|
الشعبية في رواية خرفيش محمود عيسى موسى
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 22:19
المحور:
الادب والفن
محمود عيسى موسى يختار عناوين أعماله الروائي بطريقة مثيرة، "الشبمر، حنتش بنتش، خرافيش" وهذا يجذب القارئ، ويجعله يشعر بقرب الرواية وساردها منه، ولا يقتصر الأمر على العنوان، بل نجده في المتن الروائي، فهناك العديد من الألفاظ الشعبية، والأغاني، والحكايات، والأسماء، والأمثال، وآيات قرآنية، بحيث يجد القارئ نفسه أمام لغة يعرفنا ويستخدمها، وهذا ما يجعله يندمج مع النص ويتفهم ما فيه. وإذا عرفنا أن الأدب الشعبي ينموا ويزهر في الأرياف، القرى، نصل إلى نتيجة، إن الرواية تتناول الريف، الطبيعة، من هنا نجد السارد يصف المكان الريفي وما فيه من نباتات بدقة متناهية، بمعنى أننا أمام رواية ريفية، بمكانها وأحداثها وشخوصها. يفتتح السارد الرواية بهذه اللغة: "سأمسيك خرفيشة في رحلة العودة إلى خربوشتنا إلى إجزم، إلى البلاد...إلى فلسطين" ص2، نلاحظ (بساطة) اللغة وعميقها، فمن خلال استخدامه "خربوشتنا" قدمنا من تلك الأماكن التي فقدنها وتركناها خلفنا بعد أن هُجرنا من بلادنا، كما أعادنا إلى ذلك الزمن، زمن لغة البكر، تلك اللغة التي نتحدث بها ببساطة ودون تجميل/ دون تزويق، فجمالها طبيعي، بسيط وهذا ما يميز الجمال الطبيعي عن الجمال الصناعي الحديث الذي لا نشم فيه أي رائحة، ولا نراه ينمو أو يزهر، فما أن يمضي وقت/ زمن حتى نحتاج إلى لغة جديدة، وهكذا. يتجاوز السارد الألفاظ الشعبية ويستخدم فقرات/ عبارات تراثية "كان يا ما كان... نخرف ولا ننام" ص13، في اكثر من موضع في الرواية، واللافت في هذا الاستخدام أنه قدم/ جعل التراث جزء ومكون أساسي من الرواية الحديثة، بحيث لا يمكن فصلها/ انتزاعها من تراثها، من مكانها من ناسها وأهلها، بمعنى أن الرواية "الخرفيش" الحديثة ما هي إلا امتداد للحكايات الشعبية التي تعلمها/ سمعها السارد من جدته "أم عيسى" ولها جذور/ أساس، وليست شيء جديد/ حديث يُراد به تقليد ما هو سائد من أدب. الأغاني ويقدمنا السارد من أغانينا الشعبية، أغاني الطفولة التي كنا نرددها: "جلسنا مجتمعين على حجر القب ، نلعب لعبة.. حدراجة بدراجة من كل عين ودراجة يا خينا يا بينا لا عيونا بالتفاح اللفاح يا قلايد يا ملاح خرزة زرقا قالت طقطق ميه مفش من تصل كلمة مفش فوق يده يسحبها" ص6و7، نلاحظ أن الأغنية جاءت ضمن سياق أحداث الرواية، بمعنى أن السارد لا (يحشو) الرواية بالأغاني حشوا، بل هي تأتي ضمن الأحداث، وضمن حال/ طبيعة الشخصيات، وهذا ما يجعل المتلقي يتقبلها ويتفهم وجودها، إضافة إلى إيصال قيمتها التراثية، وتوثيقها أدبيا. بمعنى أن السارد عرفنا على تراثنا الشعبي (وحافظ) عليه من الضياع/ الفقدان. وهذا الاهتمام/ الخوف من الفقدان/ الضياع لم يتوقف عند الأغاني فحسب، بل طال المكان أيضا، لهذا نجد السارد يتناول عدد كبير الأماكن وذكرها في رواية، وهذا ما سنأتي على ذكره لاحقا. كما يقدمنا من الألعاب الشعبية: "ساحة الألعاب، لعبة (الخريطة)، السبع حجار، الشعب، النقيفة، ساحة البنانير، الدواحل، القلول، الصحو وتوقف المطر، لعبة المور المثلث ولعبة الجورة. (يا غنماتي ما مع شوا طعميكم ماع ماع" ساحة العتمة، الطميمة (الغميظة)، التخفي" ص9، نلاحظ أن السارد يعود بنا إلى طفولته، لهذا سمى لعبة بثلاثة أسماء "البنانير، الدواحل، القلول" فهذا التسميات المختلفة، تشير إلى تنقله إلى أكثر من مكان، ففي فلسطين تسمى البنانير، وفي شمال الأردن الدواحل، وفي وسطة القلول، كما نلاحظ دقته في الحديث عن وقت كل لعبة، فهناك ألعاب نهاية وأخرى ليلية، وهناك ألعاب بين المنازل، وأخرى في الحرات والمناطق المفتوحة، ورغم تباين التسمية، إلا أن الأغاني جامعة وموحدة لكل هذه المناطق "يا غنماتي ماع ماع" كما أن مضمون وجوهر اللعبة واحد في كل المناطق. "التفاح" متميز، مثير، وذلك لشكلة المثير ورائحته الذكية، ولذة طعمه، ومن هنا جاءت أهمية من يبيع "التفاح" فالتفاح جعل السارد يتناوله بمعنى الإغواء/ الشهوة وكسبب في إخراج آدم وحواء من الجنة، ودوره في الخصب/ الفحولة الجنسية، حتى أن السارد جعل رجل (حمل) بعد أن أكل التفاح، وهذا ما جعل الناس تغني للتفاح ولبائعه: "ـ إسا أجا وإسا راح ـ بياع التفاح ـ إسا كان بحارتنا ـ بياع التفاح ـ اشترت منه جارتنا ـ بياع التفاح ـ هيك بتمايل هيك بيميل ـ بياع التفاح ـ يا عرق الياسمين ـ خلقة رب العالمين" ص28و29، وإذا علمنا أن هذه الأغنية جاءت ضمن سياق الحديث عن نساء الحي، نصل إلى أن السارد يريد بهذه الأغاني تأكيد أدبيتنا الشعبية، وعلى أن لنا جذور تراثية (رغم بساطتها) إلى أن عميقة وممتدة عبر الزمن، ولها جذور تعود إلى آلاف السنين، تعود إلى أيام عشتار والبعل. وهناك أغاني تحمل حكاية، أو حكاية جاءت من خلال أغنية: "أنا تفيفيحة بنت الترنجية أمي تمنتني وأبوي حبل بي العصفورة ربتني والحمامة خطفتني وأمك الحيزبون طردتني العبيد غدروا بي بالعراء رموني روح يا مقص قص شاش من رأسه ترى صاحبه غالي عليّ" ص42و43، وهذا ما يجلنا نقول: إن السارد أراد باستخدامه هذا الكم والنوع من التراث، الإشارة إلى تميزنا الأدبي وتنوع أشكال وأجناس ثقافتنا، وتجذرها وعمقها فينا. الأمثال والآيات القرأنية يستخدم السارد العديد من الأمثال: "أجت الحزينة تفرح ما لاقت لها مطرح" ص28، والعديد من الآيات القرآنية: "الشمس واقمر بحسبان" ص16، وأحيانا نجده يقتطف جزء من آية: "أم عيسى حكت الحكاية كلها، بعجرها وبحره، الم تهز النخلة، لم يتساقط رطبا جنيا، بل تساقطت حبات البلوط الصلبة من يدها فوق الجمر المحمر في المنقل (الكانون)" ص17، بمعنى أن السارد يأتي بالآيات، بالأمثال ضمن السياق الروائي، ليوضح طبيعة الحدث/ طبيعة الشخصية التي يتناولها، وهذا ما يجعل المتلقي يفهم/ يعرف/ يقبل/ يتفهم الفكرة التي تحملها الرواية. الخصب فكرة الخصب/ النماء متجذرة في العقل السوري، حتى أن أجدادنا عبدوا إله الخصب "البعل" وربته "عشتار" يتناول السارد هذا الخصب من أكثر من زاوية، النباتات، المدن/ القرى، البشر وما ينتجون من أدوات وأفكار/ عقائد: "كان اسم القرية طلع، نبت، تكاثر مرة واحدة، كما طلع ونبت نبات الخرفيش في أرضنا...فيها النبات والشجر، فيها الخروب... خبز يوحنا المعمدان، طعام المجاعات، عسل الفقراء، فيها البذور... فيها الحجر، معاصر الزيتون والعنب، فيها الزرع و الحصد وجني الثمر، فيها بشر مثل الوعر" ص4، إذا ما توقفنا عند هذا المقطع سنجده متعلق بالريف/ بالطبيعة، وهذا يخدم فكرة الإنتاج والأصالة التي تميز السوري، فهو إنسان منتج لما يسهل الحياة المادية، وأيضا ينتج ما يمنح الناس السكون والطمأنينة، لهذا تم ذكر يوحنا المعمدان. كما تناول السارد خصب عشتار ودورها في استمرار الحياة البشرية على الأرض من خلال ذكرها مباشرة "عشتار" ومن خلال تناوله لحكاية شعبية: "ـ ستضيع سنوات عمرك في انتظار الولد أثناء غياب زوجها في الحقل، تناهى إلى سمعها صوت بطعم الفاكهة ينادي في الحي تفاح.. تفاح للحبل... ارتعدت الزوجة، تحسست بطنها الذي لا ينجب بحسرة، تضرعت إلى السماء أن يلطف بها، وينعم عليها من نعمه ويرزقها الولد. هاجت أنوثتها وماجت، أقشعر بدنها، رفعت ثدييها من تحت الثياب تضرعا نحو السماء، ومناجاة، تعشمقت بحبال الهواء" ص26، إخراج الثدي، يقودنا إلى طقوس الخصب التي أقيمت لعشتار منذ آلاف السنين، فالثدي يرمز للطعام والشراب، أساس الحياة، كما أن جداتنا في عصرهن ـ قبل سبعين سنة ـ كن يقمن بهذا الطقس (إخراج الأثداء) والتضرع لله ليرزقهن أولاد، وهذا ما يجعل المشهد تراثي/ تاريخي وحديث في الوقت ذاته، بمعنى أن ما نحمله من أفكار ونمارسه من أفعال له جذور قديمة، لا يكن محوها أو إزالتها. شعبية العنوان "الخرفيش" هو نبات بري له أشواك، لكن لب ساقه لذيذ، وهو طري ناعم، وقد تحدث عنه السارد وعن نباتات أخرى بإسهاب، حتى أنه ذكر العديد منها في الصفحات 57و58، وهذا يشر إلى ثقافته النباتية/ الطبيعية، ومعرفته بالأسماء، فبدا وكأنه "آدم" حين علمه الله الأسماء كلها، لكن ما يهمنا في هذا الموضع علاقة العنوان بالخصب بالإيحاء الجنسي الذي جاء به: "الخرفيش وخزني شوكه المؤلم، أحببته من أول نظرة، لسعته لذيذة، طيب اللب، حلو الوخز" ص43، يمكن لأي قارئ أن يلمس/ يحس أن هناك شيء آخر يجري الحديث عنه، غير الخرفيش ، إلا وهو الجنس، سبب الحياة واستمرارها في الكون، وهذا يجعلنا نقول إن عنوان الرواية "الخرفيش" له علاقة بالخصب، بالحياة، فهو نبات بري، ينموا لوحده ولا يحتاج إلى من يزرعه، بمعنى أن العنوان أيضا يحمل فكرة تراثية. وإذا ما توقفنا عن حالة الفرح التي عاشها الفلسطيني في وطنه وتماثلها مع لب الخرفيش، وحالة الألم بعد أن غادره الوطن مكرها، وتماثلها مع وخز الشوك، نصل إلى علاقة عنوان الرواية بمتنها. الفلسطيني السارد يتحدث عن كونه لاجئ فلسطيني، بأكثر من حالة، منها عند طفولته في المخيم: "فكرت أن نجمع أنا وأولاد المخيم كل كرات تفاح المجن غير الناضجة في السهول وندق أبواب بيوت المخيم الزينكو، نوزعها عليهم بدلا من تفاح الأونروا. اللاجئون سيلتهمون التفاح التهاما يسبق الجنون، رائحة التفاح ونكهته السحرية سيلطشهم لطشه جنون، يركضون بعدها ركضا بلا هوادة وبلا توقف سيركضون ركض العودة وهم يرددون... عائدون عائدون، سيعبرون السهول والجبال والوديان، يهبطون غور الأردن، يقطعون (الشريعة) ونهر الأردن، يمرون في أرض الجليل، سلة الخبز ولا يتوقفون عن الركض حتى يلفحهم هدير بحر حيفا ويوقظهم من جنون العودة" ص7، نلاحظ أن السارد يبدأ من حالة الطفولة، ثم ينتقل إلى حالة النضوج، الحلم، العودة إلى الوطن، ونلاحظ دقته في تناول المكان، فهو يتحدث عن مخيم اربد في شمال الأردن الذي يقابله في شمال فلسطين الكرمل وبحر حيفا، بمعنى أن السرد يعرف تفاصيل المكان والجغرافيا، إن كانت في شرق النهر أم في غربه. وبما انه تحدث عن الانتقال بواسطة الركض فهذا مؤشر على قرب المسافة بين شرق النهر وغربة، خاصة في الشمال حيث تتقلص المسافة بين بر فلسطين وبحرها. السارد يعيدنا إلى رمزية فلسطين التاريخية، يعيدنا إلى أرض البرتقال: "تفاحة الجنة كانت سببا في خروج آدم وحواء، في طردهما وهبوطهما إلى الأرض...هل كان عبق البرتقال وبيارات البرتقال سببا في الهجرة والتهجير من جنة الدنيا والهبوط في أرض الأردن والشام ولبنان وبلاد ما بين النهرين ؟ّ!" ص11، اللافت في هذا المقطع أن السارد ماثل حال الفلسطيني بعد أن طرد من وطنه بحال آدم بعد خروجه من الجنة، وماثل بين شهية/ إغواء التفاح وجمال البرتقال، وبما أن سبب الخروج في الحالتين شخص/ كائن شرير، وبهذا أشار السارد إلى أذى الاحتلال الذي يتماثل مع أذى إبليس لآدم. السارد لا يكتف بالمقارنة بين خروج آدم من الجنة وخروج الفلسطيني من وطنه، بل يقدم الألم الفلسطيني على ألم آدم: "هل نزل عقاب الله بهم وطردهم من جنتهم، أرضهم المقدسة خطيئة آدم كان عقابها الطرد والهبوط، أما أهل فلسطين فقد اختلف العقاب، قتل، ذبح، تهجير، طرد، وهبوط بلا خطيئة" ص15، وهذا الطرح يعبر عن قسوة الحال الذي مر ويمر به الفلسطيني، إن كان في وطنه أم في الشتات، ونلاحظ أن الألم الفلسطيني ألم مادي وألم روحي، وهذا ما جعل ألمه اشد وأقسى من ألم آدم، وقد عبر السارد عنه بقوله : "سبعون عاما وزيادة عليها خمس سنوات قابلة للزيادة، وأنا احمل النبكة والهجرة على كاهلي، أحملها دون أن أشهدها" ص46، اللافت في هذا المقطع أن السارد (يبرئ) نفسه من الخطيئة، فهو لم يهاجر من وطنه، بل وجد نفسه مهاجرا، وفي مكانا ليس له، مكان غريب عليه، المخيم، من هنا وجدناه يذكر النكبة والهجرة في اكثر من موضع في الرواية، فبدت النكبة/ الهجرة وكأنها النار التي تحرق الفلسطيني أينما ذهب وحيثما حل، وهذا انعكس على اندفاع السارد نحو فلسطين، فدائما كان يسعى/ يركض إليها ـ حتى لو كان في الحلم ـ فهي جنته التي يفتقدها، يردها أن تكون له كما هي فيه: "وينك يا قلعة خربوشتنا.. وينك يا مدرسة إجزم ...سأطفئ عطش الشتات بماء البئر الغربي وأعب هواء جبل شنا، سأتفقد ساحة (المكيل) والحارة الفوقا والتحتا. ثم سأقف أمام بناء المدرسة المستقيم، أعد حجارة واجهتها الأمامية حجرا حجرا. ـ يا ويلهم إذا كانت ناقصة حجر! سأقف على سور عكا، لأى صور اندحار نابليون وهزيمته...سأسبح وأسبح كي تغسلني مياه بحر الدنيا وتنقيني من أدران الحروب والاحتلال ومن نوائب الهزائم والنكبات" ص70، بهذه الروح أراد السارد التطهر من خطيئة لم يرتكبها، خطيئة اللاجئ والمخيم، خطيئة الفلسطيني كونه فلسطيني، وما إصراره على التعمد ببحر عكا، بحر الدنيا إلا صورة عن حجم الخطيئة التي وقعت عليه، ونسبت له ظلما وجورا. آدم والمسح عليهما السلام السارد يستخدم رمزية آدم والمسيح، للإشارة إلى حال الفلسطيني، فآدم خرج من الجنة بعد أن اقترف خطيئة الأكل من الشجرة المحرمة، فهبط من الجنة إلى الأرض، والفلسطيني خرج، هبط من فلسطين إلى دول الجوار بعد أن اصبح البرتقال الفلسطيني مؤشرا على نضوج فلسطين وكمالها وجمالها، والسيد المسيح تم صلبه ظلما وجورا، كحال الفلسطيني الذي ما زال يحمل وزر هجرة أجداده، رغم أنه لم يهاجر. من هنا وجدنا السارد يتحدث عن النكبة والهجر في اكثر من موضع، فبدا وكأنه يصرخ: (الهي الهي لماذا تركتني أهاجر). ونجد التماثل بين آدم والمسيح مع حالة السارد من خلال تناص أحداث الرواية، فقد تمت ولادة "تفيفيحة" من بطة رجل، بمعنى ولادة من غير علاقة جنسية بين رجل وامرأة، وهذا يتماثل مع ولادة المسيح، ومع خلق حواء من جزء من جسم آدم، ونلاحظ أن السارد يجعل المولدة أنثى كحال حواء من آدم، ونلاحظ أنه يستخدم "التفاحة" كسبب للولادة، للشهوة، لما في التفاحة من إغواء، ونجد أن المولودة تُوضع في مغارة كحال المسيح: "مزع سرواله ولف به المولودة به، ووضعها في المغارة القصية" ص30، وهذا ما يجعل التناص يأخذ بعدا إسلاميا ومسيحيا معا، وكأن السارد بهذا المزج أراد توحيد/ جمع ما بين الإسلام والمسيحية، مركزا على مأساته ومأساة شعبه من خلال تناصه مع ألم آدم وألم المسيح. المكان يتناول السارد اكثر من مكان في الرواية، اربد، المخيم، إجزم، عكا، يافا، فقوعة، القدس، بيسان، مؤكدا ارتباطه وعلاقته الوطيدة، فالمكان حاضر في وجدان السارد ولا يغادره، وما شعبية الرواية ولغتها وأحداثها، إلا صورة عن حالة التماهي بين السارد والمكان وأهله. لكن، السارد يحتاج/ يرغب/ يريد مكان بعينه، وليس أي مكان، يحدثنا عن هذه الرغبة بقوله: "البيت بلا وطن كالخيمة الخرقاء، تمزقها العواصف، وتقلعها الرياح" ص65، وهذا ما يجعل الفلسطيني ينظر إلى أي مكان في العالم على أنه مجرد مكان للإقامة ليس اكثر، فهو يريد مكانه الخاصة به، ذلك المكان الذي يشعر به، ويعيش داخله، وينتشي عندما يشاهده ويعيش فيه. السرد الروائي في بداية غالبية فصول الرواية يخاطب السارد الأنثى: "يا زريفة، طال انتظاري، سأمسيك يا زريفة خزامي، كي أشم عطرك، سأمسيك توت.. توت العاشقين، سأسميك نجمة، سأسميك تفيفيحة، سأسميك شمروحة، تحمل بذورها في نجمتها الخماسية، سأسميك لبن وعسل، سأسميك برتقالة...عبق البرتقال هو عبق الدنيا، سأسميك خروبة، سأسميك برقوقة.. أنت الرقة، الخفة، والأرض اللينة المتسعة، سأسميك هندباء، سأسميك سوسنة، سأسميك الحنونة، سأسميك جورية، سأسميك الحمامة البيضاء، سأسميك سمسمة، سأسميك خيزرانة، خذيني إليك يا زريفة، لي فيك يا زريفة مدراج ملاعب الصبا، يا يعسوبة، يا أملي ومشتهاي" هذا الافتتاحيات للفصول تشير إلى أن السارد (يتقوى) عندما يخاطب الأنثى، وكأنه دونها لا يقدر على مواصلة السرد، كتابة الرواية، الحياة، وهذا يقودنا إلى الطبيعة، إلى فكرة الخصب الناتج عن تزاوج الأنثى والذكر، فمن خلال الأنثى استطاع السارد إنجاز هذه الرواية، وتقديمها بهذا الشكل وهذه الصيغة، فبدا من خلال ذكرها في افتتاحيات المقاطع وكأنه يذكر القارئ بمكانتها ودورها في الحياة، في الخروج من المأساة، من حالة الألم والتقدم من الفرح.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستعمار الاستيطاني في رواية -الحريق- محمد ديب، ترجمة سامي
...
-
البياض المطلق في -أمي- مراد السوادني
-
التسلية في قصة -معضلة الزنزانة رقم 13-
-
الشعر وتقديم الواقع في قصيدة- طفلان يبتسمان-
-
غزة في رواية -سلالة من طين، غزة الباكية- قمر عبد الرحمن
-
الواقع والتغيير في -خطابات الإسكندر- فيصل زريقات
-
الوطن في قصيدة -حين ثملت يا وطني- نزيه حسون
-
عودة الحياة في قصيدة -صديقي الشاعر من غزة- لشاعر المتوكل طه
-
الفلسطيني في رواية مرآة واحدة لا تكفي
-
الواقع العربي في رواية -اللجنة- صنع الله إبراهيم
-
-حكايات خريفية-* للفلسطيني حامد حج محمد رواية الغياب بامتياز
-
-خبايا الرماد- لجهاد الرنتيسي ... رواية الأحداث السياسية
-
الواقع اللبناني والعربي في كتاب -هذه وصيتي- كمال جنبلاط
-
حول كتاب -المثقف في صورة نبي-* للكاتب فراس حج محمد
-
التغريب في قصيدة -قصر طائر!- سامي البيتجالي
-
صدى الأصوات في قصيدة -أصرخ- أحمد الخطيب
-
أدب المقاومة في مجموعة -وقال الطائر الذبيح لا- سمير عزت نصار
...
-
المخابرات في رواية -من جبل الجرف إلى تل أبيب- أشرف مسعي
-
الطبيعة والمجتمع في قصيدة -البازلت- سامر كحل
-
صكوك غفران للأموات
المزيد.....
-
دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم
-
افتتاح معرض -قفطان الأمس، نظرة اليوم- في -ليلة المتاحف- بالر
...
-
-نملة تحفر في الصخر-ـ مسرحية تعيد ملف المفقودين اللبنانيين إ
...
-
ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
-
“361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة
...
-
-أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف
...
-
بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع
...
-
الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
-
-عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
-
الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|