|
الأدب المنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 00:05
المحور:
الادب والفن
في الأزمات، عند الأحداث الخطرة، يقوم الأديب بدور الصحفي، يدون ما يمر به الشعب/ الأمة بنصوص نثرية، رواية، قصة، قصيدة، مبينا مشاعره، رؤيته، فكرته فيما يجري، وبما أن فلسطين والمنطقة العربية تتعرض لأخطر هجمة في تاريخها الحديث، إن كانت تلك الهجمة من دولة الاحتلال أم من أمريكيا والغرب الاستعماري، فهذا استوجب على كل أديب أن يقوم بدوره، ويدون بالجنس الأدبي الذي يكتب به، وهذا ما فعله "باسل عبد العال" الذي قدم الشعر والنثر في كتابه: "الخيمة في الغابة" إذن نحن أمام أدب ينتمي للشعب/ للأمة، وإلا ما كان هذا العمل حاضرا بيننا، فنجده من ألفه إلى ياءه متعلق بفلسطين ولبنان والسورية والمنطقة العربية، إذا ما تناول بعض الشخصيات فقد تناولها لأنها استشهدت، أو قاومت، وهذا ما نجده في الإهداء "إلى الشهيد الخال (أبو غازي "نضال) من أجل رؤيتنا المشتركة في حضرة المهمة النبيلة" أو شخصيات تركت أثرا أدبيا مقاوما/ رافضا للواقع الرسمي العربي، من هذا الباب سنحاول التوقف قليلا عند ما جاء في "الخيمة في الغابة" ونبدأ من قصيدة "مريد" البرغوثي وكيف تناوله الشاعر: "أكان عليك عبور السماء وأنت المزيد من الانسجام بمرآتك الضوء في عين رضوى لكي يركب الشعر بحر وحبا يحاول حيا وحيا يحاول حبا ليبقى على الحب؟" ص9. اللافت في هذا المقطع عدم وجود كلمة: (رحيل/ غياب/ موت) وهذا يشير إلى بقاء/ حضور "مريد" وشعره ونثره في "باسل عبد العال"، فعندما أستخدم الشاعر "أكان عليك عبور السماء" أكد استمرار/ حضور/ بقاء فعل "مريد" الأدبي، وسلوكه العلمي رافضا فكرة غيابه. وإذا ما توقفنا عند الأفعال سنجدها بمجملها جاءت بصيغة المضارع: "عبور، يركب، يحاول 0مكرر)" بمعنى أن العقل الباطن للشاعر يرفض فكرة رحيل "مريد" من هنا جاء تكرار "حيا" ثلاث مرات، كتأكيد لأثر "مريد" الأدبي: "لكي يركب الشعر بحوا" وكإشارة لسيرته النبيلة/ النقية التي تركها: "ويحيا حبا ليبقى على الحب حيا" فالحب والمحافظة عليه في زمن القسوة والتشرد، والترهيب والترغيب يكون من الأنبياء/ النبلاء/ الأنقياء، بهذه الصورة/ الصفات نظر الشاعر إلى "مريد البرغوثي" وعن الشام وما تعنيه/ تحمله/ تمثله يقول في قصيدة "يا شام...": "لم نبتعد عنها هنا، لم نبتعد، هي ملتقى جسدين نحو الخريطة وتزف جرحاها وتجرحنا لكي تبني سماء من شهيد أو بلادا حاضرة، للشام أسئلة العصور وسر أسرار القيامة في نداء الياسمين على ثياب الأرض عشب من نبي حولها يشفي الهواء من الجروح ونزف روح في القروح لا تبوح ولا تروح في بحة "الحاء" الحزينة مثل بيت طائر في الريح يبني بالمعاني شكله كي نفهمه هي هكذا... الشام تشبهنا بها جرح الحجارة/ رحلة الموتى إلى خلد سماوي وحلم ناضج كي نحفظه لم نبتعد عنها... ولم، حقا تبارك ظلنا إن مر فوق الشام دون الشام ليل خلفه ليل في التراب يباع ليل والصدى ما أثقله يا شام..." ص12و13. الشاعر يتجاوز فكرة الارتباط بالشام إلى التماهي معها، فبدا وكأنه والشام كالجسد والروح، لا معنى لأحدهما دون الآخر، وهذا ما نجده في تكرار العديد من الألفاظ: "لم نبتعد (ثلاث مرات)، جراحاها/ تجرحنا/ جروح، سر/ أسرار، ليل (ثلاث مرات)" كما نجد هذا التماهي من خلال صيغة المثنى: "جسدين" لكن الذروة جاءت من خلال التغني بالشام والتجلي معها: "عشب من نبي حولها يشفي الهواء من الجروح ونزف روح في القروح لا تبوح ولا تروح في بحة "الحاء" الحزينة مثل بيت طائر في الريح" فاستخدام الشاعر ألفاظ تشير إلى الألم/ الحنين: "حولها، الجروح، الروح، القروح، تبوح، تروح، بحة، الحاء، الحزينة، الريح" استطاع أن يحل في الشام وتحل فيه، فهناك كم هائل من الألم والحب جعلهما ينصهران معا، بحيث لا يمكن الفصل بينهما. كما يقودنا هذا (تغني) إلى ما فعله أسلفنا القدماء الذي تغنوا بندب "البعل وعشتار" وجعلوه جزءا من تركيبتهم الاجتماعية، فبدا الشاعر وكأنه يعاود ممارسة طقوس أسلافه القدماء، وهذا يشير بطريقة غير مباشرة إلى عراقة دمشق وأهلها، فهما ليسوا مستحدثين، طارئين، بل التاريخ ممد فيهما. الشاعر الجميل، الشعر الممتع هو الذي يأتي بصورة تتجاوز العقل/ المنطق، وهذا ما فعله الشاعر في هذا المقطع: "حقا تبارك ظلنا إن مر فوق الشام" فالشام إن كانت تبرك الظل، فيكف حالها مع الجسم!؟ أما عن طوفان غزة وما أحدثه تغييرات في الفكر العربي عن قوة (الجيش الذي لا يقهر)، يقول: "في مديح الطوفان": "رسموا طريقا للسماء هنا كي يجدوا بقايا الأرض فيهم من جديد نوح هناك يمد ضوءا للمدى هيا لنصعد فوقها فتح مجيد حفروا دروبا للسماء هنا لكي يجدوا بقايا الأرض فيهم من جديد يا نوح هذا الموج يعلو في الدجى خذنا ومد يديك نارا والمزيد حملوا بشائرهم وعادوا صوبها شمسا وشمسا، حكمة/ فجرا جديد" ص33-35. اللافت في هذه القصيدة تناصها مع قصة الطوفان، فهنا شح في التعاطي مع قصة سيدنا نوح عليه السلام، وزخم في التعاطي مع قصة يوسف التي تناولها العديد من الشعراء، وهذا بحد ذاته يحسب للشاعر "باسل عبد العال" الذي ربط الطوفانين معا، مغربا الأحداث، فجعل نوح يمد ضوءا ليرشدنا إلى المدى، يمد يده لترتفع إلى السماء وليس يد ابنه، هذا التغريب (منسجما) تماما مع حجم التغييرات الذي أحدثها الطوفان فينا، فقلب صورة ترتيب الجيش السادس في العالم، صورة الجيش الذي لا يقهر، إلى صورة الجيش المنهزم/ الذليل، الضعيف/ المنهار أمام مجموعة قليلة من المقاتلين. هذا على صعيد التناص مع قصة نوح والطوفان، أما على صعيد الألفاظ فنجد الشاعر يستخدم العديد من الألفاظ السماوية، العالية، الرفيعة: "للسماء/ ، ضوءا، للمدى، الموج، يعلو، شمسا، فجرا" وهذا يشير إلى النقلة النوعية التي أحدثها الطوفان في العقل العربي، فأصبح ينظر/ يتطلع إلى ما هو عالي ومرتفع، متجاوزا من هو هابط، منحدر.
ويقول في "أيام غزة": "في يوم غزة حين صارت خيمة كم صارت ممتلئا منازل" ص40. فالشاعر في هذا المقطع يقدم صورة واقعية عن طبيعة قطاع غزة الذي يتشكل/ يضم اكبر عدد من اللاجئين، بمعنى أنهم يعيشون في مخيمات، وعندما استخدم "ممتلئا منازل" أعاد اللاجئين إلى منازلهم/ بيوتهم التي أجبروا على تركها مكرهين عام 1948، بمعنى أن الطوفان انهى وجود ودولة الاحتلال وانهى حالة اللجوء من خلال العودة للمنازل. وعن حجم وحشية الاحتلال يقول في "عرفت معنى أن أكون نازحا": "أزيحوا عن الشمس ظلال المسيرات لكي نراها" ص55. ففي هذه المقطع نجد صورة عن زخم عدد المسيرات التي يستخدمها العدو في القصف والتدمير والقتل. وعن الظروف القاسية التي يعيشها أهلنا في غزة، يقول في "ساعات الحرب والطريق إلى البيت": " ساعات المساء في الحرب ليست عادية، ثلاثة مخيمات لاجئة أصبحت نازحة في مخيم واحد" ص65، في هذا المقطع نجد حجم الضغط الذي يعيشه أهلنا في غزة، فالمكان يضيق بهم، والعدو يحاصرهم/ يزجهم في بقع ضيقة، محدودة. الكتاب من منشورات الآن ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، الطبعة الأولى2025.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأدب والمنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الإيمان في -يا رب الأرباب- أمين الربيع
-
الشكل والمضمون في مجموعة -ما وراء الغموض- أحمد دياب
-
كتاب -كن جرينا- همام الطوباسي
-
المنطقة العربية في رواية اشتباك حسين ياسين
-
التخفي في قصيدة -متى تصفو السماء- سامي عوض الله البيتجالي
-
رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
الشكل والمضمون في رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
لصوت الندي في ميزان النقد: هل يعكس النقد شخصية الناقد؟ فراس
...
-
-من غزة إلى الشتات... نقش فلسطيني يجمع أطياف الشعر- تقرير: ف
...
-
الحب والحرب في ديوان صهيل السنابل جميل طرايره
-
مجموعة -الكوخ- محمد حافظ
-
ديوان مرقى الغزالة مراد السوداني
-
ديوان غزة قصائد الصهيل والهديل سامي عوض الله البيتجالي
-
رواية قطة فوق صفيح ساخن مراد ساره
-
رواية أبناء السماء يحيى القيسي
-
رواية نهر يستحم في البحيرة يحيى يخلف
-
الأعداد في قصيدة الطوفان صلاح أبو لاوي الطوفان
-
الثورة في قصيدة -يأتي الصباح- سامي عوض الله (البيتجالي)
-
الشاعر سميح محسن في ديوان (اخلع سماءك وانتظرني): تجسيد لفكرة
...
المزيد.....
-
آنا وينتور تدلي برأيها الحقيقي في فيلم -الشيطان يرتدي برادا-
...
-
فاطمة الشقراء... من كازان إلى القاهرة
-
هل يعود مسلسل (عدنان ولينا) من جديد؟!
-
فيلم -متلبسا بالسرقة-.. دارين آرنوفسكي يجرب حظه في الكوميديا
...
-
طالبان وتقنين الشعر.. بين الإبداع والرقابة
-
خطأ بالترجمة يسبب أزمة لإنتر ميلان ومهاجمه مارتينيز
-
فيلم -هند رجب- صرخة ضمير مدويّة قد تحرك العالم لوقف الحرب عل
...
-
خالد كمال درويش: والآن، من يستقبلنا بابتسامته الملازمة!
-
فنانون عالميون يتعهدون بمقاطعة مؤسسات إسرائيل السينمائية بسب
...
-
الترجمة بين الثقافة والتاريخ في المعهد الثقافي الفرنسي
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|