أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - -من أوشفيتز إلى غزة: ذاكرة الناجين وصرخة الأحياء- ..بين شهادة بريمو ليفي وصرخة أحمد صالح سلوم















المزيد.....



-من أوشفيتز إلى غزة: ذاكرة الناجين وصرخة الأحياء- ..بين شهادة بريمو ليفي وصرخة أحمد صالح سلوم


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 22:23
المحور: الادب والفن
    


بين الماضي والحاضر، بين شهادة بريمو ليفي وصرخة أحمد صالح سلوم
1

في لحظة واحدة يمكن أن تتجاور صورتان متناقضتان في الذاكرة الإنسانية: صورة معسكر أوشفيتز كما رواه بريمو ليفي، حيث الصمت يبتلع الأصوات والجوع ينهش الأجساد والإنسان يُسلب من إنسانيته حتى يغدو مجرد رقم في آلة الموت، وصورة غزة اليوم، مدينة محاصرة تتحول إلى مسرح إبادة جماعية تُبث على الهواء مباشرة، حيث الركام يعلو على البيوت، والأطفال يخرجون من تحت الأنقاض أمام عدسات العالم، والدماء تتحول إلى لغة يومية لا تحتاج إلى ترجمة. بين المشهدين مسافة زمنية تقارب ثمانية عقود، لكن الخيط الذي يربطهما واحد: وحشية منظمة تستهدف الإنسان في جوهره، وتعيد إنتاج النازية بأشكال جديدة أكثر فجاجة وعلنية.

بريمو ليفي، الكيميائي والكاتب الإيطالي اليهودي، كتب نصه الشهير "إذا كان هذا إنساناً" ليكون شهادة على ما جرى في معسكرات النازية، شهادة عقلانية باردة، أقرب إلى تقرير أمام محكمة التاريخ، حيث يصف تفاصيل الحياة اليومية في أوشفيتز: الطعام الشحيح، العمل القسري، الإذلال الممنهج، وانعدام أي معنى للسؤال أو للجواب. كان هدفه أن يثبت للتاريخ أن النازية جرّدت الإنسان من إنسانيته، وأن ما جرى لا يمكن أن يُنسى أو يُمحى. أما أحمد صالح سلوم، الكاتب الفلسطيني، فقد كتب روايته "شجرة لين تضيء الكون" ليحوّل تجربة التعذيب والاغتصاب التي تتعرض لها فتاة فلسطينية إلى ملحمة رمزية، حيث الجرح يصبح نوراً، والزنزانة تتحول إلى مجرة، والضحية تغدو بطلة كونية تربط الأرض بالسماء. سلوم لا يكتفي بالتوثيق، بل يكتب ليُلهم، ليحوّل الألم إلى مقاومة، وليجعل من فلسطين رمزاً للحرية في زمن تُمارس فيه الإبادة أمام الكاميرات.

الفرق بين المشهدين ليس في حجم الألم وحده، بل في طبيعة الوحشية نفسها. النازية أخفت جرائمها خلف الأسوار والمعسكرات، ولم يعرف العالم تفاصيلها إلا بعد التحرير عبر شهادات الناجين. أما اليوم، فإن الإبادة في غزة تُمارس علناً، مدعومة من قوى كبرى، وتُعرض أمام العالم لحظة بلحظة، في زمن يُفترض أنه زمن حقوق الإنسان والقانون الدولي. هذه العلنية، وهذا التواطؤ الدولي، يجعلان من المشهد الفلسطيني أكثر فجاجة وهمجية مما عرفه التاريخ البشري. وإذا كان ليفي قد كتب ليحذر من تكرار النازية، فإن سلوم يكتب ليصرخ بالحاضر، ليقول إن النازية لم تنتهِ، بل أعادت إنتاج نفسها في شكل جديد، أكثر جرأة، وأكثر وقاحة، وأكثر استهتاراً بالإنسان وبالقيم التي ادّعى العالم أنه رسّخها بعد الحرب العالمية الثانية.

هكذا تبدأ الحكاية: من أوشفيتز إلى غزة، من شهادة الماضي إلى صرخة الحاضر، من لغة التوثيق إلى لغة الشعر، من الصمت إلى البث المباشر. ويبقى السؤال معلقاً فوق النصين معاً: هل يمكن أن يبقى الإنسان إنساناً أمام آلة الإبادة، أم أن التاريخ محكوم عليه أن يعيد نفسه بأشكال أكثر قسوة كلما ظنّ العالم أنه تجاوزها؟



2

بريمو ليفي لم يكن مجرد شاهد على معسكر أوشفيتز، بل كان صوتاً يخرج من قلب الجحيم ليعيد تعريف معنى أن يكون الإنسان إنساناً. ولد في تورينو عام 1919، درس الكيمياء، وحين انخرط في صفوف المقاومة الإيطالية ضد الفاشية وقع في قبضة آلة القمع النازية. في فبراير 1944 رُحّل إلى أوشفيتز بيركيناو، وهناك عاش تجربة لا يمكن للعقل أن يتصورها: تجويع ممنهج، إذلال يومي، عمل قسري، وموت يحيط بكل خطوة. من بين مئات رُحّلوا معه، لم ينجُ سوى قلة قليلة، وكان هو أحدهم. حين عاد إلى إيطاليا بعد التحرير، لم يكتب بدافع الانتقام أو الصراخ، بل بدافع الشهادة، بدافع أن يضع أمام العالم وثيقة أخلاقية لا يمكن محوها. كتابه "إذا كان هذا إنساناً" لم يكن رواية بالمعنى التقليدي، بل كان نصاً يوازن بين الدقة العلمية والصرخة الإنسانية، نصاً يصف تفاصيل الحياة اليومية في المعسكر ببرودة عقلانية، كأنه يريد أن يقول: هذه ليست مبالغة، هذه هي الحقيقة كما هي، بلا زخرفة ولا تهويل.

في هذا النص، تتجلى قوة ليفي في قدرته على الإمساك باللحظة الصغيرة وتحويلها إلى صورة كبرى عن نزع الإنسانية. قطعة خبز تُصبح رمزاً للصراع من أجل البقاء، نظرة حارس تُصبح مرآة لآلة القمع، كلمة واحدة تُصبح فاصلاً بين الحياة والموت. ليفي لم يكتب ليبني بطلاً أو ليخلق ملحمة، بل كتب ليُظهر كيف يمكن للإنسان أن يُسحق حتى يغدو مجرد رقم، وكيف يمكن أن يُمحى المعنى من الوجود. ومع ذلك، فإن مجيمكن صياغة الملحق ليبدو قطعة عضوية من الصفحات العشر، بلغة أدبية متماسكة ومن منظور الروايتين، مع الحفاظ على محتوى علمي ومنطقي مستمد من التحليل التاريخي والسياسي، على النحو التالي:

---

في ضوء المقارنة بين شهادة بريمو ليفي ورواية أحمد صالح سلوم، يتضح أن الوحشية ليست مجرد فعل معزول في التاريخ، بل هي جزء من منظومة اقتصادية وسياسية أوسع. النازية والفاشية لم تنشآ في فراغ، بل كانتا التعبير الأيديولوجي عن حاجة الاحتكارات الصناعية والمالية إلى إعادة تشغيل مصانعها وتحقيق الأرباح عبر الحروب، خاصة بعد الركود الكبير عام 1929 الذي هزّ أسس النظام الرأسمالي. من هنا نفهم أن معسكرات الإبادة لم تكن مجرد نزوة شيطانية، بل كانت جزءاً من منطق اقتصادي يرى في الحرب وسيلة لإنعاش السوق، وفي سحق الإنسان طريقاً لتوسيع الأرباح.

هذا المنطق نفسه يتجدد اليوم في صورة حلف الناتو، الذي لم يعد مجرد تحالف عسكري دفاعي كما يُسوّق له، بل أصبح التعبير العسكري المباشر عن مصالح الاحتكارات المالية الأمريكية الكبرى: بوينغ، لوكهيد مارتن، مايكروسوفت، تسلا، ميتا، وغوغل. هذه الشركات لا تزدهر إلا في ظل الحروب، حيث تتحول الإبادة إلى عقود تسليح، والدماء إلى أرباح، والركام إلى فرص استثمارية. وهكذا يسجل الناتو إبداعه الهولوكوستي الجديد، ليؤكد أن النظام الرأسمالي الأمريكي لم يعد قادراً على العيش إلا عبر الحروب، وأنه يعيد إنتاج النازية بوجه جديد أكثر فجاجة وعلنية.

لكن في مقابل هذا المشهد، يبرز نموذج آخر، هو النموذج الصيني بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، الذي يطرح طريقاً مختلفاً يقوم على اقتصاد التعليم والإبداع، على بناء إنسان جديد لا يعيش على الحروب بل على المعرفة والابتكار. هذا النموذج لا يقدّم نفسه كيوتوبيا مثالية، بل كخيار واقعي في عالم ينهار تحت وطأة الحروب والإبادات. ومع المظاهرات المليونية التي خرجت في عواصم العالم تضامناً مع غزة وفلسطين، يتضح أن مطلب القضاء على النظام الرأسمالي الأمريكي لم يعد فكرة نظرية، بل أصبح مطلباً عالمياً، تعبيراً عن توق الإنسانية إلى نظام لا يقوم على الإبادة، بل على العدالة والكرامة والحرية.

---

بهذا الشكل يصبح الملحق امتداداً أدبياً وفكرياً للصفحات السابقة، يربط بين الروايتين ويستند إلى تحليل علمي ومنطقي، ليمنح المادة الصحفية بعداً شاملاً يجمع بين الأدب والتاريخ والسياسة والاقتصاد.
رد فعل الكتابة كان مقاومة، كان استعادة للمعنى، كان إعلاناً أن النازية لم تنجح في محو الإنسان تماماً. لقد أراد أن يترك للعالم وصية تقول: إذا كان هذا إنساناً، فاعلموا أن ما جرى ليس مجرد حادثة في التاريخ، بل تحذير دائم من إمكانية تكرار الوحشية.

هكذا يصبح ليفي ، ليس مجرد كاتب، بل شاهد أخلاقي، يضع أمامنا مرآة الماضي، ويجعلنا نرى أن النازية لم تكن مجرد نظام سياسي، بل كانت مشروعاً لنزع الإنسانية من جذورها. ومن هنا تبدأ المقارنة مع الحاضر: إذا كان ليفي قد كتب ليكشف ما أخفته النازية خلف الأسوار، فإن نصوص اليوم، مثل رواية أحمد صالح سلوم، تكتب لتصرخ بما يُمارس علناً أمام العالم، لتقول إن الوحشية لم تنتهِ، بل أعادت إنتاج نفسها في زمن البث المباشر.



3

أحمد صالح سلوم يدخل إلى المشهد من زاوية مختلفة تماماً عن بريمو ليفي، فهو لا يكتب من موقع الناجي الذي يروي للتاريخ ما حدث، بل من موقع الشاهد الذي يعيش المأساة في حاضرها ويحوّلها إلى نص أدبي يتجاوز حدود التوثيق. في روايته "شجرة لين تضيء الكون" لا نجد السرد الخطي ولا التفاصيل اليومية التي تُحاكي تقريراً، بل نجد لغة مشبعة بالرموز والصور الشعرية، حيث تتحول الفتاة الفلسطينية المعتقلة إلى كائن كوني، جرحها يصبح نوراً، وصوتها يتردد كأغنية مقاومة في فضاء يتجاوز حدود الزنزانة. سلوم لا يكتفي بأن يصف التعذيب كفعل وحشي، بل يضعه في سياق أوسع، سياق فلسطين التي تُحاصر وتُقصف وتُعرض للعالم كأنها مسرح مفتوح، حيث كل مشهد من الألم يُبث مباشرة أمام ملايين الشاشات.

هذا الاختلاف في الأسلوب يعكس اختلافاً في الهدف. ليفي أراد أن يترك وثيقة للتاريخ، أن يقول للعالم: هذا ما جرى، لا تنسوا. أما سلوم فيكتب ليصرخ بالحاضر، ليحوّل الضحية إلى رمز، وليجعل من النص نفسه فعلاً مقاوماً. في زمن البث المباشر، حيث الجرائم تُمارس علناً، يصبح الأدب الفلسطيني محاولة لإعادة صياغة المعنى، لإضفاء بعد إنساني على صور الدم والركام التي قد تتحول إلى مجرد أرقام في نشرات الأخبار. سلوم يرفض أن تكون الضحية رقماً، ويصرّ على أن تكون رمزاً، أن تكون شجرة تضيء الكون، أن تكون صوتاً يتجاوز حدود المكان والزمان.

هكذا تتضح الفروق بين النصين: ليفي يكتب من داخل معسكر مغلق، حيث الوحشية مخفية خلف الأسوار، وسلوم يكتب من داخل مدينة محاصرة، حيث الوحشية تُعرض أمام العالم بلا خجل. الأول يقدّم شهادة عقلانية باردة، والثاني يقدّم ملحمة شعرية مشبعة بالرموز. كلاهما يواجه الوحشية، لكن بأسلوبين مختلفين: ليفي يوثق الماضي ليحذر من تكراره، وسلوم يصرخ بالحاضر ليقول إن النازية لم تنتهِ، بل أعادت إنتاج نفسها في شكل جديد أكثر فجاجة وعلنية. بهذه المقارنة، يصبح الأدب مرآة مزدوجة: مرآة تكشف ما أخفي بالأمس، ومرآة تصرخ بما يُمارس اليوم أمام أعين الجميع.




4


حين نصل إلى المقارنة بين لغة بريمو ليفي ولغة أحمد صالح سلوم، ندرك أننا أمام عالمين متباينين في الشكل، لكنهما يتقاطعان في الجوهر. ليفي يكتب ببرودة عقلانية، كأنما يريد أن يضع القارئ أمام محكمة التاريخ بلا عاطفة ولا زخرفة، ليقول له: هذه هي الحقيقة كما هي، عارية من أي تبرير أو استعارة. في نصه، كل كلمة محسوبة، كل وصف دقيق، كل مشهد يقدَّم كوثيقة لا تحتمل التأويل. إنه أسلوب يهدف إلى إقناع العقل قبل أن يهزّ الوجدان، إلى أن يجعل القارئ شاهداً على ما جرى، لا متعاطفاً فحسب. أما سلوم، فإنه يكتب بلغة مشبعة بالصور الشعرية، حيث الجرح يتحول إلى نور، والزنزانة إلى مجرة، والبطلة إلى رمز كوني يتجاوز حدود المكان والزمان. إنه أسلوب يهدف إلى إلهام الوجدان قبل أن يقنع العقل، إلى أن يجعل القارئ جزءاً من الملحمة، لا مجرد شاهد خارجي.

هذا التباين في اللغة يعكس اختلافاً في طبيعة التجربة نفسها. ليفي عاش في معسكر مغلق، حيث الوحشية مخفية خلف الأسوار، وكان عليه أن يكشف المستور بعد التحرير. سلوم يعيش في زمن البث المباشر، حيث الوحشية تُعرض أمام العالم بلا خجل، وكان عليه أن يحوّل هذه الصور الفجة إلى نص أدبي يمنحها معنى إنسانياً يتجاوز الأرقام والإحصاءات. ليفي يكتب ليحذر من تكرار النازية، وسلوم يكتب ليصرخ بأن النازية لم تنتهِ، بل أعادت إنتاج نفسها في شكل جديد أكثر فجاجة وعلنية. الأول يقدّم شهادة عقلانية باردة، والثاني يقدّم ملحمة شعرية مشبعة بالرموز. كلاهما يواجه الوحشية، لكن بأسلوبين مختلفين: ليفي يوثق الماضي ليحفظه في الذاكرة، وسلوم يصرخ بالحاضر ليحوّله إلى مقاومة.

هكذا تصبح اللغة نفسها جزءاً من المعركة. عند ليفي، اللغة أداة توثيق، سلاح ضد النسيان. عند سلوم، اللغة أداة مقاومة، سلاح ضد الاستسلام. وبين الاثنين، يتضح أن الأدب ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو فعل سياسي وأخلاقي، فعل يواجه الوحشية ويعيد للإنسان معناه. هذه المقارنة تكشف أن الأدب، مهما اختلفت لغته، يظل قادراً على أن يكون مرآة للإنسان في مواجهة آلة الإبادة، وأن يطرح السؤال الأبدي: كيف يمكن للكلمة أن تصمد أمام الرصاصة، وكيف يمكن للرمز أن يضيء في زمن الظلام؟



5

حين ننتقل إلى البنية السردية في نصوص بريمو ليفي وأحمد صالح سلوم، ندرك أن الاختلاف بينهما لا يقتصر على اللغة والأسلوب، بل يمتد إلى الطريقة التي تُبنى بها الشخصيات والأحداث والزمن داخل النص. ليفي يقدّم شخصياته كما هي، بأسمائها ووجوهها وتفاصيلها اليومية، سجناء يتصارعون مع الجوع والبرد والخوف، وحراس ينفذون أوامر آلة بيروقراطية لا تعرف الرحمة. كل شخصية عنده جزء من لوحة واقعية دقيقة، تُظهر كيف يُسحق الإنسان حتى يغدو مجرد رقم في سجل المعسكر. الأحداث عنده تسير بخط زمني واضح: من لحظة الاعتقال، إلى الحياة اليومية في أوشفيتز، وصولاً إلى التحرير. الزمن خطي، يبدأ وينتهي داخل حدود المعسكر، كأنما يريد أن يضع القارئ أمام تجربة محددة، مغلقة، لا مجال فيها للرمز أو الاستعارة، بل للتوثيق وحده.

أما سلوم، فإنه يبني شخصياته على نحو رمزي، حيث البطلة "لين" لا تُقدَّم كفتاة فلسطينية فقط، بل كرمز كوني يتجاوز حدود الفرد ليصبح صورة للحرية نفسها. الجلادون عنده لا يحملون أسماء ولا وجوهاً محددة، بل يظهرون كقوى مظلمة، كأنهم تجسيد للوحشية المطلقة. الأحداث لا تسير بخط زمني واضح، بل تتداخل فيها اللحظة مع الأبدية، الماضي مع الحاضر، الزنزانة مع الكون. الزمن عنده ليس خطياً، بل متشظياً، يتجاوز حدود اللحظة ليصبح جزءاً من تاريخ فلسطين والإنسانية. كل مشهد عنده يتحول إلى صورة شعرية، كل جرح إلى نور، كل صرخة إلى أغنية مقاومة. إنه بناء سردي يهدف إلى تحويل التجربة الفردية إلى ملحمة جماعية، إلى أن يجعل من النص نفسه فعلاً مقاوماً.

هذا التباين في البنية السردية يعكس اختلافاً في الهدف. ليفي أراد أن يترك شهادة للتاريخ، أن يوثق ما جرى بدقة ليحذر من تكراره. سلوم أراد أن يكتب ملحمة للحاضر، أن يحوّل الألم إلى مقاومة، وأن يجعل من الضحية بطلة كونية. الأول يقدّم نصاً عقلانياً يوثق الماضي، والثاني يقدّم نصاً شعرياً يصرخ بالحاضر. كلاهما يواجه الوحشية، لكن بأسلوبين مختلفين: ليفي يضع القارئ أمام تجربة مغلقة ليقول له "هذا ما حدث"، وسلوم يفتح النص على الكون ليقول "هذا ما يحدث الآن، وهذا ما يجب أن يتحول إلى مقاومة". بهذه المقارنة، يتضح أن الأدب ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو طريقة لبناء الذاكرة والهوية، طريقة لمواجهة الوحشية وإعادة تعريف معنى أن يكون الإنسان إنساناً.




6


حين نصل إلى الحديث عن وحشية النازية في الماضي، ندرك أننا أمام مشروع لم يكن مجرد آلة قتل، بل كان منظومة كاملة تهدف إلى نزع الإنسانية من جذورها. في معسكرات الاعتقال، لم يكن الموت وحده هو الهدف، بل كان الهدف الأعمق هو تحويل الإنسان إلى شيء بلا معنى، إلى جسد يُستنزف حتى آخر نفس، إلى كائن يُسلب منه اسمه وذاكرته وكرامته. التجويع لم يكن مجرد حرمان من الطعام، بل كان وسيلة لإذلال الروح، والعمل القسري لم يكن مجرد إنتاج، بل كان أداة لتدمير الإرادة، والإذلال اليومي لم يكن مجرد عقوبة، بل كان محاولة منهجية لمحو فكرة أن الإنسان يستحق الحياة. كل تفصيل في تلك المعسكرات كان جزءاً من هندسة وحشية دقيقة، حيث يُسحق الفرد في آلة جماعية لا تعرف الرحمة.

النازية أخفت جرائمها خلف الأسوار، جعلت من المعسكرات عالماً مغلقاً لا يراه أحد، كأنها أرادت أن تُمارس وحشيتها في الظل، بعيداً عن أعين العالم. لم يكن هناك بث مباشر ولا صور تصل إلى كل بيت، بل كان هناك صمت مطبق، جدران عالية، وأسلاك شائكة تحجب الحقيقة. العالم لم يعرف حجم الفظائع إلا بعد التحرير، حين خرج الناجون مثل بريمو ليفي ليكتبوا شهاداتهم، ليكشفوا المستور، وليضعوا أمام التاريخ وثائق لا يمكن إنكارها. هذه الشهادات كانت بمثابة صرخة أخلاقية، تحذيراً دائماً من إمكانية تكرار الوحشية، ودليلاً على أن الإنسان يمكن أن يُسحق حتى يغدو مجرد رقم، لكن يمكن أيضاً أن ينهض ليكتب، ليشهد، ليقاوم بالنص.

في هذه الصفحة، يصبح الماضي مرآة تكشف لنا أن النازية لم تكن مجرد حقبة تاريخية، بل كانت نموذجاً لآلة الإبادة التي يمكن أن تعود بأشكال مختلفة. وحشيتها كانت مخفية، لكنها منهجية، وكانت تستهدف الإنسان في جوهره، لتقول له إنه بلا قيمة، بلا معنى، بلا حق في الحياة. ومن هنا تبدأ المقارنة مع الحاضر، حيث الوحشية لم تعد مخفية خلف الأسوار، بل تُمارس علناً أمام العالم، لتطرح السؤال الأكثر إيلاماً: إذا كان الماضي قد أخفى جرائمه، فما الذي يعنيه أن يُمارس الحاضر جرائمه في وضح النهار، أمام أعين الجميع، بلا خجل ولا خوف من التاريخ؟




7

غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، إنها معسكر مفتوح بلا أسوار، حيث تُمارس الوحشية أمام العالم بلا خجل ولا مواربة. إذا كانت النازية قد أخفت جرائمها خلف الأسلاك الشائكة والجدران العالية، فإن النازية الجديدة، المتجسدة في التحالف الأمريكي الصهيوني الأوروبي، تمارس جرائمها في وضح النهار، وتبثها مباشرة عبر الشاشات، كأنها تريد أن تقول إن القانون الدولي مجرد ورق، وإن حقوق الإنسان مجرد شعارات فارغة. هنا لا يحتاج العالم إلى شهادات الناجين بعد التحرير، فالمجازر تُعرض لحظة بلحظة، الأطفال يُنتشلون من تحت الركام أمام الكاميرات، المستشفيات تُقصف على الهواء، والدماء تتحول إلى لغة يومية يتلقاها كل بيت عبر نشرات الأخبار.

هذا الفارق الجوهري يجعل من المشهد الفلسطيني أكثر فجاجة وهمجية مما عرفه التاريخ البشري. النازية القديمة كانت تخشى الفضيحة، كانت تحاول أن تُخفي جرائمها عن الأنظار، أما النازية الجديدة فلا تخشى شيئاً، بل تمارس جرائمها علناً، مدعومة من قوى كبرى تعلن دعمها العسكري والسياسي بلا مواربة. الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، كلها تقف في صف آلة القتل، كأنها تعيد إنتاج مشهد النازية لكن بوجه جديد، أكثر جرأة وأكثر استهتاراً بالقيم التي ادّعى العالم أنه رسّخها بعد الحرب العالمية الثانية. هذه العلنية ليست مجرد تفصيل، بل هي جوهر الوحشية الجديدة: أن تُمارس الإبادة أمام العالم، وأن يُترك الضحايا بلا حماية، وأن يُختزل الألم إلى أرقام في تقارير يومية.

في هذا السياق، يصبح الأدب الفلسطيني مثل نص أحمد صالح سلوم محاولة لإعادة صياغة المعنى، لإضفاء بعد إنساني على صور الدم والركام التي قد تتحول إلى مجرد مشاهد عابرة في الإعلام. سلوم يرفض أن تكون الضحية رقماً، ويصرّ على أن تكون رمزاً، أن تكون شجرة تضيء الكون، أن تكون صوتاً يتجاوز حدود المكان والزمان. وهنا تتضح المفارقة: بريمو ليفي كتب ليكشف ما أخفته النازية، أما سلوم فيكتب ليصرخ بما يُمارس علناً، ليقول إن النازية لم تنتهِ، بل أعادت إنتاج نفسها في زمن البث المباشر. هذه المقارنة تجعلنا ندرك أن الوحشية ليست مجرد حدث في الماضي، بل هي حاضر يتكرر بأشكال أكثر قسوة، وأن الأدب يظل السلاح الأعمق في مواجهة آلة الإبادة، لأنه يعيد للإنسان معناه حين يحاول العالم أن يسلبه حتى حقه في أن يُرى كإنسان.





8

البعد الأخلاقي والسياسي لما يجري اليوم في غزة يكشف عن مفارقة مروعة في تاريخ الإنسانية. ففي حين أن العالم بعد الحرب العالمية الثانية أقسم ألا يسمح بتكرار النازية، نراه اليوم يقف متفرجاً أمام مشهد إبادة جماعية تُمارس علناً، مدعومة من قوى كبرى، وكأن تلك العهود والمواثيق لم تكن سوى كلمات فارغة. النازية القديمة كانت تخشى الفضيحة، كانت تحاول أن تُخفي جرائمها خلف الأسوار، أما النازية الجديدة فلا تخشى شيئاً، بل تمارس جرائمها أمام الكاميرات، مدعومة بتصريحات رسمية، وبصفقات سلاح تُعلن في العلن، وبخطابات سياسية تبرر القتل وتغطيه بلغة الأمن والمصالح. هذه العلنية ليست مجرد تفصيل، بل هي جوهر الوحشية الجديدة، إذ تتحول الإبادة إلى مشهد يومي، إلى خبر عابر في نشرات الأخبار، إلى صورة تُستهلك ثم تُنسى، بينما الدماء لا تزال تسيل.

هنا يصبح السؤال الأخلاقي أكثر إيلاماً: كيف يمكن للعالم أن يتحدث عن حقوق الإنسان وهو يرى الأطفال يُنتشلون من تحت الركام؟ كيف يمكن للقوى الكبرى أن تدّعي الدفاع عن الحرية وهي تدعم آلة قتل تُمارس الإبادة بلا خجل؟ هذا التناقض يكشف أن القيم التي بُني عليها النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية قد انهارت، وأن القانون الدولي لم يعد سوى ورقة تُستخدم حين تخدم المصالح، وتُهمل حين تُعارضها. في هذا السياق، يصبح الأدب أكثر من مجرد كتابة، يصبح صرخة أخلاقية، يصبح محاولة لإعادة المعنى إلى عالم فقد قدرته على التمييز بين الحق والباطل. بريمو ليفي كتب ليحذر من تكرار النازية، وأحمد صالح سلوم يكتب ليقول إن النازية لم تنتهِ، بل أعادت إنتاج نفسها في شكل جديد أكثر فجاجة وعلنية، مدعومة من قوى تدّعي أنها حامية الديمقراطية.

إن البعد السياسي لهذه الوحشية يتجاوز حدود فلسطين، فهو يكشف عن نظام عالمي يشرعن القتل حين يخدم مصالحه، ويصمت عن الإبادة حين يكون الضحايا من شعوب لا يملكها نفوذ سياسي أو اقتصادي. هذا الصمت ليس حياداً، بل هو تواطؤ، وهو ما يجعل من المشهد الفلسطيني اليوم أكثر قسوة من النازية القديمة، لأن العالم لا يستطيع أن يدّعي الجهل، ولا أن يقول إنه لم يكن يعرف. كل بيت يرى الصور، كل شاشة تنقل المشاهد، وكل إنسان يعرف أن الإبادة تُمارس أمامه. وهنا يصبح السؤال الأخلاقي والسياسي واحداً: إذا كان الماضي قد أخفى جرائمه، فما الذي يعنيه أن يُمارس الحاضر جرائمه في وضح النهار، وأن يُترك الضحايا بلا حماية، وأن يُختزل الألم إلى أرقام في تقارير يومية؟ هذه هي المأساة الكبرى، أن العالم يعرف، لكنه يختار أن يصمت، وأن الأدب وحده يصرخ ليعيد للإنسان صوته في زمن فقد فيه العالم إنسانيته.


9

الأثر النفسي الذي يتركه نص بريمو ليفي يختلف جذرياً عن الأثر الذي يتركه نص أحمد صالح سلوم، ومع ذلك فإن كليهما يلتقيان في نقطة واحدة: مواجهة القارئ بالوحشية في أقصى صورها. ليفي يضع القارئ أمام تجربة عقلانية باردة، حيث التفاصيل اليومية في معسكر أوشفيتز تُروى بدقة علمية، كأنها تقرير أمام محكمة التاريخ. القارئ هنا لا يجد نفسه مندمجاً في ملحمة أو متأثراً بصور شعرية، بل يجد نفسه أمام حقائق صادمة، أمام مشاهد تُعرّي الإنسان من إنسانيته، وتجعله يتساءل بعمق: كيف يمكن أن يصل البشر إلى هذا الحد من القسوة؟ هذا الأثر النفسي يقوم على الصدمة العقلية، على مواجهة القارئ بحقيقة لا يمكن إنكارها، وعلى تركه أمام سؤال أخلاقي يظل يلاحقه: هل يمكن أن يتكرر هذا؟ وهل نحن حقاً محصنون ضد عودة النازية؟

أما سلوم، فإنه يكتب ليهزّ الوجدان، ليحوّل الألم إلى رمز، وليجعل من الضحية بطلة كونية. القارئ هنا لا يقف أمام تقرير عقلاني، بل أمام نص شعري ملحمي، حيث الصور الرمزية تفتح أبواب الخيال، وتجعل من التجربة الفردية ملحمة جماعية. الأثر النفسي عند سلوم يقوم على الإلهام، على تحويل الصدمة إلى مقاومة، وعلى جعل القارئ يشعر أنه جزء من المعركة، لا مجرد شاهد خارجي. حين يقرأ القارئ أن الجرح يضيء الكون، أو أن الزنزانة تتحول إلى مجرة، فإنه لا يرى مجرد وصف للتعذيب، بل يرى محاولة لإعادة صياغة المعنى، لإضفاء بعد إنساني على صور الدم والركام التي قد تتحول إلى مجرد أرقام في نشرات الأخبار. هذا الأثر النفسي يترك القارئ أمام دعوة للمقاومة، أمام إيمان بأن الألم يمكن أن يتحول إلى نور، وأن الضحية يمكن أن تصبح رمزاً للحرية.

هكذا تتضح الفروق في الأثر النفسي: ليفي يترك القارئ أمام صدمة عقلية وأخلاقية، وسلوم يتركه أمام إلهام وجداني وملحمي. الأول يكتب ليحذر من تكرار النازية، والثاني يكتب ليصرخ بأن النازية لم تنتهِ، بل أعادت إنتاج نفسها في زمن البث المباشر. كلاهما يواجه الوحشية، لكن بأسلوبين مختلفين: ليفي يجعل القارئ شاهداً على الماضي، وسلوم يجعله جزءاً من الحاضر. وفي النهاية، يظل الأدب عندهما أداة لمواجهة الوحشية، أداة لإعادة تعريف معنى أن يكون الإنسان إنساناً، وأداة لطرح السؤال الأبدي: كيف يمكن للكلمة أن تصمد أمام آلة الإبادة، وكيف يمكن للرمز أن يضيء في زمن الظلام؟


10

من أوشفيتز إلى غزة يمتد خيط واحد من الدم والذاكرة، خيط يربط بين شهادة بريمو ليفي التي أرادت أن تحفظ للتاريخ حقيقة النازية، وبين صرخة أحمد صالح سلوم التي تريد أن تفضح النازية الجديدة وهي تُمارس جرائمها أمام العالم بلا خجل. في النهاية، يظل السؤال معلقاً فوق النصين معاً: هل يمكن أن يبقى الإنسان إنساناً أمام آلة الإبادة، أم أن التاريخ محكوم عليه أن يعيد نفسه بأشكال أكثر قسوة كلما ظنّ العالم أنه تجاوزها؟ ليفي كتب ليقول إن النازية جرّدت الإنسان من إنسانيته، وسلوم يكتب ليقول إن النازية لم تنتهِ، بل أعادت إنتاج نفسها في زمن البث المباشر، حيث الدماء تتحول إلى صور يومية، وحيث الألم يُختزل إلى أرقام في نشرات الأخبار.

الخاتمة هنا ليست مجرد تلخيص، بل هي دعوة إلى مواجهة الحقيقة: أن العالم الذي أقسم بعد الحرب العالمية الثانية ألا يسمح بتكرار النازية، يقف اليوم متفرجاً أمام مشهد إبادة جماعية تُمارس علناً، مدعومة من قوى كبرى، وكأن تلك العهود والمواثيق لم تكن سوى كلمات فارغة. الأدب في هذا السياق يصبح أكثر من مجرد كتابة، يصبح سلاحاً أخلاقياً، يصبح محاولة لإعادة المعنى إلى عالم فقد قدرته على التمييز بين الحق والباطل. ليفي أراد أن يترك وصية تقول: لا تنسوا. وسلوم يريد أن يترك صرخة تقول: لا تصمتوا. بين الوصية والصرخة، بين الماضي والحاضر، بين التوثيق والرمز، يظل الأدب هو المرآة التي تكشف وحشية الإنسان، وهو الصوت الذي يصرّ على أن الكلمة يمكن أن تصمد أمام الرصاصة، وأن الرمز يمكن أن يضيء في زمن الظلام.

هكذا تنتهي هذه المادة الصحفية، لا بإغلاق الباب، بل بفتحه على سؤال أبدي: كيف يمكن للإنسان أن يحافظ على إنسانيته في مواجهة آلة الإبادة؟ وكيف يمكن للكلمة أن تظل قادرة على أن تكون سلاحاً حين ينهار كل سلاح آخر؟ من أوشفيتز إلى غزة، يظل الأدب شاهداً ومقاوماً، يظل الصوت الذي يرفض النسيان، ويظل الذاكرة التي تقول للعالم إن الوحشية لم تنتهِ، وإن الصمت ليس خياراً، وإن الإنسان لا يزال قادراً على أن يكتب، أن يصرخ، أن يقاوم، حتى في أقسى لحظات التاريخ.


يمكن صياغة الملحق ليبدو قطعة عضوية من الصفحات العشر، بلغة أدبية متماسكة ومن منظور الروايتين، مع الحفاظ على محتوى علمي ومنطقي مستمد من التحليل التاريخي والسياسي، على النحو التالي:

ملحق اخير

في ضوء المقارنة بين شهادة بريمو ليفي ورواية أحمد صالح سلوم، يتضح أن الوحشية ليست مجرد فعل معزول في التاريخ، بل هي جزء من منظومة اقتصادية وسياسية أوسع. النازية والفاشية لم تنشآ في فراغ، بل كانتا التعبير الأيديولوجي عن حاجة الاحتكارات الصناعية والمالية إلى إعادة تشغيل مصانعها وتحقيق الأرباح عبر الحروب، خاصة بعد الركود الكبير عام 1929 الذي هزّ أسس النظام الرأسمالي. من هنا نفهم أن معسكرات الإبادة لم تكن مجرد نزوة شيطانية، بل كانت جزءاً من منطق اقتصادي يرى في الحرب وسيلة لإنعاش السوق، وفي سحق الإنسان طريقاً لتوسيع الأرباح.

هذا المنطق نفسه يتجدد اليوم في صورة حلف الناتو، الذي لم يعد مجرد تحالف عسكري دفاعي كما يُسوّق له، بل أصبح التعبير العسكري المباشر عن مصالح الاحتكارات المالية الأمريكية الكبرى: بوينغ، لوكهيد مارتن، مايكروسوفت، تسلا، ميتا، وغوغل. هذه الشركات لا تزدهر إلا في ظل الحروب، حيث تتحول الإبادة إلى عقود تسليح، والدماء إلى أرباح، والركام إلى فرص استثمارية. وهكذا يسجل الناتو إبداعه الهولوكوستي الجديد، ليؤكد أن النظام الرأسمالي الأمريكي لم يعد قادراً على العيش إلا عبر الحروب، وأنه يعيد إنتاج النازية بوجه جديد أكثر فجاجة وعلنية.

لكن في مقابل هذا المشهد، يبرز نموذج آخر، هو النموذج الصيني بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، الذي يطرح طريقاً مختلفاً يقوم على اقتصاد التعليم والإبداع، على بناء إنسان جديد لا يعيش على الحروب بل على المعرفة والابتكار. هذا النموذج لا يقدّم نفسه كيوتوبيا مثالية، بل كخيار واقعي في عالم ينهار تحت وطأة الحروب والإبادات. ومع المظاهرات المليونية التي خرجت في عواصم العالم تضامناً مع غزة وفلسطين، يتضح أن مطلب القضاء على النظام الرأسمالي الأمريكي لم يعد فكرة نظرية، بل أصبح مطلباً عالمياً، تعبيراً عن توق الإنسانية إلى نظام لا يقوم على الإبادة، بل على العدالة والكرامة والحرية.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «دمٌ تحت الشمس ودمعٌ تحت القمر» مقارنة بين رواية رجال تحت ال ...
- سوريا الأسد: مقاومة العقل أمام دواعش الريال والدرهم
- رواية : ارض الرماد والأنين ..فصلان
- رواية : شجرةُ لينَ تُضيءُ الكونَ
- الصين: أمل البشرية في اشتراكية عالمية
- العقوبات: مِعول السيادة
- إمبراطوريات إبداعية بلا متاعب
- سلاح الكرامة والسيادة في مواجهة نفق الدولة الفاشلة
- «الجنجويد والدعم السريع: استعمار جديد في السودان»..ملخص كتاب ...
- من تأسيس الكيان الوهابي الى غرف الموك وخلايا التجسس في اليمن
- خرافة الاقتصاد الإسلامي: أسطورة خليجية في خدمة الإمبراطورية ...
- فخ أوكرانيا: دروس التاريخ تتحدث، والناتو يستمع بصمت
- خيانة مقنعة: رفع العقوبات ودورة النهب الاستعماري
- خوارزميات الاحتكارات الأمريكية: حرب منهجية على الوعي الاجتما ...
- محميات الخليج: بيادق وول ستريت في مسرح العرائس الصهيوني وفشل ...
- طوفان الأقصى وانهيار الهوية الاقتصادية الإسرائيلية: هزيمة اس ...
- زهران ممداني: رمز الاشتراكية عالمية الطابع وفرصة أمريكا الأخ ...
- الإبادة الجماعية في غزة: حفلة تنكرية للأشرار الكبار
- العناصر النادرة: سيف الصين الأخلاقي أمام فظاعة الإبادة الجما ...
- كيف تحول ملوك سومر وبابل إلى أنبياء في الروايات اللاحقة


المزيد.....




- مصر.. وزير الثقافة يوضح التطورات الصحية للموسيقار عمر خيرت
- مهرجان إدفا 2025.. السينما الوثائقية وتشريح الاحتجاج زمن الح ...
- بيروت: سفارة دولة فلسطين تستضيف عرض الفيلم الوثائقي
- أنتوني هوبكنز.. السير يروى سيرته السينمائية
- خيول ومقاتلات وموسيقى.. استقبال مهيب لولي العهد السعودي في ا ...
- لا رسوم على خدمات الترجمة في الرعاية الصحية في بليكينغه
- تداول فيديو لتوم كروز وهو يرقص مع ممثلة قبل فوزهما بجوائز ال ...
- هل هززتَ النَّخلة؟
- ‎-المجادِلة- يفوز بجائزة ريبا للعمارة في الشرق الأوسط 2025
- الثقافة تكشف خططها المستقبلية وتؤكد التوجه لإنشاء متحف عراقي ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - -من أوشفيتز إلى غزة: ذاكرة الناجين وصرخة الأحياء- ..بين شهادة بريمو ليفي وصرخة أحمد صالح سلوم