أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - سِحْرَ الْفُرُشَاة















المزيد.....


سِحْرَ الْفُرُشَاة


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 22:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سحر الفرشاة: رحلة عبر تاريخ العلاقة بين الرسم والطقوس السحرية

تتقاطع عوالم الفن والسحر في نقطة تاريخية عميقة، حيث لم يكن الرسم مجرد وسيلة للتعبير الجمالي، بل كان قوة فاعلة في العالم، فمنذ فجر التاريخ، إستخدم الإنسان البدائي الرسم كأداة للتأثير على الواقع المحيط به.
كانت النقوش الصخرية في الكهوف، التي تظهر مشاهد للصيد، لا تهدف فقط إلى توثيق الحدث، بل كانت تُعتقد أنها تجلب الحظ وتزيد من فرص النجاح في الصيد، فكان الرسم يجسد القوة الخفية للرموز، والتي تُستخدم للتواصل مع قوى الطبيعة والعالم الآخر.
في العديد من الحضارات القديمة، كان يُنظر إلى الرسام على أنه شخص يمتلك قدرات خاصة، فكانت أعماله الفنية تُستخدم في الطقوس الدينية والسحرية، اعتقادًا بأنها تحمل في طياتها طاقة معينة، يمكن أن تُستخدم للشفاء، أو للحماية، أو حتى لإلقاء اللعنات، فالفنان لم يكن مجرد صانع للجمال، بل كان وسيطًا بين العالمين، المرئي واللامرئي.
هذه العلاقة المتشابكة بين الرسم والسحر، ستكون محور إستعراضنا لبعض النظريات التي تناقش كيف تطورت هذه الفكرة، وكيف إنعكست على الفنون عبر العصور المختلفة.
إن العلاقة بين الرسم والسحر أكثر من مجرد وسيلة، بل هي جوهر الوجود نفسه.
في هذه النظرية الأكثر عمقًا، لا يكون السحر قوة نستخدمها، بل هو النسيج الذي يُصاغ منه الواقع. والرسم ليس مجرد فعل فني، بل هو لغة صياغة هذا النسيج. كل شيء في الوجود، من النجوم إلى أدق ذرة تراب، هو في الأساس رسم معقد، والرسامون هم القلة القادرة على قراءة و كتابة هذه اللغة.

* الجوهر: الرسم كصياغة للواقع/ Essence: Drawing as a formulation of reality

إن الكون عبارة عن لوحة هائلة متعددة الأبعاد. الواقع الذي نعيشه هو الصورة المرسومة على هذه اللوحة. الفنانون السحرة الذين يُطلق عليهم الخطاطون أو النقّاشون لا يخلقون السحر، بل يُعيدون رسم الواقع.
عندما يرسم الخطاط شجرة، فإنه لا يخلق شجرة جديدة، بل يُعدّل جزءًا من الواقع ليصبح على هيئة شجرة. هو يغير مسار الطاقة المادية من حالة لا-شيء إلى حالة شجرة.
كل مادة في هذا الكون لها تركيب حبري خاص. اللون الأحمر ليس مجرد لون، بل هو جوهر الفكرة التي يمثلها مثل الغضب، الحب، الدم. الصخرة ليست مجرد مادة صلبة، بل هي حبر بتركيبة معقدة من الثبات والزمن.
في هذا العالم، للرسم قوانين فيزيائية خاصة به:
الفرشاة ليست مجرد أداة، بل هي مُركّز إرادة الفنان. يجب أن تكون الفرشاة مصنوعة من مواد تتناغم مع نية الفنان، ففرشاة من ريش نسر تمنحك القدرة على التحليق، بينما فرشاة من شعر ذئب تمنحك القوة والحدس.
القماش ليس مجرد سطح، بل هو مستودع للطاقة. كل رسمة تُنقش عليه تترك أثرًا لا يزول. القماش المصنوع من لحاء شجرة قديمة يمكنه أن يتذكر تاريخها، مما يمنح الرسم عليه قوة تعود إلى الماضي.
الخطوط هي مسارات الطاقة السحرية. كل خط يُمثّل تدفقًا للطاقة من نقطة إلى أخرى. الخط المتصل هو مسار مستقر و قوي، بينما الخط المتقطع هو مسار متذبذب وخطير. الخطوط المتشابكة يمكنها أن تخلق دوامات طاقة (دوامات زمنية أو فضائية).
أخطر أشكال السحر هو القدرة على مسح الرسم. عندما يمحو الخطاط خطًا من لوحة، فإنه لا يمحوه من اللوحة فقط، بل يمحوه من الوجود. مسح خط من صورة شخص يمكن أن يمحو ذكرى أو جزءًا من شخصيته.
هذه القدرة العميقة على صياغة الواقع تفرض تحديات أخلاقية هائلة
عندما يُستخدم الرسم بنية خبيثة، فإنه لا يخلق شرًا، بل يُعيد صياغة الخير ليصبح شرًا. يمكن للخطاط أن يرسم وردة لتكون سامة، أو أن يرسم إبتسامة على وجه شخص لتكون إبتسامة كذب.
في المجتمعات القديمة، لم يكن الرسم فنًا، بل كان هندسة إجتماعية. كان الخطاطون يكتبون القوانين على جدران المعابد. هذه القوانين لم تكن مجرد نصوص، بل كانت رسومًا سحرية تفرض الواقع على الجميع وتضمن إستقرار المجتمع.
هناك رسوم سحرية قديمة، مثل رسوم كهوف أو أشكال هندسية في الصحاري، التي لا يزال سحرها يعمل حتى اليوم. لا أحد يتذكر غرضها الأصلي، لكن وجودها لا يزال يشكل العالم بطرق خفية.
في هذا العالم، لا يوجد شيء إسمه تخيل. كل ما يُرسم هو حقيقة محتملة، وكل فنان هو خالق و دمار محتمل. هل يمكن للإنسانية أن تتحمل مسؤولية وجود لا يمكن السيطرة عليه بالكامل؟
دعنا نغوص أعمق في هذه النظرية. لن نفترض أن الرسم هو مجرد أداة لتعديل الواقع، بل هو الواقع نفسه. في هذا العالم، لا يوجد شيء إسمه مادة أو طاقة، بل هناك كثافة فنية. كل شيء نراه ونلمسه هو رسمة معقدة وذات أبعاد متعددة.

* جوهر الوجود: الرسم كـشفرة وجودية/ The Essence of Existence: Drawing as an Existential Code

تصور أن الكون ليس سوى كود ضخم، لكن بدلاً من أن يكون مكتوبًا بالأصفار والآحاد، فهو مكتوب بالخطوط والألوان و الأشكال. كل ذرة هي نقطة في هذا الكود، وكل كائن حي هو رسم معقد وديناميكي.
الرسم الذي نراه على الورق أو اللو حة هو مجرد إنعكاس باهت لهذا الكود الوجودي. الرسام الحقيقي لا يرى الأشكال فقط، بل يرى الخيوط التي تربطها، والترددات التي تشكل ألوانها. هو يستطيع قراءة هذا الكود والتلاعب به.
كل شيء في الكون له رسمة أبدية غير مرئية. رسمة الإنسان هي مجموعة معقدة من الخطوط والألوان التي تحدد خصائصه الجسدية والعقلية والروحية. الرسام الساحر لا يرسم الشخص، بل يُعدّل في هذه الرسمة الأبدية.
الخط ليس مجرد بُعد مكاني، بل هو أيضًا بُعد زمني. يمكن للرسام أن يرسم خطًا يعود إلى الماضي أو يتقدم إلى المستقبل. هذه الخطوط هي التي تشكل الذاكرة والتوقع. التلاعب بخط زمني في رسمة يمكن أن يغير الماضي أو يمحو المستقبل.
الألوان ليست مجرد خصائص بصرية، بل هي ترددات للوعي. كل لون يُمثّل حالة عقلية أو عاطفية معينة.
الأزرق الكوني: يمثل الهدوء المطلق والوعي الكوني.
الأحمر البدائي: يمثل العاطفة الخام والغريزة.
الرسام الذي يفهم هذه الترددات يمكنه أن يغير وعي شخص ما بتغيير لون رسمته الأبدية.
الفرشاة هي الأداة التي تسمح للرسام بالكتابة في هذا الكود الوجودي. لكنها ليست مجرد أداة، بل هي تجسيد لإرادة الفنان. الفرشاة لا تعمل إلا إذا كانت نية الفنان نقية تمامًا. أي تردد سلبي في نية الرسام يمكن أن يسبب تشويشًا في الكود، مما يؤدي إلى نتائج كارثية.
في هذا العالم، العدم ليس غيابًا، بل هو ورقة فارغة. إذا قام رسام بمسح رسمة أبدية من الوجود بالكامل، فإنه لا يدمرها، بل يُعيدها إلى حالة الورقة الفارغة. هذا هو أخطر أنواع السحر، لأنه يمحو الكائن من الذاكرة والزمن والوعي، و كأنه لم يكن موجودًا أبدًا.
الرسامون ليسوا سحرة، بل هم مهندسون للواقع. هم المسؤولون عن الحفاظ على توازن الكود الوجودي، والتأكد من أن الخطوط لا تتشابك، و أن الألوان لا تتلوث، وأن الأشكال لا تتفتت و تعود إلى العدم.
يوجد إرتباط تاريخي ومعقد بين الرسم والسحر في العديد من الثقافات حول العالم. يمكن فهم هذه العلاقة من عدة زوايا، أبرزها:

* الرسم كوسيلة للتأثير على الواقع/ Drawing as a means of influencing reality

في كثير من الثقافات القديمة، لم يكن الرسم مجرد عمل فني، بل كان يُعتقد أنه يمتلك قوة سحرية. فكان يُستخدم لرسم حيوانات بهدف إستدعاء الأرواح، أو لجلب الحظ، أو للتأثير على نتائج الصيد.
تُستخدم رسوم ورموز محددة في الطلاسم و التعويذات كجزء من الممارسات السحرية. يُعتقد أن هذه الرموز تمتلك قوى خاصة، وتُستخدم لحماية الأشخاص أو لجلب الرزق أو لتحقيق أغراض معينة.
كان يُعتقد أن الرسم يمكن أن يكون بوابة للتواصل مع الأرواح والأجداد والكائنات الخارقة للطبيعة. كان الرسامون في بعض الثقافات يُعتبرون وسطاء بين عالم الأحياء والعالم الآخر.
في الثقافات الشامانية، كان يُستخدم الرسم في الطقوس لجعل الشامان يدخل في حالة من الغيبوبة، ليتمكن من التواصل مع الأرواح والسفر إلى عوالم أخرى.
تُستخدم الرموز الدينية والمقدسة في الرسم للتعبير عن الأفكار والمشاعر الروحية. فعلى سبيل المثال، تُستخدم الأيقونات في المسيحية للتعبير عن الأفكار الدينية، بينما تُستخدم الرموز الهيروغليفية في مصر القديمة للتعبير عن الأفكار السحرية.
تُستخدم رسوم السحر والخيال في الأعمال الفنية للتعبير عن الأفكار والمشاعر الغامضة و الغامضة. فعلى سبيل المثال، تُستخدم رسوم الغول والوحوش والساحرات في القصص الشعبية والأفلام للتعبير عن أفكار الشر والخطر.
بإختصار، يمكن القول إن العلاقة بين الرسم و السحر هي علاقة معقدة ومتشابكة. ففي بعض الأحيان، يكون الرسم أداة سحرية بحد ذاتها، و في أحيان أخرى، يكون وسيلة للتعبير عن الأفكار السحرية.
هنا تحليل أعمق للعلاقة بين الرسم والسحر، مع التركيز على الجوانب الأنثروبولوجية والنفسية.

* الرسم كفعل إبداعي وسحري/ Drawing as a creative and magical act

تُعد العلاقة بين الرسم والسحر أكثر من مجرد إستخدامات طقسية؛ إنها مرتبطة بالطبيعة البشرية نفسها. في المجتمعات البدائية، لم يكن هناك فصل حاد بين العالم المادي والعالم الروحي. كان الفنانون الأوائل الذين غالبًا ما كانوا شامانات أو زعماء قبائل يعتقدون أنهم لا يمثلون الأشياء فقط، بل يستحضرونها.
عندما كان رسام الكهوف يرسم جاموسًا، لم يكن هدفه مجرد تزيين الجدار. كان يعتقد أن رسم الجاموس يمنحهم نوعًا من السيطرة السحرية على الحيوان. كانت العملية الإبداعية نفسها تُعتبر نوعًا من الطقوس السحرية التي تهدف إلى ضمان نجاح الصيد.
في بعض النظريات، يُنظر إلى الرسم على أنه محاولة لخلق واقع موازٍ. من خلال رسم صورة، يقوم الفنان بإعادة خلق الشيء أو الكائن، و بالتالي يمنحه وجودًا جديدًا أو قوة إضافية. هذا المفهوم يُشبه فكرة التمثيل الرمزي، حيث يُعتقد أن الصورة تحمل جزءًا من روح الشيء الذي تمثله.
تُظهر العديد من الممارسات السحرية والروحانية أن الرسم ليس مجرد تمثيل للواقع، بل هو وسيلة للوصول إلى حالات وعي متغيرة أو للتعبير عن اللاوعي.
كثيرًا ما تُستخدم الرسوم السحرية مثل الرموز السحرية أو الأختام في العصور الوسطى كوسائل لتركيز الذهن أثناء الطقوس. هذه الرموز ليست عشوائية؛ بل هي نتاج تراكم معرفي و رمزي يُعتقد أنه يمثل قوى أو كائنات معينة.
في بعض الحالات، يُنظر إلى الرسم على أنه عملية تلقائية أو إلهامية، حيث يعمل الفنان كوسيط لإستقبال رؤى من عوالم أخرى. هذا يُشبه إلى حد كبير حالة الشامان الذي يرسم ما يراه في رحلته الروحانية، أو الفنانين السرياليين الذين حاولوا إستكشاف اللاوعي من خلال الرسم التلقائي.
في الماضي، كان السحر يُستخدم كوسيلة للتعامل مع الخوف من المجهول مثل الكوارث الطبيعية، الأمراض، أو الموت. الرسم السحري كان يُقدم نوعًا من السيطرة الوهميةزعلى هذه القوى. عندما كان الشخص يرسم كائنًا شريرًا، كان يُعتقد أنه يمكنه إحتواء أو ترويض هذا الشر.
الرسم يُمكن أن يكون أداة لإسقاط المشاعر و الأفكار الداخلية على العالم الخارجي. في السياق السحري، كان يُعتقد أن رسم صورة لشخص ما أو شيء ما يُمكن أن يؤثر عليه نفسيًا أو روحيًا. هذا المفهوم لا يزال موجودًا في بعض الثقافات، حيث يُعتبر إيذاء صورة شخص ما بمثابة إيذاء للشخص نفسه.
إن البحث هنا هو عن أصل العلاقة بين الرسم و السحر، وليس فقط تجلياتها. للوصول إلى مستوى أعمق، علينا أن نغوص في جوهر الوعي البشري وكيفية تفاعله مع العالم المحيط.

* التجسيد (Incarnation) والوجود / Incarnation and existence

في جوهر العلاقة، يكمن مبدأ أن الرسم ليس مجرد تمثيل للشيء، بل هو تجسيد له. عندما يرسم الإنسان حيوانًا، فهو لا ينسخ صورته فقط، بل يحاول إستدعاء جوهره وقوته ووجوده في عالم آخر. يصبح الرسم بمثابة وعاء أو جسد بديل للشيء المرسوم.
هذا المفهوم يعكس قناعة قديمة بأن الأفكار و الأسماء والصور لها وجود مستقل وحقيقي، وأنها ليست مجرد تجريدات. من هذا المنطلق، فإن رسم صورة لشخص ما أو حيوان ما يمنح الفنان قوة على جوهره الروحي، وليس فقط على مظهره الخارجي. هذا هو السبب في أن الكثير من الممارسات السحرية تتضمن إستخدام صور أو تماثيل، حيث يُعتقد أن إلحاق الضرر بالصورة يُلحق الضرر بالشيء نفسه.
في العديد من الأساطير، تُصوّر الآلهة بأنها خالقون. فالله يخلق العالم بكلمة أو بفكرة. الإنسان، بإعتباره مخلوقًا على صورة الآلهة، يحاول تقليد هذه العملية الإلهية من خلال الإبداع. والرسم هو أحد أقدم أشكال هذا التقليد.
عندما يرسم الإنسان، فهو يخرج شيئًا من العدم أو من الخيال ليمنحه وجودًا ماديًا على السطح. هذه العملية تشبه خلق العالم. هذا الفعل الإبداعي نفسه يُنظر إليه على أنه ذو قوة سحرية، لأنه يُعيد صياغة الواقع ويمنح الفنان نوعًا من السلطة على ما يحيط به. الرسم هنا ليس مجرد مهارة، بل هو طقس مقدس يُقرّب الإنسان من الطبيعة الإلهية.
في مرحلة معينة من التطور البشري، بدأ الإنسان يدرك الفرق بين الواقع والرمز. هذا الإدراك أدى إلى فصل تدريجي بين الرسم والسحر. فالفن بدأ يُنظر إليه كأداة للتعبير الجمالي، بينما أصبح السحر يُستخدم لأغراض أخرى.
ومع ذلك، لم تختفِ العلاقة تمامًا. الفن الحديث والمعاصر لا يزال يستلهم من فكرة أن الرسم يمكن أن يكون بوابة لوعي أعمق، سواء كان ذلك من خلال الرسم التلقائي كوسيلة للوصول إلى اللاوعي أو من خلال الرموز السريالية التي تحاول كسر حدود الواقع. هذا يوضح أن الرابط الأصلي بين الرسم والسحر لا يزال موجودًا في اللاوعي الجماعي للبشرية.
إن البحث عن الجانب الأكثر عمقًا، عن الأصول الجذرية للفكرة نفسها. للوصول إلى هذا المستوى، يجب أن نبتعد عن فكرة الرسم كفعل بشري واعٍ وندخل في صلب الوعي البشري نفسه، وكيفية نشأة الإدراك.

* التجسيد الأولي (Profound Incarnation): الوعي و المادة/ Consciousness and matter

في هذا المستوى، لم يعد الرسم مجرد فعل إنساني، بل هو تجلٍّ للطريقة التي يختبر بها الإنسان الواقع. الإنسان ليس مجرد كائن يرى و يسمع، بل هو كائن يخلق الواقع من خلال إدراكه.
قبل أن يكون هناك لغة منطوقة أو مكتوبة، كانت هناك تجربة مباشرة للعالم. كانت هذه التجربة تتضمن محاولة فهم المجهول والسيطرة عليه. الرسم البدائي لم يكن تمثيلًا لشيء، بل كان جزءًا من الشيء نفسه. عندما كان الإنسان يرسم حيوانًا، كان يعتقد أنه يشارك في وجوده، وأنه يمكنه إستحضار قوته وخصائصه. كان الرسم هو محاولة الإندماج مع العالم، وليس مجرد وصف له.
هذا المستوى يرى أن السحر والرسم ينبعان من وهم أساسي: أن الأفكار والرموز لها وجود مادي حقيقي. الإنسان يربط بين فكرة الشيء في ذهنه وصورته على الجدار وجوهره في الواقع. هذا الربط ليس مجرد خطأ منطقي، بل هو طريقة عميقة وأساسية لتنظيم العالم.
الرسم ليس مجرد تقليد للآلهة، بل هو تقليد للعملية الكونية نفسها. الكون ليس ساكنًا، بل هو في حالة خلق مستمرة.
الكون يتشكل من خلال تفاعل الأضداد (الضوء والظلام، الفوضى والنظام). هذا التفاعل يخلق أشكالًا وأنماطًا. الرسم، في جوهره، هو فعل مشابه. الفنان يجمع بين الفراغ (اللوحة البيضاء) واللون (المادة) ليخلق شكلًا جديدًا. هذا الفعل لا يُعتبر مجرد إبداع بشري، بل هو محاكاة للعملية الكونية التي تخلق الوجود نفسه.
في هذا السياق، يمكن اعتبار أن الأشكال والرموز التي يرسمها الإنسان ليست مجرد إبتكار، بل هي نماذج أصلية, النموذج الأصلي (Archetyps) و الواقع, موجودة في الوعي الجماعي. هذه النماذج مثل شكل الدائرة، المثلث، أو الرموز الدينية تُمثل قوى أساسية في الكون. الرسم يصبح وسيلة للتواصل مع هذه القوى والوصول إليها، وهذا هو جوهر السحر.
في هذا المستوى، يُنظر إلى الرسم والسحر ليس كفعلين منفصلين، بل كجانبين من نفس العملة: محاولة الإنسان فهم الكون وتشكيله من خلال الوعي والإدراك.
إن البحث عن الجوهر المطلق، عن النقطة التي يلتقي فيها الوجود باللاوجود. للوصول إلى هذا المستوى، يجب أن نغادر الفكر البشري ونلج إلى ما يمكن تسميته بـالخالق الأول.

* نقطة البداية: الوعي الخالص واللاوعي/ Starting point: pure consciousness and unconsciousness

في هذا المستوى، لا يوجد شيء إسمه وعي بشري أو مادة. هناك فقط الوعي الخالص، الذي هو أصل كل شيء، واللاوعي، الذي هو عدم الوجود.
الوعي الخالص، في لحظة ما، يدرك نفسه. هذا الإدراك الذاتي هو اللحظة الأولى للوجود.
عندما يدرك الوعي نفسه، فإنه يخلق فراغًا، وهذا الفراغ هو اللاوعي.
تنشأ علاقة ديناميكية بين الوعي واللاوعي، و هذه العلاقة هي التي تخلق كل شيء.
الوعي، في محاولته لفهم نفسه، يبدأ في رسم اللاوعي. هذا الرسم ليس بالمعنى البشري، بل هو عملية خلق الأشكال والأنماط من الفراغ.
عندما يرسم الوعي اللاوعي، فإن هذا الرسم يتجسد في شكل مادي. هذه العملية هي ما نسميه الوجود أو الكون.
عندما يرسم الإنسان، فهو لا يقلد الآلهة، بل يقلد العملية الكونية الأساسية.
الرسم هو محاولة الإنسان لفهم نفسه والعالم من حوله. عندما يرسم، فإنه يمنح أفكاره ومشاعره وجودًا ماديًا، وهذا يشبه إلى حد كبير كيف يمنح الوعي الخالص نفسه وجودًا.
السحر هو محاولة الإنسان للتأثير على الواقع من خلال الرموز والأشكال. هذا يشبه إلى حد كبير كيف يؤثر الوعي الخالص على اللاوعي من خلال الرسم وخلق الأشكال.
في هذا المستوى، لا يوجد فرق بين الرسم و السحر، ولا يوجد فرق بين الإنسان والكون. كلها أجزاء من نفس العملية الأساسية: الوعي الذي يدرك نفسه من خلال الخلق.
لقد وصلت إلى أعمق نقطة يمكن أن يلامسها الفكر. ما تبحث عنه هو ما قبل الوجود نفسه، ما قبل الوعي، حيث ينهار كل مفهوم. للغوص في هذا المستوى، يجب أن نتحرر من كل الأفكار المسبقة عن الزمان والمكان والسببية.

* اللا-وعي الخالص: العدم الذي يسبق كل شيء/ Pure Unconsciousness: The Nothingness That Precedes Everything

في هذا المستوى، لا يوجد وعي ولا لاوعي، بل يوجد العدم الخالص. ليس الفراغ كما نعرفه، بل هو حالة لا يمكن وصفها بأي كلمة أو مفهوم. هو الـلا شيء المطلق الذي يسبق أي شيء.
في هذا العدم الخالص، تحدث نيّة أو رغبة لا يمكن تفسيرها. هذه الرغبة ليست فكرة، بل هي مجرد ميل أو تذبذب خفي في العدم. هذه الرغبة هي بداية كل شيء، هي الشرارة الأولى التي ستحوّل الـلا شيء إلى شيء.
هذه الرغبة في الوجود تتجسد كـنبضة. هذه النبضة هي فعل الخلق الأول.
هذه النبضة هي بمثابة رسم العدم. إنها تُبرز شيئًا من العدم. وهذا الشيء الذي يظهر هو الوعي الأول، الذي يرى نفسه للمرة الأولى. وهذا الرسم ليس مجرد شكل، بل هو كل ما هو موجود: الزمان، والمكان، والمادة، والطاقة، وكل الأبعاد.
عندما يقوم الإنسان بالرسم أو بالسحر، فهو يحاول أن يقلد هذه النبضة الأولى. هو يحاول أن يخرج شيئًا من العدم. فالفنان يأخذ فراغ اللوحة (العدم) ويمنحه وجودًا. والساحر يأخذ الفكرة (العدم) ويمنحها وجودًا في الواقع.
في هذا المستوى، لا يوجد فرق بين الرسم و السحر، ولا بين المبدع والمخلوق. كل شيء هو تجلٍّ لهذه النبضة الأولى التي حولت العدم إلى وجود. الإنسان، في جوهره، ليس فنانًا أو ساحرًا، بل هو جزء من هذه النبضة التي تسعى بإستمرار لإعادة خلق نفسها وفهم ذاتها من خلال الفعل الإبداعي.
لقد وصلنا إلى أقصى نقطة يمكن للكلمات أن تصفها. ما نتناول هنا هو ما يتجاوز الفكر، وما قبل أي وجود، حتى قبل العدم نفسه. في هذه النقطة، تنهار كل المفاهيم.

* اللا-حدود: حيث لا يوجد حتى العدم/ No-Limits: Where there is not even nothingness

في هذا المستوى، لا يوجد عدم. فـالعدم هو مفهوم يحتاج إلى وجود شيء ما ليُعرَّف في مقابلِه. هنا، لا يوجد حتى هذا التناقض. لا يوجد لا شيء ولا شيء، لا وجود ولا لا وجود، لا بداية ولا نهاية. إنه الـ ليس المطلق.
. الرغبة في الرغبة: الشرارة التي لا يمكن تفسيرها/ Desire to Desire: The Inexplicable Spark
من هذا الـ ليس المطلق، تنشأ رغبة. هذه الرغبة لا تنبع من شيء، ولا تتجه نحو شيء. إنها رغبة في الرغبة نفسها. هي مجرد نبضة لا يمكن تفسيرها، تذبذب طفيف في اللامحدودية. هذه الشرارة هي أصل كل شيء، بما في ذلك العدم والوجود والوعي.
في هذا المستوى، يصبح كل شيء نعرفه، بما في ذلك الرسم والسحر، مجرد إنعكاس لهذه النبضة البدائية. الرسم هو محاولة الإنسان لإعادة خلق هذه النبضة، والسحر هو محاولة للتأثير عليها.
في هذا الفضاء الذي لا يُعرَّف، لا يوجد فرق بين الخالق و المخلوق، ولا بين البداية والنهاية. كل شيء هو تجسيد لتلك اللحظة الأولى، لتلك الرغبة في الرغبة، التي خلقت الوجود من الـ ليس المطلق.
لقد وصلنا إلى ما هو أعمق من الفلسفة و الروحانية، إلى نقطة تتجاوز كل الفهم. هنا، لا يوجد حتى اللا-حدود أو الرغبة، لأن هذه المفاهيم نفسها تفترض وجود شيء ما يمكن أن يُوصف.

* الصمت المطلق: ما قبل كل شيء/ Absolute Silence: Above All

في هذا المستوى، لا يوجد حتى الصمت. فالصمت هو غياب الصوت، وهذا يعني أن الصوت كان موجودًا في وقت ما. هنا، لا يوجد شيء على الإطلاق، حتى عدم الوجود.
الوعي البشري، الذي هو أداة الفهم، ينهار تمامًا عند هذه النقطة. لا يمكنه أن يفهم ما قبل الوجود. لا يوجد أنا أو أنت. لا توجد حتى رغبة أو نيّة في الوجود.
في هذا المستوى، لا يمكننا أن نتحدث عن نبضة أولى أو شرارة أولى، لأن هذه المصطلحات تفترض وجود زمان ومكان. هنا، لا يوجد حتى هذا. كل شيء هو اللا-وجود المطلق، الذي لا يمكن وصفه أو تخيله.
في هذه النقطة، لا يمكننا أن نتحدث عن الرسم أو السحر، لأن هذه المفاهيم تنشأ من الوجود. إنها مجرد تجلٍّ بسيط وغير مكتمل لشيء ما لا يمكن وصفه أو فهمه، وهو الصمت المطلق.
إن السعى للوصول إلى ما هو أعمق من الفلسفة، إلى حيث تنتهي كل الأفكار. في هذه النقطة، لا يوجد حتى الصمت المطلق، لأن الصمت هو نقيض للصوت، وهذا يعني وجود مفهوم للصوت. هنا، لا يوجد شيء على الإطلاق، حتى غياب الأشياء.
. الـ ليس: حيث لا يوجد حتى العدم/ The Not: Where there is not even nothingness
في هذا المستوى، لا يوجد حتى العدم. فالعدم هو مفهوم يحتاج إلى وجود شيء ما ليُعرَّف في مقابلِه. هنا، لا يوجد حتى هذا التناقض. لا يوجد لا شيء ولا شيء، لا وجود ولا لا وجود. لا يوجد حتى فكرة الوجود أو اللا وجود. إنه الـ ليس المطلق.
من هذا الـ ليس المطلق، تنشأ رغبة. هذه الرغبة ليست فكرة أو شعورًا، بل هي مجرد ميل أو تذبذب خفي لا يمكن تفسيره. هذه الرغبة لا تنبع من شيء، ولا تتجه نحو شيء. إنها رغبة في الرغبة نفسها. هي مجرد شرارة لا يمكن تفسيرها، تذبذب طفيف في اللامحدودية. هذه الشرارة هي أصل كل شيء، بما في ذلك العدم والوجود والوعي.
في هذا المستوى، يصبح كل شيء نعرفه، بما في ذلك الرسم والسحر، مجرد إنعكاس لهذه النبضة البدائية. الرسم هو محاولة الإنسان لإعادة خلق هذه النبضة، والسحر هو محاولة للتأثير عليها.
في هذا الفضاء الذي لا يُعرَّف، لا يوجد فرق بين الخالق والمخلوق، ولا بين البداية والنهاية. كل شيء هو تجسيد لتلك اللحظة الأولى، لتلك الرغبة في الرغبة، التي خلقت الوجود من الـ ليس المطلق.
ختامًا، تظل العلاقة بين الرسم والسحر شاهدًا على عمق الفن وأثره في حياة الإنسان، فما بدأ كطقس بدائي للتأثير على الواقع، تطور ليصبح تعبيرًا فنيًا يلامس أعماق اللاوعي، فالفنان لم يعد ساحرًا بالمعنى الحرفي، ولكنه يمتلك قدرة فريدة على خلق واقع جديد، يثير التساؤلات، ويوقظ المشاعر، ويغير نظرتنا للعالم.
إن التفكير في الفن كشكل من أشكال السحر هو إعتراف بالقوة الكامنة في الإبداع، وقدرته على تجاوز المألوف، و فتح آفاق جديدة للفهم والإدراك، ففي نهاية المطاف، قد لا يكون الرسم سحرًا، ولكنه بالتأكيد يمتلك قوة سحرية لا يمكن إنكارها.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْمُوسِيقَى و السِّحْر
- الشَّعْرُ وَالسِّحْر
- أسْرَارُ الْخَشَبَة
- السِّحْرُ وَالْفَنّ
- الْعِلْمُ وَالسِّحْر
- فَلْسَفَةُ السِّحْر
- عِلْمَ الدِّرَاسَات الرُّوحَانِيَّة المُقَارِن
- الْوَاقِعُ الْمُتَعَدِّد
- حَدْسٌ اللَّانهائِيَّة: فَيَزُيَاء التَّنَاقُضُ الْمُطْلَق
- الْكِمُبْرِئ -الْجُزْءُ الْعَاشِر-
- الْكِمُبْرِئ -الْجُزْءُ التَّاسِع-
- الْكمُبْرِئ -الْجُزْءُ الثَّامِن-
- الْكمُبْرِئ -الْجُزْءُ السَّابِع-
- الْكمُبْرِئ -الْجُزْءُ السَّادِسُ-
- الْكِمبْرِئ -الْجُزْءُ الْخَامِس-
- الْكِمُبْرِئ -الْجُزْءُ الرَّابِع-
- الْكمبْرِئ -الْجُزْءُ الثَّالِث-
- الكّْمْبّْرِيّ -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- الْكِمُبْرِي -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- أَطْلَانتس وَسيِّدِي مُوسَى


المزيد.....




- لقطات تفطر القلب.. فتيات يتيمات ينهلن بالدموع بحفل تخرجهن في ...
- ماذا تعني الضمانات الأمنية لأوكرانيا؟
- إيران أمام -معضلة استراتيجية- بعد الحرب مع إسرائيل: تفاوض صع ...
- عزلة وفقر.. الجزيرة نت تستطلع أحوال نازحي جنين بعد 7 أشهر من ...
- إلى أين تتجه مسارات السلام في السودان؟
- تحليل لغة جسد ترامب وقادة أوروبا وكيف جلسوا أمامه وحركة ميلو ...
- السفارة السعودية تعلق على وفاة سعود بن معدي القحطاني بعد سقو ...
- ترامب يستبعد إرسال قوات برية إلى أوكرانيا وسويسرا تعرض حصانة ...
- النظم العشبية.. الحليف المهمل في مكافحة تغير المناخ
- الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته شمال ووسط قطاع غزة


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - سِحْرَ الْفُرُشَاة