أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ السَّابِع-















المزيد.....



العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ السَّابِع-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 19:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الصدفة العلمية والسحر: وجهان لتنظيم الفوضى

هل الصدفة في العلم هي مجرد إسم نطلقه على التفاعل بين أسباب وعوامل لا يمكننا رصدها، و هل يمكن أن يكون السحر هو محاولة لتنظيم هذه الصدف؟ هذا السؤال يربط بين مفهومين أساسيين في فهمنا للعالم؛ الصدفة في العلم و التحكم في السحر. إنه يتطلب تحليلًا عميقًا لكيفية نظر كل نظام منهما إلى الأحداث غير المتوقعة. في المنهج العلمي، تُعتبر الصدفة مصطلحًا لوصف حدث يبدو وكأنه لا يتبع نمطًا أو سببًا واضحًا. و لكن، هذا لا يعني أن العلم يرى الصدفة كقوة فاعلة. بل يرى فيها نتيجة لتفاعل معقد بين متغيرات وأسباب لا يمكن رصدها أو قياسها بالكامل. فكرة الصدفة مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بـنظرية الفوضى (Chaos Theory). فالأحداث التي تبدو عشوائية، مثل حركة سائل مضطرب أو تقلبات الطقس، ليست عشوائية حقًا. إنها نتائج حتمية لمجموعة من القوانين الفيزيائية، لكنها معقدة جدًا بحيث لا يمكن التنبؤ بها. تأثير الفراشة خير مثال على ذلك: حركة صغيرة في مكان ما قد تؤدي إلى نتائج ضخمة في مكان آخر. الصدفة هنا هي ببساطة فشلنا في رصد كل هذه المتغيرات وتفاعلاتها الدقيقة. العلم لا يتجاهل الصدفة، بل يدرسها من خلال قوانين الإحتمالات والإحصاء. على الرغم من أن نتيجة رمي قطعة نقدية واحدة لا يمكن التنبؤ بها، إلا أن نتيجة رميها مئة مرة يمكن التنبؤ بها بدرجة عالية من الدقة. العلم يحول الصدفة من مفهوم غامض إلى ظاهرة قابلة للتحليل الكمي.
على الجانب الآخر، يأتي السحر. إذا كان العلم يرى في الصدفة نتيجة للتعقيد غير المرصود، فإن السحر يرى فيها فرصة للتدخل والتلاعب. السحر يرفض فكرة أن الأحداث يمكن أن تكون عشوائية تمامًا. بدلاً من ذلك، يرى أن كل حدث، حتى وإن بدا عشوائيًا، يمكن أن يُعزى إلى قوة أو سبب خفي. الساحر يؤمن بأن لديه القدرة على تنظيم هذه الصدف من خلال النية، الكلمة، والطقوس. فعلى سبيل المثال، جلب الحظ ليس مجرد إنتظار للصدفة، بل هو محاولة للتأثير على القوى الخفية التي تحكم الأحداث. السحر هنا هو محاولة لفرض نظام على الفوضى. في حين أن العلم يرى في الصدفة نتيجة لعوامل مادية، فإن السحر يرى فيها فرصة للتدخل من خلال قوى غير مادية أو ميتافيزيقية. السحر يحاول إستغلال الروابط الخفية بين الأشياء التي يتجاهلها العلم.
الفرق بينهما ليس مجرد تسمية، بل هو إختلاف جذري في النظرة إلى العالم. العلم يرى في الصدفة غيابًا للسببية المفهومة، ويؤكد على أنها بلا غاية. السحر يرى في الصدفة دليلًا على وجود غاية أو قصد خفي. عندما يجد شخص ما مبلغًا من المال، يراه العلم صدفة، بينما يراه الساحر حظًا أو بركة يمكن إستدعاؤها أو تعزيزها. يهدف العلم إلى فهم القوانين التي تحكم الصدفة، بينما يهدف السحر إلى التلاعب بها. العلم يسعى إلى كشف الأسباب، والسحر يسعى إلى التحكم في النتائج.
الخلاصة هي أن الصدفة في العلم هي في الواقع إسم نطلقه على التفاعل بين أسباب وعوامل لا يمكننا رصدها، والسحر هو بالفعل محاولة لتنظيم هذه الصدف. ولكن، هذا لا يجعل المفهومين متطابقين. السحر يمثل محاولة بدائية لتنظيم الفوضى من خلال الإيمان بالقوى الخفية، بينما العلم يمثل محاولة ناضجة لتنظيمها من خلال الفهم العميق للسببية و التحليل الإحصائي.

_ منطق الساحر ومنهج العالم: صراع الإستقراء والإستنباط

إذا كان السحر يعمل على مبدأ الإستنتاج الإستقرائي مثلاً، إذا كان هذا الشيء يحدث، فإنه سيحدث مرة أخرى، بينما العلم يعمل على مبدأ الإستنتاج الإستنباطي، إذا كانت هذه القاعدة صحيحة، فإن هذه النتيجة حتمية، فهل يمثلان منهجين مختلفين تمامًا لفهم العالم؟ يمثل هذا السؤال جوهر الإختلاف المنهجي بين السحر و العلم، وهو إختلاف لا يقتصر على الأدوات المستخدمة، بل يمتد إلى كيفية بناء المعرفة والتفكير في السببية. إن الفكرة القائلة بأن السحر يعتمد على الإستقراء بينما العلم يعتمد على الإستنباط تشير إلى أن المنهجين مختلفان تمامًا، لكن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك. السحر، في جوهره، يعتمد على المنطق الإستقرائي (Inductive Reasoning) في أبسط صوره. الإستقراء هو عملية إستخلاص قاعدة عامة من خلال ملاحظة حالات فردية. فإذا قام شخص ما بطقس معين ثم حدثت عاصفة، و قام بالطقس مرة أخرى وحدثت عاصفة، فقد يستنتج أن الطقس يسبب العاصفة. هذا النوع من التفكير يربط بين الأحداث بناءً على التزامن أو التكرار، و ليس بالضرورة بناءً على فهم حقيقي للسببية. الساحر يلاحظ أن إستخدام عشبة معينة يشفى من مرض معين، فيستنتج أن العشبة هي علاج عام لذلك المرض. هذا الإستنتاج مبني على التجربة المباشرة و الملاحظة، لكنه لا يأخذ في الإعتبار العوامل الأخرى التي قد تكون أثرت على النتيجة. المعرفة السحرية غالبًا ما تكون تراكمًا للتجارب الشخصية والقصص التي تُنقل عبر الأجيال. إنها ليست مبنية على تجارب يمكن التحقق منها بشكل منهجي، بل على إيمان بأن ما حدث في الماضي سيحدث في المستقبل.
أما العلم، فيعمل بشكل أساسي على المنطق الإستنباطي (Deductive Reasoning)، ولكنه يدمجه بمهارة مع الإستقراء. الإستنباط هو عملية إستخلاص نتيجة منطقية من مقدمات عامة. يبدأ العلم بفرضية أو نظرية (قاعدة)، ثم يستنبط منها نتائج يمكن إختبارها تجريبيًا. يبدأ العالم بنظرية مثلاً، نظرية الجاذبية، ثم يستنبط منها نتيجة سقوط التفاحة على الأرض. إذا كانت النتيجة صحيحة، فإن النظرية تزداد قوة. إذا كانت خاطئة، فإن النظرية تحتاج إلى مراجعة. جوهر المنهج العلمي ليس فقط في الإستنتاج، بل في التجريب والتحقق. الإستقراء في العلم يُستخدم لجمع الملاحظات، لكن الإستنباط هو الذي يُستخدم لبناء النظريات وإختبارها. فالعالم قد يلاحظ أن كل التفاح يسقط (إستقراء)، لكنه يبني نظرية الجاذبية (قاعدة عامة)، ثم يستخدمها لإستنباط نتائج أخرى يمكن اختبارها.
يمكن القول إنهما يمثلان منهجين مختلفين تمامًا، والفرق ليس فقط في الأداة الفكرية، بل في كيفية التعامل مع الخطأ. المنطق الإستقرائي في السحر يميل إلى أن يكون مغلقًا على ذاته. إذا فشل الطقس في تحقيق النتيجة المرجوة، فإن الساحر لا يراجع فرضيته الأساسية (أن الطقس فعال)، بل يجد تفسيرات بديلة مثل وجود طاقة سلبية أو عمل مضاد. هذا يمنع المعرفة من التطور أو التصحيح الذاتي. المنهج العلمي، بفضل إعتماده على الإستنباط و التجريب، هو منهج يصحح ذاته بإستمرار. عندما تُظهر التجارب أن نظرية ما خاطئة، فإن المجتمع العلمي لا يجد تفسيرات خارجية، بل يراجع النظرية نفسها أو يستبدلها بأخرى. هذا هو ما يمنح العلم قدرته الهائلة على التطور.
يمثل السحر والعلم منهجين مختلفين تمامًا لفهم العالم. السحر يعتمد على إستقراء بسيط يربط بين الأحداث دون فهم حقيقي للسبب، مما يؤدي إلى نظام فكري مغلق لا يمكن تصحيحه. أما العلم، فيدمج الإستقراء مع الإستنباط في دورة مستمرة من الملاحظة، بناء الفرضيات، والإختبار، مما يخلق نظامًا معرفيًا مفتوحًا وقابلًا للتصحيح الذاتي. هذا الإختلاف المنهجي هو ما يفسر لماذا يتقدم العلم بإستمرار بينما يظل السحر ثابتًا في مكانه.

_ روح الكون وآلة العلم: صراع الوعي والمادة

هل يعكس السحر إيمانًا عميقًا بأن الكون كائن حي له روح يمكن التفاعل معها، بينما العلم يعامله كآلة صماء يمكن تفكيكها وتحليلها؟ نعم، يمكن القول إن السحر يعكس إيمانًا عميقًا بأن الكون كائن حي له روح يمكن التفاعل معها، بينما يعامله العلم كآلة صماء يمكن تفكيكها و تحليلها. هذا الفرق في النظرة الكونية هو جوهر الإختلاف بين المنهجين، ويمتد ليشمل كل جوانب الفكر والممارسة. الفلسفة التي يقوم عليها السحر هي الروحانية (Animism)، وهي الإعتقاد بأن كل شيء في الطبيعة، من الأحجار و الأشجار إلى النجوم و الكواكب، يمتلك روحًا أو وعيًا. السحر ليس مجرد مجموعة من الطقوس، بل هو نظام كامل لفهم الكون كشبكة من العلاقات الحيوية. السحر يرى أن الكون مليء بالرموز و الإشارات التي يمكن قراءتها والتفاعل معها. الساحر لا يحاول السيطرة على الطبيعة بالقوة، بل يسعى إلى التناغم مع روحها من خلال الطقوس والتعاويذ. هو يطلب من الطبيعة ما يريد، لا يجبرها. السحر يؤمن بأن كل شيء في الوجود مترابط بطريقة عضوية. ما يحدث في مكان ما يؤثر على مكان آخر. هذه الفكرة ليست ميكانيكية، بل هي أشبه بالروابط الموجودة في كائن حي، حيث يؤثر أي خلل في جزء من الجسم على الكل.
على النقيض تمامًا، فإن المنهج العلمي الحديث بُني على فلسفة المادية الميكانيكية (Mechanistic Materialism)، وهي فكرة أن الكون يعمل مثل آلة ضخمة يمكن تفكيكها إلى أجزاء صغيرة لدراسة كيفية عملها. العلم لا يرى في الكون روحًا أو وعيًا. بدلاً من ذلك، هو يرى فيه مجموعة من القوانين الثابتة التي تحكم المادة والطاقة. لفهم هذه الآلة، يقوم العلم بتفكيكها إلى أصغر مكوناتها (الذرات، الجسيمات الأولية) لدراسة تفاعلاتها. الهدف من هذا الفك و التحليل هو التنبؤ بسلوك الأجزاء ومن ثم السيطرة عليها. العلم لا يتفاعل مع الطبيعة، بل يستغل قوانينها. بناء محطة طاقة نووية، على سبيل المثال، ليس تفاعلًا مع روح الذرة، بل هو تطبيق لقوانين فيزيائية بحتة.
هناك فلاسفة وعلماء حديثون يشيرون إلى أن النظرة الميكانيكية للعالم قد تكون غير كافية لفهم كل شيء. الفيزياء الكمومية، على سبيل المثال، تطرح تساؤلات حول طبيعة الواقع ودور الملاحظة التي قد ترتبط بالوعي في تشكيله، مما يعيد طرح فكرة الترابط بين الأجزاء. بعض العلماء يذهبون إلى أن الوعي نفسه قد يكون خاصية أساسية للكون، وليست مجرد نتاج ثانوي للدماغ. هذا لا يعني أن السحر سيصبح علمًا، بل يعني أن العلم قد يكون في طريقه لإكتشاف أن الكون أكثر حيوية وتعقيدًا مما كنا نعتقد. ربما يكون السحر هو الإيمان البدائي بوجود الروح، بينما يكون العلم هو المحاولة المنهجية للكشف عن طبيعة هذه الروح. فبدلاً من أن يكونا متناقضين، قد يمثلان مرحلتين مختلفتين في رحلة البشرية لفهم الكون: الأولى تقوم على الحدس والرمز، والثانية على المنهجية والبرهان.

_ النية في السحر، التكنولوجيا في العلم: طريقان لتمكين الإنسان

هل يمثل السحر قوة الإنسان على تغيير واقعه من خلال نية خالصة، وهل العلم الحديث يحاول إعادة إنتاج هذه القوة من خلال التكنولوجيا بدلاً من الوعي؟ يمكن القول إن السحر يمثل بالفعل إيمانًا بقوة الإنسان على تغيير واقعه من خلال نية خالصة، وأن العلم الحديث يحاول إعادة إنتاج هذه القوة من خلال التكنولوجيا بدلًا من الإعتماد على الوعي. هذا التحليل يربط بين مفهومين أساسيين؛ النية في السحر، و التكنولوجيا في العلم، وكيف أن كلاهما يهدف إلى تمكين الإنسان من تشكيل واقعه. في الفكر السحري، تُعتبر النية (Intent) هي المحرك الأساسي للقوة. الساحر لا يعتقد أن الطقوس والتعاويذ لها قوة في حد ذاتها، بل يرى أنها أدوات لتركيز وتوجيه النية. النية هنا ليست مجرد فكرة أو رغبة، بل هي طاقة كامنة داخل الإنسان يمكن توجيهها لتغيير الواقع المادي. يعكس السحر إيمانًا بأن الوعي البشري ليس مجرد نتاج ثانوي لعمليات الدماغ، بل هو قوة قادرة على التأثير في الكون. الساحر يسعى إلى تدريب وعيه ليصل إلى حالة من النقاء والتركيز، مما يمكنه من إرسال نية واضحة و محددة إلى الكون. السحر يضع القوة في يد الفرد. إنه يمنح الإنسان شعورًا بالقدرة على التحكم في مصيره ومواجهة تحديات الحياة من خلال قدراته الداخلية، وليس بالإعتماد على قوى خارجية أو أدوات معقدة.
على الجانب الآخر، يأتي العلم الحديث. بينما يشارك السحر في الهدف النهائي (تغيير الواقع)، فإنه يختلف جذريًا في المنهج والأدوات. العلم لا يعتمد على النية الخالصة أو الوعي الداخلي، بل يعتمد على التكنولوجيا كأداة خارجية لإحداث التغيير. يرى العلم أن الكون يعمل كآلة يمكن فهمها وتحليلها. لتغيير الواقع، يجب على الإنسان أن يفهم قوانين هذه الآلة، ثم يبني أدوات (التكنولوجيا) تستخدم هذه القوانين لإحداث التغيير. على سبيل المثال، لتوليد الطاقة، لا يعتمد الإنسان على نية خالصة، بل يبني محطة طاقة تستخدم قوانين الفيزياء. بينما يمنح السحر القوة للفرد، فإن العلم يمنح القوة للمجتمع. التكنولوجيا هي نتاج عمل جماعي، و تطورها يعتمد على تراكم المعرفة وتشارُكها. هذا يجعل العلم أكثر قابلية للتوسع والإنتشار، ولكنه أيضًا يجرده من الجانب الروحي أو الشخصي.
يمكن القول إن السحر والعلم هما محاولتان مختلفتان لتحقيق نفس الغاية؛ تمكين الإنسان من تشكيل واقعه. ولكن الفارق الجوهري يكمن في مصدر القوة. السحر مصدر القوة هو الداخل. القوة تأتي من وعي الإنسان ونواياه. العلم مصدر القوة هو الخارج. القوة تأتي من فهم قوانين الطبيعة وبناء أدوات تستغلها. ربما يكون السحر هو محاولة بدائية و فلسفية لإستكشاف القوة الكامنة في الوعي، بينما يكون العلم هو محاولة منهجية وعملية لإستخدام القوة الكامنة في المادة. هل يمكن أن يلتقيا في المستقبل؟ ربما. إذا إكتشف العلم أن الوعي يؤثر بالفعل على المادة كما تشير بعض التفسيرات للفيزياء الكمومية، فإن الفاصل بينهما سيتلاشى. لكن حتى ذلك الحين، يمثلان مسارين منفصلين، أحدهما يركز على النية، والآخر على التكنولوجيا.

_ قوانين ثابتة ونوايا متغيرة: هل الكون آلة أم وعي؟

إذا كانت القوانين العلمية ثابتة ومحايدة، فهل يمكن أن يكمن جوهر السحر في وجود قوانين شخصية أو قوانين للنية، حيث يصبح وعي الفرد جزءاً من المعادلة الكونية؟يمكن القول إن جوهر السحر يكمن في وجود قوانين شخصية أو قوانين للنية تتجاوز القوانين العلمية الثابتة و المحايدة، حيث يصبح وعي الفرد جزءاً من المعادلة الكونية. هذا التحليل يمثل تقاطعًا بين الفلسفة الميتافيزيقية و الفيزياء، ويطرح إمكانية وجود نظامين مختلفين من القوانين يحكمان الوجود. المنهج العلمي بُني على أساس أن القوانين التي تحكم الكون هي ثابتة ومحايدة. هذا يعني أن قانون الجاذبية يعمل بنفس الطريقة في أي مكان و زمان، بغض النظر عن هوية الشخص الذي يلاحظه أو نواياه. العلم يفترض أن قوانين الكون موجودة بشكل مستقل عن الوعي البشري. الأحداث تحدث بسبب تفاعلات بين كائنات مادية، و ليس بسبب رغبات أو نوايا. القوانين تنطبق على الجميع دون إستثناء. هذه الإفتراضات هي ما يمنح العلم قوته في التنبؤ والتحقق، ولكنه أيضًا يترك فراغًا في فهم الجانب الذاتي و القصدي من الوجود.
على النقيض تمامًا، فإن الفكر السحري يعتمد على فكرة أن هناك قوانين شخصية أو قوانين للنية يمكن أن تؤثر على الواقع. هذه القوانين لا تلغي القوانين العلمية، بل تتجاوزها أو تعمل على مستوى آخر من الواقع. في السحر، يصبح وعي الفرد متغيرًا أساسيًا في المعادلة الكونية. السحر يرى أن النية ليست مجرد فكرة، بل هي طاقة يمكن توجيهها لتغيير الواقع. هذه الطاقة شخصية وفريدة لكل فرد، وهذا يفسر لماذا يكون السحر فعالًا لشخص وغير فعال لآخر. السحر يفترض وجود ترابط رمزي أو طاقي بين الأشياء، وهذا الترابط يتأثر بوعي الفرد. الطقوس والتعاويذ ليست مجرد كلمات، بل هي أدوات لتركيز هذا الوعي وتوجيه هذه الطاقة.
بدلًا من أن نرى السحر والعلم كمتناقضين، يمكن أن نراهما كمنهجين يستكشفان نظامين مختلفين من القوانين. العلم يدرس قوانين العالم المادي التي هي ثابتة ومحايدة. السحر يدرس قوانين العالم القصدي أو الواعي، والتي تعتمد على الوعي البشري. هذا لا يعني أن السحر يخرق قوانين الفيزياء، بل يعني أن هناك قوانين ميتافيزيقية لم يكتشفها العلم بعد. على سبيل المثال، قد تكون قوانين النية مرتبطة بمفاهيم لم يفهمها العلم بعد مثل الوعي في الفيزياء الكمومية. إذا كان هذا صحيحًا، فإن الفهم الكامل للعالم لا يأتي من أحدهما فقط، بل من فهم كيفية تفاعل هذين النظامين من القوانين معًا. العلم يفسر كيف تسقط التفاحة، والسحر قد يفسر لماذا شعرت بالرغبة في أكلها في تلك اللحظة بالذات.

_ فشل التجربة: علم يفند، وسحر يبرر

في العلم، يُنظر إلى فشل التجربة على أنه دليل ضد الفرضية. فماذا يعني فشل الطقس السحري؟ هل هو دليل على زيف السحر نفسه، أم على ضعف إرادة الساحر، أم على وجود قوة مضادة؟ في العلم، يُعد فشل التجربة دليلًا قاطعًا على ضعف الفرضية، ويشكل حجر الزاوية في المنهج العلمي القائم على التفنيد. على النقيض تمامًا، فإن مفهوم فشل الطقس السحري لا يُعامل بنفس الطريقة، بل يتم تفسيره بطرق تتيح للنظام السحري أن يظل قائمًا، بعيدًا عن أي تفنيد حقيقي. هذا الفرق الجوهري في كيفية التعامل مع الفشل يكشف عن الطبيعة المتباينة للعلم و السحر. يعتمد العلم على مبدأ أن الفرضية الصحيحة يجب أن تؤدي دائمًا إلى نتيجة قابلة للتنبؤ يمكن تكرارها. إذا قام عالم بتجربة لإثبات أن الماء يغلي عند 100 درجة مئوية تحت ضغط معين، وفشل الماء في الغليان عند تلك الدرجة، فإن هذا الفشل لا يعني أن الأدوات كانت ضعيفة أو أن العالم لم يكن يمتلك إرادة كافية. بل يعني ببساطة أن الفرضية نفسها كانت خاطئة أو ناقصة. هذا المبدأ هو ما يميز العلم عن الأنظمة الفكرية الأخرى. إنه يمنح العلم القدرة على التصحيح الذاتي والتطور المستمر.
عندما يفشل الطقس السحري في تحقيق هدفه، فإن التفسيرات غالبًا ما تكون ذاتية، ولا تؤدي إلى دحض الفرضية الأساسية للسحر. يمكن تقسيم هذه التفسيرات فلسفيًا إلى عدة محاور؛ يُنظر إلى السحر كقوة داخلية، تعتمد على النية والتركيز. لذلك، فإن فشل الطقس يُعزى في كثير من الأحيان إلى ضعف إرادة الساحر أو عدم نقاء نيته. هذا التفسير يحول الفشل من كونه دليلًا على زيف السحر إلى نقص شخصي في قدرة الساحر. إنه يضع اللوم على الفرد، وليس على النظام الفكري نفسه. يتبنى الفكر السحري رؤية كونية تقوم على وجود قوى متصارعة. وبالتالي، يمكن أن يُفسر فشل الطقس بوجود قوة سحرية مضادة أو طاقة سلبية عطلت عمل السحر. هذا التفسير ينقل المسؤولية من الساحر إلى العالم الخارجي، ولكنه لا يزال يحافظ على فكرة أن السحر فعال من حيث المبدأ. قد يُقال إن الطقس لم يُنفذ بشكل صحيح، أو أن الوقت لم يكن مناسبًا، أو أن الأدوات المستخدمة كانت غير ملائمة. هذا التفسير يفصل بين مبدأ السحر الذي يُفترض أنه صحيح وبين تطبيقه الذي قد يكون معيبًا. هذه التفسيرات تضمن بقاء نظام السحر الفكري سليمًا، وتوفر له منافذ هروب من أي تفنيد محتمل.
الخلاصة هي أن فشل الطقس السحري لا يُعامل بنفس الطريقة التي يُعامل بها فشل التجربة العلمية. هذا الإختلاف يكشف عن تناقض جذري في الأطر الفكرية لكل منهما؛ السحر يعمل على نظام فكري مغلق وغير قابل للتفنيد. أي فشل يُفسر بطرق تحافظ على صحة المفهوم الأساسي، مما يمنعه من التطور أو التغيير. العلم يعمل على نظام فكري مفتوح وقابل للتصحيح الذاتي. الفشل ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لطريق جديد نحو فهم أعمق للواقع. في النهاية، بينما يعني فشل التجربة في العلم أن الفرضية خاطئة، فإن فشل الطقس السحري يعني أن الساحر ضعيف أو أن هناك قوة مضادة. هذا الفرق هو ما يجعل السحر نظامًا إيمانيًا ثابتًا، بينما يجعل العلم نظامًا معرفيًا ديناميكيًا.

_ التفكيك والتجميع: العلم يحلل، والسحر يؤلف

هل يكمن الإختلاف الأعمق بينهما في أن العلم يسعى إلى تفكيك الواقع إلى عناصره الأساسية، بينما السحر يسعى إلى تجميع هذه العناصر من خلال الرمز والطقس لإعادة خلق معنى جديد؟ التحليل الذي يربط بين العلم وتفكيك الواقع و السحر وتجميعه هو تحليل دقيق وعميق، ويشير إلى وجود إختلاف جوهري في المنهج والغاية بينهما. هذا الإختلاف لا يقتصر على الأدوات المستخدمة، بل يمتد إلى النظرة الكونية التي يتبناها كل منهما تجاه الوجود. يعتمد العلم الحديث بشكل أساسي على منهج الإختزال (Reductionism). هذا المنهج يفترض أن الواقع، مهما بدا معقدًا، يمكن فهمه من خلال تفكيكه إلى عناصره الأساسية الأصغر والأبسط. فبدلاً من دراسة الكائن الحي ككل، يفككه العلم إلى أجهزة، والأجهزة إلى خلايا، والخلايا إلى جزيئات، والجزيئات إلى ذرات، وهكذا. من خلال فهم سلوك هذه العناصر الأساسية وتفاعلاتها، يمكن للعلم أن يفسر سلوك النظام ككل. فمثلاً، لفهم المرض، يدرس العلم الجزيئات و الفيروسات التي تسببه، ولفهم الكون، يدرس الجسيمات الأولية والقوى الأساسية التي تحكمها. هذه النظرة تجعل الكون يبدو كآلة ضخمة يمكن تفكيكها إلى أجزائها. الهدف ليس فهم الكل ككل، بل فهم الأجزاء التي يتكون منها الكل.
على النقيض تمامًا، يعمل السحر على منهج التكوين أو التجميع. السحر لا يرى في الواقع أجزاء منفصلة، بل يرى فيه شبكة مترابطة من الرموز والمعاني. هدفه ليس فهم الأجزاء، بل فهم العلاقات بين هذه الأجزاء وكيف يمكن تجميعها بطريقة جديدة. السحر لا يفسر الواقع، بل يعيد تشكيله. من خلال إستخدام الرمز والطقس، يحاول الساحر أن يجمع بين عناصر تبدو منفصلة مثل النجوم، والأعشاب، و النية لخلق واقع جديد أو تحقيق نتيجة معينة. هذا العمل ليس علميًا، بل هو عمل فني أو رمزي. هذه النظرة تجعل الكون يبدو كنسيج حي، حيث يؤثر أي خيط فيه على النسيج بأكمله. الساحر لا يحاول فهم القوانين التي تحكم كل خيط على حدة، بل يحاول فهم كيفية نسج الخيوط معًا لإعادة تشكيل النسيج.
العلم و السحر يمثلان نهجين متناقضين في جوهرهما. الأول يرى أن الحقيقة تكمن في التفاصيل، والآخر يرى أن الحقيقة تكمن في العلاقات. قوة العلم تكمن في قدرته على عزل المتغيرات ودراستها بشكل منفصل. هذا يمنحه القدرة على التنبؤ والتحكم الدقيق. قوة السحر تكمن في قدرته على دمج كل العناصر المادية و الروحية في تجربة واحدة. هذا يمنحه القدرة على خلق معنى جديد وتغيير الواقع بشكل ذاتي. إذا كان العلم يسعى إلى تفكيك الواقع لفهمه، فإن السحر يسعى إلى تجميع هذا الواقع لإعادة خلقه. هذا الإختلاف الجوهري هو ما يميزهما. العلم يخبرنا ما هو كائن، بينما السحر يحاول أن يخبرنا ما يمكن أن يكون.

_ الصدفة العلمية والسحر: صراع بين الجهل والنية

هل الصدفة في العلم هي مجرد كلمة نستخدمها لجهلنا بالأسباب، وهل السحر هو محاولة لإضفاء النية على هذه الصدفة وتحويلها إلى حدث مقصود؟ هذا السؤال يمس جوهر العلاقة بين العقل البشري والكون، ويضع مفهومي الصدفة و النية في مواجهة فلسفية مثيرة للإهتمام. الإجابة الأكثر عمقًا هي أن الصدفة في العلم هي بالفعل مصطلح نستخدمه للإشارة إلى جهلنا بالأسباب المعقدة وغير المرصودة، بينما السحر هو محاولة لإضفاء النية على هذه الصدفة و تحويلها إلى حدث مقصود. هذا الإختلاف الجوهري لا يكمن في التسمية فقط، بل في المنهج والنظرة الكونية. غياب السببية المفهومة في العلم، لا تُعتبر الصدفة قوة فاعلة أو واعية، بل هي مصطلح يصف حدثًا يبدو وكأنه لا يتبع نمطًا أو سببًا واضحًا. هذا لا يعني أن العلم يرى الحدث بلا سبب، بل يعني أن الأسباب معقدة جدًا أو متعددة جدًا بحيث لا يمكن رصدها وتتبعها بالكامل. من منظور نظرية الفوضى (Chaos Theory)، فإن الأحداث التي تبدو عشوائية، مثل تقلبات الطقس، ليست عشوائية حقًا. هي نتائج حتمية لتفاعلات معقدة بين عدد لا نهائي من المتغيرات. "تأثير الفراشة" هو مثال كلاسيكي على ذلك؛ فرفرفة جناح فراشة في مكان ما قد تؤدي إلى إعصار في مكان آخر. الصدفة هنا هي ببساطة فشلنا في رصد جميع المتغيرات وتفاعلاتها الدقيقة. لا يتجاهل العلم الصدفة، بل يدرسها من خلال قوانين الإحتمالات والإحصاء. فبينما لا يمكن التنبؤ بنتيجة رمي قطعة نقدية واحدة، يمكن التنبؤ بنتيجة رميها ألف مرة. العلم يحول الصدفة من مفهوم غامض إلى ظاهرة قابلة للتحليل الكمي، ويُقدم لنا أدوات لفهم الأنماط الكامنة وراءها.
على النقيض من ذلك، فإن السحر يرفض فكرة أن الأحداث يمكن أن تكون عشوائية تمامًا. هو يرى أن كل حدث، حتى و إن بدا صدفة، يمكن أن يُعزى إلى قوة أو سبب خفي. السحر هو محاولة لإضفاء النية على هذه الصدفة وتحويلها إلى حدث مقصود. الساحر يؤمن بأن لديه القدرة على تنظيم هذه الصدف من خلال النية، الكلمة، والطقوس. جلب الحظ ليس مجرد إنتظار للصدفة، بل هو محاولة للتأثير على القوى الخفية التي تحكم الأحداث. السحر هنا هو محاولة لفرض نظام على الفوضى. في حين أن العلم يرى في الصدفة نتيجة لعوامل مادية، فإن السحر يرى فيها فرصة للتدخل من خلال قوى غير مادية أو ميتافيزيقية. السحر يحاول إستغلال الروابط الخفية بين الأشياء التي يتجاهلها العلم.
الإختلاف بين المفهومين ليس مجرد تسمية، بل هو إختلاف جذري في النظرة إلى العالم. العلم يرى في الصدفة غيابًا للسببية المفهومة، ويؤكد على أنها بلا غاية. السحر يرى في الصدفة دليلًا على وجود غاية أو قصد خفي. يهدف العلم إلى فهم القوانين التي تحكم الصدفة، بينما يهدف السحر إلى التلاعب بها. العلم يسعى إلى كشف الأسباب، والسحر يسعى إلى التحكم في النتائج.
الخلاصة هي أن الصدفة في العلم هي بالفعل مصطلح نستخدمه لجهلنا بالأسباب، والسحر هو محاولة لإضفاء النية على هذه الصدفة. ولكن هذا لا يجعل المفهومين متطابقين. السحر يمثل محاولة بدائية لتنظيم الفوضى من خلال الإيمان بالقوى الخفية، بينما العلم يمثل محاولة ناضجة لتنظيمها من خلال الفهم العميق للسببية و التحليل الإحصائي.

_ بين الحتمية والإرادة: هل السحر تمرد على قوانين الفيزياء

هل يمثل السحر محاولة للتحرر من الحتمية التي يفرضها العلم، ويسعى إلى إثبات أن الإرادة الحرة قادرة على خرق القوانين الفيزيائية؟ هذا السؤال يضعنا في قلب الجدل الفلسفي بين الحتمية والإرادة الحرة، ويقترح أن السحر ليس مجرد نظام معرفي بدائي، بل هو تعبير عن رغبة إنسانية عميقة في التحرر من قيود الواقع المادي. إن فكرة أن السحر يمثل محاولة للتحرر من الحتمية التي يفرضها العلم هي فكرة قوية و مقنعة، ولكنها تتطلب تحليلًا عميقًا لكلا المفهومين. يعتمد العلم، وخاصة الفيزياء الكلاسيكية، على مبدأ الحتمية (Determinism). هذا المبدأ يفترض أن كل حدث في الكون هو نتيجة حتمية لأحداث سابقة، وأن قوانين الطبيعة ثابتة وغير قابلة للكسر. من هذا المنظور، فإن الكون يعمل مثل ساعة ضخمة. إذا عرفنا حالة الساعة في لحظة معينة (موقع وسرعة كل جسيم)، يمكننا التنبؤ بحالتها في أي لحظة مستقبلية. في ظل هذا الفكر، تُصبح الإرادة الحرة مجرد وهم. فقراراتنا، أفكارنا، وأفعالنا ليست نتاجًا لإختيارات واعية، بل هي نتائج حتمية لسلاسل من التفاعلات الكيميائية والفيزيائية التي حدثت في أدمغتنا. هذا التصور يضع الإنسان في موقف سلبي، كجزء من آلة لا يملك السيطرة عليها.
في المقابل، يمثل السحر رفضًا قاطعًا لهذه النظرة الحتمية. هو تعبير عن إيمان بأن الإنسان ليس مجرد جزء من آلة، بل هو كائن ذو وعي و إرادة قادر على تغيير مسار الأحداث. الساحر يؤمن بأن نيته ووعيه قادران على التأثير في الواقع. الطقوس والتعاويذ ليست سوى أدوات لتركيز هذه النية، بهدف إحداث تغيير لا يمكن تفسيره بقوانين الفيزياء العادية. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما مريضًا، فإن الساحر لا يرى في مرضه نتيجة حتمية لأسباب فيزيولوجية، بل يرى فيه فرصة للتدخل وتغيير هذه الحتمية من خلال قوة الإرادة. السحر يرى الكون كنسيج حي، يمكن التأثير عليه و تشكيله، وليس كآلة جامدة. هذا التصور يمنح الإنسان شعورًا بالقوة والأمل، ويسمح له بأن يكون فاعلًا في حياته، لا مجرد متفرج.
هل يمثل السحر تحديًا حقيقيًا للعلم؟ السؤال الأعمق هو: هل يمكن للسحر أن يثبت وجود الإرادة الحرة ويفند الحتمية العلمية؟ من منظور علمي العلم يعتبر أي إدعاءات سحرية غير قابلة للتفنيد، وبالتالي لا يمكن إعتبارها دليلًا على الإرادة الحرة. ففشل الطقس السحري لا يُعتبر دليلًا على زيف السحر نفسه، بل على نقص في نية الساحر، وهذا يضع النظام السحري في مأمن من أي إختبار حقيقي. السحر يمثل أملًا إنسانيًا. هو تعبير عن رغبة الإنسان في أن يكون أكثر من مجرد آلة بيولوجية. حتى لو لم ينجح السحر في خرق القوانين الفيزيائية، فإن مجرد وجوده يعكس حاجة الإنسان إلى الإعتقاد بأن لديه القدرة على تشكيل مصيره.
نعم، يمكن القول إن السحر يمثل محاولة للتحرر من الحتمية التي يفرضها العلم، ويسعى إلى إثبات أن الإرادة الحرة قادرة على خرق القوانين الفيزيائية. هذا التباين يعكس الفرق الجوهري في النظرة إلى الكون: العلم يرى الكون كآلة حتمية، بينما يرى السحر أن الكون قابل للتغيير من خلال النية و الإرادة. في النهاية، السحر ليس تحديًا للعلم على المستوى المنهجي، بل هو تحدٍ له على المستوى الوجودي. هو يطرح سؤالًا أساسيًا؛ هل الإنسان سيد نفسه، أم مجرد نتاج لسلسلة من الأحداث التي لا يملك السيطرة عليها؟

_ السحر والعلم: صراع العقل أحادي الرؤية في كون متعدد الأبعاد

هل يمكن أن يكون الصراع بين السحر والعلم مجرد إنعكاس لفشل العقل البشري في إدراك أن الواقع ليس كياناً واحداً، بل هو تعددية من العوالم التي يحكمها كل منها قوانين مختلفة؟ هذا السؤال يطرح فكرة ثورية تتجاوز الفوارق التقليدية بين السحر والعلم، وتقترح أن الصراع بينهما ليس صراعًا على الحقيقة، بل هو نتيجة لقصور في الإدراك البشري. إن الفكرة القائلة بأن الواقع ليس كيانًا واحدًا بل هو تعددية من العوالم التي يحكمها كل منها قوانين مختلفة، يمكن أن تكون إطارًا فلسفيًا عميقًا لتفسير هذا الصراع.
الصراع بين السحر والعلم مبني على إفتراض مشترك لكليهما: أن الواقع هو كيان واحد. العلم يفترض أن هذا الكيان هو مادي بحت، وأن قوانينه، الفيزياء، الكيمياء، إلخ هي القوانين الوحيدة الصالحة التي تحكمه. السحر، من جهته، يفترض أيضًا أن الواقع واحد، ولكنه يرى فيه بعدًا غيبيًا يمكن التلاعب به، مما يضعه في مواجهة مباشرة مع النموذج المادي للعلم. هذا الإفتراض بأن هناك واقع واحد فقط هو ما يجعل كل منهما يسعى لدحض الآخر. إذا تجاوزنا هذا الإفتراض، يمكننا أن نرى الواقع كـتعددية من العوالم أو الطبقات الوجودية، وكل طبقة لها قوانينها الخاصة. هذا هو العالم الذي يدرسه العلم. تحكمه قوانين فيزيائية ثابتة، و يمكن قياسه وتحليله بشكل موضوعي. إن قوانين الجاذبية والكهرومغناطيسية تعمل هنا. أما عالم الوعي، هذا العالم لا يمكن قياسه بالأدوات العلمية الحالية. هو عالم الأفكار، المشاعر، النوايا، والخبرة الذاتية. قوانينه قد تكون مختلفة تمامًا، وقد لا تتبع السببية المادية التقليدية. السحر يمكن أن يكون نظامًا لفهم هذه القوانين. هذا هو عالم الثقافة، اللغة، و الرموز. في هذا العالم، يمكن للكلمة أن تخلق واقعًا جديدًا مثل العقد القانوني، ويمكن للرمز أن يحمل قوة مثل العلم الوطني. هذه القوة ليست فيزيائية، بل هي قوة إجتماعية و نفسية. من هذا المنظور، فإن الصراع بين السحر والعلم ليس إلا فشلًا في إدراك هذه التعددية. كل منهما ينظر إلى العالم من خلال عدسة واحدة، ويحاول أن يفرض قوانين عالمه على العوالم الأخرى.
إذا كان هذا الإطار صحيحًا، فإن السحر والعلم ليسا متناقضين، بل هما أدوات مختلفة لفهم عوالم مختلفة. العلم هو أداة مثالية لإستكشاف العالم المادي والتنبؤ بسلوكياته. هو الأفضل في بناء الجسور، علاج الأمراض، وفهم حركة الكواكب. أما السحر في شكله الفلسفي هو أداة لإستكشاف عوالم الوعي والمعنى. هو قد لا يستطيع بناء جسر، ولكنه قد يمنح الإنسان شعورًا بالسلام الداخلي أو يغير نظرته إلى العالم، مما يؤثر على واقعه الذاتي. نعم، يمكن أن يكون الصراع بين السحر والعلم مجرد إنعكاس لفشل العقل البشري في إدراك أن الواقع ليس كيانًا واحدًا، بل هو تعددية من العوالم. هذا الفهم الجديد لا يلغي السحر أو العلم، بل يمنح كل منهما دوره ومكانه. العلم يظل هو المنهج الأقوى لفهم العالم المادي، ولكن السحر يمكن أن يكون نظامًا بديلًا لفهم عوالم الوعي والنية. التحرر من هذا الصراع يبدأ عندما ندرك أن الكون قد يكون أكثر إتساعًا وتنوعًا مما تفرضه قوانين عالم واحد.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الس ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الر ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ ...
- الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْخَامِس-
- الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-


المزيد.....




- طاقم برنامج جيمي كيميل سيتلقون رواتبهم ولا يزال مستقبل البرن ...
- -هذا أمرٌ مروع!-.. قاضية توبخ والدين تركا أطفالهما ينامون في ...
- بعد تصريحات الشرع.. نتنياهو يتحدث عن تطورات -محادثات السلام- ...
- -يتصدى لمحاولات تكريس الاحتلال-.. أنور قرقاش يعلق على الاعتر ...
- على ضوء التوتر مع واشنطن.. مودي يدعو الهنود إلى مقاطعة المنت ...
- ستارمر يعلن اعتراف المملكة المتحدة بدولة فلسطين
- وسط تصاعد المواجهة مع واشنطن.. فنزويلا تستعرض ترسانتها العسك ...
- مهددة بالانقراض.. مبادرات في ألمانيا لدعم لغات محلية بالسودا ...
- الاعتراف بدولة فلسطينية: عباس يشيد بـ-خطوة على طريق السلام- ...
- سوريا تحدد موعد 5 أكتوبر لإجراء الانتخابات البرلمانية


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ السَّابِع-