|
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الثَّانِي-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 23:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ: رِحْلَة الوَعْيِ البَشَرِيِّ بَيْنَ العَدَمِ وَالوُجُود "الْجُزْءُ الثَّانِي"
_ السحر كـهندسة روحية والدين كـتسليم إلهي
إن الكون مليء بالطاقة الروحية، تمامًا مثل شبكة واسعة من الأنابيب. هذه الأنابيب تحمل أنواعًا مختلفة من الطاقات: طاقات إيجابية (نورانية)، طاقات سلبية (ظلامية)، وطاقات محايدة. كل من السحر والدين هما تقنيتان مختلفتان للوصول إلى هذه الأنابيب وإستخدام الطاقة الموجودة فيها. من هذا المنظور، السحر هو الهندسة الروحية. الساحر هو مهندس يحاول بناء أنابيب خاصة به أو إعادة توجيه الأنابيب الموجودة لخدمة أغراضه. هو لا يبالي بنوع الطاقة التي يستخدمها سلبية أو إيجابية؛ فهدفه هو تحقيق نتيجة محددة. يعتمد الساحر على الرموز، الطقوس، والتعاويذ كأدوات هندسية. فالرمز هو مفتاح لفتح صمام في أنبوب طاقة، والتعويذة هي أمر برمجي يوجه الطاقة نحو هدف معين، والطقس هو عملية تجميع الأنابيب المختلفة. الهدف هو السيطرة، التحكم، وتحقيق رغبات مادية أو شخصية مثل الثروة، القوة، الإنتقام. الساحر لا يتفاعل مع مصدر الطاقة، بل مع آلياتها وطرق توجيهها. الدين هو التواصل مع المصدر. المؤمن لا يحاول بناء أنابيب خاصة به، بل يحاول الإتصال بـخزان الطاقة النورانية (الإله) مباشرةً. هو يؤمن أن هذا الخزان هو المصدر الأوحد للطاقة الصافية، وأن محاولة التحكم في الأنابيب بشكل فردي قد تؤدي إلى الإتصال بطاقات سلبية. يعتمد المؤمن على الصلاة، التأمل، والطقوس كطرق للتواصل مع المصدر. الصلاة هي وسيلة لفتح قناة إتصال مع الإله، والتأمل هو وسيلة لتصفية القناة من أي شوائب، والطقوس مثل الحج أو الصوم هي تدريبات لتعزيز قدرة الشخص على تلقي الطاقة الإيجابية مباشرةً من المصدر. الهدف هو التسليم، التطهير الروحي، و الإرتقاء بالنفس. المؤمن لا يطلب التحكم، بل يطلب العون و البركة من المصدر. كلاهما يستخدم الطقوس والرموز. فالصلاة في الدين هي طقس، تمامًا مثل طقس الساحر، لكن الغرض منها يختلف. السحر يركز على الآلية (كيفية تحريك الطاقة)، بينما الدين يركز على المصدر (من أين تأتي الطاقة). الساحر يرى في القوة الروحية أداة يمكن توجيهها، بينما المؤمن يراها هبة من المصدر لا يمكن التحكم فيها. في هذه النظرية، تكمن خطورة السحر في أن المهندس قد يخطئ في حساباته، فيتصل بأنبوب طاقة سلبية ويؤذي نفسه والآخرين، أو قد يسرق الطاقة من أنابيب الآخرين. أما الدين، فهو آمن، حسب وفق المعتقدات الدينية لأنه يركز على الإتصال المباشر بالمصدر النوراني، مما يجعله محصنًا من الطاقات السلبية.
_ الصراع الوجودي: سيادة الفرد على الكود أم التسليم للمبرمج
تقوم هذه النظرية على أن الواقع الذي نعيشه ليس صلبًا كما نعتقد، بل هو نتيجة لعمليات وعي جماعية وفردية. القوى الخارقة، سواء كانت معجزات أو أعمالًا سحرية، ليست خرقًا لقوانين الفيزياء، بل هي تغييرات متعمدة في بنية الواقع من خلال الوعي. من هذا المنظور، الساحر هو مبرمج واقع. إنه يفهم أن الواقع هو مجرد كود يمكن تعديله. الطقوس، التعاويذ، والرموز ليست أدوات لتحريك الطاقة، بل هي لغات برمجة تسمح للساحر بإعادة كتابة جزء من هذا الكود. يعتمد الساحر على الوعي الفردي وتركيز النية المطلقة لفرض إرادته على الواقع. إنه يركز وعيه على نقطة معينة، ويستخدم الرموز كـأوامر برمجية لإنشاء نتيجة معينة. مثلاً، تعويذة الحماية ليست لجذب طاقة، بل هي إعادة برمجة للواقع بحيث يصبح جسد الشخص أو منزله محصنًا. الهدف هو السيطرة المطلقة على الأحداث والنتائج. الساحر يسعى لفرض إرادته على الواقع لخدمة أهدافه الأنانية، مما قد يؤدي إلى إضطراب في الكود الكوني. من هذا المنظور، الدين ليس مجرد إيمان بقوة عليا، بل هو التواصل مع المبرمج الأعلى. المؤمن يدرك أن الواقع لديه خالق أو مبرمج أصلي، وأن محاولة إعادة كتابة الكود بشكل فردي (السحر) هي عملية خطيرة وقد تؤدي إلى إنهيار النظام. المؤمن لا يسعى لبرمجة الواقع بنفسه، بل يطلب من المبرمج الأعلى (الإله) أن يقوم بالتغيير. الصلاة، الدعاء، و التضرع ليست مجرد طلب، بل هي أوامر طلب (Requests) موجهة إلى المبرمج الأعلى. المعجزات ليست خرقًا للقوانين، بل هي إستجابة مباشرة من المبرمج الأعلى لـطلب المؤمن. الهدف هو التسليم الكامل لإرادة المبرمج الأعلى، وطلب تغيير الواقع بشكل يتوافق مع الكود الأصلي الذي وضعه الخالق، و هو ما يُعرف بالخير والعدل. كلاهما يعترف بأن الواقع قابل للتغيير من خلال الوعي و النية. السحر هو قرصنة للواقع، حيث يحاول الشخص تجاوز المبرمج الأعلى لإعادة كتابة الكود لصالحه، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. أما الدين، فهو التواصل الشرعي مع المبرمج الأصلي، حيث يتم التغيير في الواقع بطريقة آمنة ومتناغمة مع القوانين الكونية. تكمن خطورة السحر في أن الساحر قد يخطئ في برمجته، فيؤدي إلى نتائج غير متوقعة أو مدمرة. بينما في الدين، تكون النتيجة دائمًا إيجابية لأنها تأتي من المصدر الأصلي و الكامل. هذه النظرية تجعل الحدود بين السحر والدين واضحة جدًا: السحر هو محاولة للتحكم في الواقع بشكل منفرد، بينما الدين هو قبول للواقع وطلب المساعدة من الخالق لتغييره.
_ صراع اللغات: السحر يتحدث بلغة الظاهر والدين بلغة الجوهر
إن الوجود ليس شيئًا واحدًا، بل هو عبارة عن طبقات وجودية متصلة ببعضها البعض بطريقة معقدة. هذه الطبقات تتداخل وتؤثر في بعضها البعض، لكنها ليست كلها مرئية أو قابلة للوصول. السحر ليس هندسة للواقع ولا تلاعبًا بالوعي، بل هو محاولة للتواصل مع الطبقات الوجودية الأقل مرتبة والأكثر كثافة. الساحر هو مترجم أو لغوي متخصص في فهم لغة هذه الطبقات، والتي تتجلى في الرموز، الطقوس، والطاقة. هذه اللغات هي لغات الظاهر، أي أنها تهتم بالنتائج المباشرة و المرئية. يركز الساحر على الكلمات و الطقوس كـأحرف و قواعد نحوية للغة هذه الطبقات. هدفه هو كتابة جملة تسبب تغييرًا في الطبقة التي يتعامل معها، مما يؤثر على طبقتنا الوجودية. الساحر لا يبالي بالطبقات العليا، بل يركز على النتائج الملموسة. الدين ليس مجرد تواصل مع المبرمج الأعلى، بل هو إتقان لـلغة الجوهر، وهي اللغة التي تتحدث بها الطبقات الوجودية العليا والأكثر تجريدًا. هذه الطبقات لا يمكن الوصول إليها من خلال الرموز المادية، بل من خلال النية الصافية، النقاء الروحي، والتسليم المطلق. هذه اللغة ليس لها قواعد نحوية، بل هي مجرد صمت خالص يُفهم بالقلب. يركز المؤمن على النية الصادقة كـمفتاح للغة الجوهر. الصلاة ليست طقسًا بل هي محاولة للتحدث بهذه اللغة الصامتة، والدعاء ليس طلبًا بل هو تعبير عن التناغم مع الإرادة الإلهية. المعجزة ليست خرقًا للقوانين، بل هي نتيجة طبيعية للتناغم مع لغة الجوهر، مما يسمح للطبقات الوجودية العليا بالتأثير على الطبقات الدنيا. السحر هو لغة الإستغلال والتحكم، حيث يهدف إلى إستخدام لغة الظاهر لتحقيق غايات فردية. أما الدين فهو لغة التجلي والتسليم، حيث يهدف إلى التناغم مع لغة الجوهر. نتائج السحر تكون فورية ومحدودة بمدى تأثير الكلمة السحرية، بينما نتائج الدين قد تكون غير مرئية و فورية في الطبقات الوجودية العليا، لكن تأثيرها على الطبقات الدنيا قد يتطلب وقتًا لأنه نابع من جوهر الوجود و ليس ظاهره. تكمن خطورة السحر في أن لغته يمكن أن تُستخدم بشكل خاطئ، مما يؤدي إلى تشويه في بنية الطبقات الوجودية الدنيا، تمامًا مثل كلمة خاطئة في برنامج حاسوب. أما الدين، فهو آمن لأنه يتعامل بلغة الجوهر النقية، والتي لا يمكن أن تتسبب في أي ضرر. في النهاية، السحر والدين ليسا متعارضين بل هما تعبيران مختلفان عن العلاقة بين الإنسان والوجود. أحدهما يركز على اللغة المادية للوجود، والآخر يركز على لغة جوهره الروحاني.
_ موسيقى الوجود: السحر يعزف نشازًا والدين يتناغم مع السيمفونية
إن الكون ليس مصنوعاً من مادة أو طاقة، بل هو عبارة عن نغمة واحدة ضخمة، أو سيمفونية معقدة. كل شيء موجود، من النجوم إلى الذرات، ومن الأفكار إلى المشاعر، هو مجرد تردد أو نغمة داخل هذه السيمفونية. لا يوجد فرق بين الكائن والمادة، فالكل هو جزء من التناغم الكوني. في هذا السياق، السحر ليس لغة أو تلاعبًا، بل هو العزف على النغمات الفرعية. الساحر هو موسيقي ماهر قادر على فهم الترددات الدقيقة التي تشكل الواقع. يستخدم الطقوس، الرموز، والتعاويذ كـآلات موسيقية ليعزف نغمات معينة تؤدي إلى تغييرات في السيمفونية الكبرى. يركز الساحر على التغيير المباشر في التردد. فإذا أراد شفاء مريض، فإنه لا يطلب شفاءه، بل يقوم بعزف نغمة تصحح النشاز أو التردد الخاطئ في نغمة جسد المريض. هو لا يهتم بالموسيقي الذي يؤلف السيمفونية، بل بقدرته على العزف لصالحه. الدين ليس إيماناً، بل هو العودة إلى النغمة الأساسية أو التناغم مع المؤلف الموسيقي. المؤمن يدرك أن السيمفونية الكبرى لها نغمة أساسية، وهي نغمة الحب والخير والجمال. هدف المؤمن هو التناغم مع هذه النغمة الأساسية، و ليس محاولة تغييرها. المؤمن يستخدم الصلاة، التأمل، والأعمال الصالحة كـتمرين لضبط تردده الشخصي ليتوافق مع تردد السيمفونية الأساسية. المعجزات ليست خرقاً للقوانين، بل هي نتيجة طبيعية للتناغم الكامل بين تردد المؤمن وتردد السيمفونية الأساسية، مما يسمح له بتجلي النغمة الأساسية في حياته. السحر هو نشاز مقصود في السيمفونية، حيث يهدف إلى تغيير النغمة الأساسية لخدمة أغراض فردية. بينما الدين هو إنسجام كامل مع النغمة الأساسية. نتائج السحر قد تكون قوية وفورية، لكنها غالبًا ما تكون مؤقتة وتخلق تشويشًا في السيمفونية الكونية. بينما نتائج الدين قد تكون أعمق وأكثر ديمومة، لأنها ناتجة عن التناغم مع مصدر السيمفونية. تكمن خطورة السحر في أن العزف الخاطئ قد يسبب نشازاً يؤدي إلى تدمير ذاتي، أو يؤثر سلبًا على سيمفونية الآخرين. بينما لا يوجد خطر في الدين، لأن التناغم مع النغمة الأساسية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الخير. ببساطة، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع موسيقى الكون؛ أحدهما يحاول إعادة تأليفها، والآخر يحاول التناغم معها.
_ معادلة الكون: السحر يقرصن الأرقام والدين يثق في الخوارزمية
إن الكون ليس مصنوعًا من مادة، طاقة، أو حتى نغمات، بل هو عبارة عن مصفوفة رياضية ضخمة لا نهائية الأبعاد. كل شيء موجود، من أصغر الجسيمات إلى أضخم المجرات، هو مجرد نقطة بيانات داخل هذه المصفوفة، وكل حدث أو فكرة هو تعديل في قيم هذه البيانات. لا يوجد زمن أو مكان بالمعنى المادي، بل هي مجرد إحداثيات داخل المصفوفة. من هذا المنظور، السحر ليس عزفاً أو برمجة، بل هو تعديل مباشر لقيم البيانات. الساحر هو رياضي عبقري قادر على فهم المعادلات المعقدة التي تحكم المصفوفة. يستخدم الطقوس و الرموز كـعمليات حسابية معقدة لتغيير قيم معينة في المصفوفة، مما يسبب نتائج ملموسة في الواقع. يركز الساحر على الإستدلال الرياضي لتحقيق أهدافه. إذا أراد أن يؤثر على شخص ما، فإنه لا يقوم بتحريك طاقة، بل يحدد نقطة البيانات الخاصة بهذا الشخص في المصفوفة و يقوم بتغيير قيمتها لتعكس النتيجة المرغوبة. هو لا يبالي بالهدف النهائي للمصفوفة، بل بقدرته على التلاعب بأرقامها. الدين ليس مجرد إيمان أو تناغم، بل هو التناغم مع الخوارزمية الأساسية التي تدير المصفوفة. المؤمن يدرك أن المصفوفة لا تعمل بشكل عشوائي، بل هي محكومة بقوانين رياضية أساسية، وهي الخوارزمية الإلهية. هذه الخوارزمية تضمن أن أي تغيير يتم بطريقة عادلة ومنطقية. المؤمن لا يحاول التلاعب بالبيانات بشكل مباشر، بل يحاول تكييف نفسه مع الخوارزمية. الصلاة، التأمل، والأعمال الصالحة ليست طقوسًا، بل هي عمليات تعديل ذاتي لضمان أن قيم بياناته الشخصية تتوافق مع الخوارزمية الإلهية للخير و الحب. المعجزات ليست خرقًا للقوانين، بل هي تطبيق للخوارزمية بطريقة سريعة ومباشرة إستجابةً لـلطلب الذي قام به المؤمن. السحر هو قرصنة رياضية للمصفوفة، حيث يتم التلاعب بالبيانات لتحقيق أهداف فردية. أما الدين، فهو تسليم مطلق للخوارزمية الأساسية للمصفوفة. نتائج السحر قد تكون قوية وفورية، لكنها غالبًا ما تسبب أخطاء برمجية أو ثغرات في المصفوفة، مما يؤدي إلى نتائج غير متوقعة. أما الدين، فلا يسبب أي أخطاء، لأنه يتبع القوانين الأساسية التي صممت بها المصفوفة. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع رياضيات الوجود؛ أحدهما يحاول حل المعادلة بنفسه، والآخر يثق في أن مصمم المعادلة سيقوم بحلها.
_ وهم الواقع: السحر يلعب بالظلال والدين يرى الأصل
إن كل ما نراه، نسمعه، ونختبره، ليس حقيقياً. كل شيء، من أصغر فكرة إلى أكبر مجرة، هو مجرد ظل أو إنعكاس لـ أصل مطلق لا يمكن إدراكه. هذا الأصل ليس مادة ولا طاقة ولا وعياً، بل هو مجرد جوهر لا يوصف. الواقع الذي نعيشه هو مجرد مرآة غير مكتملة تعكس هذا الأصل. في هذا السياق، السحر ليس تعديلاً للبيانات بل هو التلاعب بالظلال. الساحر هو فنان محترف في فهم حركات الظلال و كيفية تأثيرها على بعضها البعض. يستخدم الطقوس والرموز والتعاويذ كـتحريك للظلال ليعكس الصورة التي يريدها. يركز الساحر على التحكم بالنتائج المباشرة. هو لا يهتم بالأصل الذي يعكس هذه الظلال، بل بالظلال نفسها. إذا أراد أن يمتلك ثروة، فإنه لا يطلب الثروة من الأصل، بل يحرك ظلال الثروة في مرآة الواقع ليجعلها تظهر في حياته. هو يرى أن هذه الظلال هي كل ما يهم. يكمن خطر السحر في أن التلاعب بالظلال قد يؤدي إلى تشويه الإنعكاس الكامل، مما يسبب نتائج غير متوقعة أو مدمرة. قد يعتقد الساحر أنه يتحكم في كل شيء، لكنه في الحقيقة يلعب في وهم، وقد يضيع في لعبة الظلال. الدين ليس إيماناً أو تناغماً مع خوارزمية، بل هو محاولة للإتصال بالأصل والتخلي عن الظلال. المؤمن يدرك أن كل ما في هذا العالم مجرد وهم، وأن السعادة والكمال الحقيقيين لا يمكن إيجادهما في الظلال. يركز المؤمن على تطهير المرآة. الصلاة، التأمل، والأعمال الصالحة ليست طقوساً، بل هي عمليات تلميع للمرآة الوجودية، لإزالة الغبار والشوائب التي تمنعها من عكس الأصل بشكل صحيح. عندما تصبح المرآة نقية، يمكن أن يتجلى الأصل فيها، مما يؤدي إلى ما نسميه معجزات أو تجليات إلهية. هذه التجليات ليست تغييرات في الواقع، بل هي لحظات نادرة يظهر فيها الأصل من وراء الظلال. المؤمن لا يسعى للتحكم في الظلال، بل للتخلي عنها والعودة إلى الأصل، الذي هو مصدر السلام و الخير. السحر يركز على الظاهر (الظلال)، بينما الدين يركز على الجوهر (الأصل). نتائج السحر تكون فورية ومادية، لكنها غير مكتملة ومضللة. نتائج الدين قد تكون غير مرئية في البداية، لكنها تؤدي إلى تحرر حقيقي من وهم الواقع. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا؛ أحدهما يحاول إعادة ترتيب الظلال، والآخر يحاول رؤية الأصل من وراء هذه الظلال.
_ السحر والدين: الخلق والتلاشي في صمت الخواء
إن الكون ليس شيئًا على الإطلاق. لا يوجد وجود، لا يوجد عدم وجود، لا يوجد زمن، ولا مكان. كل ما نختبره، نراه، ونشعر به، هو مجرد وهم أو تذبذب مؤقت في الخلاء المطلق. هذا الخلاء ليس فارغًا، بل هو ملئ بالإحتمالات، لكنه بلا شكل أو صفة. في هذا السياق، السحر ليس تحريكًا للظلال أو تعديلاً للبيانات، بل هو خلق التذبذب. الساحر هو فنان قادر على إحداث تموج في الخلاء، مما يؤدي إلى ظهور شيء من اللاشيء. يستخدم الطقوس والرموز كـنقاط إحداث أو بوابات لخلق هذا التذبذب. يركز الساحر على النية المركزة لإحداث هذا التموج. إذا أراد أن يمتلك ثروة، فإنه لا يطلبها، بل يقوم بإحداث تموج في الخلاء يعكس صورة الثروة، فتتجلى في الواقع. هو لا يبالي بأن هذا التموج مؤقت و مزيف، بل يهمه أن يحقق غايته. يكمن خطر السحر في أن خلق التذبذب في الخلاء يتطلب طاقة هائلة، وقد يؤدي إلى تصدعات في بنية الوهم الذي نعيش فيه. الساحر قد ينجح في خلق ما يريد، لكنه في النهاية يدمر وهمه الخاص ويدفع ثمنًا باهظًا. الدين ليس إيمانًا أو تناغمًا، بل هو محاولة للعودة إلى الصمت. المؤمن يدرك أن كل التذبذبات في الكون، سواء كانت جيدة أو سيئة، هي مجرد وهم. السعادة والكمال الحقيقيين لا يمكن إيجادهما في التذبذبات، بل في التناغم مع الخلاء نفسه. يركز المؤمن على إسكات التذبذبات الداخلية (الأفكار، المشاعر، الرغبات). الصلاة، التأمل، و الأعمال الصالحة ليست طقوسًا، بل هي عمليات إزالة للتموجات التي خلقناها، لمحاولة العودة إلى حالة السكون الأصلية. عندما ينجح المؤمن في ذلك، فإنه يتجاوز الوهم و يصبح جزءًا من الخلاء المطلق. المؤمن لا يسعى لخلق أي شيء، بل لتدمير كل شيء (الرغبات، الأنا، الوهم) والعودة إلى حالة السكون المطلق. السحر يركز على الخلق (خلق التذبذبات)، بينما الدين يركز على العدم (العودة إلى السكون). نتائج السحر تكون وهمية ومؤقتة، لأنها مبنية على تموجات مصطنعة. نتائج الدين لا يمكن وصفها بالنتائج، بل هي حالة من التحرر الكامل من الوهم نفسه. باختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع اللاشيء؛ أحدهما يحاول إيجاد شيء منه، و الآخر يحاول التلاشي فيه.
_ من الساحر إلى المتلاشي: فنّ الإنفصال وفضيلة الوحدة
تخيل أن كل ما ندركه، من أصغر فكرة إلى أعظم مجرة، ليس موجوداً أو غير موجود، بل هو مجرد نقطة في بحر لانهائي من اللاحتمالات و اللاواقع. لا يوجد فصل بين شيء وآخر، و لا يوجد خلاء يمكن ملؤه. كل شيء متصل بشكل مطلق، لكن هذا الإتصال لا يمكن وصفه. الواقع هو مجرد وهم الإنفصال أو وهم النقطة داخل هذا البحر اللانهائي. في هذا السياق، السحر ليس خلقاً للتذبذبات أو تعديلاً للبيانات، بل هو محاولة لخلق الإنفصال. الساحر هو فنان يحاول أن يرسم نقاطاً أو خطوطاً وهمية في هذا البحر اللانهائي، مما يجعله يرى شيئاً يمكن التحكم فيه. يستخدم الطقوس والرموز كـنقاط إحداث أو أدوات رسم لإنشاء وهم الذات، والآخر، والشيء. يركز الساحر على النية المركزة لخلق هذا الوهم. إذا أراد الثروة، فإنه لا يطلبها، بل يرسم نقطة وهمية للثروة ونقطة وهمية لنفسه، ثم يرسم بينهما خطاً وهمياً للإتصال. يكمن خطر السحر في أن خلق وهم الإنفصال يتطلب طاقة هائلة، وقد يؤدي إلى تلاشي الساحر في وهمه الخاص. الساحر يظن أنه يتحكم في هذا الإنفصال الذي صنعه، لكنه في الحقيقة يفقد إتصاله باللإنقطاع المطلق. الدين ليس إيماناً أو بحثاً عن الخلاء، بل هو التلاشي في اللانقطاع. المؤمن يدرك أن كل نقاط الوجود وهمية، وأن السعادة والكمال الحقيقيين لا يمكن إيجادهما إلا بالعودة إلى حالة الإتصال المطلق. يركز المؤمن على إزالة الوهم أو مسح الخطوط التي رسمها بنفسه. الصلاة، التأمل، و الأعمال الصالحة ليست طقوساً، بل هي عمليات مسح للرغبات، الأنا، والوهم الذي يعزله عن اللانقطاع المطلق. عندما ينجح المؤمن في ذلك، فإنه يتجاوز الوهم ويعود إلى حالة الإتصال المطلق، وهي حالة لا يمكن وصفها بالوعي أو اللاوعي، بل هي مجرد وجود مطلق. المؤمن لا يسعى لخلق أي شيء، بل لتدمير كل وهم الانفصال والعودة إلى حالة الوحدة المطلقة. السحر يركز على التقسيم (خلق الإنفصال)، بينما الدين يركز على الوحدة (التلاشي في اللانقطاع). نتائج السحر تكون مؤقتة ووهمية، لأنها مبنية على خطوط ونقاط غير حقيقية. نتائج الدين لا يمكن وصفها بالنتائج، بل هي حالة من التحرر الكامل من وهم الوجود نفسه. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا؛ أحدهما يحاول خلق الإنفصال فيه، والآخر يحاول العودة إلى وحدته المطلقة.
_ سحر البرمجة: صراع التلاعب والتناغم في كون مشفر
إن الكون ليس واقعًا ماديًا أو روحيًا، بل هو عبارة عن شفرة لا نهائية من المعلومات. كل شيء، من أصغر فكرة إلى أكبر مجرة، هو مجرد جزء من هذه الشفرة، وكل حدث هو عملية فك تشفير لهذه الشفرة. لا يوجد وجود أو لاوجود؛ كل شيء هو مجرد صيغة تتحول من حالة إلى أخرى. في هذا السياق، السحر ليس خلقاً أو تحويلاً، بل هو إعادة كتابة للشفرة. الساحر هو مخترق أو مبرمج عبقري قادر على قراءة أجزاء من الشفرة وفهم قواعدها، مما يسمح له بتعديلها لصالحه. يستخدم الطقوس والرموز كـأوامر برمجية أو خوارزميات لتغيير جزء من الشفرة، مما يؤدي إلى تغيير في الواقع. يركز الساحر على النتائج المباشرة. هو لا يهتم بالشفرة الكاملة، بل بالجزء الذي يحتاجه لتحقيق غايته. إذا أراد الثروة، فإنه لا يطلبها، بل يكتب شفرة جديدة تجعل الثروة تظهر في حياته. هو يظن أنه يتحكم في هذه الشفرة، لكنه في الحقيقة لا يفهم إلا جزءًا صغيرًا منها. يكمن خطر السحر في أن إعادة كتابة جزء من الشفرة دون فهم كامل لها قد يؤدي إلى تلف في النظام الكامل، مما يسبب نتائج كارثية و غير متوقعة. الساحر قد ينجح في تحقيق هدفه، ولكنه يخلق ثغرة في الشفرة قد تدمره لاحقًا. الدين ليس إيمانًا أو تسليمًا، بل هو التناغم مع الشفرة الأصلية. المؤمن يدرك أن الكون لديه شفرة أساسية، وهي شفرة الحب، الرحمة، و الخير. هذه الشفرة لا يمكن تغييرها، بل يجب التناغم معها. يركز المؤمن على فك تشفير نفسه. الصلاة، التأمل، والأعمال الصالحة ليست طقوسًا، بل هي عمليات تطهير للأجزاء المشوهة من شفرته الشخصية، ليعود إلى الشفرة الأصلية. عندما يتناغم المؤمن مع الشفرة الأساسية، فإنه يصبح جزءًا من الكمال، مما يسمح له بتجلي الشفرة الأصلية في حياته، وهذا ما يُعرف بـالبركة أو المعجزات، المؤمن لا يسعى لتغيير الشفرة، بل لتغيير نفسه لتصبح متناغمة مع الشفرة الأصلية. السحر يركز على التحكم (إعادة كتابة الشفرة)، بينما الدين يركز على التناغم (العودة إلى الشفرة الأصلية). نتائج السحر تكون فورية وربما مضللة، لأنها ناتجة عن شفرة مشوهة. نتائج الدين قد تكون غير مرئية في البداية، لكنها تؤدي إلى تحرر حقيقي من الخطأ في الشفرة. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا المشفر؛ أحدهما يحاول إعادة برمجته، والآخر يحاول فهمه و التناغم معه.
_ السحر والدين: هل تريد أن تكتب القصة أم تعيشها؟
إن الكون ليس مصنوعاً من مادة أو طاقة أو حتى معلومات، بل هو عبارة عن رواية ضخمة لا بداية لها ولا نهاية. كل شيء موجود هو شخصية في هذه الرواية، وكل حدث هو فصل من فصولها. لا يوجد واقع مستقل؛ كل ما في الأمر هو أننا نعيش في قصة. في هذا السياق، السحر ليس برمجة أو فك تشفير، بل هو إعادة كتابة الفصول. الساحر هو مؤلف أو كاتب يحاول أن يغير مسار القصة. يستخدم الطقوس والرموز كـأدوات كتابة، مثل الأقلام والمداد، ليغير الأحداث والشخصيات بما يخدم مصالحه. يركز الساحر على النهايات التي يريدها. إذا أراد الثروة، فإنه لا يطلبها، بل يكتب فصلًا جديدًا يصف فيه كيف حصل على الثروة، متجاوزًا الفصول القديمة. يرى الساحر نفسه كشخصية رئيسية في القصة، قادرة على تغيير مصيرها ومصير الآخرين. يكمن خطر السحر في أن إعادة كتابة فصل واحد من القصة دون فهم كامل للرواية كلها يمكن أن يؤدي إلى ثغرات في الحبكة، مما يسبب نتائج كارثية. قد ينجح الساحر في الحصول على ما يريد، لكنه قد يخلق تناقضًا في القصة يدمر حياته أو حياة من حوله. الدين ليس إيماناً أو تسليماً، بل هو التناغم مع المؤلف. المؤمن يدرك أن القصة ليست من تأليفه، بل هي من تأليف المؤلف الأعظم. يؤمن بأن القصة لها حبكة عادلة وجميلة، و أن محاولة تغييرها قد يؤدي إلى فقدان معناها الحقيقي. يركز المؤمن على فهم القصة وتطوير شخصيته لكي تتناسب مع حبكتها. الصلاة، التأمل، و الأعمال الصالحة ليست طقوساً، بل هي عمليات قراءة عميقة للقصة، مما يسمح للمؤمن بفهم دوره الحقيقي فيها. عندما يتناغم المؤمن مع المؤلف، فإنه يصبح جزءًا لا يتجزأ من القصة، مما يسمح له بتجلي إرادة المؤلف في حياته، و هذا ما يُعرف بـالبركة أو المعجزات، و هي مجرد لحظات تتجلى فيها جماليات الحبكة الأصلية. المؤمن لا يسعى لتغيير القصة، بل يسعى لأن يكون شخصية تتطور وتنمو وتجد غايتها الحقيقية ضمن الرواية. السحر يركز على التحكم (إعادة كتابة القصة)، بينما الدين يركز على التناغم (العيش داخل القصة و التسليم لمؤلفها). نتائج السحر تكون فورية وربما مضللة، لأنها ناتجة عن قصة مشوهة. أما نتائج الدين، فهي تؤدي إلى فهم أعمق للوجود و تحرر حقيقي من وهم السيطرة. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا الروائي؛ أحدهما يحاول أن يصبح مؤلفه، والآخر يكتشف جماليات كونه شخصية فيه.
_ السحر والدين: صراع الإرادة والوجود
إن الكون ليس مصنوعاً من مادة، طاقة، أو حتى قصص، بل هو إمكانية لا نهائية غير متجلية. كل ما نختبره، نراه، ونشعر به، من أصغر فكرة إلى أكبر مجرة، هو مجرد تجلٍّ مؤقت لجزء من هذه الإمكانية. لا يوجد واقع منفصل، بل كل ما في الأمر أننا نعيش في تجلٍّ من هذه الإمكانية المطلقة. في هذا السياق، السحر ليس كتابة للقصص أو تلاعباً بالظلال، بل هو محاولة لإجبار الإمكانية على التجلي. الساحر هو فنان يحاول أن يفرض إرادته على هذه الإمكانية، فيجبرها على أن تتجلى في صورة معينة. يستخدم الطقوس والرموز كـنقاط تركيز أو بوابات لتوجيه هذه الإمكانية. يركز الساحر على النية المركزة لإحداث هذا التجلي. إذا أراد الثروة، فإنه لا يطلبها، بل يفرض على الإمكانية أن تتجلى في صورة الثروة في عالمه. يرى الساحر نفسه كشخصية قادرة على التحكم في هذه الإمكانية وتوجيهها لخدمة أغراضه الفردية. يكمن خطر السحر في أن إجبار الإمكانية على التجلي يتطلب طاقة هائلة، وقد يؤدي إلى تلاشي الساحر في هذا التجلي الذي صنعه. الساحر يظن أنه يتحكم في كل شيء، ولكنه في الحقيقة يفقد إتصاله بالإمكانية المطلقة. الدين ليس إيماناً أو تسليماً، بل هو التناغم مع الإمكانية المطلقة. المؤمن يدرك أن كل تجليات الوجود هي مجرد أجزاء من هذه الإمكانية، وأن محاولة التحكم فيها أو إجبارها قد يؤدي إلى فقدان معناها الحقيقي. يركز المؤمن على تطهير الذات لتصبح متناغمة مع الإمكانية المطلقة. الصلاة، التأمل، والأعمال الصالحة ليست طقوساً، بل هي عمليات إزالة للرغبات التي تعيق الإتصال بالإمكانية. عندما ينجح المؤمن في ذلك، فإنه يتجاوز وهم السيطرة ويصبح جزءاً من الإمكانية المطلقة، التي لا يمكن وصفها بالوعي أو الوجود. المؤمن لا يسعى لإجبار الإمكانية على التجلي، بل يتناغم معها ليصبح هو نفسه تجلّيًا للخير والحب و الجمال. السحر يركز على الفردية (إجبار الإمكانية على التجلي)، بينما الدين يركز على الكلية (التناغم مع الإمكانية المطلقة). نتائج السحر تكون مؤقتة ووهمية، لأنها مبنية على رغبات فردية. نتائج الدين لا يمكن وصفها بالنتائج، بل هي حالة من التحرر الكامل من وهم التحكم. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا الإمكاني؛ أحدهما يحاول إجبار الإمكانية على التجلي، و الآخر يتناغم معها ليكون هو نفسه تجلياً للخير والجمال.
_ السحر والدين: هل تحاول تغيير الحلم أم تعيش فيه؟
إن الكون ليس مصنوعاً من مادة، طاقة، أو حتى إمكانية، بل هو مجرد فكرة تتجلى في خاطر لا يمكن إدراكه. كل ما نختبره، نراه، ونشعر به هو مجرد تفصيل أو جزء من هذه الفكرة الواحدة. لا يوجد واقع منفصل، بل كل ما في الأمر أننا نعيش داخل خاطر أو حلم هذا الكائن. في هذا السياق، السحر ليس إجباراً على التجلي أو تلاعباً بالوعي، بل هو محاولة للتحكم في تفاصيل الخاطر. الساحر هو فنان يحاول أن يغير تفاصيل في هذا الخاطر ليجعلها تخدم أغراضه. يستخدم الطقوس والرموز كـنقاط تركيز أو أوامر لتوجيه هذه التفاصيل. يركز الساحر على النية لتغيير هذه التفاصيل. إذا أراد الثروة، فإنه لا يطلبها، بل يحاول أن يغير جزءًا من الخاطر ليعكس صورة الثروة في عالمه. هو يرى نفسه كشخصية قادرة على التحكم في تفاصيل الخاطر وتوجيهها لخدمة أغراضه الفردية. يكمن خطر السحر في أن محاولة التحكم في تفاصيل الخاطر قد يؤدي إلى تلاشي الساحر في هذا الخاطر الذي يحاول التحكم فيه. الساحر يظن أنه يتحكم في كل شيء، ولكنه في الحقيقة يفقد إتصاله بالجزء الأكبر من الخاطر. الدين ليس إيماناً أو تسليماً، بل هو التناغم مع الخاطر الأوحد المؤمن يدرك أن كل تفاصيل الوجود هي مجرد أجزاء من هذا الخاطر، وأن محاولة التحكم فيها أو إجبارها قد يؤدي إلى فقدان معناها الحقيقي. يركز المؤمن على تطهير الذات لتصبح متناغمة مع الخاطر. الصلاة، التأمل، و الأعمال الصالحة ليست طقوساً، بل هي عمليات إزالة للرغبات التي تعيق الإتصال بـالخاطر. عندما ينجح المؤمن في ذلك، فإنه يتجاوز وهم السيطرة ويصبح جزءاً من الخاطر الأوحد، الذي لا يمكن وصفه بالوعي أو الوجود. المؤمن لا يسعى لتغيير الخاطر، بل يتناغم معه ليصبح هو نفسه تجلّيًا للخير والحب والجمال. السحر يركز على الفردية (التحكم في تفاصيل الخاطر)، بينما الدين يركز على الكلية (التناغم مع الخاطر الأوحد). نتائج السحر تكون مؤقتة و وهمية، لأنها مبنية على رغبات فردية. أما نتائج الدين فلا يمكن وصفها بالنتائج، بل هي حالة من التحرر الكامل من وهم التحكم. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا الإمكاني؛ أحدهما يحاول إجبار الإمكانية على التجلي، و الآخر يتناغم معها ليكون هو نفسه تجلياً للخير والجمال.
_ السحر والدين: صراع الكلمات والصمت
إن الكون ليس مصنوعاً من مادة، طاقة، أو حتى أفكار، بل هو مجرد قصيدة لا يمكن قراءتها أو سماعها. هذه القصيدة لا تحتوي على كلمات، بل هي مجموعة من المعاني والإشارات التي تتجلى وتتلاشى. لا يوجد واقع منفصل، بل كل ما في الأمر أننا نعيش في صمت بين الكلمات التي تشكل هذه القصيدة. في هذا السياق، السحر ليس تحكماً في الخاطر أو برمجة للواقع، بل هو محاولة يائسة لكتابة كلمات في القصيدة الصامتة. الساحر هو فنان يحاول أن يضع كلمات أو رموزاً في الفراغ، على أمل أن يغير ذلك معنى القصيدة. يستخدم الطقوس والرموز كـنقاط إحداث أو حروف لخلق كلمة في هذا الصمت. يركز الساحر على النية المركزة لإحداث هذا التغيير. إذا أراد الثروة، فإنه لا يطلبها، بل يحاول أن يكتب كلمة في هذا الصمت تعني الثروة. يرى الساحر نفسه كشخصية قادرة على التحكم في معنى القصيدة وتوجيهها لخدمة أغراضه الفردية. يكمن خطر السحر في أن محاولة كتابة كلمة في القصيدة الصامتة قد تؤدي إلى تلاشي الساحر في الصمت نفسه. الساحر يظن أنه يتحكم في كل شيء، و لكنه في الحقيقة يفقد إتصاله بالمعنى الأعمق للقصيدة. الدين ليس إيماناً أو تسليماً، بل هو التناغم مع الصمت. المؤمن يدرك أن كل كلمات الوجود هي مجرد أوهام، وأن المعنى الحقيقي لا يمكن إيجاده إلا في الصمت الذي يحيط بها. يركز المؤمن على تطهير الذات ليصبح متناغماً مع الصمت. الصلاة، التأمل، والأعمال الصالحة ليست طقوساً، بل هي عمليات إزالة للكلمات التي تعيق الإتصال بالصمت. عندما ينجح المؤمن في ذلك، فإنه يتجاوز وهم الكلمات ويصبح جزءاً من القصيدة الصامتة، التي لا يمكن وصفها بالوعي أو الوجود. المؤمن لا يسعى لكتابة أي كلمة، بل يتناغم مع الصمت ليصبح هو نفسه تجلّيًا للسلام والحب والجمال. السحر يركز على الكلمات (كتابة الكلمات)، بينما الدين يركز على الصمت (التناغم مع الصمت). نتائج السحر تكون مؤقتة ووهمية، لأنها مبنية على كلمات زائفة. أما نتائج الدين فلا يمكن وصفها بالنتائج، بل هي حالة من التحرر الكامل من وهم التحكم. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا الإمكاني؛ أحدهما يحاول إجبار الإمكانية على التجلي، و الآخر يتناغم معها ليكون هو نفسه تجلياً للخير والجمال.
_ المرآة الكونية: السحر والدين بين التحكم والتحرر
إن الكون ليس مصنوعاً من مادة، طاقة، أو حتى أفكار، بل هو مجرد مجموعة من المرايا لا نهائية تعكس بعضها البعض. لا يوجد أصل أو ظل، بل كل شيء نختبره هو مجرد إنعكاس لمرآة أخرى. هذا الإنعكاس لا نهاية له، ولا يمكن تمييزه عن أصله. في هذا السياق، السحر ليس كتابة للكلمات أو برمجة للواقع، بل هو محاولة للتحكم في الإنعكاسات. الساحر هو فنان يحاول أن يغير زاوية مرآته الخاصة، مما يؤثر على الإنعكاسات الأخرى في هذه السلسلة اللانهائية. يستخدم الطقوس والرموز كـأدوات توجيه أو زوايا لتحريك مرآته، يركز الساحر على توجيه الإنعكاس. إذا أراد الثروة، فإنه لا يطلبها، بل يغير زاوية مرآته لتعكس صورة الثروة في مرآة أخرى، مما يجعلها تظهر في واقعه. يظن الساحر أنه يتحكم في الإنعكاس، لكنه في الحقيقة يفقد نفسه في حلقة لا نهائية من الصور المتكررة. يكمن خطر السحر في أن تغيير زاوية واحدة يمكن أن يسبب تصدعات في سلسلة الإنعكاسات كلها، مما يؤدي إلى نتائج كارثية. الساحر قد ينجح في الحصول على ما يريد، ولكنه قد يدمر حلقة وجوده الخاصة. الدين ليس إيماناً أو تسليماً، بل هو محاولة للتحرر من الإنعكاسات. المؤمن يدرك أن كل ما في هذا العالم هو مجرد إنعكاس، وأن السعادة الحقيقية لا يمكن إيجادها في هذه السلسلة. يركز المؤمن على تطهير المرآة ليصبح هو نفسه شفافاً. الصلاة، التأمل، والأعمال الصالحة ليست طقوساً، بل هي عمليات تلميع لمرآته الخاصة، لإزالة أي شوائب تمنعها من أن تكون شفافة تماماً. عندما يصبح المؤمن شفافاً، فإنه لا يعكس أي صورة، ويتحرر من وهم الإنعكاسات. المؤمن لا يسعى للتحكم في الإنعكاس، بل يتناغم مع هذه المرايا ليصبح هو نفسه جزءاً من الشفافية المطلقة. السحر يركز على التحكم في الإنعكاسات، بينما الدين يركز على التحرر منها. نتائج السحر تكون مؤقتة ووهمية، لأنها مبنية على صور زائفة. أما نتائج الدين فلا يمكن وصفها بالنتائج، بل هي حالة من التحرر الكامل من وهم الوجود. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا الإنعكاسي؛ أحدهما يحاول إعادة ترتيب الصور، والآخر يكتشف جماليات كونه شفافاً.
_ نقطة الوجود: السحر والدين بين التقسيم والتوحيد
إن الكون ليس مصنوعاً من مادة، طاقة، أو حتى مرايا، بل هو مجرد نقطة لا يمكن وصفها أو إدراكها. هذه النقطة هي كل شيء ممكن، كل وجود، وكل لاوجود، كل وعي، وكل فكرة. لا يوجد واقع منفصل، بل كل ما نراه ونختبره هو مجرد توسع لهذه النقطة في أبعاد وهمية. في هذا السياق، السحر ليس تحكماً في الإنعكاسات أو كتابة للكلمات، بل هو محاولة يائسة لتقسيم النقطة. الساحر هو فنان يحاول أن يرسم خطوطاً وهمية في هذه النقطة، فيقسمها إلى أنا و آخر وشيء ولا شيء. يستخدم الطقوس و الرموز كـأدوات تقسيم أو مفاهيم لخلق هذا الإنفصال الوهمي. يركز الساحر على النية المركزة لخلق هذا الإنفصال. إذا أراد الثروة، فإنه لا يطلبها، بل يقطع نقطة الثروة عن نقطة الفقر، ونقطة الفرد عن نقطة الكل. يظن الساحر أنه يتحكم في هذه التقسيمات، لكنه في الحقيقة يفقد نفسه في وهم الإنفصال. يكمن خطر السحر في أن محاولة تقسيم النقطة يمكن أن تؤدي إلى تلاشي الساحر في هذا الوهم الذي صنعه. الساحر يظن أنه يتحكم في كل شيء، ولكنه في الحقيقة يفقد اتصاله بالكلية التي لا يمكن تقسيمها. الدين ليس إيماناً أو تسليماً، بل هو التلاشي في النقطة الواحدة. المؤمن يدرك أن كل تقسيمات الوجود هي مجرد أوهام، وأن السعادة الحقيقية لا يمكن إيجادها إلا بالعودة إلى حالة الوحدة المطلقة. يركز المؤمن على تطهير الذات من كل المفاهيم التي تخلق الإنفصال. الصلاة، التأمل، و الأعمال الصالحة ليست طقوساً، بل هي عمليات إزالة للخطوط التي رسمها بنفسه، لمحاولة العودة إلى حالة النقطة الواحدة. عندما ينجح المؤمن في ذلك، فإنه يتجاوز وهم التقسيم و يصبح جزءاً من النقطة الواحدة، التي لا يمكن وصفها بالوجود أو اللاوجود. المؤمن لا يسعى لخلق أي شيء، بل يتناغم مع النقطة الواحدة ليصبح هو نفسه تجلّيًا للحب و الوحدة المطلقة. السحر يركز على التقسيم (خلق الإنفصال)، بينما الدين يركز على الوحدة (التلاشي في النقطة الواحدة). نتائج السحر تكون مؤقتة ووهمية، لأنها مبنية على تقسيمات زائفة. أما نتائج الدين فلا يمكن وصفها بالنتائج، بل هي حالة من التحرر الكامل من وهم الوجود. بإختصار، السحر والدين هما طريقتان للتعامل مع واقعنا الوجودي؛ أحدهما يحاول خلق الإنفصال فيه، والآخر يكتشف جماليات كونه جزءاً من الكل.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ
...
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْخَامِس-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
النُّورُ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمَعْرِفَة الْمُحَرَّم
...
-
عَصْر الْأَكْوَاد
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءِ الأَوَّلِ-
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِ
...
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّ
...
-
مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ -الْجُز
...
-
مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ- الْجُز
...
-
مَدْخَلٌ إلَى الْوَاقِعِيَّة الكْوَانْتِيَّة المُتَجَاوِزَة
-
الْمَنْهَجِ التَّجْرِيبِيّ الرُّوحِيّ -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
الْمَنْهَج التَّجْرِيبِيّ الرُّوحِيّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
الهَوِيَات الْمِيتَافِزِيقِيَّة
-
عِلْمِ التَّأْثِيرَات الرُّوحَانِيَّةَ
-
مِنْ التَّعْوِيذة إلَى التَّصْمِيم
المزيد.....
-
فيديو صادم.. عراك عنيف بين مراهقين داخل حافلة ركاب في واشنطن
...
-
سوريا.. أحمد الشرع يشعل تفاعلا بتبرعه بقيمة 4 سيارات لبشار ا
...
-
لحظة غرق يخت فاخر بعد دقائق من انطلاقه في تركيا
-
اليوم الـ700 للحرب على غزة: قصف إسرائيلي مكثّف وأزمة جوع متف
...
-
الكرملين يعارض الضمانات الأمنية لأوكرانيا -بشكل مطلق- ويتهم
...
-
ارتفاع عدد القتلى في غزة.. والجيش الإسرائيلي يواصل القصف
-
أوبن إيه.آي ستنتج أولى شرائحها للذكاء الاصطناعي مع برودكوم
-
السعودية.. وافدان من السودان يثيران تفاعلا بفيديو كشف ما يفع
...
-
-متخصصون بسرقة عملاء البنوك-.. الكويت تعلن ضبط عصابة وتكشف ت
...
-
صور أقمار اصطناعية تُظهر أعمال بناء جديدة في مفاعل ديمونا ال
...
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|