|
|
الثورة في قصيدة -يأتي الصباح- سامي عوض الله (البيتجالي)
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 17:50
المحور:
الادب والفن
الثورة في قصيدة "يأتي الصباح" سامي عوض الله (البيتجالي) "تأتيك أخبارُ الصباح ِ كأنها الأخبار ُ من أمسٍ و من عامٍ مضى لا شيءَ غير مشاهدِ الموتى وأشباحٍ بلا ظِلٍ وأرقام المجازر تأتيك أخبار الصباح ِ و لا جديدَ من (الجزيرة) للجزائر! هذا السؤال هو السؤالُ وإنْ تبدلتِ المذيعةُ أو تبدلَ من يحاضرُ أو يحاورُ أو يناظر يأتي الصباح على رتابتنا وهذا الموت عاديٌّ وهذا الصمت ينزلُ كالصواعق و الخناجر يأتي الصباحُ و لا صباحَ يشعُّ منه و لا بشائر يأتي الصباحُ و لست اعلم هل بكتْ فيه الحمائمُ أم بكت فيه الحرائر يأتي الصباح و لا أرى ألا قبوراً بُعثرتْ والأرض حُبلى بالمقابر هل يحملُ العربيُّ رُمْحَ الذودِ عنها وهْوَ لم يحمل لها ماءً و لا خبزاً إلى (مصر) المعابر؟ أن العروبةَ يا أبي أكذوبةٌ وهي الأذانُ على المنابر يأتي الصباحُ على عيون الكائنات وكل شيءٍ كائنٍ يصحو... و ما صَحَت الضمائر!" والواقع المرير يصيبنا باليأس/ بالإحباط، ويجعلنا مقهورين/ عاجزين، لكن الشعراء/ الأدباء يصرون على إنهاضنا/ تثويرنا ـ فهم أنبياء عصرنا ومصلحيه ـ فلعلنا نُقدم على فعل/ عمل يخلصنا مما نحن فيه. وإذا ما استمر عجزنا وتخاذلنا فيكفي الشعراء/ الأدباء/ الأنبياء أنهم وثقوا واقعنا، لنكون عبرة لمن بعدنا، ألم يخبرنا الله عن الأقوام التي عاقبها وإزالها من الوجود؟ بداية أشير إلى أن الصبح/ الصباح يدل على الاستمرار، فنحن نعيش الصباح في بداية كل يوم، كما ذكر الصبح في القرآن الكريم كموعد لهلاك قوم لوط: "إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" فهل أراد الشاعر تحذيرنا بموعد هلاكنا؟، أم أن له مآرب أخرى من وراء تكرار الصباح في قصيدة "يأتي الصباح"؟ سنحاول معرفة ذلك بعد أن نتوقف عند ما جاء في القصيدة: يفتتح الشاعر كل مقطع في القصيدة "يأتي الصباح" في المقطع الأول يقول: "تأتيك أخبارُ الصباح ِ كأنها الأخبار ُ من أمسٍ و من عامٍ مضى لا شيءَ غير مشاهدِ الموتى و أشباحٍ بلا ظِلٍ و أرقام المجازر"
نلاحظ تركيز الشاعر على الزمن/ على الوقت من خلال: "الصباح، أمس، عام، مضى" وهذا يقودنا إلى تكرار سماع ومشاهدة ما تبثه محطات الأخبار، بمعنى أننا نسمع يوميا الأخبار التي من المفترض أن تُثيرنا، تُثورنا/ تُمردنا على ما يجري لأهلنا في غزة من مذابح وتجويع وتشريد، لكننا أدمنا العجز، وقيدنا الانكسار. هذا على صعيد فكرة المقطع، لكن إذا ما توقفنا عند الألفاظ سنجدها قصيرة، فأطول لفظ مكون من خمسة حروف فقط ـ إذا ما استثنينا لفظي "الموتى، المجازر" المكونان من ستة حروف، وهذا يشير إلى (تعب) الشاعر (ويأسه)، فهاذين اللفظين "الموتى، المجازر" يحملان فكرة الإبادة التي تجري، إضافة إلى أنهما جاءا بحجم كبير تجاوز بقية الألفاظ، لتذكيرنا بأن هناك فعل عظيم يجري، موت ومجازر يستدعي منا العمل، وبهذا يكون الشاعر قد ذكرنا "بالموتى، بالمجازر" من خلال معنى اللفظ ومن خلال حجمه. "تأتيك أخبار الصباح ِ ولا جديدَ من (الجزيرة) للجزائر! هذا السؤال هو السؤالُ و إنْ تبدلتِ المذيعةُ أو تبدلَ من يحاضرُ أو يحاورُ أو يناظر" في المقطع الثاني نجد الشاعر يكرر ألفاظ بعينها: "السؤال، تبدلت/ تبدل" ونجده يستخدم ألفاظا متماثلة الشكل والإيقاع "الجزيرة/ الجزائر، هذا/ هو، يحاضر/ يحاور/ يناظر" وهذا يشير إلى حالة التعب التي يمر بها الشاعر فبدا وكأنه (مخمور/ سكران/ تعب) ولم يعد يقدر على التركيز من هول ما سمع وشاهد، فهو شاعر/ نبي يتمتع بإحساس مرهف، إضافة إلى الرسالة التي يحملها ـ تخليص شعبه / امته ـ مما هي فيه من هوان وانكسار وذل، فحجم الأعباء هائل وكبير عليه، مما جعله بهذا الإرهاق، هذا الحال. وإذا ما قارنا حجم الألفاظ في القطع الثاني مع تلك التي جاءت في المقطع الأول سنجدها كبيرة، العديد منها يتكون من ستة حروف، وهذا ما زاد من تعب الشاعر، فقد حمل حملا ثقيلا، فحاول التخفيف على نفسه وعلى القارئ من خلال إيقاع ألفاظ: "يحاضر، يحاور، يناظر". "ياتي الصباح على رتابتنا و هذا الموت عاديٌّ و هذا الصمت ينزلُ كالصواعق و الخناجر" يستمر الشاعر في تناول الواقع البائس، مشيرا إلى المسؤولية التي تقع علينا/ "رتابتنا" وهنا نلاحظ أنه أخذ يخاطبنا بصيغة "نحن" جامعا نفسه معنا، ونلاحظ (التصعيد) بلغة الخطاب: "وهذا الموت عادي، وهذا الصمت ينزل كالصواعق والخناجر" واللافت في هذا المقطع أن "الصمت (سبب) نزول "الصواعق" أو هو الصواعق ذاتها، وهذا يعد تحذير لنا، وعلينا العمل، التمرد/ الثورة. "يأتي الصباحُ ولا صباحَ يشعُّ منه و لا بشائر ياتي الصباحُ ولست اعلم هل بكتْ فيه الحمائمُ أم بكت فيه الحرائر" في المقطع الرابع (يتمرد) الشاعر عن نسق القصية "يأتيك الصباح" فنجده يكرر الصباح ثلاث مرات : "ولا صباح، يأتي الصباح" وهذا التكرار له دلالة قدسية الثورة التي مهدت لما جاء بعدها، فالشاعر لم يعد (يلتزم) بترتيب البيتين عند استخدامه "يأتي الصباح" وإذا علمنا أن هذه الثورة/ التمرد حدث في (منتصف/ وسط) القصيدة، نصل إلى أن هناك (ترتيب) للثورة التي بدأت بالمقدمات والشروحات السابقة، لكن هذا (الترتيب) لم يأتي من خلال حالة الوعي، بل من خلال كون "سامي عوض الله" شاعرا ونبيا، فخصه الله (بكرامة/ بمعجزة) ظهرت لنا في القصيدة، كإشارة إلى ضرورة الاقتداء بالشاعر النبي، والسير على خطاه، حيث لم يعد هناك مجال لوجود الحياد، فأما نكون مع أو ضد، فقد وصلت الأمور إلى الذروة، ويجب علينا حسم مواقفنا، فإما أن نؤمن ونعمل، وأما نكفر ونصمت.
" يأتي الصباح و لا أرى ألا قبوراً بُعثرتْ و الأرض حُبلى بالمقابر هل يحملُ العربيُّ رُمْحَ الذودِ عنها و هْوَ لم يحمل لها ماءً و لا خبزاً إلى (مصر) المعابر؟ ان العروبةَ يا أبي اكذوبةٌ و هي الأذانُ على المنابر" إذن بدأت الثورة، وها هو الشاعر يعبئنا بها، من خلال صيغة السؤال: "ألا القبور بعثرت، هل يحمل" فهو لا يدرينا مجرد أتباع، بل مؤمنين بدعوته، لهذا خاطبنا بصيغة السؤال لنستخدم العقل، لنكون مؤمنين، مقتنعين، ولا يدخلنا أية ارتياب. وإذا ما توقفنا عن طريقة (شرح) الشاعر للثورة، نجد أسبابها مرتبطة بحال الجمود: "لم يحمل لها" رغم تفشي الموت وكثرة القتل الذي يزداد كل "صباح": "إلا القبور بعثرت، والأرض حبلى بالمقابر" وهذا ما دفعه لحسم الأمر، وأوضح حقائق سياسية "أن العروبة أكذوبة" وكشف زيف رجال الدين: "وهي الأذان على المنابر" مما يستعدي منا نحن المتلقين للعمل على إزالة هؤلاء الحكام والمتحكمين ورجال الدين المنافقين. " يأتي الصباحُ على عيون الكائنات وكل شيءٍ كائنٍ يصحو... وما صَحَت الضمائر" يختم الشاعر القصيدة بصورة (مبهمة) بحيث لم يعطنا صورة واضحة عن نهاية/ نتيجة الثورة، لكن إذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة سنجد أنها جاءت بغالبيتها بيضاء: "عيون، الكائنات/ كائن، يصحو/ صحت، الضمائر" وهذا يقودنا إلى فكرة الأمل الكامن في الثورة، وعلى أن نتيجتها ـ حتى لو فشلت ـ نبقى قد مارسنا دورنا في الفعل، وعملنا المطلوب منا والواجب علينا، وهذا يقودنا إلى أن الثائر/ المتمرد يمارس دوره، فإن انتصر حقق هدف الشعب، الأمة، وإن استشهد وصل لهدفه، الموت في سبيل قضية يؤمن بها، وملاقاة الله عز وجل في جنة الخلد. القصيدة منشورة على صفحة الشاعر Sami Awadallah
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعر سميح محسن في ديوان (اخلع سماءك وانتظرني): تجسيد لفكرة
...
-
الشكل والمضمون في كتاب أزاهير وقوارير محمد حافظ
-
أنا الشاعر في ديوان -شجر اصطفاه الطير- عمر أبو الهيجاء
-
المرأة في مجموعة -الأخوات الحزينات- نجاتي صديقي
-
المكان في مجموعة -حين تموت المدن- صلاح دهني
-
عزوف الحياة في قصيدة -خذ روحي إليك- علي البتيري
-
الشعبية في رواية خرفيش محمود عيسى موسى
-
الاستعمار الاستيطاني في رواية -الحريق- محمد ديب، ترجمة سامي
...
-
البياض المطلق في -أمي- مراد السوادني
-
التسلية في قصة -معضلة الزنزانة رقم 13-
-
الشعر وتقديم الواقع في قصيدة- طفلان يبتسمان-
-
غزة في رواية -سلالة من طين، غزة الباكية- قمر عبد الرحمن
-
الواقع والتغيير في -خطابات الإسكندر- فيصل زريقات
-
الوطن في قصيدة -حين ثملت يا وطني- نزيه حسون
-
عودة الحياة في قصيدة -صديقي الشاعر من غزة- لشاعر المتوكل طه
-
الفلسطيني في رواية مرآة واحدة لا تكفي
-
الواقع العربي في رواية -اللجنة- صنع الله إبراهيم
-
-حكايات خريفية-* للفلسطيني حامد حج محمد رواية الغياب بامتياز
-
-خبايا الرماد- لجهاد الرنتيسي ... رواية الأحداث السياسية
-
الواقع اللبناني والعربي في كتاب -هذه وصيتي- كمال جنبلاط
المزيد.....
-
التشكيلي سلمان الأمير: كيف تتجلى العمارة في لوحات نابضة بالف
...
-
سرديات العنف والذاكرة في التاريخ المفروض
-
سينما الجرأة.. أفلام غيّرت التاريخ قبل أن يكتبه السياسيون
-
الذائقة الفنية للجيل -زد-: الصداقة تتفوق على الرومانسية.. ور
...
-
الشاغور في دمشق.. استرخاء التاريخ وسحر الأزقّة
-
توبا بيوكوستن تتألق بالأسود من جورج حبيقة في إطلاق فيلم -الس
...
-
رنا رئيس في مهرجان -الجونة السينمائي- بعد تجاوز أزمتها الصحي
...
-
افتتاح معرض -قصائد عبر الحدود- في كتارا لتعزيز التفاهم الثقا
...
-
مشاركة 1255 دار نشر من 49 دولة في الصالون الدولي للكتاب بالج
...
-
بقي 3 أشهر على الإعلان عن القائمة النهائية.. من هم المرشحون
...
المزيد.....
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|