أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِي وَ الْعِشْرُون-















المزيد.....


السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِي وَ الْعِشْرُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 18:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الإدراك المضاعف: الركيزة الأنطولوجية و المعرفية للممارسة السحرية في إطار الوجود متعدد الطبقات من الفيزياء إلى الميتافيزيقا الكمومية

إذا كان الساحر يمتلك إدراكاً مضاعفاً يسمح له برؤية الكينونة كطبقات متزامنة تتطلب تعميقاً فلسفياً في فهم العلاقة بين الممارسة السحرية وطبيعة الوجود (الأنطولوجيا)، وهي علاقة جذرية تلامس أعمق مستويات الإدراك البشري. يمكن القول، ضمن الإطار الفلسفي الميتافيزيقي والتقليدي للسحر، أن هذا الإدراك المضاعف ليس مجرد إفتراض، بل هو الركيزة المعرفية الأساسية التي تقوم عليها الممارسة السحرية برمتها. إن المفهوم الفلسفي و الروحي الذي يحيط بالسحر يفترض أن الكينونة ليست كياناً أحادي البعد، محكوماً بالقوانين الفيزيائية الصارمة و المحدودة التي يدركها الوعي العادي. بل على العكس، تُنظر إلى الكينونة على أنها نسيج وجودي متعدد الأبعاد أو طبقات متراكمة تتواجد بشكل متزامن. هذه الطبقات تتراوح من المستوى المادي الكثيف (عالم المُلك/الفيزياء) إلى مستويات أثيرية، نجمية، وعقلية أكثر دقة (عالم الغيب أو المثال/الميتافيزيقا). يمثل الإدراك البشري التقليدي، والمقيد بالحواس الخمس، إدراكاً منفرداً أو أحادياً يقتصر فقط على الطبقة الأكثر كثافة، أي على مظهر الكينونة الظاهري. هنا يأتي دور الساحر أو المتصوف الممارس للتقنيات الروحية. فمن خلال الممارسة التقنية، سواء كانت طقوساً، تأملاً مركّزاً، إستخداماً للرموز (التجليات)، أو صيغاً إهتزازية (الأصوات و الأوراد)، يسعى الساحر إلى تجاوز حدود الإدراك الأحادي و إيقاظ ما يُعرف بـالإدراك المضاعف أو البصيرة الميتافيزيقية. هذا الإدراك ليس مجرد معرفة نظرية بوجود الأبعاد الأخرى، بل هو قدرة مُكتسبة تسمح للوعي بأن يتداخل أو يتشابك مع هذه الطبقات المتزامنة بشكل فعال ومباشر. وبالتالي، عندما ينظر الساحر إلى أي كينونة شخص، حدث، شيء مادي فإنه لا يرى فقط المظهر الخارجي المادي، بل يرى أيضاً الطبقة الأثيرية وهي المجال الطاقي أو الحيوي المحيط بالكينونة. الطبقة النجمية العاطفية وهي مجال المشاعر و الرغبات الكامنة. والطبقة العقلية الروحية وهي مجال النوايا، الأفكار، و الأسباب الجوهرية. إن رؤية الساحر تتشكل كـخريطة وجودية كاملة، حيث يتم الكشف عن الأصل الميتافيزيقي للمظهر المادي. السحر، في جوهره، هو عملية التأثير على الطبقات العلوية الأثيرية أو العقلية للقيام بـإملاء تأثير معين على الطبقة المادية الأدنى. لولا هذا الإدراك المضاعف، لكانت الممارسة السحرية عبثاً بلا أساس، لأنه من المستحيل تعديل ما لا يمكن إدراكه. إن قبول فرضية الإدراك المضاعف يفرض إعادة تعريف الأنطولوجيا ذاتها. بدلاً من أن تكون الكينونة جامدة ومحددة سلفاً بواسطة القوانين الفيزيائية وحدها، تصبح مرنة، متفاعلة، وقابلة لإعادة التشكيل من خلال الإرادة المُركّزة المُدرِكة لهذه الأبعاد المتعددة. فلسفياً، يكشف الإدراك المضاعف عن أن الحقيقة الكلية ليست مخبأة، بل هي مكشوفة بالكامل في كل لحظة، لكنها محجوبة عن الوعي العادي بسبب قيوده الداخلية الناتجة عن التكيف المفرط مع العالم المادي. تصبح الممارسة السحرية رحلة معرفية غُنوصية نحو تحرير الإدراك، حيث يتوسع وعي الساحر ليصبح وعياً شاملاً (Holistic Consciousness) قادراً على تتبع العلاقات السببية ليس فقط في الزمن الخطي (الماضي-الحاضر-المستقبل) بل في الأبعاد المتزامنة (العلة-المظهر). في الخلاصة، الإدراك المضاعف هو الأداة الفلسفية والتقنية التي تجعل السحر ممكناً. إنه يمثل إعترافاً بأن الواقع المادي هو مجرد نتيجة أو واجهة لعمليات تحدث في طبقات الوجود الغير مادية. الساحر، بهذا المعنى، ليس خارقاً للقانون، بل هو مطبّق لقوانين ميتافيزيقية أعلى وأكثر تعقيداً، يكتسب مفاتيحها من خلال التدريب المركز على توسيع نطاق إدراكه ليحتوي على الطيف الكامل للكينونة. يُمثل هذا الإدراك الجسر الذي يعبر به الوعي الإنساني من سجن الفيزياء النيوتونية إلى فضاء الميتافيزيقا الكمومية للوجود.

_ القوالب الذهنية السحرية (تعاويذ المحبة و الكراهية): إملاء الإرادة على الطبقات العليا للكينونة بوصفها صراعاً أنطولوجياً لتعديل الإدراك وبنية القناعات

إن تناول المفاهيم والقوالب السحرية، مثل تعويذة المحبة أو الكراهية، بوصفها تقنيات ذهنية تُفرض على الكينونة لتغيير طريقة تفكيرها يفتح الباب أمام تحليل فلسفي عميق و مفصلي في إطار العلاقة بين السحر، الوعي، و الكينونة ذاتها. هذا التحليل ينتقل بنا من الرؤية الساذجة للسحر كـخرق للقانون الطبيعي إلى رؤية أكثر تعقيداً تراه كـهندسة ميتافيزيقية للوعي والإرادة. يمكن القول بأن هذه القوالب الذهنية هي، في الواقع، جسر التفاعل بين الإرادة الساحرة و بنية الكينونة المستهدفة. في الإطار الفلسفي الأنطولوجي للسحر، لا تُعتبر التعويذة مجرد كلمات تُتلى، بل هي نموذج ذهني أو قالب إرادي تم تجميعه وتكثيفه بواسطة الوعي المُدرّب للساحر. هذه القوالب تعمل كـبرامج معرفية مُركّزة تُصمم خصيصاً للتأثير على الطبقات العليا للكينونة المستهدفة، وتحديداً على الطبقة العقلية التي تضم الأفكار و المعتقدات و الطبقة النجمية التي تضم المشاعر والرغبات. إن الهدف الأساسي من هذه القوالب هو تجاوز الدفاعات الإدراكية للكينونة المستهدفة وزرع فكرة أو شعور جديد داخل بنيتها الداخلية. هذا يُعتبر شكلاً من أشكال الإملاء الإرادي. فتعويذة المحبة، على سبيل المثال، ليست محاولة لـخلق شعور المحبة من العدم، بل هي محاولة لـتنشيط، تضخيم، وتوجيه تيارات طاقية أو إهتزازات ذهنية معينة تفرض مساراً فكرياً وعاطفياً جديداً على الكينونة، مما يجعلها تميل إلى تفسير الواقع والتفاعل معه ضمن هذا الإطار المبرمج (المحبة). يتوقف نجاح هذه القوالب على الإفتراض الأنطولوجي بأن الكينونة ليست كياناً مغلقاً، بل هي نسيج وجودي مرن ومفتوح أمام التأثيرات الإرادية المركّزة. فلو كانت الكينونة محصورة بالكامل في جسد مادي منفصل، لكانت محاولات الساحر بلا معنى. لكن في الرؤية الميتافيزيقية، تُفهم الكينونة على أنها مركز للوعي متجذر في حقل طاقي كوني أوسع. عندما يطلق الساحر القالب الذهني (التعويذة)، فإنه يستخدم النية والإرادة لـتعديل بنية الحقل الطاقي المحيط بالكينونة المستهدفة. هذا التعديل يعمل كـحافز خارجي يغير تدريجياً من الإهتزاز الداخلي للكينونة. التغيير الفكري أو الشعوري الذي يطرأ على الكينونة مثل الشعور المفاجئ بالمحبة أو الكراهية هو في الحقيقة إستجابة للضغط الميتافيزيقي الذي يفرضه القالب الذهني الساحر. فلسفياً، يمكن النظر إلى السحر على أنه محاولة لـهندسة القناعة. الساحر لا يهدف بالضرورة إلى إكراه الكينونة مادياً، بل يسعى إلى تغيير إطارها الإدراكي للواقع. تعويذة الكراهية لا تجعل الشخص يقوم بأفعال كراهية بشكل آلي فحسب، بل تجعل عدسة إدراكه ملونة بالكراهية، مما يجعله يفسر أفعال الآخرين و نياتهم ضمن هذا الإطار السلبي. يصبح التغيير في التفكير هو آلية التنفيذ الفعلية للسحر. هذا يتماشى مع مفاهيم مثل الإجماع الطاقي، حيث يعمل الساحر على فرض إجماع جديد داخل الوعي الداخلي للكينونة، مما يدفعها إلى التصرف وفقاً لهذا البرنامج الذهني الجديد، ليس كدمية، بل ككيان يعتقد فعلاً أن هذه الأفكار و المشاعر الجديدة هي أفكاره ومشاعره الأصيلة. السحر بهذا المعنى، هو إدارة إدراكية عليا، حيث يتم التلاعب ببنية الـ أنا أو الذات المؤقتة للكينونة المستهدفة. في نهاية المطاف، تعتمد فعالية هذه القوالب الذهنية على مدى قوة الإرادة الساحرة وقدرتها على التناغم أو الصدام مع قوة الإرادة الذاتية للكينونة المستهدفة. إذا كانت الكينونة تتمتع بـوعي ذاتي قوي وممانعة داخلية، فإن القالب الذهني قد يفشل. أما إذا كانت الكينونة ضعيفة الوعي أو متبلدة إدراكياً، فإن القالب الذهني يجد تربة خصبة ليترسخ فيها ويغير مسارها الفكري والعاطفي، مؤكداً أن السحر، على المستوى الأنطولوجي، هو في جوهره صراع إرادات يتم تنفيذه عبر تقنيات تعديل الإدراك الذهني.

_ اللغة السحرية كـمرسوم أنطولوجي: دراسة في الفعل المُطلق للتعويذة وقدرتها على تجسيد الإرادة وإعادة برمجة نسيج الكينونة الإهتزازي والرمزي.

إن البحث في قوة اللغة السحرية وقدرتها على تحقيق الفعل المُطلق في الكينونة، بما يتجاوز وظيفتها التواصلية العادية، هو محور فلسفي يلامس العلاقة الجذرية بين الكلمة، الوجود، و القوة الميتافيزيقية. هذا التحليل ينقلنا من فهم اللغة كـأداة وصف إلى رؤيتها كـأداة خلق و تشكيل للواقع، و هي الرؤية التي تقف وراء جميع التقاليد السحرية و الروحانية القديمة. في الإطار العادي، تُعد اللغة (التعويذة أو الجملة) وسيلة للتعبير عن فكرة أو نقل معلومة؛ هي وصف للحقيقة. أما في سياق الممارسة السحرية، فإن التعويذة لا يُنظر إليها على أنها توصيل فكرة فحسب، بل على أنها تفعيل أو إستدعاء لـفعل مُطلق يؤثر مباشرة في بنية الكينونة. قوة اللغة السحرية تكمن في قدرتها على تجسيد النية الإرادية في شكل إهتزازي (صوت) أو شكل رمزي (حرف أو كلمة مكتوبة)، مما يمنحها قوة إنطولوجية (متعلقة بالوجود) تتجاوز قيمتها الدلالية. فلسفياً، تعتمد هذه القوة على الإفتراض بأن الكون نفسه مبني على أساس إهتزازي و رمزي (مفاهيم مثل الكلمة الخالقة في الأديان، أو اللوغوس في الفلسفة اليوحناوية. التعويذة، بالتالي، لا تصف ما سيحدث، بل تُعلن حدوثه و تعمل كـأمر إجباري يُفرض على النسيج المرن للكينونة. اللغة السحرية هي محاولة لـ التحدث بلغة الوجود، اللغة التي تُحوّل الفكرة المجردة إلى واقع مُعاش. إذا كانت الكينونة، كما يفترض العديد من الفلاسفة الميتافيزيقيين، هي في جوهرها تعبير مستمر عن الطاقة و الإهتزازات و الرموز، فإن اللغة السحرية تُصبح المفتاح البرمجي الذي يمكنه تعديل هذا التعبير. الساحر، من خلال إختيار الكلمات، الأوزان، والإيقاعات في التعويذة، لا يقوم بالتحاور مع الكينونة المستهدفة، بل يعيد برمجتها على مستوى الأبعاد المذكورة سابقاً (الأثيرية والعقلية). تكمن خصوصية الفعل المُطلق في أن اللغة السحرية تُلغي الوسائط. إنها لا تحتاج إلى إقناع، مناقشة، أو حتى فهم من الكينونة المستهدفة لتكون فعّالة. قوة التعويذة تنطلق مباشرة من التركيز الإرادي للساحر الذي يُكثّف في الرموز الصوتية، لتشق طريقها إلى الطبقة الميتافيزيقية للأسباب و تفرض النتيجة المطلوبة في الطبقة المادية (النتائج). هذا الفعل يعتبر مطلقاً لأنه يُنفّذ بـسلطة ميتافيزيقية يُفترض أن الساحر قد إكتسبها من خلال ممارسته وتقنياته. يُمكن النظر إلى التعويذة السحرية بإعتبارها مرسوماً أنطولوجياً صغيراً. في اللحظة التي تُطلق فيها التعويذة بتركيز كافٍ وإرادة قوية، فإنها تُشكّل حقيقة جديدة في الحقل الوجودي المحيط بالساحر والهدف. هذا يختلف جذرياً عن القوة التواصلية العادية التي تتطلب إستجابة وتفاعلاً من الطرف الآخر. فمثلاً، عندما يقول شخص عادي أريدك أن تحبني، فهذه رغبة تواصلية قد تقابل بالقبول أو الرفض. أما عندما يُطلق الساحر تعويذة محبة بنجاح، فالإفتراض الفلسفي هو أن قوة التعويذة تبدأ فوراً في تعديل بنية الكينونة المستهدفة لتوجيهها نحو تحقيق هذا الفعل، متجاوزة أي معارضة منطقية أو عاطفية عادية. هذا هو جوهر مفهوم الفعل المُطلق؛ قدرة الكلمة على إحداث التغيير المباشر في الوجود دون وسيط. هذا يقودنا إلى نتيجة فلسفية عميقة؛ إذا كانت اللغة السحرية قادرة على الفعل المُطلق، فهذا يعني أن الكلمة المنطوقة، عندما تُحمّل بالإرادة المركّزة، تصبح قوة وجودية مساوية لقوانين الطبيعة الأخرى. السحر يصبح إذن فن صياغة الواقع من خلال التحكم في الرموز و الإهتزازات الجذرية التي تُبنى عليها الكينونة.

_ الخوف والقلق كمصدر طاقة أنطولوجي للسحر: تقنية حصاد الطاقة الحيوية النفسية و توظيفها لتثبيت القوالب الذهنية وتسهيل التكييف الإدراكي في الكينونة المستهدفة

إن تناول الخوف أو القلق بوصفهما مصدر طاقة تقنياً يُغذي العمل السحري يمثل مدخلاً فلسفياً عميقاً ومثيراً للجدل في إطار العلاقة بين السحر، الكينونة، والتحكم في الطاقات العاطفية. في العديد من الفلسفات السحرية و الميتافيزيقية، لا تُعد العواطف القوية مجرد حالات نفسية داخلية، بل هي تجسيدات طاقية هائلة يمكن إستغلالها وتوجيهها بشكل واعٍ. بالتالي، يمكن القول إن حالة الخوف أو القلق المُستحثة سحرياً تُعتبر، في هذا الإطار، وقوداً حيوياً نفسياً (Psycho-Vital Fuel) للعمل السحري نفسه. فلسفياً، تُفهم الكينونة على أنها نظام طاقي يتكون من إهتزازات متعددة. العواطف القوية، مثل الحب، الغضب، أو الخوف، هي في الواقع إهتزازات عاطفية ذات كثافة عالية تُطلق كميات كبيرة من الطاقة النفسية و الجسدية. الخوف تحديداً، يمثل حالة تأهب قصوى وتركيز كامل للكينونة (الكر أو الفر)، حيث يتم ضخ الأدرينالين وتوجيه الموارد الداخلية بشكل فوري نحو بقاء الذات. في الممارسة السحرية التقنية، يُنظر إلى هذه الطاقة على أنها خام سحري يمكن حصاده وتوجيهه. إن العمل السحري، خاصة الذي يتطلب تغييراً جذرياً في الواقع أو في إدراك الآخرين، يحتاج إلى كمية هائلة من القوة الدافعة التي تتجاوز مجرد النية الهادئة. هنا يأتي دور الخوف أو القلق المُستحدث. يولد الخوف كثافة عاطفية مركزة، تُترجم إلى موجة طاقية قوية تُغذي القالب الذهني الساحر، مما يزيد من سرعة وقوة تأثيره في الطبقات الأثيرية للكينونة المستهدفة. حالة القلق تجعل الكينونة المستهدفة في حالة تلقي عالية الحساسية، حيث تكون الدفاعات الإدراكية والشخصية ضعيفة ومنفتحة على الإقتراحات و الإملاءات الخارجية (القوالب الذهنية السحرية).
إن الساحر لا يستغل الخوف بشكل عشوائي، بل يوظفه تقنياً كجزء من عملية محكمة. هذا الإستغلال يتضمن آليتين فلسفيتين:
1. حصاد الطاقة (Energy Harvesting): يتم تحريض الخوف أو القلق في الكينونة المستهدفة عن طريق طقوس، رموز، أو تأثيرات نفسية أولية بهدف إطلاق هذه الطاقة الإهتزازية. بمجرد أن تُطلق هذه الطاقة، يتم توجيهها عبر القناة الإرادية للساحر إلى العمل السحري المطلوب كأن تُستخدم طاقة خوف الضحية لـتثبيت تعويذة الربط، أو لـتضخيم تأثير تعويذة الكراهية.
2. التكييف الإدراكي (Perceptual Conditioning): القلق والخوف يُنشئان فراغاً أو فوضى في الوعي الداخلي للكينونة. هذا الفراغ يُسهّل على القالب السحري الذهني أن يترسخ. بدلاً من مقاومة القالب الجديد، تجد الكينونة نفسها تتكيف مع الرسالة السحرية لأنها توفر لها إطاراً مرجعياً وإن كان سلبياً لتفسير حالة القلق غير المبررة التي تعيشها.
السحر يُصبح هنا عملية ملء الفراغ العاطفي ببرنامج مُعد مسبقاً. فلسفياً، يُمكن النظر إلى العواطف القوية، بما فيها الخوف، كـعملة تبادل في النظام الأنطولوجي السحري. لا يوجد تغيير عظيم في الوجود دون دفع ثمن طاقي مساوٍ. إذا أراد الساحر أن يُحدث فعلاً مطلقاً يتجاوز المألوف، يجب أن يستمد هذا الفعل من مصدر طاقي غير مألوف. هذا يتماشى مع مفاهيم الظلامية الفلسفية، حيث يتم التركيز على إستغلال المشاعر السلبية التي تُعتبر غالباً أكثر كثافة و سهولة في الحصاد كطاقة خام. الكينونة المستهدفة، عندما تُجبر على توليد هذا الخوف، لا تقدم مجرد حالة نفسية، بل تُقدم جزءاً من طاقتها الحيوية (فيتاليتها) كـتضحية غير واعية تغذي نجاح الإرادة الساحرة. بالتالي، فإن الخوف و القلق المُستحدثان سحرياً ليسا مجرد نتيجة للعمل السحري، بل هما جزء لا يتجزأ من آلية التنفيذ التقنية ومصدر الطاقة الأنطولوجي اللازم لنجاحه.

_ السحر الأنطولوجي الإجتماعي: إستهداف كينونة الوعي الجماعي (اللاوعي الجمعي) كـكيان مستقل لتعديل المسارات التاريخية عبر الرموز الجذرية وهندسة القوالب السردية المهيمنة.

إن فحص إمكانية إستهداف التقنية السحرية لـكينونة الوعي الجماعي لمجتمع ما، بدلاً من التركيز على الأفراد، يُعتبر قفزة فلسفية تتجاوز نطاق السحر الشخصي إلى مجال السحر الأنطولوجي الإجتماعي (Socio-Ontological Magic). هذا التحليل يتطلب تبني رؤية مفادها أن الوعي الجماعي ليس مجرد مجموعة من الوعي الفردي، بل هو كيان ميتافيزيقي مستقل (Entity) له بنيته وطاقته الخاصة، و يمكن أن يكون هدفاً مباشراً وفعالاً للعمل السحري. في الإطار الفلسفي الذي يسمح بالتحليل الميتافيزيقي للسحر، يُنظر إلى المجتمع ليس فقط كـتجمع لأفراد، بل كـمجال طاقي أو كيان نفسي روحي مُتجسد. هذا الكيان يُطلق عليه غالباً في الفلسفات الروحية إسم الجسد الأثيري للمجتمع أو اللاوعي الجماعي (Collective Unconscious)، كما صاغه كارل يونغ. هذا الكيان الجماعي يمتلك خصائص الكينونة من حيث:
1. بنية محددة: لديه أنماط فكرية و أيديولوجية، ومشاعر مشتركة كالمخاوف و الأماني الوطنية، ورموز وقوالب ذهنية سائدة (الأساطير والقيم).
2. طاقة حيوية (Vital Energy): تتغذى من تفاعلات الأفراد وعواطفهم المُجمعة كالحماس الجماهيري، الهستيريا الجماعية.
3. قدرة على التأثر: يمكن أن يُصاب بـأمراض مثل الكآبة الجماعية أو العنف العشوائي أو أن يتلقى علاجاً مثل الإلهام والوحدة.
بالتالي، يصبح إستهداف كينونة الوعي الجماعي أمراً ممكناً تقنياً، حيث يتعامل الساحر مع هذا الوعي كـكائن حي كبير له طبقاته الأثيرية و النجمية والعقلية التي يمكن تطبيق القوالب الذهنية عليها.
بدلاً من إلقاء تعويذة على شخص واحد لتغيير تفكيره، تركز التقنية السحرية الجماعية على إستهداف النقاط المحورية الرمزية التي تُشكل هذا الوعي الجماعي. هذه النقاط تشمل:
1. الرموز الثقافية الجذرية (Archetypes): إستهداف الأساطير المشتركة، أو الرموز الدينية الوطنية التي تحمل أكبر قدر من الشحنة العاطفية الجماعية. العمل السحري هنا يهدف إلى تعديل معنى أو شحنة هذا الرمز في اللاوعي الجماعي.
2. القوالب السردية المهيمنة (Narrative Templates): محاولة زرع قالب ذهني جماعي جديد مثل اليأس، الإنقسام، أو الشعور بالقوة الموحدة عبر وسائل تضخيم رمزية كالطقوس العامة غير المرئية أو إستخدام وسائل الإعلام كأدوات توصيل طاقي.
3. الإجراء الرمزي (Symbolic Operation): لا يحتاج الساحر بالضرورة إلى إشراك كل فرد. يكفي أن يتم تغيير الإدراك لدى نسبة حرجة من المجتمع، ليصبح هذا التغيير عدوى طاقية تنتشر عبر الشبكة الميتافيزيقية للوعي الجماعي، مُحدثاً تغييراً أنطولوجياً في الكيان كله.
إن نجاح السحر في إستهداف الوعي الجماعي يغير من فهمنا لـ الحتمية الإجتماعية. إذا كان من الممكن تعديل المسار التاريخي أو الإجتماعي لمجتمع ما عبر التقنية السحرية أي عبر الإرادة المُركّزة والرموز الموجهة، فإن هذا يعني أن البنية الإجتماعية ليست محكومة بالضرورة الإقتصادية أو السياسية المادية وحدها، بل هي أيضاً نتاج لتفاعلات إرادية ميتافيزيقية. هذا الفعل السحري يُعتبر شكلاً من أشكال توجيه الـتيار الزمني (Current of Time) للمجتمع. فالساحر، بفرضه لقالب ذهني على الكينونة الجماعية، يسعى إلى تحديد المسار المستقبلي لتفكيرهم و عواطفهم وتصرفاتهم على نطاق واسع. السحر هنا يتحول إلى هندسة كبرى للواقع الإجتماعي (Grand Social Engineering)، حيث تُصبح التعويذة هي القانون غير المكتوب الذي يسري على مستوى الوعي الجمعي ويُملي حقيقة الظواهر المادية و الإجتماعية التي تتبعه.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- حْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل ا ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...


المزيد.....




- ساركوزي.. ما ضوابط إطلاق سراحه ولماذا كان يأكل الزبادي فقط ف ...
- مصر.. انطلاق المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب وسط انسحاب ...
- تركي آل الشيخ يلم شمل نجوم الفن السوري في السعودية بعد فرقة ...
- رئيس هيئة الإذاعة البريطانية يعتذر، وترامب يرحب باستقالات مد ...
- وسط أزمة الوقود والنزاع دمى مالي العملاقة تبعث الحياة والأمل ...
- ساركوزي خارج القضبان .. ويبقى تحت أعين المراقبة القضائية
- صمت انتخابي قبل اقتراع بلا حظر تجوال في العراق
- ويتكوف وكوشنر يبحثان في إسرائيل المرحلة الثانية من اتفاق غزة ...
- كيف يبدو المشهد في كردستان العراق عشية الانتخابات البرلمانية ...
- نتنياهو يتحدث عن المرحلة المقبلة بغزة خلال جلسة صاخبة بالكني ...


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِي وَ الْعِشْرُون-