|
|
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّامِن-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 13:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ النية الصادقة: ليست زخرفة روحية، بل برنامج التشغيل التقني في معادلة التنفيذ السحري
إن النية الصادقة في الممارسة السحرية لا تُعد مُجرد عامل روحي إضافي أو زخرفة معنوية، بل هي عنصر أساسي و مُحرك تقني ضمن معادلة التنفيذ السحري، بحيث تعمل كـالبوصلة و المُذبذب للطاقة التي يُفترض أن تُحوّل الرغبة الباطنية إلى واقع ملموس في إطار العلاقة الفلسفية العميقة بين الساحر وكينونة العالم. إن النظر إلى السحر على أنه مجموعة من التقنيات الرمزية كالتعاويذ، والأدوات، و الإيماءات، و الطقوس يكشف أن هذه التقنيات ما هي إلا قنوات أو أجهزة إستقبال وإرسال تحتاج إلى مصدر طاقة مُركَّز ومُوجه بوعي، وهذا المصدر هو النية. فالنية الصادقة هنا هي التجسيد العقلي والروحي الدقيق للهدف المراد تحقيقه، وتعمل كـبرنامج تشغيل يُحدد طبيعة وقوة التفاعل بين الوعي الفردي والنسيج الكوني. إذا كانت الطقوس هي الجسم والتعاويذ هي اللغة، فإن النية هي العقل الذي يمنح هذا الجسم وهذه اللغة القصد الفعّال اللازم للتأثير في الواقع. من منظور تقني، يمكن فهم النية الصادقة على أنها المفتاح البرمجي الذي يُفعّل ويُسيطر على تدفق الطاقة السحرية التي يُشار إليها في بعض التقاليد بـالمانا أو القوة الحياتية. عملية التنفيذ السحري تتطلب تركيزاً هائلاً للقوة النفسية و الروحية للساحر، ويتم ذلك عبر التخيل الواضح والمُكثف للنتيجة المرجوة مصحوباً بـاليقين المطلق بتحققها. هذا التخيل المقترن باليقين هو ما يُشكّل النية الصادقة. وهي ليست مجرد أمل، بل هي حالة وجودية مُركّزة تُطلق طاقة ذات تردد محدد يُطابق تردد الهدف. بعبارة أخرى، النية هي التي تُشفّر الرسالة وتُحدد المسار الذي يجب أن تسلكه الطاقة المُحررة أثناء الطقس. بدون هذه النية المُركزة و الواضحة، تُصبح الطقوس مجرد حركات جوفاء أو كلمات لا معنى لها، كأنها جهاز مُعطل يعمل بدون مصدر طاقة أو بدون برمجيات مُحددة. قوة النية لا تنبع من الكلمات أو الرموز بحد ذاتها، بل من الحالة الداخلية المُصادِقة التي يضع بها الساحر كيانه كله خلف ذلك القصد، مما يُحوّل الطقس من مجرد ممارسة شكلية إلى فعل وجودي فعّال. فلسفياً، ترتبط النية الصادقة في الممارسة السحرية إرتباطاً وثيقاً بـفلسفة الكينونة و الوعي، حيث تفترض المدارس السحرية أن الوعي البشري ليس كياناً سلبياً مُتلقياً للواقع، بل هو جزء فعّال ومُشارِك في خلق هذا الواقع. النية الصادقة هنا هي تعبير إرادي عن رغبة الذات في إعادة تشكيل جزء من الواقع المُشترك، وتصبح بمثابة أمر وجودي صادر من مركز الوعي المُتحد بالكون. عندما تكون النية صادقة، فهذا يعني أنها مُتجذرة بعمق في كينونة الساحر وخالية من الشك أو التردد الباطني، أي أنها تتجاوز مستوى الرغبات السطحية وتلامس مستوى الإرادة الجوهرية. هذه الصدق يُحوّل النية إلى حقيقة داخلية مُطلقة بالنسبة للساحر، وهذه الحقيقة الداخلية هي التي يُفترض أنها تُوجب تغيراً مُقابلاً في العالم الخارجي. هذا التفاعل يُشير إلى أن السحر يعتمد على مبدأ فلسفي يقول بأن الواقع المادي مرآة للوعي المُنظَّم والمُركَّز. فالنية الصادقة هي التي تُزيل الفجوة المعرفية و الوجودية بين الساحر وهدفه، مما يسمح للساحر بأن يُصبح النتيجة قبل أن تتجسد مادياً، وهذا التماهي الوجودي هو ما يُشغّل الآليات الكونية للتغيير. النية بهذا المعنى هي جسد القصد الذي يربط بين الذات الفردية والشبكة الكلية للوجود. في خلاصة القول، لا يمكن فصل الدور التقني للنية عن دورها الروحي، ففي سياق السحر، التقني هو روحي، و الروحي هو تقني، وهما وجهان لعملية واحدة. النية الصادقة تُعتبر العنصر الحفّاز في معادلة التنفيذ، فهي تُمثّل الجسر الديناميكي الذي ينقل القوة من العالم غير المرئي، عالم الوعي والقصد، إلى العالم المرئي، عالم المادة والنتيجة. إذا كانت الطقوس هي القوانين الفيزيائية للسحر، فإن النية هي القوة الدافعة التي تمنح هذه القوانين قابليتها للتطبيق. بدون الصدق، تتحول النية إلى مجرد أمنية عابرة تفتقر إلى الكثافة الإهتزازية اللازمة لإختراق نسيج الواقع وتشكيله. و بالتالي، فإن النية الصادقة ليست مجرد عامل تفاؤل أو حسن ظن، بل هي متطلب تقني حاسم يُحدد كفاءة و فعالية الأداء السحري بأكمله، مما يرسخها كـعمود فقري لا غنى عنه في أي ممارسة سحرية تسعى إلى إنجاح أهدافها في إطار العلاقة المعقدة بين الإرادة الفردية والطبيعة الكلية للوجود.
_ من الطقس إلى البروتوكول: التكنولوجيا كـعلمنة للرغبة السحرية في السيطرة على المصير.
إن العلاقة بين التكنولوجيا الحديثة والسحر هي علاقة تبادل أدوار تاريخي وفلسفي عميق، حيث يمكن النظر إلى التكنولوجيا بالفعل على أنها المحاولة العلمانية المُعاصرة و الأكثر تطوراً لتحقيق نفس الهدف الجوهري الذي سعى إليه السحر على مر العصور: وهو تلبية رغبة الإنسان الدائمة في السيطرة على الطبيعة والمصير. التكنولوجيا ليست مجرد أداة لإستبدال الطقوس السحرية، بل هي إعادة تكييف إبستمولوجي و ميتافيزيقي لمفهوم القوة والتأثير في العالم، من خلال تحويل القوة الغامضة والمُعتمِدة على الإرادة الباطنية (السحر) إلى قوة قابلة للقياس، والتكرار، والتحكم (التقنية). من منظور فلسفي، يتشارك السحر والتكنولوجيا في بنية القصد الأساسية، كلاهما يُمثل مشروعاً إنسانياً للتدخل في مجرى الكينونة لتجاوز الحدود المفروضة على الذات. السحر (Magic) يُعرّف تقليدياً بأنه فن تغيير الواقع وفقاً للإرادة، مُعتمداً على معرفة خفية أو تلاعب رمزي بالطاقات الكونية كالـمانا أو الأثير. إنه يسعى إلى التأثير المباشر والنوعي عبر الإرادة المُركّزة و النية الصادقة، مُخاطباً قوانين الطبيعة من خلال لغة غير مرئية. أما التكنولوجيا (Technology)، كأعلى أشكال التقنية، هي أيضاً فن تغيير الواقع وفقاً للإرادة، لكنها تفعل ذلك من خلال معرفة مُعلنة وقابلة للتحقق تجريبياً (العلم)، مُعتمِدة على تلاعب مادي وميكانيكي بالطاقة وموارد الطبيعة. الفرق الجوهري يكمن في آلية التنفيذ، الساحر يسعى لـ إلزام الطبيعة أو التفاوض معها عبر الرمز والطقس (بنية سحرية)، بينما المهندس التقني يسعى لـ إجبار الطبيعة أو الإستفادة منها عبر القانون الفيزيائي و التطبيق المادي (بنية علمية). لكن الدافع الكينوني وراء كليهما واحد، تحويل المُحتمل إلى واقع بما يخدم مصلحة الإنسان وتطلعاته للخلود و السيطرة. يمكن إعتبار التكنولوجيا الحديثة بمثابة سحر تمَّت علمنته أو تأميم قوانينه بحيث أصبح مُتاحاً ومُفسَّراً ضمن إطار العقلانية المادية. الأدوات التكنولوجية الحديثة تؤدي وظائف كانت في الماضي حكراً على المُتخيل السحري. كانت قدرة الساحر على التنقل السريع أو التأثير في شخص بعيد تُعتبر سحراً خالصاً. اليوم، تسمح لنا الطائرات، وخدمات الإتصال الفوري عبر الأقمار الصناعية التي تُمثل الإلقاء الآني للتعاويذ، وتقنية التحكم عن بُعد، بتحقيق هذه الأهداف بـفعالية ووثوقية تفوق السحر التقليدي. كانت الكيمياء و السحر الأسود تسعى لـصناعة الكائنات كالهيولى أو الغولم أو تغيير مسار الأمراض والموت. اليوم، تقوم الهندسة الوراثية، و التخصيب الصناعي، و الذكاء الإصطناعي، بأداء هذه الوظائف بطرق تُغير فعلياً من قضاء الطبيعة، مما يجعل التكنولوجيا أداة لتصنيع المصير البيولوجي و الإجتماعي. سعى الساحر للحصول على الرؤية الكلية ومعرفة المجهول عبر العرافة والكهانة. اليوم، تمثل شبكة الإنترنت والبيانات الضخمة (Big Data) وخوارزميات التنبؤ محاولة لـ التنبؤ بالمستقبل والسيطرة على المعلومات، مما يمنح مستخدميها قوة تُشبه المعرفة الإلهية الجزئية. الإستبدال هنا ليس إستبدالاً كاملاً للقصد، بل هو تحويل لمكان إقامة القوة. السحر يضع القوة في الذات الباطنية للساحر (النية، الإرادة، الصفاء الروحي)، حيث يتم التأثير عبر ربط الوعي الفردي بالوعي الكوني. التكنولوجيا تضع القوة في النظام الخارجي (القانون العلمي، الآلة، البروتوكول)، حيث يتم التأثير عبر الإستفادة المُحكمة والمُصممة من قوانين المادة والطاقة. في نهاية المطاف، كلتا الممارستين تُعبّران عن الإستياء الكينوني للإنسان من محدوديته، و محاولته الدائمة لـ أنسنة الكون وإخضاعه لرغباته. التكنولوجيا هي الوجه الحديث والناجح على الأقل مادياً لهذا المشروع السحري القديم. إنها تُقدم سحراً مضمون النتيجة أو على الأقل مُحتمل النتيجة إحصائياً في إطار علمي، مُزيلةً الحاجة إلى الإيمان الأعمى أو الروحانيات الغامضة التي كانت مطلوبة في ممارسة السحر التقليدي. التكنولوجيا هي، إذاً، النسخة المُكررة جماهيرياً من القوة السحرية التي كانت يوماً حكراً على النخبة.
_ التقنية السحرية: ليست إطلاقاً أو إستدعاءً، بل مُفاعل كينوني يزاوج بين طاقة الرمز ونسيج الوجود
إن العلاقة بين التقنية السحرية والطاقة الكامنة في المادة و الرموز هي موضوع فلسفي وجودي مُعقد لا يقبل إجابة ثنائية بسيطة، بل يستدعي تحليلاً يقوم على مبدأ التقاطع و التكامل. يمكن القول إن التقنية السحرية هي في جوهرها آلية لإطلاق وتوجيه الطاقة الكامنة في المادة والرمز والوعي الفردي، ولكن هذا الإطلاق غالباً ما يُصاحبه عملية إستدعاء أو رنين لقوى وطاقات خارجية أو كونية تُعتبر جزءاً من نسيج الكينونة الأوسع. فالأمر ليس إما أو، بل هو تفاعل ديناميكي بين الداخل والخارج. من وجهة نظر العديد من التقاليد الفلسفية و السحرية، لا تُعتبر المادة والرموز كيانات صامتة وميتة، بل هي مستودعات للطاقة والمعنى الكامنين. الساحر، بهذا المعنى، ليس مُبدعاً للطاقة بل هو مُحفِّز ومُوجِّه لها. تفترض هذه النظرة أن كل مادة كالأعشاب، الكريستالات، المعادن تحمل توقيعاً إهتزازياً أو جوهر وجودي خاص بها. التقنية السحرية كالطقوس، التصنيع تعمل كـمُفاعل يقوم بـتحرير هذه الطاقة المُخزنة في الهيكل المادي. المادة هنا ليست مجرد حامل، بل هي عامل مُساهم وفاعل في العملية السحرية. يُعتبر الرمز كالحرف، الشكل الهندسي، التميمة تجسيداً مُركزاً لمعنى و قوة كونيين. الرمز هو لغة الوعي الكوني، والتقنية السحرية هي القواعد النحوية والصرفية التي تسمح للساحر بـتفعيل هذا الرمز. النية الصادقة كما نوقش سابقاً تعمل على شحن الرمز بـطاقة التركيز الروحي للساحر، مما يُحوّله إلى أداة قوية لتوجيه الطاقة. فالرمز نفسه هو طاقة كامنة تنتظر الإطلاق الواعي. في هذا الإطار، السحر هو *لم النفس التطبيقي للكون، حيث يتم إطلاق الطاقة عبر التناغم الرمزي بين الوعي الفردي و هيكل الواقع، و التقنية هي الوسيلة التي تُنشئ هذا التناغم. في الوقت ذاته، لا يمكن حصر نجاح العملية السحرية في مجرد الطاقة الكامنة داخل المواد المُستخدمة أو وعي الساحر وحده. ففلسفياً، يجب أن يتفاعل هذا الإطلاق الداخلي مع القوى الأكبر للوجود ليكون له تأثير حقيقي في الواقع المُشترك. هذه القوى الخارجية ليست بالضرورة كائنات مثل الأرواح والكيانات، بل يمكن فهمها على أنها أنظمة طاقية كونية كبرى أو قوانين ميتافيزيقية غير مُكتشفة بعد بالعلم المادي. إن إستخدام التقنية السحرية، خاصةً الأقوال الطقسية أو التعاويذ، يعمل كـمُذبذب يُصدر تردداً طاقياً محدداً في نسيج الكينونة. النية الصادقة المُدمجة في الرمز المادي تخلق صدىً وجودياً يجذب أو يستدعي طاقات كونية أو قوى خارجية تتوافق مع هذا التردد. فمثلاً، طقوس الحب لا تخلق الحب من العدم، بل تُنشئ رابطاً بين طاقة الساحر والطاقة الكونية المُتعلقة بالجاذبية أو الإتحاد، مما يزيد من إحتمالية حدوث الهدف. ترى بعض المدارس الفلسفية أن السحر هو تفاعل مع مبادئ كونية ثابتة كالـتزامن أو الـمراسلات بين الكبير والصغير. التقنية السحرية هي مجرد تطبيق عملي لهذه المبادئ. فعندما يقوم الساحر بـإستدعاء قوى خارجية، فإنه في الواقع يقوم بـمُحاذاة أو مواءمة إرادته مع تيار موجود بالفعل في الكينونة الكلية، و بالتالي لا يستدعي قوة غريبة، بل يُفعل قوة كونية جاهزة للإستجابة للوعي المُركز. في النهاية، التقنية السحرية هي نقطة تلاقٍ بين النظرتين. التقنية تعادل طاقة الذات المُطلقة من الرمز الذي يحدث الرنين مع الطاقة الكونية الخارجية. الطقس السحري يوفر الإطار الهندسي التقني الذي يسمح للساحر بأن يُطلق طاقته الكامنة عبر النية والتركيز. و يُوجّه هذه الطاقة عبر الرمز و المادة المشحونة. ليُحاكي أو يستدعي القوى الخارجية التي تحمل نفس التوقيع الطاقي لهدفه. لذا، فإن التقنية السحرية ليست مجرد إطلاق داخلي أو إستدعاء خارجي، بل هي عملية كينونية مُتكاملة تُحوّل الوعي الفردي المُركز (النية) إلى قوة مُنظَّمة قادرة على الإستفادة من طاقة المادة والرمز للإتصال الفعّال بالنسيج الكلي للوجود، مما يُحقق التغيير في الواقع.
_ التقنية السحرية: ليست إطلاقاً داخلياً أو إستدعاءً خارجياً، بل تفاعل كينوني يُهدد الفعالية التقنية بـفساد الروح
نعم، يمكن أن تكون الممارسة السحرية تقنياً فعالة ومؤثرة بشكل مباشر في الواقع المادي، لكنها في الوقت ذاته روحانياً مدمرة وفاسدة على المستوى الكينوني للساحر ومحيطه. هذا التناقض الجدلي يُمثل أحد أبرز النقاط الفلسفية و الأخلاقية في دراسة السحر، ويُلخص مفهوم السحر الأسود (Black Magic) على أنه نجاح في التنفيذ التقني بتكلفة وجودية باهظة. إن الفعالية التقنية تُشير إلى كفاءة تطبيق القوانين الكونية للتأثير في العالم الخارجي، بينما تشير الفساد الروحاني إلى تدهور الوعي الداخلي و علاقته بالكلية الكونية. الفعالية التقنية للممارسة السحرية تعتمد بشكل أساسي على إتقان وتطبيق القوانين الميتافيزيقية التي تحكم الواقع، بغض النظر عن القصد الأخلاقي النهائي. فكما أن القانون الفيزيائي للجاذبية يعمل سواء أسقطت طفلاً أو تفاحة، فإن القوانين التقنية للسحر تعتمد على العناصر التالية: 1. دقة النية والتركيز: إذا كانت النية واضحة و مُركّزة و قوية (القوة المُشغلة)، فإنها ستنجح في توجيه الطاقة (الـمانا) وتحقيق هدفها المادي. النية هنا تعمل كـبرنامج تشغيل يُحدد الهدف دون الحكم على طبيعته الأخلاقية. 2. كفاءة الرمز والطقس: إختيار الرمز الصحيح الذي يتوافق مع القصد وتطبيق الطقس بدقة الـخوارزمية الإجرائية يضمنان الإتصال الصحيح بالشبكة الكونية ونجاح إطلاق الطاقة، بصرف النظر عما إذا كان الغرض هو الشفاء أو الضرر. 3. فهم علاقة السبب والمُسبب: الساحر الفعّال يمتلك فهماً تقنياً لكيفية إستخدام الرنين و الترابط بين الأشياء (قانون المراسلات)، مما يسمح له بتحقيق التأثير المادي المطلوب بكفاءة عالية، حتى لو كان هذا التأثير ينطوي على أذى أو تلاعب. في هذا الإطار، يُمكن لساحر أن يكون شريراً و متقناً تقنياً في آن واحد؛ فنجاحه يعتمد على قوة إرادته ومهارته التطبيقية، وليس على نقاء روحه. في المقابل، يرتبط الفساد الروحاني في الممارسة السحرية ارتباطاً وثيقاً بـفلسفة الكينونة والآثار الوجودية لعملية الإرادة. عندما يوجه الساحر طاقته بفعالية تقنية لتحقيق غايات أنانية ضيقة، أو للتلاعب بحرية إرادة الآخرين، أو لتكديس القوة على حساب التناغم الكوني، فإنه يدفع ثمناً وجودياً عميقاً يتمثل في الإنفصال عن الكلية الكونية أو الكارما الوجودية. السحر الأبيض يسعى لـمحاذاة الإرادة الفردية مع إرادة الكون الأكبر (إرادة التطور والخير العام). أما الممارسات المدمرة، فتُنشئ قطيعة عميقة بين الذات والكل. هذه القطيعة الروحانية تُؤدي إلى ما يُعرف بـالفساد الكينوني؛ حيث يُصبح الساحر مُستبداً أنانياً يعتقد أنه فوق القوانين الكونية. هذا التصادم يخلق ديناً طاقياً غالباً ما يُسمى كارما سلبية يُدمر سلامته الروحانية الداخلية و يُفقده التوازن، مما قد يؤدي إلى الجنون، أو العزلة، أو التفكك الداخلي على المدى الطويل، حتى لو حقق ثروة أو سلطة مادية في الحال. الممارسة المدمرة تتطلب من الساحر أن يُجمد أو يُخمد صوته الأخلاقي الداخلي. لتحقيق الهدف الشرير بفعالية، يجب أن يتبنى الساحر اليقين الكامل في نيته، وهذا اليقين في حالة الضرر يتطلب منه تجريد الآخر من إنسانيته وإعتباره مجرد هدف يمكن التلاعب به. هذا التجريد يُفسد جوهر الروح، ويُحوّل الوعي من مرآة صافية تعكس الكلية إلى آلة قوية تُستخدم لأهداف مُدنِّسة. إن التحليل الفلسفي يُشير إلى أن الفعالية السحرية والفساد الروحاني هما نتاج للفرق بين القوة (Power) والسلطة (Authority). القوة التقنية هي القدرة المجرَّدة على إحداث التغيير، وهي ما يحققه الساحر المتقن. هذه القوة يمكن أن تُستخدم بشكل فعال لإحداث الشر أو الخير. السلطة الروحانية هي الشرعية الوجودية و الأخلاقية لإستخدام هذه القوة. عندما يستخدم الساحر قوته (الفعالية التقنية) بطريقة تُناقض التناغم الكوني (السلطة الروحانية)، فإنه ينجح تقنياً في تحقيق هدفه، لكنه يفشل وجودياً و يُفسد روحه. وبالتالي، يمكن لـ التعويذة المدمرة أن تنجح تقنياً في إصابة الهدف، لأنها تُطبِّق قانوناً طاقياً بدقة، لكنها في ذات الوقت تترك بصمة سوداء دائمة على وعي الساحر، مُفقِدةً إياه نوره الداخلي وتوازنه الروحي، ليُصبح نجاحه المادي مجرد قناع يغطي خراباً كينونياً أعمق.
_ من الصُدفة إلى القانون المُطلق: التقنية السحرية كـمنهج الساحر لتحقيق اليقين الكينوني والسيطرة على المصير
إن الدافع الأساسي وراء سعي الساحر لإستخدام التقنية السحرية هو بالضرورة تحقيق درجة من اليقين والتحكم في النتائج تفوق بكثير ما يوفره العالم العادي القائم على الصدفة، أو الإحتمال الإحصائي، أو الإرادة الخارجية. السحر يمثل أعلى درجات الطموح الإنساني للسيطرة الكينونية، حيث يسعى لتحويل الحياة من حالة الخضوع للقدر العشوائي إلى حالة التصميم الواعي والمُوجَّه. التقنية السحرية هنا تُعد المنهج الذي يُفترض أن يضمن هذه النتائج، مُتجاوِزةً الحدود الإبستمولوجية للواقع اليومي. العالم العادي، من منظور فلسفي، يعمل وفق مبدأ الإحتمالية (Probability) والـعشوائية (Contingency). الإنسان العادي مُعرَّض للأمراض، الفشل المالي، تقلبات الحظ، والموت غير المُتوقَّع. هذه العشوائية تفرض حالة من اليقين السلبي، يقين الموت وعدم القدرة على التحكم الكامل). الساحر يرفض هذا الإطار، و يسعى بدلاً من ذلك إلى تأسيس واقع مبني على القانون السببي المُطلق، حتى لو كان هذا القانون خفياً أو ميتافيزيقياً. التقنية السحرية التي تشمل الطقوس، والتعاويذ، والرموز المُوجَّهة بالنية تُصبح هي الآلية لفرض نظام إرادي على الفوضى المحيطة. الهدف ليس مجرد تمني النتيجة، بل إلزام الواقع بها. بينما يرى العلم أن الظواهر غير المُفسَّرة تحدث بالصدفة أو لا تزال قوانينها مجهولة، يرى الساحر أن كل نتيجة سحرية هي تطبيق مباشر ودقيق لقانون ميتافيزيقي. إذا طُبِّقت التقنية (الطقس، الرمز، النية الصادقة) بشكل صحيح، فإن النتيجة مضمونة كأي تفاعل كيميائي مُتحكَّم فيه. هذا يخلق يقيناً تقنياً يتجاوز الشكوك اليومية. يدرك الساحر أن عوامل مثل الحظ، والقدر، والعقل الباطن الجماعي هي قوى فعّالة في تشكيل الواقع. التقنية السحرية تُقدّم أدوات للتحكم في هذه العوامل مثل تمائم الحظ، أو طقوس تغيير المسار الكارمي، مما يمنح الساحر تحكماً في متغيرات الوجود لا يمتلكها الشخص العادي. يسعى الساحر عبر تقنيته إلى إثبات أن الإرادة المُركَّزة هي القوة المُشَكِّلة الأولى للواقع. فإذا نجحت التقنية في تغيير واقع مُتفق عليه، فهذا يمنحه اليقين المطلق بقوة وعيه وبأن مصيره مُصمم ذاتياً، وليس نتيجة لـقضاء وقدر خارجي. في عمق التحليل الفلسفي، يُمكن القول إن الساحر يسعى لتحقيق ما يُسميه بعض الفلاسفة اليقين الميتافيزيقي؛ أي معرفة القوانين التي تسمح بالتحويل المباشر للفكرة إلى مادة (الأمر الذي يُقارب فعل الخلق). التقنية السحرية تُعد المحاولة البشرية للوصول إلى مستوى الـكن فيكون، حيث تصبح الإرادة بمثابة قانون كوني. هذا السعي للتحكم المطلق واليقين التام هو ما يُحدِّد الدافع الكينوني للساحر: إنه لا يريد أن يعيش في العالم ككائن مُتلقٍّ، بل يريد أن يعيش كمُشَكِّل له. ولتحقيق هذه الحالة الوجودية، لا بد من أدوات تضمن النتيجة، وهذه الأدوات هي التقنية السحرية المُتقنة. لذا، فإن إستخدام السحر هو إعلان عن إنتصار الإرادة على العشوائية، وإثبات بأن الفهم العميق لقوانين الكينونة يسمح بالتحكم الذي يفتقده الوعي السطحي اليومي.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السحر قناع الأنطولوجيا: كيف يكشف التدخل الغيبي عن مرونة الكي
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
المزيد.....
-
شاهد كيف كرّم زعيم كوريا الشمالية قتلى جنوده الذين حاربوا إل
...
-
فتح الأجواء الإفريقية.. فرصة استثمارية بمليارات الدولارات تت
...
-
اجتماع دول -تحالف الراغبين- في لندن.. صواريخ بعيدة المدى لكي
...
-
مقتل 25 شخصاً في حريق حافلة جنوب الهند إثر اصطدام دراجة ناري
...
-
اعتقد السكان أنه مسلح فاستدعوا الشرطة.. إصابة جندي ألماني بع
...
-
زوجة مروان البرغوثي تطلب من دونالد ترامب السعي لدى إسرائيل ل
...
-
ماذا يعني فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة؟
...
-
أوروبا تقر حزمة جديدة من العقوبات على روسيا
-
انقطاع خوادم -إيه دبليو إس- يؤثر سلبا على الأسرّة الفارهة ال
...
-
تعرف على مسار التوتر المتصاعد بين أميركا وفنزويلا
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|