|
عودة الحياة في قصيدة -صديقي الشاعر من غزة- لشاعر المتوكل طه
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 00:25
المحور:
الادب والفن
يمكن أن يكون للشتات الفلسطينية (حسنة) حيث أنها توحد الفلسطينيين تجاه أي حدث يحصل لهم، في الوطن أو في الشتات، فالهم/المأساة توحدهم وتجعلهم كيان واحد، من هنا نجد العديد من الشعراء والأدباء والكتاب يتناولون مأساة أهلنا في غزة، وكأنهم بين أهلهم، يتعرضون للحرق، للبتر، للموت، لفقدان الأسرة، لهدم البيوت، لفقدان الأحبة والأصدقاء، للتهجير والنزوح المتواصل، للجوع، لعدم وجود مكان آمن، والشاعر المتوكل طه واحد من هؤلاء الشعراء الذين كتبوا عن غزة، والقصيدة "صديقي الشاعر من غزة" نماذج الشعر الذي يكتبه. بداية أنوه إلى أن حجم جرائم الاحتلال تفرض ذاتها على الشعراء/الأدباء، فهم يكتبون بإسهاب عما يجري من أبادة وتجويع وقتل وتشريد، وهذا يشير إلى حالة التماهي مع أهلنا في غزة، فالشعراء أكثر الناس حساسية، يتأثرون بأي كلمة، أو صوت، فما بالنا بما يجري من إبادة وتدمير وتشريد في غزة!؟ من هنا القصيدة طويلة، حيث تناول الشاعر فيها واقع صديقه الشاعر من غزة دون تسميته، وهذا ما يجعل القصيدة موجهة/مكتوبه لكل شعراء غزة، إذن العنوان كان موفقا ويخدم (مشاعية/عمومية) القصيدة. الثبات/البقاء/الصمود في غزة يعد معجزة، لكل إنسان، لكن بالنسبة للشاعر يعد عملا خارقا، لأنه يتأثر أكثر من غيرة، فمشاعره وأحاسيسه حساسة تتأثر بسرعة ويستمر الأثر عليه لزمن طويل، يتناول الشاعر "المتوكل طه" هذه الحالة بقوله: "وأرى أنّ الشاعرَ لم يبرحْ غزّةَ، ظلّ المصلوبَ على الحَنّونِ الشائكِ، يلمحُ في موقدةِ الكلماتِ ذِئابَاً تَجأرُ، أو قلبَ قَتادٍ يحتضنُ الأطفالَ التسعةَ، وأباً يجترُّ زَفيرَ الغضبِ المكتومِ، فيحتشدُ القلبُ، ويذوي.." اللافت في هذا المقطع دخول "المتوكل طه" الحدث/المشهد/المكان، وفهم يكتب من الداخل وليس من الخارج، ونلاحظ أنه يذكرنا بمأساة السيد المسيح حينما وضعوا تاج الشوك على رأسه، يكون عذابه مضاعفا، عذاب ناتج عن الألم الذي يحدثه الشوك، وألم نفسي متعلقة بالإهانة التي حاول من صلبوه أن يؤذوه بها، فعبروا عن سخريتهم من الملك المصلوب، الملك الذي ينزف دما. وبما أن "المتوكل طه يتحدث عن شاعر، فلا بد من تناول الأداة التي يستخدمها، الكلمة/القصيدة، من هنا وجدناه يتحدث عن الموقد والكلمات والذئاب التي تجأر، وهذه الصورة تكفي لإيصال حجم الوحشية التي يمارسها العدو تجاه الشاعر وأعله وشعبه. العائلات التي أبيدت كانت مؤثرة أيضا في الشاعر، وهذا ما جعله يتوقف عندها، وبما أن هذه الجريمة لا يمكن أن يتحملها إنسان، فقد استعاض الشاعر عما شاهد هذه الإبادة ب"قلب" الذي جاء غير معرف، وهذا ما يجعل هذا القلب هو كل إنسان يرى/يشاهد مجازر الاحتلال في غزة. ثم ينقلنا إلى مأساة (أخف) بقاء أب العائلة حيا، وفقدان كامل عائلته، اللافت في هذا المشهد تركيز الشاعر على حركة قلب الأب، زفير، متجاهلا الشهيق الذي من المفترض أن يسبق الزفير، وكأنه بإلغاء/تجاهل الشهيق يقول: "لم يعد هناك هواء للحياة" وما إخراج الأب "زفيره" إلا تأكيدا على نفاذ الهواء، نفاذ الحياة، من هنا استخدم "يذوي" ليوصل فكرة الفقد/النفاذ للمتلقي. حجم التخاذل الرسمي العربي لا يمكن أن يصدقها العقل، ولا يمكن أن تخضع للمنطق، يتوقف الشاعر عند هذه الظاهرة العجيبة الغريبة في هذا المقطع: "يسمعُ مَن نادوا، خلفِ القضبانِ أو النيرانِ.. يقولُ؛ لعلَّ الأصداءَ تدقُّ النافذةَ، فينتبهُ العَرْشُ الخَشَبيُّ، ولكنَّ خليفتَنا المشغولَ؛ سيلهثُ خلفَ القاتلِ كي يمنحَه المفتاحَ الذّهبيَ وينبوعَ الصوّانِ".
ومرآةُ صديقي الشاعرِ من غَبشٍ دمويٍّ، وشظايا.. والخَزَفُ رمادٌ، وغروبٌ وثنيٌ، وخُوانٌ مكسورٌ.. ولياليه حطامٌ يتفصّدُ من أرجلِه الداميتينِ، ومن فتحاتِ المطرِ الساقطِ من سقفِ شتاءٍ يعقصهُ كالعقربِ.. هذا المسكينُ؛ قصائدُهُ يُطعِمُها للكانونِ، فَلا يعرفُها القُرّاءُ، ويكتبُ كي لا ينتحرُ العصفورُ، من الهجرانِ.. صديقي ينعفُ نثرَ اللغةِ المتوهّجِ، في وَجْهِ الشِعرِ، ويرسمُ أشلاءَ الحربِ على الجدرانِ،" من المشاهد المؤلمة مشاهد حرق الخيام وساكنيها وهم أحياء، وهذه المحرقة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، من هنا توقف الشاعر عندها، وربطها بالواقع الرسمي العربي، وما فيه من تخاذل، وهذا ما جعل المتوكل طه (ينفعل) ويخرج عن طوره ويتحدث بلغة غارقة في السواد: "دموي/دموي، وشظايا، رماد، غروب، وثني، وخوان، مكسور، لياليه، حطام، الساقط، يعقصه، العقرب، ينتحر، ينعف، أشلاء، الحرب" ولم يقصر الأمر عند الألفاظ، بل تعداها إلى الصورة الشعرية التي (أدماها/شوهها) بالدماء والقسوة والحزن. فجعل المرآة التي تعكس صورنا الجميلة "غبش دموي وشظايا" والخزف رماد، والغروب وثني، والقصائد يحرقها/يطعما لكانون النار، واللافت أن "المتوكل طه" (يبرر) هذا المزج في أخر المقطع: "صديقي ينعفُ نثرَ اللغةِ المتوهّجِ، في وَجْهِ الشِعرِ، ويرسمُ أشلاءَ الحربِ على الجدرانِ" وهذا ما يؤكد وجوده في غزة، فهو لا يكتب من خارج الحدث، من خارج المكان، بل من داخله، من بين الحرائق والأشلاء، من بين الجثث والبيوت المدمرة والخيم التي تحترق، لهذا جاء المقطع غارق في القتامة. وهذا نتوقف قليلا عند حجم القتامة وعلاقته بالتخاذل الرسمي العربي، فالشاعر من خلال (صوته العال) ومن خلال مزج الجمال بالدماء وتشويه الرؤية بالغباش، ومن خلال السواد والمشاهد الدموية، كان يواجه هذه الأنظمة بحقيقتها، ويكشف لها تخاذلها، وحقيقتها كتابع للعدو، فهي عاجزة حتى عن قول (كفى) للعدو، فكيف لها أن تفعل لتوقف العدو هند حده!؟ الشعراء يعرفون ما يكتبون، ويشعرون بالقارئ/بالمتلقي عندما يتعبونه بمشاهد قاسة ومؤلمة، من هنا نجدهم يعملون على (تصحيح تجاوزهم) في الحديث عن السواد، وهذا ما فعبه "المتوكل طه" في هذا المقطع: " صديقي شيخٌ يتكئ على النَسَماتِ البحريةِ، ويحاولُ أن يصطادَ الحوريّةَ، فتفرُّ، وتضحكُ من شَيْبٍ يغزو فُودَيهِ، فيبكي مثلَ الرُبّانِ التائهِ، سيظلُّ بعَرْضِ البحرِ عقوداً حتى يدركَهُ الشاطئُ، والشاطئُ خلفَ كهوفٍ تسكنُها الغيلانُ، وأبناءُ التنّين.." نلاحظ أن المشهد يميل للون الرمادي، فنجد في البياض: "النسمات، البحرية/البحر، الحورية، وتضحك، رماد، الشاطئ (مكرر)، كما نجد السواد في: "كهوف، الغيلان، التنين" وإذا ما أخذنا البياض الكامن في: "صديقي شيخٌ يتكئ على النَسَماتِ البحريةِ، ويحاولُ أن يصطادَ الحوريّةَ، فتفرُّ، وتضحكُ" نتأكد أن الشاعر يعمل على إحداث (توازن) في القصيدة، بحيث لا يرهق المتلقي بكثرة السواد، وإذا ما عندما إلى القصيدة، سنجد أن هذه (الوقفة/الحالة) أرادها بها الشاعر تعريف القارئ بحجم الخراب/التدمير والقتل والحرق الذي أحدثه ويحدثه العدو، فالبدايات الجميلة أتبعها مشاهد وحشية الاحتلال، وبهذا يكون قد خفف على المتلقي، وفي الوقت ذاته أوصل فكرة القصيدة، وحشية الاحتلال وبربريته. وإذا ما توقفنا عند بداية المقطع وحالة الشيخ الذي يتكئ على النسمات، بمعنى انه هائم/طائر في التأمل، لهذا لا نجد (أرضا) في المقطع، وبين خاتمة التي تتحدث عن كائنات أسطورية/خرافية "غيلان وتنين" وعن مكان مخيف "كهف" نصل إلى ما أراد الشاعر تقديمه، فالاحتلال يحول كل ما هو جميل إلى خراب، كل ما هو حي إلى موت. من مهام الشاعر بث الأمل، فرغم أنه يتناول أحداثا دامية، إلا انه كشاعر يمثل روح الشعب/الأمة، فلا بد له أن يحمل/يقدم الأمل للمتلقي، فهو ليس مجرد ناقل للحدث، بل ناقل للفكرة، ناقل لما يجب أن يكون، وليس ما كان فقط: "صديقي الشاعرُ من حَبقٍ، وسيزهرُ مثلَ الحقلِ، ويحضنُ كلَّ مجرّاتِ الكونِ، ويكتبُ أجملَ ما كتبَ الشعراءُ.. صديقي أمهرُ مَن زرعَ النرجسَ فوق شفاهِ الأنهارِ الظامئةِ" نلاحظ الريفية حاضرة في المشهد، فهناك "زرع ، حقل، وحبق، ويزهر، والنرجس، انهار" وهذا يعدنا إلى ملحمة البعل السورية التي تتناول اخضرار الأرض بعد ما أصابها من جذب، وهذا ما يجعل فكرة الخير، الحياة، حاضرة ومستمر، كما نجده يكد الدور الحضاري للسوري/للفلسطيني من خلال فعل الكتابة الذي كرره، وإذا عدنا غلى عناصر الفرح "المرأة، الطبيعة، الكتابة، التمرد" نصل إلى أن نصاعة المقطع جاءت بسبب حضور الطبيعة، ولحضور الكتابة، ولحضور أسطورة الخصب التي (ساعدت/أمدت) الشاعر بفكرة استمرار الخصب/الحياة. وتأكيد لعودة الحياة من جديد يقول الشاعر: " صديقي، سيعودُ قريباً، إذ يخرجُ من أوهامِ الغُربةِ، كي يدخلَ معراجَ العائدِ، ليس لأبوابِ مُخيّمهِ المُتعبِ، بل لبلادٍ تمتدُ من الماءِ إلى الماءِ،" تتحدث ملحمة "البعل" عن عودته بعد الغباب، بعد الموت، فتخضر الأرض، ويضاجع الرجل زوجته، وتحمل المرأة وتعشر الماعز، ويكثر الخير، (فشرط) عودة الخصب للأرض وما عليها مرتبط ب(العودة) فإذا ما عاد السوري/الفلسطيني تخضر الأرض وتزهر وتثمر، وهذا ما أكد "المتوكل طه" في هذا المقطع، فربط الخصب/الحياة ب"العودة". هذا على صعيد الملحمة/الأسطورة، لكن هناك حقيقة واقعية تتمثل بغياب الفلسطيني عن وطنه، وإذا ما عاد ستكون فلسطين، طل فلسطين خضراء، خصبة كما رسمها أجدادنا قديما عندما تحدثوا عن البعل وعودته، من هنا راد الشاعر تأكيد الأمل، تأكيد العودة، تأكيد اخضرار فلسطين وتعميرها، وخصبها وخصب من عليها. القصيدة منشورة على صفحة الشاعر Mutawakel Taha Nazzal
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسطيني في رواية مرآة واحدة لا تكفي
-
الواقع العربي في رواية -اللجنة- صنع الله إبراهيم
-
-حكايات خريفية-* للفلسطيني حامد حج محمد رواية الغياب بامتياز
-
-خبايا الرماد- لجهاد الرنتيسي ... رواية الأحداث السياسية
-
الواقع اللبناني والعربي في كتاب -هذه وصيتي- كمال جنبلاط
-
حول كتاب -المثقف في صورة نبي-* للكاتب فراس حج محمد
-
التغريب في قصيدة -قصر طائر!- سامي البيتجالي
-
صدى الأصوات في قصيدة -أصرخ- أحمد الخطيب
-
أدب المقاومة في مجموعة -وقال الطائر الذبيح لا- سمير عزت نصار
...
-
المخابرات في رواية -من جبل الجرف إلى تل أبيب- أشرف مسعي
-
الطبيعة والمجتمع في قصيدة -البازلت- سامر كحل
-
صكوك غفران للأموات
-
ثورة الدروز وتمرد دمشق، الجنرال اندريا، ترجمة حافظ أبو مصلح
-
الإيجابية في رواية -أحلام القعيد سليم- نافذ الرفاعي
-
ثورة ال1936 في كتاب ثورة الفتى العربي رئيف خوري
-
المعرفة والعرب في رواية ثورة القبور علي شلق
-
أنت النبي وهم المنكر في قصيدة -وحدك- أحمد الخطيب
-
الحرب في كتاب -التاريخ فكرا استراتيجيا- باسيل ليد هرت تعريب
...
-
حاجتنا إلى عبقرية لينين
-
إلى أين تذهب المنطقة العربية
المزيد.....
-
مصر.. تصاعد الخلاف بين محمد الباز وابنة الشاعر الراحل أحمد ف
...
-
-أجراس القبار- للروائي الأردني مجدي دعيبس.. رواية تاريخية في
...
-
بغداد عاصمة الثقافة الإسلامية 2026
-
تكحيل الأضحية والغناء وصبغ الفروة.. عادات تراثية تسبق الأضحي
...
-
-ليس كل الكلاب تبقى وفيّة-.. تركي آل الشيخ يكشف عن بوستر فيل
...
-
بدلاً من الخيوط..فنانة تستخدم أجنحة النحل لصنع تصاميم ساحرة
...
-
رحيل الكاتب التونسي حسونة المصباحي بعد مسار إبداعي حافل
-
تحقيق للجزيرة يكشف تضارب الرواية الإسرائيلية بشأن مجزرة المس
...
-
فنان مصري يعلن توبته من المسجد النبوي
-
طُردت من -الزعتري- و-داعش- طلب رأسي.. الفنان السوري نوّار بل
...
المزيد.....
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
المزيد.....
|