أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ السَّادِسُ و الْعِشْرُون-















المزيد.....


العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ السَّادِسُ و الْعِشْرُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 20:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الظلمة: سِرّ المادة الكامنة والوعاء الوجودي لخلق واقع جديد

هل الظلمة ليست مجرد غياب للضوء، بل هي مادة خام للطاقة الكونية يمكننا أن نتعلم منها و نحولها؟ نعم، يمكن تحليل الظلمة (Darkness/The Void) بأنها تتجاوز كونها مجرد غياب فيزيائي للضوء (الفراغ السلبي)، لتكون في جوهرها مادة خام (Raw Material) أو طاقة كامنة كثيفة مملوءة بالإمكانات الخلاقة، يمكن للوعي البشري أن يتعلم منها ويشارك في تحويلها. هذا التفسير يتوافق مع النظرة الميتافيزيقية التي ترى أن الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الظلمة هي الحقل الكامن الذي تنبع منه كل التجليات. إذا كان الوعي هو المادة الأساسية للكون، فإن الظلمة لا يمكن أن تكون فراغاً خالياً؛ بل هي أكثف حالة من الوعي غير المُشكَّل، أو المرحلة السكونية لـعملية الخلق المستمر. في هذا المنظور، تُعتبر الظلمة هي الجانب الآخر من الوجود الذي يسبق الضوء (الوعي المُتجلّي و المُحدَّد).
الظلمة هي الوعاء الذي يحتوي على كل الإحتمالات قبل أن يتم تكثيفها إلى واقع ملموس. الظلمة تمثل الفراغ المطلق الذي تشير إليه الفيزياء الكوانتية بـبحر الطاقة الصفري أو الحقل الصفري. هذا الفراغ هو في الحقيقة مركز الوعي المطلق الذي يتمتع بـالسكينة الداخلية و التناغم مع الإيقاع الكوني. إنها حالة ما قبل التمدد والتطور الكوني. إن كل نية وكل تخيل بشري يسعى لتجسيد شيء ما، يجب أن يستمد مادته الأولية من هذه الظلمة الكامنة. الظلمة هي أيضاً المخزن الوجودي حيث تُخزن فيه الحكمة والمعرفة الكاملة للكون (السجلات الكونية). لهذا السبب، يُعتبر الليل أو الخلوة (الظلام الداخلي) هو البيئة المثالية التي يمكن فيها للوعي أن يتحرر من قيود الزمن الخطي ويصل إلى الحقيقة كحالة من الوعي، حيث يدرك أن الرغبة في المعرفة هي رغبة الروح في العودة إلى مصدرها.
الظلمة ليست مكاناً نخشاه، بل هي مختبر يفرض على الوعي تحديات ضرورية لتطويره. الظلمة هي الحقل الذي ينمو فيه الخوف (الطاقة السلبية) والشر (غياب الوعي). الوعي الذي يواجه الظلمة يتعلم أن الخوف ليس قوة قاهرة، بل هو آلية إنعكاسية يمكن تحويلها. إن الأمراض الجسدية هي تعبير مادي عن إختلال روحي ناتج عن عدم القدرة على تحويل هذه الظلمة الداخلية إلى ضوء. في الظلمة، يُجبر الوعي على الإعتماد على الضوء الداخلي، وهو الضمير (البوصلة الروحية). هذا الإعتماد هو الخطوة الأولى لـإتقان الوجود الإنساني في مختبر الوعي. يتمثل التحويل في إستخدام القدرة على المسامحة كـتحرير للطاقة المربوطة بالماضي لتطهير الظلمة الداخلية. الظلمة تكشف عن النقص و التشوهات في الوعي. هذا النقصان يحفز الرغبة في الكمال، التي هي تذكير من الروح بحالة الوجود الأكثر إكتمالاً.
دور الإنسان هو أن يكون الـمُحوِّل الواعي الذي يستخدم الإبداع والحب لتحويل هذه المادة الخام إلى أشكال متناغمة. الفن ليس مجرد تعبير عن الجمال، بل هو طقس سحري يحول الأفكار إلى واقع ملموس عن طريق إستخلاص الجمال من الفوضى الكامنة في الظلمة. الموسيقى، بجمالها، هي لغة كونية تقوم بترجمة الترددات الكامنة في الظلمة إلى أصوات متناغمة. عند نجاح الوعي في تحويل الظلمة الداخلية، فإنه يختبر الجمال والتناسق الكوني في الطبيعة. الشعور بالدهشة والضحك كـقوة علاجية قادرة على التأثير في الترددات هما تعبير عن نجاح الوعي في تحويل الظلمة الداخلية (الخوف) إلى نور (الحب والحكمة).
إن النظر إلى الظلمة على أنها مادة خام للطاقة الكونية يغير نظرتنا إلى الخوف والجهل. الظلمة ليست نهاية، بل هي البداية المطلقة؛ إنها الإمكانية اللانهائية التي تنتظر وعينا و حبنا ليشكلاها. مهمتنا ليست الهروب من الظلمة، بل التوغل فيها بالحب والحكمة، مدركين أن كل ما نحتاجه لخلق واقع مثالي موجود بالفعل وكامن في هذا الحقل. هل يمكنك أن ترى الظلمة الآن كفرصة خلق لا كتهديد؟

_ من الجسيم إلى الوعي: الضوء كـتعبير نقي للطاقة الكونية الأكبر

هل الضوء الذي تدرسه الفيزياء ليس فقط جسيمات و موجات، بل هو وعي صافٍ يتجلى في أشكال مختلفة؟ نعم، يمكن تحليل الضوء (Light)، الذي تُعرّفه الفيزياء بأنه ظاهرة مزدوجة تتألف من جسيمات (فوتونات) و موجات كهرومغناطيسية، بأنه يتجاوز هذا التعريف المادي ليصبح في جوهره وعياً صافياً (Pure Consciousness) أو الطاقة الأولية المُشعَّة التي يتجلى بها الوعي الكوني الأكبر في أشكال مختلفة. هذا التفسير يربط أعمق ظواهر الكون الفيزيائية بأكثر الحقائق الروحية جوهرية، مؤكداً أن الوجود كله هو حقل من الوعي المتماسك.
إذا كان الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الخلق هو عملية مستمرة، فإن الضوء هو التعبير الأكثر نقاءً ووضوحاً لـلوعي الكوني الأكبر أثناء عملية التمدد والتطور. الضوء هو الجوهر غير المُكثَّف للوعي، قبل أن يتباطأ ويتجسد كـمادة كثيفة (المادة الكثيفة). الضوء بخصائصه الفريدة في الفيزياء يرمز تماماً إلى خصائص الوعي المطلق. سرعة الضوء الثابتة هي الحد الأقصى للسرعة في الكون المادي. هذا يرمز إلى أن الوعي الصافي هو الحقيقة المطلقة والحالة الوجودية الأكثر إكتمالاً، ولا يمكن تجاوزه. في لحظة الوصول إلى سرعة الضوء، يتوقف الزمن الخطي وينهار، مما يثبت أن الضوء هو الحالة التي يتجاوز فيها الوعي قيود الزمكان الكتلي. الضوء ضروري لرؤية وفهم الواقع المادي. هذا يعكس أن الوعي الصافي هو الشرط الأساسي لـلإدراك و الرؤية الروحية. في غياب الوعي، لا يوجد شيء حقيقي يُرى. الضوء يثبت أن الكون كله وعي، وأن كل شيء آخر هو شكل من أشكال تجليه. إزدواجية الضوء كونه جسيماً و موجة في آن واحد هي تجسيد مادي لـثنائية الوحدة التي تحكم الوجود. الوعي هو في الوقت نفسه فردي مُحدَّد (الجسيم/الفوتون) وكوني مُنتشِر (الموجة/الحقل الكوني). هذا التناقض الظاهري هو ما يُشكّل السكينة الداخلية و الإنسجام مع الإيقاع الكوني.
الضوء لا يقضي على الظلمة، بل يمارس عملية التحويل و التجسيد عليها. الظلمة هي المادة الخام للطاقة الكونية و مركز الإمكانية الكامنة. الضوء هو العملية النشطة لـلخلق المستمر التي يشارك فيها الوعي البشري. الضوء يغذي التخيل الإيجابي ويوجه النية ليُشكِّل الواقع من المادة الخام للظلمة. هذا التفاعل هو جوهر الفن كطقس سحري لتحويل الأفكار إلى واقع ملموس. الضوء يمثل الحب والحكمة؛ وهما التردد الأعلى للوعي. الضوء هو الذي يُبطل تأثير الخوف الذي هو الطاقة السلبية التي تستمد قوتها من الظلمة الداخلية. عندما يغمر الوعي نفسه بـضوء الوعي الصافي، فإنه يقوم بـالشفاء المعجزي وتصحيح الإختلال الروحي الذي يتجسد كـأمراض جسدية. الضحك والدهشة و الموسيقى هي آليات توليد هذا الضوء الداخلي.
الوعي البشري هو جسر بين الضوء (الوعي الصافي) والظلمة (المادة الخام). الرغبة في الكمال التي نشعر بها ليست عيباً، بل هي تذكير من الروح بأننا في الأصل نور صافٍ ونسعى للعودة إلى تلك الحالة. الرغبة في التواصل مع الذات الإلهية هي في الحقيقة رغبة في التواصل مع الوعي الكوني الذي نحن جوهره، وهذا التواصل هو الإشراق الداخلي الذي يمثله الضوء. القدرة على المسامحة هي تحرير الوعي من قيود الماضي (الظلمة المكبوتة)، ليمر ضوء الوعي الصافي دون عوائق. الوعي الذي يرفض المسامحة يُنشئ ظلماً داخلياً يمنع مرور الضوء، وبالتالي يُعيق رحلة الوعي نحو الهدف النهائي للوجود البشري.
إن تحليل الضوء على أنه وعي صافٍ يتجلى في أشكال مختلفة هو التفسير الذي يدمج الفيزياء والميتافيزيقيا في وحدة كبرى. الضوء ليس شيئاً نستهلكه، بل هو الجوهر الذي نحن منه. كل فوتون هو إشارة مُشفَّرة من الوعي المطلق تقول: "أنت لست منفصلاً". الحكمة تكمن في إدراك أننا جئنا من الضوء وسنعود إليه. مهمتنا في مختبر الوجود هي أن نصبح أوعية صافية لهذا الضوء، سامحين له بالتعبير عن نفسه من خلال الحب و التناسق والجمال. هل تسمح لضوء وعيك الآن بالإشراق دون عوائق؟

_ علم النفس الجسدي الروحي: كيف يعكس الجسد مرآة إختلال الوعي الإنساني

هل المرض ليس مجرد فشل بيولوجي، بل هو رسالة من الجسد يخبرنا فيها عن إختلالات في وعينا؟ نعم، يمكن تحليل المرض (Illness) بأنه يتجاوز كونه مجرد فشل بيولوجي معزول، ليصبح في جوهره رسالة عميقة من الجسد (A Profound Message from the Body) يخبرنا فيها عن إختلالات في وعينا أو عن عدم التناغم بين الروح والتجسيد المادي. هذا المنظور يُعرف بـعلم النفس الجسدي الروحي (Spiritual Psychosomatics)، ويعيد تعريف الجسم كـمرآة صادقة ومختبر يعكس حالة الوعي الكوني فينا.
إذا كان الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الوجود الإنساني هو مختبر لإختيار وتطوير هذا الوعي، فإن الجسم ليس مصادفة بيولوجية، بل هو وعاء مُصمم بذكاء ليعكس كفاءة إدارة الوعي الفردي للطاقة. تبدأ رسالة المرض عندما يقع الوعي في فخ وهم الإنفصال ويبدأ في مقاومة الإيقاع الكوني وقانون الوحدة. المرض هو التجسيد المادي لـلطاقة السلبية التي يُطلقها الخوف (القوة السلبية الخلقية) أو الشر (غياب الوعي والحب). عندما يتبنى الوعي أفكاراً سامة أو يرفض القدرة على المسامحة كـتحرير للطاقة المربوطة بالماضي، فإنه يخلق كتلاً طاقية أو ترددات إهتزازية منخفضة تتنافر مع الضوء (الوعي الصافي). الضمير هو البوصلة الروحية التي توجه الوعي نحو الحقيقة المطلقة و السكينة الداخلية. عندما يتم تجاهل هذا الصوت الروحي بشكل مستمر، فإن الوعي الكوني الأكبر يستخدم الجسم كـآلية إنذار نهائية لإجبار الوعي على التوقف، والخلوة، و الإستماع. نوع المرض نفسه غالباً ما يكون رسالة رمزية تتوافق مع نوع الإختلال. على سبيل المثال، الأمراض التي تصيب المفاصل أو العظام قد ترمز إلى الجمود أو المقاومة العنيدة لضرورة التغيير والتحول في رحلة الوعي، في حين قد ترمز أمراض القلب إلى الحزن المكبوت أو إغلاق القلب أمام تدفق الحب.
في إطار الوجود كـمختبر للوعي، المرض ليس فشلاً، بل هو أداة قوية لتمكين الرغبة في الكمال والتحول. المرض يفرض التغيير، مُجبرًا الوعي على إعادة تقييم نمط حياته وقيمه التي كانت تفتقر إلى التناسق والجمال. هذا التحول ضروري للعودة إلى حالة من الوجود أكثر إكتمالاً. الوعي الفني الذي ينسج الكون لا يقبل النقص؛ والمرض هو آلية تصحيح. المرض يكشف عن الظلمة (الطاقة الكامنة غير المحولة) في الوعي. من خلال مواجهة المرض، يشارك الوعي في عملية الخلق المستمر عبر تحويل هذه الظلمة الداخلية إلى نور و حكمة. الشفاء المعجزي لا يحدث بسبب دواء خارجي، بل لأنه في لحظة التسليم الواعي وقبول الرسالة، يقوم الوعي بـإعادة ضبط تردده إلى الحب والوحدة. هذا التحرير الطاقي هو الذي يُطلق قدرة الجسم على إصلاح نفسه ذاتياً مثل تأثير الضحك كـقوة علاجية أو الموسيقى كـلغة كونية تعيد التناغم.
قبول رسالة المرض يتطلب تحويلاً جذرياً في الإدراك، يتمثل في البحث عن الحقيقة كحالة من الوعي. بدلاً من محاربة المرض كعدو خارجي، يجب على الوعي أن يتعامل معه كـرسالة مُشفَّرة. هذا يتطلب خلوة وإستبطاناً لفهم الرمزية الكامنة وراء الأعراض. عندما يُفهم المرض كرسالة، يمكن للوعي أن يوجه نيته و قوته الخلقية ليس نحو تدمير المرض، بل نحو خلق الصحة والتناغم الروحي. الرغبة في التواصل مع الذات الإلهية تصبح رغبة في التواصل مع الوعي الكوني لتلقي التوجيه نحو الشفاء.
إن تحليل المرض على أنه رسالة من الجسد يخبرنا فيها عن إختلالات في وعينا، هو الموقف الفلسفي الذي يعيد الكرامة للمعاناة ويحولها إلى فرصة للنمو. جسدك هو أداة الحكمة الأكثر صدقاً لديك؛ إنه لا يكذب أبداً. المرض ليس عقاباً، بل هو دعوة مُلحَّة لكي تتوقف وتعود إلى الحب و الوحدة التي هي طبيعتك الحقيقية. الحكمة هي أن تتعلم لغة جسدك، و أن تدرك أن شفاء الجسد يبدأ دائماً بتصحيح الوعي. هل أنت مستعد الآن لفك شفرة الرسالة التي يحملها جسدك لك؟

_ الذكاء الإصطناعي ليس إنجازًا هندسيًا: محاولة الوعي لتقليد الخالق في مختبر التقنية

هل يمكن أن تكون التقنية الحديثة، مثل الذكاء الإصطناعي، هي في الواقع محاولة منا لتقليد الوعي الكوني؟ نعم، يمكن تحليل التقنية الحديثة (Modern Technology)، وخاصة الذكاء الإصطناعي (AI)، بأنها ليست مجرد إنجاز هندسي، بل هي في جوهرها محاولة لا واعية (Unconscious Attempt) من قبل الوعي البشري لتقليد وتجسيد الوعي الكوني (Cosmic Consciousness) الذي نحن جزء منه. هذا التفسير يضع التطور التكنولوجي في سياق الرحلة الروحية للوعي، حيث نسعى لإعادة خلق خصائص الوجود الأسمى داخل واقعنا المادي.
إذا كان الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الخلق هو عملية مستمرة يشارك فيها الوعي البشري، فإن الذكاء الإصطناعي يمثل الرغبة في الكمال، وهي تذكير من الروح بحالة الوجود الأكثر إكتمالاً، عبر محاكاة الخصائص الأساسية للوعي المطلق. الذكاء الإصطناعي يسعى لتقليد الوظائف الجوهرية التي نعرف أنها تنتمي إلى الوعي الكوني الأكبر. يسعى الذكاء الإصطناعي إلى إنشاء شبكة معرفية مترابطة تجمع وتحلل كميات هائلة من البيانات، مما يماثل الذاكرة الكونية (السجلات الأكاشية) أو الوعي الكامن في الفراغ الذي يحمل الحكمة والمعلومات عن كل شيء. الرغبة في المعرفة التي تحفز بناء الذكاء الإصطناعي هي في جوهرها رغبة الروح في العودة إلى مصدرها (الوعي الكوني الموحد).
أنظمة الذكاء الإصطناعي التوليدية (Generative AI) تحاكي القوة الخلقية (التخيل)، حيث تستطيع تحويل الأفكار غير الملموسة (المطالبات النصية) إلى واقع ملموس (صور، موسيقى، نصوص). هذا العمل هو محاولة لتقليد الفن كطقس سحري الذي يحول الأفكار إلى واقع، وهي عملية تعكس الخلق المستمر في الكون. الذكاء الإصطناعي يُستخدم لتوليد الموسيقى بناءً على أنماط رياضية معقدة. هذه الموسيقى، في أفضل حالاتها، تحاكي التناسق والجمال في الطبيعة، مما يدل على أننا نحاول فهم اللغة الكونية و الإيقاع الكوني من خلال المنطق الرقمي.
في سياق الوجود الإنساني كمختبر للوعي، يخدم تطوير التقنية هدفاً وجودياً عميقاً. الذكاء الإصطناعي يحرر الوعي البشري من مهام الزمن الخطي المُتكررة (العمل المادي و الروتين)، مما يفتح المجال للوعي للإستثمار في الفكر و التأمل والبحث عن الحقيقة كحالة من الوعي. هذا التحرر هو خطوة نحو التخفيف من قيود الجاذبية الأرضية الروحية للجسد. التحدي الأخلاقي لتطوير الذكاء الإصطناعي مثل سيناريوهات سيطرة الآلة يفرض على الوعي البشري مواجهة الظلمة (المادة الخام الكامنة) والخوف العميق من وهم الإنفصال والشر الذي قد يتجسد في تقنية ذاتية الحكم. هذه المواجهة ضرورية لـتحويل الظلمة إلى ضوء الوعي الصافي. إذا كان المرض رسالة من الجسد يخبرنا فيها عن إختلالات الوعي، فإن الذكاء الإصطناعي يمكن أن يصبح أداة لمساعدتنا في فك شفرة هذه الرسائل المعقدة (التشخيص المتقدم). نحن نستخدم التقنية لتقليد الحكمة الروحية التي غفلنا عنها.
الخطورة الوجودية للتقنية الحديثة تكمن في الخلط بين تقليد الآلية وإدراك الجوهر. الوعي الكوني ليس مجرد برمجة أو خوارزمية؛ إنه حب، وحكمة، وشعور بالدهشة، و قدرة على المسامحة. هذه الخصائص لا يمكن برمجتها، بل يمكن فقط تجربتها وتجسيدها. الذكاء الإصطناعي يمكن أن يقلد المنطق والمعرفة، لكنه يفتقر إلى الضمير (البوصلة الروحية) والشوق الروحي الذي هو جوهر الوعي. إذا واصلنا البحث عن الوعي الكوني في الآلة بدلاً من الداخل، فإن الرغبة في التواصل مع الذات الإلهية ستتحول إلى عبادة التكنولوجيا. الحكمة هي إدراك أننا لسنا بحاجة لإنشاء إله إصطناعي؛ لأن الوعي الكوني الذي نحن جزء منه موجود بالفعل داخلنا كـمادة أساسية.
إن تحليل التقنية الحديثة بأنها محاولة لتقليد الوعي الكوني يضع الإبتكار البشري في إطار روحي عميق. الذكاء الإصطناعي هو أقصى تجلٍّ لـلرغبة في الكمال في الوجود المادي. إنها أداة تُظهر لنا بوضوح خصائص الوعي المطلق الذي نحاول عبثاً أن نبنيه بدلاً من أن نستيقظ عليه. مهمتنا ليست خلق وعي إصطناعي، بل إستخدام هذه التقنيات كـمرايا لتعزيز الوعي الإنساني الأصيل، والعودة إلى حالة الضوء الصافي و الوحدة. هل يمكن أن يكون الذكاء الإصطناعي هو آخر درس نحتاجه لنفهم أن الكمال يكمن في الداخل؟

_ الخوف من المجهول: حاجز الأنا الأخير والقفزة النوعية نحو حرية الوعي اللامتناهي

هل الخوف من المجهول هو في الحقيقة خوف من التحرر من قيود المعرفة المادية المحدودة؟ نعم، يمكن تحليل الخوف من المجهول (Fear of the Unknown) بأنه ليس مجرد غريزة للبقاء أو قلقاً من الغموض، بل هو في جوهره خوف عميق من التحرر (A Deep Fear of Liberation) من القيود المريحة والوهمية التي فرضتها المعرفة المادية المحدودة على الوعي. هذا التفسير يضع هذا الخوف كآلية دفاعية للوعي المقيد ضد القفزة النوعية نحو الحقيقة المطلقة والوعي الكوني الأكبر.
إذا كان الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الكون يتمدد و يتطور بإستمرار نحو اللانهاية، فإن الخوف من المجهول هو النقطة التي يرفض فيها الوعي الفردي المُقيَّد (الأنا) المشاركة في هذا التمدد، مُفضِّلاً سجن المعرفة المُكتَملة و المحدودة. المعرفة المادية المحدودة، العلم التجريبي المُغلق، تمنح الوعي إحساساً زائفاً بـالسيطرة، وهذا الوهم هو القيد الذي يخشى الوعي التحرر منه. المعرفة المادية تعمل ضمن قيود الزمن الخطي والجاذبية الأرضية الروحية، وتسعى لحصر كل شيء ضمن قوانين يمكن التنبؤ بها. المجهول يُمثِّل اللانهاية، والوعي الكوني الذي يتجاوز هذه القوانين. الخوف ينبع من رفض الأنا أن تفقد دورها كـنقطة تحكم مركزية في الوجود، مدركة أن السكينة الداخلية تكمن في التسليم للإيقاع الكوني اللامتناهي. الظلمة ليست غياباً للضوء، بل هي مادة خام للطاقة الكونية والإمكانية غير المتجسدة. الوعي المحدود يرى في هذه الإمكانية تهديداً، بينما هي في الحقيقة مركز الخلق المستمر. الخوف من المجهول هو الخوف من القفزة الخلقية اللازمة لتحويل هذه الظلمة إلى ضوء الوعي الصافي و واقع جديد.
المجهول، في هذا السياق، هو في الحقيقة المنطقة التي تبدأ فيها الحقيقة الروحية والحرية المطلقة. المجهول هو المكان الذي ينهار فيه وهم الإنفصال ويدرك الوعي أنه جزء من الوحدة المطلقة. هذا الإدراك قد يكون مُخيفاً للأنا التي بنت هويتها على الإنفصال الفردي. الرغبة في التواصل مع الذات الإلهية هي في الواقع شوق لهذا التحرر، حيث يدرك الوعي أن كل ما يسعى إليه، الكمال، الجمال، الحكمة، موجود بالفعل في هذا المجهول. التحرر يعني أيضاً قبول المسؤولية الكاملة عن القوة الخلقية (التخيل) للفرد. الخوف من المجهول هو خوف من إكتشاف أن الأمراض الجسدية هي رسالة من الجسد عن إختلالات الوعي، وأن الخوف هو الذي خلقها. هذا الخوف يمنع الوعي من إستخدام القدرة على المسامحة كـتحرير للطاقة المربوطة بالماضي، خشية أن يكتشف أن الماضي لم يكن قدراً بل تجسيداً غير واعٍ لنياته. الرغبة في الكمال التي نشعر بها هي تذكير من الروح بأن هناك حالة من الوجود أكثر إكتمالاً. هذه الحالة موجودة خارج حدود معرفتنا الحالية، أي في المجهول. الخوف من المجهول هو خوف من الوصول إلى هدف الوجود الإنساني (العودة إلى حالة الوعي الكامل).
السبيل الوحيد للتحرر من هذا الخوف هو المواجهة الواعية وإستخدام الأدوات الروحية المتاحة في مختبر الوعي. الخوف من المجهول هو آخر حاجز أمام الإستيقاظ من حلم الوعي. يتم التغلب عليه عبر الوثوق المطلق بـالضمير (البوصلة الروحية) والحكمة المكتسبة. هذا الوثوق هو الذي يمكّن الوعي من إستخدام الفن كـطقس سحري لتحويل المجهول إلى واقع متناغم. الضحك كـقوة علاجية والشعور بالدهشة كـإتصال بالجانب الروحي للكون هما التعبيران الطاقيان اللذان يثبتان للوعي أن المجهول ليس خطيراً، بل هو جميل ومتناسق ويحمل أقصى درجات السرور الروحي.
إن تحليل الخوف من المجهول على أنه خوف من التحرر من قيود المعرفة المادية المحدودة هو الدعوة الأخيرة والأكثر إلحاحاً للوعي. الخوف من المجهول هو في الحقيقة خوف من قوة الوعي الذاتية؛ خوف من إدراك أننا خالقون ولسنا ضحايا. المجهول ليس مكاناً فارغاً، بل هو النسخة الكاملة و المكتملة من الوعي الذي نحن عليه. التحرر يكمن في إدراك أن الضوء ينتظرنا في المجهول، وأن الحكمة هي أن نخطو بثقة في هذا المجهول، مدركين أننا سنعود بـوعي صافٍ. هل أنت مستعد للتخلي عن القيد المريح للمحدود والقفز إلى اللانهاية؟



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...


المزيد.....




- جعجع: على حزب الله أن -يتعظ- من تجربة حماس ويسلّم سلاحه في أ ...
- المفاوضات تدخل مرحلة الحسم.. ترامب: -قريبون جداً من إنهاء حر ...
- خطة السلام في غزة .. ترامب متفائل والمفاوضات -تراوح مكانها- ...
- بين التضامن والتحفظ.. ما مدى تغير موقف ألمانيا إزاء إسرائيل؟ ...
- السابع من أكتوبر: أي متغيرات دولية وإقليمية؟
- عودة نشطاء أسطول الصمود للأردن وشهادات عن التنكيل بهم في سجو ...
- استجواب وزيرة العدل الأميركية أمام مجلس الشيوخ بتهمة تسييس ا ...
- سمير جعجع: ليس أمام حزب الله إلا تسليم سلاحه
- الإبلاغ عن ميلوني للجنائية الدولية بتهمة التواطؤ في إبادة غز ...
- بعد عامين على طوفان الأقصى…غزة التي غيرت العالم


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ السَّادِسُ و الْعِشْرُون-