|
رواية أبناء السماء يحيى القيسي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 22:49
المحور:
الادب والفن
هناك شح في الاعمال التي كتبت عن الكائنات الفضائية، عن العوالم الأخرى، وهذا يعود إلى ميول العديد من الكتاب إلى الاتجاه العقلي، الواقعي في أعمالهم الأدبية، مما جعل المكتبة العربية تفتقد لهذا النوع من الأدب، كما امتدت هذا الشح ليطال أدب الخيال العلمي، ونذكر هنا بكتابي "الذين هبطوا من السماء، الذين صعدوا إلى السماء" لأنيس منصور، وهذا ما يجعل رواية "أبناء السماء" من الروايات الرائدة في تناولها للعوالم الأخرى. طريقة إدخالنا إلى الكائنات الأخرى كان بطريقة منطقة ومقنعة، من خلال بحث مجموعة من الأشخاص عن كنز دفين، فبعد أن رفض "فواز بيك" طلب المرأة العجوز بالتوقف عن الحفر، والعودة للحفر في اليوم التالي، كلن وجدوا باب المغارة فتحت شهية "فواز بيك" ليواصل العمل ويصر على فتح باب المغارة رغم تحذيرات العجوز، وما ان فتح الباب حتى خرج منها إشعاع ودخان أصاب مجموعة بكاملها، منهم صعق وأغمي عليه، منهم من "شلت يده واعوج فمه"ص31، بحيث لم يخرج منهم أي سالم. وهنا يدخل "أحمد الحسيني" ليعالج" السارد، وليؤكد أن هناك علوم مجهولة، لا يتم التوقف عندها، لاعتقاد البعض أنها خرافات لا تتوافق مع العقل والمنطق، وإذا ما توقفنا عند الميول الماركسية للسارد الذي درس في الاتحاد السوفيتي، نصل إلى حجم المسافة التي تفصله عن الأفكار الغيبية، كما أن وصوله ـ في نهاية الرواية ـ إلى حالة الإيمان المطلق بوجود عوالم أخرى وكائنات شفافة لا نراها، تقودنا إلى حالة الانقلاب الكلي في عقلية السارد، وتخليه عن المفهوم المادي الذي تربى عليه واقتنع به. العوالم الأخرى يبدأ انفتاح السارد على فكرة وجود عوالم/ كائنات أخرى بعد أثابته بالصعقة، فكان أول (قبول) لهذه الأفكار من خلال "الحسيني" الذي خاطبه: "هناك الكثير في هذا العالم ما يزال غامضا ومجهولا...ثمة قوة ا في هذا الكون تمتلك السيناريو كاملا" ص35، وهذا القبول يعود إلى فضل الحسيني قي شفاء السارد. يتقدم السارد أكثر من التعرف على تلك العوالم/ الكائنات من خلال حديث الحسيني عن الاهرامات: "أن الحضارة المصرية هي وريثة لحضارة متطورة جدا كانت على هذه الأرض...لقد اتصلوا أيضا بالكواكب الأخرى في مجرتنا، لكن حدثت كارثة على الأرض لا نعرف تفاصيلها ولا كيف تمت، ولكن من المؤكد أنها تسببت بطوفان كبير وزلازل خلال الفترة الواقعة قبل الميلاد بعشرة آلاف سنة تقريبا" ص51، اللافت في هذا المقطع أن له جذور أسطورية ودينية، فقد تم ذكر الطوفان في النصوص السومرية في ثلاثة مواضع وبأزمنة مختلفة، وبأسماء عدة: "زيو سدرا، أتراحاسيس، أوبشتيم الذي وثقت اسمه ملحمة جلجامش، وإذا أضفنا إلى ذلك ما جاء في العهد القديم والقرآن الكريم عن قصة سيدنا نوح عليه السلام، نتأكد أن هناك طوفان، حراب، عم الأرض وأزال كل الحضارات والمعالم التي كانت موجودة عليها، وهذا ما يجعل فكرة "الحسيني" عن العوالم التي انقرضت مقبولة منطقيا ودينيا. ولا يكتف "الحسيني" بهذه الفكرة بل يتقدم أكثر إلى الأمام نافيا/ ناقضا فكرة دارون وتطور الإنسان: "فالإنسان لم يتطور من قرد كما يروج دارون واتباعه، بل على العكس من ذلك فقد وجد كاملا بقدرات هائلة ظلت تتلاشى وتضعف حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن" ص71، إذا ما توقفنا عند هذه المعلومة والتي سبقتها نصل إلى أن السارد يدعم الفكرة الدينية، التي تقول بكمال خلق الإنسان، وبحدوث الطوفان، فبدا وكأنه يتخلى عن أفكاره المادية، ويتبنى الأفكار الدينية، وهذا ما نجده في لغة السرد، فالسارد كثيرا ما استخدم التناص القرن في سرده للأحداث: "لقد تزلزل إيماني الديني ... وصار نسيا منسيا" ص98، فرغم أن المقطع يخدم فكرة تخلي السارد عن الأفكار الدينية، إلا ان الثقافة، اللغة الدينة ما زالت عالقة فيه، وأكثر من هذا ها هو يتقدم من جديد من تلك الأفكار، من خلال تبينه للنصوص والأحداث التي جائت بالكتب السماوية، الكتاب المقدس والقرآن الكريم. أما عن الكائنات الأخرى وطبيعتها يقول: "وجود كائنات عاقلة على كواكب أخرى تنتمي إلى عناصر تلك الكواكب أو حتى بعضا من عناصرنا البشرية، ولا يمنع أيضا أن يتم التواصل معها بطريقة ما. هناك جسد آخر للإنسان من الطاقة الكهرومغناطيسية وهو هي هيئة جسده المادي تماما ويتداخل معه، لكنه لا يرى بالعين المجردة" ص119، وبهذا تكتمل فكرة الرواية عن وحوج العوالم والكائنات الأخرى التي أنشأت واقامات حضارات ما زالت محيرة للعلماء رغم تقدم العلم. وهنا يتقدم السارد أكثر من فكرة وجود كائنات أخرى، مما يجعله (يتبنى) فكرة الحلول والتماهي مع أجساد أرواح أخرى: "وحين أبدأ في الموعظة أشعر بأن هناك من يهمس في داخلي فأغمض عيني وأستمع للصوت جليا" ص132، مما يخدم فكرة الكائنان الهلامية التي تدخل وتصل إلى كل مكان/ كل جسد بسلاسة وسهولة. السياسي الأدب/ الأديب الجيد هو الذي يستطيع تمرير أفكار/ أحداث/ وقائع بسلاسة وسهولة، فتبدو للوهلة الأولى أنها عابرة، جاءت بغير قصد، وهذا ما فعله السارد في رواية "أبناء السماء" فقد تحدث عن واقع السياسيين وما تعرضوا له من مضايقات وممنوعات، انعكست سلبا على مسار حياتهم، مما جعلهم يعيشون حالة من الاضطراب والضياع، يحدثنا السارد عن الواقع البائس الذي يعيشه بقوله: "في بلد يعيش الناس أحلامهم القصوى فيه امتلاك بيت أو سيارة أو عروس، ولم يكن لدي شيء من كل ذلك. كنت معلما أدرس القيم الفضلي للطلبة في النهار، وصيادا للكنوز في الليل" ص13، فالطرح الطبقي يقودنا إلى الماركسية وما فيها من عدالة اجتماعية، وهذا يشير إلى الأثر الذي تركه الاتحاد السوفييتي في السارد، الرمزية رغم ان الرواية تتناول أحداثا واقعية، البحث عن كنز وتعرض أفراد المجموعة لحادثه خطرة، حتى أن السارد في بداية الرواية خاطب القارئ قائلا: "إن كنت ترى في هذه الرواية خيالا جامحا محضا لا يقترب من الواقع فأنت محق في ذلك، وإن وجدت فيها حقائق صافية تفوق الخيال فأنت محق في ذلك أيضا" ص5، إلا أن طريقة تناوله "لفواز بيك" القادم من الأمن والذي يحمل عقلية العسكر، وخروجه مشلول اليد وملتوي الفم، تحمل بين ثناياها رؤية السارد لنهج رجال الأمن والعسكر الذين أوصلونا وأوصلوا أنفسهم إلى هذا الانحطاط والانكسار، فخروج "فواز بيك" من الرواية وبحال مزري: "مشلول اليد وملتوي الفم" يمثل انتقام السارد من رجال الأمن الذين أوصلوه إلى ما هو فيه من عوز وحرمان من ممارس ما تعلمه ودرس: "أنني من المغضوب عليهم والضالين أيضا لدى المخابرات فلم يكن لي من ذنب إلا أنني تخرجت من بلد الشيوعية، في تخصص هندسة الطائرات، وبالطبع فإن الطريقة المناسبة لتبديد أية طموحات سياسية أو علمية لي، أو حتى عقابا لي على دراستي هناك هو تعيني معلما للعلوم في مدرسة ابتدائية في إحدى قرى صحراء المفرق الحدودية...أما العمل في مطار مثلا لاستغلال دراستي المتخصصة فتلك كانت أمنية تهون دونها أمنيات أبطال ألف ليلة وليلة" ص18، فالشكل الأدبي وطريقة الناعمة التي جاءت بها الانتقام من "فواز بيك" القادم من جاهز الأمن لم تأت إلا من خلال العقل الباطن للسارد، الذي ما زال يحتفظ بالنكسة التي سببها له رجل الأمن، فأراد الانتقام منهم من خلال أذيتهم جسديا، وإخراجهم نهائيا من الرواية، فكما أخرجوه من تخصصه ومن حياته المهنة، أخرجهم بهذا الشكل، وبهذه الطريقة التي تحسب له، فقد أحسن ايصال صورة قادة رجال الأمن الباهتة، وقدمها بهذا الشكل الأدبي، بعيدا عن المباشرة. الرواية من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، مكتبة الأسرة الأردنية، الطبعة الأولى 2015،
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية نهر يستحم في البحيرة يحيى يخلف
-
الأعداد في قصيدة الطوفان صلاح أبو لاوي الطوفان
-
الثورة في قصيدة -يأتي الصباح- سامي عوض الله (البيتجالي)
-
الشاعر سميح محسن في ديوان (اخلع سماءك وانتظرني): تجسيد لفكرة
...
-
الشكل والمضمون في كتاب أزاهير وقوارير محمد حافظ
-
أنا الشاعر في ديوان -شجر اصطفاه الطير- عمر أبو الهيجاء
-
المرأة في مجموعة -الأخوات الحزينات- نجاتي صديقي
-
المكان في مجموعة -حين تموت المدن- صلاح دهني
-
عزوف الحياة في قصيدة -خذ روحي إليك- علي البتيري
-
الشعبية في رواية خرفيش محمود عيسى موسى
-
الاستعمار الاستيطاني في رواية -الحريق- محمد ديب، ترجمة سامي
...
-
البياض المطلق في -أمي- مراد السوادني
-
التسلية في قصة -معضلة الزنزانة رقم 13-
-
الشعر وتقديم الواقع في قصيدة- طفلان يبتسمان-
-
غزة في رواية -سلالة من طين، غزة الباكية- قمر عبد الرحمن
-
الواقع والتغيير في -خطابات الإسكندر- فيصل زريقات
-
الوطن في قصيدة -حين ثملت يا وطني- نزيه حسون
-
عودة الحياة في قصيدة -صديقي الشاعر من غزة- لشاعر المتوكل طه
-
الفلسطيني في رواية مرآة واحدة لا تكفي
-
الواقع العربي في رواية -اللجنة- صنع الله إبراهيم
المزيد.....
-
السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو
...
-
-مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف
...
-
السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا
...
-
المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات
...
-
وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط
...
-
ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
-
عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح
...
-
بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا
...
-
ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه
...
-
تونس: مدينة حلق الوادي تستقبل الدورة الرابعة لمهرجان -نسمات
...
المزيد.....
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|