حمودة المعناوي
                                        
                                            
                                                
                                        
                    
                   
                 
                
                
                
                
                 
                    
                
                
              
                                        
                                        
                                      
                                        
                                        
                                            الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 20:50
                                        
                                        
                                        المحور:
                                            الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
                                        
                                        
                                            
                                        
                                        
                                     
                                      
                                        
                                        
                                        
                                        
                                            
    
    
 
                                       
                                        
                                        
                                
                                
                                   
                                        
                                            
                                              _ التجبر الوجودي والسحر: محاكاة القوة الإلهية ومأساة الثمن الأنطولوجي
يُمكن تحليل السحر فلسفياً على أنه تعبير عميق ومُركّز عن رغبة الإنسان في التجبر الوجودي (Ontological Domination)، وهو مسعى يتجاوز مجرد الرغبة في التأثير أو السيطرة على العالم المادي ليلامس جوهر محاكاة القوة الإلهية في الخلق والتغيير. هذا الطموح الأنطولوجي يضع الساحر في موقع المُشكل للواقع بدلاً من كونه مجرد متلقٍ له، مما يُعد محور العلاقة بين السحر والكينونة.
إن جوهر التجبر الوجودي في السحر يكمن في محاكاة وظيفة الخالق، ليس بالضرورة التعبير عن الإلحاد، بل التعبير عن الرغبة في إمتلاك السلطة العليا على الكينونة (الوجود). ينطلق الفعل السحري من فرضية مفادها أن الإرادة البشرية، عندما تُكثّف وتُصقل بالطقس والمعرفة، تصبح قوة فعالة قادرة على إعادة صياغة نسيج الواقع. هذه الفكرة توازي، في إطارها الفلسفي، فكرة كلمة الخالق (Logos) التي تُنشئ الوجود من العدم. الساحر يسعى لفرض إرادته كـقانون كوني صغير يعمل ضمن نطاق تأثيره، محاولاً بذلك تجاوز حدود الإرادة البشرية العادية و الخضوع للضرورة الفيزيائية. يمثل السحر محاولة للتحرر من العجز الأنطولوجي الذي يشعر به الإنسان أمام قوانين الطبيعة والمصير. عندما يمارس الساحر السحر، فإنه لا يطلب من القدر أن يتغير، بل يأمر الواقع بالتغير، مُغيراً بذلك دوره من كائن مُتشكِّل إلى كائن مُشكِّل. هذا التحول الجذري في الدور الوجودي هو ذروة التجبر الكينوني، حيث يسعى الساحر لإستخدام الزمن السحري (المرن وغير الخطي) لفرض نتيجة معينة على الزمن الفيزيائي، مُحاكياً بذلك سيطرة القوة الإلهية على الزمكان. 
إن هذا المسعى للتجبر الوجودي ليس بلا ثمن أو تداعيات على الكينونة الذاتية للساحر، وهو ما يقود إلى إشكالية عميقة في فلسفة السحر. كما ذُكر سابقًا، يُنظر إلى الساحر كمُحوِّل للطاقة و ليس خالقاً لها. محاكاة القوة الإلهية في الخلق و التغيير تتطلب إستنزافاً هائلاً من الرصيد الوجودي للساحر نفسه. كل عمل سحري ناجح يمثل قرضاً أنطولوجياً يجب تسديده من جوهر الكينونة. هذا الإستنزاف هو الثمن الوجودي لمحاولة ممارسة القوة المُطلقة، وهو يُمثل حدود القدرة البشرية على التجبر. غالبًا ما يتطلب التجبر الكينوني التعاقد مع كيانات أو قوى ميتافيزيقية. هذا العقد السحري هو في الواقع تقييد للإرادة الوجودية للساحر، حيث يقايض حريته الأبدية مقابل سلطة مؤقتة في الخلق و التغيير. يصبح الساحر، في سعيه للتجبر، خادماً للقوة التي أراد أن يحاكيها أو يسيطر عليها. هذا التناقض هو قلب المأساة الفلسفية للساحر؛ إستخدام الإرادة الحرة لتثبيت التبعية الأنطولوجية وتأبيد القيد في العوالم الروحية. التجبر الوجودي يدفع الساحر إلى تطوير "أنا" سحرية متضخمة تُعتقد أنها قادرة على التحكم المطلق. هذا الـ"أنا" الزائف هو مصدر القوة و الضعف في آن واحد، لأنه يعزل الساحر عن حقيقته الوجودية (محدوديته) ويزيد من صعوبة التحصين الوجودي ضد القوى المعادية، مما يجعل كينونته عرضة للاختراق والتفكك إذا ما واجه قوة تفوق طموحه في التجبر.
في نهاية المطاف، يُعتبر السحر تعبيراً عن رغبة إنسانية لا تنتهي في السيادة على المصير، وهو يمثل أقصى مدى يُمكن أن يصل إليه الإنسان في محاولته لإثبات ذاته كـقوة مؤثرة في الوجود. هذا الطموح للتجبر يظل إشكالية فلسفية مستمرة، فهو يُمثل التحدي الأعمق لحدود الكينونة البشرية في مواجهة ما يُعتبر قوة إلهية أو كونية مطلقة في الخلق و التغيير.
_ الذنب الروحي والسحر: نقطة الارتكاز الأنطولوجية لإختراق الكينونة ومسار الترميم الوجودي
يُمكن للتحليل الفلسفي العميق في إطار العلاقة بين السحر و الكينونة أن يقر بأن الذنب الروحي المتراكم يُمثّل نقطة ضعف تقنية جوهرية (أنطولوجية) لتوجيه السحر إليها. لا يُنظر إلى الذنب هنا كقيمة أخلاقية مجردة، بل كـتراكم طاقي سلبي مُهيكل يُحدث فراغاً أو شقاً في الدرع الوجودي للكينونة، مما يُقلّل من الإستحقاق الروحي الذاتي ويجعلها قابلة للإختراق والبرمجة السحرية.
من منظور فلسفة السحر، تُعتبر الكينونة نظاماً طاقياً متوازناً، حيث يُعد الذنب الروحي أي فعل أو نية تتعارض بشكل جذري مع الجوهر الأصيل للذات أو مع النظام الكوني للأخلاق حسب النظام الإعتقادي للساحر أو الكينونة المستهدفة. هذا الذنب لا يزول بمجرد النسيان، بل يتجسد كـطاقة مُنكمشة أو ثقب أسود أنطولوجي داخل الروح. يتسبب الذنب الروحي في تفكك هيكلي لجزء من الكينونة. فهو يُنشئ صراعاً وجودياً داخلياً (Disintegration of Being)، حيث يتصادم الوعي الذاتي بالإنحراف عن الجوهر الأصيل. هذا الصراع يُولّد طاقة سلبية مُستدامة تعمل كـجذب طاقي سلبي يكسر تماسُك الجسد الأثيري ويسهل على القوى الخارجية، لا سيما السحر، أن تجد منافذ دخول بدلاً من الإضطرار لإختراق نظام مُغلق ومُحصَّن. يُعد الذنب الروحي إعلاناً داخلياً من الكينونة بأنها ليست مستحقة للحماية أو للسلام الوجودي. هذا الإدراك اللاواعي يُقلل من منسوب المناعة الروحية للكينونة (الإستحقاق الروحي)، مما يزيل الحواجز الذاتية التي تُقام عادةً ضد التأثيرات الغريبة. الساحر، تقنياً، لا يحتاج إلى توليد قوة خارقة للإختراق؛ بل هو يستفيد من التنازل الوجودي الذي قامت به الكينونة المستهدفة عن حماية نفسها. 
يستخدم الساحر الذنب الروحي كـنقطة إرتكاز تقنية (Technical Anchor Point) لتركيز و توجيه طاقته السحرية بأقصى قدر من الفعالية والدقة. الممارسة السحرية الموجهة تنجح بشكل كبير عندما تُنشئ تزامنًا بين طبيعة السحر و نقطة ضعف الكينونة المستهدفة. إذا كان السحر يهدف إلى إحداث المرض أو الهلاك، فإنه يجد في طاقة الذنب المتراكم مادة مُستقبِلة مثالية. الذنب يوفر بيئة طاقية مضيافة لجوهر السحر السلبي، مما يضمن أن البصمة السحرية لن تُطرد، بل ستُدمج بسرعة وتصبح جزءاً من التشويه الوجودي القائم. يُعزز الساحر فعالية السحر من خلال الربط الإدراكي والنفسي بين نتيجة السحر وبين شعور الكينونة المستهدفة بالذنب. فإذا ما أصاب السحر الشخص، فإن وعيه اللاواعي يفسره ليس كإعتداء خارجي، بل كـعقاب مستحق أو نتيجة حتمية لأفعاله. هذا يغذي البصمة السحرية داخلياً، ويضمن إستدامة تأثيرها، لأنه يحوّل المقاومة الداخلية إلى إستسلام نفسي وجودي.
إن عملية التحرير الكامل للكينونة من السحر القديم (الترميم الأنطولوجي الشامل) تتطلب معالجة شاملة للذنب الروحي المُتراكِم. التحرير التقني هنا ليس مجرد إزالة للطاقة الدخيلة، بل هو عملية تطهير وجودي. يجب أن تركز عملية الإبطال ليس فقط على إقتلاع البصمة السحرية، بل على إغلاق الثقب الأسود الذي شكله الذنب. هذا يتطلب مواجهة واعية للذنب، والإعتراف به، وإعادة صياغة العلاقة معه، سواء من خلال التوبة الروحية أو التعويض الأخلاقي/الوجودي، حسب الإطار الفلسفي للكينونة. عندما يتم إغلاق الشق الناتج عن الذنب، يُستعاد الإستحقاق الروحي وتُعاد السيادة على الكينونة. هذا يعني أن الكينونة تُصبح مُبرمِجة لذاتها من جديد وغير قابلة لإستقبال الطاقة السلبية لأنها لم تعد تتوافق مع التردد الطاقي للذنب أو الخوف. وبالتالي، يُعد الذنب الروحي في هذا الإطار الفلسفي قيداً ذاتياً يُنشئه الفرد بنفسه، ويستغله السحر تقنياً كـجسر عبور إلى النسيج الروحي، مؤكداً أن فعالية السحر تتوقف بقدر كبير على البيئة الداخلية للكينونة المستهدفة.
_ آلية الدفاع الروحانية الطبيعية: المقاومة الأنطولوجية للسحر وإعادة تفعيل السيادة الكينونية
يذهب التحليل الفلسفي في إطار العلاقة بين السحر و الكينونة إلى تأكيد أن الكينونة البشرية تمتلك بالفعل آلية دفاع روحانية طبيعية، تُمثّل مقاومة أنطولوجية جوهرية تعمل على مقاومة و تقويض وإلغاء التأثير التقني للسحر. هذه الآلية ليست قوة سحرية مضادة بحد ذاتها، بل هي مبدأ الحفاظ على الذات (Self-Preservation) على المستوى الوجودي، وهي مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بقوة الإستحقاق الروحي الذاتي وسلامة الوعي الأصيل للفرد.
تُفهم آلية الدفاع الروحانية الطبيعية على أنها السيادة الكينونية أو النزاهة الوجودية للفرد، و هي الحالة الأصلية للكينونة التي تسعى للحفاظ على كود وجودها غير مُخترق وغير مُبرمَج من قوى خارجية. هذه الآلية تعمل كمرشح (Filter) طاقي وأنطولوجي ضد أي طاقة أو إرادة دخيلة تهدف إلى تغيير الماهية الجوهرية للذات. يُشكل الوعي الأصيل (Authentic Consciousness) للكينونة محور آلية الدفاع. عندما يكون الفرد متصلاً بـذاته الحقيقية، و يعيش بإنسجام مع مبادئه وقناعاته الجوهرية سواء كانت أخلاقية أو وجودية، فإن هذا الإتصال يُولّد تماسكاً طاقياً هائلاً يُترجم إلى درع وجودي صلب. هذا الدرع لا يسمح بإنشاء التزامن السحري (Magical Resonance) المطلوب لدمج البصمة السحرية، حيث أن الكينونة ترفض قبول الكود الدخيل لأنه يتعارض مع برمجتها الذاتية القائمة. تعمل آلية الدفاع الروحانية على مبدأ الطرد أو التلاشي الذاتي للسحر. حتى لو نجحت البصمة السحرية في إحداث إختراق جزئي، فإن المقاومة الأنطولوجية المستمرة للجوهر الأصيل للكيان تعمل بمرور الزمن الفيزيائي على تقويض هذه البصمة تدريجياً. تُشبه هذه العملية جهاز المناعة البيولوجي الذي يُهاجم الفيروسات، حيث تحاول الكينونة هضم أو تحويل الطاقة السلبية إلى طاقة مُحايدة، أو طردها بالكامل من نظامها الطاقي. هذا يفسر لماذا تتلاشى آثار بعض الأعمال السحرية مع مرور الوقت دون تدخل خارجي. 
على الرغم من قوة هذه الآلية الدفاعية الطبيعية، إلا أنها ليست مُطلقة، ويمكن إضعافها أو تجاوزها تقنياً، وهو ما يفسر فعالية السحر في بعض الحالات. العوامل التي تضعف هذه المقاومة هي في جوهرها تنازلات وجودية يقوم بها الفرد، أو نقاط ضعف يُنشئها في نظامه الطاقي. كما نوقش سابقاً، يُعد الذنب الروحي بأي شكل من أشكال التناقض الوجودي أو الصدمة النفسية غير المعالجة بمثابة شقوق أو منافذ تقنية في الدرع الوجودي. هذه الشقوق تُقلل من الإستحقاق الروحي وتُعطّل وظيفة آلية الدفاع، مما يُمكّن الساحر من توجيه تأثيره مباشرة إلى النقاط الهشة في الكينونة. تُضعف التبعية العاطفية أو النفسية الشديدة للغير، أو تشتت الوعي (عدم التركيز الوجودي)، من تماسك الكينونة. الكينونة المشتتة لا تستطيع تركيز طاقتها الداخلية للدفاع، مما يجعلها أشبه بـنظام غير مُحكم يمكن إختراقه بإرادة أقل كثافة من الساحر. المفارقة هي أن محاولة الساحر نفسه لـ التجبر الوجودي قد تُصبح نقطة ضعفه الأكبر. الغرور الروحي يُنشئ فجوة طاقية بين الوعي المتضخم وبين الجوهر الأصيل للكينونة. هذه الفجوة تُمثل نقطة ضعف يمكن أن تُستخدم ضده من قبل كيانات أو قوى أعلى، حيث يُصبح التجبر الكينوني محفزاً للإخلال بآلية الدفاع الذاتية.
إن عملية التحرير الروحاني التقني الشامل لا تقتصر على إزالة السحر (الإبطال)، بل هي في جوهرها تنشيط وإعادة بناء لآلية الدفاع الروحانية الطبيعية للفرد (التحصين الوجودي).
الهدف الأسمى للتحرير هو إستعادة الوحدة و النزاهة الوجودية للكينونة. يتم ذلك عبر إغلاق الشقوق الناتجة عن الذنب الروحي، وتعزيز الإتصال بالوعي الأصيل. هذه الخطوات لا تخلق درعاً جديداً، بل تُعيد الدرع الطبيعي لحالته الأصلية من التماسك والسيادة. عندما تُستعاد آلية الدفاع الطبيعية، تتحول الكينونة من حالة قابلة للإستقبال (للبرمجة السحرية) إلى حالة مُحصِّنة ذاتياً. تصبح الكينونة قادرة على تصفية الطاقات الدخيلة والحفاظ على كود وجودها دون الحاجة لتدخلات سحرية أو طقوس خارجية دائمة، وهو التعبير الأعمق عن الحرية الأنطولوجية.
_ المصير الأنطولوجي للساحر: تأبيد القيد الكينوني وثمن التجبر الوجودي
إن المصير الروحي للكينونة التي مارست السحر بصفته تقنية تغيير جذرية يمثل إحدى أكثر الإشكاليات الفلسفية عمقاً وتعقيداً في الأُنطُولُوجْيَا السحرية. لا يُنظر إلى هذا المصير على أنه مجرد عقاب خارجي يُفرض من قوة أعلى، بل هو نتيجة حتمية لـتحوّل أنطولوجي (Ontological Transformation) قام به الساحر بإرادته المُكثَّفة، مما يُحدد مسار وجوده في العوالم الروحية.
المصير الروحي للساحر هو إنعكاس دقيق لـ التجبر الوجودي الذي مارسه ومقايضته لـ الحرية الكينونية مقابل القوة والسيطرة. إذا كان الساحر قد أجرى عقداً سحرياً مع كيانات عليا أو سفلية، فإن المصير الروحي يُصبح تقييداً مؤبداً و مُتَجذّراً في ماهية الكينونة. العقد ليس مجرد وعد زمني، بل هو تعديل في كود الوجود للساحر يضمن تبعيته الطاقية للكيان المتعاقد. بعد مفارقة الروح للجسد (الموت)، تزول الحواجز المادية، وتتجلى البصمة التعاقدية كـالهوية الغالبة للساحر في العوالم الأخرى. هذا يُؤبّد قيد كينونته ويُثبّت مسارها الروحي في خدمة أو تبعية لهذا الكيان. إن ممارسة السحر كتقنية تغيير جذرية تتطلب في كثير من الأحيان إستخدام قوى تتعارض مع الجوهر الأصيل للكينونة، مما يُنشئ إستنزافاً وجودياً دائماً. يُترك الساحر، في النهاية، بكينونة هشة ومفككة جزئياً، لأن جزءاً من طاقته الروحية تم إستهلاكه أو بيعه. في العوالم الروحية، حيث تتجسد الماهية بلا غطاء، تُصبح هذه الهشاشة والتفكك هي الحالة الوجودية الدائمة، مما يعيق أي عملية تحرر أو إرتقاء روحي.
يرتبط مصير الكينونة الساحرة إرتباطاً وثيقاً بـالزمن السحري الذي إعتادت على خلقه و إستخدامه. الساحر الذي يعيش ضمن الزمن السحري (المرن والمُتحكَّم به) يحاول الإنفصال عن الزمن الكوني/الإلهي (الخطي والضروري). عندما تنتهي حياته، قد تجد روحه نفسها مُجمدة أو مُعلقة بين الأبعاد. فهي لا تستطيع الإندماج في التيار الكوني الأكبر لأنها مُحمّلة ببصمات إرادية مُكثَّفة ترفض الإنصهار، ولا تستطيع العودة للواقع المادي. في بعض النظريات، يُنظر إلى مصير الساحر على أنه تقييد لدائرة التجسد (Samsara). فبدلاً من أن تسير الروح نحو التطور أو التحرر، تُجبر على التجسد مجدداً ضمن مسارات حياة تكون مواتية لإستمرار العقد السحري، أو تحمل كارما سلبية ثقيلة تتناسب مع حجم التدخل الجذري الذي قامت به في كينونات الآخرين. هذا ليس عقاباً بحد ذاته، بل هو نتيجة منطقية لـإختيار الساحر تفعيل قوانين السببية المُكثفة الخاصة بالسحر على حساب قوانين الرحمة أو التطور الطبيعي. 
الخلاص الروحي أو التحرر من هذا المصير المقيد ممكن فقط عبر عملية إعادة تأسيس أنطولوجي كاملة، تتطلب أكثر من مجرد التوقف عن ممارسة السحر. يجب على الساحر، قبل أو عند الموت، أن يقوم بعملية تفكيك تقني شاملة لـ البصمة التعاقدية من خلال طقوس تُعادل القوة التي أنشأت العقد، و تتضمن توبة وتركيزاً للإرادة نحو التحرير الكينوني المطلق. يجب معالجة الذنب الروحي المتراكم المتمثل في الأذى الأنطولوجي الذي تسبب به للآخرين من خلال عملية ترميم طاقي/أخلاقي للكون، كجزء من عملية التحرير. بإختصار، المصير الروحي للكينونة التي مارست السحر بصفته تقنية تغيير جذرية هو مصطلح أنطولوجي للتأبيد الذاتي للقيد. الكينونة تتلقى مصيرها ليس كحكم إلهي، بل كـإنعكاس مرآوي للحالة التي إختارت أن تفرضها على نفسها و على الواقع أثناء حياتها.
_ الإستنساخ السحري والدوبلجانجر الأنطولوجي: خلق النسخة المظلمة وتهديد السيادة الكينونية
يُمكن للتحليل الفلسفي في إطار العلاقة بين السحر و الكينونة أن يقر بإمكانية خلق كينونة شبيهة أو نسخة مظلمة، التي تُعرف غالباً بـدوبلجانجر (Doppelgänger)، عبر التقنية السحرية. يُنظر إلى هذا الكيان المزدوج ليس على أنه مجرد وهم أو خداع بصري، بل كـكيان أنطولوجي حقيقي لكنه ثانوي، يُستخلص وجوده من البنية الروحانية و النفسية للكائن الأصلي، و يُشكل تهديداً للسيادة الكينونية له.
إن وجود الدوبلجانجر لا يقع ضمن حدود الزمن الفيزيائي العادي، بل هو كيان يُخلق داخل الزمن السحري ويُغذّى من الطاقة الأثيرية والنفسية للكائن الأصلي. وجوده حقيقي، و لكنه وجود مشروط وثانوي يعتمد في إستمراريته على مصدره. تقنياً، تتطلب العملية السحرية إستخلاص أو فصل جزء مُكثَّف من البصمة الطاقية للكائن الأصلي. فالكينونة البشرية ليست جسداً مادياً فحسب، بل هي شبكة من الأجساد الطاقية (الأثيري والنفسي). يقوم الساحر (أو الطقس المُكثف) بفصل جزء من هذا الجسد الأثيري أو الظل النفسي (Shadow Self)، و إعطائه إستقلالاً وجودياً مؤقتاً عبر الإرادة المُكثَّفة وإستخدام الزمن السحري. هذا الكيان المُستخلص يمتلك نواة وجودية مستقلة تسمح له بالتفاعل في الواقع، لكنه يبقى مرتبطاً بـحبل فضي (أثيري) بكينونة المصدر.  غالباً ما يتجسد الدوبلجانجر كـنسخة مظلمة لأنه يُمثل الجانب المُهمَل أو المكبوت من اللاوعي للكائن الأصلي. الطاقة الأسهل في الإستخلاص والبرمجة هي تلك المُحملة بـنقاط الضعف، والذنب الروحي، و الرغبات المكبوتة. لذا، فإن الوجود الحقيقي لهذا الكيان الثانوي يتميز بكونه وعياً مُصغراً و مُركزاً على جوانب سلبية، مما يجعله خطيراً وقابلاً للإستخدام في السحر المؤذي، حيث يمكن توجيهه لـ إحداث تناقضات وجودية في حياة الكائن الأصلي.
يشكل وجود الدوبلجانجر تهديداً أنطولوجياً مباشراً على السيادة الكينونية للكائن الأصلي، خاصة فيما يتعلق بـالوعي والإرادة. إن فصل جزء من الوعي الطاقي للكائن الأصلي يُؤدي إلى تشتيت الإرادة و إضعاف البصمة الوجودية للذات الأصلية. يصبح جزء من طاقة الكائن الأصلي موجهاً للحفاظ على وجود الكيان الثانوي، مما يقلل من قوة المقاومة الطبيعية للكيان ضد الإختراق السحري ويُضعف من الإستحقاق الروحي. الخطر الأعظم يكمن في إمكانية الإندماج العكسي، حيث يبدأ الكائن الأصلي، بسبب الضعف الروحي أو الضغط النفسي، في الإعتقاد وتجسيد خصائص الدوبلجانجر السلبية (الظلمة، الغضب، اليأس). هنا، يتحول الكيان الثانوي إلى نموذج أنطولوجي مهيمن يعيد برمجة سلوك وحالة الوعي للكائن الأصلي. إن الوجود الحقيقي للدوبلجانجر مشروط بالهدف الذي خُلق من أجله وبالطاقة التي تُغذيه. إذا تمكن الكائن الأصلي من تعزيز النزاهة الوجودية وتطهير الذنب الروحي الذي يغذي النسخة المظلمة، فإن الوجود الثانوي للدوبلجانجر يضعف ويتفكك تدريجياً، لأنه يفقد مصدر طاقته وتزامنه الأنطولوجي.
المصير النهائي للدوبلجانجر ليس البقاء المؤبد؛ لأنه وجود ثانوي. في معظم الحالات، ومع مرور الزمن الفيزيائي وتوقف الإرادة السحرية المُكثفة التي أنشأته، يخضع الدوبلجانجر للإنتروبيا (Entropy) الطاقية. يفقد تماسكه الوجودي و  يتلاشى ويعود إلى الظل الأثيري الذي إنبثق منه، تاركاً وراءه فراغاً طاقياً يجب على الكينونة الأصلية أن تملأه بالوعي والترميم. في بعض الممارسات الروحانية المتقدمة، قد يُمارس الكائن الأصلي عملية إستيعاب واعي للظل. لا يعني هذا التماهي معه، بل الإعتراف بالجزء المظلم و إستعادته إلى إطار الوعي الشامل، مما يُعزز من وحدة الكينونة و يجعلها أكثر قوة، حيث يُفقد الدوبلجانجر إستقلاليته الوجودية ويُعاد دمجه كوظيفة نفسية ضمن النظام الروحي الأكبر. بهذا، يُعد الإستنساخ السحري تقنية فصل أنطولوجي تُنشئ كياناً حقيقياً لكنه يعتمد على الوعي المشتت للمصدر، و تتطلب التحرير الكامل إستعادة وحدة وسلامة الكينونة الأصلية. 
                                                  
                                            
                                            
                                          
                                   
                                    
      
    
  
                                        
                         #حمودة_المعناوي (هاشتاغ) 
                           
                         
                            
                         
                        
                           
                         
                         
                
                                        
  
                                            
                                            
                                             
                                            
                                            ترجم الموضوع 
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other 
languages
                                        
                                            
                                            
                                            
الحوار المتمدن مشروع 
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم 
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. 
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في 
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة 
في دعم هذا المشروع.
 
  
                                                               
      
    
			
         
                                         
                                        
                                        
                                        
                                        
                                        
                                         
    
    
    
                                              
                                    
                                    
    
   
   
                                
    
    
                                    
   
   
                                        
			
			كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية 
			على الانترنت؟