|
ديوان مرقى الغزالة مراد السوداني
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 02:43
المحور:
الادب والفن
هناك أعمال أدبية مدهشة، نتوقف عند لغتها، الشكل الذي قدمت به، الفكرة التي تحملها، تمسكها بالأصالة، التجديد الذي جاءت به، تجاوزها لما هو سائد ومطروح، كل ما سبق نجده في ديوان "مرقى الغزالة" التناص القرآني سأحاول التوقف عند بعض جمالية الديوان ونبدأ من التناص القرآني الذي قدمه الشاعر بطريقة لافته، جاء في قصيدة "بد التراب": "كنت صغيرا عندما ذقت تراب قريتي ومن يومها ورائحة التراب على لساني ومن كانت رائحة تراب قريته على لسانه 1لا يضل ولا يشقى" ص17. يبدو للوهلة الأولى أن الكلام عادي، ليس فيه جديد، لكن إذا ما توقفنا عند الخلفة التي قيل بها، سنجد أن الشاعر لم يكتب القصيدة بعقلية الشاعر، بعقلية الراشد، بل كتب جزءا منها بعقلية الطفل البسيط، من هنا لم يستخدم كلمة (وطني/ أرضي) بل حدد المكان وحصر ب"قريتي" كما أن تكراره لألفاظ "تراب (ثلاث مرات، قريتي/ قريته، رائحة، بلساني/ لسانه، ومن، لا" في مقطع صغير، يشير إن (بساطة) المتحدث الذي (لا يمتلك قاموسا لغويا) يساعده على التعبير عما يريد قوله. وإذا ما توقفنا عند تناوله لفكرة القصيدة، تذوقه لطعم/ رائحة التراب، نجده (يلخبط) بين حاستي الطعم والرائحة، ما يجعل القارئ يشعر وكأنه يستمع لكلام طفل، (لا يحس) التفريق بين حاسة الطعم والرائحة.
إذن يبدو الشكل الظاهر للقصيدة (بسيط/ عادي) حيث قدم بعقلية الطفل، لكن، الشاعر يظهر نفسه من خلال: "ومن يومها ورائحة التراب على لساني" وهذا يشير إلى أن الشعر الذي يكتبه "مراد السوداني" فيه رائحة القرية/ رائحة التراب، وهذا ما يجعلنا نقول إن الشاعر جير عقلية الطفل ليقدم فكرة ناضجة متعلقة الوطن/ بالتراب، ومزجها بلغة شعرية راقية تتجاوز ما هو مطروح وسائد. ولترسيخ فكرة القصيدة (التغني بالوطن والحدث عنه ومنه وبه) استحضر الآية القرآنية التي تناولت حال آدم عليه السلام بعد إخراجه من الجنة، إخراجه من المكان الذي أحبه ونشأ فيه وتمتع به: "فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى" وبما أن الكلام صادر عن الله عز وجل، وهذا يجعل فكرة الآية القرآنية وفكرة القصيدة تتماهيان معا، بحيث يكون حب الوطن من حب الله، والتمسك بالوطن من التمسك بالله، وهذا ما يجعل الوطن مقدسا. وإذا ربطنا حكمة: "العلم في الصغر كالنقش على الحجر" نصل إلى (الطفل) "مراد السوادني" تعلم تذوق تراب القرية، واستمرار ذاك الطعم/ تلك الرائحة فيه حتى الآن، وما تقديمها بهذا الشكل الأدبي إلا تأكيدا لاستمرار ذلك التعلم. إذن الشاعر يحمل فكرة/ رسالة/ نبوة، ويريد تقديمها لنا، فهو ليس مجرد كاتب، بل صاحب رسالة، وهذا يترتب عليه اظاهر صدق دعوته، والإيتاء بما يقنع المتلقي بأنه لديه (آية/ معجزة) تتجاوز ما هو مطروح وسائد، نجد هذه الآية/ المعجزة في هذا المقطع من قصيدة: "احتمالات أنثى الماء": "وأهتف منتشيا بالدموع: "بلادي... بلادي... بلادي... ندى ولهيب أنا قلت: إنك لا تستطيعين صبرا معي. فدربي طويل.. وحملي كزين الشباب الأسير ـ ثقيل " ص40. فالشاعر يقدس التراب/ الأرض من خلال تكرار "بلادي" ثلاث مرات ليعطيها بعدا مقدسا ومستمرا/ دائما، وكما نجده يحرص على راحة أنثاه من خلال استحضار الآية القرآنية "لن تسطيع معي صبرا" بمعنى أنه يضحي في سبيل الآخرين، في سبيل من يحبهم، فلا يريد ارهاق أنثاه بالحمل الذي معه، فهذا النكران للذات يؤكد أن الشاعر صادق/ مضحي/ معطاء/ محب للآخرين. وإذا ما توقفنا عند الفقرة التراثية: "دربي طويل وحملي ثقيل" نصل إلى فلسطينية الشاعر، وفلسطينية الرسالة التي يحملها، والطبيعة هذا الحمل، فهو متعلق بثقل الزمان والمكان: دربي طويل" ومتعلق بحالة الُتعب والمشق "ثقيل" وهذا يقودنا إلى درب الآلام الذي سار عيه السيد المسيح، فالمقطع مركبا، يجمع أكثر من حال، التناص القرآني، التناص التراثي، التناص الأدبي الشعري الحديث مع توفيق زياد، الذي بدوره يقودنا إلى التناص المسيحي، كل هذا يشير إلى قدم/ أصالة وجود الفلسطيني واستمرار وجوده وعراقته، فهو ليس موجودا بصورة عابرة/ مجردة، بل هو موجود بصورة فاعلية، بصورة إبداعية/ أدبية/ إنسانية، من هنا وجود التناص الديني والأدبي الحديث والتراثي حاضرة في المقطع. قلنا إن الشاعر يحمل رسالة/ نبوية، يحدثنا عن هذه النبوة ويؤكدها في قصيدة: "وردة الأربعين": "وإذا بلغ الأربعين وفي صوته مزق وشظايا بلاد، وأدعية العارفين دعا داعي العشق: قم يا رفيق الكلام، ويا مبتلي بالنشيد السماوي، "وأنذر عشيرتك الأقربين"، بأن فلسطين مسبية من سنين وطال عليها الأمد فما من صريخ لها أو مدد ترى القتل في كل ساح، ونهبا يعممه العابرون الغزاة الجدد" ص 95. في الفكر الديني نجد أن النبوة نزلت/ وصلت الأنبياء في سن الأربعين، بمعنى اكتمال حالة النضوج الجسدي والفكري والنفسي والروحي، وهذا ما أشار إليه الشاعر في بداية المقطع. وإذا ما توقفنا عند فكرة المقطع، والشكل الذي قدم به، فنجدها فكرة واضحة، لا لبس فيها، تصل إلى كل المتلقين بصرف النظر عن مستواهم المعرفي/ الثقافي، وهذا يقودنا إلى أن رسالة الشاعر رسالة عامة، أراد إيصالها لكل الناس، فكان الوضوح الكامل حاضرا فيها. ونلاحظ تركيز الخطاب على من هم حول فلسطين: "عشيرتك الأقربين" مبينا ما تتعرض له من قتل على يعد "العابرون/ الغزاة الجدد" فتركيز الشاعر على توضيح من يقوم بالقتل يؤكد (وضوح) الفكرة، فهو يخاطب العامة التي أرادها أن تكون فاعلة وحاضرة ومؤثرة في وقف القتل. وتخليص فلسطين من السبي. وإذا ما توقفنا عند لفظ "السبي" المتعلق بسبي النساء" نصل إلى أن الشاعر يحسن لغة الخطاب، فلكي (يثور/ يستفز) المتلقي، خاطبه بلغة تثوره (الشرف المتعلق بالنساء) التي اقرنها بالغة/ بالثقافة الدينية: أنذر عشيرتك الأقربين" كما يستوقفنا إيقاع حرف الدال الكامن في: "النشيد، الأمد، مدد، الجدد" فبدا تكرار لفظ الدال وكأنه صدى متواصل الرنين في الأذن، وهذا يمثل تنبيه للقارئ ليكي يصغي جديدا لما يردده الشاعر، وبهذا تكتمل لغة الشاعر التي وجهها للعامة وللخاصة. الفدائي/ الشهيد الشاعر يقدم الشهيد بصورة لافتة، فهو مثله الأعلى، وقدوته في العطاء لتكملة المسير، قصيدة "دالية الشهيد" يتغنى الشاعر بالشهيد قائلا: "أقسم: وحدك الأبقى وأنقى من لسان النار تمتد نحو الأفق أفقا" ص141. نلاحظ أن هناك قسم حاضر في فكرة المقطع، وهو قسم متعلق بشيء نبيل، وجميل: "الأنقى، الأبقى" ونجد استمرار/ امتداد القسم في حضور حرف القاف: "الأبقى، الأنقى، الأفق، افقا" وهذا ما يجعل الفكرة ترسخ في المتلقي أكثر، فالمضمون والالفاظ يتوحدان معا للإيصال الفكرة له. "وحياة رأسك... سوف أحمل عنك أثقال الوصايا أعبر النهر الذي حمل الرجال/ الضفة/ الطلقات/ والأغوار. فترك لنا خبرا تصدره الجريدة في افتتاحياتها الخجلى وترك لنا خيط الدماء لكي نعلق فيه أحلام الصغار وترك دوي البنادق في ظلال التين والزيتون كي يرث النهار خطاك" ص141و142. الجميل في المقطع إيصال صورة الفدائي بطريقة غير مباشرة، من خلال "النهر، الضفة، الطلقات، والأغوار" وإيصال الزمن الذي كان يقاتل فيه: "خبره تصدره الجريدة" وإيصال النبل/المبادئ التي يتسم بها الشهيد: "أحلام الصغار، ظلال التين والزيتون"، والأجمل الإيحاءات الكامنة في: "كي يرث النهار خطاك، فالنهار بشبر إلى امتداد الزمن، وامتداده ليصل إلى أشخاص آخرين: "يرث" وهذا ما يجعل فكرة الفدائي حاضرة/ مستمرة/ فاعلة/ مؤثرة. ذروة القصيدة جاءت من خلال هذه الصورة الشعرية: "حذقت المسالك والممالك في خطاك فمن رماك على المهالك كي تروضها دماك" 143. هناك جمالية لافتة في المقطع، تكمن في الإيقاع الي يتركه حرف الكاف في ألفاظ: "المسالك، الممالك، رماك، المهالك، دمال" التي أضفت انسيابية وغنائية فيما نطقه الشاعر، وسمعه المتلقي الذي (يتجلى) وهو يستمع لما كتب/ سمع عن الشهيد. وبهذا يكون الشاعر قد جمع فكرة نبل/ أخلاق/ مبدئية/ عطاء/ الفدائي، بالألفاظ التي استخدمها، وبالحروف التي تتشكل منها، وبالغنائية/ السلاسة التي قدم بها المقطع.
المرأة الشاعر/ المقاتل يحتاج إلى أدوات تساعده لمواصلة الطريق، من هذه الأدوات المرأة التي تمنحه الهدوء/ السكينة، وتمده بالطاقة، في قصيدة: "لست سوى صخرة المتنبي" يقول: " في الطريق إلى شرفاتك أتبعني الماء وهذا الهواء الذي حمل الياسمين قلائد عشق تراخى على ساعديك نقشا وحناء" ص127. نلاحظ البياض المطلق في المقطع حيث تتوحد الفكرة مع الالفاظ في تقديم فكرة ناعمة، هادئة، كما نلاحظ وجود ألفاظ (كبيرة) تتكون من ستة حروف: "الطريق، شرفاتك، الياسمين، ساعديك" وحروف وأسماء صغيرة الحجم: "في، إلى، وهذا، الذي، على" وهذا يعود إلى بطبيعة علاقة الشاعر بالمرأة، فهو يراها عظيمة والطريق إيها طويل، وفي الوقت ذات يريدها بسرعة، من هنا أكثر من استخدم حروف الجر، وهذا يقودنا إلى الرغبة الجامحة للقاء المرأة: "وانتفضت بين نهديك شهقة أيل، وبللك العقرب المتراقص فوق السير"ص129. نلاحظ إيحاء باللقاء الجسدي بينهما، فقد قدمه الشاعر بصورة مثيرة، مشوقة، تثير شهية المتلقي وتستفز جمالية تقديمها، فستخدم ألفاظ صعبة وقاسية: "وانتفضت، شهقة، العقرب" كإشارة إلى (العنف/ القسوة) الكامنة في اللقاء الجسدي، وهذا ما يشير إلى (خجل) الشاعر وابتعاده عما هو مبتذل. الديوان من منشورات الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2018.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديوان غزة قصائد الصهيل والهديل سامي عوض الله البيتجالي
-
رواية قطة فوق صفيح ساخن مراد ساره
-
رواية أبناء السماء يحيى القيسي
-
رواية نهر يستحم في البحيرة يحيى يخلف
-
الأعداد في قصيدة الطوفان صلاح أبو لاوي الطوفان
-
الثورة في قصيدة -يأتي الصباح- سامي عوض الله (البيتجالي)
-
الشاعر سميح محسن في ديوان (اخلع سماءك وانتظرني): تجسيد لفكرة
...
-
الشكل والمضمون في كتاب أزاهير وقوارير محمد حافظ
-
أنا الشاعر في ديوان -شجر اصطفاه الطير- عمر أبو الهيجاء
-
المرأة في مجموعة -الأخوات الحزينات- نجاتي صديقي
-
المكان في مجموعة -حين تموت المدن- صلاح دهني
-
عزوف الحياة في قصيدة -خذ روحي إليك- علي البتيري
-
الشعبية في رواية خرفيش محمود عيسى موسى
-
الاستعمار الاستيطاني في رواية -الحريق- محمد ديب، ترجمة سامي
...
-
البياض المطلق في -أمي- مراد السوادني
-
التسلية في قصة -معضلة الزنزانة رقم 13-
-
الشعر وتقديم الواقع في قصيدة- طفلان يبتسمان-
-
غزة في رواية -سلالة من طين، غزة الباكية- قمر عبد الرحمن
-
الواقع والتغيير في -خطابات الإسكندر- فيصل زريقات
-
الوطن في قصيدة -حين ثملت يا وطني- نزيه حسون
المزيد.....
-
هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني
...
-
فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
-
وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل
...
-
رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم
...
-
ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب
...
-
لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو
...
-
شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد
...
-
الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
-
فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة
...
-
طبول الـ-ستيل بان-.. موسيقى برميل الزيت التي أدهشت البريطاني
...
المزيد.....
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|