|
السادية في رواية -واختفي أنف أبي- خليل ناصيف
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 23:46
المحور:
الادب والفن
قليلة الأعمال الروائية الفلسطينية التي تتناول شخصيات مريضة نفسيا، فعلى مدار عام كامل لم أقرأ أية رواية نفسية، وهنا أتذكر رواية "الموتى لا ينتحرون" لسماح خضر، التي قدمت شخصية الجد الشبق جنسيا، حيث كان يجبر زوجة أبنه على مضاجعته، ولم يكتف بها فتمادى أكثر ليطال حفيدته، في رواية "واختفى أنف أبي" أنجد أيضا شذوذ "فتحي أبو رمان" الذي يمارس الجنس مع زوجته "نبيلة" بصورة مجنونة وسادية، ثم ينتقل إلى (أبنته) "بتول" التي تصده، لكن السلوك الشاذ "لفتحي" جعلها تعاني نفسيا، حتى بعد وفاة (والدها). "فتحي أبو رمان" "فتحي" البطل الحقيقي للرواية، فهو الذي أثر على شخصية "بتول، وجعلها مضطربة نفسيا، فرغم (قلة) الوقف عند سيرته، إلا أنه الغائب الحاضر، الفاعل المؤثر في شخصيات الرواية، يقدمه السارد بهذه الصورة: فتحي "أبو رمان فخورا بامتلاكه امرأة متعلمة وموظفة محترمة من عائلة نابلسية معروفة...أنجبت له أربع بنات منها... قلت جاذبيتها في نظره وبنفس الوقت أصبح ينتقم منها بضربها خلال ممارسة الجنس...اشترى لها مجوهرات ثقيلة وشنيعة بدت فيها وكأنها عروس الكنز، في النهار كانت تبدو امرأة محظوظة، وفي الليل تتحول إلى عبدة جنس لرجل لا يرحم، كان يطلب منها ارتداء ملابس الخروج التي ترتديها أيام شعلها في المدرسة، ثم يمارس معها جنسا ساديا عنيفا" ص31، هذه صورة أولية عن مرض "فتحي" الذي زاد مرضا بعد أن (كبرت) نبيلة، ولم يعد يرى فيها ما يراه في الأخريات: "دس يده في الكيس وأخرج منه تنورة سوداء وقميصا أبيض وطلب منها ارتداءهما...أنزعي ثيابك" صرخ بوجهها... تقدم منها وبدأ يجردها من ثيابها .... ألبسي التنورة الآن... القميص كان ضيقا جدا، وعندما حاولت ارتداء التنورة لم تنجح، قصيرة جدا وضيقة جدا... نزع حزامه وبدأ بضربها... دخل ابزيم الحزام في ثديها، وفقدت الوعي من شدة الألم، عندما أفاقت كان حليبها قد اختلط بالدم، في الصباح جاءت بتول لترضع، كان حليبها قد جف وثدياها ينزان دما" ص 34و35، شدة العنف تشير إلى تفاقم مرض فتحي الذي يتغول أكثر في سلوكه الشاذ، وبما أن المرأة العربية تخضع لأكثر من سلطة، وهذا ما جعل "نبيلة" تصمت/ تتحمل زوجها السادي. إذن نحن أمام شخصية سادية، يتفاقم مرضها أكثر مع الزمن، حتى أصبح يطالب "زوجته" بالقيام بأعمال مجنونة: "عاد إلى المنزل وهو يحمل عدة رسم، طلب من نبيلة أن تبدأ بالرسم أمامه وهي عارية... كان يعتبر ممارسة الجنس مع فنانة رشيقة بمثابة مساوى آخر مخن لعبة المتعة التي غرق فيها... كان يتخيلها في أوضاع مثيرة" ص39، إلى هنا كان الأمر مسيطر عليه، فالزوجة "نبيلة" (تكيفت) مع "فتحي" رغما شدة المعاناة، لكن "فتحي" يزاد مرضا، حتى أن مرضه سيطر عليه وجعله يتجه إلى المحرمات، إلى (ابنته) "بتول": "فتح باب غرفتها وتأملها وهي نائمة...شعرت بتول وكأن جسمها يتعرض لغزو من البزاقات، مدت يدها وهي نصف نائمة لإزاحة البزاقة بعيدا فلمست يدا خشنة ومشعرة، أضاءت الأبجورة الصغيرة بجانب السرير فلمحت والدها واقفا يبحلق فيها ويده الباردة تضغط على عنقها" ص41، "بتول" البنت غير أمها، الأم كانت تقبل/ ترضى/ تتحمل مرض فتحي، لكن البنت دافعت عن نفسها، ولم تقبل أن تكون ضحية، لهذا كان "فتخي" يعود من مغامراته دامي الجسد والنفس: "حاول فتحي اقتحام غرفة ابنته مرتين ثم أصابه اليأس مع كثرة الخدوش في وجهه وسكين الفواكه التي غرستها بتول في كتفه" ص42، وهذا يشير إلى أن سادية "فتحي" كان يمكن إيقافها لو دافعت "نبيلة" عن نفسها، وكان يمكن أن تكون حياتها سوية كباقي الزوجات لو واجهته بحقيقته وعرضته على طبيب نفسي، بمعنى أن سكوت الضحية زاد من عنف الجلاد، وفاقم حجم وشكل الأذى الذي تتعرض له. في نهاية الرواية يكشف "فؤاد كمال الدباغ" معلومات جديدة عن "فتحي" الذي اخذ يتحرش بطالبات الجامعة، لكن ولا طالبة قبلت تقديم شكوى ضد "فتحي" لمركز الشرطة، بسبب (سمعة البنت والفضيحة) التي ستطالها وتلتصق بها، مما يساهم في جعلها (عانس)، وهنا يؤكد السارد أن (سكوت/ قبول) الضحية يزيد السادي مرضا وتوحشا. نهاية "فتحي أبو رمان" جاءت مفاجأة، الموت بنوبة قلبية. بتول شخصية مضطربة، عانت من سلوك والدها الشاذ، لكنها كانت (تفرغ) ما بها من ضغط من خلال الرقص، من هنا وجدناها تقوم بالرقص (بشكل جنوني): "لما تموت بدي أرقص على قبرك" ص44، حتى أن القارئ في بداية الرواية أعتبر سلوكها/ رقصها نوعا من الجنون، قبل أن يعرف أسباب هذا الرقص ودوافعه. يعرفنا السارد على مراحل مرضها واضطرابها الذي بدأ في مرحلة الطفولة: "جاءت بتول لترضع، كان حليبها قد جف وثدياها ينزان دما... اخترقت رائحة الدم أنف بتول. امتنعت عن الطعام عدة أيام، ثم بدأت بتناول بودنج الحليب بالكراميل والسيريلاك، وحتى عندما كبرت وصارت فتاة مراهقة ظلت مدمنة على طعام الأطفال، ولم تنس يوما تلك الرائحة ولا المشهد الذي شاهدته من فرجة باب غرفة النوم، منظر عملاق يفترس امرأة ضئيلة الجسم يتناثر منها الدم والحليب... كرهت أبانها منذ ذلك اليوم" ص35، نلاحظ انعكاس سلوك الأب الشاذ على الابنة، مما جعلها تعاني نفسيا، لكن ليس بمستوى حالة الأب المزمنة، ولا بطريقة تعامل أمها "نبيلة" فهي تعارض الجلاد وعنفه، وتقف ضد سلوكه، لهذا أرادت أن تكون: "ممحاة، وأمسح كل قصص الغيلان" ص36، وهذا يشير إلى إيجابية ردت فعلها، (وتصحيح الأخطاء) التي جرت مع أمها وتجري معها. مع نضجها جسديا وفكريا، أخذت تتعرف أكثر على طبيعة مرض (والدها) فعرفت الهدف من وراء تسميتها "بتول": "أبوها يريدها عذراء إلى الأبد ولنفسه فقط" ص43، وعرفت أن انفها الطويل الذي يشوهها يضاف إلى المشاكل التي تعاني منها: "كرهت انفها كلما نظرت في المرآة لأنه يذكرها بوجه أبيها" ص43، وهذا نعكس على سلوكها، فقد نجحت في (تجاهل) طول أنفها: "ـ يجب أن تقومي بتجمل أنفك يا بتول أنا أشتغل بدماغي وليس بأنفي" ص61، وركزت على التخلص من عقدتها النفسية، العقدة التي سببها تحرش (والدها) بها، وسلوكه الشاذ مع أمها ومع أخواتها، فنجد ردت فعلها بعد موته مباشرة: "راح زي الكلب ليش تبكي عليه" ص46، هذا ما همست به لأمها الباكية، فكلامها يظهر انسجامها مع مشاعرها تجاه وحشية الأب وقسوته وشذوذه. تلجأ "بتول" إلى عرافة لتعرف ما يخبئ لها المستقبل: "سوف تتزوجين رجلا من بلاد بعيدة، وعندما تقترب الراقصة من حبيبها سوف يسحق صدرها الرجل البرتقالة، وعندما تسقطين من السماء سوف يأخذ رجل الثلج أنفك ويعطيك وأحدا أجمل وبعدها سوف... تنجبين طفلا يحمل أنف أبيك، وقبل أن يتعلم المشي سوف تموتين..." ص146و 155، هذه اللغز، تم نثره في الرواية، وعلى شكل مقاطع مجزأة تتنامى مع الأحداث، بحيث بدت ـ أحيانا ـ وكأنه هلوسات، لكن السارد يأخذ في كشف أحداث الرواية وتنامي أحداثها، بحيث يتعرف القارئ على (جنون/ الفانتازيا) التي بدأت بها الرواية، من سقوط الطائرة في منطقة ثلجية، ونجاة بتول وعلاء. يضيف "فؤاد كمال الدباغ" الذي يكشف أهم سر في الرواية، وأنه الأب الحقيقي "لبتول" التي حملت بها "نبيلة" بعد أن التجأت إلى "فؤاد" الذي نام معها مرتين، وكانت ثمرت ذلك "بتول"، فبدا قول وفعل "فؤاد" وكأنه عقاب/ قصاص "لفتحي" الذي آذى زوجته جسديا ونفسيا وأسريا، "فتحي" الذي تحرش بالفتيات وأردهن كجواري يستمتع بهن، فجاءه القصاص من حيث لا يدري، وفعل بزوجته ما فعله هو بالأخريات، لكن، كان الفعل برضاها، ولم تكن مكره. صورة الأب وإذا ما توقفنا عند شخصية الأبوين "فتحي وفؤاد" سنجدهما شاذين، خائنين، الأول كان مكشوفا لزوجته ولأسرته وحتى للآخرين، والثاني خان زوجته، واستغل حالة "نبيلة" الصعبة ومارس الجنس معها، فكان يفترض به صون الأمانة ولا يستغل حالة "نبيلة" التي لجأت إليه وهي في أصعب الظروف، لكنه خان الأمانة وانزلق نحو شهوته، لتكون له بنت تنسب لرجل غيره ويعاملها بطريقة سادية وشاذة، بنت لا تعرف أباها الحقيقي إلا هو يحتضر: "والآن يا كمال أنا أقترب من الموت، وأريد منك أن تبحث عن أختك وتطلب منها أن تسامحني" ص174، وهذا يؤكد الصورة السلبية للأب، ففي الأدب العربي غالبا ما يأتي الأب بهذه الصورة القاسية، فيتم التوقف عند سلوكه القاسي، أو يتم تغيبه لكون نكره، وفي رواية "وأختفى أنف أبي" نجد الحالتين، السلوك القاسي، والغياب معا. وبما أن الرواية تتحدث عن أمراض نفسية، "فتحي وبتول" فإن طريقة تقديم الأب السلبي "فتحي وفؤاد" تقودنا إلى عقدة أوديب، عقدة الكترا التي طرحها فرويد في تحليله النفسي، فجات الشخصيات الذكورية الرئيسة سلبية، بينما قدمت النساء كضحايا "نبيلة، وبناتها، طالبات الجامعة" وهذا يقودنا إلى تعاطف السارد مع الإناث اللواتي يميل لهن ويتعاطف معهن، من هنا جاءت نساء الرواية كضحايا أكثر منهن بحالة سوية/ طبيعة. السرد الروائي يتم سرد الرواية من خلال السارد العليم/ الخارجي، لكن في أخر فصل (45) "اعترافات الأستاذ فؤاد كمال الدباغ" نجد صيغة "أنا السارد" فبدا وكأن سارد الرواية تعاطف مع "فؤاد" الذي حاول التكفير عن خطيئته/ ذنبه معترفا ما جنت يداه، وهذا يشير إلى أن السارد (يصفح/ يسامح) المخطئين إذا ما تابوا، فجاءت المسامحة التي مُنحت "لفؤاد" من خلال منحه حرية الكلام، كمؤشر على هذه المسامحة/ الصفح. الرواية من منشورات إبييدي، الإسكندرية، مصر، الطبعة الأولى 2025.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرنتيسي يكرس لغة سردية مختلفة في روايته -بقايا رغوة-
-
الشاعر المنتمي في زمن المحو: قراءة في كتاب -أكتب موتي واقفاً
...
-
الفوتوغراف في كتب على مد البصر صالح حمدوني
-
التجديد النقدي في كتاب - الإنقاص البلاغي: المفهوم والتطبيق-[
...
-
الاشتعال والانطفاء في سيرة -تحت ظل خيمة- مهند طلال الأخرس
-
الصراع الاجتماعي والاحتلال في رواية -شرفة الرمال- منى بشناق
-
-أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر، دفاتر ليليات- ياسمين كنعا
...
-
المثقف
-
التألق في مجموعة من تحت الركام كاملة صنوبر
-
الأدب المنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الأدب والمنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الإيمان في -يا رب الأرباب- أمين الربيع
-
الشكل والمضمون في مجموعة -ما وراء الغموض- أحمد دياب
-
كتاب -كن جرينا- همام الطوباسي
-
المنطقة العربية في رواية اشتباك حسين ياسين
-
التخفي في قصيدة -متى تصفو السماء- سامي عوض الله البيتجالي
-
رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
الشكل والمضمون في رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
لصوت الندي في ميزان النقد: هل يعكس النقد شخصية الناقد؟ فراس
...
-
-من غزة إلى الشتات... نقش فلسطيني يجمع أطياف الشعر- تقرير: ف
...
المزيد.....
-
سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل
...
-
افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن
...
-
-شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
-
افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن
...
-
سطو -سينمائي- بكاليفورنيا.. عصابة تستخدم فؤوسا لسرقة محل مجو
...
-
فيلم -ني تشا 2-.. الأسطورة الصينية تعيد تجديد نفسها بالرسوم
...
-
تعاطف واسع مع غزة بمهرجان سان سباستيان السينمائي وتنديد بالح
...
-
-ضع روحك على يدك وامشي-: فيلم يحكي عن حياة ومقتل الصحفية فاط
...
-
رصدته الكاميرا.. سائق سيارة مسروقة يهرب من الشرطة ويقفز على
...
-
برتولت بريشت وفضيحة أدبية كادت أن تُنسى
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|