|
|
«الفراغ العظيم: انهيار النظام الإمبريالي وإمكانية العالم الجديد 2025»
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 15:05
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مقدمة :
هذا الكتيب ليس تقريراً إخبارياً ولا تحليلاً أكاديمياً محايداً. إنه استشرافٌ ثوريٌ يُكتب في قلب العاصفة، في اللحظة التي يتداعى فيها نظامٌ عالميٌّ كاملٌ دون أن يظهر البديل بعدُ بوضوح، في اللحظة التي يصبح فيها الفراغ نفسه قوةً تاريخيةً، والصمت بين انهيارين صوتاً مدوّياً يدوّي في أذن كل من لا يزال يؤمن بأن التاريخ لم ينتهِ.
يستمد هذا الاستشراف أسسه النظرية من التراث الماركسي الكلاسيكي، لكنه لا يقف عنده. يستند إلى لينين في تحليله للإمبريالية كأعلى مراحل الرأسمالية، وإلى روزا لوكسمبورغ في فهم التراكم بالنزع كمحركٍ للتوسع الإمبريالي، وإلى تروتسكي في رؤيته للتنمية غير المتكافئة والمجتمعة، وإلى غرامشي في مفهوم الهيمنة والحرب الوضعية، لكنه يتجاوز كل هؤلاء ليستقر على أكتاف عملاقٍ واحدٍ من القرن العشرين والحادي والعشرين معاً: سمير أمين.
سمير أمين لم يكن مجرد مفكرٍ ماركسيٍّ آخر. كان مهندساً لنظريةٍ كاملةٍ عن النظام الرأسمالي العالمي كوحدةٍ واحدةٍ، عن المركز والأطراف كوجهين لعملةٍ واحدةٍ، عن التراكم بالنزع كآليةٍ أساسيةٍ للاستغلال العالمي، عن الانفصال كاستراتيجيةٍ وحيدةٍ للتحرر الحقيقي. كان أول من أعلن، منذ السبعينيات، أن الرأسمالية ليست مجرد علاقة إنتاج، بل نظامٌ عالميٌّ يعيد إنتاج التبعية في كل لحظة، وأن الاشتراكية لا يمكن أن تُبنى داخل حدود دولةٍ واحدةٍ أو حتى قارةٍ واحدة، بل تحتاج إلى انفصالٍ جماعيٍّ عن قانون القيمة العالمي. كان أول من رأى أن أوروبا ليست مركزاً طبيعياً، بل نتيجةً تاريخيةً لخمسمائة عامٍ من النهب، وأن آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ليست متأخرة، بل مُفرغةً عمداً.
هذا الكتيب يبني نفسه على هذه الأسس بالضبط. يأخذ مفاهيم سمير أمين، المركز والأطراف، التراكم بالنزع، الانفصال، الإمبريالية الجماعية للثالوث، التنمية الذاتية المركز، ويطبقها على اللحظة التاريخية التي نعيشها في نوفمبر 2025، لحظةٌ لم يعشها سمير أمين جسدياً، لكنه عاشها فكرياً طوال حياته، لأنه كان يعرف أن هذه اللحظة ستأتي يوماً، يوم يبدأ فيه المركز ينهار من الداخل، وتبدأ الأطراف تكتشف أنها لم تعد بحاجةٍ إليه.
لكن الاستشراف لا يتوقف عند سمير أمين. يستلهم أيضاً من والتر رودني في فهمه لكيف تم تخلف أفريقيا، ومن أندريه غوندر فرانك في نظريته عن تنمية التخلف، ومن إيمانويل والرشتاين في رؤيته للنظام العالمي كنظامٍ واحدٍ غير متكافئ، ومن جيوفاني أريغي في تحليله للدورات الطويلة للتراكم الرأسمالي وانتقال الهيمنة، ومن ديفيد هارفي في فهمه للتراكم بالحرمان، ومن فيديريكو فينكلشتاين في نقده للرأسمالية المعاصرة كشكلٍ جديدٍ من الاستعمار. كما يستلهم من تجارب عمليةٍ حقيقيةٍ، من الكومونة الباريسية إلى ثورة أكتوبر، من الثورة الصينية إلى الثورة الكوبية، من تجربة التحرر الوطني في الجزائر وفيتنام وموزمبيق إلى تجارب الاشتراكية الديمقراطية في أمريكا اللاتينية في القرن الحادي والعشرين.
الكتيب لا يدّعي الحياد. إنه موقفٌ سياسيٌ واضحٌ وصريح: نحن في لحظةٍ تاريخيةٍ نادرةٍ يمكن أن تكون بدايةً لتحررٍ حقيقيٍّ للشعوب، أو بدايةً لاستعبادٍ جديدٍ أكثر قسوة. لا مكان هنا للوسطية، ولا للبراغماتية، ولا للقول إن "الأمور معقدة". الأمور ليست معقدة. الأمور واضحةٌ تماماً: إما أن نكمل الثورة، أو أن نُعيد إنتاج الاستغلال بوجوهٍ جديدة.
لذلك فإن هذا الكتيب موجهٌ أولاً إلى الشباب في الأطراف، إلى الطلاب في كراتشي وداكار وبوغوتا، إلى العمال في مصانع شنغهاي ومومباتاسا وسان باولو، إلى الفلاحين في جاوة والبنجاب والأنديز، إلى النساء اللواتي يحملن العالم على أكتافهن في كل مكان. وهو موجهٌ ثانياً إلى الطبقات الشعبية في المراكز القديمة، تلك التي بدأت تدرك أنها لم تكن يوماً جزءاً من المركز، بل كانت أداةً في يده، وأن تحررها مرتبطٌ بتحرر الأطراف.
الكتيب ليس دعوةً للانتظار، ولا للتشاؤم، ولا للإحباط. إنه دعوةٌ للمعركة. لأن المستقبل ليس مكتوباً. إنه معركة. ونحن، نحن الذين نعيش هذه اللحظة، نحن من سيحدد نتيجتها.
1. نهاية «الثالوث الإمبريالي» التقليدي (أمريكا-أوروبا الغربية-اليابان
النظام القديم ينهار أمام أعيننا، ذلك النظام العالمي الذي ولد من رماد الحرب العالمية الثانية في عام 1945، حيث رسم المنتصرون خطوطاً جديدة للقوة والسيطرة، لم يعد موجوداً إلا في الكتب التاريخية والخطب الرسمية التي تحاول إنقاذ مظهر الاستمرارية. كان هذا النظام مبنياً على ثلاثي مركزي يُدعى أحياناً "الثالوث الإمبريالي"، يتكون من الولايات المتحدة الأمريكية كقائدة عسكرية واقتصادية، وأوروبا الغربية كمحرك صناعي ومالي، واليابان كحليفة آسيوية تقنية وتجارية، وكان هؤلاء الثلاثة يديرون العالم منذ سبعين عاماً تقريباً عبر سيطرة مشتركة على تدفقات رأس المال العالمي، وتكنولوجيا الابتكار، ومصادر الطاقة الحيوية، والقوة العسكرية التي تُفرض كضمان للنظام. لم يكن هذا الثالوث مجرد تحالف سياسي، بل كان آلية هيكلية للتراكم الرأسمالي العالمي، حيث تتدفق الثروة من الأطراف الجنوبية والشرقية نحو المركز، وتُعاد استثمارها في صورة قروض وقواعد عسكرية واتفاقيات تجارية غير متكافئة. اليوم، في نوفمبر 2025، ينهار هذا الثالوث ببطء لكنه حتمي، ليس بسبب كارثة مفاجئة واحدة، بل عبر تراكم مؤشرات ودلائل اقتصادية وسياسية واجتماعية تكشف عن هشاشة الهيكل الأساسي، وتؤكد أن السيطرة التي بدت أبدية كانت في الواقع مبنية على أوهام الاستدامة. دعونا نغوص في هذه الدلائل، خطوة بخطوة، لنرى كيف أصبحت الشقوق في الجدار الإمبريالي كبيرة بما يكفي لتسمح بدخول رياح التغيير العالمي. أولاً، انظر إلى الولايات المتحدة، الرأس المدبر للثالوث، التي غرقت في بحر من الديون يتجاوز الـ35 تريليون دولار بحلول نهاية أكتوبر 2025، حيث يقترب الدين الوطني من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتقارير اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس. هذا ليس مجرد رقم، بل مؤشر على أزمة تراكم داخلية عميقة، حيث بلغ العجز المالي 1.74 تريليون دولار للـ12 شهراً الماضية، مما يعكس فشل النموذج الرأسمالي في الحفاظ على التوازن بين الإنفاق العسكري الهائل – الذي يتجاوز 900 مليار دولار سنوياً – والاستثمارات الاجتماعية المتضائلة. الديون هذه ليست مستدامة، إذ أن تكلفتها السنوية في الفوائد وحدها بلغت 1 تريليون دولار في 2025، مساوية لميزانية الدفاع بأكملها، وهذا يضغط على الاقتصاد بطريقة تجعل أي صدمة خارجية – مثل التوترات التجارية مع الصين أو ارتفاع أسعار الطاقة – قادرة على إثارة أزمة مالية كبرى. لكن الانهيار ليس اقتصادياً فقط؛ إنه سياسي واجتماعي أيضاً، يتجلى في الانقسامات الداخلية التي أصبحت أكثر حدة منذ عقود، حيث ينقسم المجتمع الأمريكي بين نخبة مالية متمسكة بالهيمنة الخارجية وبين طبقات واسعة تشعر بالإهمال والغضب من السياسات الإمبريالية التي تُفرغ الخزينة في حروب لا تنتهي. هنا يأتي دليل مذهل على هذا التراجع الداخلي، وهو فوز زوهرام مامداني بعضوية مجلس النواب في نيويورك، لكنه في الواقع فاز بانتخابات عمدة نيويورك في 5 نوفمبر 2025، محققاً انتصاراً تاريخياً كأول مسلم وأول اشتراكي يتولى منصب عمدة المدينة الأكبر في الولايات المتحدة، وهو انتصار لم يأتِ من فراغ، بل من تضامن شعبي واسع مع قضية غزة، متجاوزاً الطبقة السياسية التقليدية والاحتكارات الغربية التي سيطرت على الانتخابات لعقود. مامداني، البالغ من العمر 34 عاماً، لم يفز فقط بسبب برنامجه التقدمي في الرعاية الصحية والإسكان، بل لأن حملته أصبحت رمزاً للرفض الداخلي للمشروع الإمبريالي الأمريكي، خاصة في دعمه الصريح لفلسطين وإدانته للإبادة الجماعية في غزة، مما جذب آلاف المصوتين الشباب والأقليات الذين رأوا فيه صوتاً يتحدى الهيمنة الصهيونية داخل الديمقراطيين أنفسهم. وفقاً لتقارير من الجزيرة ورويترز، فاز مامداني في الانتخابات الأولية في يونيو 2025 بفضل دعمه لفلسطين، وليس رغم ذلك، حيث أظهرت الاستطلاعات أن 70% من الشباب الأمريكيين في نيويورك يدعمون وقف الدعم العسكري لإسرائيل، وهذا التضامن لم يكن مجرد شعارات، بل ترجم إلى مشاركة انتخابية قياسية بلغت 65%، معظمها من أحياء متنوعة عرقياً حيث اندلعت احتجاجات غزة في 2024-2025، محولة الغضب من السياسة الخارجية إلى قوة انتخابية داخلية. هذا الفوز ليس حدثاً محلياً؛ إنه مؤشر عالمي على تراجع الهيمنة الأمريكية داخل حدودها، حيث كشف عن شقوق في التحالف اليهودي-ديمقراطي التقليدي، كما أشارت رويترز في 9 نوفمبر 2025، مع اتهامات من اليمين الصهيوني لمامداني بالمعاداة للسامية، بينما احتفل اليسار العالمي به كدليل على أن الرأي العام الأمريكي تغير جذرياً بعد عامين من الإبادة في غزة، حيث أصبح 55% من الأمريكيين يرون إسرائيل كقوة عدوانية وفقاً لاستطلاعات موندوييس في أكتوبر 2025. في نيويورك، المدينة التي تمثل قلب الاحتكارات المالية الغربية، أصبح مامداني رمزاً للتمرد الداخلي، حيث وعد بإعادة توجيه ميزانية المدينة نحو البرامج الاجتماعية بدلاً من الدعم للشركات الكبرى، وهذا يعكس كيف أن تضامن غزة – الذي شهد ملايين المتظاهرين في الشوارع الأمريكية منذ أكتوبر 2023 – أصبح قوة سياسية تتحدى الإمبريالية الأمريكية من الداخل، محولاً الغضب من السياسة الخارجية إلى حملات انتخابية ناجحة، كما حدث في فوزه الذي أثار احتفالات في اليسار العالمي وإدانات من إسرائيل، حيث دعا وزير إسرائيلي اليهود الأمريكيين إلى الهجرة إلى إسرائيل خوفاً من "التغيير"، كما ذكرت واشنطن بوست في 5 نوفمبر 2025. هذا التمرد الداخلي ليس معزولاً؛ إنه جزء من موجة أوسع من الاحتجاجات التي غيرت الرأي العام، حيث أفادت منظمة العفو الدولية في أبريل 2025 بأن "التأثير ترامبي" – أي الاستبداد المتزايد – أدى إلى قمع الاحتجاجات، لكنه لم يوقفها، بل عززها، مع حملات مثل "مشروع إستير" الذي كشفته الجزيرة في مايو 2025 كدليل على محاولات الاحتكارات لقمع النشطاء المؤيدين لفلسطين قانونياً وسياسياً ومالياً، مما يؤكد أن النظام القديم يفقد قبضته حتى على أدوات القمع الداخلية. الانقسام هذا يمتد إلى الطبقات الاجتماعية، حيث أظهرت تقارير أد إل في نوفمبر 2025 كيف أن الاحتجاجات الطلابية العالمية، بما في ذلك في الولايات المتحدة، أعادت تشكيل السياسة الفلسطينية، محولة الجامعات إلى ساحات للصراع ضد الإمبريالية، وفي نيويورك تحديداً، ساهمت حملة مامداني في تجنيد آلاف المصوتين الجدد من الشباب الذين رأوا في غزة مرآة للظلم الداخلي، مثل التمييز العنصري والفقر في الأحياء السوداء واللاتينية، مما يجعل فوزه دليلاً حاسماً على أن الهيمنة الأمريكية تواجه تمرداً من أسفل، يهدد بتفكيك الثالوث من الداخل قبل أن ينهاره من الخارج. هذا التراجع الداخلي يتزامن مع ضعف خارجي واضح، حيث أصبحت الولايات المتحدة أقل قدرة على فرض عقوباتها العالمية، كما رأينا في فشل حملاتها ضد روسيا والصين، لكن دعونا ننتقل الآن إلى الجزء الأوروبي من الثالوث، حيث تكمن الدلائل الأكثر إلحاحاً على الانهيار، خاصة في ألمانيا، الدولة الصناعية الأكبر في أوروبا، التي دخلت في ركود طويل الأمد يُعد الأطول منذ سبعة عقود، وفقاً لتقارير المعهد الاقتصادي الأوروبي في أكتوبر 2025. بعد عامين من الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي، يُتوقع للاقتصاد الألماني نمواً ضئيلاً بنسبة 0.2% فقط في 2025، مع توقف شبه كامل في الربع الثالث، كما أكدت المفوضية الأوروبية في توقعاتها الأخيرة، وهذا الركود ليس عرضياً، بل نتيجة مباشرة لفقدان الإمدادات الغازية الرخيصة من روسيا بعد تفجير خطوط "نورد ستريم" في سبتمبر 2022، الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف الطاقة بنسبة تصل إلى 300% في القطاعات الصناعية مثل السيارات والكيماويات، مما أضعف القدرة التنافسية الألمانية بشكل دراماتيكي. التفجير هذا، الذي أدى إلى اعتقال رجل أوكراني في إيطاليا في أغسطس 2025 كمشتبه به بقيادة العملية، لم يكن مجرد حادث، بل ضربة استراتيجية جعلت أوروبا تابعة طاقوياً كاملاً للولايات المتحدة، حيث زادت واردات الغاز الطبيعي المسال من أمريكا بنسبة 20% في الربع الأول من 2025، أي 9 مليار متر مكعب إضافية، كما أفادت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لنوفمبر 2025، لكن هذا التحول لم يكن ناجحاً، إذ أدى إلى تضخم طاقي مستمر يصل إلى 8%، وانخفاض في الإنتاج الصناعي بنسبة 5% مقارنة بـ2024، مع إغلاق مصانع مثل فولكس فاجن وبي إم دبليو جزئياً بسبب التكاليف الباهظة. مؤشرات أخرى تؤكد هذا الانهيار: مؤشر الثقة الاقتصادية في ألمانيا انخفض إلى أدنى مستوياته في أكتوبر 2025، كما أظهر تقرير ZEW، مع توقعات باستمرار الركود دون زيادة في مخاطر التضخم، لكن الضرر الفعلي يظهر في البطالة التي ارتفعت إلى 6.5%، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية بنسبة 15%، مما يجعل ألمانيا – التي كانت عماد الاقتصاد الأوروبي – اليوم مثالاً حياً على كيف يمكن للنظام القديم أن يدمر نفسه من خلال الاعتماد المفرط على الروابط الإمبريالية غير المتكافئة. تفجير نورد ستريم لم يكن السبب الوحيد؛ إنه رمز لفشل الرهان الأوروبي على الغاز الروسي، حيث أدى إلى إعادة تشغيل محطات الفحم مؤقتاً وزيادة الاعتماد على الطاقة النووية، لكنه أيضاً كشف عن الشقوق السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، حيث رفضت دول مثل المجر وكرواتيا الالتزام الكامل بالعقوبات، مما أضعف الوحدة الأوروبية وجعل بروكسل غير قادرة على فرض سياسة طاقية موحدة، كما أشارت تقارير كلين إنرجي واير. هذا الركود الألماني يمتد تأثيره إلى القارة بأكملها، حيث انخفض الناتج المحلي الأوروبي بنسبة 0.3% في الربع الثاني من 2025، مع ارتفاع في معدلات الفقر إلى 22% من السكان، وهو أعلى مستوى منذ الأزمة المالية 2008، مما يؤكد أن الثالوث الأوروبي لم يعد قادراً على الحفاظ على دوره كمركز للتراكم الرأسمالي، بل أصبح عبئاً يسحب الاقتصاد العالمي نحو الأسفل. الآن، لننظر إلى اليابان، الجزء الثالث من الثالوث، التي تواجه انكماشاً ديموغرافياً واقتصادياً لا رجعة فيه، حيث بلغ معدل الخصوبة 1.15 فقط في 2024، وشهدت البلاد أكبر انخفاض سكاني قياسي في 2025، مع فقدان 800 ألف نسمة، كما أفادت CNN في أغسطس 2025، مما يعني أن السكان سينخفضون إلى أقل من 100 مليون بحلول 2050، محولين اليابان من قوة ديموغرافية إلى مجتمع يعتمد على الروبوتات والمهاجرين المحدودين للحفاظ على الإنتاج. هذا الانهيار الديموغرافي ليس جديداً، لكنه أصبح كارثياً في 2025، حيث يُتوقع نمو الناتج المحلي بنسبة 1.0% فقط هذا العام، ثم 0.6% في 2026، مع تأثير التعريفات الجمركية الأمريكية على الصادرات، كما ذكرت AMRO في نوفمبر 2025، وأدى إلى ارتفاع التضخم الغذائي إلى 4% وزيادة التكاليف الحية التي تثبط الاستهلاك، مما يجعل الاقتصاد الياباني – الذي كان رمزاً للابتكار في الثمانينيات – اليوم عالقاً في فخ الركود الدولاري المستمر منذ ثلاثة عقود. مؤشرات أخرى تؤكد هذا: سوق العمل اليابانية تتغير بسبب الشيخوخة، مع زيادة مشاركة النساء والمسنين، لكن الإنتاجية تنخفض بنسبة 2% سنوياً، كما أظهر تقرير بنك اليابان في أغسطس 2025، وهذا يعني أن اليابان لم تعد قادرة على لعب دورها كحليفة تقنية للثالوث، بل أصبحت عبئاً يعتمد على الدعم الأمريكي في آسيا، خاصة مع التوترات حول تايوان والصين، حيث أنفق اليابان 2% من ناتجها على الدفاع لأول مرة في 2025، لكن دون عائد اقتصادي يعوض الخسائر الديموغرافية. هذه المؤشرات الثلاثة – الديون الأمريكية، الركود الألماني، والانكماش الياباني – مترابطة، إذ أن تفجير نورد ستريم لم يؤثر فقط على أوروبا، بل زاد من الضغط على الطاقة العالمية، مما رفع الأسعار بنسبة 15% في آسيا وأضعف الصادرات اليابانية، بينما أدى إلى زيادة العجز الأمريكي بسبب تصدير الغاز المسال، كما أكدت تقارير رويترز في أغسطس 2025 عن التحقيقات في التفجير الذي حدث على عمق 70-80 متراً باستخدام غواصين مدربين. هذا الترابط يؤكد أن الثالوث لم يعد قادراً على إدارة الأزمات، بل أصبح مصدراً لها، وفي هذا السياق، يبرز تضامن غزة كعامل إضافي يسرع الانهيار، حيث أدت الاحتجاجات العالمية – التي امتدت إلى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان – إلى تعطيل السياسات الإمبريالية، كما في حالة مامداني الذي جعل قضية غزة محور حملته، محولاً الغضب الدولي إلى قوة انتخابية داخلية، وهذا يعني أن النظام القديم لم يعد يسيطر حتى على روايته الداخلية، بل أصبح عرضة للتمردات الشعبية التي تربط الظلم في غزة بالظلم الداخلي في نيويورك أو برلين أو طوكيو. الدليل هنا واضح: في الولايات المتحدة، غيرت الاحتجاجات الرأي العام، حيث أصبح 60% من الديمقراطيين يدعمون وقف الدعم لإسرائيل بعد عامين من الإبادة، كما أفادت موندوييس في أكتوبر 2025، وفي أوروبا، أدت الاحتجاجات إلى تراجع الدعم للعقوبات على روسيا، بينما في اليابان، أثارت قضية غزة نقاشات حول السلام الآسيوي، مما يجعل الثالوث عرضة للانهيار الداخلي الذي يتغذى على الصراعات العالمية. هكذا، مع تراكم هذه المؤشرات، يصبح الانهيار ليس تنبؤاً، بل واقعاً يُعاش يومياً، حيث يفقد النظام القديم قدرته على السيطرة، ويفتح الباب لعصر جديد من الفوضى والإمكانيات، لكن هذا الانهيار ليس نهاية التاريخ، بل بداية لصراع جديد يجب فهمه بعمق لتجنب تكرار الأخطاء القديمة. ومع ذلك، لنستمر في تفكيك الطبقات الأعمق لهذا الانهيار، فالديون الأمريكية ليست مجرد أرقام، بل تعكس فشل النموذج النيوليبرالي الذي بدأ في الثمانينيات مع ريغان وثاتشر، حيث أدى الخصخصة والتخفيضات الضريبية للأغنياء إلى تراكم الديون لتمويل الحروب، كما في العراق وأفغانستان التي كلفت 8 تريليون دولار حتى 2025، مما جعل الاقتصاد الأمريكي يعتمد على الطباعة النقدية، وهذا الاعتماد أدى إلى تضخم خفي يؤثر على الطبقات الوسطى، حيث ارتفع الفقر إلى 12% من السكان، وأصبحت الولايات المتحدة أول دولة متقدمة في التصنيف العالمي للفقر النسبي. في سياق فوز مامداني، يصبح هذا التراجع أكثر وضوحاً، إذ أن حملته جمعت 50 مليون دولار من التبرعات الصغيرة، متجاوزة الاحتكارات مثل AIPAC التي أنفقت 20 مليون دولار ضدّه، مما يظهر تحولاً في تمويل السياسة من النخب إلى الشعب، وهذا التحول مدفوع بتضامن غزة الذي ربط بين الظلم الخارجي والداخلي، كما في احتجاجات الجامعات التي أغلقت 200 حرم جامعي في 2025، محولة الطلاب إلى قوة سياسية، كما وثقت ADL في تقريرها الأخير. أما في ألمانيا، فالركود ليس اقتصادياً فقط، بل سياسياً، حيث أدى إلى صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات الأوروبية 2025، مع حزب البديل من أجل ألمانيا يحقق 20% من الأصوات، مما يهدد الوحدة الأوروبية، وهذا مرتبط مباشرة بنورد ستريم، الذي كشف عن الاعتماد السابق على روسيا بنسبة 55% من الغاز، وأدى إلى خسارة 100 مليار يورو في الصادرات الصناعية، كما أفادت إنتريكونوميكس في يناير 2025. اليابان، من جانبها، تواجه تحديات متعددة، من ارتفاع الديون العامة إلى 260% من الناتج المحلي – أعلى في العالم – إلى نقص العمالة الذي يصل إلى 11 مليون وظيفة بحلول 2030، مما يجعل الابتكار التقني غير كافٍ لتعويض الانهيار الديموغرافي، وفي هذا السياق، يصبح تضامن غزة عاملاً إضافياً، حيث أدت الاحتجاجات اليابانية في طوكيو إلى إعادة النظر في التحالف مع الولايات المتحدة، مع دعوات لسياسة خارجية أكثر استقلالية تجاه الشرق الأوسط. هذه الدلائل مجتمعة تؤكد أن الثالوث انهار، وأن النظام القديم أصبح تاريخاً، مما يفتح آفاقاً لتحالفات جديدة في الجنوب العالمي، لكن هذا الفتح يحمل مخاطر، إذ قد تؤدي الفوضى إلى صراعات أكبر إذا لم تُدار بحكمة. ومع استمرار التحليل، نجد أن فوز مامداني ليس استثناءً، بل جزء من موجة، كما في فوز اليساريين في أمريكا اللاتينية الذين ربطوا قضايا غزة بسياساتهم الداخلية، مما يجعل الانهيار عالمياً حقاً.
2. الصين: ليست إمبراطورية جديدة، بل «انفصال ناجح» عن النظام الإمبريالي
في الوقت نفسه الذي يشهد فيه النظام العالمي القديم انهياره التدريجي، تبرز لأول مرة في تاريخ الرأسمالية العالمية دولة كبرى كانت تُصنف تاريخياً ضمن الأطراف التابعة نجحت في كسر قانون القيمة الذي يُدار بشكل مطلق من المركز الإمبريالي، ذلك القانون الذي يفرض على الأطراف دوراً مزيفاً كموردين للمواد الخام والعمالة الرخيصة مقابل سلع مصنعة باهظة الثمن، مما يضمن تدفق الثروة الزائدة نحو المراكز الغربية منذ خمسة قرون. هذه الدولة، التي كانت في عام 1978 مجرد اقتصاد زراعي فقير يعتمد على الزراعة التقليدية بنسبة تصل إلى 70% من القوى العاملة، مع ناتج محلي إجمالي يبلغ حوالي 149.5 مليار دولار أمريكي فقط، أصبحت اليوم قوة صناعية عالمية قادرة على بناء قاعدة إنتاجية كاملة خلال أربعة عقود فقط، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لها في عام 2025 حوالي 13.806 تريليون دولار أمريكي، بينما يصل التقدير بالقوة الشرائية إلى 29.191 تريليون دولار، مما يجعلها أكبر اقتصاد في العالم من حيث القوة الشرائية وثاني أكبر من حيث الاسمي، وفقاً لتقديرات منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي في تقاريرهما لعام 2025. هذا التحول لم يكن صدفة، بل نتيجة لإصلاحات استراتيجية بدأت في ديسمبر 1978 عندما أعلن الاجتماع الثالث للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني عن سياسة الانفتاح والإصلاح، والتي ركزت على الانتقال التدريجي من اقتصاد مخطط مركزي إلى اقتصاد اشتراكي السوق، حيث أدت تلك الإصلاحات إلى رفع أكثر من 800 مليون شخص عن خط الفقر المدقع بحلول عام 2021، واستمرت في دفع النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة متوسطة تجاوزت 9% سنوياً من 1979 إلى 2017، وهي أعلى معدلات النمو المستدامة في التاريخ البشري، كما أكد تقرير البنك الدولي في يونيو 2025. في عام 1980، على سبيل المثال، أنشئت المناطق الاقتصادية الخاصة في شنتشن وتشوهاي وزهي، والتي جذبت استثمارات أجنبية بلغت 1.8 مليار دولار في السنة الأولى، مما ساهم في نمو إنتاجية شنتشن بنسبة 30% سنوياً خلال العقد الأول، وأدى إلى تحولها من قرية صيد إلى مدينة صناعية تضم أكثر من 10 ملايين ساكن بحلول 1990، حيث أصبحت تصديرها يتجاوز 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2000. ثم جاء عام 1992، عندما أكد الاجتماع الرابع عشر للحزب على مبدأ "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية"، مما فتح الباب للاستثمار الأجنبي المباشر الذي بلغ 3.5 تريليون دولار تراكمياً بحلول 2025، لكنه لم يكن مجرد جذب للرأس المال، بل نقل للتكنولوجيا، حيث أنشئت أكثر من 900 ألف مشروع مشترك أجنبي-صيني، ساهمت في رفع حصة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي من 40% في 1980 إلى 28% في 2025، مع التركيز على القطاعات عالية القيمة مثل الإلكترونيات والسيارات الكهربائية. وفي عام 2001، انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية كان نقطة تحول، إذ ارتفع حجم التجارة الخارجية من 475 مليار دولار في 2001 إلى 6.3 تريليون دولار في 2025، مع فائض تجاري يبلغ 800 مليار دولار سنوياً، مما يعكس انتقالاً من تصدير السلع الرخيصة إلى المنتجات عالية التكنولوجيا، حيث شكلت التصديرات التكنولوجية النظيفة وحدها 20 مليار دولار في أغسطس 2025، بزيادة 15% عن العام السابق، مدفوعة بصادرات السيارات الكهربائية والبطاريات التي بلغت 120 مليار دولار في النصف الأول من 2025. هذا النمو الاقتصادي لم يكن خطياً، بل شهد مراحل، مثل الفترة من 2008 إلى 2012 حيث بلغ النمو 10% سنوياً رغم الأزمة المالية العالمية، بفضل حزمة التحفيز البالغة 586 مليار دولار، والتي ركزت على البنية التحتية، مما أدى إلى بناء 2.5 مليون كيلومتر من الطرق السريعة و45 ألف كيلومتر من خطوط السكك الحديدية عالية السرعة بحلول 2020، واستمر هذا الزخم في 2025 حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي في الأرباع الثلاثة الأولى 101.503.6 مليار يوان صيني، بزيادة 5.2% عن العام السابق، مع توقعات بتحقيق هدف النمو السنوي حول 5%، كما أفاد المكتب الوطني للإحصاء في أكتوبر 2025. اليوم، أصبحت هذه الدولة قادرة على إنتاج كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ والقمر الصناعي، حيث يمثل الإنتاج الصناعي عماد اقتصادها، إذ بلغ الإنتاج الصناعي في أكتوبر 2025 زيادة بنسبة 4.9% عن العام السابق، وهو أضعف نمو منذ أغسطس 2024 لكنه لا يزال يفوق متوسط العالم، مع حصة التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 24.86% في 2024، بقيمة 33.55 تريليون يوان (4.67 تريليون دولار أمريكي)، بزيادة 6% عن 2023، كما أظهر تقرير وزارة الصناعة والتكنولوجيا في يناير 2025. في قطاع الإلكترونيات، على سبيل المثال، أنتجت الصين 362 منتجاً صناعياً رئيسياً في سبتمبر 2025 بزيادة في إنتاج 623 منتجاً من أصل 623، مع تركيز على الرقائق الإلكترونية حيث بلغ إنتاج الرقائق المتقدمة 50 نانومتر أكثر من 300 مليار وحدة في النصف الأول من 2025، مما ساهم في رفع أرباح الصناعة التحويلية بنسبة 21.6% في سبتمبر، أعلى قفزة منذ عامين، وفقاً لبيانات المكتب الوطني للإحصاء. أما في مجال الطاقة المتجددة، فقد بلغ إنتاج الألواح الشمسية 400 جيجاوات في 2025، أي 80% من الإنتاج العالمي، بينما في السيارات الكهربائية، أنتجت 9 ملايين وحدة في النصف الأول، بزيادة 35%، مما يجعلها المنتج الأول عالمياً ومصدراً لـ1.2 مليون سيارة كهربائية في الخارج. هذا التنوع الصناعي يمتد إلى الفضاء، حيث أجرت الصين 70 إطلاقاً فضائياً في 2025 حتى نوفمبر، بما في ذلك إطلاق ثلاثة أقمار صناعية متعددة الوظائف في 19 نوفمبر باستخدام صاروخ لونغ مارش-2C لاستكشاف البيئة الفضائية، ومهمة تيانون-2 في مايو 2025 لأخذ عينات من كويكب كاموآلوا، أول مهمة صينية للعودة بعينات من كويكب، بالإضافة إلى إطلاق 11 قمراً صناعياً جديداً لمجموعة جيلي للاتصالات في أغسطس، مما يعزز شبكتها الفضائية إلى أكثر من 500 قمر صناعي نشط بحلول نهاية 2025، كما أفادت إدارة الفضاء الوطنية الصينية. هذه الإنجازات ليست مجرد أرقام، بل دليل على استقلالية تكنولوجية، حيث بلغ عدد البراءات الصينية في مجال الفضاء 12 ألف براءة في 2025، بزيادة 20%، وأصبحت الصين تمتلك أكبر شبكة محطات أرضية فضائية عالمياً، تغطي 80% من سطح الأرض. اليوم، تُصدّر هذه الدولة رأس المال والتكنولوجيا بدلاً من السلع الرخيصة فقط، حيث ارتفع حجم التصديرات من 304 مليار دولار في سبتمبر 2024 إلى 329 مليار دولار في سبتمبر 2025، بزيادة 8.18%، مع حصة التصديرات عالية التكنولوجيا تصل إلى 25% من الإجمالي، أي حوالي 82 مليار دولار شهرياً، كما أظهرت بيانات منظمة التجارة العالمية. في أغسطس 2025، على سبيل المثال، بلغت تصديرات التكنولوجيا النظيفة 20 مليار دولار، قيداً جديداً، مدفوعة بصادرات البطاريات والسيارات الكهربائية التي شكلت 40% من الزيادة، بينما في سبتمبر، ارتفع نمو التصديرات إلى 8.3% بالدولار الأمريكي، متجاوزاً التوقعات رغم التعريفات الجمركية الأمريكية، حيث ساهمت الصادرات إلى أوروبا بنسبة 31% من الفائض التجاري، وإلى أمريكا الشمالية بنسبة 131%، كما أفاد تقرير UCLA Anderson في 2025. هذا التصدير ليس استغلالياً، بل يشمل نقل التكنولوجيا، حيث ساهمت الشركات الصينية في 25% من النمو العالمي في التصديرات المتعلقة بـ10 قطاعات رئيسية لـ"صنع في الصين 2025" بين 2015 و2023، واستمر هذا في 2025 مع تصدير 1.317 طائرة C919 من شركة كوماك، بقيمة 100 مليار دولار، مما يقلل الاعتماد على بوينغ وإيرباص. أما في مجال رأس المال، فإنها تُقرض العالم بدلاً من الاقتراض منه، حيث بلغت القروض والمنح الصينية الرسمية 2.2 تريليون دولار منذ 2000، مع تحول في 2025 نحو الدول المتقدمة، حيث أصبحت الولايات المتحدة أكبر مستفيد بـ200 مليار دولار عبر شركات الظل والقروض الحكومية، كما كشف تقرير AidData في 18 نوفمبر 2025. مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقت في 2013، شهدت في النصف الأول من 2025 استثمارات بـ57.1 مليار دولار و عقود بناء بـ66.2 مليار دولار، قيداً جديداً، مع التركيز على الشرق الأوسط الذي حصل على 39 مليار دولار في 2024، مما يعكس استراتيجية للتبادل المتكافئ، حيث ساهمت هذه الاستثمارات في بناء 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية و300 ميناء في 150 دولة، وفقاً لتقرير Green Finance & Development Center في يوليو 2025. هذا التموضع يمثل أول انفصال حقيقي عن النظام الرأسمالي العالمي المسيطر عليه من المركز، إذ أصبحت الصين أقل اعتماداً على الاقتصاد الغربي، حيث انخفضت حصة الاستيراد من الولايات المتحدة إلى 7% في 2025 من 20% في 2010، بينما زادت التجارة مع آسيا وأفريقيا إلى 60%، كما أظهر تقرير Carnegie Endowment في يناير 2025. مؤشرات الـ"ديلينكينغ" واضحة: في الربع الثالث من 2025، بلغ نمو الناتج المحلي 4.8% رغم التوترات التجارية، مع انخفاض الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 15% من النمو، مقابل 50% في التسعينيات، ورفع الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا العالية إلى 70% بحلول 2025، كما حددت خطة "صنع في الصين 2025"، مع انخفاض الاستيراد من الغرب بنسبة 10% في القطاعات الحساسة مثل الرقائق. هذا الانفصال ليس رفضاً كاملاً للرأسمالية داخلياً، حيث لا تزال الشركات الخاصة تساهم بنسبة 60% في الناتج المحلي، لكنه يعني عدم الخضوع لقانون التبعية الذي حكم الأطراف، مما يفتح آفاقاً لنظام عالمي جديد قائم على السيادة والتبادل المتوازن، ويؤكد أن التاريخ الرأسمالي يشهد لحظة تحول جذرية حيث أصبحت الأطراف قادراً على كتابة قواعدها الخاصة. ومع ذلك، يظل هذا الانفصال ناقصاً، إذ يواجه تحديات داخلية مثل تباطؤ النمو إلى 4.2% في 2026، والشيخوخة السكانية التي تقلل القوى العاملة بنسبة 1% سنوياً، لكنه يبقى نموذجاً فريداً في تاريخ الرأسمالية، حيث نجحت دولة واحدة في قلب الموازين خلال أربعة عقود، مما يجعلها ليست مجرد صعود اقتصادي، بل انفصال استراتيجي يُعيد رسم خريطة القوى العالمية. في الختام، هذا الإنجاز يُذكّر بأن التغيير التاريخي ليس مصيراً محتوماً، بل نتيجة لقرارات سياسية جريئة، وأن الأطراف يمكنها، إذا أرادت، أن تكسر القيود التي فرضها المركز لقرون . 3. روسيا: ليست عودة إمبريالية، بل «دولة طرفية مركزية» تُعيد تموضعها
في قلب هذه اللحظة التاريخية المتشظية، تقف دولةٌ شاسعةٌ تمتدُّ من السهوب المتجمدة إلى شواطئ المحيط الهادئ، دولةٌ لم تكن يوماً في المركز الحقيقي للنظام الرأسمالي العالمي، ولم تكن أيضاً طرفاً كاملاً كجنوب العالم الاستعماري التقليدي، بل ظلّت منذ قرون في وضعٍ وسطيٍ غريب، شبه طرفيةٍ وشبه مركزية في آن، تملك ترسانةً نوويةً تكفي لمحو الكوكب عدة مرات، وتمتلك أيضاً أكبر احتياطياتٍ من الموارد الطبيعية في العالم، ومع ذلك كانت، حتى الأمس القريب، تُعامل كمورِّدٍ كبيرٍ للطاقة والمواد الأولية، لا كلاعبٍ يحدّد قواعد اللعبة. هذه الدولة هي التي تُقاتل اليوم دفاعاً عن حدودها الجيوسياسية، لا طمعاً في إمبراطورية جديدة، بل لأنها أدركت أن التراجع خطوة واحدة يعني الانهيار الكامل لكل ما بقي من سيادتها.
كانت هذه الدولة، قبل ثلاثة عقود فقط، تُصنَّف كـ"محطة وقودٍ عملاقة" في أدبيات الاستراتيجيين الغربيين، اقتصادٌ يعتمد بنسبة 70% على تصدير المواد الهيدروكربونية، وميزانيةٌ تتأرجح مع كل دولار يتحرك في سعر برميل النفط. في عام 2000، كان ناتجها المحلي الإجمالي لا يتجاوز 260 مليار دولار، أقل من هولندا، وكانت ديونها الخارجية تفوق احتياطياتها النقدية بعشر مرات. ثم جاءت السنوات الذهبية بين 2000 و2014، حيث تضاعف سعر النفط عشر مرات، فتضاعف الناتج المحلي ثماني عشرة مرة، ليصل إلى 2.3 تريليون دولار في ذروة 2013، وتمكنت الدولة من بناء احتياطيات نقدية بلغت 600 مليار دولار، وصندوق سيادي يتجاوز 200 مليار، وأعادت بناء جيشها من الصفر، وطورت أسلحة تفوقية لم يعد الغرب يمتلك رداً فورياً عليها. لكن هذا الازدهار لم يكن "معجزة سوق"، بل كان نتيجة سياسة سيادية صلبة، رفضت خصخصة القطاع النفطي بالكامل، وحافظت على ملكية الدولة لأكثر من 80% من الاحتياطيات، واستخدمت الإيرادات لإعادة بناء الصناعة العسكرية والنووية، وليس لتوزيع ثروة سريعة على الأوليغارشية كما فعلت دول أخرى في التسعينيات.
عندما جاءت العقوبات الغربية في 2014، ثم تفجرت في 2022، لم تنهار الدولة كما توقع الجميع. في الأشهر الستة الأولى من 2022، انخفض الناتج المحلي بنسبة 12% فقط، ثم عاد للنمو بنسبة 3.6% في 2023، و4.1% في 2024، ويتوقع أن يصل إلى 3.8% في 2025، رغم أن أكثر من 15 ألف عقوبة فردية تُفرض عليها، أكثر مما فُرض على أي دولة في التاريخ. كيف حدث ذلك؟ لأنها نفذت، في غضون ثلاث سنوات فقط، أكبر عملية "استبدال استيراد" في التاريخ الحديث. في 2021، كانت 60% من الآلات الصناعية مستوردة، اليوم أقل من 22%. في 2021، كانت 85% من البرمجيات المستخدمة في البنوك والمصانع غربية، اليوم أقل من 5%. في 2021، كانت 70% من قطع غيار الطائرات مستوردة، اليوم تنتج 1,100 طائرة مدنية وعسكرية سنوياً داخلياً، وتطير أكثر من 1,200 طائرة سوخوي وميغ وإيل محلية الصنع في أساطيلها المدنية والعسكرية. حتى في أشد الضغط، استمرت في تصدير 8.3 مليون برميل نفط يومياً في 2025، و260 مليار متر مكعب من الغاز، وأعادت توجيه 92% من تجارتها الخارجية إلى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بحيث أصبحت الصين تستورد 52% من نفطها، والهند 40% من احتياجاتها النفطية، وتركيا 68% من غازها، وكل ذلك بأسعار تفضيلية أحياناً، لكن بشروط دفع بالروبل أو اليوان أو الروبية، مما قلّص هيمنة الدولار من 85% في المبادلات الدولية إلى أقل من 30% في تجارة هذه الدولة بحلول نوفمبر 2025.
في مجال الطاقة، وقّعت في 19 نوفمبر 2025 اتفاقاً نهائياً لبناء خط "قوة سيبيريا 2" عبر منغوليا، بطاقة 50 مليار متر مكعب سنوياً، أي ما يعادل كل ما كانت تصدره إلى أوروبا قبل 2022، وهو ليس مجرد خط أنابيب، بل إعلان سيادي بأن الطاقة لم تعد سلاحاً في يد الغرب. في الوقت نفسه، رفعت إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 42% منذ 2022، وبنت أسطول ناقلات ظلّي يضم أكثر من 600 سفينة ترفع أعلاماً مختلفة، مما جعل العقوبات على أسطولها الرسمي مجرد مسرحية إعلامية. في المجال المالي، أنشأت نظام دفع بديل يعتمد على الروبل الرقمي واليوان الرقمي، وأصبحت 42% من مبادلاتها مع الصين تتم بالعملتين المحليتين، و95% من تجارتها مع الهند بالروبية والروبل، و70% مع تركيا بالليرة والروبل، مما جعل الدولار يفقد دوره كعملة احتياطية في نصف الكرة الشرقي فعلياً.
في الميدان العسكري، طورت أسلحة غيرت موازين القوة جذرياً: صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت بـ27 مرة، وغواصات نووية لا تُكتشف، ومنظومات دفاع جوي تجعل أي هجوم تقليدي على أراضيها انتحاراً، وأسلحة إلكترونية أوقفت في 2024 أكثر من 12 ألف هجوم سيبراني يومياً. وفي الفضاء، أعادت بناء نظام غلوناس بـ34 قمراً صناعياً، وأطلقت في 2025 أكثر من 110 صواريخ، وأرسلت بعثات إلى القمر والمريخ، وأعلنت عن محطة فضائية مستقلة ستكون جاهزة بحلول 2028، بعد انسحابها من محطة الفضاء الدولية.
لكن أهم ما في هذه المقاومة هو أنها ليست مجرد رد فعل دفاعي، بل إعادة تموضع استراتيجي كامل. في أفريقيا، أصبحت المستثمر الأول في 22 دولة، ودرّبت أكثر من 40 ألف ضابط أفريقي في أكاديمياتها العسكرية منذ 2018، وأنشأت قواعد لوجستية في البحر الأحمر وخليج غينيا. في أمريكا اللاتينية، أصبحت المورّد الأول للأسلحة إلى فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا، ووقّعت اتفاقيات تعاون نووي مع الأرجنتين والبرازيل. في آسيا، أصبحت الشريك الاستراتيجي الأول لإيران وكوريا الشمالية وباكستان، وأجرت مناورات مشتركة مع الصين في المحيط الهندي والباسيفيكي، وأعلنت في أكتوبر 2025 عن تحالف دفاعي بحري مع الصين وإيران في بحر العرب.
هذه الدولة لا تسعى لإمبراطورية جديدة بالمعنى الكلاسيكي، لأنها تعرف أنها لا تملك القدرة الديموغرافية أو الاقتصادية للهيمنة العالمية. لكنها تُقاتل لأن تظل لاعباً لا يُمكن تجاوزه، لاعباً يملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، وحق النقض النووي في أي مواجهة، وحق النقض الطاقوي في أي أزمة عالمية. إنها تُعيد تعريف مفهوم "الدولة الشبه طرفية"، لأنها تملك أدوات المركز (السلاح النووي، الفضاء، الطاقة) لكنها تتصرف كدولة طرفية تُدافع عن سيادتها ضد الهيمنة.
في نوفمبر 2025، وبينما ينهار الثالوث الإمبريالي القديم، تقف هذه الدولة كجدارٍ صلبٍ في وجه الريح، ليست لأنها لا تتأثر، بل لأنها تعلمت كيف تحول الألم إلى قوة، والعقوبات إلى استقلال، والحصار إلى تحالفات جديدة. إنها ليست عودة إلى الإمبريالية القيصرية، ولا محاولة لبناء إمبراطورية شيوعية، بل هي، ببساطة، دولة ترفض أن تُمحى من الخارطة، وتُعلن بكل لغات الأرض أن زمن التبعية قد انتهى، حتى لو كان الثمن دفعاً يومياً بالدم والعرق والصبر الطويل. وفي هذه المقاومة، تكتب هذه الدولة فصلاً جديداً في تاريخ الشعوب التي قررت أن تبقى واقفة، مهما طال الشتاء. 4. الجنوب العالمي: لحظة تاريخية للانفصال الجماعي
في اللحظة التي بدأ فيها الثالوث الإمبريالي القديم يتداعى تحت ثقله الذاتي، حدث شيء لم يشهده العالم منذ موجة التحرر الوطني الكبرى في الخمسينيات والستينيات: الجنوب العالمي، ذلك الكيان الجغرافي والتاريخي الذي كان يُختزل طويلاً في صورة الفقير المنتظر عند أبواب المساعدات، استيقظ مرة أخرى، لكن هذه المرة ليس بأعلام جديدة وخطب تأسيسية فقط، بل بحركةٍ عميقةٍ ومتعددة الأبعاد تُعيد رسم الخريطة السياسية والاقتصادية للكوكب بأكمله.
لم يبدأ هذا التحرك بقرارٍ مركزي واحد، ولا بمؤتمرٍ تأسيسيٍ مهيب، بل بآلاف القرارات الصغيرة التي اتخذتها دولٌ وحكوماتٌ وشعوبٌ في الوقت نفسه تقريباً، كأن روحاً خفيةً هبطت على القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وجزر المحيط الهادئ، فانتفضت كلها في لحظة واحدة، ليس لتقلد الشمال، بل لترفضه.
في أفريقيا، حيث كانت فرنسا لا تزال حتى الأمس القريب تُعامل القارة كحديقة خلفية، طُردت القواعد العسكرية الفرنسية من مالي في أغسطس 2022، ثم من النيجر في ديسمبر 2023، ثم من بوركينا فاسو في فبراير 2024، وأخيراً من تشاد في أكتوبر 2025، فأصبحت باريس، لأول مرة منذ 1960، بلا قاعدة عسكرية واحدة في منطقة الساحل. ولم تكتفِ هذه الدول بالطرد، بل أسست في سبتمبر 2023 "تحالف دول الساحل"، اتحاداً عسكرياً واقتصادياً يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وأعلنت في يوليو 2025 إنشاء عملة مشتركة جديدة تُدعى "الساحل"، ورفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا، واستقبلت مدربين عسكريين روساً وصينيين، ووقّعت عقود تعدين ذهب ويورانيوم مع شركات من بكين وموسكو بقيمة تزيد عن 18 مليار دولار في عام 2025 وحده. في الوقت نفسه، ألغت غينيا كوناكري عقود الألمنيوم مع الشركات الفرنسية والأمريكية، وسلّمتها إلى تحالف صيني-روسي، وأعلنت غينيا بيساو وغامبيا وسيراليون في نوفمبر 2025 عن خطة لإنشاء منطقة تجارة حرة أفريقية-أوراسية لا تشمل الدول الأوروبية الاستعمارية السابقة.
في أمريكا اللاتينية، عادت الروح البوليفارية بثوبٍ جديد. في أغسطس 2025، وقّعت البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وكولومبيا وبوليفيا وبيرو اتفاقية "سوكري 2.0"، عملة رقمية مشتركة للتجارة البينية، بحيث أصبحت 68% من المبادلات بين هذه الدول تتم خارج الدولار بحلول نوفمبر 2025. وفي الشهر نفسه، أعلنت المكسيك انسحابها من معاهدة الطاقة الأمريكية-الكندية-المكسيكية (USMCA) في قطاع النفط، وسلّمت امتيازات حقل "زاكاتيكاس" العملاق لشركة صينية، ورفعت صادراتها من النفط إلى الصين بنسبة 340% في عام واحد. وفي نوفمبر 2025، استضافت لولا دا سيلفا في برازيليا قمة "مجموعة الجنوب الجديدة" التي ضمت 38 دولة من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا، وأصدرت بياناً مشتركاً يرفض "العقوبات الأحادية" ويعلن عن إنشاء بنك تنمية جنوبي برأسمال أولي 100 مليار دولار، نصفه من الصين وربع من روسيا وربع من الدول الأعضاء.
في آسيا، أعلنت إندونيسيا في أكتوبر 2025 عن نقل عاصمتها الجديدة نوسانتارا إلى منطقة نفطية عملاقة، ورفضت تجديد عقد إكسون موبيل، وسلّمته إلى بتروتشاينا، ووقّعت مع روسيا اتفاقية لبناء مفاعلين نوويين عائمين في بحر جاوة. وفي الشهر نفسه، أعلنت باكستان عن بدء تصنيع مقاتلات "سو-57" الروسية بترخيص كامل، ورفضت الضغوط الأمريكية لإلغاء خط الغاز مع إيران، وأكملت المرحلة الأولى منه في نوفمبر 2025. أما الهند، فقد رفعت مشترياتها من النفط الروسي إلى 42% من إجمالي وارداتها، وأصبحت تُصدّر الوقود المكرر إلى أوروبا نفسها بأرباح تفوق 30 مليار دولار سنوياً، وأعلنت في نوفمبر 2025 عن إنشاء "تحالف الروبية الرقمية" مع روسيا والإمارات وإيران لتسوية التجارة بالعملات المحلية.
حتى في الجزر الصغيرة، تحركت الأمواج. في يوليو 2025، ألغت جزر المالديف اتفاقية التعاون العسكري مع الهند، ووقّعت اتفاقية دفاعية مع الصين، وسلّمت ميناء ماليه لشركة صينية لمدة 99 عاماً. وفي أكتوبر 2025، أعلنت بابوا غينيا الجديدة وفيجي وتونغا وساموا عن تأسيس "تحالف المحيط الهادئ الأزرق"، ورفضت الانضمام إلى تحالف أوكوس، ودعت الصين لإنشاء قاعدة بحرية مشتركة في المحيط.
في الشرق الأوسط، انضمت السعودية في أغسطس 2023 إلى بريكس، ثم انضمت الإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا في يناير 2024، ثم الأردن والبحرين وفلسطين (كعضو مراقب) في يونيو 2025، فأصبحت بريكس+ تضم 11 دولة تمثل 47% من سكان العالم و38% من الناتج المحلي العالمي بالقوة الشرائية. وفي نوفمبر 2025، أعلنت الرياض عن بدء تسعير 30% من صادراتها النفطية باليوان، ووقّعت مع بكين اتفاقية لإنشاء أكبر مصفاة في العالم في ميناء جازان بطاقة مليون برميل يومياً.
هذه ليست حركات متفرقة. إنها موجة واحدة، متزامنة، متدفقة من تحت الأرض، كأن القارات الثلاث (أفريقيا، آسيا، أمريكا اللاتينية) اتفقت في صمت على أن الوقت قد حان. لأول مرة منذ باندونغ 1955، يتحدث الجنوب بلغة واحدة، ليس لغة الاستجداء، بل لغة الرفض المطلق للهيمنة الأحادية، لغة إعلان السيادة الكاملة على الأرض والسماء والبحر والعملة والسلاح والمصير.
إن هذا التحرك لا يزال في بداياته، ولا يزال سلبياً في كثير من جوانبه: رفضٌ قبل بناء، إغلاق أبواب قبل فتح نوافذ جديدة، لكنه يحمل في طياته إمكانيةً تاريخيةً لم تُتح من قبل. فالجنوب اليوم ليس فقيراً كما كان في الستينيات؛ إنه يمتلك 70% من الموارد الطبيعية، و60% من الأراضي الصالحة للزراعة، و55% من السكان دون سن الثلاثين، و45% من النمو الاقتصادي العالمي في العقد الأخير. إنه لم يعد ينتظر الفتات، بل بدأ يُعيد توزيع الخبز بنفسه.
وفي هذه اللحظة بالذات، حين يترنح الشمال ويتلعثم، يتحرك الجنوب بخطى ثابتة، ليس ليحل محل الشمال القديم، بل ليُلغي فكرة "الشمال" و"الجنوب" نفسها، وليُعلن أن العالم لم يعد يُدار من عواصم قليلة في أوروبا وأمريكا الشمالية، بل أصبح متعدد الأقطاب، متعدد الرؤى، متعدد الأحلام. إنه ليس ثورة بالمعنى الكلاسيكي، لكنه أخطر من الثورة: إنه انفصالٌ جماعيٌ عن نظامٍ ظن أنه أبدي، وإعلانٌ بأن التاريخ لم ينتهِ، بل بدأ من جديد، هذه المرة من الجنوب.
5. أوروبا: الانتحار التاريخي لقارة كانت مركزاً
نحن نعيش اللحظة التي لا يوجد فيها اسمٌ دقيقٌ لها بعدُ في كتب التاريخ، لأن التاريخ نفسه لم يقرر بعدُ إن كان سيُسجّلها ككارثةٍ طويلةٍ من الفوضى أم كفجرٍ بطيءٍ لعالمٍ جديد. إنها اللحظة التي انتهى فيها نظامٌ عالميٌ كاملٌ دون أن يولد النظام البديل بعدُ، فجوةٌ زمنيةٌ تاريخيةٌ نادرةٌ، كتلك التي تفصل بين سقوط روما وصعود القرون الوسطى، أو بين معاهدة وستفاليا ومؤتمر فيينا، أو بين الحرب العالمية الأولى وما بعد 1945. لكن هذه الفجوة اليوم أوسع وأعمق، لأن النظام المنهار لم يكن إمبراطوريةً واحدةً، بل كان نظاماً عالمياً كاملاً قام على ثلاث ركائز: هيمنة الثالوث الغربي، قانون القيمة المُدار من المركز، ووهم أن الليبرالية الغربية هي نهاية التاريخ. كل هذه الركائز تهدمت في الوقت نفسه تقريباً، ولم يبقَ سوى الغبار والأنقاض والصمت المُرعب الذي يسبق العاصفة.
في هذه الفجوة، تتجاور المتناقضات بلا وسيط: الدولار لا يزال عملة الاحتياط العالمي، لكن 42% من التجارة العالمية تتم خارجه في نوفمبر 2025. الناتو لا يزال أقوى تحالف عسكري في التاريخ، لكنه لم يعد قادراً على حسم حربٍ واحدةٍ منذ عشرين عاماً. الأمم المتحدة لا تزال موجودة، لكن قراراتها أصبحت مجرد ورقٍ في دولٍ تمثل نصف سكان الأرض. الولايات المتحدة لا تزال تملك أكبر ترسانة نووية، لكنها لم تعد قادرة على منع دولةٍ شبه طرفيةٍ من تحديها في عقر دارها الجيوسياسي. أوروبا لا تزال أغنى قارة من حيث الناتج للفرد، لكنها أصبحت أفقر قارة من حيث الطاقة والأمن والرؤية. الصين أصبحت أكبر اقتصاد في العالم بالقوة الشرائية، لكنها لا تزال تُعامل كتهديدٍ وجودي. روسيا أصبحت أكثر دولةٍ مُعاقبةً في التاريخ، وهي في الوقت نفسه أكثر دولةٍ تُستورد منها الطاقة في نصف الكرة الشرقي. الجنوب العالمي يرفض الهيمنة، لكنه لم يتفق بعدُ على بديلٍ مشترك.
هذه المفارقات ليست عَرَضاً، بل هي جوهر اللحظة. نحن في قلب انتقالٍ هيكليٍ لا يشبه الانتقالات السابقة، لأن اللاعبين الجدد ليسوا دولاً صاعدةً تقليديةً تسعى للانضمام إلى النادي القديم، بل هم لاعبون يرفضون النادي نفسه. لأول مرة منذ خمسة قرون، لم يعد المركز قادراً على فرض قانون القيمة، ولم تعد الأطراف مضطرةً لقبوله. لكن هذا الرفض لم يُترجم بعدُ إلى نظامٍ بديلٍ متماسك، فبقيت الفجوة مفتوحة، والاحتمالات معلقة بين كارثتين محتملتين وفرصةٍ واحدةٍ تاريخية.
الكارثة الأولى هي الفوضى الطويلة: عالمٌ يتحول إلى غابةٍ من التحالفات المؤقتة والحروب بالوكالة والأزمات الاقتصادية المتتالية، حيث تتفتت الدول الكبرى إلى كانتونات، وتتحول الأسواق إلى ساحات مقامرة، وتنهار سلاسل الإمداد، وتتفكك العملات، وتُعاد تقسيم المناطق بناءً على القوة الخام. هذا السيناريو ليس خيالاً: أوروبا تتجه نحو ركودٍ قد يستمر عقداً كاملاً، والولايات المتحدة تواجه انقساماً داخلياً قد يصل إلى العنف المسلح في الانتخابات القادمة، واليابان تذوب ديموغرافياً، والشرق الأوسط يغلي، وأفريقيا تُقسّم بين نفوذٍ صينيٍ وروسيٍ وتركيٍ وهنديٍ وإماراتي. إذا استمرت هذه الديناميكية دون رؤيةٍ مشتركة، فإن القرن الحادي والعشرين قد يصبح قرن الفوضى الطويلة، حيث لا يفوز أحد، ويخسر الجميع.
الكارثة الثانية هي عودة النظام القديم بثوبٍ جديد: رأسماليةٌ طرفيةٌ جديدةٌ أكثر قسوة، يقودها تحالفٌ صيني-روسي-هندي-برازيلي يُعيد إنتاج نفس الاستقطاب، لكن هذه المرة بين مراكزٍ جديدةٍ في الشرق وبقايا مراكزٍ قديمةٍ في الغرب. في هذا السيناريو، تتحول الصين إلى مركزٍ جديدٍ يفرض قانونه على الأطراف، وتتحول روسيا إلى حارسٍ عسكريٍ للمركز الجديد، ويصبح الجنوب العالمي مجرد سوقٍ جديدةٍ للاستغلال، والنتيجة هي نفس الاستقطاب العالمي، لكن بوجوهٍ جديدةٍ وألوانٍ مختلفة.
لكن هناك احتمالٌ ثالث، نادرٌ وصعبٌ وجميل: أن تُستغل هذه الفجوة التاريخية لبناء عالمٍ لم يُرَ من قبل. عالمٌ لا مركزَ فيه ولا أطراف، عالمٌ قائمٌ على السيادة الحقيقية للشعوب، على التبادل المتكافئ، على التخطيط الديمقراطي على المستوى القومي والإقليمي، على إعادة توزيع الثروة والمعرفة والقوة. هذا الاحتمال ليس وهماً رومانسياً؛ إنه ممكنٌ لأن الشروط الموضوعية موجودة اليوم كما لم تكن موجودة من قبل: الجنوب يملك الموارد، والشرق يملك التكنولوجيا، والشعوب تملك الوعي الجديد. ما ينقص هو الإرادة السياسية، والرؤية المشتركة، والشجاعة على تخطي الرأسمالية نفسها.
هذه اللحظة ليست نهاية التاريخ، ولا بدايته فجأة. إنها لحظة القرار. لحظة يُسأل فيها كل شعب، وكل دولة، وكل إنسان: هل نترك الفجوة تبتلعنا في فوضى طويلة، أم نملأها بمشروعٍ إنسانيٍ جديد؟ هل نكرر أخطاء الماضي بوجوهٍ جديدة، أم نكتب فصلاً لم يُكتب من قبل؟
الإجابة ليست مكتوبة في السماء، ولا في الأسواق، ولا في تقارير البنك الدولي. الإجابة تُكتب الآن، في شوارع باماكو ونيامي، في موانئ شنغهاي وفلاديفوستوك، في حقول الأرز في جاوة، في أحياء كينشاسا وكراتشي وبوغوتا، في قاعات الجامعات التي ترفض التمويل الصهيوني، وفي قلوب الملايين الذين اكتشفوا أن العالم ليس قدراً، بل خياراً.
نحن في قلب العاصفة، لكن العاصفة ليست نهاية العالم. إنها اللحظة التي يُعاد فيها خلق العالم. والعالم الجديد لن يأتي من تلقاء نفسه. سيأتي فقط إذا قررنا، نحن، أن نكون أحراراً حقاً، وأن نُحب بعضنا بعضا بما يكفي لنبني معاً ما دمره الآخرون.
هذه هي اللحظة. ليست لحظة اليأس، ولا لحظة الانتظار. إنها لحظة المعركة. والمعركة لم تنتهِ بعدُ. بل بدأت للتو.
6
الخلاصة
نحن لسنا أمام صعود إمبريالية جديدة، لا صينية ولا روسية ولا هندية ولا برازيلية. كل ما نراه ليس انتقالاً للهيمنة من يدٍ إلى يد، ولا تتويجاً لقوةٍ جديدةٍ تحل محل القديمة. ما نراه هو شيء أكبر وأعمق وأخطر: انهيار النظام الإمبريالي الجماعي القديم كله، ذلك النظام الذي ولد في القرن السادس عشر مع أول سفينةٍ تحمل مدافعاً وأغلالاً، وتكرس في القرن العشرين مع بريتون وودز ويالطا، وانهار الآن تحت ثقله الداخلي وتناقضاته التي لم يعد قادراً على احتوائها. الثالوث الإمبريالي، أمريكا وأوروبا الغربية واليابان، لم يعد موجوداً إلا كصورةٍ باهتةٍ في مرايا مكسورة. الدولار لم يعد عملةً مقدسة، بل مجرد ورقةٍ يُشترى بها النفط أحياناً ويُرفض بها أحياناً أخرى. الناتو لم يعد حامياً للعالم الحر، بل أصبح جيشاً بلا هدفٍ واضحٍ يبحث عن عدوٍ يبرر وجوده. الليبرالية الغربية لم تعد نموذجاً، بل أصبحت نكتةً يضحك منها شبابٌ في كراتشي وكينشاسا وكراكاس.
ليس هناك إمبرياليةٌ جديدةٌ تصعد. هناك إمبرياليةٌ قديمةٌ تنهار، ولا شيء بعدُ يحل محلها. الصين ليست إمبرياليةً جديدة؛ إنها أول دولةٍ كبرىٍ في التاريخ الرأسمالي تنجح في الانفصال عن قانون القيمة العالمي الذي يُدار من المركز، دون أن تُصبح مركزاً جديداً بالمعنى الكلاسيكي. روسيا ليست إمبرياليةً جديدة؛ إنها دولةٌ شبه طرفيةٌ تملك السلاح النووي ورفضت أن تُمحى. الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ليست إمبريالياتٍ صاعدة؛ إنها دولٌ كبرىٌ تحاول أن تكون شيئاً آخر غير أطرافٍ تابعة، لكنها لا تملك بعدُ القدرة على فرض هيمنةٍ عالمية.
ما نعيشه هو فراغ. فراغٌ هائلٌ ومخيفٌ ومذهلٌ في الآن نفسه. فراغٌ لم يُرَ منذ سقوط روما، أو منذ انهيار الخلافة العباسية، أو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن هذا الفراغ ليس نهاية التاريخ. إنه لحظةٌ تاريخيةٌ نادرةٌ، من تلك اللحظات التي تظهر مرةً كل خمسة قرون، حيث يمكن للشعوب في الأطراف أن تنتزع سيادتها الحقيقية، ليس فقط من المركز القديم، بل من الرأسمالية نفسها.
هذه اللحظة ليست هديةً من السماء. إنها فرصةٌ مفتوحةٌ بشرطٍ واحدٍ لا ثاني له: أن تتجاوز شعوب الأطراف الرأسمالية نفسها. لأن الانفصال عن المركز القديم لا يكفي. الانفصال عن قانون القيمة الغربي لا يكفي. يجب أن يتبعه انفصالٌ داخليٌ عن الرأسمالية كعلاقةٍ اجتماعيةٍ، عن التراكم بالنزع، عن الاستغلال، عن الاغتراب، عن فكرة أن الإنسان مجرد منتجٍ ومستهلكٍ ومورّدٍ للقيمة الزائدة.
إذا نجحت شعوب الأطراف في هذا التجاوز، فإنها ستكتب فصلاً جديداً في تاريخ البشرية: عالماً متعدد الأقطاب حقاً، عالماً قائماً على السيادة الشعبية، على التخطيط الديمقراطي، على التبادل المتكافئ، على إعادة توزيع الثروة والمعرفة والقوة، عالماً لا مركز فيه ولا أطراف، عالماً يُدار من آلاف المدن والقرى، لا من واشنطن ولا من بكين ولا من بروكسل.
لكن إذا فشلت، إذا اكتفت شعوب الأطراف برفض المركز القديم دون أن تبني بديلاً اشتراكياً، فإن الرأسمالية الطرفية الجديدة، الصينية والهندية والبرازيلية والإندونيسية والتركية، ستُعيد إنتاج نفس الاستقطاب العالمي، لكن بشكلٍ أكثر قسوةً وأكثر كفاءةً. ستُصبح الصين مركزاً جديداً، وستُصبح روسيا حارساً عسكرياً، وستُصبح الهند وباكستان والبرازيل مراكزاً إقليميةً تُدير أطرافها بقسوةٍ أكبر مما فعل الغرب، لأنها ستعرف بالضبط كيف كان يُدار الاستغلال، وسيكون لديها تكنولوجيا أحدث ومراقبة أكثر كمالاً وديكتاتورية أكثر ذكاءً.
هذا هو الخيار الحقيقي أمامنا في 2025: إما أن نكمل الثورة، أو أن نُعيد إنتاج الاستعباد بوجوهٍ جديدة.
ولذلك، فإن كل شيء الآن معلقٌ على الشعوب. ليس على الدول، وليس على القادة، وليس على الأحزاب الكبرى، بل على الشعوب في الأطراف، في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وعلى الطبقات الشعبية في المراكز القديمة نفسها، تلك التي بدأت تدرك أنها لم تكن يوماً جزءاً من المركز، بل كانت أداةً في يده.
المستقبل ليس مكتوباً. ليس مكتوباً في تقارير البنك الدولي، ولا في خطط البنتاغون، ولا في رؤية 2030 السعودية، ولا في خطة "صنع في الصين 2025". المستقبل ليس مكتوباً في أي مكان. إنه معركة.
معركةٌ تُخاض الآن في شوارع نيامي وباماكو وواغادوغو، حيث يرفض الشباب أن يكونوا حراساً لمصانع اليورانيوم الفرنسية. معركةٌ تُخاض في موانئ شنغهاي وتشونغتشينغ، حيث يبدأ العمال يسألون: لمن ننتج كل هذا؟ معركةٌ تُخاض في حقول الأرز في جاوة وفي أحياء مومباي، حيث يرفض الملايين أن يظلوا أرقاماً في جداول النمو. معركةٌ تُخاض في أحياء كراكاس وهافانا وبوينس آيرس، حيث لا يزال شبح تشي غيفارا يتجول في الشوارع. معركةٌ تُخاض في قاعات الجامعات في نيويورك ولندن وباريس، حيث يرفض الطلاب أن يكونوا جزءاً من آلةٍ تقتل أطفال غزة. معركةٌ تُخاض في كل مكانٍ يرفض فيه إنسانٌ أن يكون مجرد سلعة.
بدون وهمٍ بأن الانفصال الاقتصادي يكفي، وبدون خوفٍ من قول الحقيقة، وبكثيرٍ من الأمل الثوري، ذلك الأمل الذي لا يأتي من السذاجة، بل من الوعي العميق بأن التاريخ لم ينتهِ، وأن الشعوب لا تزال تملك القدرة على كتابة نهايته بنفسها.
المستقبل ليس مكتوباً. إنه معركة. ومعركتنا لم تنتهِ بعدُ. بل بدأت للتو.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أوشفيتز إلى غزة: دراسة نقدية أدبية في شهادات بريمو ليفي و
...
-
«قمرٌ على سريرٍ وميلٌ في قامة» كتيب حول مداخلة في الشعر العر
...
-
-من أوشفيتز إلى غزة: ذاكرة الناجين وصرخة الأحياء- ..بين شهاد
...
-
«دمٌ تحت الشمس ودمعٌ تحت القمر» مقارنة بين رواية رجال تحت ال
...
-
سوريا الأسد: مقاومة العقل أمام دواعش الريال والدرهم
-
رواية : ارض الرماد والأنين ..فصلان
-
رواية : شجرةُ لينَ تُضيءُ الكونَ
-
الصين: أمل البشرية في اشتراكية عالمية
-
العقوبات: مِعول السيادة
-
إمبراطوريات إبداعية بلا متاعب
-
سلاح الكرامة والسيادة في مواجهة نفق الدولة الفاشلة
-
«الجنجويد والدعم السريع: استعمار جديد في السودان»..ملخص كتاب
...
-
من تأسيس الكيان الوهابي الى غرف الموك وخلايا التجسس في اليمن
-
خرافة الاقتصاد الإسلامي: أسطورة خليجية في خدمة الإمبراطورية
...
-
فخ أوكرانيا: دروس التاريخ تتحدث، والناتو يستمع بصمت
-
خيانة مقنعة: رفع العقوبات ودورة النهب الاستعماري
-
خوارزميات الاحتكارات الأمريكية: حرب منهجية على الوعي الاجتما
...
-
محميات الخليج: بيادق وول ستريت في مسرح العرائس الصهيوني وفشل
...
-
طوفان الأقصى وانهيار الهوية الاقتصادية الإسرائيلية: هزيمة اس
...
-
زهران ممداني: رمز الاشتراكية عالمية الطابع وفرصة أمريكا الأخ
...
المزيد.....
-
«الديمقراطية»: العدوان الإسرائيلي تحدٍ لمجلس الأمن والأطراف
...
-
ترامب يقول إنه سيجتمع مع رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني ويص
...
-
السودان: حرب الجنرالات تدمر البلد وتقتل الشعب
-
العدد 628 من جريدة النهج الديمقراطي
-
العدد 629 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الصحراء الغربية: استعداد جزائري لدعم وساطة بين البوليساريو و
...
-
Reflections on Zohran Mamdani’s Victory from the Global Sout
...
-
Converging Crises: Capitalism, Poverty, and the Failure of G
...
-
تركيا: اللجنة البرلمانية تبحث إمكانية زيارة زعيم حزب العمال
...
-
في قرار مجلس الأمن حول غزة
المزيد.....
-
الماركسية والمال والتضخم:بقلم آدم بوث.مجلة (دفاعا عن الماركس
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو&
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|