أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الثَّالِثُ الثَّلَاثُون-















المزيد.....


العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الثَّالِثُ الثَّلَاثُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 19:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ صرخة الروح الميتافيزيقية: هل التعبير عن الذات مجرد حاجة أم مشاركة في الخلق الكوني

هل الرغبة في التعبير عن الذات ليست مجرد حاجة شخصية، بل هي دعوة من الروح للخلق؟ إنَّ تحليل مقولة هل الرغبة في التعبير عن الذات ليست مجرد حاجة شخصية، بل هي دعوة من الروح للخلق؟ يأخذنا من حدود علم النفس الفردي إلى رحابة فلسفة الجمال (Aesthetics)، الأنطولوجيا الروحية (Spiritual Ontology)، والوجودية (Existentialism). هذا الطرح يعيد صياغة التعبير الذاتي من كونه مجرد إشباع داخلي إلى كونه ضرورة ميتافيزيقية تهدف إلى المشاركة في العملية الكونية للخلق.
في السياق التقليدي، تُفهم الرغبة في التعبير عن الذات (Self-Expression) على أنها ظاهرة نفسية تتمركز حول الفرد. ضمن إطار علم النفس، تعتبر هذه الرغبة جزءاً أساسياً من تحقيق الذات (Self-Actualization)، كما في هرم ماسلو (Maslow). التعبير عن الذات هو آلية لـتفريغ الشحنات العاطفية، تأكيد الهوية الفردية، وإقامة إتصال مع الآخرين. إنه ضروري للصحة النفسية ويُعتبر مؤشراً على نضج الشخصية. يكمن منشأ هذه الرغبة في الصراع الداخلي بين الذات الحقيقية والتوقعات الإجتماعية، حيث يسعى الفرد إلى تصديق وجوده عبر بصمته الخاصة على العالم. بالنسبة لـنيتشه (Nietzsche)، يمكن النظر إلى هذه الرغبة على أنها تجلٍّ لـإرادة القوة (Will to Power). الفرد يُعبِّر عن ذاته لـفرض قيمه وتفسيره للعالم، وبالتالي يتجاوز حالة العدمية ويخلق معنى جديداً. هنا، التعبير هو فعل سيادة و إكتفاء ذاتي، لكنه يظل متمركزاً حول القوة البشرية لا الروح الكونية. إن ترقية الرغبة في التعبير إلى مستوى دعوة من الروح للخلق يعني تبني نموذجاً فلسفياً يرى أن الروح هي جوهر خلاَّق، وأن التعبير البشري هو مجرد قناة لتجسيد هذا الجوهر في الواقع المادي. في الفلسفات المثالية (Idealism) والصوفية، لا يُنظر إلى الروح أو الوعي الكوني على أنها كيان ساكن، بل على أنها طاقة إبداعية دائمة التدفّق. الكون نفسه هو تعبير خلاق مستمر لهذا الوعي المطلق. عندما يشعر الإنسان بـرغبة ملحّة لا تُقاوم في التعبير. في الفن، الموسيقى، العلم، أو أي شكل من أشكال الإبداع، فإن هذا الشعور يُفَسَّر على أنه ضغط داخلي من الروح أو اللاوعي الجمعي لإخراج شيء من عالم الإمكان (Potentiality) إلى عالم التحقق (Actuality). الروح تستخدم الذات الفردية كـأداة لتجسيد فكرة كونية كانت موجودة كاحتمال غير مادي. هنا، يُعاد تفسير عملية الخلق، التعبير عن الذات ليس مجرد ترتيب لكلمات أو ألوان موجودة مسبقاً، بل هو تشكيل جديد للواقع. العمل الإبداعي الصادق والمُعبِّر يضيف طبقة وجودية جديدة إلى العالم. إنه يعطي للواقع شكلاً لم يكن له من قبل. هذه العملية هي ما يجعل التعبير عن الذات مشاركة فعلية في الطبيعة الخالقة للكون.
تُفسر الدعوة كقوة دافعة للكمال على أنها الشوق للكمال (Aspiration to Perfection). الروح، كجزء من المطلق، تسعى دائماً للعودة إلى حالة الكمال عبر تجسيد الجمال و الحقيقة. الرغبة في التعبير عن الذات هي في جوهرها شوق الروح لتجسيد الحقيقة التي تعرفها، وهو ما يرفع التعبير من مجرد حاجة شخصية إلى مسعى كوني. الرغبة في التعبير عن الذات هي نقطة إلتقاء جوهرية بين الذاتي والكوني، حيث تتحول الضرورة النفسية إلى إلتزام وجودي.
يرتبط التعبير الصادق عن الذات إرتباطًاً وثيقاً بـالصدق الوجودي كما نوقش سابقاً. عندما يكون التعبير عن الذات خالياً من التزييف الإجتماعي أو القمع الذاتي، فإنه يصبح قوة تحريرية. هذا التحرير ليس فقط للفنان، بل للعمل الفني نفسه، الذي يصبح رسالة روحية نقية غير مشوهة بالأنا السطحية. إذا كانت الحاجة إلى المعنى هي دعوة من الروح، فإن التعبير عن الذات هو الإستجابة لهذه الدعوة. إن المبدع هو الذي يأخذ المجهول أو الروحي أو اللاواعي (الرسالة من الروح) و يمنحه شكلاً مادياً ملموساً (الخلق). هذه العملية هي ما يضيء العالم بالمعنى، مما يجعل التعبير عن الذات ليس مجرد فعل شخصي، بل خدمة وجودية تساهم في تطوير وعي الآخرين. إن الرغبة في التعبير عن الذات هي بالفعل أكثر من مجرد حاجة شخصية؛ إنها نتاج لضغط ميتافيزيقي ينبع من عمق الذات الروحية. يمكن تأويلها على أنها دعوة من الروح للخلق، حيث يعمل الكيان البشري كـقناة واعية لتجسيد الطاقة الإبداعية الكونية في أشكال مادية. هذا التعبير يحول الفرد من مجرد مستهلك للواقع إلى شريك فعال في إعادة تشكيل المعنى الوجودي للكون.

_ عوالم الإيمان وأكوان الرياضيات: هل الكون الموازي هو الإسم الجديد لـلعالم الروحي

هل الكون الموازي الذي تتحدث عنه بعض النظريات العلمية هو في الواقع ما يصفه السحرة بالعوالم الروحية؟ إنَّ تحليل العلاقة بين مفهوم الكون الموازي (Parallel Universe) في الفيزياء النظرية والعوالم الروحية (Spiritual Realms) في التقاليد الغامضة والسحرية (Esoteric/Occult Traditions) يضعنا أمام تحدٍ فلسفي عميق يلامس حدود المعرفة العلمية والخبرة الميتافيزيقية. هذا التساؤل يتطلب دراسة دقيقة للإختلافات الجوهرية في المنطلقات الأنطولوجية والإبستمولوجية لكلتا الرؤيتين، و محاولة إيجاد نقاط التقاطع المحتملة، لا كأدلة علمية، بل كـتماثلات مفاهيمية.
ينشأ مفهوم الكون الموازي بشكل رئيسي من محاولات الفيزياء النظرية لمعالجة تناقضات أو تفسير ظواهر لا يمكن تفسيرها ضمن حدود كوننا المرئي. الكون الموازي في العلم هو بالأساس توسع للواقع المادي، وليس بالضرورة واقعاً غير مادي. هناك ثلاثة نماذج رئيسية تبرز فيها هذه الأكوان.
1.أكوان التضخم (Inflationary Multiverse): تنشأ من توسع مناطق مختلفة من الفضاء بعد الانفجار العظيم، حيث تكون هذه الأكوان بعيدة جداً خارج أفقنا، لكنها تظل خاضعة لنفس القوانين الفيزيائية الأساسية.
2. أكوان الأوتار (String Theory/Brane Worlds): تُفترض وجود أكوان أخرى على أغشية (Branes) عائمة في فضاء ذي أبعاد أعلى، وتتفاعل مع كوننا عبر الجاذبية فقط. تظل هذه الأكوان مادية، وإن كانت تتواجد في أبعاد إضافية.
3. تفسير العوالم المتعددة (Many-Worlds Interpretation - MWI): وهو التفسير الأكثر إثارة للجدل في ميكانيكا الكم، حيث ينص على أن كل إحتمال كمي يتحقق في واقع منفصل. هذا يعني أن كل قرار نتخذه وكل تفاعل جسيمي يؤدي إلى تفرع الكون إلى أكوان لا نهائية، و كلها مادية وواقعية بنفس قدر كوننا.
الخلاصة العلمية؛ الكون الموازي هو كيان مادي/رياضي يمكن الوصول إليه نظرياً عبر المعادلات، لكنه يقع خارج نطاق حواسنا المباشرة، ويخضع لقوانين الطبيعة ولو كانت مختلفة قليلاً.
في المقابل، تستند فكرة العوالم الروحية أو الأبعاد غير المرئية في التقاليد السحرية (Occultism)، الباطنية (Esotericism)، و الأديان الغامضة، إلى فرضية الوجود اللامادي للوعي. ترى التقاليد السحرية أن الكون مُقسَّم إلى مستويات أو عوالم ذات كثافة أو تردد إهتزازي مختلف، وليست مجرد فضاءات مادية متباعدة.
1. العالم الأثيري (Etheric/Astral Plane): و هو العالم القريب منا والموازي لكوننا، ويعتقد أنه موطن للأحلام، المشاعر، والطاقات، ويمكن الوصول إليه عبر الإسقاط النجمي أو التأمل العميق. هذا العالم غير مادي في جوهره، لكنه يؤثر على المادة.
2. العالم العقلي/السببي (Mental/Causal Plane): وهو موطن الأفكار النقية، النماذج الأصلية، والجواهر الروحية، و يتم الوصول إليه عبر الوعي الخالص والحدس.
3. العالم الإلهي/المطلق: وهو منشأ كل الوجود، و يتجاوز حدود الزمان والمكان.
الخلاصة الروحية؛ العوالم الروحية هي كيانات غير مادية تُفهم على أنها مستويات للوعي و ليست فضاءات مادية. الوصول إليها يتم عبر تغيير حالة الوعي (الباطنية) وليس عبر التكنولوجيا أو السفر المادي.
على الرغم من الإختلافات الهائلة في المنطلقات (الرياضيات في مقابل الخبرة الباطنية)، يمكن إيجاد تماثل مفاهيمي مُقلق بين المفهومين. الأكوان الموازية تفترض وجود أبعاد إضافية مخبأة لا نستطيع إدراكها بحواسنا المعتادة (البعد الخامس، السادس، إلخ). العوالم الروحية هي أيضاً أبعاد من الوجود تعمل على ترددات إهتزازية أعلى تتجاوز قدرة حواسنا المادية. كلاهما يتفق على أن الواقع الذي ندركه هو جزء ضئيل من واقع أوسع يتجاوز حدود حواسنا الثلاثية الأبعاد، وأن الإدراك يحتاج إلى تغيير في آلية الإستقبال (الوعي الروحي أو أدوات القياس العلمية). في ميكانيكا الكم، يُنظر إلى الوعي على أنه يتفاعل مع الإحتمالات، مما يؤدي إلى تفرع الأكوان. هذا يمنح الوعي دوراً محورياً في تحديد الواقع، وإن كان دوراً مادياً/إحصائياً. الوعي هو الخالق الفعلي للعوالم الروحية؛ فالوصول إلى العالم النجمي يعتمد على درجة اليقظة الروحية للفرد. قد يرى الفيلسوف الوحدوي (Monist) أن الكون الموازي والعالم الروحي يصفان في الواقع طبيعة الوجود متعدد المستويات (Multi-leveled Ontology) من منظورين مختلفين. العلم يصفه من الخارج عبر الرياضيات، والسحر/التصوف يصفه من الداخل عبر الوعي.
على الرغم من هذا التماثل، يجب الحفاظ على الفصل الجذري في المنهجية. الكون الموازي هو، في النهاية، مادي و يهدف إلى شرح ظواهر فيزيائية. أما العوالم الروحية فهي مثالية/روحية في جوهرها، وتستهدف شرح تجربة الوعي و معناه. لا يوجد دليل علمي واحد يشير إلى أن الأبعاد الإضافية هي موطن للأرواح أو أن القوانين الأخلاقية (الرحمة، الكارما) تسري فيها كما تفترض التقاليد الروحية. العلم يعتمد على التجريب القابل للتكرار، بينما الخبرة الروحية تعتمد على التجربة الذاتية الباطنية، والتي بطبيعتها لا يمكن تكرارها أو قياسها مادياً للآخرين. لا يمكننا الجزم بأن الكون الموازي هو في الواقع العالم الروحي دون خلط الأنطولوجيا المادية بالأنطولوجيا الروحية. ومع ذلك، فإن العلاقة بينهما تثير تساؤلاً فلسفياً قوياً؛ فكلاهما يمثل رفضاً للرؤية السطحية والساذجة للواقع، وكلاهما يفترض أن الوجود أوسع وأكثر تعقيداً بما لا يقاس مما تدركه حواسنا العادية. قد يكون كلاهما يصفان جوانب مختلفة لنفس البنية الكونية المتعددة الأبعاد، حيث تستخدم الروحانية اللغة الاستعارية والخبرة الداخلية، بينما تستخدم الفيزياء اللغة الرياضية والهيكل المادي.

_ حارس الأنا الأخير: هل الخوف من الفشل ليس عاطفة، بل مقاومة ميتافيزيقية للتوسع الروحي

هل الخوف من الفشل ليس مجرد شعور، بل هو مقاومة للنمو الروحي الذي يتطلب منا المغامرة؟ إنَّ تحليل مقولة هل الخوف من الفشل ليس مجرد شعور، بل هو مقاومة للنمو الروحي الذي يتطلب منا المغامرة؟ يستدعي منا الغوص في أعماق فلسفة النمو (Philosophy of Growth)، والتقاطع الحيوي بين علم النفس الوجودي (Existential Psychology) و الميتافيزيقا الروحية (Spiritual Metaphysics). هذا الطرح يرقى بالخوف من الفشل من كونه مجرد انفعال سلبي إلى كونه حاجزاً وجودياً يقف في وجه التطور الجوهري للذات.
لفهم ماهية هذه المقاومة"، يجب أولاً تحديد طبيعة الخوف من الفشل (Phobia of Failure). في علم النفس، يُعد الخوف من الفشل شعوراً طبيعياً ينبع من الحاجة إلى البقاء الإجتماعي وحماية الأنا (Ego). هو آلية دفاعية تهدف إلى تجنب الألم الناتج عن الإحراج، النقد، أو فقدان المكانة. إنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بـالقلق (Anxiety) ويعمل كـمنطقة راحة (Comfort Zone) تمنع الفرد من المخاطرة. ينشأ هذا الخوف غالباً من التجارب المبكرة أو التكييف الإجتماعي الذي يربط القيمة الذاتية بالإنجاز الخارجي. يرى الفلاسفة الوجوديون أن هذا الخوف أعمق من مجرد عاطفة. إنه مرتبط بـالهروب من الحرية (Escape from Freedom) والمسؤولية. عندما يخشى الفرد الفشل، فإنه يخشى في الواقع النتائج الكاملة لحرية إختياره. الفشل يكشف أن النتائج ليست مضمونة، وأن وجوده غير مؤمن. هذا الخوف هو شكل من أشكال سوء النية (Bad Faith)، حيث يحاول الفرد تقييد إمكانياته (Potentials) ليتجنب الحكم على جوهره المُختار. إنه إنكفاء عن التحدي الوجودي الأساسي.
إن ربط الخوف من الفشل بـمقاومة للنمو الروحي ينقلنا إلى الإطار الميتافيزيقي حيث يُنظر إلى الحياة على أنها مسيرة تطورية للروح. في العديد من التقاليد الروحية، تُفهم الروح على أنها جوهر ديناميكي يسعى بشكل فطري إلى التوسّع، التعلم، واكتساب الخبرة. إذا كانت الغاية النهائية للروح هي التكامل (Integration) و تحقيق الذات الكونية، فإن هذا التحقيق يتطلب الإنخراط الكامل في الحياة المادية بكل تحدياتها. النمو الروحي لا يحدث في منطقة الراحة، بل في نقطة الإحتكاك بين الإرادة الذاتية والمقاومة الخارجية. الفشل في هذا السياق هو مجرد معطى معلوماتي ضروري لتصحيح المسار الروحي. المغامرة هنا ليست مجرد القيام بشيء جديد، بل هي مخاطرة وجودية حيث يغامر الفرد بـمفهومه الحالي عن الذات وبنى الأنا التي بناها. لكي يحدث النمو الروحي (التحول)، يجب أن يمر الفرد بـموت رمزي (Symbolic Death) للأنا القديمة. المغامرة (المخاطرة بالفشل) هي الفعل الذي يدفع الأنا إلى حافة الهاوية. إذا نجحت المغامرة، فالأنا تتوسع. وإذا فشلت، فإنها تنهار، وهذا الإنهيار هو بالضبط ما يحرر الروح للإنتقال إلى مستوى وعي جديد. الخوف من الفشل يُنظر إليه كـمقاومة لأنه يخدم كـحارس بوابة (Gatekeeper) يدافع عن الأنا المتصلبة ضد التدفق الطبيعي للتطور الروحي.
الخوف من الفشل يغذي الوهم بأننا مسيطرون على النتائج. هذا الوهم هو أحد أكبر عوائق النمو الروحي، لأن الروح تسعى للاستسلام للتدفق الكوني. الفشل، إذا تم إستقباله بوعي، يجبر الفرد على الإعتراف بقصوره والإستسلام لواقع أعلى، مما يفتح الباب أمام قوة روحية أكبر للعمل من خلاله. الخوف يقاوم هذا الإستسلام، مفضلاً السيطرة الصغيرة الوهمية على الحرية الروحية الكبرى. الخوف يخلق إنكماشاً داخلياً (Contraction) يمنع الطاقة الروحية التي هي طاقة الخلق من التدفق. التعبير عن الذات و الخلق والنمو يتطلب توسيعاً (Expansion). المعادلة الروحية هي الخوف يساوي إنكماش (مقاومة) ⟺ النمو = توسع (إستسلام للمغامرة). عندما يرفض الفرد المغامرة خوفاً من الفشل، فإنه في الواقع يوقف عملية الخلق الروحي التي دعت إليها روحه. خلاصة القول، الخوف من الفشل ليس مجرد إنفعال عابر، بل هو تجسيد لمقاومة أعمق ضد التغيير الأنطولوجي الذي تتطلبه الروح. إنه يعمل كـحارس الأنا، يحمي البنى النفسية القديمة التي يجب أن تموت لكي يحدث النمو. المغامرة، وما تحمله من إحتمالية للفشل، هي العملية الوجودية الضرورية التي تكسر هذا الحارس، وتفجّر الأنا، وتُطلق الروح نحو مستوى جديد من الوجود والتعبير. لذا، يمكننا القول فلسفياً إن هذا الخوف هو بالفعل مقاومة للنمو الروحي الذي يتجسد في شكل التردد عن المغامرة.

_ صوت اللوغوس الخفي: هل الخوف من المجهول ليس إنذاراً بل دعوة الرواقية للثقة الكونية

هل الخوف من المجهول هو في الحقيقة دعوة للثقة في حكمة الكون؟ إنَّ تحليل مقولة هل الخوف من المجهول هو في الحقيقة دعوة للثقة في حكمة الكون؟ ينقلنا من حقل علم النفس (Psychology) إلى فضاء الميتافيزيقا (Metaphysics)، مروراً بـالفلسفة الرواقية (Stoicism). هذا الطرح يقترح أن الشعور بالخوف، الذي يُعد عادةً حاجزاً، يمكن إعادة تأويله كـإشارة (Signal) أو فرصة (Opportunity) لتبني رؤية وجودية أكثر عمقاً وتصالحاً مع اللايقين.
يُعد الخوف من المجهول (Xenophobia´-or-Fear of Uncertainty) قوة دافعة أساسية في السلوك البشري. لفهم الدعوة للثقة، يجب أولاً تحديد ما الذي يخشاه الإنسان بالفعل. على المستوى السيكولوجي، الخوف من المجهول هو الخوف من فقدان السيطرة. العقل البشري مُبرمج لتوقع النتائج وبناء السرديات لضمان البقاء. الأنا (Ego) تعتبر المجهول تهديداً مباشراً لهويتها ووجودها المنظم. إنها تخشى الفشل، أو الألم، أو التغيير غير المرغوب فيه. الخوف هنا ليس من المجهول بحد ذاته، بل من إحتمالية النتائج السلبية التي قد يحملها المجهول. هذا الخوف هو رفض ضمني لـواقع التغير المستمر (Impermanence) واللايقين (Contingency) الذي يحكم الوجود. يحاول العقل خلق وهم الثبات والأمان في عالم بطبيعته غير ثابت. على المستوى الفلسفي، المجهول هو فراغ المعنى غير المكتمل. إنه الحيز الذي لم يُعرَّف بعد، وهو بالتالي يمثل حرية مطلقة تقلق الوعي. كيركيغارد (Kierkegaard) يرى أن القلق هو دوار الحرية. المجهول يفتح الباب أمام حرية الإختيار المطلقة، وهذه الحرية هي مصدر قلق عظيم، لأنها تضع مسؤولية كاملة على الفرد في تشكيل مصيره ضمن هذا الفراغ.
إن التحول المقترح هو دعوة لتبديل الموقف الوجودي من السيطرة والمقاومة إلى الإستسلام والقبول الواعي. في الفلسفات الكونية مثل الرواقية، Taoism، والتصوف، يُفهم الكون على أنه كيان عاقل (Intelligent Entity) أو نظام متكامل (Logos) يحكمه قانون عادل و ضروري. الحكمة الكونية (Cosmic Wisdom) ترى أن الثقة هنا تعني الإيمان بأن ما يحدث هو بالضرورة الصحيح في سياق الصورة الأكبر، حتى لو بدا سلبياً أو مؤلماً على المستوى الفردي. كل مجهول هو جزء من التصميم الأعظم الذي يهدف إلى تطور الوعي. الرواقيون أن نميز بين ما هو تحت سيطرتنا (أفكارنا وردود أفعالنا) وما هو خارج سيطرتنا (أحداث العالم والمستقبل المجهول). الخوف من المجهول ينشأ من محاولة السيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه. الثقة في حكمة الكون تعني تحرير الطاقة من هذه المقاومة.
الإستسلام لحكمة الكون ليس سلبية، بل هو فعل إرادي واعٍ يسمح للوعي بالتوسع. عندما يتخلى الفرد عن حاجته للسيطرة على المستقبل المجهول، فإن الأنا (Ego) التي تخاف وتتحكم، تتراجع. هذا التراجع يفتح مجالاً لـلذات الحقيقية (Self) أو الروح لتتلقى إرشادات أعمق تتجاوز المنطق العقلاني المحدود. يمكن تأويل الخوف من المجهول على أنه نظام إنذار (Alarm System) يشير إلى أن الفرد يقف على عتبة النمو الوجودي. الخوف يظهر فقط عندما يبدأ الفرد في تجاوز حدود منطقه المُعتاد أو منطقة راحته. إذا كان النمو الروحي يتطلب التوسع وإكتشاف إمكانات جديدة، فإن المجهول هو الإتجاه الذي يجب السير فيه. يصبح الخوف علامة على أن هناك شيئاً جديداً يوشك أن يولد، وأن الأنا القديمة تقاوم هذا المخاض. الثقة في حكمة الكون هي في جوهرها قفزة إيمانية تتجاوز الدليل المادي. الدافع للثقة هو الإيمان بأن الكون ليس فوضوياً وعشوائياً، بل يحمل غاية (Teleology) تتجاوز فهمنا البشري المحدود. هذه الثقة تمنح الفرد الشجاعة لـلمغامرة في المجهول، ليس بجسد ضعيف، بل بروح مؤمنة بأن النتيجة ستكون دائماً مُلائمة لنموه سواء كانت نجاحاً أو درساً. خلاصة القول، إن الخوف من المجهول، في التحليل الفلسفي العميق، يمكن اعتباره حقاً دعوة للثقة في حكمة الكون. إنه ليس مجرد شعور سلبي يجب قمعه، بل هو إنعكاس للصراع بين الأنا المحدودة التي تريد السيطرة، والروح المتوسعة التي تسعى إلى الإستسلام والتدفق. عندما يُفهم الخوف كـإنذار للتغيير القادم، وتُستبدل المقاومة بالثقة العميقة في النظام الكوني، يتحول المجهول من مصدر قلق إلى ساحة خصبة للإمكانات والنمو الروحي الجذري.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...


المزيد.....




- الإمارات تعزي قطر في وفاة 3 دبلوماسيين بحادث شرم الشيخ
- شاهد.. فلسطينيون يهرعون للحصول على المساعدات من الشاحنات الم ...
- وكالة: إيران لن تشارك في قمة شرم الشيخ بمصر رغم تلقيها دعوة ...
- قمة شرم الشيخ: مصر تستضيف قادة العالم لإنهاء حرب غزة
- وثائق مسربة تكشف عن تعزيز دول عربية للتعاون العسكري مع إسرائ ...
- اشتباكات دامية بين باكستان وأفغانستان.. تضارب في حصيلة القتل ...
- لبنان يستعد لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل
- عشرات القتلى باشتباكات بين باكستان وأفغانستان وإسلام آباد تت ...
- سباق الرئاسة في غينيا يشتعل.. 50 حزبا و16 مستقلا يعلنون ترشح ...
- مسعد بولس: السلام في الكونغو -مسار طويل لا يُدار بمفتاح-


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الثَّالِثُ الثَّلَاثُون-