|
ثورة الدروز وتمرد دمشق، الجنرال اندريا، ترجمة حافظ أبو مصلح
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 23:58
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
ما تشهده سوريا اليوم من مؤامرات تحاك في الليل والنهار، في السر والعلن، وتكالب الأعداء عليها، من الصهاينة، والأتراك، والأمريكان، والأنظمة الرجعية العربية، وأدواتهم من الإرهابيين والقتلة والمفسدين في سوريا، تجعلنا نستعيد شيئا ما كتبه عدو سوريا "الجنرال اندريا" عن السوريين والدروز تحديدا، في كتابه "ثورة الدروز وتمرد دمشق" حيث أكد أن المعطلة أمام تثبيت الاحتلال الفرنسي لسوريا كان بفضل الدروز الذين امتازوا بالبسالة والشجاعة والإصرار على تحدي المستعمر. ولم يقتصر الأمر على مواجه القوات الانتداب العسكرية فحسب، بل طال أيضا مواجهة خطط فرنسا بتقسيم سوريا، ورفضهم بشكل قاطع إقامة حكومة درزية مستقلة عن بقية وطنهم سوريا، كل هذا يجعلنا نقول إن النسيج الاجتماعي المتعدد في سوريا يعد إثراء لها وقوة تحصنها من دعاة اللون الواحد الذي يعمل على محو وشطب وإزالة كل من ليس من لونه، وأن التعدد والتنوع الثقافي والديني يحسب لسوريا التي تتميز به عن غيرها من المناطق ذات اللون الواحد. معركة ميسلون سنحاول التوقف قليلا عند ما جاء في الكتاب، وكيف نظر الأعداء إلى المقاومة، إلى الثورة السورية، ونبدأ من معركة ميسلون التي واجه الجيش العربي السوري المتواضع عددا وعدة، الجيش الغازي: "لورنس... رسم لصديقه الأمير فيصل طرقا ضدنا اتبعها دون أن يتعب من الجري وراءها، إلى أن قضى عليها الجنرال غورو في 21 تموز 1920 حين انتصر على الجيش العربي في ميسلون" ص19و20، هكذا ينظر الأعداء إلى المقاومة، إلى الثورة، فكل من يواجه المحتل هو مأجور/مرتزق ويعمل لصالح (عدو) خارجي، ولا يقوم بالمواجهة بسبب الاحتلال الغازي لوطنه والمقيد لشعبه. الثورة السورية بعد معركة ميسلون ودخول الفرنسيين دمشق، بدأت مواجهة من نوع آخر، أخذت شكل ثورة شعبية مسلحة وليس جيش نظامي، والثورة الشعبية ليس من السهل الانتصار عليها أو التخلص منها، حيث تنتشر بين الأهالي ويحميها الشعب، يقول عنها "الجنرال اندريا": "أوعز الأمير فيصل إلى الدمشقيين، بأن يعقدوا في البلاد اجتماعا تدعو إلى استقلال سورية، توزع باسمه، وتنشر وعود المراكز والرتب على الذين يظهرون مقاومتهم للوصاية الفرنسية... عندئد أخذت اللحمية تقوى بين الدمشقيين المتطرفين ومشايخ الدروز، سلطان باشا الأطرش، الأمير عادل أرسلان، وعز الدين الحلبي، الذين حرضوا فيما بعد البلاد علينا" ص24، نلاحظ أن الكاتب يستخدم ـ مرة أخرى ـ (العدو الخارجي/العامل الخارجي) كسبب أساسي للثورة ومواجهة الفرنسيين، وهذا يشير إلى الرؤية التضليلية عند الفرنسيين، على أنهم أصحاب حق في احتلال سورية وإخضاع شعبها لسلطة الاحتلال. بداية الحديث عن الثورة استخدم "الجنرال اندريا" ألفاظ (مخففة) يحاول بها التمويه/التقليل من حجم وقوة الثورة السورية: "وفي عينتاب كذلك جاهدت قوة الخفر جهاد كبيرا، بعد أن ثارت المدينة ضدنا، معلنة العصيان" ص35، لكن بعد أن انتشرت الثورة في العديد من المناطق السورية، أخذت لهجة "اندريا" تصف الأحداث بحقيقتها: "حدثت اضطرابات في كل أنحاء سورية... ولكن هذه الاضطرابات، لم تكن عنيفة في أي مكان، كما كانت في جبل الدروز. قامت عصابات مسلحة، في أماكن أخرى، كلفتنا شهورا طويلة لملاحقتها، وإعادتها إلى الروية والتعقل" ص40، ونتوقف هنا قليلا لنعرف لماذا تحدث "اندريا" عن جبل الدروز تحديدا، وليس عن مكان آخر، ونجيب لأنه كان ضابطا فرنسيا، ويعرف تفاصيل المعرك التي خاضعها، وكيف وأين جرت تلك المعارك. ثورة الدروز يتحدث "اندريا" عن الثورة في جبل الدروز بعين الاسلوب والطريقة التي تحدث بها عن معركة ميسلون، يقول: "كان لحادثة المزرعة انعكاس غاضب، حتى في الأماكن النائية من الجبل، وانتصار الأطرش منذ ثمانية أيام في الكفر، على فرقة فرنسية صغيرة، لم يحرك الجماهير، ولكن انتصاره الجديد على حملة ضخمة مجهزة بأفتك أنواع السلاح، أظهر عبقريته، وأدهش العقول، فانضوى الجبل بأكمله تحت راية الثورة، أما في الأردن، فقد هلل الحزب العربي، وأخذ الشهبندر المحرض، والأمير اللبناني أرسلان، والمقرب من الملك، رشيد طليع، أخذ الثلاثة يجتمعون يوميا، ولم تكن ثورة الجبل إلا جزءا من مخططهم، فقد كانوا يطالبون توسيعها، ويطمحون إلى إشعال الثورة في كل أنحاء سورية، كان رجالهم يحركون المدن الكبيرة، ولا سيما دمشق، حيث تعيش خلية متطرفة مهمة، وكانوا يثيرون عصبية الوطنيين ضد فرنسة، موزعين الذهب بسخاء، مستغلين "ببشاعة" هزيمتنا الأخيرة. ازداد تجنيد الثوار ودعي إلى الثورة حثالة القوم، كالمحكومين الذين يكثر عددهم في دمشق، والبدو الرحل المتشوقين إلى السلب" ص 89 -91، نلاحظ أن الكاتب يتعمد نسب الثورة إلى الخارج، وأن ما يجري من مقاومة يحاك من آخرين ـ الأمير شكيب أرسلان من لبنان، ورشيد طليع من الأردن ـ وهؤلاء ليس لهم علاقة بسورية، هكذا هو المحتل، يشوه المقاومين، ويقلل من مكانة الثورة، ويضلل الناس بما يبثه من مغالطات مقصودة عن أسباب الثورة ودافعها وأهدافها والأشخاص القائمين عليها. يستمر الكاتب في تشويه الثورة والثوار بقوله: "لا يمكن استدعاؤهم أو محاولة إعادتهم إلى الصواب، لأنهم مأجورون، ويقضبون ثمن ما يرتكبون من حقارات. لكن علينا منعهم من التخريب" ص125، هذا لسان حال كل مستعمر، كل محتل، كل ظالم مستبد، يشوه الحقائق ويزيفها، ويدعي الحرص على مصلحة الشعب، رغم أنه يشكل أكبر مشكلة ومصيبة للشعب وللأمة جمعاء. بعد انكفاء الثورة يتحدث الكاتب بلغة الواثق على أنه صاحب حق، وأن ما قام به السوريون ما هو إلا (حماقة): "والناس في كل مكان، عرفوا خطأهم، فبزغ شعور جديد، بإنكار الأعمال التي يقوم بها أولئك الذين يهيجون البلد، ستة آلاف بندقية، وكمية ضخمة من الخراطيش سلمت في مختلف الحاميات، وقد يبقى في أيدي الدروز أكثر من ألف بندقية" ص316و317. القائد سلطان باشا الأطرش لكل ثورة قائد، وقائد الثورة السورية ومشعلها هو القائد الوطني "سلطان باشا الأطرش" الذي خاض المعرك بنفسه مع الفرنسيين، وخطط ونسق مع القوى الداخلية والخارجية لإنجاح الثورة واستمرارها، يقدمه لنا الكاتب بقوله: "ترأس سلطان الأطرش حملة مؤلفة من مئة فارس تقريبا، وراح يجول في القرى باسطا خطته، طالبا من الشباب الانضمام إليه والذهاب إلى السويداء" ص83، وهذا القول يقودنا إلى حقيقة القائد الذي لا يكتف بالتنظير والخطب الرنانة، بل يقوم بمهامه العسكرية بدقة متناهية، متقدما صفوف الثوار. وهذا القائد العسكري تجاوز الحالة الدرزية إلى الحالة السورية، من هنا وجدناه يطالب بتحرير سورية واستقلالها كاملة: "ولكن سلطان أجاب في صلف: إن الشعب الدرزي لن يلق السلاح إلا بعد اعتراف فرنسة باستقلال سورية الكامل" ص138، وهذا ما يجعله قائدا وطنيا قوميا، وليس مجرد قائد/رئيس لطائفة أو لحركة بعينها. ولم يقتصر الأمر على مخاطبة الشعب السوري فحسب، بل تعداه إلى مخاطبة المندوب السامي في سوريا: "الاعتراف باستقلال المناطق السورية وتمثيلها خارجيا وقبول سورية في عصبة الأمم، إعلان الوحدة السورية، وإعادة لبنان الكبير إلى سابق عهده قبل الحرب، انسحاب الجيوش الفرنسية" ص140، وهذا ما يجعل الثورة صاحبة رؤية سياسية، وليست مجرد حراك شعبي يطالب بإصلاحات معيشية. وعن اتصالاته وعلاقته الخارجية ينقل لنا الكاتب ما جاء به أحد الصحفيين: "سلطان هو الإله المعبود، وشهبندر، الحاكم العسكري الحقيقي، يدير الدفة وإلى جانبه طلاب حقوق، وطب، من جامعة بيروت الأمريكية، تصله دائما من دمشق وبيروت والأردن مراسلات لا تقع تحت الحصر" ص142، إذن نحن أمام قائد له صلات مع العالم الخارجي، وله تلاميذ وأعوان وقراء ومستمعين وصحفيين ينقلون أفكاره ومعاركه إلى العالم الخارجي. كان "سلطان باشا الأطرش" قائدا شعبيا محبوبا من الجماهير السورية: "فإن المنطقة كانت تستقبل سلطان الأطرش أحسن استقبال، لا سيما بعد أن جعل لكل رجل ينضم إلى الثورة معاشا شهريا يعادل المعاش الذي نعطيه لجنودنا" ص256، إذن نحن أمام قائد يعلم جيدا أن الثائر يجب أن يعيش حياة كريمة، وليس تحت الفاقة ورحمة المتصدقين، مما جعل الثوار أقرب غلى الجند النظامي. حتى بعد الهزيمة في السويداء كان "سلطان" ملتزما بمحاربة المحتلين، مؤكد أن الهدف من الحياة هو الحرية والكرامة: "أما الحرية وأما الموت" ص262، الانسجام بين البداية وما فيها من انتصارات، وبين المرحلة وما فيها من انكسارات يمثل التزام سلطان باشا الأطرش بنهج المقاومة مهما كانت الظروف والأحوال. وهذا الموقف المتشدد من الاحتلال انعكس على موقف الفرنسين منه، فعندما طرحت (التفاهمات) الفرنسية وما فيها من (عفو ومصالحة) رفض الفرنسيون تماما أي عفو يطال "سلطان باشا الأطرش": "أجب الكولونيل في حكمه ودون مقدمات، لا يمكن أن يصدر العفو التام عن سلطان كغيره، وهو القاتل الضابط "بوكسن" وذابح جنودنا في الكفر والمزرعة" ص277، هكذا هو العدو، وهكذا هو القائد الوطني/القومي، صلبا معاديا للعدو حتى الرمق الأخير، عداءً لدودا لا مجال للمهادنة أو التصالح معه. الدروز يتعامل الكاتب مع الدروز على أنهم عدو يسعى لسلب فرنسا حقها في انتداب سورية، ذلك الحق الذي قرره "سايس، بيكو" والذي عدل في "سان ريمو" فنجد يقدمهم مرة بصورة شبه محايدة وأقرب إلى الموضوعية، وذلك يعود لحقيقة المعارك التي خاضها ضد الثوار الدروز، ومن خلال الجنود الدروز الذين خدموا في الجيش الفرنسي، فتحدث عن شجاعتهم وهم الذين كانوا رأس حربة في مواجهة أخوتهم الثوار، ونقتبس شيئا من هذا (الحياد): "شجاعة الدرزي خارقة، مذهلة، وإيمانه بالتقمص، والعودة إلى الحياة مرة ثانية بعد الموت بوضع افضل، إذا مات دفاعا عن الوطن، يجعلانه يحتقر الموت" ص60، كما ذكر غير مرة، بسالة وشجاعة الجنود الدروز وهم يقتحمون معاقل الثوار. على العموم فالكتاب مخصص للحديث عن الدروز وعن ثورتهم، لهذا سنجده يتوقف عند ذكرهم وتناول أعمالهم في العديد من فصول الكتاب: "على كل حال، لن نهتم في هذه الدراسة إلا بجبل الدروز، وهو أصغر دول سورية، ولكنه على صغره، أنزل بنا أضرارا لم نلاقيها من غيره" ص66، هذا الاعتراف يشكل أحد الأسباب من وجود هذه الكتاب، السبب الدروز وما أحدثوه من أوجاع لفرنسا وجيشها. ومن مشاهد بسالة المقاتل الدرزي يتحدث عنها الكاتب بقوله: "وأخيرا تراجعت تلك الموجة السوداء نحو ملاجئها القديمة، بعد أن زرعت فيها الذعر رشاشاتنا وعربات هجومنا، ولكن بعض الثوار أبوا التراجع وظلوا يطلقون النار، وهم منبطحون على الأرض، حتى مرت فوقهم العربات فسحقتهم" ص161، هذا المشهد وغيره سبب من أسباب (حيادة) الكاتب في الحديث عن الثوار الدروز، ولهذا أيضا كانت خسائرهم باهظة في معركة السويداء: "أما خسائر الدروز التي عرفناها بعد بضعة أيام، فكانت باهظة، اعترف مشايخ الثوار أنهم وضعوا في المعركة ستة آلاف مقاتل في "عري" والسويداء خسروا منهم ألفا وخمسمائة بين قتيل وجريح" ص168، ورغم هذه الهزيمة إلا أن الدروز رفضوا البقاء تحت الحكم الفرنسي، فما أن دخل الفرنسي مدينة السويداء التي كان يقطنها ستون ألف مواطن حتى وجودها خالية: "رفرف العلم الفرنسي فوق السويداء، ولكن جميع الأهلين كانوا قد نزحوا عنها، وأعلن سلاح الطيران أن القرى المجاورة بدت خالية، وأن الجرحى الدروز كانوا يسحبون أنفسهم في الجبل، سعيا وراء مأوى" ص176، هذا المشهد يشير إلى الأنفة التي يتمتع بها الدرزي، فهو يرفض العيش تحت نير الاحتلال، مهما حاول هذا الاحتلال تجميل نفسه، من هنا كانوا يبيحون ويحللون قتل كل يستسلم للفرنسيين: "وقد أكد الرسول الذي أتى بهذه الملومات، أن مشايخ الدين حللوا قتل كل درزي يعلن استسلامه" ص183، فما بالنا بالذي يتعامل معهم، مع الاحتلال! رغم خسارة مدينة السويداء، عاصمة الدروز وهي أهم معاقلهم، إلا أنهم استمروا يقاومون الاحتلال، ينقل الكاتب رسالة أوصلها له أحد الجواسيس/الرسل جاء فيها: "سيصيبكم ما أصاب الأرمن، فتفقدوا بلدكم، وتموتوا في الصحراء جوعا وعطشا... أجيبوا نداء الشباب الذين هبوا لصوت "الفزعة" شرف أجدادكم يدعوكم، والدم الراق في سبيل القضية الدرزية يناديكم لنجدة الوطن...امنعوهم من الدخول إلى القرى... هبوا جميعا لنجدة شرفكم ودينكم. الإمضاء: سلطان باشا، وعبد الغفار باشا" ص201، فهذه الرسالة تؤكد أن الشعب والقيادة في خندق واحد، وأنهم يسندون بعضهم. الحاضنة السورية للدروز الدروز كانوا وما زالوا جزء من المكون السوري، ليس سوريا كقطر وإنما سورية بلاد الشام، فقد كانوا على تواصل وتعاون مع أخوتهم في فلسطين وفي لبنان وفي الأردن، وكانوا ينسقون فيما بينهم لخدمة القضية الوطنية السورية (بلاد الشام) كوطن واحد يجمع كل السوريين، من مظاهر هذه الوحدة يقول الكاتب: "وكذلك لم تكن الأخبار خارج الحدود بأفضل من ذلك، ففي يافا أقرت اللجنة السورية الفلسطينية في اجتماع عقدته، مساندة الثوار الدروز، بكل ما تستطيع من الأموال" ص218، هذا المقطع يؤكد أن السوريين ينظرون إلى وطنهم كوحدة واحدة، ولا يعترفون بسايس بيكو ولا سان ريمو، وأنهم شعب/أمة واحدة، ولا تفرقة ولا تجزئة تنال منه، ولا الطائفة ولا العائلة ولا الدين يفرقهم، فالوطن السوري هو وطنهم، وهو الجامع والموحد لهم. يعترف الكاتب بهذه الحقيقة، حقيقة الشعب/الأمة الواحدة الجامعة لكل السوريين بقوله: "هناك اختلاف شاسع في الجنس والدين والتقاليد بين الزعماء الوطنيين الدمشقيين وبين مشايخ الدروز، لكنهم تناسوا ذلك، فاتحدوا وتفاهموا، ليقفوا حاجزا أمام الأفكار الديمقراطية الغربية التي يعتبرونها هادمة لمناقب الخليقة التي ورثوها، ويتهموننا بنقلها إلى بلادهم على حساب مناقيهم الأصيلة" ص121، هذا المقطع يقربنا من حقيقتنا، من طبيعتنا، من أصالتنا التي يحاول الأعداء التلاعب بنا وبوحدتنا من خلال اللعب على وتيرة الدين والطائفة والعائلية، فإذا كانوا أجدادنا الذين كان القلة منهم تعرف القراءة والكتابة على هذا الصورة من الوعي والحرص على الوحدة الاجتماعية والوطنية والقومية، فما حال القراء والمتعلمين والمثقفين اليوم من مسألة الطائفة والدين والعائلة! وفي لبنان وجدنا الدروز يقفزن مع إخوتهم في سورية: "هذا التعاضد المتبادل، تجد ضدنا سنة 1925، فدروز لبنان اتخذوا من قضية إخوتهم في الجبل، سببا لثورتهم علينا، فحاصروا في قلعة راشيا حامية مؤلفة من فرقتين" ص53، وإذا عمنا أن الدروز كانوا ينسقون مع القيادة الوطنية والقومية في دمشق وحلب وبقية المناطق السورية، نصل إلى حقيقة الوحدة الاجتماعية الوطنية والقومية في بلاد الشام، فكيف استطاع الاستعمار والأعداء في هذه الأيام، وبعد أن أصبحنا أكثر علما وثقافة، إلى تمزيق نسيجنا الاجتماعي، وها نحن نعيش عصر القبيلة والعشيرة والطائفة والملة!! الطائفية واللعب على وتيرة الدين والعائلات والمهن كل الاحتلالات استخدمت التباين الديني، للتفرقة بين الطوائف، وتمزيق وحدة المجتمع، وحتى أنها استخدمت العائلات والمهن لتثبيت الاحتلال، وإظهار المحتل على أنه (حامي) المواطنين/الأقليات من خطر الأكثرية، الكاتب يتحدث عن الفلاحين، والبدو، وعن الدروز، والمسيحيين، والمسلمين، وعن اللبنانيين، وعن الأردنيين وكأنهم يسكنون في قارات مختلفة، ولا يجوز/يحق لهم التلاقي والتوافق على قضاياهم الوطنية والقومية: "خارج المدينة آلاف من الفلاحين، والدروز، والعاطلين عن العمل يستضيفون القرى، مهددين كل من يقاومهم. إذا قدر لهذه العصابات دخول المدينة، فسيشتد خطرها ويقوى، بانضمام آلاف المسلمين الذي أثار فيهم التعصب أعدا الانتداب الفرنسي، وبالتالي ستنفجر اضطرابات شبيهة باضطرابات تشرين الأول" ص116، إذا ما توقفنا عند هذا المقطع سنجد فيه خلط عجيب غريب: الفلاحون، والعاطلون عن العمل، الدروز، المسلمون، فالكاتب يتجاهل أو يتغابى متعمدا عندما يتحدث عن الشعب سوري، الذي قسمه حسب مصلته ورؤيته، متجاهلا أن شعب واحد، وموجود على الأرض السورية، وأن التقسيمات التي ذكرها موجودة في كل دول العالم، فهناك الفلاح والعامل، وهناك من يسكن المدينة ومن يسكن القرية، لكنه يتعمد على تشويه الحقائق، لتمرير رؤيته الاستعمارية على المتلقي، ليقف معه وإلى جانبه في العدوان على سورية وشعبها. وعن العائلات وكيف أنهم وسيلة استخدمها الاستعمار لتفريق بين أبناء الشعب الواحد: "وقد لجأ الكثيرون من العائلات الموسرة المحبة للانتداب الفرنسي، إلى بيروت، وحتى إلى مصر، خوفا من الاضطرابات والفتن، تاركة المكان خاليا للمتطرفين، ويجب الاعتراف أننا في الحقيقة لم نحم تلك العائلات الكبيرة التي أعطت الدلائل الأكيدة على تعلقها بفرنسة، منذ حلولنا بسورية" ص122، نقض هذا الهجرة/الانتقال نجده في حديث الكاتب نفسه عن القرى الدرزية التي دخلها الجيش الفرنسي ولم يجد فيها أحدا، فقد هجرها أهلها وتركوها خاوية من كل شيء، وهذا يمثل أفضل رد على أن من يهاجر مدينته/قريته/بيته ليس حبا لفرنسا وخوفا من الثوار. إنما خوفا من فرسنا وجيشها وانتدابها وما فيه من ظلم وجور وقهر واحتلال، وهل هناك جريمة وحشية أكبر وأكثر وأبشع من الاحتلال؟! وعن نوعية الفئات المشاركة في الثورة يصفها بطريقة حقيرة/مشوهة، يقول فيها: "والثوار الذين ـ كما نعلم ـ هم من المجندين الذين لا يملكون شيئا يخافون ضياعه، كانوا من حثالة القوم العاطلين، كبدو الصحراء، ودروز الجبل الذين فرضوا سيطرتهم على الغوطة، زارعين الرعب في قلوب الفلاحين" ص131، إذا ما قارنا هذا المقطع بالمقطع الأول الذي يتحدث فيه عن دخول الفلاحين من خارج المدينة، نتأكد أننا أمام شخص معتوه وخبول العقل، لا يركز فيما يكتب، فقد وصف الفلاحين في المقطع الأول كظلام غزاة، وهنا يصفهم كضحية، فأين الحقيقة يا "جنرال اندريا" بربك أخبرنا من هم الثوار ومما يتشكلون!؟ تجميل الانتداب والاحتلال يعمل الكاتب على تقديم الاحتلال الفرنسي على أنه هبة السماء للأرض، هبة الشعب الفرنسي للشعب السوري، لهذا يحب الترحاب به وقبوله طوعا وبمحبة، لما فيه من مزايا وفضائل، من هذه المزايا والفضائل يقول: "أما المعتدلون... مدركين الحاجة إلى جيشنا الذي إذا غاب عن البلاد، عمت الفوضى وانتشر الاضطراب في أنحائها" ص120، هذا ميزة الاحتلال (توفير الأمن) للمواطنين، وكأن المواطن قبل الاحتلال كان يعيش في رعب وخوف من أبناء شعبه، وما وجود الاحتلال إلا من باب الأمن والأمان له ولبيته ولأسرته وممتلكاته! معادلة لا نجدها إلى في عقل المحتل. وعن أسباب الانتداب وطريقة تعامل المحتل مع المواطنين يقول: "على الثائرين الذين يحملون السلاح، ويعملون على مقاومة المهمة التي أوكلت ألينا من قبل عصبة الأمم، فيجب إذن معاملة العائلات المسالمة، معاملة حسنة، واحترام النساء والأطفال لأن ذلك يدل على كبرنا، ويبعد عنا الشائعات التي يروجها أعداءنا، على كل جندي أن يظهر للدروز الوجه الفرنسي الصحيح، فيكون شجاعا، رحيما بالسجناء، محترما حرمة المنازل" ص15، نحن إذن أمام احتلال (خمس نجوم) شو بنا أكثر من هيك!!) احترام النساء والأطفال وحرمة المنازل، وفوق هذا "اندريا" مكلف من عصبة الأمم للقيام بهذه الخدمة (الإنسانية) من هنا على السوري أن يقبل بهذا الضيف صاحب المهمة والمسؤولية والرسالة الأممية/السماوية، وإلا كان السوري غير (حضاري/إنساني) في تعامله مع هذا الضيف ومهامه!؟ مهمة أممية/إنسانية!! من المفارقات العجيبة التي يطرحها الكاتب تقديم الاحتلال على أنه صاحب رسالة إنسانية/حضارية، يسعى لتقديمها للشعب السوري، وإنه على استعداد لتحمل (كل الجهود/التكاليف) المادية والمعنوية لقيام بهذه المهمة: "انتدبت فرنسة كقوة تقف إلى جانب سورية، فهي لا تسعى وراء مأرب أناني، وإنما على عكس ذلك، ترسل لكم جنودها، وتقدم إليكم خبراتها، ورؤوس أموالها، لتستغلوها في أرضكم، مقوية تجارتكم، عاملة على نشر البحبوحة في بلدكم، أسوة بالبلدان الغنية" ص189، هذا ما قاله ضابط الاستخبارات الفرنسي للأهالي في القرى التي استسلمت لقواته الغازية، فيا له من رسول محبة! وصاحب رؤية إنسانية وأخلاقية يجب الإيمان بها واتباعها والتمسك بها! فالسوري دون هذه الرسالة/الخدمة يبقى في عوز وفاقة وتخلف! لهذا جاء الانتداب يقدم خدماته الحضارية والمادية، وكأنه نبي هذا العصر وطائي الأمم، ينفق أمواله طمعا في جنة الله! فهبوا إليه يا أبناء سوريا!! لعب دور الضحية عندما يخسر المحتل يصف نفسه وكأنه ضحية، أو أنه غرر به ولم يعامل (خصمه) بقسوة: "وخوزقت عددا من الجنود المجردين من السلاح، كانوا برفقة رئيسهم الذي يحمل البريد، كما ضعن في محلة الشاغور جنديان من صف ضباط، وقد فاجأت الاضطرابات كذلك سبعة جنود جزائريين، فهربوا واختبأوا في أحد البيوت، فما كان من أحد الثوار إلا أن أشعلوا النار في البيت، فمات المساكين حرقا وهم أحياء" 114، هذا حال المحتل عندما ينهزم أو يخسر معركة، يظهر نفسه على أنه ضعيف، ضحية بطش الآخرين المتوحشين، متناسيا أعماله القذرة ووحشة كونه جندي محتل يمارس أقذر عمل على وجه الأرض. احتلال الأخرين والتنكيل بهم. دور الأردن في دعم الثورة والثوار لا يمكن لأي ثورة النجاح دون أن يكون لها روافد تمدها بالعتاد والسلاح والمال والخبرة والتدريب، وتأمين لها غطاء دبلوماسيا وسياسيا، من هنا كان الأردن الرئة التي تنفست بها الثورة السورية، فقدمت لها السلاح والذخيرة، وآوت الثوار وحمتهم وعائلاتهم، وقدمت المال اللازم لهم، كل هذا ساهم في استمرار الثورة لفترة طويلة. "الجنرال اندريا" يتحدث عن دور الأردن في إمداد الثورة وحماية قادتها في أكثر من موضع في الكتاب: "وكانت عمان، عاصمة الأردن، هي المكان الذي تصدر منه توجيهات الحركات الثورية، كما كانت المركز الذي ترسل منه الأسلحة إلى الدروز في الجبل، وإلى الثوار في غوطة دمشق" ص136و137، هذا الموقف يحسب للأردن الذي عامل بإخلاص لتحرير الشعب السوري من ظلم الاحتلال. وعن إيواء عائلات المجاهدين يقول الكاتب: "أن مركز الثورة، قد انتقل من الجبل إلى الأزرق في الأردن، حيث تقيم آلاف العائلات الدرزية، وتعقد جلسات رجال الحرب الذين يأتون بالإمدادات"ص278و279. وعن حماية قادة الثورة: "حراسة السلطات الأردنية لشيخ مشايخ حوران إسماعيل الحريري الذي هرب متخفيا عبر الحدود ليتآمر بشكل واسع" ص320،هذه المقاطع تؤكد أن الثورة، أي ثورة دون مساعدة من دول الجوار لها لن تنجح، وستبقى محصورة ومحبوسة في مكانها، وهذا ما وجدناه في غزة التي يحاصرها الأخ قبل العدو. الكتاب من منشورات المكتبة الحديثة للباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1985.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإيجابية في رواية -أحلام القعيد سليم- نافذ الرفاعي
-
ثورة ال1936 في كتاب ثورة الفتى العربي رئيف خوري
-
المعرفة والعرب في رواية ثورة القبور علي شلق
-
أنت النبي وهم المنكر في قصيدة -وحدك- أحمد الخطيب
-
الحرب في كتاب -التاريخ فكرا استراتيجيا- باسيل ليد هرت تعريب
...
-
حاجتنا إلى عبقرية لينين
-
إلى أين تذهب المنطقة العربية
-
عقم الثورة في رواية -قصة مدينتين- شتارلز دكنز، ترجمة صوفي عب
...
-
الدبية في غار الإخلاص محمد علي ضناوي
-
الإقطاع في رواية -ميميد الناحل- ياشار كمال، ترجمة إحسان سركي
...
-
الجديد في كتاب -مذكرات الأرقش- ميخائيل نعيمة
-
المكان والإنسان في رواية -عين التينة- صافي صافي
-
المنطقة العربية في كتاب -الوحدة العربية هل لها من سبيل- منيف
...
-
جمالية الشكل والمضمون في كتاب -من حديث أبي الندى- إبراهيم ال
...
-
سورية الجديدة (5) وما أرسلناك إلا قاتلا للسوريين
-
نقد الذات في رواية شامة سوداء أسفل العنق
-
الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية
-
التحدي في -كفاح كفاح- كفاح الخطاب
-
ية والواقع في رواية -العاشق الذي ابتلعته الرواية- أسيد الحوت
...
-
الإنجليز وعملائهم في مذكرات صلاح الدين الصباغ
المزيد.....
-
نديم شرفان فخور بمشاركة -ميّاس- اللبنانية في جولة بيونسيه ال
...
-
بعد تحويله إلى متحف.. ترامب يوجه بإعادة تشغيل سجن مُغلق منذ
...
-
إعلام: الجيش الباكستاني يواجه نقصا في الذخيرة بسبب مبيعاته إ
...
-
احتجاجات في الولايات المتحدة حول قرار مثير للجدل لفرض عقوبا
...
-
ليبيا.. الدبيبة يهاجم البرلمان قبيل جلسة تزكية الحكومة الجدي
...
-
قلق أردني من التصعيد في الجنوب السوري
-
بوشيلين: القوات الروسية تجري عمليات عسكرية مكثفة في محيط دزي
...
-
إعلام: الاتحاد الأوروبي يمنع لندن من الوصول إلى قواعد البيان
...
-
تحالف أسطول الحرية يؤكد تعاونه مع مالطا لإصلاح سفينة -الضمير
...
-
عاجل | أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي كبير: المجلس الوزاري المصغر
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|