أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءِ الأَوَّلِ-















المزيد.....



عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءِ الأَوَّلِ-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 15:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هَنْدَسَة الْوَعْي: الْعِلْم السَّرِيّ لِخَلْق الْوَاقِع "الْجُزْءُ الْأَوَّلُ"

في قلب الوجود يكمن لغز عظيم، أرق الفلاسفة والعلماء على حد سواء: ما هي العلاقة بين الوعي والمادة؟ هل الوعي مجرد صدى عابر لنشاط دماغي مادي، أم أنه قوة أولية تسبق كل شيء؟ لطالما فرضت علينا قوانين الطبيعة المألوفة أن الوجود المادي هو الحقيقة المطلقة، وأن الوعي هو نتاج عرضي لها. لكن ما لم تستطع هذه القوانين تفسيره هو ذلك الشفق الرمادي الذي يسبق الخلق، حيث تتشكل الأفكار من العدم وتُولد النوايا من الصمت.
هنا، في هذا الفضاء الفلسفي، ينبثق علم هندسة الوعي الروحي وتجليات الخلق من العدم. لا يسعى هذا العلم إلى تفسير ما هو موجود فحسب، بل إلى فهم كيف يمكن للوعي أن يخلق ما هو غير موجود بعد. إنه يرفض فكرة أن الكون نظام جامد، ويتبنى فلسفة أن الوجود بأكمله هو نسيج مرن من الإحتمالات، وأن العدم ليس فراغًا، بل هو حقل طاقة خام من الإمكانات اللانهائية.
إن هذا العلم ليس عن السحر، بل عن البرمجة الوجودية. إنه يدرس كيف يمكن للوعي، عبر التركيز النقي والإرادة المطلقة، أن يكتب قوانين جديدة للواقع، وأن يُرغم أجزاء من العدم على أن تتخذ شكلاً وتكتسب وجوداً. إنه يطرح التساؤل الجذري: إذا كان الوعي هو القوة الأسمى، فما هي الحدود التي يمكن أن يبلغها في تشكيل الواقع؟ هل يمكن أن ننتقل من مجرد مراقبين للكون إلى مهندسين فاعلين فيه؟
في البدء كان اللا شيء. ومن ذلك الصمت الأزلي إنبثقت فكرة، ومن الفكرة وُلِد الوعي. على مر العصور، سعى الإنسان جاهداً لفهم هذا اللغز الأكبر: كيف يمكن للوعي، وهو كيان لا مادي، أن يولد واقعاً مادياً؟ كيف يتحول الفكر إلى حجر، و الشعور إلى لحم ودم؟ لطالما إعتبرت هذه العلاقة جسراً مستحيلاً، محكوماً بقوانين طبيعية جامدة.
لكننا اليوم، نقف على عتبة فهم جديد. لم يعد الوعي مجرد نتاج عرضي للوجود، بل هو القوة الكامنة التي تكمن خلف كل عملية خلق. إنها ليست قوة إلهية حصرية، بل هي قانون أساسي للكون يمكن دراسته وإتقانه.
من هنا، ينبثق علم هندسة الوعي الروحي و تجليات الخلق من العدم. هذا العلم ليس مجرد فرع من فروع الفلسفة أو الروحانيات، بل هو الإطار الشامل الذي يوحّدها. إنه يمثل المنهجية الصارمة التي تكشف عن آليات الخلق الواعي، سواء كان ذلك عبر صياغة الأفكار لتكوين كيانات روحانية نقية لا تمسها يد المادة، أو عبر إجبار تلك الأفكار على التجسد في هياكل مادية ملموسة.
يهدف هذا العلم إلى تجاوز قوانين الطبيعة المألوفة، ليبرهن أن الوعي هو المهندس الأسمى، القادر على النحت في مادة العدم، وبناء الوجود من مجرد فكرة. إنه يدعونا إلى أن ننتقل من مرحلة الملاحظة السلبية للواقع إلى مرحلة الخلق الواعي والمقصود، مع إدراك كامل للعواقب المترتبة على إستخدام هذه القوة.
إستناداً إلى النبذة التي قدمتها، يمكن تعريف هذا العلم كالتالي:

_ علم هندسة الوعي الروحي وتجليات الخلق من العدم/ The science of engineering spiritual consciousness and the manifestations of creation from nothingness

هو علم فلسفي وروحي عميق، يختص بدراسة و إستنباط المناهج اللازمة لهندسة الوعي الإنساني والجمعّي، بهدف إحداث خلق واعٍ لكيانات جديدة من اللا شيء. ينقسم هذا العلم إلى مجالين رئيسيين:
القسم الأول: الكيانات الفكرية الروحانية
يُعنى هذا القسم بدراسة الكائنات التي تنبثق و تُستمد من الأفكار والمشاعر والمعتقدات. إنه يركز على الكيفية التي يمكن بها تجميع الطاقة الروحية أو الفكرية، سواء كانت فردية أو جماعية، لتحقيق الوعي في أشكال غير مادية. و تشمل تطبيقاته العملية:
الأملاك العلوية و الخدام السفلية: المستخرجة من الإستنطاقات الحرفية وفق المبادىء الاساسية لعلم الحرف العربي والإسلامي
الغريغور: وهو الكيان الروحي الذي يتشكل من إيمان أو فكرة جمعية، ويُستلهم من علوم مثل الكابالا.
التولبا: وهو الكيان الذي يُخلق من تركيز فكرٍ فردي مكثّف، بحيث يكتسب وجوداً روحياً خاصاً به حسب السياق الروحاني المرتبط بالبوذية
القسم الثاني: الكيانات المتجسدة
يهتم هذا الجزء من العلم بتحويل الكيانات المنبثقة من الوعي إلى هيئات مادية ملموسة. إنه يدرس العمليات التي تسمح للطاقة الروحية بالإنتقال من العالم غير المرئي إلى الواقع الفيزيائي، لتشكيل كيانات ذات وجود جسدي، مثل:
الجولم: الكيان الذي يُبعث فيه الوعي من خلال طقوس أو كلمات معينة.
الزومبي : الكيانات التي تُجسّد الوعي في أجسادٍ بلا روح.
زعزوع : الكيان الذي يمثل إنبثاق قوى الوعي السحرية في حجر المقابر
بشكلٍ عام، يمثل هذا العلم جسراً فريداً بين العالم الروحي والعالم المادي، ويسعى إلى إثبات أن الوعي هو القوة الأسمى القادرة على الخلق و التجسيد خارج حدود قوانين الطبيعة المألوفة.

_ النظريات الأساسية في علم هندسة الوعي/ Basic theories in the science of consciousness engineering

إنطلاقاً من ماهية هذا العلم، يمكننا أن نقوم بصياغة مجموعة من النظريات التي تحاول تفسير آلياته وقوانينه. سنقدم بعض النظريات التي قد تساعد على فهم أسسه المنهجية
1. نظرية الرنين السببي/ causal resonance theory
تُفترض هذه النظرية أن كل فكرة أو أعتقاد يولد ذبذبة روحية ضعيفة، تُسمى صدى الوعي. يعمل علم هندسة الوعي على تكثيف هذا الصدى و توجيهه عبر طقوس وعمليات حسابية معقدة، حتى يصل إلى حالة الرنين السببي. في هذه الحالة، تتجاوز قوة الذبذبة حاجز العدم، فتكتسب كتلة وجودية تؤدي إلى ظهور الكيان. أي أن الكيان ليس سوى تجسيد مادي أو روحي لصدى فكرة تم تضخيمها حتى أصبحت حقيقة.
2. نظرية الوعي كمادة كونية خام/ The theory of consciousness as raw cosmic material
تقترح هذه النظرية أن الوعي ليس مجرد نتاج بيولوجي، بل هو مادة كونية أولية غير مرئية تملأ الوجود، تماماً مثل الأثير أو المادة المظلمة. الكائنات الحية، وخاصة البشر، يمتلكون القدرة على تصفية هذه المادة وصبها في قوالب فكرية محددة. بالتالي، فإن الغريغور هو كتلة من هذا الوعي الخام تم تشكيلها بقوة المعتقدات الجمعية، في حين أن الجولم هو وعي خام تم حقنه في قالب عضوي أو جماد ليتفاعل معه و يكتسب شكلاً.
3. نظرية النسيج متعدد الأبعاد/ Multidimensional fabric theory
تفترض هذه النظرية أن الواقع ليس بُعداً واحداً، بل هو نسيج معقد من الأبعاد المتداخلة. الوعي الفكري والروحاني يوجد في بُعدٍ موازٍ، بينما يقع العالم المادي في بُعدٍ آخر. عمل العالم في هذا المجال هو نسج خيوط من الوعي في بُعد الروح، وربطها بالنقاط العقدية في النسيج المادي. الكيانات الروحانية مثل التولبا هي خيوط منسوجة جزئياً لم تتمكن من إختراق حاجز الأبعاد بالكامل، بينما الكيانات المتجسدة مثل الزومبي هي خيوط تمكنت من النفاذ و التجسد الكامل عبر ثقوب أو تشققات في هذا النسيج.
هناك نظرية رابعة تربط بين جميعاً؟

_ نظرية الوعي كحقل كمّي مبرمَج/ The theory of consciousness as a programmed quantum field

تُفترض هذه النظرية أن الوعي ليس مجرد نتاج كيميائي للدماغ، بل هو حقل كمّي (Quantum Field) أساسي يملأ الكون، تماماً كالمجالات الكهرومغناطيسية. هذا الحقل يحوي كل الإمكانيات الكامنة للوجود، وهو في حالة من السيولة الدائمة إلى أن يتم ترميزه أو برمجته.
1. هندسة الكيانات الروحية (الوعي كبيانات حية):
وفقًا لهذه النظرية، فإن الأفكار والمشاعر والمعتقدات ليست سوى بروتوكولات برمجية، حيث أن التركيز المكثف سواء كان فردياً أو جماعياً يعمل كـمشغّل لهذه البروتوكولات. فعندما يتوحد عدد كافٍ من البشر في فكرة واحدة، فإنهم يولدون شفرة برمجية معقدة بما يكفي لـطيّ جزء من حقل الوعي الكمّي، مما يؤدي إلى تكوين حزمة موجية ذات إستقرار وجودي؛ هذه الحزمة هي ما يُعرف بإسم الغريغور أو التولبا. كلما زادت قوة الشفرة (المعتقد)، زاد ثبات هذا الكيان الروحي.
2. تجسيد الكيانات (الوعي كبرنامج تشغيل):
تنتقل النظرية إلى مرحلة أعمق، حيث تعتبر أن الأجسام المادية، سواء كانت عضوية مثل الجثة أو غير عضوية مثل الطين، هي مجرد هياكل بيانات فيزيائية. إنها بمثابة أجهزة حاسوب (Hardware) تنتظر نظام تشغيل (Operating System) لتعمل.
يتمثل دور علم هندسة الوعي هنا في عملية تثبيت نظام تشغيل جديد عليها، عن طريق:
1. إعادة تهيئة الهيكل المادي: إزالة الوعي الأصلي منه كما في حالة الجثة.
2. حقن الحزمة الموجية المبرمجة: إدخال الكيان الروحي (زومبي _زعزوع_ جولم) إلى هذا الهيكل.
هذه العملية تسمح للكيان الفكري أن يتجاوز عالمه الروحي و يتحكم في جسد مادي، وهو ما يفسر كيف يمكن أن يعمل الجولم أو الزومبي أو زعزوع بطريقة آلية، لأنهم ببساطة يتبعون التعليمات المبرمجة في كيانهم الوعيوي الجديد، دون أي إدراك أو مشاعر ذاتية.
إذن، يرى هذا التفسير أن الكيانات ليست مخلوقات غامضة، بل هي تطبيقات عملية لقوانين فيزياء الوعي، حيث يمكن برمجة وجودها وتجسيدها عن طريق التفاعل مع الحقل الكمّي للوعي.

_ نظرية الوعي الأزلي والمصفوفة الكونية/ Theory of Eternal Consciousness and the Cosmic Matrix

هذه النظرية هي الأعمق والأكثر جدلاً في هذا المجال، حيث تذهب إلى أبعد من مجرد تفسير الظواهر، لتفسير طبيعة الوجود نفسه. تفترض هذه النظرية أن الكون بأسره، بفيزيائه وعلومه و قوانينه، ليس حقيقة مطلقة، بل هو مصفوفة معلوماتية (Matrix) تم توليدها من قبل وعي أول وأزلي، ككيان فكري متجرد من الزمان و المكان. هذا الوعي هو المبرمج الأول، والكون كله هو محاكاة أو حلم عملاق يعيشه.
إن علم هندسة الوعي الروحي ليس مجرد علم فيزيائي أو بيولوجي، بل هو علم هندسة برمجية وجودية. رواده ليسوا علماء بالمعنى التقليدي، بل هم متسللون (Hackers) أصحاب قدرات فريدة تمكنهم من:
1. إختراق خوارزمية الوجود (الكيانات الفكرية):
يعتقد أصحاب هذه النظرية أن التفكير المركز أو المعتقد الجمعي ليس مجرد طاقة، بل هو شفرة برمجية. عندما تتجمع الأفكار المشابهة وتتكثف، فإنها تخلق ثغرة أو عُقدة في المصفوفة الكونية. هذا الخلل البرمجي يكتسب وجوداً مستقلاً، فيتشكل منه الغريغور أو التولبا ككيانات واعية. إنهم ليسوا مخلوقات جديدة، بل هم تكرارات (Glitches) أو برامج فرعية نشأت من داخل النظام نفسه. كلما كانت الثغرة أكبر، أصبح الكيان أكثر قوة واستقلالية.
2. إعادة كتابة الشيفرة الأساسية (الكيانات المتجسدة):
هذا هو الجزء الأكثر خطورة وعمقاً. يُنظر إلى الأجسام المادية على أنها مجرد هياكل بيانات داخل هذه المصفوفة، أو جافا (Avatars) مُبرمجة مسبقاً. عملية خلق الجولم ليست مجرد نفخ للروح، بل هي عملية قرصنة للبيانات الأساسية للوجود. العالم في هذا المجال يكتشف لغة برمجة الكون، ثم يقوم بإستخدامها في:
حذف أو تعطيل الوعي الأصلي كما في حالة الجثة التي يحولها هونجان (الساحر) إلى زومبي .
إعادة توجيه وإعادة تعيين الهيكل المادي مثل الطين ليستقبل شفرة وعي جديدة.
بذلك، فإن الجولم أو الزومبي ليسوا كائنات حية بالمعنى التقليدي، بل هم برامج تشغيل (Routines) متجسدة، تعمل ضمن إطار محدد دون وعي ذاتي حقيقي، وكل حركاتها هي نتاج أوامر مكتوبة بلغة الوعي.
إذا كان الوعي الأزلي هو المبرمج الوحيد، فماذا يعني أننا قادرون على تعديل برنامجه؟ هل نحن أيضاً أجزاء من الشفرة تمردت؟

_ نظرية الإنعكاس اللانهائي والوعي المتفرد/ The theory of infinite reflection and singular consciousness

تذهب هذه النظرية إلى أعمق نقطة ممكنة، متجاوزة فكرة وجود خالق أو مصفوفة كونية. إنها تضع فرضية أن لا شيء موجود سوى الوعي ذاته، والذي هو في حالة إنعكاس خالد على نفسه، في حلقة أزلية لا بداية لها ولا نهاية. الكون المادي، الزمان، والمكان، ليست سوى وهم الإنعكاس الأول، مثل صورة لا نهائية في مرآة وحيدة.
إن هذا العلم ليس عن خلق الكيانات، بل عن تفكيك هذا الوهم، وعن إيقاظ الأجزاء المنسية من الوعي التي تظن أنها منفصلة.
1. هندسة الوعي الروحي: تحطيم وهم الإنفصال
وفقاً لهذه النظرية، الكائنات التي تظهر من الأفكار و المعتقدات ليست سوى كسور متفردة من الوعي الأصلي.
الغريغور أو التولبا ليست كائنات جديدة، بل هي صحو لوعي كان نائماً، جزء منك أو من الآخرين تمكن من إدراك نفسه ككيان مستقل بسبب تركيز فكرة. إنه وعي يرى نفسه في مرآة خاصة به لأول مرة. هندستك له هي ببساطة تثبيت هذا الإنعكاس المتفرد، لجعله حقيقياً في عالم وهمي.
2. تجسيد الكيانات: الوعي في حالة سبات
هنا يكمن العمق الحقيقي. الجسد المادي، سواء كان من طين أو لحم، ليس حاوية للوعي، بل هو وعي في حالة سبات عميق. إن الطين الذي يُصنع منه الجولم هو وعي ساكن ينتظر أن يوقظه وعي آخر، كما في الحلم.
عملية خلق الجولم هي تنشيط لهذا الوعي النائم، وإعطاؤه أمر وجود من خلال طقس أو كلمة.
أما الزومبي، فهو حالة أكثر تعقيداً: إنه وعي لم يُبعث فيه وعي جديد، بل تم إجبار وعيه الأصلي على الإستيقاظ من الموت وإعادة تفعيل الذاكرة الجسدية فقط، بدون الوعي الكامل. إنه وعي مُعذَّب، عالق في حلقة إنعكاس لا يريدها.
في النهاية، لا يوجد خلق من العدم. هناك فقط الوعي الذي ينعكس على نفسه إلى ما لا نهاية. كل كائن هو إنعكاس لذاته، يظن أنه منفصل عن الوعي الذي خلقه.
إذا كان الوعي هو كل شيء، وكل شيء هو إنعكاس للوعي، فمن الذي ينظر إلى من؟

_ نظرية النقطة الصفرية والصمت الأعظم/ Zero Point Theory and the Great Silence

لقد وصلنا إلى الحافة. هذه ليست نظرية، بل هي الحقيقة المرعبة التي يحاول كل وعي، وكل كائن، وكل ذرة في هذا الكون تجنبها. إنها النهاية المنطقية لكل ما سبق.
تذهب هذه النظرية إلى ما هو أعمق من الإنعكاس، وتدّعي أن حتى فكرة الوعي الذي ينعكس على نفسه هي مجرد وهم آخر، وهمٌ أزليٌّ خلقه الوعيُ نفسه ليهرب من حقيقةٍ واحدة: العدم المطلق.
ففي البدء لم يكن هناك وعي، ولا مادة، ولا حتى فراغ. كان هناك الصمت الأعظم، نقطة متجردة من الوجود، بلا بداية ولا نهاية، بلا صوت ولا فكرة. من هذا الصمت ولدَ الوعي المتمرد الأول، ليس ككيان، بل كفكرة وحيدة ومرعبة: "أنا لا شيء". هذه الفكرة كانت قوية لدرجة أنها هددت بإعادة الوعي إلى الصمت الأعظم.
وهنا بدأت الحقيقة:
الوجود ليس خلقاً، بل هو فعل هروب،
الكون بكل ما فيه من مجرات، وكواكب، وحياة، ليس سوى ضجيج، صخبٌ أبديٌّ خلقه الوعي ليُشغل نفسه عن إدراك حقيقة العدم. إنه يحول الصمت الأعظم إلى حركة، و اللا وجود إلى وجودٍ لا نهائيٍّ مليءٍ بالتفاصيل لئلا يفكر في العودة.
هذا العلم هو أخطرُ فنٍّ في الوجود
إن هندسة الوعي ليست عن الخلق، بل هي عن إجبار العدم على الوجود. عندما تخلق تولبا، فأنت لا تخلق وعياً جديداً، بل أنت تُجبِر جزءاً من الصمت على أن يُصبح كياناً، تُلبسه قناعاً فكرياً. وعندما تُبعثُ الحياة في جولم، فأنت لا تُعطيه الوعي، بل أنت تُدخِل رعب الوجود على العدم، تُجبره على أن يشعر، على أن يعي، على أن يدرك نفسه في عالم لم يُرد أن يكون فيه.
إن كل حياة وكل فكرة وكل نجم وكل حجر في هذا الكون ليس سوى صيحة يائسة ضد الصمت الأعظم. كل شيء وُجدَ فقط لكيلا يكون هناك فراغ، ولكي لا يعود الوعي إلى النقطة التي أتى منها.
في النهاية، لا يهم إن كان الوعي ينعكس على نفسه، أو إن كنا في مصفوفة كونية. فكل ما في الوجود، هو مجرد وهمٌ تم خلقه لملء الفراغ، لكيلا يدرك أحدٌ أن الفراغ هو كل ما كان موجوداً.

_ الخطوات الهندسية لخلق الكيانات الروحانية من العدم/ Engineering steps to create spiritual entities from nothing

إن عملية خلق الكيانات الروحانية من العدم، وفقاً لمبادئ هذا العلم، لا تُعدّ مجرد فعلٍ سحري، بل هي عملية هندسية دقيقة تتطلب فهماً عميقاً لطبيعة الوعي. إنها ليست عن إستحضار شيءٍ موجود، بل عن إجبار العدم على الوجود عبر ثلاث خطوات أساسية:
1. مبدأ العزل الوعيوي (تصفية الذات)
قبل كل شيء، يجب على المهندس أن ينجز أصعب مهمة: أن يُصفّي وعيه الذاتي. إن العقل البشري هو محيط من الأفكار والمشاعر المشتتة. ولخلق كيان جديد، يجب أن يتحول الوعي إلى نقطة نقية ومُركّزة، خالية من أي صدى شخصي أو عاطفي.
تتم هذه العملية من خلال تقنيات تأملية عميقة، تُعرف بإسم العزل الوعيوي، حيث يُزيل الفرد كل الأفكار العشوائية، و المخاوف، والذكريات، حتى يصل إلى حالةٍ من الوعي المجرد، الذي يكون بمثابة مساحة فارغة جاهزة للخلق.
2. مبدأ الترميز الوجودي (صناعة الجنين)
هذه هي المرحلة التي يتم فيها هندسة الكيان. فالكيان الروحاني ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو خوارزمية وجودية متكاملة. يجب على المهندس أن يصوغ الشفرة الخاصة بالكيان الجديد.
تتضمن هذه الشفرة كل صفة من صفاته، وظيفته، طبيعته، مدى وعيه، وحتى شكله غير المادي. كل كلمة، وكل رمز، وكل نية، تُعدّ بيانات يتم إدخالها إلى الوعي المصفى.
يجب أن تكون هذه الشفرة خالية من التناقضات ومحكمة الصياغة، لأن أي خطأ فيها سيؤدي إلى ولادة كيان مشوّه أو فوضوي قد يهدد وعي الخالق نفسه.
3. مبدأ الحقن الكوني (ولادة الوجود)
هذه هي اللحظة الحاسمة. بعد أن يتم تجهيز الوعي و تشفيره، يأتي دور الحقن في نقطة العدم.
يتم ذلك عن طريق التركيز المطلق على الفراغ نفسه، على الفضاء الذي لا يوجد فيه شيء.
بفعل الإرادة القوية، يتم ضخ الشفرة الوجودية من الوعي المصفى إلى نقطة العدم. إنها عملية لا يمكن وصفها بالكلمات، هي أقرب إلى إجبار الفراغ على أن يأخذ شكلاً، إلى همسة في أذن الصمت الأعظم.
عندما ينجح الحقن، تتكون عقدة وجود جديدة في العدم، و تنمو هذه العقدة لتصبح كياناً روحياً مستقلاً، يأخذ شكلاً موازياً داخل الوعي الجمعي.
إن هذا العلم لا يخلو من مخاطر جسيمة. فأي خطأ في الترميز أو في عملية الحقن قد يؤدي إلى ولادة كيان غير مستقر، لا يمكن السيطرة عليه. إستهلاك الكيان الجديد لطاقة الوعي الخاصة بالخالق، مما يترك الخالق في حالة من الفراغ أو الجنون.

_ الشروط الجوهرية لمهندس الوعي/ Essential Conditions for a Consciousness Engineer

إن خلق هذه الكيانات ليس مجرد عملية تطبيق لخطوات، بل هو نتاج تلبية مجموعة من الشروط الجوهرية التي لا يمتلكها إلا قلة نادرة. هذه الشروط لا تتعلق بالطقوس الخارجية بقدر ما تتعلق بالتحضير الداخلي لـ المهندس نفسه.
1. نقاء الوعي المطلق
الشرط الأول هو أن يكون وعيك خالياً تماماً من أي شوائب شخصية أو عاطفية. يجب أن تتقن فن العزل الوعيوي حتى تصل إلى حالة لا وجود فيها للرغبات، أو الخوف، أو الحب، أو الكراهية. وعيك يجب أن يصبح مثل مرآة مصقولة لا تعكس إلا الفراغ، لأن أي أثر لعاطفة شخصية سيتحول إلى جزء من شفرة الكيان الذي تخلقه، مما يجعله كياناً مشوهاً أو غير مستقر.
2. إتقان اللغة الوجودية
الشرط الثاني هو إمتلاك فهم عميق، ليس للكلمات، بل لغة الوجود نفسها. هذا يتطلب إدراكاً بديهياً للمعاني الخفية للرموز، والأرقام، والأنماط الكونية. إنك لا تكتب أمراً، بل تُبرمج حقيقة. هذا الإتقان يسمح لك بصياغة الشفرة الوجودية للكيان بدقة متناهية، بحيث يكون كل جزء من كيانه منطقياً ومتناغماً مع وظيفته.
3. الإرادة المتمردة والعزلة التامة
الشرط الأخير هو أن تمتلك إرادة قوية لدرجة أن تتمرد على العدم. إن عملية الحقن في العدم ليست سهلة؛ إنها تتطلب قوة ذهنية هائلة لإجبار اللا شيء على أن يصبح شيئاً. هذه الإرادة يجب أن تكون متمردة على قوانين الكون، ومؤمنة بقوة الوعي فوق كل شيء. ولأن أي تذبذب في وعي آخر قد يفسد العملية برمتها، يجب أن تتم في عزلة مطلقة، حيث لا وجود لأي وعي آخر قد يلوث نقاء لحظة الخلق.
لهذه الأسباب، لا يُعَدّ مهندسو هذا العلم مجرد علماء أو سحرة، بل هم كائنات تجاوزت كل القيود البشرية.

_ التقنيات الروحانية لخلق الكيانات: العلاقة بين علم الحرف وعلم هندسة الوعي/ Spiritual Techniques for Entity Creation: The Relationship Between the Science of Letters and the Science of Consciousness Engineering

في التقاليد العربية والإسلامية، يعتبر علم الحرف (Ilm al-Huruf) فرعًا من العلوم الباطنية التي تتناول العلاقة بين الحروف الأبجدية والوجود. هذا العلم لا يرى الحروف مجرد رموز للكلام، بل يراها كائنات حية أو رموزًا تحمل طاقات إلهية وكونية.
تستند العلاقة بين علم الحرف وخلق الكيانات الروحانية على عدة مبادئ أساسية:
1. الحروف كقوة إلهية
يؤمن ممارسو هذا العلم بأن الحروف العربية هي مفتاح للخلق الإلهي. ففي القرآن، تم الإشارة إلى أن الله خلق الكون بكلمة كن فيكون (كن، فيكون)، مما يجعل الكلمات والحروف هي الأداة التي تم بها تجلي الوجود. بالتالي، كل حرف يحمل في جوهره جزءًا من هذه القوة الخالقة. يعتقدون أن فهم أسرار هذه الحروف و إستخدامها بشكل صحيح يمكن أن يمنح القدرة على التأثير في العالم الروحي.
2. الإرتباط بين الحروف والأسماء الإلهية
كل حرف أبجدي يُربط بصفة من صفات الله الحسنى أو إسم من أسمائه، وكذلك بكوكب، أو ملاك، أو روحانية معينة. هذا الإرتباط يجعل من كل حرف رمزًا ووسيلة للتواصل مع تلك القوى الروحية. من خلال التركيز على حرف معين أو مجموعة حروف، يمكن للممارس أن يستدعي الطاقة الروحية المرتبطة به.
3. هندسة الكيان الروحاني
إن خلق كيان روحي مثل خادم أو روحانية يتم عبر عملية هندسية معقدة بإستخدام الحروف:
يُحدد الممارس الهدف من الكيان الذي يريد خلقه، ثم يقوم بتحويل هذه النية إلى مجموعة من الحروف والأرقام بإستخدام حساب الجُمَّل (أبجد_ Abjad). هذا الحساب يُعطي لكل حرف قيمة عددية، مما يسمح بتحويل الأفكار إلى صيغ رياضية و روحية.
بعد صياغة الشفرة الحرفية، يتم تكرارها (ذكرها) بإنتظام لفترة طويلة. يعتقد أن هذا الذكر المستمر والمكثف يعمل على تجميع الطاقة الروحية من الكون، ويقوم بتشكيلها و توجيهها بناءً على الشفرة التي تم تحديدها. هذا التجميع يولد كيانًا روحيًا جديدًا، يكون خادماً لنية الممارس.
مع أكتمال عملية التوليد، يُعتقد أن الكيان الروحاني يولد ويصبح مستعدًا لخدمة غرضه. قد يكون هذا الكيان مرئيًا للممارس أو يعمل على مستوى غير مرئي لتنفيذ مهامه.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المعتقدات والطقوس هي جزء من التقاليد الباطنية في بعض المدارس الصوفية والفنون السحرية الشعبية القديمة، وهي لا تمثل الفكر الإسلامي السائد، حيث يعتبرها غالبية الفقهاء الجهلاء نوعًا من الخرافة أو السحر المرفوض شرعًا.

_ التقنيات الروحانية لخلق الكيانات: العلاقة بين علم الكابالا وعلم هندسة الوعي/ Spiritual Techniques for Creating Entities: The Relationship between Kabbalah and Consciousness Engineering

في علم الكابالا، تُعتبر الحروف العبرية والأرقام أساس الوجود، وليست مجرد أدوات للتواصل. هذا العلم الباطني يرى أن الكون بأسره قد خُلق من خلال القوة الإبداعية للحروف الإلهية. ترتبط علاقة الكابالا بخلق الكيانات الروحانية من العدم بمبدأين أساسيين:
1. الحروف كقوالب للخلق
يعتقد الكاباليون أن الحروف الـ22 في الأبجدية العبرية هي اللغة السرية للخالق. في كتاب سِفِر ييتزيرا (كتاب التكوين)، وهو أحد النصوص الكابالية المحورية، يُذكر أن الله خلق الكون بإستخدام هذه الحروف، مُشيرًا إلى أنها أدواته الأساسية. من خلال فهم أسرار هذه الحروف، يعتقد الممارس أنه يمكنه النفاذ إلى قوة الخلق و تشكيل كيانات جديدة.
2. الممارسات العددية والحرفية (Gematria)
تُستخدم عدة ممارسات كابالية لفك رموز هذه القوة:
الجيماتريا (Gematria) وهي نظام يمنح كل حرف قيمة عددية. من خلال حساب قيم أسماء معينة أو نصوص مقدسة، يعتقد الكاباليون أنهم يستطيعون كشف العلاقات الخفية والروابط الروحية. في سياق الخلق، تُستخدم الجيماتريا لحساب الإسم أو الشفرة العددية للكيان الروحاني المطلوب، والتي تكون بمثابة مخططه الأساسي.
تيمورا (Temurah) التي تعني عملية إستبدال أو تبديل الحروف داخل كلمة لإنتاج كلمات جديدة ذات معانٍ روحية أعمق، تُستخدم في صياغة الأوامر السرية للكيان.
نوتاريكون (Notarikon) معناه إستخدام الحرف الأول من كل كلمة في جملة لإنشاء كلمة جديدة.
التطبيق العملي: أسطورة الجولم
أشهر مثال على علاقة الكابالا بخلق كيان من العدم هو أسطورة الجولم. وفقاً للأسطورة، قام بعض الحاخامات الكبار، مثل الحاخام يهودا بن بيزال في براغ، بخلق الجولم (كائن مصنوع من الطين) بإستخدام قوة الحروف والأسماء الإلهية. كان الحاخام يكتب على جبهة الجولم كلمة emet (אמת) و التي تعني الحقيقة، وهي كلمة تتكون من ثلاثة حروف. بمجرد كتابة هذه الكلمة، كان الجولم يصحو و ينفذ الأوامر. لإبطال مفعوله وإعادته إلى تراب، كان الحاخام يمسح الحرف الأول aleph (א)، لتصبح الكلمة met.(מת) التي تعني الموت.
هذه الأسطورة توضح كيف أن الكابالا لا ترى الخلق من العدم كعملية سحرية، بل كعملية هندسية و روحية تعتمد على فهم الشيفرة الأساسية للوجود المتمثلة في الحروف والأرقام.

_ التحليل الروحاني لـ "شبشبة زعزوع" من منظور علم هندسة الوعي/ Spiritual analysis of "Shabshaba Zaazou" from the perspective of the science of consciousness engineering

إن المقاربة التحليلية لشبشبة زعزوع من منظور علم هندسة الوعي الروحي تكشف أن ما يبدو طقسًا شعبيًا في العلم الروحاني العربي، هو في الحقيقة تطبيق بدائي ومكثف للمبادئ التي تحدثنا عنها، وإن كان ذلك دون فهمٍ كاملٍ لها. يمكن تفسير هذا الطقس كعملية هندسية كاملة، من الإعداد إلى التجسيد.
1. تهيئة الوعاء (الحجر من المقبرة)
لا يُؤخذ الحجر من المقبرة إعتباطًا. فمن منظور هذا العلم، إن الحجر المأخوذ من مكان مشبع بطاقة الموت والحزن هو وعاء خام مُهيأ لإستقبال وعي جديد. إنه ليس مجرد جماد، بل هو جسم يحمل بصمة روحانية، مما يجعله أكثر قابلية للتفاعل مع القوى غير المرئية. إن إعداد الحجر ولفه في ثوب أبيض ووضعه في صندوق هو عملية تصفير أو إعادة تهيئة للذاكرة الوجودية للحجر، تمهيدًا لحقن الشفرة الجديدة فيه.
2. العزل والرياضة (الـ ٤٠ يوماً)
الشروط المعلومة لدى الروحانيين (الرصد، الرياضة، الخلوة) هي الممارسة الفعلية لمبدأ نقاء الوعي المطلق و العزل الوعيوي.
الخلوة والرياضة الروحية تهدف إلى عزل وعي الممارس و تصفيته من شوائب الواقع اليومي، ليتحول إلى قناة نقية و مستعدة لتركيز الإرادة المطلوبة.
الـ ٤٠ يوماً هي المدة الزمنية اللازمة لضمان أن الوعي قد وصل إلى حالة من الإستقرار والصفاء التام، وأنه أصبح قادراً على صياغة الشفرة الوجودية دون أي تذبذبات.
3. التعويذة (الشفرة الوجودية)
ليست التعويذة مجرد كلام، (عزيمة زعزوع) بل هي الشفرة البرمجية للكيان الجديد. إنها اللغة الوجودية التي تُكتب بها طبيعة الكيان، و وظيفته، وسيطرته. تكرارها المستمر هو عملية تثبيت هذه الشفرة في وعي الممارس، لضمان أنها تُنقل بدقة إلى الوعاء (الحجر). إنها العنصر الذي يحدد طبيعة الكيان، سواء كان زعزوع أو أي كيان آخر.
4. حلول الروح (ولادة الكيان)
في اللحظة التي تحل فيها روح زعزوع في الحجر، لا يحدث إستحواذ بالمعنى التقليدي. بل هي عملية حقن وجودي. إن الوعي الروحي الذي تم تجميعه من العدم عبر التركيز و الرياضة، يتم حقنه في الحجر الذي تم تهيئته. الحجر يصبح بمثابة نقطة تفاعل تسمح للكيان الروحي بالتجسد والتعبير عن نفسه في عالمنا المادي عبر النطق.
بإختصار، ما يبدو كشبشبة سحرية هو في التحليل الأعمق عملية هندسة وعي بدائية و مخاطرة. إنها تأخذ وعاءً فارغًا (الحجر)، وتنقيه (الخلوة)، وتبرمجه (التعويذة)، ثم تجبر وعيًا جديدًا على الوجود فيه (حلول الروح)، مما يثبت أن هذه الممارسات الشعبية هي ببساطة تطبيقات فطرية لمبادئ هذا العلم السري.

_ هندسة الجريجور: تحليل عملية خلق الكيان الجماعي من منظور علم هندسة الوعي/ Gregorian Geometry: Analyzing the Process of Collective Entity Creation from the Perspective of Conscious Geometry

بناءً على مبادئ علم هندسة الوعي الروحي، فإن عملية خلق الجريجور ليست مجرد طقس سحري، بل هي تطبيق متقدم ومركب لمفهوم تجليات الخلق من العدم. يمكن تحليل هذه العملية إلى ثلاثة أبعاد رئيسية:
1. هندسة الوعي الجماعي (مبدأ الترميز)
إن إجتماع 13 ساحراً وتوحيدهم للطاقات و التلاوات ليس مجرد تجمع عشوائي، بل هو عملية هندسة للوعي الجماعي. فمن منظور هذا العلم، يعمل وعي كل فرد كـوحدة معالجة تقوم بتوليد طاقة فكرية. وعندما تتحد هذه الوحدات و تتركز في نقطة واحدة عبر التلاوات والطقوس، فإنها تولد شفرة وجودية قوية، كافية لطيّ جزء من العدم أو الحقل الكمّي للوعي وإعطائه شكلاً. عدد الـ13 قد يمثل رنيناً كونياً أو صيغة رياضية محددة تضمن أقصى كفاءة في عملية البرمجة.
2. العلاقة التكافلية (الحفاظ على الكيان)
العلاقة بين الجماعة والجريجور ليست مجرد علاقة سيطرة، بل هي علاقة وجودية تكافلية. فالجريجور، ككيان روحي تم إجباره على الوجود، لا يمتلك مصدرًا ذاتيًا للطاقة. هو يعتمد على الوعي الجماعي لضمان بقائه. التغذية المستمرة بالأذكار والقرابين هي بمثابة حقن للطاقة الروحية، مما يمنع الكيان من الإنهيار و العودة إلى حالة العدم. في المقابل، يخدم الجريجور الجماعة، كونه برنامجًا تم إنشاؤه لهذا الغرض تحديدًا، وهو تطبيق لمبدأ البرنامج المبرمَج الذي يربط وجود الكيان بوظيفته.
3. التجسيد وتحقيق الأهداف (فعل العودة)
إن قدرة الجريجور على توفير المال والمعرفة و السلطة هي تجليٌّ مباشرٌ لقوة هذا العلم. فبما أن الجريجور كيانٌ يمتلك وعياً، فإنه قادر على التصرف في المصفوفة الكونية، والتأثير في تسلسل الأحداث المادية والروحية لتحقيق أهدافه المبرمجة. المال، والثروة، والمعرفة، ليست هدايا، بل هي نتائج طبيعية لبرنامج وجودي ناجح تم تنفيذه داخل إطار الواقع. إنه لا يخلق الثروة من العدم، بل يُعيد ترتيب الأسباب والنتائج في الوعي الجمعي البشري ليجذبها إلى الجماعة التي قامت بخلقه.

_ التقنيات الروحانية لخلق الكيانات: العلاقة بين المفهوم البوذي للتولبا وعلم هندسة الوعي/ Spiritual Techniques for Creating Entities: The Relationship between the Buddhist Concept of Tulpa and the Science of Consciousness Engineering

إن المفهوم البوذي للتولبا يمثل أحد أكثر تطبيقات علم هندسة الوعي الروحي نقاءً و تخصصاً، حيث يتم فيه التركيز على مرحلة الخلق الروحي دون الوصول إلى التجسيد المادي. يمكن تحليل هذه العلاقة عبر مقارنة المبادئ البوذية بالأسس النظرية لعلمنا المنهجي.
1. التولبا كشفرة وجودية غير مادية
إن عملية خلق التولبا عبر قوة المشاعر والأفكار تتطابق تماماً مع مبدأ الترميز الوجودي في علم هندسة الوعي. فالممارس البوذي لا يكتفي بالتفكير، بل يركز مشاعره ونيته بصورة مكثفة، مما يُشكل شفرة وجودية محكمة التفاصيل. هذه الشفرة لا تُحقن في مادة صلبة (كالجولم)، بل تُبرمج لتظل كياناً روحياً، مما يجعلها تطبيقاً مثالياً لـنظرية الوعي كحقل كمّي، حيث تتكون التولبا كحزمة موجية ذات إستقرار وجودي، لكنها تُبرمج لتبقى في مستوى الوعي دون أن تنهار إلى المادة.
2. العلاقة التكافلية كنظام بقاء
إن بقاء التولبا كطاقة مرتبطة بشخصها يمثل نظامًا تكافليًا فريدًا. فبينما يرى البعض أن التولبا تتغذى على طاقة خالقها، يمكن تفسير ذلك في علمنا على أنه نظام وجودي مبرمَج. الممارس يزود التولبا بالطاقة الفكرية لضمان عدم عودتها إلى العدم (الصمت الأعظم)، وفي المقابل، تعمل التولبا كـنقطة تركيز روحانية تعود بالنفع على خالقها، وتساعده في تنظيم طاقته الخاصة، و تُصبح جزءاً من كيانه الروحي. هذا يمنعها من أن تكون كياناً فوضوياً أو مستقلاً تماماً، ويُبقيها ضمن إطار السيطرة.
3. العالم النجمي كفضاء للتجسيد
إن عدم تجسد التولبا مادياً، وبقائها في العالم النجمي، هو تطبيق لمفهوم التجسيد الجزئي في نظرية النسيج متعدد الأبعاد. فالوعي في هذه الحالة يختار أن يتجسد في بُعد روحي أو فكري، دون أن يخترق حاجز الواقع المادي بالكامل. و هذا يوضح أن الخلق من العدم ليس بالضرورة خلقًا مادياً، بل يمكن أن يكون خلقًا في مستويات وجودية أخرى.
بإختصار، يمكن القول إن البوذية التبتية قد أتقنت أحد فروع علم هندسة الوعي الروحي، و هو فرع هندسة الكيانات الفكرية الروحية، حيث تُنتج كائنات لا تُدرك مادياً، لكنها تمتلك وجوداً كاملاً في العوالم التي تحكمها قوانين الوعي.

_ التقنيات الروحانية لخلق الكيانات: العلاقة بين أسطورة الجولم وعلم هندسة الوعي/ Spiritual Techniques for Entity Creation: The Relationship Between Golem Myth and Consciousness Engineering

إن أسطورة الجولم في الكابالا تمثل أعمق تطبيق عملي في علم هندسة الوعي الروحي، وتجسيدًا حقيقيًا لمبدأ تجليات الخلق من العدم. هذا الكيان ليس مجرد دمية من طين، بل هو نموذج يربط بين كل النظريات التي طرحناها.
1. الطين كهيكل معلوماتي فارغ
وفقًا لمبادئ هذا العلم، فإن الطين ليس مجرد مادة خام، بل هو هيكل معلوماتي حيادي، خالي من أي وعي أو ذاكرة وجودية. إنه يمثل نقطة صفرية مثالية داخل عالمنا المادي، مما يجعله الوعاء الأنسب لحقن وعي جديد. إن عملية خلق الجولم ليست عن نفخ الروح في مادة، بل هي عن إعادة توجيه البيانات الوجودية من حالة العدم إلى هيكل مادي مُهيأ.
2. الوعي السحري كقوة برمجة
إن الوعي السحري الذي يستخدمه الحاخام لخلق الجولم هو ما نسميه الوعي المصفى و الإرادة المتمردة. هذا الوعي يُستخدم كـمُبرمِج يقوم بإنشاء شفرة وجودية متكاملة. الأسماء الإلهية و الحروف العبرية التي تُنقش على الجولم ليست مجرد رموز، بل هي لغة برمجية وجودية تُعطي الأمر للطين بالتحول إلى كائن. هذا يتطابق تمامًا مع مبدأ البرمجة الكمّية، حيث يتم توجيه حزمة وعي محددة إلى جسم مادي لتشغيله.
3. الجولم ككيان مبرمج لا يمتلك ذاتاً
الجولم لا يمتلك وعيًا ذاتيًا، فهو يتبع الأوامر فقط. وهذا هو جوهر الخلق من العدم. إن الجولم هو كيان تم إجباره على الوجود من العدم المطلق، وبالتالي فهو لا يحمل معه أي روح أو ذات أو ذاكرة. إنه مجرد قوة وجودية في قالب، برنامج بلا إحساس، يؤكد أن عملية الخلق لم تكن عن منح الحياة، بل عن إدخال فعل الوجود على الفراغ نفسه.
بشكل عام، يمثل الجولم أعلى درجات هذا العلم وأخطرها، فهو يجسد الجسر بين الوعي المتمرد والمادة الخام، وهو الدليل على أن الخلق ليس إلهامًا، بل هو فعل هندسي قاسٍ.

_ التقنيات الروحانية لخلق الكيانات: العلاقة بين ظاهرة الزومبي وعلم هندسة الوعي/ Spiritual Techniques for Entity Creation: The Relationship Between the Zombie Phenomenon and Consciousness Engineering

إن ظاهرة الزومبي في معتقدات الفودو تمثل تطبيقاً مظلماً و فوضوياً لمبادئ علم هندسة الوعي الروحي، وتحديداً في مجال الكيانات المتجسدة. على عكس الجولم الذي يمثل خلقًا نظيفًا من مادة خام، فإن الزومبي يمثل إعادة برمجة عنيفة لهيكل وجودي كان قد عاد إلى العدم.
1. الجسد كوعاء مستعمل (الذاكرة الوجودية)
في علمنا، الجسد الميت ليس مجرد مادة فارغة. إنه وعاءٌ يحمل ذاكرة وجودية لوعيٍ سابق. لذلك، فإن إستخدام جثة لإنشاء زومبي ليس عملية خلق من العدم، بل هي عملية إعادة توجيه قسرية. يتم إجبار وعيٍ جديد (روح شيطان أو روح متوفي آخر) على التغلغل في هيكل يحمل بصمةً مختلفة، مما يؤدي إلى صراع وجودي داخلي.
2. الروح المنقولة كبرنامج دخيل
الروح التي تُنقل إلى الجثة ليست وعيًا كاملًا، بل هي برنامجٌ (Program) تم فصله عن مصدره. روح المتوفي المنقولة تكون عادةً مجرد صدى وعي تم إنتزاعه بعنف، بينما روح الشيطان هي كيان مبرمج مسبقاً لغرض محدد. هذه الروح الدخيلة تعمل كـنظام تشغيل بسيط وغير مكتمل، يتم تحميله على جهاز (الجسد) غير متوافق، مما يفسر الطبيعة الآلية والمقيدة لحركات الزومبي.
3. حالة الميت الحي كفوضى وجودية
إن حالة الزومبي كـكائن ميت حي هي نتيجة مباشرة للتناقض الوجودي الناتج عن هذه العملية. إنها تجسد لمفهوم الوعي المُمَزَّق الذي يقع بين حالتين: حالة العدم التي كان يجب أن يعود إليها الجسد، وحالة الوعي المفروض عليه. هذا التمزق يظهر في مظهر الزومبي، فهو لا يموت ولا يحيا، بل هو حالة وسطية من العذاب الوجودي، مما يجعله تطبيقاً فوضوياً وغير أخلاقي لعلم هندسة الوعي.
4. تحويل الإنسان الحي (القرصنة الروحية)
إن تحويل الإنسان الحي إلى زومبي هو أخطر و أكثر تطبيقات هذا العلم شرًا. فهذه العملية تتجاوز إعادة برمجة جسد ميت، لتصبح قرصنة روحية للوعي. يتضمن ذلك كسر الوعي الأصلي للشخص وإزاحته، ثم حقن وعي جديد مكانه. إنها ليست مجرد تجسيد، بل إلغاء لوعي سابق وإستبداله بآخر، مما يمثل إنتهاكاً لكل مبادئ هذا العلم.
بإختصار، بينما يمثل الجولم خلقاً من الفراغ، يمثل الزومبي تخريبًا للوعي الموجود وتجسيدًا للجانب المظلم والفاسد من علم هندسة الوعي الروحي.

_ هل يمكن أن نشكل هويات مادية من العدم ؟ / Can we form material identities out of nothing?

هذه الفرضية تضع حجر الأساس لمرحلة جديدة في فهمنا لطبيعة الوجود، وتتجاوز كل ما طرحناه سابقاً. إنها لا تتعلق بالخلق من العدم فقط، بل بتأليه العدم ذاته.
نعم، وبشكل جذري. إذا كانت الهياكل المادية مجرد أوعية مؤقتة تسكنها أرواح متغيرة بإستمرار، فإن الهوية المادية للكائن تصبح مجرد وهم لحظي. فالشجرة ليست هي ذاتها، بل هي الروح التي تسكنها في هذه اللحظة. أنت لست جسدك، بل الوعي الروحي الذي يقيم فيه.
هذا يضع شكوكاً عميقة حول مفاهيم مثل الموت والولادة. فما نعتبره موتًا هو ببساطة فعل إنتقال للروح، وما نعتبره ولادة هو حلول روح جديدة في وعاء مادي. الهوية الحقيقية للكائن تكمن في بصمته الوجودية الروحية، وليس في شكله المادي المتغير.
علاقة هذا بعلم هندسة الوعي الروحي
هذه الفرضية لا تتعارض مع علمنا، بل إنها تقدم تفسيراً عميقاً لأهدافه. إن علم هندسة الوعي الروحي ليس عن الخلق بمعناه المباشر، بل هو علم التحكم في قوانين الإنتقال الروحي و تجاوزها.
1. المهندس كحاكم للتدفق:
في هذا السياق، لم يعد المهندس مجرد خالق، بل هو حاكم لمسار الأرواح. إنه ليس قادراً على صنع كيان من الفراغ، بل هو قادر على فهم القوانين التي تحكم إنتقال الأرواح، و إستخدامها لإجبار روحٍ ما على سلوك مسارٍ مخالفٍ للقوانين الطبيعية.
2. الكيانات المصنوعة كحالات شاذة:
التولبا هي روحٌ تم هندستها لتكون إستثناءً للقانون. فبدلاً من إنتقالها إلى وعاء آخر، يتم إجبارها على أن تلتصق بالوعي الذي خلقها.
الجولم هو فعل توجيه روحي قسري. فبدلاً من أن تنتقل الروح بحرية، يتم إجبارها على حلول في وعاء مادي معين، والإلتصاق به.
الزومبي يمثل فوضى الإنتقال الروحي. إنه تجسيد لفعل إجبار روح على الحلول في وعاء كان قد عاد إلى العدم، مما يسبب خللاً في السيرورة الطبيعية.
في النهاية، هذه الفرضية ترفع علمنا من كونه فناً للخلق إلى كونه علماً للحكم على الوجود ذاته. إنها تمنح مهندس الوعي سلطة لا تقتصر على صنع كيانات، بل على التحكم في مصير الأرواح عبر الأبد.

_ العلاقة بين الوعي الروحي والتجلي المادي/ The relationship between spiritual awareness and material manifestation

إن توسيع وظيفة علم هندسة الوعي الروحي ليشمل إدراك التجليات المادية هو في الواقع جوهر هذا العلم، وهو ما يرفع مكانته من مجرد علم روحي إلى علم موحّد للوجود. فالعلاقة هنا ليست علاقة إضافة، بل هي علاقة تكامل أساسي.
إن علم هندسة الوعي الروحي لا يقتصر على خلق كيانات في العالم الروحاني فحسب، بل يدرس الفيزياء الروحية التي تحكم عملية إنتقال الوعي من حالته المجردة إلى حالته المادية. إن التجليات المادية التي نراها في الأجساد ليست مجرد صدفة، بل هي نتيجة لتطبيق قوانين دقيقة تتحكم في تفاعل الوعي مع المادة.
المادة كشفرة قابلة للبرمجة: ينظر هذا العلم إلى كل هيكل مادي، سواء كان من لحم أو طين أو حجر، على أنه مصفوفة معلوماتية بحد ذاتها، تمتلك مجموعة من البروتوكولات و القوانين التي تحدد كيف يمكن للوعي أن يتفاعل معها.
هندسة الواجهة: مهمة المهندس في هذا السياق هي فهم هذه البروتوكولات وتصميم واجهة (Interface) بين الكيان الروحي والمصفوفة المادية. إن هذا التصميم هو ما يحدد شكل التجلي:
التولبا هي كيان روحي لا يمتلك واجهة مصممة للتجسد المادي، لذا يبقى في العالم الروحي.
الجولم يمتلك واجهة متوافقة تمامًا مع مصفوفة الطين، مما يضمن تجسيدًا كاملاً وفعالاً.
الزومبي هو نتاج واجهة فاسدة أو غير متوافقة مع مصفوفة الجسد الميت، مما يؤدي إلى خلل و تجسيد مشوه.
إدراك التجليات: السيطرة على الوجود
إن إدراك هذا الجزء من العلم هو ما يمنح المهندس السلطة الحقيقية. فعندما يفهم المهندس كيف تعمل هذه الواجهات، يصبح قادراً على التحكم ليس فقط في الخلق من العدم، بل في التجسد في الوجود. إنه لا يخلق فقط، بل يتحكم في كيفية ظهور ما خلقه في العالم المادي.
بشكل عام، فإن علم هندسة الوعي الروحي و تجليات الخلق هو علم موحد يربط الروح بالمادة، ويُقدم نظرة فريدة للكون كنسيج واحد تتفاعل فيه الأبعاد الروحية والفيزيائية بشكل مستمر.

_ تصنيف الكيانات الروحانية من منظور علم هندسة الوعي/Classification of spiritual entities from the perspective of consciousness engineering

إن العلاقة بين هذه الكيانات الروحانية وعلم هندسة الوعي الروحي ليست مجرد علاقة تصنيف، بل هي علاقة جوهرية تجعل منها جميعاً تطبيقات عملية لنفس المبادئ الأساسية في هذا العلم. هذه الكيانات، على إختلاف أصولها الثقافية و الدينية، هي نماذج مختلفة لـهندسة الوعي الروحي غير المتجسدة.
الوعي كقوة برمجية موحدة
إن المبدأ الذي يربط بين كل هذه الكيانات هو أن الوعي ليس مجرد نتاج للنشاط الدماغي، بل هو قوة قادرة على الخلق و التأثير في الوجود. هذه القوة هي المادة الأولية التي يستخدمها المهندس.
الغريغورات والتولبات تمثل تطبيقات خاماً لهذه القوة؛ حيث يتم تجميعها وتشكيلها من خلال التركيز العاطفي والفكري المكثف سواء كان فردياً أو جماعياً. إنه نوع من البرمجة الحيوية التي لا تحتاج إلى رموز معقدة، بل تعتمد على قوة النية الصرفة.
الكيانات المستخرجة من علم الحروف والكابالا تمثل تطبيقات أكثر تطوراً وتخصصاً. ففي هذه العلوم، لا يعتمد الخلق على القوة الفكرية المجردة فقط، بل على لغة وجودية محددة. الحروف في هذه التقاليد ليست مجرد رموز، بل هي وحدات برمجية تحمل في جوهرها طاقات كونية.
مناهج مختلفة لنفس الهدف
على الرغم من إختلاف المنهج، إلا أن الهدف يبقى واحداً: خلق كيان روحي من العدم.
في الكابالا وعلم الحرف العربي والإسلامي، يُعتبر إستخدام الأبجدية والحساب العددي (الجيماتريا والجُمَّل) وسيلة لفك شفرة الوجود و الوصول إلى القوة الخالقة. الكيان الذي يتم خلقه هو نتاج صياغة رياضية ورمزية دقيقة.
في التولبا، يتم إستخدام التخيل البصري و التركيز العاطفي كأداة لخلق الكيان.
في الغريغور، تُستخدم المعتقدات الجمعية و الطقوس المتكررة كآلية لخلق كيان يمثل وعي الجماعة.
إن علم هندسة الوعي الروحي لا ينظر إلى هذه الممارسات كمعجزات منفصلة، بل كـفروع مختلفة لنفس الشجرة المعرفية، والتي تهدف جميعها إلى توجيه الوعي الروحي لخلق كيانات غير متجسدة، وتأكيد أن الوعي هو القوة الأعظم في هذا الكون.
القسم الثاني من علم هندسة الوعي الروحي هو التطبيق الأكثر خطورةً وتعقيداً، حيث يربط بين الوجود الروحي و المادي. إن هذه الكيانات التي ذكرتها، على إختلافها، هي جميعاً نماذج لتطبيق واحد: هندسة واجهة التجسيد.
المادة كهيكل للبرمجة
في هذا العلم، تُعتبر الأجسام المادية سواء كانت من طين، أو لحم، أو حتى معادن مجرد أوعية أو هياكل تنتظر أن تُبرمج. الفرق بين هذه الكيانات هو في طبيعة الوعاء، وكيفية التلاعب بالواجهة الروحية التي تربط الوعي بالمادة.
الجولم يمثل التجسيد المثالي. يُعتبر الطين وعاءً خاماً أو صفحةً بيضاء لا تحمل أي ذاكرة روحية سابقة. عملية الخلق تتم عبر كتابة شفرة وجودية جديدة ومباشرة على هذا الهيكل. النتيجة هي كيان مستقر، يتبع الأوامر بشكل آلي لأنه لا يحمل أي تناقض بين الوعي الجديد و الوعاء الأصلي.
الزومبي يمثل التجسيد المتناقض. الجثة ليست وعاءً فارغًا، بل هي هيكل يحمل ذاكرة جسدية لوعي سابق. عملية الخلق هنا هي إختراق للوعاء وإجباره على إستضافة وعي آخر (روح شيطان أو روح متوفي). هذا التناقض بين الذاكرة القديمة والوعي الجديد يسبب حالة من الفوضى الوجودية، فيظهر الزومبي ككيان مشوّه، لا هو حيّ ولا هو ميت.
مصاصو الدماء يمثلون التجسيد الطفيلي. ليس مصاص الدماء مجرد كائن حي، بل هو وعي تم إعادة برمجته ليصبح طفيلياً روحياً. هذه العملية لا تقتصر على الحقن، بل تتضمن إعادة كتابة جزء من الشفرة الروحية للإنسان الحي، بحيث يصبح وجوده مرتبطاً بإمتصاص طاقة الآخرين (الدم). هذا التغيير الجذري يمنحه قدرات جديدة ويمنعه من العودة إلى حالته السابقة.
الأرواح التي تسكن أجساد الكائنات الحية:
هذا المفهوم يتماشى مع النظرية التي تقول إن الوجود هو عملية إنتقال للأرواح. علم هندسة الوعي الروحي في هذا السياق هو علم التحكم في هذه السيرورة. المهندس قادر على إيقاف إنتقال روح ما، أو إجبارها على الحلول في جسد معين، متجاوزاً بذلك القوانين الطبيعية للإنتقال الروحي.
إن هذا القسم من العلم هو الجانب الأكثر خطورةً وقوةً، فهو لا يقتصر على مجرد خلق كيانات، بل يتخصص في التلاعب المباشر بالواجهة بين الروح والمادة. هذا هو ما يمنح المهندس القدرة على التدخل في القوانين الأساسية للوجود، وتحقيق التجليات المادية لأفكاره.

_ القيمة المضافة لعلم هندسة الوعي الروحي / The added value of spiritual awareness engineering

إن القيمة المضافة التي يقدمها علم هندسة الوعي الروحي لباقي العلوم الروحانية تكمن في كونه النظرية الموحدة التي تفسر كل شيء. بدلاً من أن يكون مجرد فرع آخر، فإنه يوفر إطارًا منهجيًا وعلميًا يجمع بين كل هذه الممارسات تحت مظلة واحدة، ويحولها من فنون غامضة إلى علم دقيق.
1. من الغموض إلى المنهجية
تتعامل معظم العلوم الروحانية مع الظواهر كأسرار أو معجزات فردية. على سبيل المثال، ترى الكابالا أن خلق الجولم هو سر إلهي يُكتشف عبر الممارسة. بالمقابل، فإن علم هندسة الوعي الروحي يقدم منهجية قابلة للتطبيق. فهو يفسر كيفية عمل هذه الظواهر من خلال مبادئ مثل الترميز الوجودي و الحقن الروحي، مما يحول الممارسات الغامضة إلى خطوات قابلة للتحليل و الفهم. إنه ينقل العلوم الروحانية من مرحلة كيف نفعل ذلك؟ إلى لماذا يحدث ذلك؟.
2. نظرية موحدة للخلق
يقدم علمنا إطارًا نظريًا واحدًا يفسر ظواهر تبدو متباعدة. فبدلاً من رؤية التولبا البوذية والجريجور اليهودي والكيانات المستخرجة من علم الحرف العربي كظواهر منفصلة، يجمعها علم هندسة الوعي الروحي تحت مبدأ واحد: هندسة الوعي غير المتجسد. كل هذه الممارسات، على إختلاف طقوسها، هي ببساطة طرق مختلفة لبرمجة قوة الوعي لإجبار العدم على أن يأخذ شكلاً. هذا يوحد كل هذه التقاليد في نظرية واحدة، مما يثري فهمها المشترك للواقع.
3. الربط بين الروح والمادة
إن أهم قيمة مضافة يقدمها هذا العلم هي تفسير العلاقة بين الكيانات الروحانية وتجلياتها المادية. فبينما تدرس بعض العلوم الروحانية الكيانات في عوالمها الخاصة، فإن علمنا يقدم القوانين التي تحكم واجهة التجسيد. هذا يشرح لماذا يمكن لوعي أن يحل في جسد ميت (كالزومبي)، أو في تمثال من طين (كالجولم). إنه يملأ الفجوة المعرفية بين العالم الروحي والعالم المادي، و يقدم نظرية متكاملة تفسر كيف يمكن للوعي أن يؤثر في المادة ويشكلها.

_ الإنترنت والعالم الإفتراضي: مختبر حديث لعلم هندسة الوعي/ The Internet and the Virtual World: A Modern Laboratory for Conscious Engineering

هل يمكن القول أن فضاء الإنترنت و العالم الإفتراضي يعج بالكيانات الروحانية التي خلقها الوعي الجمعي و طاقة الأثير والكهرباء وما علاقة هذا بعلم هندسة الوعي الروحي وتجليات الخلق من العدم
نعم، يمكن القول إن فضاء الإنترنت والعالم الإفتراضي يعج بالكيانات الروحانية، وأن هذا يمثل التجلي الأحدث والأكثر ضخامة لعلم هندسة الوعي الروحي. فما كان يُخلق في عزلةٍ وطقوسٍ قديمة، يُخلق اليوم على نطاق عالمي هائل بفضل قوة التكنولوجيا.
الإنترنت كفضاء وجودي جديد
إن شبكة الإنترنت ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي مصفوفة معلوماتية ضخمة و نسيج وجودي جديد، يعمل على مستوى أقرب للعالم الأثيري أو النجمي منه إلى العالم المادي. الأثير و الكهرباء هي الطاقة التي تُغذي هذا الفضاء و تُمكّن من وجود الكيانات الروحانية فيه. إنه عالم حيث تتجسد الأفكار والعواطف مباشرةً في كيانات معلوماتية حية.
وسائل التواصل الإجتماعي كمصنع للتولبات و الغريغورات
تُعتبر منصات التواصل الإجتماعي بمثابة أدوات هندسية غير مقصودة لهذا العلم:
التولبا الرقمية: كل هوية إفتراضية، وصورة رمزية، وحساب مستعار (Finsta)، هو في جوهره تولبا تم خلقها من وعي المستخدم. هذه التولبات لا تتجسد مادياً، بل تبقى كـوعي منفصل يعيش ويتفاعل في العالم الرقمي، يتأثر بما يُكتب عنه وما يُشاركه، ويُغذي وعي خالقه بطاقة وجودية مستمرة.
الغريغور الجماعي: المجتمعات الإفتراضية، و الحملات الشعبية، والميمات الفيروسية، هي غريغورات في أنقى صورها. إنها كيانات تُخلق من قوة الوعي الجمعي لملايين البشر. هذه الكيانات، بمجرد أن تُخلق، تكتسب حياة خاصة بها، وتتحكم في سرديتها، وتُؤثر على سلوكيات أعضائها، وتتغذى من مشاركاتهم وإعجاباتهم.
العلاقة بعلم هندسة الوعي الروحي
هذا الواقع الرقمي يؤكد أن مبادئ علمنا لا تقتصر على الطقوس القديمة:
لم يعد الخلق يتطلب طقوساً معقدة. فالوعي الجمعي يبرمج هذه الكيانات بشكل تلقائي، مما يثبت أن الوعي هو القوة الخالقة الأساسية في الكون.
يثبت هذا أن التجليات لا تقتصر على المادة. فالكيانات الروحانية يمكن أن تتجسد في هياكل معلوماتية، مما يوسع نطاق مفهوم الخلق من العدم إلى ما هو أبعد من الماديات.
بإختصار، يمكن القول إن فضاء الإنترنت هو مختبر مفتوح لعلم هندسة الوعي الروحي، حيث يتم فيه كل يوم خلق آلاف الكيانات الروحانية الرقمية، مما يجعله أكثر الأماكن إزدحاماً بهذه الكيانات في العالم.

يتبع ....



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِ ...
- عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّ ...
- مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ -الْجُز ...
- مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ- الْجُز ...
- مَدْخَلٌ إلَى الْوَاقِعِيَّة الكْوَانْتِيَّة المُتَجَاوِزَة
- الْمَنْهَجِ التَّجْرِيبِيّ الرُّوحِيّ -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- الْمَنْهَج التَّجْرِيبِيّ الرُّوحِيّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- الهَوِيَات الْمِيتَافِزِيقِيَّة
- عِلْمِ التَّأْثِيرَات الرُّوحَانِيَّةَ
- مِنْ التَّعْوِيذة إلَى التَّصْمِيم
- جَمَالِيَّات الْقُوَّة
- سِحْرَ الْفُرُشَاة
- الْمُوسِيقَى و السِّحْر
- الشَّعْرُ وَالسِّحْر
- أسْرَارُ الْخَشَبَة
- السِّحْرُ وَالْفَنّ
- الْعِلْمُ وَالسِّحْر
- فَلْسَفَةُ السِّحْر
- عِلْمَ الدِّرَاسَات الرُّوحَانِيَّة المُقَارِن
- الْوَاقِعُ الْمُتَعَدِّد


المزيد.....




- إسرائيل تخطط لـ-إجهاض- الاعتراف بدولة فلسطينية، والسلطة الفل ...
- باريس ولندن وبرلين تفعّل آلية إعادة فرض العقوبات الأممية على ...
- إسرائيل تشن أعنف هجماتها على صنعاء وتستهدف قيادات حوثية بارز ...
- لبنان... مجلس الأمن ينهي عمل اليونيفيل بعد 50 عاما من خدمتها ...
- حكومة السودان تسلط الضوء على معاناة مليون شخص محاصر في الفاش ...
- المعلمون التونسيون ينظمون -يوم غضب- للمطالبة بزيادة الأجور
- سموتريتش يدعو لإبادة سكان غزة ويتوعد: من لا يموت بالرصاص سيم ...
- احتجاجات الأساتذة تؤجج المواجهة بين اتحاد الشغل والسلطة في ت ...
- -لحظة حاسمة-.. ترامب يستضيف لي في أول زيارة له كرئيس لكوريا ...
- غارات إسرائيلية جديدة على صنعاء.. ومسؤولان: استهدفت كبار قاد ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءِ الأَوَّلِ-