أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - من أوشفيتز إلى غزة: دراسة نقدية أدبية في شهادات بريمو ليفي ورواية أحمد صالح سلوم














المزيد.....

من أوشفيتز إلى غزة: دراسة نقدية أدبية في شهادات بريمو ليفي ورواية أحمد صالح سلوم


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 21:18
المحور: الادب والفن
    


المقدمة

منذ أن كتب بريمو ليفي روايته/شهادته إذا كان هذا إنساناً، ظل الأدب شاهداً على قدرة الكلمة على مواجهة آلة الإبادة. ليفي لم يكن مجرد كاتب شيوعي اعتقل لمقاومته الفاشية ، بل كان شاهداً خرج من معسكر أوشفيتز ليضع أمام العالم وثيقة أخلاقية لا تحتمل الإنكار. نصه جاء بلغة عقلانية باردة، أقرب إلى تقرير أمام محكمة التاريخ، حيث كل كلمة محسوبة، وكل مشهد يُروى بدقة، ليقول للعالم: هذا ما حدث، لا تنسوا. في المقابل، يطل أحمد صالح سلوم من زمن مختلف، من غزة المحاصرة، ليكتب روايته شجرة لين تضيء الكون، نصاً مشبعاً بالصور الشعرية والرموز الكونية، حيث تتحول الضحية إلى رمز، والجرح إلى نور، والزنزانة إلى مجرة. سلوم لا يكتب ليحفظ الماضي، بل ليصرخ بالحاضر، ليحوّل الألم إلى مقاومة، وليجعل من الأدب فعلاً سياسياً وأخلاقياً في مواجهة النازية الجديدة التي تُمارس جرائمها علناً أمام العالم.

هذه الدراسة النقدية تنطلق من المقارنة بين النصين، لتكشف عن أبعاد متعددة: البنية السردية، اللغة والأسلوب، الأثر النفسي، الوظيفة الاجتماعية والسياسية للأدب. لكنها لا تكتفي بالتحليل الأدبي، بل تربط النصين بالسياق التاريخي والاقتصادي الذي أنتجهما.


السياق الفكري والتاريخي

في حالة ليفي، نحن أمام نص وُلد من رحم النازية، تلك الأيديولوجية التي لم تكن مجرد نزوة سياسية، بل كانت التعبير الأكثر تطرفاً عن حاجة الاحتكارات الصناعية والمالية إلى إعادة تشغيل مصانعها بعد الركود الكبير عام 1929. النازية والفاشية في أوروبا لم تنشآ في فراغ، بل كانتا استجابة لأزمة اقتصادية خانقة، حيث وجدت القوى الكبرى في الحرب وسيلة لإنعاش السوق، وفي الإبادة وسيلة لتصفية الخصوم وإعادة توزيع الثروات والمستعمرات.

أما سلوم، فإنه يكتب من سياق مختلف لكنه متصل في الجوهر. غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل هي معسكر مفتوح بلا أسوار، حيث تُمارس الوحشية أمام العالم بلا خجل. هذا المشهد لا ينفصل عن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وحلف الناتو، والذي أصبح التعبير العسكري المباشر عن مصالح الاحتكارات المالية الكبرى. بهذا المعنى، يصبح نص سلوم امتداداً لنص ليفي، لأن كلاهما يكشف عن أن الوحشية ليست مجرد فعل فردي، بل جزء من منظومة عالمية تعيد إنتاج النازية بوجوه جديدة.


البنية السردية

ليفـي يبني نصه على خط زمني واضح، يبدأ من لحظة الاعتقال وينتهي بالتحرير. الشخصيات تُقدَّم بأسمائها ووجوهها وتفاصيلها اليومية، والزمن يسير بخط مستقيم ليضع القارئ أمام تجربة مغلقة. أما سلوم، فيبني نصه على التشظي، حيث الماضي والحاضر يتداخلان، والبطلة تتحول إلى رمز كوني، والزنزانة إلى مجرة. السرد عنده لا يوثق فقط، بل يفتح النص على الكون، ليجعل من التجربة الفردية ملحمة جماعية.


اللغة والأسلوب

لغة ليفي عقلانية باردة، أقرب إلى تقرير علمي، ترفض الزخرفة وتصرّ على مواجهة القارئ بالواقع كما هو. أما سلوم، فيكتب بلغة مشبعة بالصور الشعرية والرموز الكونية، حيث الجرح يضيء والصرخة تتحول إلى أغنية مقاومة. الأول يجعل النص شهادة عقلانية ضد النسيان، والثاني يجعله صرخة شعرية ضد الصمت.


الأثر النفسي والفكري

ليفـي يترك القارئ أمام صدمة عقلية وأخلاقية، يجعله يشعر بالذنب والواجب الأخلاقي، ويطرح سؤالاً عن إمكانية تكرار النازية. سلوم يترك القارئ أمام إلهام وجداني وملحمي، يجعله جزءاً من المقاومة، ويطرح سؤالاً عن كيفية تحويل الألم إلى نور. كلاهما يواجه الوحشية، لكن بأسلوبين مختلفين: الأول يوثق الماضي، والثاني يصرخ بالحاضر.


الوظيفة الاجتماعية والسياسية للأدب

الأدب عند ليفي وثيقة ضد النسيان، يحفظ الماضي ويحذر من تكراره. الأدب عند سلوم صرخة ضد الصمت، يواجه الحاضر ويدعو إلى تغييره. كلاهما يجعل من الأدب أداة اجتماعية وسياسية، لأنه يعيد للإنسان صوته حين يحاول العالم أن يسلبه، ويعيد للمجتمع ذاكرته حين يحاول النظام أن يمحوها.


الخاتمة

من أوشفيتز إلى غزة يمتد خيط واحد من الدم والذاكرة. ليفي كتب ليقول: لا تنسوا. سلوم كتب ليقول: لا تصمتوا. بين الوصية والصرخة، بين الماضي والحاضر، بين التوثيق والرمز، يظل الأدب هو السلاح الأعمق، لأنه يعيد للإنسان معناه حين يحاول العالم أن يسلبه، ويعيد للسياسة معناها حين تتحول إلى أداة للقتل والإبادة.

الأدب، مهما بدا ضعيفاً أمام آلة الإبادة، يظل السلاح الذي يزرع في الذاكرة بذرة لا يمكن اقتلاعها، ويمنح الإنسانية فرصة لتبقى إنسانية، حتى حين يحاول العالم أن يقتلها. هذه هي الخلاصة الكبرى: أن الأدب، من أوشفيتز إلى غزة، يظل شاهداً ومقاوماً، يظل الصوت الذي يرفض النسيان، ويظل الذاكرة التي تقول للعالم إن الوحشية لم تنتهِ، وإن الصمت ليس خياراً، وإن الإنسان لا يزال قادراً على أن يكتب، أن يصرخ، أن يقاوم، حتى في أقسى لحظات التاريخ.

ذ.أ



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «قمرٌ على سريرٍ وميلٌ في قامة» كتيب حول مداخلة في الشعر العر ...
- -من أوشفيتز إلى غزة: ذاكرة الناجين وصرخة الأحياء- ..بين شهاد ...
- «دمٌ تحت الشمس ودمعٌ تحت القمر» مقارنة بين رواية رجال تحت ال ...
- سوريا الأسد: مقاومة العقل أمام دواعش الريال والدرهم
- رواية : ارض الرماد والأنين ..فصلان
- رواية : شجرةُ لينَ تُضيءُ الكونَ
- الصين: أمل البشرية في اشتراكية عالمية
- العقوبات: مِعول السيادة
- إمبراطوريات إبداعية بلا متاعب
- سلاح الكرامة والسيادة في مواجهة نفق الدولة الفاشلة
- «الجنجويد والدعم السريع: استعمار جديد في السودان»..ملخص كتاب ...
- من تأسيس الكيان الوهابي الى غرف الموك وخلايا التجسس في اليمن
- خرافة الاقتصاد الإسلامي: أسطورة خليجية في خدمة الإمبراطورية ...
- فخ أوكرانيا: دروس التاريخ تتحدث، والناتو يستمع بصمت
- خيانة مقنعة: رفع العقوبات ودورة النهب الاستعماري
- خوارزميات الاحتكارات الأمريكية: حرب منهجية على الوعي الاجتما ...
- محميات الخليج: بيادق وول ستريت في مسرح العرائس الصهيوني وفشل ...
- طوفان الأقصى وانهيار الهوية الاقتصادية الإسرائيلية: هزيمة اس ...
- زهران ممداني: رمز الاشتراكية عالمية الطابع وفرصة أمريكا الأخ ...
- الإبادة الجماعية في غزة: حفلة تنكرية للأشرار الكبار


المزيد.....




- من أرشيف الشرطة إلى الشاشة.. كيف نجح فيلم -وحش حولّي- في خطف ...
- جدل بعد أداء رجل دين إيراني الأذان باللغة الصينية
- هل تحبني؟.. سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- -سيرة لسينما الفلسطينيين- محدودية المساحات والشخصيات كمساحة ...
- لوحة للفنان النمساوي غوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يُب ...
- معاناة شاعر مغمور
- الكويت تعلن عن اكتشافات أثرية تعود لأكثر من 7 آلاف سنة
- الصين تجمّد الأفلام اليابانية في ظل اشتعال ملف تايوان


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - من أوشفيتز إلى غزة: دراسة نقدية أدبية في شهادات بريمو ليفي ورواية أحمد صالح سلوم