريق- سميح محسن


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 00:39
المحور: الادب والفن
    


كتبت غالبية الشعوب عن واقعها، ما عاشته من ويلات ومآسٍ، من أحدث قاسية، لهذا تجد الأدب الفلسطيني يحمل الألم/ القسوة/ الظلم الذي وقع عليه من العدو ومن الصديق. وبما أننا في هذا القرن عشنا أكبر مجزرة حدثت في العصر الحديث، 250 ألف إنسان ـ غالبتهم من الأطفال والنساء ـ تم قتلهم أو جرحهم، وأكثر من مليونين تم تشريدهم في سجن يسمى قطاع غزة، وأكثر من 80% من البيوت والمباني والمنشآت تم تدميرها، نصل إلى أن أي كاتب/ أديب ينتمي لهذا الشعب، لهذه الأمة، عليه التوقف والكتابة عن واقع شعبه/ أمته.

بداية أشير إلى أن الشاعر "سميح محسن" من أوائل الشعراء الذي واكبوا المجزرة في غزة، وأحدثوا حركة ثقافية أدبية ستكون وثيقة أدبية في المستقبل عن حجم الإبادة التي أقترفها مجرم العصر، جيش الاحتلال ودولته البربرية، وذلك من خلال المراسلات التي تمت بينه وبين الشاعر جواد العقاد والتي شاركهم فيها العديد من الكتاب والأدباء.

الكتابة
أما بخصوص ديوان "دم دافئ فوق رمل الطريق" فالشاعر يؤكد نهج "سميح محسن" المنتمي لشعبه، الوفي لأصدقائه الذين حضروا في الديوان: "حنين عاشور، آمنة جمعة، خالد شاهين، سليم النفار، جواد العقاد، الذين خصهم بقصائد، من هنا يمكننا الدخول إلى الديوان، ونبدأ من الكلمة، من الكتابة، أداة المقاومة التي يدافع بها عن شعبة، جاء في قصيدة "سأقبض على فكرة شاردة":
"سأقبضُ يومًا على فِكرَةٍ شارِدَة...
لا أقايّضُ حرفاً بِدَم،
بل أحاولُ أن أُخرِجَ النّصَ
من كهفِ قلبي،
أضيءَ أصابِعَ هذي الحرُّوفِ
لعلّ الكلامَ يُبِلسِمُ جرحًا
تَعَمَّقَ في روحِ روحي...
وإن كنتُ أعرفُ أنّ القصيدةَ
تَعجَزُ عن صدِّ قُنبُلَةٍ
سوفَ تمحو الحياةَ عن الأرضِ
(هذا أُريدَ لها أن تكون)...
وأنّ القصيدةَ
لم تُشفِ يومًا
جراحَ جريح
ولكنّها قد تُطَبطِبُ رفقًا
على كَتِفَيّنِ لطفلٍ
يُضِلُّ الطّريقَ إلى الدّار...
أنا لا أقايّضُ حرفاً بِدَم،
ولكنّني لن أخونَ البلادَ التي
آمنتني من الخوفِ
(رغم الحروبِ التي أثقلتها)
وقد أطعمتني من الجوعِ
(رغم انحباسِ المطر) ..."

الكتابة إحدى عناصر الفرح/ التخفيف التي يلجأ إليها الشعراء عند القسوة/ عند الألم، فبها يعبرون إلى مساحة (هادئة)، يستطيعون بها ممارسة الحياة بصورة (طبيعية/ عادية) من هنا نجد الشاعر يلجأ إلى الكتابة/ الكلمة التي نجدها حاضرة في المقطع، وفي ألفاظ: "فكرة، حرف/ حروف/ حرفا النص، الكلام، القصيدة (مكررة)" فالشاعر هنا يظهر "الكلمة/ الكتابة" أداة الحرب التي يستخدمها لمواجه العدو، فرغم يقينه بأن تلك الأداة لن "تشفي جراح جريح" إلا أنها ضرورية بالنسبة للشاعر، لأنه بها أكد وقوفه إلى جانب شعبه، وأنه مستمر في العطاء/ الانتماء، ولن ينزلق إلى الخيانة، إلى هاوية المال والجاه والمنصب، وما استخدامه للتناص القرآني "آمنني/ آمنهم من خوف" إلا تأكيد لثباته واستمراره على الطريق القويم، فهو يعتمد على نص مقدس، صادر عن الله عز وجل، فكيف له أن يتراجع/ يفكر!!

ونلاحظ أن الشاعر يركز على ثباته/ على انتمائه من خلال خاتمة المقطع، حيث أعطانا صورة وافية عن بلاده التي منتحته الأمان رغم عدم الأمان، وأطعمته رغم العجاف، فبدا وكأنه من خلال تناوله خيرات البلاد ومزاياها، يستمد القوة لمواجهة الترغيب والترهيب الذي يتعرض له من الأعداء، وبما أنه بدأ القصيدة ب" سأقبض، لا أقايض ـ التي استخدمها في فاتحة المقطع وفي خاتمته ـ وهو تأكيد حالة التماهي بين الشاعر وشعبه، وعلى أنه حسم أمره، بحيث لا يمكن لأي فعل/ قوة/ حدث/ إغراءات/ تهديدات أن تثنيه عن موقفه.

هذا فيما يتعلق بالشاعر، لكن هناك أحداثا دامية وعليه تناولها، من هنا وجدناه يتوقف عند جراح الجرحى والأطفال، إن كانوا مشردين أم أيتامًا، كما يتوقف عند البلاد التي تعيش حالة عدم الأمان والجذب، فهو بهذا يوصل مأساة شعبه وبلاده إلى المتلقين.
يتقدم الشاعر اكثر مؤكدا ثباته على موقفه المبدئي من شعبه وبلاده بقوله:
"سأقبضُ يومًا على فِكرَةٍ شارِدَة...
لا أقايّضُ حرفاً بِدَم،
بل أحاولُ أن أُخرِجَ النّصَ
من كهفِ قلبي،
أضيءَ أصابِعَ هذي الحرُّوفِ
لعلّ الكلامَ يُبِلسِمُ جرحًا
تَعَمَّقَ في روحِ روحي...
وإن كنتُ أعرفُ أنّ القصيدةَ
تَعجَزُ عن صدِّ قُنبُلَةٍ
سوفَ تمحو الحياةَ عن الأرضِ
(هذا أُريدَ لها أن تكون)...
وأنّ القصيدةَ
لم تُشفِ يومًا
جراحَ جريح
ولكنّها قد تُطَبطِبُ رفقًا
على كَتِفَيّنِ لطفلٍ
يُضِلُّ الطّريقَ إلى الدّار...
أنا لا أقايّضُ حرفاً بِدَم،
ولكنّني لن أخونَ البلادَ التي
آمنتني من الخوفِ
(رغم الحروبِ التي أثقلتها)
وقسأقبضُ يومًا على فِكرَةٍ شارِدَة...
لا أقايضُ حرفاً بِدَمعَةٍ طفلٍ
بل الدمعُ أصبحَ حبرَ القصيدة...
تَئِنُّ القصيدةُ من مشهدِ الموت،
صدى صوتِ أمٍّ
تودّعُ أبناءَها بالنحيب...
أنينِ الطفولةِ من وجعِ الجّوعِ
قهرِ الرّجالِ من العجزِ
بعدَ نهارٍ طويلٍ
يعودونَ في عتمةِ الليّلِ
والليلُ خاوي الوِفاض...
وعكّازِ شيخٍ تَكَسَّرَ
كانَ يهشُّ الذبابَ عن امراةٍ
سَقَطَت في الطريقِ إلى السوقِ
تبحثُ عن حَفنَةٍ من طحينٍ
وشُربَةِ ماءٍ
لأولادِها الجائعين...
وعن شاعرٍ باغَتتهُ الرّصاصةُ
كان يُؤثِّثُ بيتاً من الشّعرِ
تسكنُ فيه حبيبتُه الغائبة...
وعن شاطئٍ
كان ملجأَ روحي
أحنُّ إليهِ، وأشطفُ
ما يعتلي الرّوحَ من تعبٍ
بعدَ يومٍ طويل...
وعن مُدُنٍ لم تَعُدْ
لا أقايّضُ حرفاً بِدَم،
ولكنّني لن أخون..."

إذا ما توقفنا عند فاتحة المقطع نجد أنّ الشاعر حسم أمره، فأصبح جبلا راسخا لا يمكن لأي كان زحزحته، ونلاحظ بعد موقفه مباشرة يبدأ في شرح تفاصيل واقع شعبه: "الدمع/ حبر القصيدة، القصيدة/ الموت، أم/ تودع أبناءها، الطفولة/ وجع، جوع، الرجال قهر، عجز، شيخ، عكاز تكسر، امرأة/ سقطت، تبحث عن طحين، أولادها/ جائعين، شاعر/ رصاصة، هذا الواقع يفرض على كل منتمٍ/ مبدئي/ إنساني الثبات والبقاء مع شعبه، فلا يخرج لينجو بنفسه، من هنا وجدنا الشاعر يجزم ب "لا أقايض/ لن أخون"

وإذا ما توقفنا عند المقطع السابق سنجد صورة حال الشعب، الشاعر، الطفل، المرأة، الرجل، الشيخ" ونجد حال المدن التي مسحت من الوجود، وبهذا يكون الشاعر قد بين حقيقة ما يمر بها الفلسطيني والأرض الفلسطينية، بمعنى أنه شمل فلسطين جغرافيا وسكانيا، مبينا جرائم ووحشية المحتل.

قبل مغادرة المقطع يستوقفنا الجزء الأخير منه الذي يتحدث عن الشاعر، فنلاحظ انسياق الشاعر مع صورة الشاعر:
"كان يؤثث بيتًا من الشعر"
بحيث جاء المقطع بعيدا عن مشهد الألم والقسوة، وقدمه بصورة زاهية/ بيضاء: "تسكن، حبيبته، شاطئ، ملجأ روحي، أحن، يعتلي" كما نلاحظ أن الشاعر (يتجاهل/ ينسى) أنه يتحدث عن شاعر باغتته الرصاصة ـ ويمكن أن يكون الشاعر سليم النفار ـ وأخذ يتحدث عن نفسه بصيغة أنا: "ملجأ روحي، أحن إليه، وأشطف" هذا الانزياح مِن (هو) إلى (أنا) يشير إلى تماهي الشاعر مع الشاعر الذي باغتته الرصاصة، بحث أصبح "سميح محسن" والشاعر الآخر كائنا واحدا، مما جعلته يتحدث بصوت (أنا) وليس (هو).

الشعر والشعراء
إذن عندما يتحدث "سميح محسن" عن الشعراء ينتشي، بحيث لا يستطيع عزل نفسه، فيشاركهم ما هم به، يتألق الشاعر في قصيدة "الشعراء" فنجده يتجاوز العقل وما هو مألوف، يقول:
"وإذ يكتبُ الشعراءُ
نشيدَ الحياةِ
وحِكمَتَهم في النجاةِ من الموتِ
لا يؤثرونَ الحياةَ بدونِ حياةٍ
أمامَ جَلالِ الشَّهادةِ
بل يُطفئونَ المصابيحَ
في صدرِ بيتٍ من الشّعرِ
حتّى تلوذَ القصيدةُ
من قبضةِ الموتِ،
حتى ينامَ الشهيدُ على صدرها
آمنا، مطمئنّا
من الجوعِ، والخوف..."
نلاحظ تركيز الشاعر على الحياة، والحياة هنا ليست مجد عيش:
"الحياة دون حياة"
بل الحياة الكاملة، حياة العز والكرامة، من هنا كررها أربع مرات، فبدا التكرار وكأنه أعمدة البيت الأربعة التي يرتفع عليها السقف.
ونلاحظ كثافة الصور الشعرية في المقطع: "يطفئون المصابيح حتى تلوذ القصيدة، ينام الشهيد آمنا.
ونلاحظ استخدام المذكر والمؤنث بصورة متوازنة: "الشعراء/ الحياة، نشيد/ الحياة، جلال/ الشهادة، المصابيح/ القصيدة، الشهيد/ صدرها" وهذا يقودنا إلى أن العقل الباطن للشاعر يشعر بالاتزان، بحيث يكتب بطريقة (صحيحة/ عقلية) بعيدا عن حالة التوتر والاضطراب، من هنا (استعاد) عافيته الشعر فتكثفت الصور، وقدم الصور الطبيعية عن مسار الحياة (ذكر وأنثى).

الجنون
عندما (يُجن) الشاعر يتألق أكثر، رغم أن كلامه يبدو ( غير السوي، يمين ويسار) وإذا عرفنا أن سبب جنونه واقعه المزري، أمكننا (تبرير) هذا الجنون، في قصيدة "قم الليل إلا قليلا" نجد جنون الشاعر:
"{{لِكُلِّ مقامٍ مقال}}
{{ قُم اللّيلَ إلا قليلا}}
وليلُ الخيامِ طويلٌ
أسامِرُه أم يسامرني
{{بكرةً وأصيلا}}
أُفَتِّشُ بينَ حناياه عن لحظةٍ
أُغمِضُ العينَ فيها
عساني يراودني الحلمُ
يحملني كالفراشةِ
كيّ أستريحَ على طرفِ اللّيلِ
نُزراً قليلا...
فيا أيّها الليلُ عَجّلْ خطاكَ
ودَعني أُرتِّلُ ما شئتُ
في وصفِ هذا العذابِ
أُفَتِّشُ في بَطنِ ما حَمَلَتْهُ الأساطيرُ
من وصفِ هذا المقامِ
أنا ما وجدتُ لهذا العذابِ الثقيلِ
بكلِّ الأساطيرِ وصفًا مثيلا،
تقولون صبرا جميلًا،
فكيفَ يكونُ العذابُ الثقيلُ جميلًا؟!"

نلاحظ إيقاع حرف القاف في "مقام، مقال، قم، قليلا" فبدا الشاعر وكأنه بها ينبهنا من سهو/ غفلة أخذتنا، وبما أن فاتحة المقطع تستند إلى مثل وآية قرآنية، فهذا يمثل وسيلة أخرى لإشعارنا بأهمية بما يرد قوله.

بعددها يأخذنا واقعه، ليل الخيام طويل، ويطرح الحل من خلال فكرة مجنونة "أسامره أم يسامرني" فبدا وكأنه يسخر من الحل، ممن يستخدم الدين والآيات القرآنية في غير مكانها: "بكرة وأصيلا" ليتقدم بعدها في وصف حالة البقاء في الخيام: "لحظة أغمض العينين" وهنا أخذه واقعه البائس إلى جنون آخر يظهر من خلا ل مخاطبته: "أيها الليل" ومن خلال يراودني الحلم، أستريح" ومن خلال مجاراة دعاة الخطاب الديني: "أرتل ما شئت" ومن خلال العودة إلى الأساطير، ويختم المقطع بسخرية من كل ما يقال عن الصبر.

إذن القصيدة تجمع بين والواقع والجنون، والسخرية من أولئك الذي يستخدمون الخطاب الديني كمخدر، فحجم المأساة لم يعد يحتمل، لهذا التجأ الشاعر إلى خطاب خاص به، (لخبط) فيه ما هو ديني مع ما هو أسطوري، مع الواقع المجنون الذي لا يمكن لعقل بشري استيعابه.

الخطاب الديني تم استخدامه من كل الأديان (السماوية) بطريقة بشعة، بطريقة جعلته مصدرًا للإرهاب والبربرية والتوحش، هذا ما حصل في بلادنا أثناء الحروب الصليبية، وأثناء الهجمة الصهيونية، وأثناء انتشار داعش ومن أنبثق عنها، الشاعر "سميح محسن" في قصيدة "رسائل إلى لا أحد" يعطينا صورة عن هذا الاستخدام المتوحش والبربري للدين:
"وكانت جحيمًا
على رأسِ طِفلٍ تَفَجَّرَ في مرجلِ النارِ
صوتٌ على صوتِ وَقْعِ الصواريخِ يعلو
يُمَزِّقُ أحجِبَةَ الليلِ:
بِاسمكِ هذا التوحّشُ والقتلُ يجري
وباسمكِ يُهلَكُ
يا خالقي الحرثُ والنسلُ
تُمحى المدائنُ باسمِكَ
والقاذفاتُ تجوبُ سماءَكَ
باسمِكَ تحرقُ أرضَكَ
هلّا تبرأتَ مما يقولُ إشعيا النبيّ:
{{أيا بنتَ بابلَ طوبى
لمن يَضربُ الآن طفلَكِ
بالصخرِ قُدّامَ عينيكِ
طوبى لقتلِ الطفولةِ،
فضحِ النّساءِ،
ونهبِ البيوتِ أمامَ العيون}}؟!..."

نلاحظ حجم السواد الكامن في القصيدة، والذي يظهر في مضمونها وألفاظها: "جحيما، تفجر، مرجل، نار، وقع، الصواريخ، يمزق، الليل، التوحش، والقتل، يهلك، تمحى، القاذفات، تحرق، يضرب، فضح، نهب" فالمقطع شكلا ومضمونا وألفاظا يمثل صورة عن التوحش الديني، من هنا وجدنا الشاعر (يعاتب/ يذكر) الله بما يجري، والشاعر يؤكد سخطه من هذا السلوك البربري، من خلال اعتماده على مقاطع من العهد القديم.

ونلاحظ أن قتل الأبرياء، الأطفال، النساء، جاء في فاتحة القصيدة، ومطابق لما أمر به الرب، وهذا ما جعل الشاعر ساخطا على تعاليم الرب وعلى من ينفذها، وجعله يتساءل مستنكرا أفعال هؤلاء المتوحشين "هلا تبرأت" وكأن الشاعر يؤكد أن ما جاء في العهد القديم على لسان الرب من قتل وسلب ونهب واغتصاب، ليس من قول الرب، ولا يمكن أن يصدر عن رب العالمين أفعال متوحشة/ قاتلة/ مغتصبة/ مدمرة.

وإذا ما أجرينا مقارنة بين الفعل الذي جاء في فاتحة القصيدة، وبين نصوص العهد القديم، نجد التطابق والتوافق التام بينهما، وبهذا يكون الشاعر قد بين/ أوضح/ كشف /عرف لنا حقيقة البشر حينما يستندون في وحشيتهم على نصوص مقدسة، وبهذا هو يدعونا بطريقة غير مباشرة إلى الابتعاد عن تلك النصوص، لأنها نصوص شيطانية، تدمر البيوت والمدن وتقتل البشر.

في المقابل نجد خطاب الشعراء، ناعما/ رقيقًا/ هادئا، يمنح القارئ السكينة والراحة، نجد ذلك في قصيدة "ماذا سنكتب يا صاحبي؟ التي أهداها للشاعر جواد العقاد:
"نهاياتُ أيّار،
مساءٌ على شاطئِ البحر،
حديثٌ يطولُ عن الشِّعرِ
عن مدنٍ تُشبِهُ الرّوحَ لَمّا تَجَلَّت
على صفحةِ الماء قبلَ الغروب،
نؤثّثُ أرضَ القصيدةِ بالعُشبِ
ينمو على خَدِّ نسمةِ صبحٍ نديّ،
تقول: غدا، في الصباحِ سنتلو قصيدةَ حبٍّ
تدغدغِ أوردةَ الرّوحِ
تُشفي ندوبَ المدينة،
تضيءُ الشموعَ سنابلَ قمحٍ
قُبَيّل الحصاد ... "

بداية نشير إلى أن هناك حزنا/ ألما، لكنه حزن هادئ، ألم بسيط، قدم بصورة مخففة، ناعمة، فبدا وكأن الحزن/ الألم انتهي، أو في طريقه إلى النهاية، من هنا جاءت أفعال: "نؤثث، ينمو، تدغدغ، تشفي، تضيء"

ونلاحظ أن الشاعر يبدأ من المكان، من شاطئ غزة، ثم ينتقل إلى المدن، (متجاهلا) بصورة مطلقة الناس، فليس هناك سواه وجواد، أعتقد أن سبب هذا (التجاهل) يعود إلى أن الشاعر يبحث عن الهدوء، بعد ما مر به من قتل وتدمير وتشريد، فأراد الهدوء/ السكينة/ الراحلة التي وجدها في الطبيعة/ الشاطئ، وفي الشعر/ القصيدة، بمعنى التجائه إلى عناصر الفرح/ التخفيف، وهذا ما انعكس على القصيدة التي جاءت ناعمة ورقيقة: "شاطئ البحر، حديث يطول، تشبه الروح، صفحة الماء، نؤثث أرض القصيدة بالعشب، ينمو، خد، بسمة، صبح، ندي، غدا، سنتلوا، حب، تدغدغ، الروح، تشفي، تضيء، الشموع، سنابل، قمح" وإذا ما توقفنا عند القصيدة سنجد أن الشاعر جمع/ زواج بين الطبيعة وبين القصيدة/ الشعر، وهذا المزج هو الذي منح الصورة الشعرية جمالا إضافيا.

ونلاحظ أيضا دقة الألفاظ بعد "سنتلو قصيدة حب": "تدغدغ، تشفي، تضيء" فالأول متعلق بذات الشاعر/ الروح، والثاني متعلق بمكان/ المدينة، والثالث بالطبيعة وما، ومن عليها/ الشموع/ سنابل، فيدا الشاعر وكأنه (يستدرك) تجاهله للناس/ للآخرين، فأراد تقديمهم بحيث لا يعكر صفوة الهدوء التي يعيشها.

وبهذا يكون الشاعر قد اكد أن الشعر/ الشعراء هم أصحاب رسالات سماوية/ رسالات إنسانية، تحرر البشر من القتل والتشريد، وتحرر الأرض من الخراب واليباب والتدمير، وما جاء في قصيدة الأخيرة، إلا صورة حقيقية عما يحدثه الشعر والشعراء في الآخرين من فرح وسعادة وسكينة وهدوء، فهيا إلى الشعر والشعراء لنسعد ونفرح معهم وبهم.
----------------------------------
الديوان من منشورات اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، دار شامل للنشر والتوزيع، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2025.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشكل والمضمون في مجموعة -دوي الصوت فيهم-
- الإنجليز وفلسطين في رواية -قلادة ياسمين- عامر أنور سلطان
- إنجازات فخر الدين المعني في كتاب -الدولة الدرزية- بيجيه دوسا ...
- وقفة مع كتاب -نافذة على الرواية الفلسطينية وأدب الأسرى- للكا ...
- التجديد في الديوان الجديد أقمار افتراضية في ليل يطول - هاينك ...
- التمرد والعبث في كتاب -فرناندو بيسوا- كميل أبو حنيش
- رواية سعادة الأسرة ليو تولستوي، ترجمة مختار الوكيل
- الإقطاع والاشتراكية في -قصص الدون- ميخائيل شولوخوف، ترجمة عب ...
- الاجتماعي والسياسي في رواية -أنا يوسف يا أبي- باسم الزعبي
- الأيديولوجيا في رواية عبر الشريعة بسام أبو غزالة
- كتاب -غزة ليست فقط قصة حب أخرى- حسن يافا
- كتاب -النزعة الصوفية والتأملية في شعر منذر يحيى عيسى- عبير خ ...
- الحواس في -يسافر همسك- وفاء كامل
- القتامة في -ما الملجأ؟- شيماء عبده
- ديمقراطية النقد والناقد في كتاب -الأسوار والكلمات- فراس حج م ...
- الأردن في رواية -تايكي- يوسف الغزو
- رواية -أشياء تتداعى- نشنوا أتشيبي ترجمة سمير عزت نصار
- الفلسطيني في مجموعة -بيتزا من أجل ذكرى مريم- رشاد أبو شاور
- الحاجة إلى الحب في رواية -امرأة من بغداد- حمدي مخلف الحديثي
- النعومة في كتاب -ياسمينات باسمة- زياد جيوسي


المزيد.....




- شاب من الأنبار يصارع التحديات لإحياء الثقافة والكتاب
- -الشامي- يرد على نوال الزغبي بعد تعليقها على أغانيه
- وثائقي -المنكوبون- التأملي.. سؤال الهروب من المكسيك أم عودة ...
- فيلم -صوت هند رجب-.. حكاية طفلة فلسطينية من غزة يعرض في صالا ...
- الأطفال في غزة يجدون السكينة في دروس الموسيقى
- قرع جدران الخزّان في غزة.. قصيدة حب تقاوم الإبادة الجماعية ا ...
- رعب بلا موسيقى ولا مطاردات.. فيلم -بطش الطبيعة- يبتكر لغة خو ...
- -صوت هند رجب-: فيلم عن جريمة هزت ضمير العالم
- وزارة الثقافة تنظم فعالية
- لوحة لفريدا كاهلو تباع بـ54.7 مليون دولار محطمة الرقم القياس ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - غزة والشاعر في ديوان -دم دافئ فوق رمل الطريق- سميح محسن