أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - حانَ الآنَ وقتُ السُباتِ العميق














المزيد.....

حانَ الآنَ وقتُ السُباتِ العميق


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 16:49
المحور: سيرة ذاتية
    


عماد عبد اللطيف سالم (آذار/مارس 1951- تشرين الثاني/ نوفمبر 2025).
أنا الآنَ على أعتابِ الخامسةِ والسبعين.
كنتُ أعتقِدُ أنّني لن أبلُغَ الثلاثينَ أبداً.
في أيلول 1980 اقتادوني إلى الحربِ العراقيّةِ- الايرانيّة.
قُلتُ لنفسي يومها: لقد تحقّقَت النبوءة.. ستموتُ أيها "الفتى" حتماً في عام 1981.
وها أنا ذا اليوم.. في السابعةِ والنصف منَ العُمر، للمرَّةِ العاشِرة.
أرى الأشياءَ بالكاد، وأسمعُ الأصواتَ بالكاد، ومعَ ذلكَ فإنّ الكثيرَ من أسناني "اللَبَنِيّةَ" لم تسقُط بعد.
يا لهُ من عَيب، أن تكونَ طِفلاً منذُ البدايات، وأن تبقى طفلاً إلى الأبد.
وقبلَ أن يحينَ أوانُ "فطامِكَ" الجائر..
ها أنت..
تَعلِكُ صُبَّيرَ الأيّامِ وحدك.. مثلَ حصانٍ عتيق.
كنتَ تُكابِرُ دائماً، في سعيٍّ حثيثٍ ومستحيلٍ للتعايُشِ مع "الأنظمةِ" الكاذِبة، وأكاذيبِ "الثورات".
كنتَ تُكابِرُ دائماً، في سعيٍّ حثيثٍ ومستحيلٍ للتعايُشِ مع تعاقُبِ الأزمنةِ "الرديئةِ" و"غيرِ الرديئةِ"، إلى أن أصبحَت الرداءةُ مُستدامَةً، وما عادَ بوسعكَ التعايُشَ مع هذا "الكَمِّ" الهائل من "الرثاثة" التي تُصادِرُ الجَمالَ والفَرَح، ولا مع هذا "النَوعِ" الشائِعِ من "التفاهةِ" التي تأكُلُ الروح.
كنتَ تُكابِرُ دائماً، في سعيٍّ حثيثٍ ومستحيلٍ للتعايُشِ مع كَمٍّ هائلٍ منَ الهَمِّ الشخصيّ، والهَمِّ العام.
الكثيرُ منَ الهمومِ "الشخصيّةِ" ثقيلةٌ لا تُطاق.
والهَمُّ "العامُّ" مُرٌّ وكثيفٌ وخانِق.
و"الفتى" لم يَعُد "حَجَرٌ" لِيَلُمَّ "الحوادثَ" عنهُ وعَن غيرِه.
لقَد تَعِبتُ.. تَعِبتُ كثيراً.. تَعِبتُ جدّاً.
وعِشتُ كثيراً، وسَئِمتُ تكاليفَ عَيشي الكثيرةَ.. سَأمتُها جدّاً.
تعِبتُ من أخطائي التي لا تُغتَفَرُ ولا تُنسى، وأهمُّها تلكَ التي اقترفتها بحقِّ نفسي وأهلِ بيتي.. وسَئِمتُ أكثرَ من تعبي- الرخيصِ- الساذِجٍ جدّاً- الذي كنتُ أعتقِدُ أنّني أبذُلُهُ بإخلاصٍ مجانيّ، لبلدي وللآخرين.
الكتبُ قرأناها، والكلماتُ التي كان بوسعنا كتابَتِها، كتَبناها.. والأحلامُ انتَهَت.
وفي الأمتارِ الأخيرةِ من "سباقِ المسافاتِ الطويلةِ" هذا، لم يبقَ "عرّافٌ" ولا "عارِفٌ" ولا "قارِعُ طَبلِ" ولا "نافِخُ بوقٍ"، ولا نذلٌ تتعدّدُ في نذالتهِ الأبعادُ كُلّها، ولا "شِسعَ نَعالٍ" ضئيل، لم يضحَك علَينا، ويزدَرينا، ويدوسُ علينا بملءِ فَمِهِ، وبكاملِ يديهِ و رِجليهِ وبندقيّتهِ وفأسهِ المُقدّسة.
وفي نهايةِ هذهِ "المتاهةِ" الظالِمة، لم تَعُد هذهِ البلادُ بلادي.
"هذهِ البلادُ ليست بلادي.. ويبدو أنّها لم تَكُن منذُ زَمانٍ بعيدٍ بلادي، ولا الذي أراهُ فجرَ كُلَّ يومٍ بلادي، ولا الأرضُ التي تصفَرُّ الآنَ تحتَ خُطانا بلادي".
"كانَ لي بلدٌ وحيدٌ، أخضَرُ، بهواءٍ نظيفٍ، وماءٍ غيرُ آسِن، وقد تركتهُ خلفي ومضيتُ إلى "حروبٍ" لا أعرفها، وإلى رمادٍ يغمُرُني بالسَخام، حيثُ لا أعرفُ مدينةً أو شارِعاً أو وجهاً، ولا أعرفُ طريقَ الرجوع". (*)
وبعدَ الحَفرِ لوقتٍ طويلٍ في هذا الغابِ الحَجَريّ، بيديَّ العاريتَين، كانَ هُناكَ "شيءٌ" من الجدوى منَ العَيش.. هذا أكيد.. ولكنّ الحصادَ كانَ شحيحاً، وغيرُ "مُتناسِب"، ويشوبهُ الكثيرُ من "الخُذلان"، بل وكانَت حصيلةُ "البَيدرِ" بكُلِّ ما فيه، جاحِدةٌ جدّا.
ليُكابِرُ من يُريدُ أن يُكابِر، فهذا شأنُه.
أمّا "أنا".. فقد نفَدَت قُدرتي على الاحتمال.. وآنَ الأوانُ الآنَ للكَفِّ عن ذلكَ "الطَيشِ".
سأترُكُ "الأمانةَ" (أيّاً كانت) لأولئكَ "الظَلومينَ- الجَهولينَ" القادِرينَ على حَملِها دونَ شكوى.
لقد انتهى "دَوري" الآن.
انتهى وقتُ "الدُبِّ" المُثابِرِ و"الدَياسمِ" الكسولَةِ..
وجَفَّت الأنهرُ.. و رَحَلَ "السَلَمونُ" المُرقّطُ وغيرُ المُرقّطِ..
و حانَ الآنَ وقتُ "السُباتِ" العميق.

(*) هذانِ المَقطَعانِ المكتوبانِ(بين هِلالَين صغيرَين مُزدَوَجَين) منقولان (بتصَرُّف) عن رواية "النبطي" لـ يوسف زيدان.



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دونَ هَسيسٍ منَ اللَمسِ في غُرفةٍ ساكتة
- لا تُتعِب نفسكَ كالحصانِ القديم في ليلةٍ باردة
- الطَمَسانُ العميقُ في وادي الوَحلِ هذا
- رغمَ الذئابِ الكثيفة.. يحلَمُ الحِملان.. بربيعٍ قادمٍ لامحال ...
- موجَز تاريخ الماء من بغداد إلى البصرة
- عراق أحمد و سانت ليغو محمود ودولة السيّد حامد
- عراق أسكيمو
- الاعمار والتنمية ما قبلَ الانتخابات وما بعدَها
- نحنُ المحدودونَ ذوو الأحلامِ الواسعة
- ترجيحات حول الجهات الرئيسة المُتحكِّمَة بصنع السياسات العامة ...
- إذا ضامَكَ الضَيم.. تذَكّر أيامَكَ الضاحِكة
- البديهيّاتِ المُرة في العراقِ المُرّ
- وقائع عراقيّة عجيبة من التاريخ الراهن للعراق العجيب
- العراق ومصالِح العراق وإشكاليّات وضع العربة أمامَ الحِصان
- إلى أينَ سيأخُذُ هؤلاء هذا العراق؟
- حقائقُ الاقتصادِ موجِعةٌ جدّاً
- تركيا والطريق والتنمية والماء
- يا دِجلةَ الخَير.. يا أُمَّ البساتينِ
- نوستالجيا بغداد والعطيفيّةِ الثانية
- رئاسة الجمهورية في العراق: الصلاحيات، الواجبات، النفقات


المزيد.....




- وفاة 4 بعائلة واحدة بإسطنبول خلال عطلة والشرطة تحقق.. ماذا ن ...
- دونالد ترامب سـ-يُشجّع- عمدة نيويورك: أبرز النقاط من لقاء ال ...
- ترامب وممداني.. ترحاب مجاملات بعد اجتماع بالبيت الأبيض
- بعد التصريحات المثيرة للجدل لرئيس أركان الجيش... هل تواجه فر ...
- فرنسا: مجلس النواب يرفض أجزاء من مشروع موازنة 2026
- أحد آباء الذكاء الاصطناعي يترك -ميتا- ليؤسس شركته الخاصة
- الشرطة البرازيلية تعتقل بولسونارو
- هجمات روسية أوكرانية متبادلة بالمسيرات وبوتين يمتدح خطة ترام ...
- من الشاشات إلى جوائز الغرامي.. صعود أسطوري لفرقة -كاتساي- ال ...
- أربعة صغار فهود تبصر النور في حديقة حيوانات سميثسونيان الوطن ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - حانَ الآنَ وقتُ السُباتِ العميق