|
الطبيعة والمجتمع في قصيدة -البازلت- سامر كحل
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 23:21
المحور:
الادب والفن
عندما تضيق الدنيا علينا نلجأ إلى الطبيعة، إلى المكان، إلى الوطن، ليعطينا قسطا من الراحة والسكينة، ففيه نجد أنفسنا، وفيه نستطيع الحصول على الهدوء الذي يخرجنا من واقعنا المؤلم والقاسي، وعندما نكون في بيتنا/مكاننا/وطننا بالتأكيد يمكننا التفكير بطريقة صحيحة، قادرة على إخراجنا من المأزق/الأزمة التي نمر بها، كما أن البيت/الوطن سيقودنا إلى الذكريات الجميلة التي عشناها فيه، ولأننا أصحاب ثقافة وأدب وحضارة، فلا بد من تدوين كل ما يجري معنا وما نشعر به أدبيا، وهذا ما فعله الشاعر "سامر كحل" في قصيدة "البازلت" يفتتح الشاعر القصيدة بربط الإنسان بالمكان: "ما نزال.. هنا عند منعطفات الجمال نقيم.." نلاحظ استخدم الشاعر للفعل المضارع "ما نزال، نقيم" وهذا يشير إلى العلاقة الوطيدة بيه وبين المكان، وأيضا إلى استمرار هذه العلاقة، ونلاحظ أن الفعل المضارع يعم القصيدة، فلا نجد أي فعل ماضي أو فعل أمر، وهذا ما يجعل القصيدة مبنية على الحضور والوجود، على البقاء والاستمرار. وإذا ما توقفنا عن لفظ "هنا" الذي يشير إلى المكان، أمكننا الوصول إلى (البساطة والوضوح) الذي يجمع الشاعر بالمكان، فقد استخدم اسم الإشارة "هنا" المكون من ثلاثة حروف ـ ورقم ثلاثة له دلالة الاستمرار والقدسية معا ـ ليؤكد للمتلقي فكرة الوصول إلى العلاقة الحميمة التي تجمع المكان بساكنه. ونلاحظ أنه يتحدث بلغة الجمع/نحن "ما نزل، نقيم" ناكرا ذاته كفرد، مؤكدا أنه جزء من مكون اجتماعي، به يجد ذاته، ودونه لا يكون، من هنا وجدنا القصيدة من ألفها إلى ياءها تستخدم ضمير الجمع، فالشاعر تماهي مع مجتمعه، مما جعل "سامر كحل" (يذوب) ويختفي من الحضور بصيغة أنا، وكأنه بهذا (التماهي/الذوبان) يقول للمتلقي: أنا لا شيء، لا وجود لي دون المجتمع الذي انتمي له، المجتمع الذي الهمني الشعر. الكتابة الأدبية أحدى مظاهر المجتمع الحضاري، من هنا كان لا بد من الإشارة إلى الكتابة ودورها في تطور المجتمع وبقاءه واستمراره: "نصول أرواحنا وتقمر خبز القصيدة.. تنورنا.. مشعل.. ولدينا من الحب.. وقد.. وفير" اللافت في هذا المقطع الصورة الشعرية التي جاء بها، فقد جمع بين الغذاء المادي "خبز، تنورنا" وبين الغذاء الروحي/الجمالي/الأدبي: "وتقمر خبز القصيدة" واللافت في هذا المزج أنه يمثل صورة (موضوعية/حقيقية) عن أسباب بقاء المجتمع، فدون الخبز/الطعام لا يمكن الاستمرار في العيش، ودون "الأدب/القصيدة لا يمكن أن يكون هناك فرح/حب/تطور/تميز. ونلاحظ الجمالية في "مشعل" التي تعطي معنى إضاءة (مادية/بصرية) ومعنى إنارة أدبية جمالية، وما وجود "ولدينا من الجب وقد وفير" إلا بسبب الإضاءة/الإنارة الثنائية، البصرية والأدبية. بعد الحديث الاجتماعي والأدبي، يذهب بنا الشاعر إلى المكان، إلى الطبيعية وأثرها عليه وعلى مجتمعه: "يدق الشروق علينا.. فنشرع أرواحنا ونلاقيه بالعنب البلدي وكرج الحجل" الفلاح يستيقظ مع الفجر، ومع شروق الشمس يكون في أرضه، في حقله، فشروق الشمس الساعة التي يعتمد عليها الفلاح في تحديد وقت العمل، والعلاقة بين الشروق والفلاح علاقة حميمة، من هنا عبر الشاعر عنها بقوله "فنشرع أرواحنا" كرد على "يدق الشروق" كما أنه وصف اللقاء/التلاقي بين الفلاح والشروق بصورة لافتة: "نلاقيه بالعنب البلدي وكرج الحجل" من يعرف طبيعة بلاد الشام، ويعرف الفلاح السوري، يتأكد أن هذه الصورة (حقيقية/طبيعية) فالحجل/الشنار يشاهد في الصباح الباكر، وما حضور كرج الحجل/(مكاكات الشنار) إلا تأكيد على وقت الشروق. الفلاح يذهب لجني العنب في الصباح الباكر (على الندى)، هذا (الطقس) في جني الثمار له بعد تاريخي، فأجدادنا عندما كانوا يريدون إنجاز أي عمل يخرجوا مع شروق الشمس، وكأن نقاط الماء التي تكون على الثمار، والتي تلامس أيديهم تعطيهم لمسة من الحنان تجاه الثمرة وتجاه الندى، فترطيب اليد بنقاط الندى الباردة تشعرهم بالنعومة والمتعة، فما بالنا عندما تلازم هذه المتعة سماع "كرج/مكاكات الحجل/الشنار! تأكيدا على جمالية وقت العمل صباحا والاستمتاع بالوقت وبالعمل يقول الشاعر: "ما نزال نعد مؤونتنا .. من حنين ونملأ حاصل أيامنا بطحين الأمل ويحاورنا .. في الصباح الندى فنهيم .. بعذب الكلام لم يصرح لنا أحد منذ أول عشب .. هنا أنه.. حوار الندى في صدام" هذا القطع جاء وكأنه (تكرار) لما سبقه، حيث يجمع الشاعر بين ما هو المادي وما هور الروحي، مؤونتنا من حنين، بطحين الأمل" ونلاحظ أنه يركز على ذكر الصباح والندى، كتأكيد على المتعة/اللذة التي تأتيه وقت الصبح، وهذا ما عبر عنه: "ويحاورنا الصبح.. بعذب الكلام" وهذا يقودنا إلى أن سحر المكان، ووقت العمل/الصبح، وجني الثمار، لا يقتصر أثرها على ما هو مادي، بل يتعداه إلى ما هو روحي من هنا وجدنا: "من حنين، بطحين الأمل" وما هو أدبي "بعذب الكلام" وكأنه الشاعر يقول أن هذه القصيدة ما هي إلا إنتاج للمكان/للمجتمع/للوقت الشروق، من هنا نسمع عذب الكلام من خلال الصور الشعرية والتماهي مع الطبيعية. بعد هذا المشهد يقودنا الشاعر إلى فضاء أوسع، إلى التلال: "هنا الحب يهرب من شرفات القصور ويطلق ساقيه نحو البراري قطيع من الغيم يشرد في الصبح نحول التلال تلال ملتمة .. بالرجال.. رجال.. يعيرون بيض عمائمهم للصباح ويطهرون قهوتهم بخمير مكارمهم ويزيدونها من حبيبات أمجادهم مسك طيب وهال" اللافت في هذا المقطع توجه نحو الفضاء الرحب، فحتى الحب أنطلق هاربا من (بحبوحة) القصور إلى الطبيعة، فالطبيعة/البراري، الغيم، التلال، كحال "قطيع من الغيم" بمعنى أن كل شيء المادي والروحي الجمال يهيم في طبيعة المكان وما فيه من جمال، ونلاحظ أن الشاعر (يغرب) "قطيع من غنم" ويحوله إلى "غيم" وهذا يشير إلى تماهيه مع جمال الطبيعية، ومع أدبية القصيدة، مما جعله يبتعد عن وجود لفظ "قاس" "غنم" وفعل حقيقي "غنم يشرد". وإشارة إلى حيوية واجتماعية المكان يتوقف الشاعر عند الرجال الذي ينتشرون في التلال، مؤكدا على جمالية الصبح، مما أنعكس على أفعال الرجل: "ويطهرون قهوتهم بخمير مكارمهم" فهنا أيضا استمر الشاعر محافظا على ثنائية الدلالة، الدلالة المادية، والدلالة الروحية/الجمالية التي كررها في: "ويزيدونها من حبيبات أمجادهم مسك وطيب وهال" وكأنه يقول نحن لا نعيش حياة عادية، نأكل ونشرب ونعمل فقط، بل نقوم بهذا وأكثر، نخلق عالم من الجمال والأدب والشعر، بحيث يستمع القارئ بما نقدمه من روحانيات وأدبيات، هكذا علمتنا الطبيعة، وها نحن نعطي هذا الجمال لكم إيها القراء. يستمر الشاعر في الحديث عن الرجال: "رجال نهارا .. ببازلت جبهاتهم ينطحون الزمان.. وليلا ينامون فوق السطوح لترعى النجوم على مهل ليلها.. دونما خشية من ذئاب الظلال" نلاحظ وجود عنوان القصيدة "ببازلت" الصلب والقاسي والأسود، وهذا (مخالف) لجمال ونعومة وهدوء القصيدة، فوقت (الصباح) جاء يعطي مدلولا منعش وجميل، فلماذا جعل الشاعر عنوان القصيدة "البازلت" غير مضمونها، وغير اللغة الناعمة؟ نجيب أن سبب وجود القصيدة ولجوء الشاعر إلى الطبيعة، إلى المكان ناتج عن قسوة حدث يمر به، فمن خلال العنوان أراد القول للأعداء: إنه ومجتمعه رجال صلب/قساة، وأراد القول للأصدقاء إنه ومجتمعه رجال حب وعطاء وجمال، من هنا وجدنا (تباين) بين عنوان القصيدة وبين مضمون القصيدة ولغتها. ويمكننا تأكيد ثنائية المعنى من خلال "يعيرون بيض عمائمهم، ببازلت جبهاتهم" حيث نجد (تناقض) في الألوان "الأبيض والبازلت، وتناقض في "عمائمهم" الناعمة، وبين "ببازلت جبهاتهم" حيث أن الجبهة تكون صلبة، خاصة لأولئك الذي أسودت جباههم بسبب العمل. ونتوقف هنا عند دلالة "ببازلت جبهاتهم" التي تقودنا إلى علاقة الرجال بالمكان، فهم من كثرة العمل في الأرض أصبحت جبهاتهم سمراء/سوداء، كتأكيد على العلاقة التاريخية بين هؤلاء الرجال والمكان. ونلاحظ أن الشاعر يؤكد على (صلابة/قسوة) هؤلاء الرجال من خلال استخدامه ألفاظ سوداء: "يناطحون، وليلا/ليلها، ذئاب" فهناك ثلاثة إشارات على السواد "وليلا/ليلها، النجوم" واللافت في هذه القسوة احتوائها على (نعومة): "لترعى النجوم على مهل ليلها" وهذا يقودنا إلى أن (قسوة/صلابة) الرجال وجدت لخدمة الجمال والحياة الطبيعية، وحراسة الناس من الذئاب. يكمل الشاعر حديثه عن الرجال بقوله: "رجال.. قضوا .. في الشحيح يذرون أعمارهم.. ومواسمهم في رياح النضال.. ما تزال أكفه .. القمح ترفع في كل عام سماء.. جديدة.. وتشرد عنها.. ـ بلا خجل ـ غيوم الشتاء.. البعيدة.." نلاحظ أن الزمن/الوقت "أعمارهم، مواسمهم، عام، الشتاء" جاء أطول مما سبقة: "الصباح" وهذا يعود إلى أن الشاعر يخاطب الأعداء، مؤكدا استمرار العلاقة بين الرجال والمكان الذي نشأوا فيه، فهم جزء منه، وهو جزء منهم، ولا يمكن الفصل بينهما، فكان لا بد من استخدام زمن طويل، من هنا جاءت ألفاظ الزمن أطول. يختم الشاعر القصيدة بقوله: "هنا.. لو يعود الزمان إلى رشده يجد الوقت.. وقتا ليأخذ قيلولة بيننا بين هذي الجبال عزيزا يقيم الجلال.." إذا ما توقفنا عند خاتمة القصيدة يمكننا تأكيد ما قلنا عن الزمن الطويل والزمن القصير، فقد أشار الشاعر إلى أنه يستخدم الزمن الطويل لمخاطبة الأعداء: "لو يعود الزمان إلى رشده" والزمن القصير لمخاطبة الأصدقاء والأحباب "قيلولة" من هنا وجدناه يستعد عافية جمال الطبيعة/الجبال، وكرامة الرجال/عزيزا يقيم الجلال. وإذا ما توقفنا عند النصف الأول من القصيدة الذي يتحدث عن "الصباح، الندى" سنجده هادئ، ناعم، خالي تماما من القسوة، بينما النصف الثاني الذي يتحدث عن الليل والذئاب نجد فيه القسوة، وعندما ختم الشاعر القصيدة أشار إلى أنه يريد/يرغب في الحياة الهادئة الناعمة، وهذا ما قاله ـ بطريقة غير مباشرة ـ عندما جعل خاتمة القصيدة بيضاء: "عزيزا يقيم الجلال" القصيدة منشورة على صفحة الشاعر
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صكوك غفران للأموات
-
ثورة الدروز وتمرد دمشق، الجنرال اندريا، ترجمة حافظ أبو مصلح
-
الإيجابية في رواية -أحلام القعيد سليم- نافذ الرفاعي
-
ثورة ال1936 في كتاب ثورة الفتى العربي رئيف خوري
-
المعرفة والعرب في رواية ثورة القبور علي شلق
-
أنت النبي وهم المنكر في قصيدة -وحدك- أحمد الخطيب
-
الحرب في كتاب -التاريخ فكرا استراتيجيا- باسيل ليد هرت تعريب
...
-
حاجتنا إلى عبقرية لينين
-
إلى أين تذهب المنطقة العربية
-
عقم الثورة في رواية -قصة مدينتين- شتارلز دكنز، ترجمة صوفي عب
...
-
الدبية في غار الإخلاص محمد علي ضناوي
-
الإقطاع في رواية -ميميد الناحل- ياشار كمال، ترجمة إحسان سركي
...
-
الجديد في كتاب -مذكرات الأرقش- ميخائيل نعيمة
-
المكان والإنسان في رواية -عين التينة- صافي صافي
-
المنطقة العربية في كتاب -الوحدة العربية هل لها من سبيل- منيف
...
-
جمالية الشكل والمضمون في كتاب -من حديث أبي الندى- إبراهيم ال
...
-
سورية الجديدة (5) وما أرسلناك إلا قاتلا للسوريين
-
نقد الذات في رواية شامة سوداء أسفل العنق
-
الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية
-
التحدي في -كفاح كفاح- كفاح الخطاب
المزيد.....
-
بعد 80 عامًا من وفاة موسوليني ماذا نتعلم من صعود الفاشية؟
-
مطربة سورية روسية تحتفل بأغنية في عيد النصر
-
مركز السينما العربية يكشف برنامجه خلال مهرجان كان والنجمان ي
...
-
فيلم وثائقي يكشف من قتل شيرين ابو عاقلة
-
بعد 21 يوما من وفاته.. تحديد موعد دفن الإعلامي عطري صبحي
-
مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب
...
-
أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
-
إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
-
قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
-
ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2
...
المزيد.....
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|