|
البؤس العربي في رواية -آرام- فاطمة محمد الهلالات
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 03:22
المحور:
الادب والفن
في الآونة الأخيرة وجدت أن هناك تفوقا في أدب النساء، فأعمالهن يتجاوزن ما يطرحه الكتاب في أعمالهم، رواية "آرام" نموذج لهذا التفوق، فالسرد يبدأ وينتهي دون فصول/ أجزاء، وهذا يذكرني بروايات "أقدم الخطايا" لكمال خلف، "وبلاد البحر" لأحمد رفيق عوض، وهذه الطريقة في التقديم قلة من يستخدمها في الأعمال الروائية، واللافت في الرواية أن الكاتبة تنحت جانبا، وأعطت السارد العليم حرية الحديث عن بطل الرواية "يوسف" حتى أن القارئ لا يشعر بوجود أنثى، وهذه الحيادية تحسب للرواية التي جاءت مترعة بالأفكار والحكم والأسئلة، وهذا ما سهل على القارئ تناولها، فهي رواية فكرية أكثر منها رواية شخوص. بؤس الشرق تتحدث الرواية عن "يوسف" الذي يترك الشرق وما فيه من قسوة وألم متجها إلى الغرب وما فيه من حياة، مبدي ألم المواطن العربي الذي يعيش جحيم الشرق: "أضحينا نتقيأ أحلامنا على ذات الوسادة كل مساء، ونصحو متعبين من كوابيس المنام لنحلم في النهار أحلام اليقظة، الأحلام التي كنا نظن أنها ستجبر كسرنا، ولكنها لم تكس أجسادنا العارية إلا بالوجع" ص78، نلاحظ أن السارد يتجنب الخوض في تفاصيل ألمه/ وجعه، وهذا يحسب للرواية التي وسعت حجم الألم، بحيث يجد القارئ الوجع المادي/ الاقتصادي، والوجع السياسي/ الحريات، والوجع القومي/ العزة والكرامة التي يفتقدها المواطن العربي. وإذا عدنا إلى المقطع السابق سنجد أن هناك ذكر للحلم/ للأمل، فالحلم العربي متعدد الجوانب، وهذا يعود إلى كثرة الأوجاع/ الآلام التي يعيشها، مما يجعله يلجأ إلى الحلم: "عليك أحيانا أن تزمل خيباتك بأحلام اليقظة، كي تعيش" ص101، وهذا التكرار يشير إلى بؤس الواقع الذي يعيشه "يوسف" الذي أخذ ينظر إلى الحياة، إلى الماضي والحاضر والمستقبل (كأحلام): "وأنا كل ما فيّ أحلام، ماضيّ وحاضري، حتى مستقبلي أحلام" ص41، وهذا يشير إلى هروب المواطن العربي من الواقع المرير إلى عالم الخيال/ الحلم/ الأمل حتى لو كان هذا الأمل كذبة/ وهم، المهم بالنسبة للمواطن الخروج من بؤسه بأي طريقة كانت. البؤس السياسي من أشكال البؤس العربي، موت الأحزاب والتنظيمات (الثورية) التي أصبحت مرتع للانتهازيين والوصوليين الذي قتلوا الأحزاب والتنظيمات، فأمست جثث حية كحال المواطن العربي، يحدثنا "يوسف" عن هذا البؤس: "وجلعوا من ظهري سلما، ليصعد عليه بعضهم، في عالم يصد فيه كل واحد علة ظهر غيره، فبقي الجميع في القاع، ولم يصل إلى القمة أحد... وسجينا لأحلامه الساذجة المحاربة، ولما هو موروث، ولما قالوا وأجب ومفروض... حتى أعتاه الزحف، نسى كيف يطير" ص50، في هذا المقطع يختزل "يوسف" كل التنظيمات والأحزاب في المنطقة العربية، الاحزاب القومية واليسارية والوطنية، دون أن يسميها أو يحدد طبيعتها الفكرية، فالكل دون استثناء لم يعد له فاعلية على أرض الواقع، وأصبح تأثيره على الجماهير محدود، وما حرص التنظيمات الفلسطينية على رفع راياتها التي تفوق رفع العلم الوطني إلا مؤشرا على ضعفها وخفتان حضورها، لهذا تريد تعويض ذلك من خلال (إشهار) راياتها. إذن البؤس العربي متعدد الوجوه، فحتى الحياة الكريمة مفقودة في أقطارنا العربية، فالحريات منتهكة، وأدوات التغيير ضعيفة أو ميتة، والحكومات قمعية، والجماهير مغيبة، وهذا ما جعل الموت أرحم لنا من هكذا حياة: "وماذا يعني الموت؟! لم يبق ما هو مؤلم... ربما نغادر الحياة باكرا، ولم تتذوق من طعم أحلامك المؤجلة شيئا" ص109، بعد موت الأحزاب، الأمل العربي انتهى ولم يعد له وجود، فضعف/ فقدان أداة التغيير، يعني ضياع الأحلام/ آمال المثقفين الثوريين الذين أفنوا حياتهم في خدمة للحزب/ للتنظيم، فأمسوا بلا حلم/ بلا هدف/ بلا أداة تساعدهم على مواصلة الحياة،/ النضال، لهذا أصبح الموت أرحم لهم من حياة بلا هدف، بلا أمل، بلا غاية، بلا وسيلة من هنا نجد هذه الرؤية السلبية: "نحن البشر بارعون في هدم الحضارات أكثر من بنائها" ص127، وهذا ما يزيد من بؤس الواقع والمستقبل، فحتى الأفكار أمست سوداء تخدم فكرة الهدم والخراب: "ستجري عمرا خلف وهمك، أنت ما كنت تطارد إلا السراب" ص141، ونلاحظ تسارع الانزلاق وتواصله، فلم يعد ما هو مغري في الحياة، حتى لم يعد هناك مبرر للبقاء فيها: "ونحن متى حيينا كي نموت؟!" ص150، فالموت الحزبي/ التنظيمي السياسي يعني الموت لكل مع هو وطني/ قومي، وهنا نصل إلى القاع، إلى الحضيض، فعندما يموت المثقف الثوري يموت الشعب/ الأمة ولا يبقى إلا الخراب، وهذا ما نعيشه الآن ونحن نشاهد العالم ينتفض احتجاجا على الإبادة في غزة، والعرب، دول وحكومات، أحزاب وتنظيمات وشعوب، نائمة نوم أهل الكهف. المرأة تكاد أن تكون الرواية خالية من وجود النساء، حتى صفحة 120عندما عمل "يوسف" في إحدى الشركات كسائق، ويتعرف على "آرام" التي تأتيه في الحلم قبل أن تكون حقيقة في المحكمة "آرام مؤمن" وتشهد لصالحه ضد "أبو حسن وغيث" يكتب لها ما يشعر به: "أنا حقا لا أدري إن كنت حقيقة أو سرابا أو وهما أو حلما، أو كنت شيئا أو بشرا. ولكني...كانت لي أمنيات، من عمر غابر، طواها اليأس، وخطفها النسيان...وأنا كبرت... كبرت، وما عدت أعاتب أو ألوم" ص129، في هذا المقطع يؤكد السارد دور المرأة كعنصر تخفيف، يلجأ إليه الرجل وقت الشدة، وقت الضغط، ليتخلص/ لتخفف عنه شيئا من القسوة التي يمر بها ويتعرض لها. وإذا علمنا أن هذا المقطع جاء من خلال (كتابة في الحلم) نكون أمام عنصر ثاني من عناصر التخفيف، وبهذا يكون السارد قد تناول عنصرين من عناصر التخفيف، المرأة والكتابة". "يوسف" يتقدم أكثر في كشف همومه "لآرام" متناولا جوانب من هذا البؤس الذي مر به: "وما عدت أنتظر...أنا مقتول جاء من ماضي لا يصلح لإغواء.. ماضي عج بالراحلين والمفقودين، يبحث عن فرح يؤويه، حتى تغب منه البحث...وأضناه الفقد... وأتخموني بالعوز والبؤس...وشدو وثاقي فقدي حتى نزفت دما مترعا باليأس...أنا متعب موجوع...أبحث عن راحة من وجعي... وتعب من حلمي...وأنا أنأى من وجع وأصبأ في وجع...فأحلام فرحي لم تحك لي إلا عنك يا "آرام"" ص130و131، رغم حديث "يوسف" عن ألمه/ وجعه/ قهره إلا أنه أبقاه مخفيا، غير محدد، لكن نلمس فيه ما هو شخصي "الفقد والراحلين" وما هو اقتصادي/ العوز والبؤس، وما هو قومي تحرري/ وشدو وثاقي" فعدم تحيد البؤس/ الوجع/ القهر يعطي القارئ فضاء أوسع ليفكر في طبيعة ما مر به يوسف، وهذا بالتأكيد يجذب المتلقي الذي يشارك يوسف همومه/ أوجاعه، فبدا وكأنه يتحدث نيابة عن القارئ. الأسئلة الرواية موجهة أساسا للمثقفين الذي يهتمون بالفكر، وبما أن الأدب الجيد هو الذي يقدم أسئلة، تثير المتلقي وتجعله يتوقف عندها متأملا، ليعرف حقيقة وطبيعة واقعه، فقد طرح السارد مجموعة من الأسئلة، منها ما هو متعلق بأهمية المجتمع المدني، المجتمع المتعدد والمتنوع: "لماذا نقحم أنفسنا في الآخرين وفي معتقداتهم! في تفاصيل حياتهم! وحتى في رغباتهم؟! ونحن نعلم جيدا أننا على الأرض مختلفون في ذلك؟!" ص62. ولأهمية فكرة التعدد والتنوع في بناء المجتمع المدني الحضاري يُطرح هذا السؤال: "ترى لماذا يتعايش شعب مختلف الأصول والأديان بسلام في مكان ما، وتقوم بهم حضارات؟! وتعجز عنه شعوب يسري في عروقها دم واحد؟!" ص103، الإجابة بالتأكيد تدين الأفراد، والأحزاب والتنظيمات، والمجتمع والشعب والأمة، والحكومة والدولة نفسها، فحالنا البائس نتحمل مسؤوليته جميعا. وجاء هذا السؤال: "ما جدوى أسئلتنا العقيمة، إن نسينا أننا خلقنا مختلفين لنتكمل؟! وما جدوة أن نكون متشابهين؟!" ص184، كخاتمة لأهمية التعدد في بناء المجتمع المدني، فالتعدد يعد قوة للمجتمع/ للأمة/ للدولة هذه حقيقة نجدها في كل المجتمعات التي ازدهرت قديما والمزدهرة حديثا، من الفينيقيين مرورا بالرومان، بالعرب، وصولا إلى الأوروبيين والأمريكان اليوم. وهناك أسئلة متعلقة بطبيعة الأفراد وأشكالهم: "ترى هل جمال أرواحنا بألواننا، أو بأعراقنا، أو بما نملك؟!" ص93. الحكم بعد الأسئلة يقدم لنا سارد الرواية رؤيته كمثقف للحياة، فيختزل تجربته من خلال أقول/ حكم نثرها بين صفحات الرواية، من هذه الحكم: "عليك أحيانا أن تقطع تعلقك بشخص، أو بشيء، أو بفكرة ما، لتوقف نزيف الألم والأمل" ص25، "السعادة أن تعرف كيف نتقاسم كوب الشاي بغبطة وود" ص52، "إياك أن تنفي سنينك في انتظار تغير من لا يشبهونك" ص149، "ما جدوى الحياة إن لم تثق بأحد؟!" ص151، "أن الناجين من الضربات القاتلة أصبحوا أكثر قوة" ص168، "كن إنسانا أيا كان مذهبك" ص191، إذا ما توقفنا عند هذه الأقوال سنجدها متعلقة بالعديد من جوانب حياة الفرد، الشخصية/ العادية، حياة المثقف الثوري الذي يسعى للتغيير، وأيضا يمكننا أسقاطها على المجتمع/ الشعب/ الأمة، فهي تصلح للأفراد، وللأحزاب، وللمجتمع. الرواية من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، الطبعة الأولى 2022.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السادية في رواية -واختفي أنف أبي- خليل ناصيف
-
الرنتيسي يكرس لغة سردية مختلفة في روايته -بقايا رغوة-
-
الشاعر المنتمي في زمن المحو: قراءة في كتاب -أكتب موتي واقفاً
...
-
الفوتوغراف في كتب على مد البصر صالح حمدوني
-
التجديد النقدي في كتاب - الإنقاص البلاغي: المفهوم والتطبيق-[
...
-
الاشتعال والانطفاء في سيرة -تحت ظل خيمة- مهند طلال الأخرس
-
الصراع الاجتماعي والاحتلال في رواية -شرفة الرمال- منى بشناق
-
-أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر، دفاتر ليليات- ياسمين كنعا
...
-
المثقف
-
التألق في مجموعة من تحت الركام كاملة صنوبر
-
الأدب المنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الأدب والمنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الإيمان في -يا رب الأرباب- أمين الربيع
-
الشكل والمضمون في مجموعة -ما وراء الغموض- أحمد دياب
-
كتاب -كن جرينا- همام الطوباسي
-
المنطقة العربية في رواية اشتباك حسين ياسين
-
التخفي في قصيدة -متى تصفو السماء- سامي عوض الله البيتجالي
-
رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
الشكل والمضمون في رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
لصوت الندي في ميزان النقد: هل يعكس النقد شخصية الناقد؟ فراس
...
المزيد.....
-
باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي
...
-
آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى
...
-
آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
-
ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق
...
-
دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
-
جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي
...
-
أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس
...
-
-جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
-
ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
-
روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|