|
|
الأردن في رواية -تايكي- يوسف الغزو
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 12:18
المحور:
الادب والفن
يمكنني القول إن رواية تايكي تعتبر أهم رواية أردنية تؤرخ الأحداث بعد قيام المملكة الأردنية الهاشمية، حيث يرصد السارد أهمية إنشاء قناة الغور الشرقية بالنسبة للأردن، التي تتماثل أهميتها، أهمية بناء السد العالي في مصر، ونجد تماثل بين الإصلاح الزراعي الذي قامت به الثورة المصرية، مع تقسيم أراضي المزارعين في الغور إلى قطع، كل قطعة 30 دنم، وتوزيعها على الفلاحين، بحيث يُؤخذ من الملاك الكبير جزء من أرضه مقابل مبلغ مالي يساوي قيمة الأرض، وإعطاء ذلك الجزء من الأرض للفلاحين الذين لا يملكون أرض، من خلال قرض زراعي دون فائدة، بحيث يسدد الفلاح ثمن الأرض بأريحية مالية وزمنة تمتد لعشرة سنوات، بمعنى أن الحكومة الأردن أحدثت ثورة (اشتراكية) في المجتمع والاقتصاد الأردني دون أن تخسر أي طبقة في المجتمع. كما يرصد السارد العديد من الأحداث السياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية بطريقة محايدة، وهذا الشكل من التقديم يحسب للسارد الذي لم ينحاز لأية جهة، مما يفتح المجال أمام المتلقي ليتخذ رأيا بنفسه من تلك الأحداث. وإذا علمنا أحداث الرواية بنيت على علاقة حب بين "بريهان ومظهر" اللذان لم يستطيعا إكمال تلك العلاقة وإتمامها بالزواج، لوجود مرض في مظهر ـ تم علاجه لاحقا، لكنه يفقد ذكورته مقابل شفائه ـ مما دفع أهل "بريهان" لرفض زواجها من رجل مريض، وثم تزويجها من "موريس" حيث أنجبا "تايكي" بطلة الرواية. "مظهر" فنان عشق "بريهان وعشقته، فكانت الملهمة لفنه، بعد زواجها أراد أن يحقق حلمه برسمها بلوحة تماثل لوحة الموناليزا، ومع انتهاء اكتمل اللوحة يدخل زوجها "موريس" عليهما وهي تغطي كتفها، فيخذه الضن إلى الخيانة، يذهب "موريس" لإحضار البندقية، ينسحب "مظهر" من الغرفة حسب طلب "بريهان" التي تواجه "موريس" بحقيقه الموقف، لكنه يأبى الاقتناع، فيقرر أن يأخذ ابنته الرضيعة "تايكي" ويهجُر عمان، وينتقل للعيش في "شتوة" القرية الغورية القريبة من جسر "داميا"، حيث يُنشئ مقهى على أرض تبرع بها "عطية أبو هلال" يبدأ مشروعه يزدهر من خلال (الكازوز) الذي كان يجلبه من نابلس ومن عمان بواسطة باص شتوة لسائقه "الزعفراني" في شتوة ينشأ " وتايكي" معا، وتكون بينهما علاقة متميزة في العديد من الجوانب، "تايكي" تماثل أمها "بريهان" في الهالة/ السحر الذي يجذب الفنانين إليها، و"ربيع" يماثل "مظهر" ويكمل مشروعه الفني، حيث كان مدرس ومعلم "ربيع" ومن حفزه ووجهه إلى الاهتمام بالرسم والفن. هذا الشكل من التقديم يقودنا إلى فكرة الأبناء يكملون دور الآباء، ويأخذون منهم عين الصفات/ المواهب/ الطاقات، ف"بريهان" اعتزلت الناس بعد أن قامت ببناء فندق "تايكي" تديره بنفسها، محققة نجاحا لافتا في الأعمال، أما "مظهر" فقد اعتزل الحياة نهائيا بإقدامه على الانتحار بعد أن فقد ذكورته ولم يستطع العودة ل"بريهان" بعد أن طلقها "موريس". يوجه "ربيع وتايكي" العديد من المعضلات أمام إتمام علاقتهما، منها أسباب عائلية "نواف" شقيق "ربيع" يرفض فكرة الزواج من "تايكي" لعدة أسباب أهمها أنها من ديانة أخرى، ونجد "دراج" القذر يعمل على إثارة القيل والقال في شبوة فيما يخص العلاقة بين "ربيع وتايكي" كما يتحالف "قاسم" زوج "وداد" شقيقة "ربيع" مع "برجاوي ودراج" على عمل كل ما يعيق إتمام العلاقة، حتى أنهم يدفعون "بموريس" على مغادرة "شبوة" التي قضى فيها عشرون عاما كاملة والعودة إلى عمان. لكن إصرار "ربيع" ونجاحه في الحياة وفي مشروعه الفني، يجعله يتجاوز كافة المعيقات الاجتماعية والعائلية والدينية، وينجح في تذليل كافة الصعوبات والمعيقات، لكن النهاية كان صادمة له ولقارئ حيث تخبره "أم جميلة" أن "تايكي" قد رضعت من أمه وهي طفلة، وعندما حاول التأكد من المعلومة، سائلا أمه التي تحتضر لكنها لم تجب، فقد غادرت الحياة. فالنهاية جاءت مفتوحة ومغلقة في الوقت ذاته، فلم يتأكد "ربيع" من أمه التي غادرت الحياة، وبقيت (شهادة) "أم جميلة" هي الباقية، وهنا نسأل: لماذا لم يرد السارد إتمام العلاقة بين العاشقين، "مظهر وبريهان، وربيع وتايكي"؟ ألسنا في المنطقة العربية، وتحديدا في ضفتي النهر، بأمس الحاجة إلى الفرح/ السعادة، فلماذا حرمنا السارد منها؟ هل يعود سبب عدم إتمام العلاقة، إلى عدم اقتناع السارد بتجاوز المفاهيم الدينية، وأراد المحافظة على تلك المفاهيم وعدم إحداث (بلبلة) اجتماعية دينية قد تشكله مشاكل للكاتب؟ المكان تجري أحداث الرواية في "شتوة/ شتوه" وهي قرية غورية لا توجد على أرض الواقع، بمعنى أن السارد استخدم مكانا (عاما) غير معروف/ غير محدد في غور الأردن، مما يجعل أي قارئ في الغور يشعر أن أحداث الرواية تجري في قريته. في المقابل نجد مدن حقيقية على ضفتي النهر، فتم ذكر بيت لحم، والقدس، كما توقف عند الباذان كمحطة سياحية يأتيها الزوار لجمالها ولشلالاتها، وتم (التركيز) على نابلس التي أكمل "ربيع" تعليمه بها، وتم ذكر الزرقاء وأربد، بينما كانت عمان حاضرة بقوة، فهي المكان الذي حقق "ربيع" حلمه فيها، فوصل إلى مرتبة فنان مرموق ومعروف. وإذا ما توقفنا عند علاقة "ربيع" بنابلس، وعلاقة "الزعفراني وموريس" بنابلس سنجدها كانت عابرة، فلم يتوقف "ربيع" عندها إلا إلماما، بينما كانت بالنسبة "للزعفراني" مجرد محطة، وبالنسبة "لموريس" ليست أكثر من (دكان أون لاين) يشتري منها حاجته، بينما كانت عمان حاضرة في الأحداث. أعتقد أن سبب غياب نابلس رغم أنها الأقرب جغرافيا إلى "شبوة" يعود إلى زمن كتابة الرواية، فالسارد الذي فقد نابلس نهائيا بعد احتلالها عام 1967، لم يجد (القدرة النفسية) للكتابة بإسهاب عنها، ففضل الحديث العابر، رغم أنه يعرف تفاصيلها وبدقة، فقد تحدث عن سينما العاصي وغرناطة: "أنا أتحدث عن فيلم لإسماعيل ياسين في سينما العاصي... يفقع من الضحك" ص30. إذن زمن كتابة الرواية حديث جدا بالنسبة لزمن الحداث، ولزمن نشر الرواية 2007، وهذا ما منح السارد القدرة على إدخال عناصر فنية في رواية "تايكي" وتقديمها بشكل ممتع وسلس. الزمن يمكنن للقارئ معرفة زمن الرواية من خلال توقف السارد عند الأحداث، فعندما تحدث عن جريدتي الدفاع والجهاد، وعن باص "شبوة" الذي ينقل المواطنين من شبوة إلى نابلس وعمان أشار إلى أن الزمن قبل عام 1967، وعندما توقف عند بناء قناة الغور الشرقية وتدشين مصفاة البترول في الزرقاء حدد الزمن أكثر، وفي مواضع معينة نجده يحدد الزمن بدقة: "وصل ربيع إلى شبوه في ربيع 1961 ومعه أشياؤه" ص234، مما يؤكد زمن أحداث الرواية في ستينيات القرن الماضي. قناة الغور الشرقية السارد يتوقف عند قناة الغور الشرقية منذ بداية وجودها كفكرة، إلى إنشائها والعمل بها، وصولا إلى عملها وجني ثمارها: الملك يزور مشروع قناة الغور الشرقية، وقرار بتوزيع أراضي القناة كوحدات زراعية للمزارعين عند الانتهاء منه... وأن الماء سيغدو متوفرا وتتحول الأراضي البعلية إلى السقي الدائم" ص112و113، وعن أثرها بعد الإنجاز يقول السارد: " فمن كان يملك القليل أصبحت لديه وحده زراعية كاملة ويدفع ثمنها خلال زمن طويل دون عناء، وحتى من لا يملك يعمل في الزراعة فإنه يصبح مالكا لأرض مروية ما كان يراها يوما في الأحلام.. ومن كان يملك الكثير أعطي ما يرضيه.. واحتسبت له أثمان ما ترك وتسلمها دفعة واحدة... وعجلة الإنتاج الزراعي تدور... والحياة تدب في أوصال الغور وكأنه كان في سبات ثم صحا.. عم الخير كل الناس، التاجر تحسنت أحواله... والعامل ارتفعت أجرته وأصحاب السيارات والشاحنات والأدوات الزراعية راجت بضاعتهم... الخير سيعم الوطن كله... الموظف والجندي والصانع والتاجر... ستزدهر صناعات جديدة... معلبات... المثلجات.. الأسمدة الكيماوية، أدوات الرش.. المحاريث الآلية...كل الحياة كله سوف يتغير" ص236، نلاحظ شمولية الخير الذي حصل بعد تنفيذ القناة والعمل بها، وهذا ما جعلها تتماثل مع السد العالي في مصر. نساء الرواية تتناول الرواية مجموعة من النساء، منها شخصيات فاعلة مؤثر تجاوزت الصعاب بنجاح كامل مثل "بريهان، تايكي" ومنهن من تعرضن لإخفاقات مثل "جميلة" التي أوقع بها "زكي" وأخذ حاجته منها ثم تركها، لكن تدخل "ربيع" فرض عليه تزوجها، لكنه طلقها لاحقا، ثم تزوجت من "فرحان" الذي اعتبر زواجه منها أكبر مكسب في حياته. أما "نوفة" التي تعرضت لكل أنواع الاضطهاد والقسوة من "قاسم" فكانت تتحمل ذلك في سبيل بقاء شقيقها "نواف" مع زوجته "دواد" أخت "قاسم" حيث كان زواج البدل يدفع بالزوج الآخر إلى التصرف بالمثل، لكنها تقرر الانفصال عنه، وهذا الموقف يحسب "لنوفة" التي تجاوز الأعراف، وفضلت أن تعيش حياتها بعيدا عن حسابات العائلة والمجتمع. "وداد" زوجة "نواف" وشقيقة "قاسم" القاسي والمتخلف، ترفض ترك بيتها وزوجها "نواف" بعد أن تم تطليق "نوفة" منه، شقيقة "ربيع ونواف" وهذا الموقف يشير إلى قدرة المرأة على التحرر من هيمنة العقلية الذكورية المسيطرة. وإذا ما توقفنا عند الشخصيات النسائية في الرواية سنجد الإيجابية تغلب عليهن، فقد كن قويات في مواجهة واقعهن، إن كان هذا الواقع إيجابيا أم سلبيا، فحتى "سوسن" التي اتخذها "زكي" خلية له، نجد فيها شيء من الإيجابية، "ودلال" التي خانت زوجها، فقد تابت وتراجعت عن فعل الخيانة، حتى أن "ربيع" تراجع نادما على محاولته أخذ حاجتها منها، فتقهقر واصفا نفسه بالنذل. رجال الرواية في المقابل نجد رجال الروية منهم من اتصف بالقسوة المطلقة مثل: "قاسم، دراج، برجاوي" "قاسم" كان كتلة ذكورية سادية متخلفة، يعامل زوجته بالضرب والشتم حتى أنها عادت إلى بيت والدها أكثر من مرة، كما نجده شرير، حقود، ليئم، مخادع، كاذب، لص، غشاش، وما تخطيطه لبيع أرض ليست له، يملكها "عطية أبو هلال" وتزوير الأرواق والشهود، وبيعها "لبريهان" بألف وأربعمائة دينار إلا تأكيدا لسواد هذه الشخصية بكل ما فيها، فلم نجد فيه أية إيجابية. كما نجد "دراج" الفاشل في كل شيء، العمل، العلاقات الاجتماعية، يتصرف وكأنه حيوان تقوده غريزته وليس العقل أو الأخلاق، فهو يقوم بسرقة الديزل من الباص الذي يعمل عليه، كما يجير كل طاقته على تشويه سمعة "تايكي وربيع" لتكون "تايكي" محظية له، عدا مشاركته في عملية النصب وتزوير أرواق أرض عطية أبو هلال. وما الخلاف الذي دب بين الأشرار "قاسم ودراج وبرجاوي" وأدى إلى مقتل دراج، إلا صورة عن طبيعة هؤلاء الأشخاص. أما "برجاوي" الذي أخذ تركة أبيه من أمه واشترى باص، يعمل على خط شتوة عمان، وعدم قدرته على تسيد بقية أقساط الباص، مما دفعه إلى بيع الباص، والعمل على النصب والأعمال القذرة، والذهاب إلى البارات والمواخير، فقد كان شريك "قاسم" في عملية القتل. أما شخصية "زكي" فتصف بالسواد غالبا، فهو رجل زير نساء، يتعامل معهن كذكر وليس كرجل، فبعد أن يأخذ حاجته من "جميلة" التي وعدها بالزواج قبل أن يقدم عليها، يتركها تتعذب في ما آل إليه شرفها/ جسدها، فترفض كل من يتقدم إليها خشية الفضيحة، ونجده يحاول النيل من "بريهان" التي تصده بالمسدس، فيتراجع ذليلا، مهزوما، ويبقى يمارس الرذيلة مع "سوسن" حتى قبل زواجه بشهرين فقط، كما نجده يقوم بتزوير أوراق شهادة المترك، ويفشل في كل الأعمال التي قام بها. أما الإيجابية فكانت بموافقته الزواج من "جميلة" (ليستر) عليها، ثم طلقها بعد شهر من زواجه منها، كما نجده يستعيد إنسانيته بعد زواجه من عاملة في المصنع، فيتعهد بالتوبة عن النساء بعد زواجه مباشرة. شخصية "فرحان" مطلقة الإيجابية، فنجده يعمل بصمت، يكتم ما يسمع، يتجاهل كل الشرور التي تحدث من حوله، ويبقى تقيا/ صافيا، حتى انه تجاوز عن جريمة "قاسم وبرجاوي" اللذان قتلا شقيقة "دراج"، ونجده يعمل بإخلاص وجد، وهذا ما جعل "زعفراني" يزوجه من "جميلة" ولإعطاء صورة عن نقاء وطيبة وبساطة "فرحان" اقتبس هذا الحوار مع زوجته "جميلة: "ـ هل أنت نادم يا فرحان لأنك قد تزوجت متزوجة... أعني مطلقة.. ـ بل شعرت الآن يا جميلة أنني أخذت حقي من الدنيا.. ـ وقبل ذلك ـ قبل ذلك لم أكن أعرف أن في الدنيا مثل هذا النعيم ـ إذن عليك أن تشكر أولئك المخمورين الذين ضربوك.. ـ بل أشكر كفك الرحيمة التي امتدت إلى جرحي فضمدته" ص271 و272، هذا الرجل لا يعرف إلا الخير ولا يفكر إلا بالخير، فهو رجل مستقيم، أو ملاك بصورة بشري، فلم يتغير أو يتبدل في سلوكه أو تفكيره، ولا يمكن تغير ما فيه من خير. "موريس" يتماثل بطيبته مع "فرحان، فرغم أن الأول بسيط/ عادي، إلا أن موريس كان متعلما مثقفا مجتهدا في الحياة، مسامحا حضاريا في تعامله مع الآخرين، فحتى زوجته "بريهان" التي وجدها في وضع مريب مع شخص غريب، هجرها تاركا لها البيت والمدينة، ليعيش مع طفلته التي نذر نفسه وحياته لها في مكان غريب عليه، فهو ابن مدينة وعاش في شتوة القرية نائية، عشرون سنة، رغم أن عاداتها وطقسها وبيئتها تختلف عن عمان، وما نجاحه في المقهى وتعامله الإنساني مع أهل شتوة إلا تأكيدا لقدرته الفائقة في التعامل مع الناس، رغم اختلاف المفاهيم بينه وبينهم. "نواف" شخصية ريفية تقليدية، يفكر بعقلية المجتمع الذي نشأ فيه، فيرفض فكرة أن تكون المرأة مكشوفة الرأس، أو أن تعمل في مكان يتردد عليه الرجل، كما أن ثقافته كانت محدودة، فهم لم يستوعب الفن الذي ينجزه "ربيع" ونظر على أنه "خربشات" وما وقوفه الجامد تجاه زواج "ربيع" من "تايكي" ومشاركته "دراج وبرجاوي" في الضغط على "موريس" ليهجر "شتوة" إلا صورة عن التخلف/ الجهل الذي هو فيه، لكنه يبقى بعيدا عن الرذيلة والفسوق والجريمة، فكان يتصف بالجهل والتخلف والمحافظة على أفكار وتقاليد بالية، بمعنى أن هناك مجال لإصلاحه إذا ما تم تغيير أفكاره. أما شخصية "ربيع" رغم ما فيه من إيجابية وإصرار على الوصول للهدف، ونبله في التعامل مع الآخرين، ومنطقة السليم في الحوار مع أبيه "عطية أبو هلال" وشقيقة "نواف" وصهره "قاسم" وحبيبته "تايكي" و(خالته) "بريهان" إلا أن وجدناه ينحرف قليلا من خلال محاولته أخذ حاجته من "تايكي" قبل الزواج، ثم أقادمه على أخذ "دلال" كمفرغة جنسية، كما أن مصاحبته "لزكي" والتغاضي عن العديد من أعماله القذرة خاصة مع النساء، يمثل قبوله/ موافقته على تلك الأفعال والأعمال القذرة، وهذا ما يجعله شخصية (مثيرة) يمكن أن يخطأ لكنه يتراجع عن خطأه معترفا بما أقدم عليه. النساء والرجل إذا ما قارنا النساء بالرجل في الرواية سنجد أن هناك توازنا في الشخصيات: "بريهان ومظهر، بريهان وموريس، تايكي وربيع، نوفة وقاسم، وداد ونواف، سوسن وزكي، جميلة وزكي، جميلة وفرحان" أما الشخصيات الزائد/ المتطرفة فهي "دراج وبرجاوي"، وإذا ما توقفنا عند تركيبة هذه الشخصيات سنجد أن النساء كن أكثر قوة/ قدرة/ تحملا/ عطاء/ إخلاصا من الرجل، وما عنوان الرواية "تايكي" إلا صورة عن تفوق المرأة على الرجل. الدين وإذا ما توقفنا عند الدين سنجد أن "موريس، بريهان، تايكي" المسيحيين كانوا أكثر ثقافتا وإخلاصا والتزاما من المسلمين، "موريس" لم يقتل زوجته رغم مشاهدته لها في وضع مريب، ونظر نفسه لتريبة طفلته "تايكي" في مكان غريب، واستطاع النجاح والتكيف مع بيئية غريبة عليه. ونجد "بريهان" تنجح في عملها في الفندق، وتبقى مخلصة لحبيبها "مظهر" بعد أن تركها "موريس" محافظة على نفسها وعلى جسدها من الانزلاق إلى الرذيلة رغم جمالها الأخاذ، وكثرة الرجال حولها، كما نجدها تتسم بالعطاء من خلال دعم وتوجيه "ربيع" لاستمراره في عمله الفني. أما "تايكي" فقد تعرضت للإغواء من حبيبها "ربيع" لكنها صدته كما صدت الآخرين، وكانت بمثابة البنت المثالية، البنت الكاملة في تعاملها مع حبيبها "ربيع" ومع والدها "موريس" وإذا ما توقفنا عند خيانة المرأة لنفسها ولزوجها نجدها في "سوسن ودلال وجميلة" ونجد عنف الرجال تجاه المرأة في "قاسم" وعلى أن المرأة وعاء للجنس في "زكي"، والشر وتعاطي الخمر والفشل في "دراج وبرجاوي" وهذا مؤشر/ دعوة من السارد للمتلقين لتعامل مع الآخرين من منظور أخلاقي اجتماعي وليس من خلال الدين، فالدين الجيد هو الذي يظهر في السلوك/ العمل/ التعامل مع الآخرين، يظهر في مواجهة مشاكل الحياة، وتجاوز الصعوبات والمعيقات، يظهر في تحقيق الذات الشخصية والاجتماعية. عنوان الرواية "تايكي" لم يكن اسما عاديا، بل له جذور تاريخية، فهي آلهة الخصب والسعادة التي عبدت في عمان قديما، فهي تتماثل مع "عشتار" تماما، وبما أن تايكي" أسم بطلة الرواية وملهمة "ربيع" كما أنه اسم الفندق الذي أقامته "بريهان" الفندق الذي أقام به "ربيع" وتعرف على صاحبته التي مدته بأفكار عن فلسفة الفن، والعلاقة بين ما هو شخصي ووجداني، مما عزز طاقة "ربيع" الإبداعية والاستمرار في مشروعه الفني وبنجاح. الرمزية رغم أن الرواية واقعية، إلا أن الرمز جاء بصورة لافتة، فكان الفرح/ النجاح الوطني ملازما ومماثلا للفرح/ للنجاح الشخصي الذي سعى له "ربيع" الذي أراد أن يكون نجاح مشروعه الفني مرتبطا بخضرة الغور: "أنجز ربيع لوحته المنتظرة التي أطلق عليها اسم "الغور الأخضر" وحينما عرضت في عمان اقترحت بريهان أن لا يكون عرضها للبيع، بل للفرجة عليها من قبل رواد المعرض" ص171، هذا المشهد يزاوج بين النجاح الوطني والنجاح الشخصي، فقد أكتمل العمل بالقناة وبدت المياه تصل إلى كل الأراضي المحيطة بها، وهذا ما سهل على "ربيع" رسم لوحة الحلم "الغور الأخضر" التي كانت بمثابة ثمرة من ثمار تنفيذ مشروع القناة. وهذا يوصلنا إلى أن التقدم والازدهار الصناعي/ الزراعي/ التجاري/ الوطني يسهم بتقدم الفنون والآداب، وهذا ما كان، فاللوحة التي رسمها "ربيع" دفع ألف دينار ثمنا لها، إلا أنه رفض بيعها، يعد إشارة إلى ارتباطها بالمشروع الوطني الذي لا يمكن التفريط به مهما كان الثمن. وإذا ما توقفنا عند مشروع "مظهر" الفني ومشروع "ربيع" سنجد أن الأول كان شخصي بامتياز رسم لوحة "الموناليزا" بينما الثاني كان مشروعه لوحة "الغور الأخضر" من هنا نجح "ربيع" (وفشل) "مظهر" وكأن السارد يقول: إن العمل الفردي/ الهم الفردي/ المشروع الفردي لا يحقق للذات مكانة، بينما المشروع الوطني/ الاجتماعي المتربط بحياة الناس ينجح ويحقق أهدافه. الرواية من منشورات دار ورد للنشر والتوزيع، بعدم من وزارة الثقافة الأردنية، الطبعة الأولى 2006.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية -أشياء تتداعى- نشنوا أتشيبي ترجمة سمير عزت نصار
-
الفلسطيني في مجموعة -بيتزا من أجل ذكرى مريم- رشاد أبو شاور
-
الحاجة إلى الحب في رواية -امرأة من بغداد- حمدي مخلف الحديثي
-
النعومة في كتاب -ياسمينات باسمة- زياد جيوسي
-
الأجناس الأدبية في كتاب -أطياف- محمد حافظ
-
الاجتماعية في رواية رقصة التوت فوزي نجاجرة
-
القبيلة والعشيرة!!
-
الخلود في رواية -تفاصيل الحلم الدافئ- سعادة أبو عراق
-
الأسرى والكتابة في كتاب -احتمالات بيضاء: قراءات في أدب الحري
...
-
الأسرى والكتابة في كتاب -احتمالات بيضاء، قراءات في أدب الحري
...
-
فرح حوارة فرح فلسطيني
-
البؤس العربي في رواية -آرام- فاطمة محمد الهلالات
-
السادية في رواية -واختفي أنف أبي- خليل ناصيف
-
الرنتيسي يكرس لغة سردية مختلفة في روايته -بقايا رغوة-
-
الشاعر المنتمي في زمن المحو: قراءة في كتاب -أكتب موتي واقفاً
...
-
الفوتوغراف في كتب على مد البصر صالح حمدوني
-
التجديد النقدي في كتاب - الإنقاص البلاغي: المفهوم والتطبيق-[
...
-
الاشتعال والانطفاء في سيرة -تحت ظل خيمة- مهند طلال الأخرس
-
الصراع الاجتماعي والاحتلال في رواية -شرفة الرمال- منى بشناق
-
-أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر، دفاتر ليليات- ياسمين كنعا
...
المزيد.....
-
إطلاق ملتقى تورنتو الدولي لفن اليوميات وفلسطين ضيفة الشرف
-
افتتاح المتحف المصري الكبير بعد عقدين من الزمن في أرضٍ لا يُ
...
-
ماذا حدث عندما ظهر هذا النجم الهوليوودي فجأة بحفل زفاف مستوح
...
-
(غموض الأبواب والإشارات السوداء)
-
تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي
...
-
المتحف المصري الكبير.. هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم
...
-
سميرة توفيق في أبوظبي: الفن الأصيل ورمز الوفاء للمبدعين العر
...
-
-الخارجية- ترحب بانضمام الخليل إلى شبكة اليونسكو للمدن الإبد
...
-
جمعية الصحفيين والكتاب العرب في إسبانيا تمنح جائزتها السنوي
...
-
فيلم -Scream 7- ومسلسل -Stranger Things 5- يعدان بجرعة مضاعف
...
المزيد.....
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
المزيد.....
|