|
|
العقوبات: مِعول السيادة
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 10:05
المحور:
كتابات ساخرة
يتدفق نهر الفولغا ، في قلب موسكو ، كشريان حياة لأمةٍ تمتد على أحد عشر توقيتاً زمنياً، وهناك يقف الاقتصاد الروسي اليوم كشاهدٍ صامت على أكبر مفارقات العصر الحديث. ليس انهياراً، بل نهضةً من تحت رماد العقوبات. ليس هزيمةً، بل انتصاراً استراتيجياً طويل الأمد. ليس ضعفاً، بل قوةً مُستعادة. هذه ليست قصةً يرويها الإعلام الغربي، بل حقيقةً تُكتب بأرقامٍ ومصانعٍ وأيدٍ عاملة، تُكتب في حقول القمح التي لم تعد تستورد، وفي خطوط الإنتاج التي لم تعد تجمّع، بل تبتكر.
كان من المفترض أن تكون روسيا، في عيون الاستراتيجيين الغربيين، تركيا الجديدة: دولةٌ صناعية متوسطة، تُجمّع سيارات رينو، وتُصدّر قطع غيار لسيمنس، وتُنتج أجهزة منزلية تحت علامات أوروبية، وتُبقي اقتصادها رهينةً للاستثمار الأجنبي المباشر، وتُبقي شعبها في الفخ المتوسط، حيث النمو يأتي بإذنٍ من بروكسل أو واشنطن. كان من المفترض أن تكون روسيا، في عيون الإمبريالية المالية، مجرد حلقةٍ في سلسلة القيمة العالمية، تُورّد الخام وتستورد المنتج النهائي، تُصدّر النفط وتستورد الدواء، تُصدّر القمح وتستورد الآلة.
لكن حزم العقوبات الأمريكية والأوروبية التي لم يعرف التاريخ شبيها لها ، من أوائل عام 2022 ، تلك التي أُطلقت كسلاحٍ للإخضاع، تحولت إلى مِعولٍ للبناء. لم تُدمّر، بل أعادت التركيب. لم تُضعف، بل أعادت التوازن. لم تُفرض، بل فُرضت عليها، فأعادت صياغة نفسها. هذه ليست قصة انتصارٍ عسكري، بل انتصارٌ اقتصادي، انتصارٌ في بنية الاقتصاد نفسه، في ترابطه، في تماسكه، في قدرته على أن يكون للإنسان الروسي، لا للشركة الغربية.
قبل عام 2014، كانت روسيا على وشك أن تُصبح تلك الدولة الرثة تنموياً. كانت سيارات رينو تُجمّع في تولياتي، وكانت بوينغ تُصمم أجزاءً من طائراتها في موسكو، وكانت سيمنس تُدير مصانعها في سانت بطرسبرغ. كان الاستثمار الأجنبي المباشر يتدفق، لكن معه تدفقت التبعية. كان النمو يأتي، لكن معه جاءت الشروط. كان الاقتصاد ينمو، لكن ليس للروس، بل للغرب. كان الاقتصاد ينمو، لكن ليس في العمق، بل على السطح. كان الاقتصاد ينمو، لكن ليس في الترابط، بل في التجزئة.
ثم جاءت العقوبات. لم تكن مجرد قيودٍ مالية، بل كانت صدمةً هيكلية. لم تكن مجرد حظرٍ على التصدير، بل كانت دعوةً للاستقلال. لم تكن مجرد قطعٍ للعلاقات، بل كانت بدايةً لإعادة الربط. في البداية، كان الألم. انخفض الناتج المحلي بنسبة 3.7% في عام 2015. انخفض الروبل. ارتفع التضخم. لكن في الألم، بدأت الولادة. بدأت المصانع تُعيد تشغيل خطوط الإنتاج. بدأت المزارع تُوسّع حقولها. بدأت الجامعات تُعيد توجيه بحوثها. بدأ الاقتصاد يُعيد ترتيب نفسه، ليس للغرب، بل للروس.
اليوم، في عام 2025، يقف الاقتصاد الروسي كشاهدٍ على هذا التحول. لم يعد يُصدّر النفط فقط، بل يُصدّر البتروكيماويات. لم يعد يُصدّر القمح فقط، بل يُصدّر المنتجات الغذائية المصنّعة. لم يعد يستورد الدواء، بل يُنتجه. لم يعد يستورد الآلة، بل يُصممها. لم يعد يعتمد على الاستثمار الأجنبي المباشر، بل يعتمد على الاستثمار الداخلي. لم يعد يعتمد على التقنية الغربية، بل يُطوّر تقنيته الخاصة. لم يعد يعتمد على السوق الغربية، بل يُبني أسواقه الخاصة.
هذا ليس مجرد نمو، بل هو ترابط. هذا ليس مجرد إنتاج، بل هو تماسك. هذا ليس مجرد اقتصاد، بل هو سيادة. الزراعة تُغذي الصناعة الغذائية، والصناعة الغذائية تُغذي الصناعة الكيميائية، والصناعة الكيميائية تُغذي الصناعة الدوائية، والصناعة الدوائية تُغذي الصحة، والصحة تُغذي العامل، والعامل تُغذي الاقتصاد، والاقتصاد تُغذي الأمة. هذا هو الترابط. هذا هو التماسك. هذا هو الاستقلال.
في عام 2013، كانت روسيا تستورد 40% من غذائها. اليوم، في عام 2025، هي مكتفية ذاتياً بنسبة 95%. في عام 2013، كانت 70% من أدويتها مستوردة. اليوم، 80% منها محلية الصنع. في عام 2013، كانت سياراتها تُجمّع تحت علامات غربية. اليوم، لادا وغاز وأوروس هي رموز السيادة الصناعية. في عام 2013، كانت طائراتها تعتمد على محركات غربية. اليوم، سوخوي سوبرجيت 100% محلية. في عام 2013، كانت برمجياتها تعتمد على SAP وOracle. اليوم، 1C وAstra Linux هما العمود الفقري للإدارة الرقمية.
هذا ليس مجرد تحول، بل هو ثورة. ثورةٌ لم تُعلن، لكنها حدثت. ثورةٌ لم تُكتب في الشوارع، لكنها كُتبت في المصانع. ثورةٌ لم تُرفع فيها اللافتات، لكنها رُفعت فيها خطوط الإنتاج. ثورةٌ لم تُغنّى فيها الأناشيد، لكنها غُنّيت في صوت الآلات. هذه هي الثورة الصامتة. ثورة الترابط. ثورة التماسك. ثورة السيادة.
وهنا يكمن الخطر الحقيقي على الغرب. ليس في الصواريخ، بل في المصانع. ليس في الدبابات، بل في الآلات. ليس في الجنود، بل في العمال. لأن روسيا لم تعد تحتاج إلى الغرب. لم تعد تحتاج إلى استثماراته. لم تعد تحتاج إلى تقنياته. لم تعد تحتاج إلى أسواقه. لم تعد تحتاج إلى إذنه. روسيا لم تعد جزءاً من سلسلة القيمة العالمية، بل أصبحت سلسلة قيمة بحد ذاتها. روسيا لم تعد مُورّداً، بل أصبحت مُنتجاً. روسيا لم تعد تابعة، بل أصبحت سيادية.
هذا هو الخطر. لأن ما حدث في روسيا يمكن أن يحدث في إيران. وفي فنزويلا. وفي كوبا. وفي كوريا الشمالية. وفي كل دولةٍ تُفرض عليها العقوبات. العقوبات لم تُدمّر، بل أعادت البناء. العقوبات لم تُضعف، بل أعادت القوة. العقوبات لم تُفرض، بل فُرضت عليها، فأعادت صياغة نفسها. هذه ليست نهاية النظام العالمي، بل بداية نظامٍ عالمي جديد. نظامٌ لا يعتمد على الاحتكار، بل على السيادة. نظامٌ لا يعتمد على التبعية، بل على الترابط. نظامٌ لا يعتمد على الإمبريالية، بل على الاستقلال.
في عام 2035، عندما تُقلع طائرة MC-21 من مطار شرميتييفو، متجهةً إلى جاكرتا أو لاغوس أو برازيليا، لن تكون مجرد طائرة. ستكون رمزاً. رمزاً لأمةٍ لم تُهزم. رمزاً لأمةٍ لم تُخضع. رمزاً لأمةٍ لم تُستعمر. رمزاً لأمةٍ أعادت بناء نفسها، ليس بالسلاح، بل بالعقل. ليس بالقوة، بل بالترابط. ليس بالحرب، بل بالإنتاج.
هذه ليست قصة روسيا فقط. هذه قصة كل أمةٍ ترفض أن تكون جزءاً من سلسلة القيمة العالمية. هذه قصة كل أمةٍ ترفض أن تكون مقاولاً بالباطن. هذه قصة كل أمةٍ ترفض أن تكون دولةً رثة تنموياً. هذه قصة السيادة. قصة الترابط. قصة الإنسان.
وفي النهاية، لم تكن العقوبات سلاحاً للإخضاع، بل كانت مِعولاً للحرية. لم تكن نهايةً، بل بدايةً. لم تكن هزيمةً، بل انتصاراً. انتصاراً لم يُعلن، لكنه حدث. انتصاراً لم يُكتب في التاريخ بعد، لكنه يُكتب الآن، في كل مصنع، في كل حقل، في كل مختبر، في كل عقلٍ روسي يرفض أن يكون تابعاً.
هذه هي الحقيقة. ليست حقيقة الإعلام، بل حقيقة الأرقام. ليست حقيقة السياسة، بل حقيقة الإنتاج. ليست حقيقة الغرب، بل حقيقة الشرق الجديد. حقيقة أمةٍ أعادت بناء نفسها، ليس رغم العقوبات، بل بفضل العقوبات. أمةٍ أعادت ترتيب اقتصادها، ليس للغرب، بل لشعبها. أمةٍ أعادت كتابة مصيرها، ليس بالتبعية، بل بالسيادة.
وهكذا، في قلب موسكو، حيث يتدفق نهر الفولغا، يقف الاقتصاد الروسي اليوم كشاهدٍ على أعظم مفارقات العصر: أن العقوبات التي أُريد بها الإخضاع، كانت في الحقيقة مفتاح التحرر. أن العقوبات التي أُريد بها التدمير، كانت في الحقيقة أداة البناء. أن العقوبات التي أُريد بها الضعف، كانت في الحقيقة مصدر القوة.
هذه ليست نهاية القصة. هذه بدايتها.
……
المادة الساخرة :
كيف أنقذ الغرب روسيا من نفسها، ولم يلاحظ
يتدفق نهر الفولغا بكل هدوءه الروسي، في احياء موسكو ، حيث يقف الاقتصاد الروسي اليوم كشاهدٍ صامت على أكبر كوميديا اقتصادية في التاريخ الحديث. ليس انهياراً، يا عيني، بل نهضةً من تحت رماد العقوبات، كأنها قصة أسطورية يرويها جدٌّ في ليلة شتاء طويلة. ليس هزيمةً، بل انتصاراً استراتيجياً طويل الأمد، كأن بوتين كان يلعب الشطرنج بينما الغرب يلعب الداما. ليس ضعفاً، بل قوةً مُستعادة، كأن العقوبات كانت فيتامينات متعددة بدلاً من سمٍّ قاتل. هذه ليست قصةً يرويها الإعلام الغربي، لأنهم مشغولون بكتابة سيناريوهات هوليوودية عن انهيار موسكو، بينما الحقيقة تُكتب في حقول القمح التي لم تعد تستورد، وفي خطوط الإنتاج التي توقفت عن تجميع سيارات رينو و بدأت تبتكر سيارات تُدعى "لادا"، كأنها تقول للعالم: "شكراً على الدرس، الآن سنصنع سياراتنا الخاصة، وسنسميها الانتقام ".
كان من المفترض أن تكون روسيا، في عيون الاستراتيجيين الغربيين الذين يرتدون بدلات أنيقة ويحسبون كل شيء باستثناء المنطق، تركيا الجديدة: دولةٌ صناعية متوسطة، تُجمّع سيارات رينو في مصانعها كأنها ورشة تجميع عملاقة، وتُصدّر قطع غيار لسيمنس كأنها تُرسل هدايا عيد الميلاد، وتُنتج أجهزة منزلية تحت علامات أوروبية، كأن الروس يعيشون فقط ليُشغّلوا غسالات ألمانية. كان من المفترض أن تُبقي اقتصادها رهينةً للاستثمار الأجنبي المباشر، كأن كل دولار غربي هو مفتاح الجنة، وتُبقي شعبها في الفخ المتوسط، حيث النمو يأتي بإذنٍ من بروكسل أو واشنطن، كأن الروس يحتاجون إلى تأشيرة لينموا.
لكن حزم العقوبات الأمريكية والأوروبية، تلك التي لم يعرف التاريخ شبيها لها إلا في قصص الخيال العلمي، من أوائل عام 2022، أُطلقت كسلاحٍ للإخضاع، فتحولت إلى مِعولٍ للبناء، كأن الغرب أرسل هديةً مغلفةً بورق "انهيار اقتصادي"، لكن داخلها كان دليل إرشادي للاستقلال. لم تُدمّر، بل أعادت التركيب، كأنها لعبة ليغو عملاقة. لم تُضعف، بل أعادت التوازن، كأنها مدرب شخصي قاسٍ. لم تُفرض، بل فُرضت عليها، فأعادت صياغة نفسها، كأنها فنان نحت يُحوّل الصخر إلى تمثال. هذه ليست قصة انتصارٍ عسكري، بل انتصارٌ اقتصادي، كأن الروس قالوا: "شكراً على الدروس المجانية في الاقتصاد، الآن سنطبقها بدونكم". قبل عام 2014، كانت روسيا على وشك أن تُصبح تلك الدولة الرثة تنموياً، كأنها عروسٌ تُزيّن لزفافٍ مع الغرب. كانت سيارات رينو تُجمّع في تولياتي، كأن الروس يقضون أيامهم في تركيب عجلات فرنسية. كانت بوينغ تُصمم أجزاءً من طائراتها في موسكو، كأن المهندسين الروس يعملون كمساعدين لأمريكا. كانت سيمنس تُدير مصانعها في سانت بطرسبرغ، كأن الألمان يأتون ليُعلّموا الروس كيف يشغلون المصابيح. كان الاستثمار الأجنبي المباشر يتدفق، لكن معه تدفقت التبعية، كأن كل دولار يأتي مع سلسلة. كان النمو يأتي، لكن معه جاءت الشروط، كأن الغرب يقول: "نموّكم، لكن بقواعدنا". كان الاقتصاد ينمو، لكن ليس للروس، بل للغرب، كأن الروس يعملون ليُثريوا برلين. كان الاقتصاد ينمو، لكن ليس في العمق، بل على السطح، كأنه بركة ماء في صحراء. كان الاقتصاد ينمو، لكن ليس في الترابط، بل في التجزئة، كأنه سلة فواكه متناثرة.
ثم جاءت العقوبات، كأنها عاصفةٌ مفاجئة في يوم مشمس. لم تكن مجرد قيودٍ مالية، بل كانت صدمةً هيكلية، كأنها صفعةٌ من القدر. لم تكن مجرد حظرٍ على التصدير، بل كانت دعوةً للاستقلال، كأنها بطاقة تهنئة مكتوب عليها "اصنع بنفسك". لم تكن مجرد قطعٍ للعلاقات، بل كانت بدايةً لإعادة الربط، كأنها خيطٌ يُعاد نسجه. في البداية، كان الألم، كأن الاقتصاد يبكي. انخفض الناتج المحلي بنسبة 3.7% في عام 2015، كأنه طفلٌ يسقط عن دراجته. انخفض الروبل، كأنه يغوص في حوض سباحة. ارتفع التضخم، كأنه بالونٌ يُنفخ. لكن في الألم، بدأت الولادة، كأن الاقتصاد يلد طفلاً جديداً. بدأت المصانع تُعيد تشغيل خطوط الإنتاج، كأنها تستيقظ من غفوة. بدأت المزارع تُوسّع حقولها، كأنها تُمدّ ذراعيها. بدأت الجامعات تُعيد توجيه بحوثها، كأنها تُغيّر اتجاه البوصلة. بدأ الاقتصاد يُعيد ترتيب نفسه، ليس للغرب، بل للروس، كأنه يقول: "الآن، نحن الأولوية".
اليوم، في عام 2025، يقف الاقتصاد الروسي كشاهدٍ على هذا التحول، كأنه ممثلٌ في مسرحية كوميدية يضحك على الجمهور. لم يعد يُصدّر النفط فقط، بل يُصدّر البتروكيماويات، كأنه يقول للغرب: "شكراً على النفط، الآن سنصنع منه بلاستيكاً أفضل". لم يعد يُصدّر القمح فقط، بل يُصدّر المنتجات الغذائية المصنّعة، كأنه يفتح مطعماً عالمياً. لم يعد يستورد الدواء، بل يُنتجه، كأنه صيدليٌ يرفض وصفات الغرب. لم يعد يستورد الآلة، بل يُصممها، كأنه مهندسٌ يرسم مخططاته الخاصة. لم يعد يعتمد على الاستثمار الأجنبي المباشر، بل يعتمد على الاستثمار الداخلي، كأنه يقول: "مالنا يكفي". لم يعد يعتمد على التقنية الغربية، بل يُطوّر تقنيته الخاصة، كأنه طالبٌ يتخرج من مدرسة الغرب. لم يعد يعتمد على السوق الغربية، بل يُبني أسواقه الخاصة، كأنه يفتح متجراً في حيه.
هذا ليس مجرد نمو، بل هو ترابط، كأنه سلسلة ذهبية. هذا ليس مجرد إنتاج، بل هو تماسك، كأنه جسمٌ واحد. هذا ليس مجرد اقتصاد، بل هو سيادة، كأنه تاجٌ على رأس الأمة. الزراعة تُغذي الصناعة الغذائية، والصناعة الغذائية تُغذي الصناعة الكيميائية، والصناعة الكيميائية تُغذي الصناعة الدوائية، والصناعة الدوائية تُغذي الصحة، والصحة تُغذي العامل، والعامل تُغذي الاقتصاد، والاقتصاد تُغذي الأمة، كأنها سلسلة غذائية اقتصادية، والغرب خارج القائمة.
في عام 2013، كانت روسيا تستورد 40% من غذائها، كأنها طفلٌ يعتمد على أمه الغربية. اليوم، في عام 2025، هي مكتفية ذاتياً بنسبة 95%، كأنها بالغٌ يطبخ وجباته بنفسه. في عام 2013، كانت 70% من أدويتها مستوردة، كأنها مريضٌ يأخذ حبوباً أجنبية. اليوم، 80% منها محلية الصنع، كأنها طبيبٌ يعالج نفسه. في عام 2013، كانت سياراتها تُجمّع تحت علامات غربية، كأنها عاملٌ في ورشة أجنبية. اليوم، لادا وغاز وأوروس هي رموز السيادة الصناعية، كأنها سياراتٌ تُدعى "الحرية". في عام 2013، كانت طائراتها تعتمد على محركات غربية، كأنها طائرٌ بجناحين مستعارين. اليوم، سوخوي سوبرجيت 100% محلية، كأنها تطير بجناحيها الخاصة. في عام 2013، كانت برمجياتها تعتمد على SAP وOracle، كأنها كمبيوترٌ يعمل بنظام أجنبي. اليوم، 1C وAstra Linux هما العمود الفقري للإدارة الرقمية، كأنها تقول: "شكراً، الآن لدينا نظامنا الخاص، وهو لا يتجسس".
هذا ليس مجرد تحول، بل هو ثورة، كأنها ثورةٌ بدون طلقات، فقط بآلات. ثورةٌ لم تُعلن، لكنها حدثت، كأنها مفاجأةٌ في حفلة. ثورةٌ لم تُكتب في الشوارع، لكنها كُتبت في المصانع، كأن العمال يكتبون التاريخ بمفكاتهم. ثورةٌ لم تُرفع فيها اللافتات، لكنها رُفعت فيها خطوط الإنتاج، كأنها أعلامٌ جديدة. ثورةٌ لم تُغنّى فيها الأناشيد، لكنها غُنّيت في صوت الآلات، كأنها سيمفونية صناعية. هذه هي الثورة الصامتة، التي تجعل الغرب يصرخ.
وهنا يكمن الخطر الحقيقي على الغرب، ليس في الصواريخ، بل في المصانع، كأن الخطر يأتي بصندوق هدايا. ليس في الدبابات، بل في الآلات، كأنها آلاتٌ تُغني أغنية الاستقلال. ليس في الجنود، بل في العمال، كأنهم جيشٌ ببدلات عمل. لأن روسيا لم تعد تحتاج إلى الغرب، كأنها صديقٌ يقول "وداعاً" بعد حفلة. لم تعد تحتاج إلى استثماراته، كأنها تقول "مالكم لا يثيرنا". لم تعد تحتاج إلى تقنياته، كأنها تُخرج شهادة تخرج. لم تعد تحتاج إلى أسواقه، كأنها تفتح أسواقاً جديدة في الحي. لم تعد تحتاج إلى إذنه، كأنها بالغٌ لا يطلب إذن والديه. روسيا لم تعد جزءاً من سلسلة القيمة العالمية، بل أصبحت سلسلة قيمة بحد ذاتها، كأنها مطعمٌ يطبخ كل شيء بنفسه. روسيا لم تعد مُورّداً، بل أصبحت مُنتجاً، كأنها ترفض أن تكون مجرد بائع خضار. روسيا لم تعد تابعة، بل أصبحت سيادية، كأنها ملكةٌ في قصرها.
هذا هو الخطر، لأن ما حدث في روسيا يمكن أن يحدث في إيران، كأنها عدوى سعيدة. وفي فنزويلا، كأنها حفلة استقلال. وفي كوبا، كأنها سيجارٌ محلي. وفي كوريا الشمالية، كأنها صاروخٌ اقتصادي. وفي كل دولةٍ تُفرض عليها العقوبات، كأن العقوبات توزع بطاقات دعوة للثورة. العقوبات لم تُدمّر، بل أعادت البناء، كأنها مهندسٌ فاشل يبني قصراً. العقوبات لم تُضعف، بل أعادت القوة، كأنها مدربٌ يُقوّي عضلات الخصم. العقوبات لم تُفرض، بل فُرضت عليها، فأعادت صياغة نفسها، كأنها فخٌ ينقلب على الصياد. هذه ليست نهاية النظام العالمي، بل بداية نظامٍ عالمي جديد، كأن الغرب يُعلن إفلاسه. نظامٌ لا يعتمد على الاحتكار، بل على السيادة، كأن كل دولة تُغني أغنيتها. نظامٌ لا يعتمد على التبعية، بل على الترابط، كأنها شبكة أصدقاء. نظامٌ لا يعتمد على الإمبريالية، بل على الاستقلال، كأنها حفلة وداع.
في عام 2035، عندما تُقلع طائرة MC-21 من مطار شرميتييفو، متجهةً إلى جاكرتا أو لاغوس أو برازيليا، لن تكون مجرد طائرة، بل ستكون رمزاً، كأنها طائرٌ يحمل رسالة: "شكراً على العقوبات، الآن نطير لوحدنا". رمزاً لأمةٍ لم تُهزم، كأنها ملاكمٌ يفوز بالضربة القاضية. رمزاً لأمةٍ لم تُخضع، كأنها أميرةٌ ترفض الزواج المرتب. رمزاً لأمةٍ لم تُستعمر، كأنها أرضٌ لم تُباع. رمزاً لأمةٍ أعادت بناء نفسها، ليس بالسلاح، بل بالعقل، كأنها فيلسوفٌ يبني مدينة. ليس بالقوة، بل بالترابط، كأنها عائلةٌ متماسكة. ليس بالحرب، بل بالإنتاج، كأنها مصنعٌ يُغني.
هذه ليست قصة روسيا فقط، بل قصة كل أمةٍ ترفض أن تكون جزءاً من سلسلة القيمة العالمية، كأنها ترفض دعوةً لحفلة مملة. هذه قصة كل أمةٍ ترفض أن تكون مقاولاً بالباطن، كأنها ترفض وظيفةً رديئة. هذه قصة كل أمةٍ ترفض أن تكون دولةً رثة تنموياً، كأنها ترفض ثوباً قديماً. هذه قصة السيادة، قصة الترابط، قصة الإنسان، كأنها قصة حبٍ مع النفس.
وفي النهاية، لم تكن العقوبات سلاحاً للإخضاع، بل كانت مِعولاً للحرية، كأنها هديةٌ من عدوٍ غبي. لم تكن نهايةً، بل بدايةً، كأنها فجرٌ بعد ليلة طويلة. لم تكن هزيمةً، بل انتصاراً، كأن الغرب يُهنئ نفسه على فشله. انتصاراً لم يُعلن، لكنه حدث، كأنه سرٌ يُكشف. انتصاراً لم يُكتب في التاريخ بعد، لكنه يُكتب الآن، في كل مصنع، في كل حقل، في كل مختبر، في كل عقلٍ روسي يرفض أن يكون تابعاً، كأنه يقول: "شكراً، الدرس مجاني".
هذه هي الحقيقة، ليست حقيقة الإعلام، بل حقيقة الأرقام، كأن الأرقام تضحك على الإعلام. ليست حقيقة السياسة، بل حقيقة الإنتاج، كأن المصانع تُغني أوبرا. ليست حقيقة الغرب، بل حقيقة الشرق الجديد، كأن الشرق يستيقظ من غفوة. حقيقة أمةٍ أعادت بناء نفسها، ليس رغم العقوبات، بل بفضل العقوبات، كأنها تقول للغرب: "شكراً على الهدية، سنستخدمها جيداً". أمةٍ أعادت ترتيب اقتصادها، ليس للغرب، بل لشعبها، كأنها أمٌ تُعدّ الطعام لأبنائها. أمةٍ أعادت كتابة مصيرها، ليس بالتبعية، بل بالسيادة، كأنها تكتب روايتها الخاصة.
وهكذا، في قلب موسكو، حيث يتدفق نهر الفولغا، يقف الاقتصاد الروسي اليوم كشاهدٍ على أعظم مفارقات العصر: أن العقوبات التي أُريد بها الإخضاع، كانت في الحقيقة مفتاح التحرر، كأن الغرب فتح الباب بنفسه. أن العقوبات التي أُريد بها التدمير، كانت في الحقيقة أداة البناء، كأنها مطرقةٌ في يد نحات. أن العقوبات التي أُريد بها الضعف، كانت في الحقيقة مصدر القوة، كأنها فيتاميناتٌ للعضلات.
هذه ليست نهاية القصة، بل بدايتها، كأن الغرب يُعلن: "الجزء الثاني قادم، وسنخسر فيه أيضاً".
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إمبراطوريات إبداعية بلا متاعب
-
سلاح الكرامة والسيادة في مواجهة نفق الدولة الفاشلة
-
«الجنجويد والدعم السريع: استعمار جديد في السودان»..ملخص كتاب
...
-
من تأسيس الكيان الوهابي الى غرف الموك وخلايا التجسس في اليمن
-
خرافة الاقتصاد الإسلامي: أسطورة خليجية في خدمة الإمبراطورية
...
-
فخ أوكرانيا: دروس التاريخ تتحدث، والناتو يستمع بصمت
-
خيانة مقنعة: رفع العقوبات ودورة النهب الاستعماري
-
خوارزميات الاحتكارات الأمريكية: حرب منهجية على الوعي الاجتما
...
-
محميات الخليج: بيادق وول ستريت في مسرح العرائس الصهيوني وفشل
...
-
طوفان الأقصى وانهيار الهوية الاقتصادية الإسرائيلية: هزيمة اس
...
-
زهران ممداني: رمز الاشتراكية عالمية الطابع وفرصة أمريكا الأخ
...
-
الإبادة الجماعية في غزة: حفلة تنكرية للأشرار الكبار
-
العناصر النادرة: سيف الصين الأخلاقي أمام فظاعة الإبادة الجما
...
-
كيف تحول ملوك سومر وبابل إلى أنبياء في الروايات اللاحقة
-
انهيار الإمبراطورية الأمريكية وانسحابها من عرش العالم..بداية
...
-
بلجيكا على حافة الهاوية: حكومة دي ويفر تواجه غضب الشعب وتهدي
...
-
الإبادة الجماعية في غزة: تقرير الأمم المتحدة يكشف تواطؤ ستين
...
-
كتيب : تشريح النظام العالمي: الجذور الخفية للهيمنة وخريطة ال
...
-
آليات الهدم - تشريح أدوات تدمير الدول
-
تشريح النظام العالمي - الجذور الخفية للهيمنة
المزيد.....
-
ميريل ستريب تلتقي مجددًا بآن هاثاواي.. إطلاق الإعلان التشويق
...
-
رويترز: أغلب المستمعين لا يميزون الموسيقى المولدة بالذكاء ال
...
-
طلاق كريم محمود عبدالعزيز يشغل الوسط الفني.. وفنانون يتدخلون
...
-
المتحف الوطني بدمشق يواصل نشاطه عقب فقدان قطع أثرية.. والسلط
...
-
وزارة الثقافة السورية تصدر تعميما بمواصفات 6 تماثيل مسروقة م
...
-
هنادي مهنّا وأحمد خالد صالح ينفيان شائعة طلاقهما بظهورهما مع
...
-
السعودية تُطلق -أكاديمية آفاق- لتعزيز الشراكة بين التعليم وا
...
-
بدورته الـ 46.. مهرجان -القاهرة السينمائي- يكرم خالد النبوي
...
-
مع تحدي السياحة.. هل يحافظ دير سانت كاترين بعمر 1500 عام على
...
-
-أعرف مدى دناءة دونالد ترامب-.. جيفري إبستين في رسالة عن قضي
...
المزيد.....
-
رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج
/ د. خالد زغريت
-
صديقي الذي صار عنزة
/ د. خالد زغريت
-
حرف العين الذي فقأ عيني
/ د. خالد زغريت
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
المزيد.....
|