أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - -أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر، دفاتر ليليات- ياسمين كنعان















المزيد.....


-أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر، دفاتر ليليات- ياسمين كنعان


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 09:33
المحور: الادب والفن
    


أدبية النص في "أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر، دفاتر ليليات"
ياسمين كنعان
هناك أعمال أدبية لا نستطيع تناولها في جلسة واحدة، ليس لأنها رديئة، أو مؤلمة/ قاسية، بل لحجم التكثيف فيها والاختزال، ولعمق الفكرة التي تحملها، ولجمالية الصورة التي تقدمها، مما يجعل المتلقي (عاجزا) على الإلمام/ الإحاطة بما يقدم له، فيفضل تقسيم العمل على جلسات متباعدة، حتى يستطيع (هضم) ما تناوله، هذا ما كان مع: "أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر" الذي يذهل المتلقي حتى لو تناول منه بضع مقاطع.
ونتوقف هنا قليلا عند طريقة تقديم النصوص التي قسمت إلى ستة أجزاء: "1ـ أسلاك كهرباء مكشوفة، 2ـ لا شيء يدل عليّ، 3ـ لا أذهب إلى النهر، 4ـ أن تقرأ ما اكتب، 5ـ رسائل ليلية، 6ـ غرق مركب من ورق" فكان يمكن لكل قسم أن يكون كتابا بحد ذاته، بهذه الطريقة فقط يمكن الانتهاء من الكتاب.
اليأس
ولكي نتعرف أكثر على الصعقة التي تحدثها/ تسببها: "أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر" سنأخذ بعض المقاطع من النصوص، لنشعر بالكهرباء التي تسري في جسد (الساردة) والتي تنتقل لنا نحن المتلقين، فجسم الإنسان مُوصل للكهرباء، وهذا ما جعلنا نتأثر بالتيار الكهربائي، ونبدأ من اليأس:
"نجاة
"اليأس نجاة من أمل كاذب"
نلاحظ أن الفكرة مقلوبة/ معكوسة، فكان (يفترض) أن تكون العبارة: "اليأس/ كذب، الأمل /نجاة" لكن حجم الألم/ القسوة واضطراب (الساردة) جعلها ترى النجاة تكمن في التسليم/ التخلص من أمل غير موجود/ كاذب، فبدا المقطع وكأنه يلخص/ يختزل "مسرحية صمويل بكت "في انتظار غودو" واللافت في هذا الفكرة أنه يمكن إسقاطها على الفرد وعلى المجموعة/ الشعب.
"ضلال
تضل القافلة أحياناً ويتوه الركب أو يعترضها قاطع طريق،
تلك كانت حياتي"
نلاحظ حجم الحصار/ الضياع/ التيه الذي تمر به الساردة، من خلال كثرة الألفاظ القاسية: "تضل، يتوه، يعترضها، قاطع" مما يجعل فكرة المقطع والألفاظ يتحدان لتبيان بؤس الحال.
"تيه
أتفيأ شجرة الكلمات؛
ليست استراحة مسافر
ولا هدنة محارب،
ولا غفوة متعب كما تظن؛
إنها إقامة المطرود، المنفي، المنبوذ من الحياة"
إذا ما توقفنا عند هذا المقطع سنجد أن هناك إشارة إلى أهمية الكتابة كعنصر تخفيف تلجأ إليه (الساردة) ليساعدها على مواجهة الألم/ القسوة التي تمر بها، من هنا جاء: "أتفيأ شجرة الكلمات" حيث تتآلف الفكرة مع الألفاظ في تقديم الصورة البهية للكتابة. مع تأكيد حالة الألم الكامنة في حروف النفي "ليست" وتكرار "لا" وتأكيد حال: "المطرود، المنفي، المنبوذ" مما يفاقم حجم قتامة فكرة المقطع.
وعن رتابة الأيام تقول:
"ملل
لا سبت لنا ولا أحد،
كل الأيام متشابهة يلوكها الملل"
نلاحظ تكرار لا النافية، وجمع "السبت والأحد وكل الأيام" فالتكرار بحد ذاته ملل، فما بالنا عندما يكون هناك تشابه، تماثل في التكرار!؟
وترى التمرد فاشلا حتى قبل القيام به:
" قيد
ما الفائدة؛
روح ثائرة متمردة يقيدها الجسد"
اللافت في هذا المقطع تقديم المادي/ الجسد بصورة المنكسر، والروح/ الحرية بصورة مندفعة/ متقدمة لكنها لوحدها لا تقدر/ لا تستطع الوصول للهدف، لأنها وحيدة/ ناقصة/ غير مكتملة إذا لم يكن الجسد حاضرا معها.
ولم يقتصر الملل/ اليأس على الحياة العامة، بل طال أيضا ما هو خاص/ الحبيب
"اعتياد
سأكتفي بك غائباً كي أُريح قلبي من عناء الانتظار"
نلاحظ استسلام (الساردة) من خلال (سأكتفي) ومن خلال (قبولها بحالة (الانتظار) حيث تجد في هذا الانتظار سلوى تعينها على الاستمرار في الحياة، فانتظار الحبيب حتى لو كان وهما/ سراب يحمل شيئا من الأمل/ الفرح.
وتعبر عن واقعها كامرأة محاصرة من المجتمع بقولها:
"سارية
وحيدة تماما؛
مثل علم على سارية مزقته الريح ولم يعد يرفرف!"
نلاحظ الإحباط حاضرا في "مزقته، لم يعد" بمعنى أنها (عاجزة/ كسيحة) عن الحركة، ثابته في مكانها/ سارية، وثابتة في واقعها القاسي/ مزقته، وهذا ما يجعل العجز متعلقا بالزمن، بالمكان، بمعنى أنه عجز ثابت في المكان، ومستديم عبر الزمن.
تبدو (الساردة) وكأنها مازوشية، (تعشق/ ترغب، تريد) العذاب/ الألم هذا ما جاء في:
"أعيدوني إلى القبو
صرت أخاف الخروج..
ربما لو تكسرت الأقفال عن الأبواب
سأصرخ وأنا أتجنب النور الساطع وأخفي وجهي بذراعي..
“أعيدوني إلى القبو!”"
هذا التماهي مع الألم، مع الوجع، يشير إلى القاع، إلى القنوط الذي أصبح جزءا من كيان (الساردة) بحيث أصبحت لا تستطع أن تعيش دون وجود الألم الذي نجده في مضمون المقطع وفي الألفاظ أيضا: "أخاف، تكسرت، الأقفال، سأصرخ، أخفي، أتجنب" وهذا سيستدعي منها لاحقا (معالجة مرضها) بوسائلها الخاصة،

الكتابة/ الكلمات
الكتابة/ التحدث عن الألم يخفف على المتحدث، ويجعله يشعر بشيء من الراحة بعد أن افضى ما فيه، تحدثنا (الساردة) عن أهمية ودور الكتابة/ الكلام قائلة:
قاطع طريق
الصمت قاطع حديث العشاق؛
الكلام قافلة من القلب إلى القلب
والصمت قاطع طريق"
نلاحظ تكرار ألفاظ قاسية "الصمت قاطع" المتعلقة بالكلام/ حديث، وبالمكان/ طريق، لكن الطريق هنا ليست جغرافيا، بل هي درب، مسيرة حياة، بمعنى أنها متعلقة بالزمن/ بالعمر، وهذا ما (يشخصن) الحالة، (فالساردة) لا تتحدث عما هو عام/ بل ما هو شخصي، ذاتي متعلق بها وبمشاعرها، وبما أن الصمت يعم، ويمنع العشاق من الحديث، ويسد عليهم الطريق، مما يجعل حياتهم جحيما دون حب الذي نجد أهميته في:
"الكلام قافلة من القلب إلى القلب" نلاحظ فكرة القافلة التي تسير بصورة (اصطفاف: مقدمة ومؤخرة) حاضرة/ كامنه في "من القلب إلى القلب"، فتكرار "القلب" واستخدام: "من ، إلى" بدت وكأنها جمال القافلة التي تسير خلف بعضها.
وفي مقطع أخر تتناول الكتابة كعنصر تخفيف يساعدها على تجاوز واقعها البائس، تقول:
"تعويذة
الكلمات كذبتي الصغيرة،
أضعها في جيبي مثل تعويذة
وأتحسّسها كل حين كي أطمئن لمصدر قوتي الكاذبة"
اللافت في هذا المقطع تحويل ما هو غير ملموس (الكلمات) إلى شيء مادي، له ملمس/أتحسسها، فبدت الكتابة/ الكلمات وكأنها سلاح يحمي (الساردة) من الأخطار، ونلاحظ أن هذا السلاح يتم (إخفاءه) عن الآخرين، ولا يعلم به سوى من يحمله، حيث تمده بالقوة حتى لو كانت وهما.
وهذه أول حالة تتناول فيها (الساردة) دور الكتابة كعنصر تخفيف، فرح يخلصها من بؤسها ويقدمها من الحياة العادية/ السوية.
تؤكد (الساردة) دور الكتابة في بقائها ككائن حي، واستمرارها في ممارسة الحياة في هذا المقطع:
"هوّة
في هذا الواقع الذي يشبه هوة سحيقة أو قاع بئر نتنة
كنت أدق كلماتي مثل أوتاد في الجدران المتعفنة الرطبة الزلقة،
لا أقول كي أستطيع النجاة ومعانقة الشمس
إنما كي أستطيع الصمود،
كي أبقى معلقة هناك..
الشمس بعيدة واليأس يشدني من أقدامي،
لا أعرف إن كنت قادرة على الصمود أكثر
لكنني مازلت أدق الكلمات وأتشبث!"
الجميل في هذا المقطع إعطاء الكلمات صفات الأوتاد/ المسامير التي تدق في الجدران وفي الأرض لتثبيت ما يمكنه الطيران، التحرك والانزياح عن موضعه، فالكتاب هنا بمثابة المثبت، من هنا جاءت ألفاظ: "الصمود (مكررة)، أبقى، أتشبث" وهذا يؤكد دور الكتابة/ الكلمات كعنصر تخفيف/ فرح يساعد على الاستمرار في الحياة ومواجهة التحديات/ الصعاب/ الشدائد التي نمر بها.
تقدمنا (الساردة) أكثر من أهمية الكتابة من خلال هذا المقطع:
حماقة
أقذفك بالكلمات كما يفعل الصبية مع نافذة بيت مهجور تهشم زجاجها،
أقذفك بالكلمات،
لا لأكسر زجاج الصمت؛
بل لأشج رأس شبح الوحدة وأطرد آخر شياطين الانتظار من رأسي،
أقذفك بالكلمات،
كي أكسر يد الليل الطويلة وساق الغياب"
نلاحظ أن الكتابة تمثل وسيلة/ أداة التمرد المقدسة والدائمة، من هنا تمر تكرار "أقذفك" ثلاث مرات، فهي لإزالة الشر/ شياطين، ووسيلة التغلب على رتابة الوقت/ الزمن وبلادته، وهي الموجدة للأمل، فبدت الساردة من خلال هذا المقطع وكأنها تعالج اليأس الذي مرت به، وتضع/ تقدم الحلول لتجاوز الإحباط/ القسوة، الرتابة.
وتقول في:
"مخدر
الكلمات مخدر سري؛
أتعاطها حين أصاب بحمى الحنين،
أو خشونة في مفاصل الحضور،
أو دوار الغياب..
وقد تصير كما الآن
كمشة من القرنفل أحشو بها ضرسي المثقوب
أو قلبي المثقوب لا فرق!"
بكل وضوح تؤكد (الساردة) دور الكتابة في إخراجها من بؤسها، وتحريريها من ألمها، مما تعاني عاطفيا/ الحنين، قلبي، وجسديا المفاصل، ضرسي، نلاحظ أنها توقفت مرتين عند العاطفة وعند الجسد، وهذا التوازن يشير إلى موضوعية طرح المعاناة، فالألم الجسدي كالألم النفسي/ العاطفي، يجب معالجتهما لأنهما مؤذيان، وما وجود "ضرسي المثقوب، وقلبي المثقوب" إلا تأكيد لوحدة/ تماثل الألم الجسدي مع الألم الروحي/ العاطفي.

الحب
الحب حاجة أساسية في الإنسان، فكل الناس تحب، ودونه لا تكون الحياة سوية، تحدثنا (الساردة) الحب وكيف تراه، وكيف تشعر به، في هذه المقاطع:
"تفاصيل
لا أريد من الحب إلا التفاصيل"
نلاحظ حاجة (الساردة) إلى الحب الذي تراه ليس مجرد كلمة، أو فكرة عامة، بل فعل/ عمل/ شيء/ مشاعر تتعلق بأدق التفاصيل، لهذا تجاهلت عمومية الحب وركز على تفاصيله، وبما أن المتحدثة/ امرأة فهذا يجعل المقطع مثيرا، متمردا، فنحن نعيش في مجتمع ذكوري يحجم المرأة ويريدها (قطعة حجرية) يستمتع بها/ بجمالها دون أن تبدي أي مشاعر/ إحساس، فجاءت (الساردة) لتتجاوز المجتمع الذكوري وتتمرد عليه، متحدثة بما تريده، تحتاجه.

الحاجة العاطفية والجسدية
أيضا كل الناس يحملون حاجات جسدية وروحية/ عاطفية، وإظهار هذه الحاجات والتكلم بها يعد تمردا على المجتمع الذكوري الذي يقمع الأنثى ولا يريدها حتى أن تصرخ، أو تُسمع الآخرين ألمها، فما بالنا بحاجاتها وما تريده وترغب به!؟:
"صدأ المفاتيح
أعرف امرأة تسرد على الليل حكايات وحكايات،
لا لتقتل وحشة الوحدة أو تجر نجمة نحو الأرض من ذيلها،
لا لتقنع الحبيب بالعدول عن المغيب،
بل لكي تنام يائسة،
مفرغة من كل أمل على جنبها الأيسر أو الأيمن لا يهم
لكنها تخاف من صدأ المفاتيح المنسية في الأبواب المغلقة،
تزيت المفتاح بالكلمات
ولا تحرك المفتاح لينفتح القفل ولا تهمها الأقفال،
امرأة تريد أن تفترش الخواء وحقول العوسج بكلمات وحكايات
لا لتكسر عنق الأشواك لأنها معتادة على الوخز،
تريد أن تثرثر لأن الحاوي مات في الفصل السابق ويزعجها ضجيج الحشد،
لا تريد أن تكون الحكاء الأول ولا الأخير
لكن ضفاف النهر فاضت وليس ثمة زرع..
وفاض نبع الدمع وكانت تظنه قد جف."
دائما الإيحاء يتجاوز التصريح، لأنه يفتح عقل المتلقي نحو عوالم أخرى، عوالم بعيدة، تقفز عما هو محدد، في هذا المقطع نجد حاجات المرأة من خلال "صدأ المفاتيح" حيث تم تبديل رمزية المفتاح عند الفلسطيني، إلى رمزية المفتاح عند المرأة، وهذا التحول بحد ذاته مثير، لأنه يقدمنا من طبيعية/ حقيقة (نصف) المجتمع الذي يعاني من العجز/ الإعاقة/ الأسر/ الحرمان، فالمرأة التي تشكل (نصف) المجتمع حسب ما يطرحه (المتشدقون) تعيش بيأس قاتم، خاوية على نفسها، لا تحسن إلا سرد الحكايات لما هو غير حي/ الليل، فهي تريد تحقيق حلمها/ تريد رجلها، ليسيقها الماء، ليكون زرعها نضرا ومثمرا وخصبا، قادرا على مواصلة الحياة.
واللافت في الصورة السابقة أنها تتجاوز فكرة حاجة الجسد إلى حاجة الأمومة، مؤكدة بؤس حال (الساردة) من خلال استمرار تدفق الدمع رغم كثرته وغزارته.

تتقدم (الساردة) أكثر وتبوح بما تريده من رجلها:
" تنقصني يدك
لا شيء يدل عليَّ؛
على حافة الاشتهاء أُجرب جسدي
إن كان يصلح لتفتح أزرار الرغبة فيه،
إن كان قادراً على إنبات أي ارتعاشة من بين الشقوق الميتة،
ولا أصل لأي يقين،
أجرب، ونكتفي أنا وهذا الجسد الميت بشرف التجربة..!"
اللافت في هذا المقطع التمرد الكامن فيه، خاصة أنه جاء من امرأة (مقموعة) من أكثر من جهة، الاحتلال/ السلطة/ المجتمع، وهذا التمرد متعلق بجسدها الذي وجدنا يعيق روحها ويمنعها من الوصول لغايتها/ هدفها، ومع (حساسية) الحديث عن الجسد في هيمنة مجتمع ذكوري، إلا أن نجدها تبوح برغباتها/ بحاجاتها التي لم تعد تقدر على كتمانها/ حبسها، فأخرجتها لنا بهذا الشكل الثوري، غير مبالية بالقيود التي تحيط بها.
وهذا التمرد يستوقفنا نحن المتلقين، إن كنا رجالا أم نساءًا لنسأل: هل أرادت به تحفيزنا على رفض أي قيد يحيط بنا "سياسي/ اجتماعي/ ديني" ومن ثمة لنكون مثلها ثائرين/ متمردين، فإذا كانت (الساردة) التي تعاني من أكثر من قيد، تجاوزت واقعها وفعلت ما يجب، فلماذا نحن الأقل قيدًا منها نبقى ساكنين/ خامدين!؟
وتقول في:
"لعنة العراء
خذني معك..
أكون ظلك في غربتك،
أمد أغصاني عليك لأحميك من لعنة العراء والذكرى،
أخضر فيك وتزهر على أصابعي البراعم
خذني معك..
تعبت من كوني شجرة لا تسافر!"
نلاحظ أن (الساردة) تجعل رجلها/ حبيبها مُوجدًا للطبيعة: "أغصاني، أخضر، وتزهر، البراعم، شجرة" ونلاحظ التفاعل الجدلي بينهما: "ظلك/ غربتك، أغصاني/ لأحميك، أخضر فيك/ وتزهر أصابعي" وإذا علمنا أن الطبيعة تحمل معنى الخصب المادي، الغذاء، والخصب الجمالي/ العاطفي، نصل إلى (عشتار) التي تجمع بين كونها ربة سماوية، وكونها امرأة أرضية تحتاج وتريد رجلها، وهذا ما أبدته لجلجامش حينما خاطبته:
"تعال يا جلجامش وكن عريس
هبني ثمارك هدية
كن زوجا لي وأنا زوجا لك" فراس السواح ملحمة جلجامش ص148.
نلاحظ أن "(الساردة) تخاطب رجلها بعين الفكرة/ المنطق/ الطريقة التي خاطب عشار جلجامش، وهذا يشير إلى حاجتها للرجل/ للحبيب، وأيضا حاجتها لإملاء عاطفة الأمومة التي لا تعبأ دون رجل، لكن خجلها كامرأة جعلها تستعين بالطبيعة كتعبير عن رغبتها وحاجتها للرجل.
وتقدم حاجتها الجسدية بصورة مضطربة/ مترددة:
"صورة
“لا تقترب؛
لا أحتمل اقترابك ولا نبضك المرتبك؛
لا تأخذني بين ذراعيك،
لا تقترب..
بالكاد أحتمل نبض قلبي؛
فكيف أحتمل نبضك المضطرب؟”"
نلاحظ ارتباكها من خلال تكرار "لا" ثلاث مرات، ومن خلال استخدام ألفاظ متحركة غير ثابته/ غير حاسمة: "نبضك/ نبض مكررة ثلاث مرات) المرتبك، المضطرب" فبدت الصورة وكأنها لقاء يتم لأول مرة بين حبيبين.
التمرد
من عناصر التخفيف، الفرح/ التمرد الذي يمارسه الأدباء إضافة إلى المرأة/ الرجل، الكتابة، الطبيعة، تقوم (الساردة) بالتمرد في اكثر:
"قِطاف
تبا لجسدي؛ هذا الذي يقيدني،
تبا له حين أمد ذراعي ولا أصل بهما إلى ما أريد
ولا أقطف بهما ما أشتهي"
نلاحظ تمردها في تكرار: "تبا" وفي رفضها "يقيدني، لا أصل، لا اقطف" وإذا علمنا أنها تتحدث عن الجسد/ جسدي نصل إلى الانطلاقة/ إلى الحرية التي تريدها لجسدها، وبهذا تكون (الساردة) قد تخلصت من عجز جسدها على الفعل/ على التمرد الذي بدا بائسا في البداية.
وتبدي رغبتها في التحرر من خلال:
"أقفال
كيف أكتب عن الحياة ولم أجرب يوما أن أخلع القفل عن الباب وأسلم قدمي للريح
وأركض دون توقف نحو الحياة؟"
نجد التمرد حاضرا في: "لم أجرب، أخلع، وأركض" وإذا ما توقفنا عند هذا (التريب) سنجده منطقيا، فبداية التمرد تكمن في الفكرة/ التفكير: "لم أجرب، ثم في: "أخلع" تخفيف الأحمال/ الأعباء، ويكتمل في الفعل: "أركض" السريع، فالمتمردة تنطلق دون أحمال/ أثقال تعيقها، لهذا انطلقت بسرعة متواصلة.

تجاوز الشكل/ التجريد
إذن وجدت (الساردة) ضالتها في الكتابة، فمن خلالها وجدت الراحة، وجدت من يخرجها من ألمها، ويحررها من قيدها، لهذا نجدها تتعاطى الكتابة بصورة جديدة، فتجلها بمثابة المخلص المطلق الذي يمنحها/ يعطيها كل ما تريده وترغب به، نجد هذه التعاطي في
"سميراميس
قلت لك مرة
وأنت تسألني ممازحا، “متى أدخل نصك؟”
” عندما تموت،
أو حين أقرر اغتيالك”"
نلاحظ أن هناك تجاوزا للحبيب/ للرجل/ فقد أصبح مجرد وسيلة للكتابة، وليس مُوجدا/ خالقا لها، كما هو مفترض، ففي أدبيات الرجال/ الشعراء تكون المرأة هي المُوجدة، الخالقة لبقية عناصر الفرح، الطبيعة، الكتابة، التمرد، لكننا هنا نجد الكتابة هي (الخالقة) وهي من يتحكم في إبقاء أو إزالة أي كان من النص، حتى لو كان الحبيب ذاته.
وتقول في:
"لغائب لن يعود
يطالبون بعودتك إليّ،
فهل أدعوك مثلهم إلى عودة أسترجعك فيها مليا،
أم هل أكتبك هنا لأقتلك كثيرا"
نلاحظ إصرار (الساردة) على قتل/ موت بطلها/ حبيبها، فرغم رغبتها الجامحة في عودته: "بعودتك، عودة، استرجعك" إلا أنها تمارس دورا ساديا من خلال التلذذ بقتل الحبيب، فالكتابة عندها وسيلة متعة، ووسيلة موت/ قتل، إلغاء كل ما هو واقعي/ حقيقي.
هذا التعاطي مع الرجل/ الحبيب، يجعلنا نسأل: لماذا تراجعت مكانة الرجل؟ ولماذا فضلت الكتاب عليه وجعلتها في المقدمة؟
نجد الإجابة فيما قدمته من مقاطع لاحقة:
"ماذا لو
ويكذب من يقول
أتعرى أمام المرآة لأشاهد نقائص نفسي ولا أخشاها.
كلنا أمام المرآة جبان
حتى لو تعرينا أمامها سنتفادى النظر مباشرة في أعيننا،
وسنشيح نظراتنا عنا"
نلاحظ عمق فكرة محاسبة الذات، فكلنا له عيوب، ويخشى استعادتها، أو التفكير فيها، فبما بالنا عندما تكون هذه العيوب متعلقة بالجسد الذي يحتفظ بالجروح الظاهر عليه والباقية فيه!؟

تقول في
"الرواية الملعونة
وليس حضورك أو عدمه ما يؤرق قلمي وليلي.
بل ربما أنا في قرارة نفسي أريدك أن تكون الغائب الأبدي!
أما لماذا؛ فلكي أكتبك،
أقصد لأكتبك كما يحلو لي.
كم مرة أدخلتك نصوصي وعلى هيئات مختلفة،
كم مرة تحايلت وبدلت تفاصيلك وملامحك،
وكم مرة نظرت إلى نفسك في مرآة نصوصي وقلت
“كأنني أنا..؟”.
وكم من قارئ قال
“كأنه هو..؟”.
وكنت أنت لا أحد سواك؛
صغرت وكبرت في نصوصي ولم تمتلك حق الاعتراض؛
وتلك كانت إحدى فضائل الغياب."
نلاحظ (العبثية) التي تتعامل بها (الساردة) مع الحبيب، فهو مجرد أداة/ وسيلة (للتسلية) لقضاء الوقت، وقد تجاوزت هذه العبثية الحبيب لتصل إلى الكاتبة ذاتها "فلكي أكتبك، أقصد أكتبك كما يحلو لي" بمعنى أن أهم عنصرين فرح "الرجل، الكتابة) تحولا إلى مجرد عبث، إلى فعل (للتسلية) لقضاء وقت الساردة التي (تعبث) حتى بالقارئ، فتحيره "كأنه هو" هذه المرتبة من التجريد تستوقفنا،
وتقول في:
"نعناع يفيض من الجسد
“خبأت لك في صدري شتلة صغيرة من النعناع البري
تموت عطشًا لشفتين مبللتين!”"
نلاحظ شدة الحرص في: "خبأت، صدري" حيث يتداخل مفهوم (المخبأ) "خبأت" المادي/ مع (المخبأ) العاطفي/ الروحي "صدري" معا، بحيث يتوه المتلقي في تحديد طبيعة ما هو مخبأ، لكن (الساردة) تحدد ما خبأته " شتلة نعناع بري" تصفها بالموت عطشا لحاجاتها إلى الشفتين مبللتين، فالتجريد هنا يتجاوز الحاجة الجسدية ليمتد إلى ما هو عاطفي، إلى ما هو رقيق/ ناعم، الذي نجده في "شتلة صغيرة" وفي "شفتين مبللتين" فالشتلة الصغير تميتها غزارة المياه، وهي تحتاج إلى القليل من الماء، وتكتفي بالبلل.
وهذا يقودنا إلى شبع/ اكتفاء (الساردة) من الحياة، وتحررها من شهوات الجسد وغريزته، ووصولها إلى حالة جديدة، تجعلها تنظر/ تتعامل/ تتعاطي مع المحيط/ الأشياء/ الأشخاص/ الحياة بمنظور جديد يتجاوز (عادية) الحياة.
تتقدم (الساردة) في التجريد حتى مع الكتابة ذاتها التي (إلهتها) وجعلتها خالقة/ موجدة للفرح:
"
لو كنت تقرأ
معضلة الكتابة أنها اعتراف مبطن بما تخفيه دواخلنا
من سعادات مسروقة أو خيبات لا تنتهي،
كل ما في الأمر أن تراكم الكلمات
ينهكني ويثقل على قلبي،
فأستصرخ البياض اللامتناهي
وأسكب عليه حبري البنفسجي"
نلاحظ (عادية) التعاطي مع الكتابة رغم أنها وصلت إلى مكانة رفيعة، وهذا يعود إلى النظرة/ الحالة الجديدة التي وصلتها (الساردة)، بحيث لم يعد هناك ما يثيرها/ يستفزها، فهي تتعامل مع كل شيء، حتى مع الكتابةـ، أداة تحررها بطريقة (عادية) فلم يعد هناك ما يستحق التعظيم/ التمجيد، أو التألم من أجله أو عليه، فالساردة أصبحت تتعامل/تنظر إلى كونها (ربة) تعطي وتمنع، وتخلق وتميت، وترفع وتنزل، تُوجد وتفني من تريد، فهي تحيا لذاتها ومن ذاتها، ولم يعد شيء/ شخص، حدث/ فعل/ مشاعر تقيدها أو تؤثر عليها أو تتأثر بها، وهذا ما نجده في:
"أحلم أن أتلاشى
“أحلم أن أتلاشى؛
ربما أن أتحول بكليتي إلى نص.”"
نجد ذروة العبث/ الفراغ، التخمة من الحياة، فلم يعد هناك أية رغبات/ حاجات/ شهوات تصل/ تحصل عليها، فقد أخذت وجربت، حصلت، وصلت إلى كل متع الحياة ولم يعد هناك ما يجبر، لهذا أرادت تحويل ذاتها إلى نص!
تعاود السارد (أهتمامها) بالكتابة، لكن بعقلية (الإله العبثي) الذي يفعل/ يخلق الأشياء للتسلية، وليس لهدف نبيل، بل لمجرد الخلق:
"كلما كتبت شيئا قلت هذا أنا..
الآن اكتملت،
الآن أستطيع أن أسلم نفسي لعدم مطلق،
الآن أستطيع أن أنزف دمي حتى النهاية
بعد أن نزفت روحي على الورق.
الآن انتهيت."
نلاحظ اكتمال (الساردة) ووصولها للذروة، فقد اوجدت/ خلقت نفسها بالكتابة، حلت هي في الكتابة، والكتابة حلت فيها، وأصبحتا (هي والكتابة) شيئا واحدا، الكائن الحي الذي يتشكل من جسد وروح، فإذا ما فصلنا أحدهما عن الآخر أنتهى وجوده وانتهى.
لكن الساردة (تنهي) وجودها بعد أن كتبت نفسها، فهل يعني ذلك: لم يعد لها حاجة لذاتها، بعد أن أصبحت نصا مكتوبا على الورق؟!



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف
- التألق في مجموعة من تحت الركام كاملة صنوبر
- الأدب المنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
- الأدب والمنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
- الإيمان في -يا رب الأرباب- أمين الربيع
- الشكل والمضمون في مجموعة -ما وراء الغموض- أحمد دياب
- كتاب -كن جرينا- همام الطوباسي
- المنطقة العربية في رواية اشتباك حسين ياسين
- التخفي في قصيدة -متى تصفو السماء- سامي عوض الله البيتجالي
- رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
- الشكل والمضمون في رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
- لصوت الندي في ميزان النقد: هل يعكس النقد شخصية الناقد؟ فراس ...
- -من غزة إلى الشتات... نقش فلسطيني يجمع أطياف الشعر- تقرير: ف ...
- الحب والحرب في ديوان صهيل السنابل جميل طرايره
- مجموعة -الكوخ- محمد حافظ
- ديوان مرقى الغزالة مراد السوداني
- ديوان غزة قصائد الصهيل والهديل سامي عوض الله البيتجالي
- رواية قطة فوق صفيح ساخن مراد ساره
- رواية أبناء السماء يحيى القيسي
- رواية نهر يستحم في البحيرة يحيى يخلف


المزيد.....




- فرقة صابرين.. تجربة موسيقية ملتزمة في خدمة الهوية والثقافة ا ...
- بانكسي فنان بريطاني مجهول يناضل بالرسم على جدرن العالم
- الموت يغيّب الفنان والمخرج عباس الحربي في استراليا
- حملة عالمية لمقاطعة سينما إسرائيل تتضاعف 3 مرات خلال أيام
- تعهد دولي بمقاطعة سينما إسرائيل يثير ضجة كبرى في العالم
- فنانون أتراك يدعمون حملة -جسر القلوب من أوسكودار إلى غزة-
- أمل مرقس: -في فلسطين الغناء لا يوقف الحروب، لكنه فعل صمود وم ...
- عُمرٌ مَجرورٌ بالحياةِ
- إشهار كتاب ( النزعة الصوفية والنزعة التأملية في شعر الأديب ا ...
- باراماونت تنتقد تعهد فنانين بمقاطعة شركات سينمائية إسرائيلية ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - -أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر، دفاتر ليليات- ياسمين كنعان