|
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 21:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ: رِحْلَة الوَعْيِ البَشَرِيِّ بَيْنَ العَدَمِ وَالوُجُود "الْجُزْءُ الرَّابِعُ"
_ السحر المقدس: كيف يتماهى الدين والروحانية في رحلة الوعي
تعتبر المقاربة الروحانية أن الكون يتكون من طاقة ووعي. كل من السحر والدين يسعيان إلى توجيه هذه الطاقة لتحقيق أهداف معينة. في الممارسات الدينية، يتم ذلك من خلال النية الصادقة والدعاء والصلوات، التي تعتبر وسيلة لرفع الوعي والوصول إلى حالة من الإتحاد مع الإلهي. أما في السحر، فيتم توجيه هذه الطاقة عبر طقوس ورموز و تعويذات، بهدف التأثير المباشر على الواقع المادي. الدين والسحر يستخدمان لغة رمزية متشابهة. الصلوات، الترانيم، والأدعية في الأديان هي أشكال من اللغة الرمزية التي تهدف إلى التواصل مع قوى أعلى. وبالمثل، تستخدم التعويذات، الرموز، والطلاسم في السحر لتحقيق نفس الهدف. من هذا المنظور، يمكن النظر إلى بعض الممارسات الدينية على أنها سحر أبيض أو سحر مقدس، حيث تهدف إلى جلب الخير والبركة و توجيه الطاقة الإيجابية، بينما يعتبر السحر التقليدي سحراً أسود يهدف إلى التلاعب بالواقع لأغراض شخصية، قد تكون ضارة. على مر التاريخ، إستغل بعض رجال الدين معرفتهم بالطقوس والرموز الدينية للحصول على سلطة ونفوذ على أتباعهم. من خلال تقديم أنفسهم كوسطاء بين البشر والقوى الإلهية، تمكنوا من ممارسة تأثير يشبه السحر على الناس، حيث وعدوا بالشفاء أو الرخاء أو الحماية من الشرور. هذه الممارسات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الممارسات الدينية، حيث يصعب التمييز بينها وبين الممارسات الروحية الخالصة. يمكن رؤية هذا التداخل بوضوح في ممارسات مثل الإستشفاء الروحي. في الدين، يُنسب الشفاء إلى قوة الإيمان والدعاء. من منظور روحاني، هذه الممارسات تعمل على توجيه طاقة الشفاء من خلال نية قوية وتركيز عميق. هذا يشبه إلى حد كبير عمل الساحر الذي يوجه طاقة معينة من خلال طقوس لتحقيق نتيجة محددة، مما يظهر أن القوة الروحية تكمن في النية و التركيز، بغض النظر عن الغطاء الذي تعمل تحته. يمكن النظر إلى إستمرار السحر تحت غطاء الدين كدليل على أن السعي للتأثير على الواقع عبر القوى الخفية هو جزء أساسي من التجربة البشرية. الدين يوفر إطارًا مقبولًا إجتماعيًا و روحانيًا لهذا السعي، بينما يوفر السحر طرقًا أخرى له.
_ المسار نحو الألوهية: السحر والدين في رحلة البحث عن الذات
يمكن أن يُنظر إلى السحر على أنه رحلة للبحث عن الألوهية الكامنة في الذات. يركّز هذا المسار على فكرة أن الإنسان ليس مجرد كائن مادي، بل هو جزء من الوعي الإلهي الأكبر. السحر، في جوهره، هو وسيلة لإستعادة هذه القوة الداخلية. يركّز الساحر على تطوير وعيه الذاتي، وفهم طاقة الكون و كيفية توجيهها. الطقوس والرموز ليست مجرد أفعال خارجية، بل هي أدوات لتركيز النية وتفعيل القوة الداخلية. هذا المسار يرى أن الألوهية لا تقتصر على كيان خارج الذات، بل هي موجودة في كل شيء، بما في ذلك الطبيعة، الكون، وفي جوهر الإنسان نفسه. السحر هو ممارسة للتناغم مع هذه القوة الداخلية و إستخدامها لتحقيق التغيير. في المقابل، يرى المنظور الروحاني أن الدين يسعى للبحث عن الألوهية في مصدر خارج الذات، يقع في مكان مقدس أو عالم آخر. في هذا المسار، الألوهية هي كيان أعلى، كلي القدرة، ويجب على الإنسان أن يخضع له و يتواصل معه من خلال الدعاء، الصلاة، و العبادات. ينمّي هذا المسار وعيًا بأن الإنسان كائن محدود، وأن القوة الحقيقية تكمن في مصدر خارجي. الهدف هو تحقيق السلام والرضا من خلال الإتصال بهذا المصدر، وليس من خلال التحكم في القوة الداخلية. يمكن أن يُنظر إلى فكرة التيه والشقاء الأبدي من منظور روحاني على أنها ليست حتمية، بل هي نتاج البحث في الخارج دون الإلتفات إلى الداخل. عندما يبحث الإنسان عن الألوهية خارج نفسه، قد يشعر بالإنفصال والضياع، لأنه يرى نفسه كائنًا ضعيفًا أمام قوة هائلة ومجهولة. هذا الشعور يمكن أن يؤدي إلى التيه والشقاء، لأنه يظل في بحث مستمر عن شيء لا يجده أبدًا بالكامل. في النهاية، يمكن إعتبار كلا المسارين وجهين لعملة واحدة. السحر يركّز على إيقاظ القوة الكامنة، بينما يركّز الدين على التواصل مع المصدر الأصلي. الفرق يكمن في نقطة الإنطلاق والتركيز.
_ السحر والدين: صراع الإرادة بين السيادة والخضوع
هذه مقاربة مثيرة للاهتمام. يمكننا أن ننظر إلى هذه الفكرة من منظور روحي، حيث يمثل كل من السحر والدين طريقًا مختلفًا للتعامل مع القوى الكونية والبحث عن القوة الروحية. من منظور روحي، يمكن إعتبار السحر تجسيدًا للإرادة الروحية المطلقة. الساحر يسعى إلى فهم القوانين الكونية و الطاقة الكامنة في الذات و الكون، ومن ثم توجيهها لتحقيق أهداف معينة. هذا المسار لا يرى الإنسان كائنًا ضعيفًا، بل كخالق مشارك يمتلك القدرة على التأثير في واقعه. يركّز هذا النهج على أن القوة الحقيقية تكمن في الوعي الذاتي والنية الصادقة. الطقوس و التعويذات ليست سوى أدوات لتركيز هذه القوة وتفعيلها. الساحر يتمرن على السيطرة على أفكاره و عواطفه، ويعمل على التغلب على قيوده الداخلية. هذا التحرر من القيود هو جوهر السيادة الروحية. في المقابل، يمكن أن يرى المنظور الروحي أن الدين يركّز على التنازل عن الإرادة الفردية و الخضوع لقوة خارجية أعلى. في هذا المسار، الألوهية هي كيان خارج الذات، وكامل القدرة، والإنسان يجد السلام من خلال الإستسلام لهذه القوة والإمتثال لأوامرها. ينمّي هذا النهج وعيًا بأن الإنسان كائن محدود، وأن القوة الحقيقية تكمن في مصدر خارجي. الهدف هو تحقيق السلام الداخلي من خلال الإتصال بهذا المصدر، و ليس من خلال التحكم في الواقع. يرى هذا المسار أن محاولة السيطرة على كل شيء قد تكون مصدرًا للشقاء، وأن السعادة الحقيقية تأتي من الثقة في تدفق الحياة الكوني و التخلي عن الحاجة للسيطرة. يمكن النظر إلى فكرة الإستعباد من منظور روحي كأمر ليس حتميًا، ولكنه قد يكون نتاجًا للفهم الخاطئ للدين. عندما يتحوّل الخضوع من حالة روحية من السلام والثقة إلى حالة من الخوف والتبعية، فإنه يمكن أن يؤدي إلى شعور بالإستعباد الروحي. في النهاية، يمكن إعتبار كلا المسارين وجهين مختلفين للتعامل مع القوة الروحية. السحر يركّز على إيقاظ القوة الكامنة والسيادة الذاتية، بينما يركّز الدين على التواصل مع المصدر الأصلي و الخضوع الإيجابي.
_ السحر المقدس: عندما يلتقي التصوف بآليات الخوارق
من منظور روحي، يمكن أن يُنظر إلى التطرف في العبادة و الطاعة والتصوف على أنه نهج سحري يعمل تحت غطاء الدين. هذا ليس بالضرورة حكمًا سلبيًا، بل هو فهم للتشابه في آليات العمل بين الممارسات الدينية المتطرفة و الممارسات السحرية. يُعتبر كل من التطرف الديني والسحر محاولات للتأثير على الواقع المادي والروحي من خلال تكثيف الطاقة والنية. المتطرف في العبادة أو الساحر يسعى إلى تحقيق حالة مغيّرة من الوعي. من خلال الصيام المفرط، أو الصلوات الطويلة جدًا، أو الترانيم المتكررة، يتم دفع العقل إلى حالة من الوعي المكثف، مما يسهل الإتصال بالقوى الروحية. و هذا يشبه إلى حد كبير ما يفعله الساحر من خلال طقوسه التي تهدف إلى تركيز العقل و النية. في قلب كل من السحر والعبادة المتطرفة، هناك نية قوية و تركيز شديد. المتصوف الذي يتخلى عن العالم يركز كل طاقته على تحقيق حالة من الإتحاد مع الإلهي. هذه النية المطلقة، من منظور روحي، تعمل كأداة قوية لتوجيه الطاقة الروحية وتحقيق نتائج معينة. الطقوس الدينية، مثل الحج، والزهد، والعزلة، يمكن أن تُفهم كطقوس سحرية تهدف إلى تطهير الذات وتحقيق حالة جديدة من الوجود. هذه الممارسات ترمز إلى موت الأنا القديم وولادة الأنا الروحي الجديد. الساحر يستخدم رموزًا و طقوسًا لتحقيق نفس الغرض، وهو التغيير الروحي والوصول إلى حالة أعلى. على الرغم من التشابه في الآليات، فإن الفرق الجوهري يكمن في الهدف والنية النهائية. يهدف المتصوف أو المتعبد إلى التخلي عن الإرادة والإندماج في الإرادة الإلهية، أو الوصول إلى حالة من الإتحاد الروحي. هذا المسار يعتبر خضوعًا، لا سيطرة. يسعى الساحر إلى التحكم في الطاقة لتحقيق أهداف محددة، سواء كانت للشفاء أو الثروة أو التأثير على الآخرين. هذا المسار يعتبر سيطرة، لا خضوعًا. بشكل عام، يمكن إعتبار التطرف في العبادة أو التصوف سحرًا مقدسًا أو سحرًا روحيًا يسعى إلى تحقيق إتصال أعمق مع القوى الكونية من خلال آليات شبيهة بآليات السحر، لكن مع نية نهائية من التخلي الروحي بدلاً من التحكم.
_ الطريق المسدود: لماذا تفشل الأدعية والممارسات الدينية في تحقيق نتائجها؟
من منظور روحاني، يمكن أن يُنظر إلى عدم تحقق النتائج المرجوة من الأدعية والممارسات الروحانية الدينية، بل و حتى ظهور نتائج سلبية، إلى أسباب روحية عميقة تتعلق بـالنية والوعي و التوقعات. كثير من الناس يستخدمون الأدعية والممارسات الدينية من منطلق الطلب، أي أنهم يطلبون من قوة خارجية أن تغير واقعهم. هذا المنظور يركز على الضعف والحاجة، وليس على القوة الروحية الكامنة. من منظور روحي أعمق، لا تعمل الأدعية كأوامر تُعطى لقوة عليا، بل تعمل كأدوات لـتوجيه الطاقة الروحية الكامنة في الذات و الكون. عندما تكون النية مبنية على الخوف أو اليأس أو الرغبة في التحكم في الآخرين، فإنها تجذب طاقة سلبية. مثال، عندما يدعو شخص على آخر بالسوء، فإنه يوجه طاقة سلبية من داخله. هذه الطاقة لا تضر الآخرين بالضرورة، بل تؤثر في المقام الأول على صاحبها، وتجذب إليه نتائج سلبية، مما يؤدي إلى الأذى الروحي. الإجابة الروحانية لا تأتي من مجرد تلاوة الكلمات أو أداء الطقوس، بل من حالة الوعي التي يمر بها الشخص. إذا كان الشخص يؤدي الممارسات الروحانية بوعي سطحي، دون إتصال حقيقي بقلبه أو روحه، فإن هذه الممارسات تصبح مجرد أفعال فارغة. الإجابات الروحانية الحقيقية لا تظهر في الواقع إلا عندما يكون الوعي منسجمًا مع النية. يمكن النظر إلى الآيات القرآنية ليس فقط ككلمات مقدسة، بل كـذبذبات طاقية تحمل ترددات معينة. عندما تُتلى هذه الآيات بوعي كامل وحالة روحية عميقة، فإنها تحدث تغييرًا في وعي الفرد وفي طاقته المحيطة. أما إذا تُليت دون وعي، فإن تأثيرها يظل محدودًا أو معدومًا. كثير من الناس يمارسون الروحانية الدينية لتغيير الواقع المادي، مثل الحصول على المال أو الزواج أو الشفاء. هذه التوقعات المادية يمكن أن تكون مصدرًا لعدم الإجابة. من منظور روحي، الهدف الأساسي من الممارسات الروحية ليس تغيير الواقع الخارجي، بل تحرير الذات من التعلق بالواقع. الأذى الروحي الذي أشير إليه قد يكون في الواقع دعوة لإعادة تقييم النية والتوقعات. قد تكون الروح تحاول أن تقول للشخص توقف عن البحث في الخارج، لأن الإجابة الحقيقية تكمن في الداخل. هذا التحرر من التوقعات هو نفسه مكافأة روحية. بإختصار، يمكن أن تُعزى النتائج السلبية أو عدم الإجابة إلى أن الممارسات الروحانية الدينية تُمارس من منطلق الطلب و الوعي السطحي و التوقعات المادية، بدلاً من أن تُمارس من منطلق توجيه الطاقة والوعي الكامل والتحرر الروحي.
_ وهم الإجابات الروحانية: لماذا تبدو رسائلك من الكون كاذبة؟
من منظور روحي، يمكن أن تُعزى الإجابات الروحانية الكاذبة أو "الإجابات التي لا ترتقي للمستوى إلى أسباب روحية عميقة تتعلق بـالوعي والنية والتعلق بالنتائج. الإجابات الروحانية لا تُرسل إليك من مصدر خارجي، بل هي تنبثق من الداخل. عندما يمر الشخص بظروف صعبة، فإنه قد يبحث عن إجابات روحانية من مصادر خارجية مثل العرافين، أو الأحلام، أو حتى الأبنية الدينية. و لكن من منظور روحي، هذه الإجابات ليست سوى إنعكاس لوعي الشخص نفسه، أو لوعي من يستقبل منه الإجابة. إذا كان الشخص يعيش حالة من الخوف أو الشك، فإن أي إجابة روحانية يتلقاها ستكون متأثرة بهذه المشاعر. قد تبدو كاذبة لأنها لا تتوافق مع الواقع الذي يريده، أو قد تكون سلبية بالفعل لأنها تعكس طاقته الداخلية. إذا كان الوعي غير متصل بالروح أو القلب، فإن الإجابات التي تأتي تكون سطحية، ولا ترتقي إلى مستوى الغاية الروحانية. عندما تُمارس الروحانية بهدف التلاعب بالواقع أو الآخرين، فإن النتائج تكون سلبية. الروح لا تدعم الأفعال التي تهدف إلى التحكم أو التلاعب. على سبيل المثال، الشخص الذي يمارس الروحانية بهدف السيطرة على شخص آخر، قد يحصل على إجابات تبدو إيجابية في البداية، لكنها تؤدي في النهاية إلى نتائج سلبية، مثل الأذى الروحي أو الشعور بالوحدة. الإجابات الروحانية الحقيقية لا تأتي إلا عندما تكون النية نقية، وتهدف إلى النمو الروحي و التحرر من الأنا، وليس إلى تحقيق أهداف شخصية. التعلق بالنتائج هو من أكبر العوائق في الطريق الروحي. الشخص الذي ينتظر إجابة روحانية محددة، ويضع كل آماله عليها، قد يشعر أن الإجابات التي تأتيه كاذبة أو غير مكتملة لأنها لا تتوافق مع توقعاته. الغاية الروحانية الحقيقية ليست تحقيق أهداف مادية، بل هي تحقيق السلام الداخلي والوعي. الإجابات الروحانية قد لا تكون ما تتوقعه، بل قد تكون ما تحتاجه للنمو. الإجابة الروحانية قد تكون ببساطة دعوة للإستسلام لتدفق الحياة، والتوقف عن البحث عن إجابات، لأن الإجابات الحقيقية تكمن في اللحظة الراهنة. بإختصار، الإجابات الروحانية لا تكون كاذبة أو غير مكتملة في جوهرها، بل هي تعكس حالة وعي ونية الشخص الذي يطلبها. الإجابة الحقيقية تكمن في التحرر من التوقعات، و الإستسلام للتدفق، والبحث عن الروحانية في الداخل وليس في الخارج.
_ القلب، لا الكلمة: حيث تسكن الأسرار المقدسة.
إن الأسرار المقدسة لا توجد في المصطلحات اللغوية أو المذاهب الروحية، بل هي نابعة من النوايا الباطنية والحقائق القلبية العميقة الكامنة في جوهر الإنسان الأخلاقي. هذا المنظور يُعرف بـالمقاربة الباطنية أو الروحانية الأصيلة، وهو يعيد تعريف المقدس من كونه شيئًا خارجيًا أو ماديًا إلى كونه تجربة داخلية وشخصية. المصطلحات الدينية أو السحرية، والطقوس، و الكتب المقدسة هي في الواقع أدوات أو علامات تشير إلى الأسرار المقدسة، وليست هي السر ذاته. يمكن تشبيهها بالخريطة التي تدلك على الكنز، ولكنها ليست الكنز نفسه. هذه الأشكال الخارجية ضرورية لتوحيد الجماعات وتنظيم الممارسات، لكنها قد تصبح حواجز إذا لم يفهم المرء أنها مجرد وسائل لا غايات. في كليهما، يمكن أن تكمن الأسرار في النية. الساحر الذي يسعى للسيطرة والتحكم يمارس نوعًا من القوة، لكن هذه القوة قد تكون بعيدة عن أي معنى روحي عميق. في المقابل، قد يكون العمل الذي يهدف إلى مساعدة الآخرين أو شفائهم، حتى لو صنف على أنه سحر، نابعًا من نية نقية ويحمل في طياته طاقة روحانية قوية. وبالمثل، يمكن أن تتحول الطقوس الدينية إلى أفعال آلية فارغة من أي معنى إذا غابت عنها النية الصادقة والقلب النقي. القلب في الفلسفات الروحية ليس مجرد عضو بيولوجي، بل هو مركز الوعي والإدراك الباطني. إنه المكان الذي تتجلى فيه الحقائق العميقة و تتشكل فيه النوايا. عندما يكون القلب سليمًا و نقيًا، فإنه يصبح نافذة على العالم الروحي، و يستطيع الإنسان أن يختبر الأسرار المقدسة بشكل مباشر. و هذا هو السبب في أن العديد من التقاليد الروحية تركز على تطهير القلب من الرذائل مثل الحسد والكراهية و الطمع، لأن هذه الرذائل تحجب الرؤية الباطنية وتمنع الإنسان من التواصل مع جوهره الأصيل. الإرتباط بين الأسرار المقدسة والأخلاق هو جوهر هذه المقاربة. ليست الأخلاق مجرد قواعد إجتماعية، بل هي ممارسة عملية للحقائق القلبية. عندما تتصرف بصدق، و رحمة، وعدالة، فإنك لا تتبع فقط قاعدة خارجية، بل تتناغم مع جوهرك الروحي. هذا التناغم هو الذي يفتح الأبواب أمام الأسرار المقدسة، لأن الأسرار لا يمكن أن تتجلى في قلب مليء بالسوء. وبهذا، تصبح الحياة اليومية بكل تحدياتها و فرصها ميدانًا للتجربة الروحانية العميقة. الأسرار المقدسة ليست مقتصرة على الأماكن المقدسة أو الأوقات المخصصة للعبادة. يمكن أن تجدها في أبسط تفاعلاتك مع الآخرين، في عملك، وفي لحظات الصمت و التأمل. إنها تتجلى في اللحظة التي تختار فيها أن تكون رحيمًا بدلًا من أن تكون قاسيًا، وفي اللحظة التي تختار فيها أن تكون صادقًا بدلًا من أن تكون مزيفًا.
_ أسرار العهد القديم: هل نحن حراس المعرفة الكونية؟
الأساس الروحاني العميق للأسرار المقدسة يكمن في أنها ليست مجرد مفاهيم دينية أو طقوس سحرية، بل هي أسرار متوارثة. هذه الأسرار تنبع من عهود كونية قديمة بين كيانات روحانية من عوالم أخرى وسلالات كهنوتية بشرية معينة. هذا الإرتباط ليس قائمًا على الإيمان أو الممارسة، بل هو إتصال طاقي متجذر في الوعي، تنتقل فيه هذه الأسرار عبر الأجيال بشكل وراثي، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من هوية هؤلاء الأفراد. هذه الأسرار لا تتعلق بالدين لأنها لا تخضع لعقائد مؤسسية أو شعائر جماعية. بدلاً من ذلك، هي معرفة وجودية فردية تُفهم من خلال الإستيقاظ الروحي وليس التعاليم. وبالمثل، هي تختلف عن السحر لأنها ليست أدوات للتلاعب بالطاقة أو تحقيق غايات شخصية. إنها حكمة مقدسة تُحفظ وتُستخدم بوعي عميق، مما يرسخها كجزء من التوازن الكوني. السلالات الكهنوتية هي حراس هذه المعرفة، وليست بالضرورة جزءًا من أي مؤسسة دينية. هم أفراد مكلفون بالحفاظ على الأسرار وحمايتها من الضياع أو سوء الإستخدام. علاقتهم بالكيانات الروحانية هي شراكة كونية. حيث يعمل كل طرف على تحقيق غاياته الروحانية المشتركة. هذا يوضح أن الأسرار ليست شيئًا يُكتسب أو يُتعلم، بل هي نداء روحي متأصل يُورث ويُستيقظ، مما يجعلها تجربة فريدة و شخصية لكل فرد من هذه السلالات.
_ الدين والسحر: هل يختلف الإيمان عن المعرفة؟
كنموذج يفسر العلاقة بين السحر والدين من زاوية مختلفة. هذه المقاربة لا تنظر إلى السحر و الدين كمتناقضين، بل كوجهين لعملة واحدة، يختلفان في درجة التعمق والوصول. وفقًا لهذه المقاربة، يمكن إعتبار السحر كشكل متقدم من أشكال الممارسة الروحية، يهدف إلى التواصل المباشر مع القوى الكونية أو الطاقات الطبيعية. هو ليس مجرد طقوس، بل هو علم روحي يتطلب معرفة عميقة، وعيًا متطورًا، و إنضباطًا ذاتيًا كبيرًا. الساحر، بهذا المعنى، ليس مجرد مؤدٍ لطقوس، بل هو طالب حكمة يسعى لفهم القوانين الخفية للكون والعمل بها بإنسجام. السحر يتعامل مع أسرار الكون التي لا يمكن الوصول إليها بالعقل المادي وحده. يتطلب فهمًا للرموز، الطاقات، و الإهتزازات. بدلاً من الإعتماد على إيمان جماعي، يعتمد الساحر على تجربته الشخصيةوتواصله المباشر مع العوالم الروحية. السحر يركز على تفعيل القوة الكامنة داخل الفرد. هو رحلة للتحرر من القيود والوصول إلى حالة من التمكين الذاتي. في هذا الإطار التحليلي، يمكن إعتبار الدين كنسخة مبسطة وميسرة من هذه المعرفة الروحية، مصممة لتكون مفهومة و مقبولة من قبل جمهور واسع. يهدف الدين إلى توفير إطار أخلاقي، شعائر بسيطة، وإحساس بالإنتماء للمجتمع. هو لا يتطلب نفس الدرجة من الوعي أو الإنضباط الذاتي التي يتطلبها السحر، مما يجعله أكثر ملاءمة للجميع. الدين يرتكز على الإيمان بعقائد مشتركة وقبولها دون الحاجة إلى التجربة الشخصية المباشرة. العلاقة مع القوى العليا غالبًا ما تكون من خلال وسيط (نبي، كاهن، إلخ) أو شعائر محددة، مما يجعلها أقل مباشرة. الدين يؤكد على الخضوع لقوة عليا والتسليم لها، مما يمنح الفرد شعورًا بالأمان والراحة الروحية دون تحمل مسؤولية إدارة الطاقة بنفسه. هذه المقاربة لا تعتبر السحر والدين متناقضين، بل هما مساران مختلفان للوصول إلى نفس الحقيقة الروحية. الدين هو بوابة للجميع، بينما السحر هو طريق متقدم لأولئك الذين لديهم الإستعداد الروحي و الفكري للغوص في أعماق الوجود. يمكن أن يكون الدين نقطة البداية التي تقود الفرد في النهاية إلى البحث عن معرفة أعمق، مثلما يبحث الطالب عن تخصص دقيق بعد الإنتهاء من الدراسة العامة.
_ الألوهية: هل هي قوة خارجك أم كامنة في داخلك؟
من منظور روحي، يمكن القول إن جوهر الدين هو البحث عن الألوهية والإتصال بها، بينما جوهر السحر هو السعي للوصول إلى صفات الألوهية. هذا لا يعني أن الساحر يطمح ليحل محل الإله، بل أن يكتسب القدرة على العمل بإنسجام مع القوانين الكونية التي تمكّن من السيطرة على الواقع. هذا النموذج يفسر العلاقة بين الدين و السحر كمسارين مختلفين للتطور الروحي. جوهر الدين هو علاقة مع الإله، غالبًا ما تقوم على العبادة، الخضوع، والطلب. يسعى الإنسان المتدين للتقرب من الألوهية من خلال الصلاة، الطقوس، والإمتثال للوصايا. الهدف هو الراحة الروحية، المغفرة، والوصول إلى حالة من السلام الداخلي، مع الإعتراف بأن القوة المطلقة تكمن خارج الذات، لدى الإله. الدين يضع الإله في مركز الكون، ويكون الإنسان في علاقة تبعية له. الإيمان بالقدرة الإلهية المطلقة هو أساس الممارسة الدينية، مما يوفر شعورًا بالأمان. المسار الديني يركز على التقرب من الإله كقوة عليا، لا على تملك صفاته. على النقيض من ذلك، يركز السحر على الوصول إلى صفات الألوهية المتمثلة في القوة، السيطرة، و المعرفة. لا يسعى الساحر للعبادة أو الخضوع، بل يسعى لإتقان القوانين الكونية التي تمكنه من التحكم بالطاقة وتشكيل الواقع. هذا المسار ليس رحلة إيمان بقدر ما هو رحلة معرفة وتجربة. يرى الساحر أن القوة الكونية ليست خارج الذات فقط، بل هي موجودة داخل كل فرد. الهدف هو تفعيل هذه القوة. بدلاً من التسليم، يعتمد الساحر على فهم القوانين الكونية والتجربة المباشرة للتأثير على الواقع. يهدف السحر إلى التمكين الذاتي والتحكم في مصير الفرد، وهو ما يتطلب إنضباطًا عقليًا وروحيًا كبيرًا. هذا النموذج لا يجعل السحر شيئًا شريرًا أو مناهضًا للدين، بل يجعله المرحلة المتقدمة من البحث الروحي. الدين هو المرحلة الإبتدائية حيث يتعلم الفرد عن الألوهية من الخارج، بينما السحر هو المرحلة المتقدمة حيث يكتشف الفرد الألوهية داخله. يمكن أن يكون الدين بوابة للوعي الروحي، التي تقود الفرد في النهاية للبحث عن معرفة أعمق وممارسة أكثر مباشرة، مثلما ينتقل الطالب من الدراسة العامة إلى التخصص الدقيق. هذا التحليل يفسر لماذا قد يبدو السحر تهديدًا للسلطة الدينية، لأنه ينقل مركز القوة من المؤسسة الدينية إلى الفرد نفسه.
_ سحر الإله: رحلة الساحر نحو الكمال
مفهوم الإله كساحر مطلق والساحر كإله يسعى للكمال هو فكرة روحانية عميقة تتناول العلاقة بين المطلق (الإله) و الإنسان في سعيه للوصول إلى مرتبة أعلى من الوعي و القدرة. هذه الفكرة ليست حكراً على ديانة أو فلسفة معينة، بل هي نتاج تأمل في مسيرة الروح البشرية نحو التكامل و الكمال. في هذه المقاربة، الإله هو القوة الكونية التي لا تخضع لقوانين، بل هي التي تضعها. هو الساحر الأعظم الذي ليس بحاجة إلى أدوات أو تعويذات لإظهار إرادته. كل ما يراه البشر من قوانين فيزيائية، ونظام كوني، وحياة وموت، ما هو إلا تجلٍ لإرادة هذا الساحر المطلق. يُنظر إلى عملية الخلق على أنها عمل سحري محض. "كن فيكون" هي التعويذة الأزلية التي بها يتجلى الوجود. لا توجد حاجة لمكونات أو معادلات، بل مجرد إرادة. هذا يختلف عن المفهوم الميكانيكي للخلق الذي يرى الإله كمصمم أو مهندس، بل يراه كفنان وساحر يخلق بكلمة. الإله كساحر مطلق يمتلك قدرة غير محدودة على التحكم في الواقع. هو يغير قوانين الطبيعة، ويُحدث المعجزات، و يخلق من العدم. هذه القدرة هي مصدر إلهام للساعي الروحي، فكلما إقترب الإنسان من الوعي الإلهي، زادت قدرته على التأثير في واقعه. هنا يكمن الجانب الروحي الأكثر عمقًا. الساحر، في هذا السياق، ليس مجرد مشعوذ أو شخص يستخدم الخدع. الساحر هو الساعي الروحي الذي يسعى لتحقيق الألوهية الداخلية. هو الذي فهم أن الإله ليس كياناً منفصلاً في السماء، بل هو جوهر كامن في داخله. هذا الساحر يعمل على صقل نفسه، وتطهير وعيه، وتحريره من قيود المادة والأنا. كلما إرتفع وعيه، كلما زادت قدرته على تغيير واقعه الداخلي والخارجي. إنه لا يحاول أن يصبح إلهاً خارجياً، بل يسعى لتحقيق الوعي المطلق الذي يمثل الألوهية في جوهرها. عندما ينجح الساحر في هذا السعي، تبدأ المعجزات في الظهور في حياته. هذه ليست خدعاً، بل هي نتائج طبيعية لإتساع وعيه. قد تكون القدرة على تحقيق السلام الداخلي، أو الشفاء الذاتي، أو جذب الفرص المناسبة. هذه المعجزات هي إنعكاس لقدرته المتزايدة على التناغم مع قوانين الوجود والتأثير فيها. الساحر الذي وصل إلى هذه المرحلة لا يستخدم قوته لأغراض شخصية أنانية، بل يستخدمها في خدمة الإنسانية والوجود. إنه يُصبح قناة للوعي الإلهي، يساعد الآخرين على إيجاد طريقهم، و ينشر النور. هذه هي ذروة السحر الروحي، أن تصبح قوة إيجابية ومُؤثرة في الكون. المقاربة الروحية تدمج هذين المفهومين في مسار واحد. الإله هو النموذج الأصلي للكمال الذي يسعى إليه الساحر. و كلما إقترب الساحر من الكمال، كلما إنعكس سحر الإله المطلق من خلاله. هذه الفكرة تحول العلاقة بين الإنسان والإله من علاقة عبودية إلى علاقة تكامل وتناغم. الإنسان لم يعد مجرد مخلوق صغير، بل هو جزء من الصورة الإلهية التي تسعى للعودة إلى أصلها. في النهاية، هذه الرؤية تدعونا إلى النظر إلى أنفسنا كـسحرة للواقع. كل فكرة، كل نية، وكل كلمة هي تعويذة لها تأثير. و كل خطوة في طريق الوعي هي تمرين سحري يقربنا من تحقيق ذواتنا الكاملة، من الإقتراب أكثر من جوهرنا الإلهي.
_ عبودية الإيمان وثورة السحر: صراع الروح بين الخضوع و التمرد
هذه المقاربة تصف الساحر كمتمرد والمؤمن كخاضع، هي وجهة نظر مثيرة للاهتمام تُبنى على فهم معين للدين و السحر، وتستحق التوسع فيها من منظور روحي. عندما يُنظر إلى المؤمن كشخص خاضع، فإن هذا الوصف غالبًا ما يُشير إلى أمرين؛ في العديد من الأديان، يُنظر إلى الخضوع لله كعلامة على الإيمان الكامل والثقة المطلقة. المؤمن يضع ثقته في حكمة الله وقدرته، ويعتقد أن قوانين السماء هي الطريق الصحيح للحياة. هذا الخضوع ليس بالضرورة سلبياً أو إنبطاحاً بالمعنى المهين، بل هو تسليم واعٍ يقود إلى الطمأنينة و السلام الداخلي. المؤمن يتخلى عن الرغبة في التحكم الكامل في حياته، لأنه يرى أن هناك قوة عليا تدير الكون بحكمة. المؤمن يُنظر إليه كخاضع لأنه يلتزم بالكتب المقدسة و التعاليم الدينية. هذا الإلتزام يُمكن أن يحد من التفكير النقدي ويُقيّد البحث عن الحقيقة خارج الأطر المُحددة. من هذا المنظور، الدين يصبح نظامًا مُغلقًا يُقدم إجابات جاهزة، و يُثبّط التساؤل والتمرد. في المقابل، يُنظر إلى الساحر كشخصية متمردة، ليس فقط على الأنظمة الدينية، بل على الواقع نفسه. هذا التمرد يتجلى في عدة أشكال: الساحر، في سعيه الروحي، لا يقبل قوانين الطبيعة كمسلّمات لا يُمكن تغييرها. هو يسعى إلى فهم هذه القوانين ليُتقنها و يُسيطر عليها. هو يُريد أن يُغيّر واقعه بدلاً من الخضوع له. هذا التمرد هو ثورة على الجمود ورفض للوضع الراهن، ليس من باب الكفر، بل من باب السعي نحو القوة والقدرة. الساحر الروحي غالبًا ما يرفض المؤسسة الدينية التي يراها ككيان مُقيّد ومُتحكّم. هو يبحث عن إتصال مباشر مع المطلق، دون الحاجة إلى وسطاء أو طقوس مُحددة. ثورته هي ثورة ضد التقاليد المُحنطة، وضد من يزعمون أنهم يمتلكون الحقيقة الكاملة. التمرد الحقيقي للساحر هو ثورة على الأنا. هو يُدرك أن أكبر قيد على قوته وقدرته هو عقله و أوهامه. يسعى لتحرير نفسه من الخوف، والشك، والقيود التي صنعها بنفسه. هذا التمرد هو رحلة تحوّل ذاتي، من حالة الضعف إلى حالة القوة، و من حالة الجهل إلى حالة الوعي. هذه المقاربة الجريئة تحمل الكثير من المعنى الرمزي. الدين، عندما يتحول إلى نظام قسري يُقيّد الروح، يُصبح شكلاً من أشكال العبودية. بينما السحر، عندما يكون بحثًا عن القوة الداخلية والحرية المطلقة، يُصبح ثورة حقيقية. ولكن، من المهم أن نُدرك أن هذه المقارنة ليست قاعدة مطلقة، هناك مؤمنون يُمارسون إيمانهم كمسار روحي للحرية، وليس للقيود. إيمانهم يُحررهم من الخوف والقلق، ويُمكنهم من العيش في سلام. هناك من يُمارس السحر لأغراض شخصية و أنانيّة، مما يجعله أسيرًا لرغباته. هذا ليس تمردًا حقيقيًا، بل هو شكل آخر من أشكال العبودية. في النهاية، المسألة ليست في الدين أو السحر كفكرة مجردة، بل في روح الساعي. هل يُمارس إيمانه أو سحره كوسيلة للوصول إلى الحرية والوعي؟ أم يقع في فخ العبودية لأفكار أو رغبات أو أنظمة؟
_ عبودية القوة وتحرر الروح: صراع الساحر بين الأنا والوعي
تُميز بين الساحر الذي يمارس الثورة الروحية والساحر الذي يُصبح أسيرًا لقوته عدة جوانب روحية أساسية تتعلق بالغاية والوعي. الساحر الذي يمارس الثورة الروحية. هذا الساحر يُعد ثوريًا روحيًا لأن قوته ليست مجرد هدف بحد ذاته، بل هي وسيلة لتحريره وتطهير روحه. يتميز هذا الساحر بالآتي، هدفه ليس الحصول على القوة، بل الوصول إلى الكمال والإتصال بالوعي الإلهي. القوة هي نتاج طبيعي لرحلة التحرر من الأنا والقيود المادية. يدرك أن عدوه الأكبر هو ذاته، أي الأنا بكل رغباتها وأوهامها. تمردُه الحقيقي هو ثورة داخلية ضد الخوف، و الشك، والأنانية. عندما يكتسب القوة، لا يستخدمها للمنفعة الشخصية أو للسيطرة على الآخرين. بل يُصبح قناة للوعي، ينشر النور، و يساعد الآخرين على إيجاد طريقهم. قوته تُصبح وسيلة لخدمة الإنسانية والكون. يُدرك أن القوة تأتي مع مسؤولية كبيرة. كلما زاد وعيه، زادت مسؤوليته في إستخدام قوته بحكمة وحب. على النقيض، هذا الساحر يُعد عبدًا لقوته، حتى وإن بدا حرًا في البداية. يتميز بالآتي؛ يسعى للقوة من أجل تحقيق رغباته الشخصية مثل الثروة، الشهرة، أو الإنتقام. القوة هنا هي وسيلة لملء فراغ داخلي، لا لتحرير الذات. بدلًا من التحرر من الأنا، يُصبح أسيرًا لها. كلما زادت قوته، زادت أوهامه و تضخم شعوره بالأهمية. يُصبح عبدًا لرغباته التي لا تنتهي. يستخدم قوته للتحكم في الآخرين، أو التلاعب بالواقع لمصالحه الخاصة. قوته تُصبح سيفًا ذا حدين، يؤذي بها نفسه والآخرين. غالبًا ما يفتقر إلى الوعي الكامل بمسؤولية القوة. الغرور يدفعه للإعتقاد بأنه فوق القوانين الكونية، مما يؤدي به في النهاية إلى السقوط. بإختصار، يكمن الفرق الجوهري بينهما في النية والوعي. الساحر الثوري الروحي يسعى للتحرر من الداخل، مُستخدمًا القوة كأداة للكمال و الخدمة. بينما الساحر الأسير يسعى للقوة من الخارج، ليُصبح في النهاية عبدًا لرغباته. الأول يُصبح إلهًا في روحه، بينما الثاني يُصبح شيطانًا في رغبته.
_ ما وراء الدين والسحر: صراع الخير والشر في جوهر الإنسان
إن الخير والشر لا يقتصران على أي مسار روحي أو فلسفي محدد، سواء كان الدين أو السحر. هذه الفكرة تدعونا إلى تجاوز القوالب التقليدية والنظر إلى مصدر الخير والشر الحقيقي، جوهر الإنسان. المقاربة الروحانية لهذا الموضوع تكمن في فهم أن الدين والسحر هما مجرد أدوات، وأن النية والوعي هما ما يحددان إستخدام هذه الأدوات. كل من الدين والسحر يقدمان نظامًا من المعتقدات و الممارسات التي يمكن توجيهها نحو الخير أو الشر. المتدين الذي يتبنى الخير يستخدم تعاليم دينه للوصول إلى السلام الداخلي، ومساعدة الآخرين، ونشر المحبة. إيمانه يجعله أكثر تسامحًا ورحمة، ويقوده إلى خدمة الإنسانية. في المقابل، المتدين الشرير يستخدم الدين كغطاء لأهدافه الأنانية. قد يستخدم نصوصًا دينية لتبرير الكراهية، والتعصب، و السيطرة على الآخرين. في هذه الحالة، الدين ليس مصدر شر، بل هو أداة يستخدمها شخص شرير لتنفيذ نواياه. الساحر الخيّر، في مقاربتنا الروحانية، يستخدم قوته الروحية لتحقيق التوازن، والشفاء، و مساعدة الآخرين. هو يدرك أن القوة هي مسؤولية، ويسعى لرفع مستوى وعي نفسه و الآخرين. قوته نابعة من الحب والنور. أما الساحر الشرير، فيستخدم قوته للتلاعب بالآخرين، و إلحاق الأذى، و تحقيق مكاسب شخصية. قوته نابعة من الأنانية والخوف، مما يجعلها مدمرة له وللآخرين. المصدر الحقيقي للخير والشر ليس في الأفعال نفسها، بل في النية التي تقودها. هذه النية تُحددها حالة الوعي التي يعيشها الإنسان. عندما يكون الإنسان متصلًا بوعيه الأعلى، أو ذاته الإلهية، فإنه يتصرف بدافع من الحب والتعاطف. في هذه الحالة، يصبح الدين أو السحر مجرد وسيلتين لتعبير هذا الحب. الشخص يتجاوز الإنقسامات ويرى أن كل الوجود مرتبط ببعضه، فيسعى لخدمة الكل. عندما يسيطر الأنا على الإنسان، يكون دافعه هو الخوف، و الغيرة، والرغبة في السيطرة. في هذه الحالة، يصبح الدين أو السحر أداة لتحقيق أهداف الأنا، حتى وإن كانت تبدو أهدافًا صالحة. الأنا تستغل كل شيء لتحقيق مكاسبها الشخصية، بما في ذلك الممارسات الروحية. في النهاية، الدين والسحر ليسا سوى مرآة تعكس حالة الوعي الداخلي للإنسان. يمكن للساحر أن يجد النور في رحلته، ويمكن للمتدين أن ينحرف عن مسار الحقيقة، و العكس صحيح. الأمر لا يتعلق بالقوالب، بل بقلب الساعي و روحه.
_ صراع المعرفة: الدين والسحر.. من يملك مفتاح الكون؟
النظر إلى العلاقة بين الدين والسحر من منظور صراع القوى والسيطرة على المعرفة هي تحليل عميق يمس جوهر الخلاف بينهما. يمكن النظر إلى هذا الصراع من عدة زوايا روحانية و فلسفية. في العديد من الأديان التقليدية، تعمل المؤسسة الدينية كوسيط بين الإنسان والإله. رجال الدين يمتلكون المعرفة المقدسة، ويتحكمون في الطقوس، ويديرون الشعائر. هذا يمنحهم سلطة ومكانة في المجتمع. السحر، في جوهره، هو معرفة مباشرة بقوانين الوجود. الساحر يسعى إلى الوصول إلى هذه المعرفة بنفسه، دون الحاجة إلى وسيط أو كتاب مقدس. هذا يهدد إحتكار رجال الدين للمعرفة الروحية، و يُضعف سلطتهم. إذا كان بإمكان الشخص أن يُحدث تغييرًا في واقعه بقوته الذاتية، فلماذا يحتاج إلى الكاهن أو الشيخ؟ غالبًا ما تكون الطقوس الدينية مرتبطة بتقديم الهدايا أو الخدمات للمؤسسة الدينية. عندما يقدم الساحر حلولاً شخصية للمشاكل مثل الشفاء، أو جلب الرزق، أو حل النزاعات، فإنه ينافس الخدمات التي تقدمها المؤسسة الدينية، مما يهدد مصالحها المادية والإجتماعية. طلما كان السحر كمنافسة على السيادة الكونية. هذا الجانب يلامس نقطة فلسفية أعمق تتعلق بمفهوم الربوبية والتحكم. في معظم الأديان التوحيدية، الإله هو المصدر الوحيد للقدرة و التحكم في الكون. هو الذي يُدبر الأمر ويُغيّر الواقع. الإنسان، في هذا الإطار، هو مخلوق خاضع يتوسل إلى الإله لتحقيق راجاته. الساحر الروحي لا يرى نفسه خاضعًا بالكامل، بل يرى نفسه جزءًا من القوة الكونية. هو لا يتوسل، بل يعمل بوعي لتوجيه هذه القوة. من هذا المنظور، السحر هو محاولة للوصول إلى مرتبة الربوبية الجزئية، حيث يُصبح الإنسان شريكًا في الخلق بدلاً من كونه مجرد متلقي. هذا يُنظر إليه من قبل الأديان التقليدية كإدعاء للألوهية و منافسة على سيادة الإله المطلقة، وهو ما يُعتبر كفرًا. الدين يضع حدودًا للمعرفة، ويُعتبر بعضها أسرارًا لا ينبغي للبشر الإطلاع عليها. السحر، بطبيعته، يهدف إلى إختراق هذه الحدود وكشف أسرار الوجود. العديد من الممارسات السحرية تتطلب فهمًا للقوانين الخفية للطبيعة، وقوى الكون، والعلاقة بين المادة والروح. هذه المعرفة تُعتبر في الأديان التقليدية حكراً على الإله، أو تُمنح فقط للأنبياء و المقربين. الساحر الذي يسعى للحصول عليها يُعد متجاوزًا للحدود الإلهية. عندما ينجح الساحر في تحقيق ما يُعتبر مستحيلاً عن طريق القوة الذاتية، فإن هذا يُمكن أن يُزعزع إيمان الناس بقوانين الإله أو الحاجة إليه، مما يمثل تهديدًا مباشرًا للنسيج الإيماني. إن العلاقة بين الدين والسحر ليست مجرد خلاف حول الممارسات، بل هي صراع على السلطة الروحية والمعرفية. يرى الدين أن السحر يُمثّل تمردًا على النظام الإلهي المحدد، بينما يرى السحر أن الدين يُقيد الإنسان عن تحقيق إمكاناته الكاملة. هذا الصراع ليس سطحيًا، بل هو عميق جدًا لأنه يلامس جوهر الحرية الروحية والبحث عن الحقيقة.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث
...
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث
...
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ
...
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْخَامِس-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
النُّورُ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمَعْرِفَة الْمُحَرَّم
...
-
عَصْر الْأَكْوَاد
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءِ الأَوَّلِ-
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِ
...
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّ
...
-
مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ -الْجُز
...
-
مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ- الْجُز
...
-
مَدْخَلٌ إلَى الْوَاقِعِيَّة الكْوَانْتِيَّة المُتَجَاوِزَة
-
الْمَنْهَجِ التَّجْرِيبِيّ الرُّوحِيّ -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
الْمَنْهَج التَّجْرِيبِيّ الرُّوحِيّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
الهَوِيَات الْمِيتَافِزِيقِيَّة
المزيد.....
-
زعموا أنهم من دبي.. شاهد كيف حاول لصوص سرقة ساعة ثمينة من يد
...
-
في نسخته الـ34.. مهرجان المناطيد الهوائية يجذب السيّاح من كل
...
-
البرتغال تعلن أن 11 أجنبيا وخمسة من مواطنيها هم من ضحايا حاد
...
-
إدارة ترامب تحجم عن مساعدة منكوبي زلزال أفغانستان
-
محاكمة شعبية بلندن لمساءلة الحكومة عن دورها بحرب الإبادة على
...
-
هآرتس: نتنياهو غير مؤهل وغير جدير
-
العالم على موعد مع -القمر الدموي- غدا الأحد
-
ترامب يوقع أمرا تنفيذيا بتدابير غير مسبوقة لمعاقبة من يحتجز
...
-
الألبوم الثاني خلال أقل من شهرين.. جاستن بيبر يطلق -Swag II-
...
-
للمساعدة في إنهاء الحرب بأوكرانيا.. ترامب يحث أوروبا على وقف
...
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|