|
الإيجابية في رواية -أحلام القعيد سليم- نافذ الرفاعي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 23:40
المحور:
الادب والفن
السرد الروائي العمل الأدبي الذي يقرأ في جلسة واحدة، هو عمل متميز، والرواية "أحلام القعيد سليم" الروائي نافذ الرفاعي تقرأ في جلسة واحدة، وهذا يعد نجاح لها وللسارد الذي نوع في أشكال السرد، فأحيانا نجده يستخدم "أنا السارد، وأحيانا أخرى السرد الخارجي/العليم، وأكثر من هذا قام بتكسير وتيرة السرد في أكثر من موضع في الرواية: "قالت عواطف للراوي: أكتب حكاية سليم ليقرأها الناس مرتين: الأولى ليعرفوا كم الحياة جميلة يا كاتبي، والثانية ليعرفوا أن سليم خرج من جلده ومن عظمة منكسرا ومحطما، ولكن روحه تسامت وعلت ورممت نفسها لتنطلق في ضوء لولبي متصاعد" ص14، اللافت في هذا المقطع وجود أسم رواية "الحياة جميلة يا صاحبي" التي تتحدث عن جمالية الحياة رغم قسوة الواقع ومرارته، وهذا ينطبق على حال سليم وحال عواطف وأمل، ونلاحظ أن السارد (يكشف) لنا طريقة عرضه للأحداث: "لتنطلق في ضوء لولبي متصاعد" وكيف قدمها روائيا، فالأحداث لا تجري/تُقدم بطريقة متسلسلة أو متتابعة، بل نجده يقدم أحدثا ويأخر أخرى، ثم يعود ليكمل ويقدم ما أخره، ويؤخر ما قدمه. ولا يكتف السارد بهذا الأمر، بل حتى أنه يشرك (الكاتب) نفسه في أحداث الرواية: "الكاتب: إذن تريدينني أن أروي شغف القعيد المجازف العاشق المغامر، مع حلم طائش، لا، بل، العالم هو الطائش" ص14، وهذا ما نجده في أحداث الرواية، وما تتويج العلاقة بين "سليم وعواطف" بالزواج والإنجاب، إلا صورة عن شغف القعيد بالحياة الجميلة. في المشهد السابق الكاتب يتدخل بنفسه في السرد، وفي موضع آخر(السارد) يدخل (الكاتب) في الأحداث: "كان الكاتب يروض أفكار سليم في منظومة ذات سياق فعلي" ص26، وهنا يكون (الكاتب) قد لعب دورا أساسيا في أحداث الرواية، كاشفا للمتلقي طريقته في التدخل وسرد الأحداث وتبيان طبيعة شخصيات روايته. واللافت في هذا التكسير تماثله مع (تكسير/تحطيم) سليم لواقعه كقعيد/كسيح، فكان تكسير السرد، وكأن السارد/سليم يقول: "كما استطعت تسلق شجرة الجميزة، ها أنا أتسلق السرد الروائي، وأتجاوز ما هو مألوف، بمعنى، أن السارد "سليم" انتصر مرتين، مرة حين تسلق الشجرة ومارس حياة (عادية) بعد أن تزوج "عواطف" وأنجب منها، ومرة أخرى حينما كتب "أحلام القعيد سليم" وقدمها بهذا الشكل الجميل والشيق. "عواطف، وأمل، الفوضوي" ومن عناصر الجذب الأخرى في الرواية وجود الحبيبة "عواطف" التي استطاعت أيضا أن تتجاوز الغربة في الإكوادور، وتتمرد على زوجها الذي أرادها خامة له، والعودة إلى الوطن لتكون إلى جانب حبيبها "سليم" وليقما عائلة رغم (إعاقة) "سليم" ورغم مرور سبعة عشرة عاما على فراقهما، كما أن وجود أخته "أمل" التي قدمها بصورة (جدلية) تعطيه ويعطيها المحبة، فقد وافق "سليم" على زواج كل أخواته باستثناء "أمل" وعندما سألته عن السبب، أجاب: "لأنهن لسن مشروعي، أما أنت فحياتي وأمل أحلامي، كنت أعتقد أنني أعلمك، ولكني وجدت تأثيرك عليّ أعظم وأكبر. تسرد عواطف للكاتب مجمل الحكاية" ص50، فتحولت من أخاذة إلى معطاءة، أخاذة لأفكار التمرد التي بها تستطيع تجاوز الصعاب والعوائق ـ وهذا ما جعلها تتجاوز سمعة الأب السكير المدمن ـ لتكون فعالة في الحياة، وفعالة في سرد أحداث الرواية، من هنا وجدناها تدعو الكاتب/الراوي ليدون ما تمليه من أحداث. وكان وجود الفوضوي الملحد وزوجته من عناصر التشويق والمتعة في الرواية، حيث أنقذا فتاة من القتل بتهمة (الشرف) وقاما بتبني ومولدها وتسجيله باسمهما، وهذا حال دون قتلها وأيضا ساهم في (سترها) من الفضيحة، وعندما حملت زوجة الفوضوي ـ رغما عقمهما ـ كانا أقرب للإيمان رغم إلحاده: "قال للطبيب ما التفسير العلمي حسب رأيك؟ أجابه الطبيب ضاحكا، لا يوجد تفسير، سوى عكس إلحادك، وهو إرادة الله، إن سترك على الفتاة وتربية الطفل على أنه ابنك، أعطاك الله أنت وزوجتك. قال: حمدا لك يا الله" ص61، وهذا الخاتمة، وما فيها من تحول نحو الإيمان، أعطت القارئ لمسة من الفرح والجمال، وغرست فيه إن الله يعطي الخلق أكثر مما يعطوه، ويكافئ المعطاء المخلص حتى ولو بعد حين. إذن، شخصيات الرواية المأزومة بمجملها تجاوز حالتها وانتصر على واقعها، وهذه الإيجابية نفتقدها في الرواية العربية عامة والفلسطينية خاصة. الرمزية واللغة إذا ما توقفنا عن الأشجار التي جاءت في الرواية: "الجميزة، البلوطة، الزيتونة، اللوزة، الأفوكادو، العنب، الكرز، ونباتات النعناع والميرمية، سنجد أن هناك جمال مقرون بالصلابة والفائدة، وبلذة الطعم، وذكاء الرائحة، وهذا يخدم إيجابية الطرح في الرواية، ولم يقتصر جمال الأشجار على ما هو مادي فحسب، بل طال الجمال الأدبي من خلال الرمزية أيضا: "لم تنم أمل في تلك الليلة، حتى مطلع الفجر، خرجت لتتنفس هواء الصباح وتسقي شجرة الكرز التي طعهما من شجرة لوز مر" ص47، اللافت في هذا الرمز تماثله مع حالة "أمل وسليم" فكلاهما مذاقه "مر" الأولى (مرفوضة) اجتماعيا لأنها ابنة سكير، والثاني (قعيد) ومع هذا تم (تطعيمهما) وأصبحا يعطيان ثمار جميلة وشهية/لذيذة ومفيدة. ونتقوف هنا قليل عند الجمالية الأدبية حيث تم تخصيب الرواية من خلال لغة أدبية تتماهى مع الأحداث وطبيعة الشخصيات التي تتمرد وتتحدى وتتجاوز واقعها: "تضع يدها على شفتيه، ليصمت ولا يحكي عن عذاباته، وهو يسكتها بود ليمسح دموع الفرح، تتواصل الموسيقي، يرقص بقدميه، كما راقص الدبكة، بل أحيانا كراقص الباليه، يتوج الفرح والسعادة، يعانقها منهيا الرقص، يقفز على الأرض فرحا "يا الله" عودة الحبيبة، جعلني أركض وأرقص وأقفز" ص10، إذا ما توقفنا عند هذه المقطع سنجده يعم بالحيوية: "يرقص مكررة خمس مرات، يقفز/أقفز، أركض" فكثرة استخدام الحركة تخدم حالة "سليم" بعد مقابلة "عواطف" أما بالنسبة لحال "لعواطف" نجده في: "الفرح (مكرر ثلاث مرات) يعانقها" وبهذا تكون لغة المقطع جمعت من بين الخلاص "لسليم" من خلال استخدام ألفاظ متعلقة بالحركة، والخلاص "لعواطف" من خلال استخدام ألفاظ متعلق بالعاطفة التي فقدتها في الغربة ومع زوج سادي، ولمدة سبعة عشرة عاما. المرأة والطبيعة السارد يقدم المرأة وأثرها بطريق تتجاوز (العقل/المنطق) فرغم شلله وعدم قدرة على الحرة، إلا أنها أخذت إلى هذا (الواقع): "اقتربت من حافة البركة وأمسكت بيدها وسحبتها بقوة، استجابت بلا مقاومة ونزلت إلى الماء، لعبنا بالماء وضحكنا، تحاول الابتعاد عني ولكني عاندت، هبطت الماء بثوبها الذي كشف عن ساقيها قادمة لي وأنا ممتن لها، شعرت بلذة بليغة متوردة بلغة الماء وارتعاش جسدي، لمست جسدها بكل الأماكن وملأت عالمي، لأول مرة أشعر بنصفي المشلول يستجيب للمسها وحضنها، دفنت الأوجاع التي تحتل هذا الجسد المترنح سبعة عشرة عاما" ص27، نلاحظ تكرار استخدام الماء في المقطع، ونحن نعلم أن الماء أساس الحياة: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" فالسارد القعيد يستجيب لملامسة، ملامسة الماء وملامسة المرأة/"عواطف" ولم يقتصر أثر الملامسة على الجسد الماء فحسب، بل وصل إلى لغة السارد الأدبية، "بلغة الماء" وهذا عنوان لرواية فلسطينية "لغة الماء" التي تتميز بغتها الأدبية والأسطورية، فالسارد متأثر بتلك اللغة الأسطورية، وهذا ما جعله يستعيد فكرة الحياة/الحركة/الفعل من الماء ولغة الماء. وإذا ما علمنا أن السارد جمع بين جمال المرأة وجمال الطبيعة، وتعامل معها كأنها امرأة/إنسانة حقيقية: "عمني إياها عابر حقول... يشذب بعض الأغصان النافرة، ويحتسي القهوة ويغادر. سألني ما اسمه؟ تعجبت قائلا: من هي؟ أشارة نحو شجرة المشمش. قلت: إنها شجرة، ليس لها اسم. ...وقال: أنت لا تحبها، يا بني، الشجر يحتاج الحنان والمحبة، أكلم شجيراتي يوميا، أدور عليهن واحدة واحدة، إذن أطلق عليها أسما أو كنية قلت بسرعة: عواطف" ص6، وهذا ما انعكس على حالة/طبيعة/دور أسماء النساء في الرواية: "أمل وعواطف" فأمل منحت الأمل "لسليم" وعواطف فجرت فيه العاطفة بعد أن جفت واحتقنت. أسماء الشخصيات وإذا ما توقفنا عن أسماء الشخصيات الروائية: سليم، أمل، عواطف، زكا الشعار، مروان، علي، سامي، أبو عواد، خريستو، رامي، رولا، الفوضوي" سنجدها أسماء جميلة مستصاغة اجتماعيا، وهذا يخدم إيجابية الرواية، وما تغيب أسماء الشخصيات السلبية: الأب السكير، وزوج عواطف" إلا من باب نفور السارد من هؤلاء فأنكر أسماءهم. وإذا علمنا أن السارد يتناول شخصيات أخرى تعرضت للإعاقة "الصبي" الخطاط الذي استطاع أن يخط لوحة بيده رغم اهتزازها المتكرر، وشلل اليد الأخرى، كل هذا يؤكد إيجابية الرواية، ويساهم في ترسيخ في المتلقي صورة الأمل والتحدي والانتصار على العوائق.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة ال1936 في كتاب ثورة الفتى العربي رئيف خوري
-
المعرفة والعرب في رواية ثورة القبور علي شلق
-
أنت النبي وهم المنكر في قصيدة -وحدك- أحمد الخطيب
-
الحرب في كتاب -التاريخ فكرا استراتيجيا- باسيل ليد هرت تعريب
...
-
حاجتنا إلى عبقرية لينين
-
إلى أين تذهب المنطقة العربية
-
عقم الثورة في رواية -قصة مدينتين- شتارلز دكنز، ترجمة صوفي عب
...
-
الدبية في غار الإخلاص محمد علي ضناوي
-
الإقطاع في رواية -ميميد الناحل- ياشار كمال، ترجمة إحسان سركي
...
-
الجديد في كتاب -مذكرات الأرقش- ميخائيل نعيمة
-
المكان والإنسان في رواية -عين التينة- صافي صافي
-
المنطقة العربية في كتاب -الوحدة العربية هل لها من سبيل- منيف
...
-
جمالية الشكل والمضمون في كتاب -من حديث أبي الندى- إبراهيم ال
...
-
سورية الجديدة (5) وما أرسلناك إلا قاتلا للسوريين
-
نقد الذات في رواية شامة سوداء أسفل العنق
-
الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية
-
التحدي في -كفاح كفاح- كفاح الخطاب
-
ية والواقع في رواية -العاشق الذي ابتلعته الرواية- أسيد الحوت
...
-
الإنجليز وعملائهم في مذكرات صلاح الدين الصباغ
-
المبدئي والمرتد في مسرحية الدكتاتور جول رومان، ترجمة عبد الم
...
المزيد.....
-
شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي
...
-
هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
-
كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
-
مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال
...
-
شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية
...
-
ارتفاع شعبية فرقة -آي يولاه- البشكيرية في روسيا وخارجها (فيد
...
-
معرض الكتاب العربي العاشر في صور.. ثقافة تقاوم الدمار الإسرا
...
-
سينمائيو ذي قار يردون على هدم دور السينما بإقامة مهرجان للأ
...
-
بحضور رسمي إماراتي.. افتتاح معرض -أم الأمة- في متحف -تريتياك
...
-
مسلسل مصري شهير يشارك في مهرجان أمريكي عالمي
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|