أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْكِمُبْرِي -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-















المزيد.....



الْكِمُبْرِي -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 17:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


على رمالِ ماليكوندا ، حيثُ الشمسُ تُسقِطُ نصلَها الأخيرَ في خاصرةِ الروحِ قبلَ الجسدِ، إنبعثتُ. لم أكن إسمًا، بل إرتعاشةَ وشمٍ لم يُكمَلْ، تاهَ صَداها في فضاءِ العدمِ قبلَ أن يُمسكَ بهِ فؤادي الرّجفُ. أمّي كانتْ مجرّدَ أرجوحةِ حنانٍ إرتفعتْ بخفّةِ الفراشِ، ثمّ إنقطعتْ حبالُها معَ أوّلِ شهقةِ حياةٍ لي، إبتلعَها صمتُ القبرِ زُلالًا مُبكّرًا. وأبي كانَ لُغزَ نجمةٍ هوتْ قبلَ أن ترسمَ مسارًا، خيطًا أزرقَ تمزّقَ في نسيجِ الأزلِ، لم يُنسِجْ لي حكايةً، بل تركني على حافةِ الهاويةِ، يتيمًا تائهًا، بذرةً دونَ أصلٍ، وفي كفّي الصغيرِ شَتاتُ ترابٍ لا يُثبتُ وجودًا. بل يزيدُ من وطأةِ العدمِ الذي وُلدتُ فيه. كانتْ أطرافيَ الصغيرةُ تتشبّثُ بالخواءِ، وعينايَ الرّاجفتانِ تستشرفانِ فجرًا لم يأتِ بعدُ، فجرًا محفوفًا بغبارِ القسوةِ، ووعودٍ خادعةٍ تتلاشى كسرابٍ على هذه الرمالِ الملتهبة.
لم أُولدْ في كنفِ أُمومةٍ تسكبُ ندى الحنانِ على صحراءِ روحي، بل إنشققتُ من رحمِ قبضةِ سادةٍ، كانتْ أياديهم سياطًا من لهبٍ ترقصُ نيرانُها فوقَ جسدي المجلودِ، وتحرقُ أوردةَ روحي العارية. من فناءٍ إلى فناءٍ، كنتُ مجردَ ريشةٍ تائهةٍ تتقاذفها أعاصيرُ القَدَرِ الساحقةِ، ومن حقلٍ إلى حقلٍ، كانتْ خطواتيَ المُثقلةُ تبذرُ بذورَ الشقاءِ في ترابٍ غريبٍ لم يَعترفْ قطُّ بملكيّتي، وكأنّ الأرضَ ذاتَها قد أبتْ أن تحتضنَ بصمةَ قدميَ الحرةِ، مُعلنةً غربتي الأزلية.
كانَ الجوعُ وشمًا لا يُمحى، خيطًا رفيعًا من العدمِ يُشدُّ على أمعائيَ الخاويةِ حتى الإنقطاعِ، و العطشُ نارًا أبديةً تتوهّجُ في جوفي، تُبيدُ رمادَ الأملِ الأخيرِ. أما العملُ، فكانَ قيدًا خفيًا، سلاسلَ من الوهمِ الخبيثِ أثقلتْ عظمي الرقيقَ، كأنّها تُربطُ روحيَ الظامئةَ بأرضٍ لا تُخصّبُ ولا تُزهرُ إلاّ بقطراتِ عرقي المريرِ. لم ألمسْ طعمَ الحريةِ إلاّ في أحلامٍ مُبعثرةٍ، شظايا من نورٍ كقطعِ زجاجٍ مُتكسّرةٍ تتلألأُ خلسةً تحتَ ضوءِ القمرِ الشاحبِ، الذي كانَ رفيقي الوحيدَ. يتسللُ نورُه الفضيّ، كهمسِ الملائكةِ، ليُداعبَ روحيَ المُنهكةَ بلمسةٍ شفافةٍ تُحيي الرمقَ الأخيرَ، ويُخبرني في صمتٍ أبديٍّ، أن هناكَ فضاءً آخرَ يتجاوزُ حدودَ هذا الجحيمِ الذي أحياهُ، عالماً يتنفسُ فيه الروحُ بغيرِ قيودٍ، وتُحلّقُ الأحلامُ فيهِ بلا أغلالٍ، كأنها طيورٌ مهاجرةٌ نحو شمسٍ لا تغيبُ.
شُحنتُ، لا ككائنٍ حيٍّ، بل كدُميةٍ من لحمٍ رخيصٍ، تتداولها أيدي الأقدارِ القاسيةِ، من سيدٍ إلى آخرَ. كلّ بيعٍ كانَ شِقاقًا جديدًا في جدارِ روحيَ المهشّمةِ، خنجرًا يُعمّقُ الجرحَ الذي يُمزّقُ ما تبقّى من خيوطِ إنسانيتيَ المنسيّةِ.
كانتْ عينايَ، في عِقدِ العشريناتِ من عمرٍ لم يلامسْهُ أبدًا ربيعُ الأحلامِ، كهوّتينِ عميقتينِ تحملانِ ثِقلَ قرونٍ من الألمِ الصامتِ. من أحداقهما، كانتْ تتسرّبُ حكاياتُ الظلمِ المكتومَةِ، كوشوشاتِ الأشباحِ في ليلٍ بهيمٍ. الرقيقُ لا تُسعَفُ أمنياته، ولا يُصغى لهمسِ روحهِ المُثقلةِ، هو مجردُ ظلٍّ باهتٍ لقوةٍ عاملةٍ، جسدٌ يُباعُ ويُشترى، ويُرمى على قارعةِ القدرِ، بلا صوتٍ، بلا إختيارٍ، بلا وجودٍ إلا بصفته عبئًا أو غنيمة.
في دُوامةِ الأقدارِ الخاطفةِ، حيثُ رَحَى الحياةِ تطحنُ القلوبَ، شاءَ قدريَ المكتومُ أن تنتقلَ ملكيّتي. هبطَ عليّ تاجرُ عبيدٍ مغربيٌّ، وجههُ قِناعٌ من المكرِ، وعيناهُ بئرانِ عميقتانِ تستوعبانِ جشعَ الكونِ. رمقني نظرةً باردةً، نظرةَ قصّابٍ يزنُ قطعةَ لحمٍ، لا روحٍ تتلوّى في حبالِ القهرِ. ثمّ ألقى حفنةَ عملاتٍ ثقيلةٍ في كفِّ سيدي، لتُصبحَ روحيَ المنهوبةُ صَفقةً أخرى تُقيَّدُ في سجلاتِ القَدَرِ الأبديِّ، وحبرُها دمعٌ لا يجفُّ.
لم يكن ذاكَ البيعُ خاتمةً، بل فاتحةَ رحلةٍ أخرى، أشدَّ وطأةً، و أعمقَ قسوةً من كلِّ ما مضى. إقتادوني إلى شواطئ السواحل الأفريقية، حيثُ الأمواجُ تتلاطمُ بصخبٍ لا ينتهي، وكأنّها طبولُ قدرٍ أعمى، تُعلنُ عن مصيرٍ مجهولٍ يُلقي بظلالهِ الثقيلةِ على الأفقِ. كانتْ تلكَ الشواطئُ بواباتٍ جهنّميةٍ تُطلُّ على الجحيمِ العائمِ، حيثُ تُحشرُ الأرواحُ المُنهكةُ كالبضاعةِ الفاسدةِ، وتُسحقُ الكرامةُ تحتَ أقدامِ النخّاسينَ، الذينَ لا يرونَ في البشرِ سوى أرقامٍ في دفاترِهم، وعقودٍ مكتوبةٍ بالدموعِ واليأسِ.
على ظهرِ السفينةِ، إنطرحَ جسدي، لا يكادُ يحملُ رمقًا من حياةٍ. كانتْ الأجواءُ تختنقُ برائحةِ الملحِ اللاذعةِ، ويأسٍ كثيفٍ يلفُّ الأنفاسَ، وعبيرِ دمٍ مُراقٍ يروي حكاياتِ الموتِ. كأنّ المحيطَ، بضخامتهِ الصامتةِ، فمٌ هائلٌ يبتلعُ أحلامنا المتبقيةَ، يُحيلُها إلى فراغٍ أزرقَ لا قرارَ له. كلُّ موجةٍ كانتْ صفعةً موجعةً على خدِّ الأملِ المُتلاشي، وكلُّ ريحٍ عابرةٍ كانتْ تُشبهُ أنينَ آلافِ الأرواحِ التي إبتلعتها هذهِ الرحلاتُ السوداءُ، أصواتًا تتوهجُ في ظلامِ الذاكرةِ كنجومٍ محتضرةٍ.
كانت وجهتي ميناءَ موغادورَ، إسمًا يترددُ في فضاءِ المجهولِ، لم أكنْ أدركُ عنه شيئًا سوى أنهُ نهايةٌ قاسيةٌ لبدايةٍ أشدَّ قسوةً من العبوديةِ. البحرُ يتسعُ من حولي كفمٍ جائعٍ، و السماءُ تمتدُّ بلا نهايةٍ، لكنّ قلبي ظلّ منقبضًا، مُكبّلًا بأغلالٍ من يأسٍ أثقلَ من الحديدِ. أغلالُ ماضٍ لم يعرفْ سوى القهرِ، وأغلالُ مستقبلٍ يتربصُ بهِ الظلامُ.
كنتُ مجردَ نقطةٍ سوداءَ، ذرةٍ تائهةٍ في عرضِ المحيطِ اللامتناهي، أحملُ معي تاريخًا من الألمِ المُتراكمِ، وحاضرًا يتلوّى تحتَ سياطِ القهرِ، و مستقبلًا لا تلوحُ فيهِ سوى ظلالُ العبوديةِ الأبديةِ. كانتْ عينايَ تتتبعانِ خطَّ الأفقِ البعيدِ، حيثُ تختلطُ زرقةُ السماءِ بزرقةِ البحرِ في لوحةٍ حزينةٍ، باحثًا عن بصيصِ أملٍ خافتٍ كشمعةٍ في عاصفةٍ، عن نسمةِ حريةٍ تلامسُ روحيَ العطشى، عن وجهِ أميَ الغائبِ الذي لم أعدْ أتذكرهُ إلا كهمسةٍ باهتةٍ تذروها زحمةُ الريحِ، وتنساها الأمواجُ المتلاطمةُ.
في موغادور، حيثُ الموجُ يهمسُ سرَّ الأزلِ للشطِّ، رستْ سفينةٌ لا تحملُ شحنًا، بل أرواحًا مُجهضةً تُثقلُ كاهلَ الأفقِ، تتوهّجُ فيها آهاتٌ قديمةٌ. لم يكن ذاكَ الرسوُّ حدثًا عابرًا، بل مرآةً شفّافةً تعكسُ لوحةً مُعتادةً، خطّها الزمانُ في تلكَ الحقبةِ المالحةِ، حيثُ العبوديةُ ترسمُ خطوطَها الداميةَ، وشمًا من قسوةٍ على جبينِ التاريخِ الملطّخِ بالدماءِ والدموعِ. كانتْ تُفرّغُ حملاً من الظلالِ البشريةِ، كأنّها أطيافٌ خرجتْ من كابوسٍ، من كلِّ لونٍ وجنسٍ، قادمينَ من أفريقيا العظمى، قاراتٍ كاملةً تُطوى في سفينةٍ واحدةٍ؛ من رمالِ ماليَ العطشى التي إبتلعتْ أقدامَهم كرمالٍ متحركةٍ، ومن أرضِ السودانِ الأبيِّ التي ما عادتْ تحتملُ أنينَهم المُعلّقَ في الهواءِ، كأنّهُ نشيدٌ حزينٌ للرياحِ. ومن نيجيريا الخصبةِ التي إغتصبتْ خيراتَها كشبحٍ جشعٍ ينهبُ الأحلامَ، ومن السنغالِ الساحليةِ، حيثُ البحرُ نفسه يبكي، ويروي قصصَ فراقِهم الممزّقةَ على أمواجهِ. أرواحٌ لا تُعدُّ، أُريقتْ كقطراتِ الندى اللامعةِ تحتَ شمسِ القهرِ الحارقةِ، لتجفَّ قبلَ أن تروي عطشَ حلمٍ بالحريةِ. كانَ هذا المشهدُ طبيعيًّا حدَّ الرعبِ الكامنِ في صمتِ الموانئِ؛ فتجارةُ الرقيقِ كانتْ مزدهرةً كعطشِ الأرضِ اللانهائيِّ لدمِ الأبرياءِ، يُسخّرونَهم في قصورٍ فخمةٍ تلمعُ رفاهيتها بزيفِ أرواحٍ مسلوبةٍ، أو يدفعونَهم لأعمالٍ شاقّةٍ تُفتّتُ الصخورَ وتُكسّرُ العظامَ، لكنّها لا تفتّتُ إرادةَ البقاءِ الراسخةِ كالجبلِ الأصمِّ في أعماقهم. ومن بينِ تلكَ الظلالِ القادمةِ، على متنِ السفينةِ التي شقّتْ عبابَ اليأسِ ببطىءٍ موجعٍ، تاركةً خلفَها ندوبًا عميقةً في قلبِ المحيطِ الدامي، إنبثقَ بوبكر. كانَ شابًا في أواخرِ العشرينَ، لكنّ عمرَ روحهِ كانَ أقدمَ من الزمنِ ذاتهِ، فقد حُبستْ في قفصِ الألمِ الباردِ منذُ الأزلِ، تُقلّبُ فيهِ مراراتِ الأيامِ. لم يذقْ طعمَ الحريةِ قطُّ، فميلادُهُ كانَ لعنةً أبديةً، حُكمًا غائرًا في صميمِ وجودهِ؛ وُلدَ من أمٍّ عبدةٍ، فارقتِ الحياةَ روحُها الطاهرةُ بعدَ صرختِهِ الأولى مُباشرةً، كأنّها رحلتْ لتُعتقَ نفسَها من قيدٍ لم تُفلحْ في فكّهِ إلاّ بالموتِ الزاحفِ. بينما ظلَّ أبوهُ سرًّا يُعانقُ المجهولَ، طيفًا باهتًا يتلاشى في حكايةٍ لم تُروَ، كأنّهُ لم يكنْ سوى وميضٍ خاطفٍ في ليلِ النسيانِ.
عاشَ بوبكر طفولتهُ وصباهُ مُحتجزًا بينَ أغلالِ العبوديةِ الخانقةِ، التي لا تكتفي بصريرِ الحديدِ، بل تئنُّ معَ كلّ نفسٍ، و تخنقُ الروحَ ذاتها حتى البُكاءِ الصامتِ. لم يأتِ الإضطهادُ من سادةٍ جددٍ وحسبُ، بل من أقرانِهِ العبيدِ أحيانًا، كأنّ قدرَهُ قد كُتبَ عليهِ أن يكونَ الحلقةَ الأضعفَ، نقطةَ ضعفٍ تتلألأُ في درعٍ مُحكَمٍ من الألمِ الأبديِّ. و كلّما نَما جسدُه النحيلُ، بدأتْ ملكيتُهُ تتداولُ كقِدرٍ عتيقٍ، من يدٍ إلى يدٍ، تُعادُ بيعُها في سوقِ النسيانِ الباردِ، حيثُ لا قيمةَ لروحٍ أو ذاكرةٍ. حتى إستقرَّ بهِ المطافُ أخيرًا في موغادورَ، تلكَ المدينةِ التي ستشهدُ فصلًا جديدًا من فصولِ معاناتهِ، أو ربما بدايةَ تحرّرٍ يهمسُ صدى أغلالهِ المنكسرةِ في أعماقِ الروحِ، مُشعلًا بصيصَ أملٍ خافتٍ كشمعةٍ وحيدةٍ تناضلُ في بحرِ الظلامِ الدامسِ، لعلّ نورَها يكسرُ غيمَ اليأسِ الكثيفِ.
أنا هنا. "بوبكر" إسمٌ أُلقيَ في بئرِ الصمتِ، صدىً لروحٍ وُلِدتْ لتُلقَى في متاهةٍ من الوجعِ الأزليِّ، حيثُ لا يجدُ النداءُ سبيلاً للصدى.
أُنزلتُ من جوفِ السفينةِ، جسدًا نحيلاً كخيطِ دخانٍ، لا يفرّقني عن كومةِ حطبٍ ميتةٍ إلا الأنينُ الخافتُ في صدري، نغمةٌ مهشّمةٌ تُصارعُ العدمَ. رُبطتْ الأغلالُ، تلكَ الأفاعي الباردةُ التي تلفّتْ حولَ عنقيَ النحيلِ، تلسعُ جلديَ الهشَّ، ثمّ إنغرستْ أنيابُها في معصميّ، تنهشُ ما تبقّى من خيوطِ قوّتيَ الممزّقةِ، وتشبّثتْ بساقيّ، جاعلةً كلَّ خطوةٍ عِقابًا أبديًا يئنُّ تحتَ وطأةِ العذابِ. صوتُها المعدنيُّ كانَ نشيدًا مُتكررًا كصرخةِ الموتِ، مرثيةً لكلِّ حلمٍ تكسّرَ كزجاجٍ هشٍّ، ولكلِّ روحٍ سُجنتْ في قفصٍ من حديدٍ صلبٍ لا يرحمُ.
إقتادونا كقطعانِ الماشيةِ الضّالةِ، على طريقٍ لم تبلّلهُ أمطارُ السماءِ، بل دموعٌ لا تُرى، إنسكبتْ من عيونِ الأرواحِ الساجيةِ. كانتْ المدينةُ تتراءى لي كشبحٍ ضخمٍ من حجرٍ أبيضَ، أبنيةٌ بيضاءُ تتلألأُ تحتَ سماءٍ زرقاءَ ساخرةٍ، تُطلُّ ببرودٍ على آلامنا. لكنّ عينيّ، لم تُبصرا سوى ظلالَ القهرِ، التي تراقصتْ كأشباحٍ فوقَ الرؤوسِ، وزحفَ الأغلالِ المعدنيةِ على ترابٍ يُشبهُ لونَ قلبيَ المُتصدّعِ، تاريخًا يُكتبُ تحتَ الأقدامِ.
تسلّلتْ رائحةُ التوابلِ، كأنّها همسٌ من عالمٍ آخرَ، من بيوتِهم التي تُشرقُ، تمتزجُ بعبقِ البحرِ المالحِ، لكنها لم تكنْ سوى وخزٍ جديدٍ في أنفيَ المُتعبِ، إبرةٍ تُخيطُ الجرحَ المفتوحَ. تُذكّرني بعالمٍ لم تطأْهُ قدمايَ قطُّ، عالمٍ يذوقُ فيه الناسُ الطيباتِ و يهنأونَ بالنعيمِ، بينما روحيَ تُعضّها أشباحُ الجوعِ الأزليةِ، تُنهشُ ما تبقّى من أحلاميَ اليائسةِ.
بلغنا السوقَ؛ يا لَها من سخريةٍ! قدرٌ يرمي بي كضحكةٍ بائسةٍ، أنا إبنُ الترابِ الذي نسيتْهُ الريحُ، أُصبحُ بضاعةً معروضةً تحتَ شمسٍ حارقةٍ، تُفحِّمُ جلديَ الذي كانَ ذاتَ يومٍ يلمعُ ببريقِ الحياةِ. رأيتُ وجوهَ النخّاسينَ، كهوفًا مظلمةً تسكنُها الأطماعُ الضاريةُ، عيونُهم نصالٌ تتلصّصُ على أجسادنا العاريةِ، تُقلّبُها، تُقيّمُها، وكأنّها قطعُ لحمٍ لا تنتمي لعِرقِ البشرِ. كانتْ قهقهاتُهم تتناثرُ في الهواءِ كشظايا من زجاجٍ مُسمّمٍ، تُشبهُ صليلَ السيوفِ في معركةِ الكرامةِ، كلُّ ضحكةٍ طعنةٌ غائرةٌ في صدرِ الروحِ، تُعلنُ ميلادَ وجعٍ جديدٍ.
صراخُ حراسِ العبيدِ الهستيريُّ، صوتُ الرعدِ الشمسيِّ الذي شقَّ فضاءَ روحيَ المرتعشةَ، كانَ يدفعُنا للأمامِ، كسهامٍ من قسوةٍ، يمزّقُ صمتَ اليأسِ الذي إجتاحَ قلوبَنا كعاصفةٍ ثلجيةٍ. حولنا، قامتْ أجسادٌ أخرى، هزيلةٌ كأغصانِ الخريفِ، مُتعبةٌ كأصداءِ الأنينِ البعيدِ، بعضُها ينزفُ من سياطٍ سابقةٍ حفرتْ في الجسدِ خريطةَ الألمِ. وجوهٌ تائهةٌ، عيونٌ بلا بريقٍ تحملُ في أحداقها روايةَ الموتِ البطيءِ. كنّا أرواحًا مُتشابكةً في شبكةِ القهرِ، نشعرُ ببعضنا في صمتٍ، نتعاطفُ بغيرِ كلمةٍ، فصوتُنا كانَ مُكبّلًا، مُعلّقًا في حنجرةِ القدرِ كصرخةٍ لم تُولدْ بعدُ.
في تلكَ اللحظةِ، لم تكنْ عينايَ تُبصرانِ السوقَ فقط، بل رأيتُ تاريخَ العبوديةِ كلّهُ، شريطًا من الألمِ يلتفُّ حولَ الزمانِ، يتجسّدُ في تلكَ الساحةِ الملعونةِ. هناكَ، حيثُ تُباعُ الأحلامُ بأبخسِ الأثمانِ، وتُشترى الآهاتُ بصريرِ الأغلالِ، وحيثُ الكرامةُ تُذبحُ على مذبحِ الجشعِ اللانهائيِّ، قرابينَ لا تُحصى.
كانتْ الشمسُ تنزفُ ضوءَها الأخيرَ ببطىءٍ، كجرحٍ غائرٍ في كبدِ السماءِ، كأنّها هي الأخرى، تشمئزُّ من هذا المشهدِ البائسِ، وجهها يرتدي قناعَ الشفقِ الحزينِ. تركتْ خلفَها ظلالًا طويلةً، تتراقصُ كأشباحِ الأرواحِ المُباعةِ، تمدُّ أذرعَها في سكونٍ، تُعانقُ صدى قهرٍ لا يموتُ.
في تلكَ اللحظةِ الحاسمةِ، بُيعَ بوبكرُ؛ لم يكنِ البيعُ مجردَ صفقةٍ تبرمُ، بل كانَ رميًا لروحٍ عاريةٍ في قبضةِ قدرٍ جديدٍ، كأنّها بذرةٌ تُقذفُ في أرضٍ مجهولةٍ. أُلقيَ بهِ في حيازةِ الباشا، رجلٍ تلبسُهُ هيبةُ الزيفِ، يملكُ دارًا عظيمةً في قلبِ فاسَ، تلكَ المدينةِ التي تختبئُ خلفَ أسوارها العتيقةِ أسرارُ التاريخِ المتقلبةِ. كانتْ الحاجةُ للعبيدِ تشتدُّ في أروقةِ قصرهِ الفسيحِ، لأشغالٍ منزليةٍ لا تنتهي، كأنّها دوّامةٌ أبديةٌ تبتلعُ الأعمارَ. فآنتقلَ بوبكرُ إلى ذاكَ القصرِ الشاهقِ، ليُصبحَ عبدًا مملوكًا، ظلًّا آخرَ يتوهّجُ خفوتًا في قصرٍ لا نهايةَ لأركانِهِ المظلمةِ، كلُّ زاويةٍ فيهِ تحكي قصةَ قيدٍ جديدٍ.
لا تستطيعُ الكلماتُ أن تُبحرَ في عمقِ حالِ بوبكرَ هناكَ؛ فما كانَ يعيشهُ لم يكنْ زهرَ حياةٍ كريمةٍ، بل إمتدادًا لمعاناةٍ لا تنتهي، كَشريطٍ أسودَ يُنسجُ من خيوطِ الظلمِ في تلكَ الحقبةِ الملطّخةِ بسوادِ القهرِ. كانتِ الإهانةُ خبزَهُ اليوميَّ، يقتاتُها غُصةً بعدَ غُصةٍ، وقلةُ الإحترامِ ماءَهُ الآسنَ الذي يروي عطشَ روحهِ المضمحلّةِ، أما التعذيبُ، نفسيُّه وجسديُّه، فكانَ رفيقًا دائمًا يُعانقُهُ في كلِّ لحظةٍ، كظِلٍّ لا يفارقهُ، يُخبرهُ أنّهُ ملكٌ للألمِ، حتى النخاعِ.
بدأَ بوبكرُ ينسجُ خيوطَ معرفتِهِ في شوارعِ فاسَ الملتويةِ كأفاعٍ صامتةٍ، تُخبّئُ بينَ دروبها أسرارَ التاريخِ. يخرجُ إلى أسواقها التي تضجُّ بالحياةِ كقلبٍ نابضٍ، يلامسُ نبضَها الخفيَّ، و يتعلّمُ الدارجةَ المغربيةَ، لهجةً جديدةً تُضافُ إلى قاموسِ روحهِ المُثقلةِ بالغيابِ. أحيانًا، يُمنحُ إذنَ الخروجِ معَ إثنينِ من العبيدِ الآخرينَ، رفقةَ سيدهم، كأشباحٍ شفّافةٍ تمرُّ في زحامِ الحياةِ، تراقبُ العالمَ من خلفِ ستارٍ من الصمتِ.
وفي إحدى تلكَ المراتِ، بينما كانَ يخطو في السوقِ، كظلٍّ يتوارى بينَ البشرِ في زحامِهم الكثيفِ، تسلّلَ إلى أذنيهِ نغمةٌ عجيبةٌ، كأنّها همسٌ قادمٌ من عالمٍ آخرَ، تترقرقُ من آلةٍ موسيقيةٍ غريبةٍ لم يَرَ مثلَها من قبلُ. كانَ يرافقُها صوتٌ مبحوحٌ، يحملُ في طيّاتهِ لهجةً قريبةً من لهجتهِ الأمِّ؛ تلكَ اللهجةِ التي كانَ يظنُّها قد ماتتْ، دفنتْ تحتَ رمالِ النسيانِ في كهفِ ذاكرتِهِ المبعثرةِ. إلتفتَ بوبكرُ على الفورِ، روحُهُ تُساقُ بفضولٍ مُلِحٍّ، كأنّها عطشُ سنينَ طويلةٍ، ليرى مصدرَ ذاكَ الصوتِ الساحرِ والموسيقى الغريبةِ، التي أيقظتْ فيهِ وترًا من حنينٍ دفينٍ.
هناكَ، وسطَ صخبِ السوقِ، لمحَ رجلًا مسنًا، وجههُ خريطةٌ من تجاعيدَ حفرها الزمنُ القاسي، كلُّ خطٍّ فيها يحكيَ قصةَ ألمٍ لا يُحصى. كانَ جالسًا بقربِ دكّانٍ مُغلقٍ، كالصورةِ البائسةِ على جدارِ النسيانِ. إفترشَ كيسًا تجاريًا مهترئًا (خيشة)، متربعًا على الأرضِ، كأنّهُ يُعانقُ جذورَ الأرضِ المُتعبةِ، يستمدُّ منها آخرَ أنفاسِ الصبرِ.
كانتْ أناملهُ الهرمةُ، أصابعٌ حكاها الشقاءُ، تداعبُ الآلةَ الموسيقيةَ، كأنّها تنفخُ الروحَ في وترٍ ميّتٍ، تُعيدُ إليهِ الحياةَ من رمادِ النغمِ. ويُغنّي بصوتٍ مبحوحٍ، صوتٍ مُثقلٍ بحزنِ السنينَ الطويلةِ التي مرّتْ كقافلةِ الدموعِ، مردّدًا كلماتٍ لم تكنْ مجردَ حروفٍ، بل سيوفًا من نورٍ إخترقتْ قلبَ بوبكرَ، نصلٌ من حنينٍ مزّقَ حجابَ الصمتِ، وفجرَ ينبوعًا من دمعٍ طالَ حبسُهُ.
"شالابا دي طارا... نزورو جانا..."،
كلماتٌ تدفقتْ، كنغمةِ أملٍ بعيدٍ تراقصُ على حبالِ الهواءِ.
"شالابا دي طارا الحمد لله..."،
ثمَّ توقفتْ الأغنيةُ قليلًا، كأنَّ الأنفاسَ إنقطعتْ، ليعودَ الصوتُ أكثرَ حزنًا، أعمقَ مرارةً: "شالابا دي طارا أحبابي..."
وتوالتِ الكلماتُ، كأنّها صلاةٌ تنبعُ من أعماقِ روحٍ مُتعبةٍ، تتلوّى في خيوطِ الألمِ: "لا نادي لا إله إلا الله... الحبيب آرسول الله ..."
في تلكَ اللحظةِ، توقّفَ الزمنُ، إنحنى الدهرُ إحترامًا لِصدى الأنينِ. لم يعدْ بوبكر يرى السوقَ الصاخبَ، ولا يسمعُ صخبَ المدينةِ الممجوجَ، بل رأى في عينيَّ الرجلِ المسنِّ قصتهُ، ألمَهُ، ونغمةَ وطنهِ المفقودِ، كلها تتجسّدُ كشبحٍ حقيقيٍّ أمامهُ. كأنّ نغماتِ تلكَ الآلةِ، وصوتَ الرجلِ المبحوحَ، قد أيْقظتْ شيئًا عميقًا في رويهِ، وترًا كانَ يعتقدُ أنهُ قد ماتَ، ودُفنَ تحتَ رمالِ النسيانِ منذُ أزلٍ بعيدٍ، لكنّهُ عادَ ليعزفَ لحنَ الحريةِ في قلبهِ من جديدٍ.
تلكَ الكلمات، همسُ النورِ الفضيِّ في ظلمةِ القلبِ الكثيفةِ، كأنّها بصيصُ فجرٍ خجولٍ، أوحتْ لـبوبكرَ بأنّهُ مسلمٌ، وأنّ ذاكَ الصوتَ يحملُ إيمانًا يتّشحُ بوشاحِ روحهِ. "شالابا"... نداءٌ بعيدٌ، لا يمتدُّ في الأفقِ، بل يرتدُّ صداه في أعماقِ الروحِ، يعني "مرحباً"، لكنّهُ في هذا السياقِ كانَ ترحيبًا بالروحِ المُتعبةِ، بوحًا لِسرٍّ دفينٍ، كُنوزٍ خافيةٍ في صدرِ الزمنِ. ذكرُ اللهِ والنبيِّ، كأنّهُ لحنٌ روحيٌّ يرتفعُ من بئرِ الحزنِ العميقِ، ترنيمةٌ تُعزفُ على أوتارِ الوجعِ. كلُّها توحي بأنّ الرجلَ الذي يُغنّي مسلمٌ مثلهُ، وأنّ لونَهُ الأفريقيَّ، شامخٌ كجبلٍ من النحاسِ، وملامحَهُ التي تبثُّ حكاياتِ العبوديةِ كوشمٍ أزليٍّ، تُبرزُ أنّهُ هو أيضًا كانَ عبدًا، فصلٌ آخرُ في كتابِ القهرِ.
كلُّ هذهِ الإنطباعاتِ تركتْ بوبكرَ ساهيًا، غارقًا في تأمّلِ تلكَ النغماتِ القهريةِ الحزينةِ، التي إرتفعتْ كدخانٍ أزرقَ يتصاعدُ من جمرِ الألمِ المُتقدِ، يلفُّ الفضاءَ بحكاياتِ اليأسِ. شعرَ أنّها لا تُغنّى، بل تقدّمُ لهُ المواساةَ والعزاءَ، كأنّها يدٌ حانيةٌ من غيبٍ بعيدٍ تُربتُ على كتفِ روحهِ المُثقلةِ، تمسحُ غبارَ السنينَ. بقيَ بوبكرُ ساهيًا، مُغيّبَ الشعورِ، معلقًا بينَ عالمينِ، كجسرٍ من الضوءِ بينَ ظلامينِ، حتى إخترقَ صمتَ تأملِهِ صرخةٌ فضّةٌ، كصوتِ رمحٍ شقَّ الهواءَ بحدّةٍ مفاجئةٍ: "آداك لحمار! آداك لحمار! تازيد را عندنا شغل...".
تلكَ الكلماتُ، كلسعةِ سوطٍ باردٍ يهوي على الجسدِ المُتعبِ، أعادتْ "بوبكرَ" إلى الواقعِ المريرِ. إنتفضَ جسدُهُ، كطائرٍ مُذعورٍ من غفوتهِ الروحيةِ قسرًا، ليعودَ إلى عالمِ الأغلالِ وصخبِ الجلّادينَ، عالَمٍ لا يَعرفُ إلاَّ صريرَ الحديدِ وصدى الألمِ.
مرّتْ أيامٌ، ساعاتٌ ذابلةٌ كخيوطٍ من رملٍ تذروها رياحُ القدرِ العاتيةِ، تُنسجُ بها سِجالَ الزمانِ. ذاتَ يومٍ، في السوقِ ذاتهِ، حيثُ تُباعُ الأحلامُ على مذبحِ اليأسِ، وتُشترى الآهاتُ بصريرِ الأغلالِ، كانَ بوبكرُ يخطو، لا ككائنٍ حيٍّ، بل كظلٍّ مُتعَبٍ يتوارى بينَ البشرِ كأنّهُ السرابُ، يُرافقهُ بعضُ العبيدِ، أشباحٌ تمشي على الأرضِ المُتّشحةِ بالخذلانِ، لا تحملُ سوى ثِقلَ قيودِها، أصواتًا صامتةً في سيمفونيةِ الألمِ.
فجأةً، إصطادَ بصرُهُ النحيلُ ذاكَ الرجلَ المسنَّ، غارقًا في نشوةٍ كأنّها سُكرُ الروحِ، مفارقًا بهذا الحالِ عالمَ الوجعِ المريرَ. كانتْ أناملُهُ الهرمةُ تراقصُ على أوتارِ الآلةِ الغريبةِ، لا كعازفٍ، بل كنفخِ روحٍ في قلبٍ ميّتٍ، تُعيدُ إليهِ ترانيمَ الحياةِ المنسيّةَ. إقتربَ بوبكرُ، مدفوعًا بقوةٍ خفيةٍ تتجاوزُ كلَّ قيودِ الجسدِ، همسَ بصوتٍ يكادُ لا يُسمعُ: "سيدي... سيدي..."، كأنّهُ نداءُ روحٍ لروحٍ ضائعةٍ.
إنفلتتْ عيناهُ، كفجرٍ مُباغتٍ يشقُّ ليلًا طويلاً من الغيابِ، أوقفَ تراتيلَهُ، وعادتْ روحُهُ إلى قفصِ الوعيِ. تلوّنتْ ملامحُهُ بإنفعالاتٍ غضبٍ يتّقدُ كجمرٍ تحتَ الرمادِ، وأياديهِ تشنّجتْ، كجذورِ شجرٍ قديمٍ تَتَشبّثُ بآخرِ رمقٍ من الحياةِ. "أنا ما سيدَ حدٍّ آ ولدي... أنا ما سيدَ حدٍّ"، جاءَ صوتُهُ حادَّ النبرةِ، كصليلِ سيفٍ عتيقٍ يُعلنُ العصيانَ على كلِّ قيدٍ، ويُبشرُ بالحريةِ المستعصيةِ.
إعتذرَ بوبكرُ، وكلماتُهُ ترتجفُ كأغصانٍ خائفةٍ في عصفِ الريحِ: سامحني أرجوك... لكنْ... لقد أعجبني غناؤكَ هذا، ترنيمةٌ أيقظتْ صحراءَ روحيَ القاحلةَ... وعجبتني هذهِ الآلةُ العجيبةُ، صندوقٌ سحريٌّ يهمسُ بأسرارِ الكونِ... وصوتُ نغماتها الساحرةُ التي تفتنُ القلبَ والروحَ، كمصباحٍ سماويٍّ يُضيءُ عتمةَ الروحِ المُطبقَةِ، و يُبصرُ بها ما خفيَ عنِ الأعينِ".
إكتسى وجهُ الشيخِ إبتسامةً مريرةً، كطعمِ اليأسِ الذي تسرّبَ إليهِ قطراتُ أملٍ خجولٍ، ثمّ نطقَ: "هذا يا ولدي إسمهُ "الكّْمْبّْرِيّ"، وهذهِ "كناوةُ" موسيقى العبيدِ، صدى أرواحِهم المذبوحةِ، التي ترقصُ على أوتارِ الألمِ وتُرتّلُ ترانيمَ الحريةِ المسلوبةِ".
إستدركَ بوبكرُ، وعيناهُ بئرانِ عميقتانِ تسألانِ، تترقّبانِ الإجابةَ في صمتٍ. همسَ: "لكنْ... ما هيَ موسيقى العبيدِ؟"
أجابَ الشيخُ، وصوتُهُ يحملُ ثِقلَ السنينَ، حكاياتِ الأمسِ تتسربُ من كلِّ كلمةٍ: حتى أنا كنتُ عبدًا هنا في فاسَ، سنواتٍ طِوالٍ، عمرًا بأكملهِ رهنَ الأغلالِ الصدئةِ، جسدٌ مرهونٌ لِقَدَرٍ مجهولٍ. مولايَ الذي كانَ يملكني، لمسهُ ضوءُ الرحمةِ قبلَ أن يغادرَ الحياةَ، كأنّهُ توبةٌ أخيرةٌ على عتبةِ الموتِ، فأعتقني ومنحني حريتي، هديةٌ ثمينةٌ من فمِ الزمانِ، قبلَ أن يواريهِ الثرى. بعدَ ذلكَ، بقيتُ وحيدًا، كالريحِ في فضاءٍ بلا حدودٍ، لا تُقيّدُها أسوارُ ولا تُحدّدُها وجهاتٌ، حيثُ لم يكنْ أيُّ شخصٍ يطمعُ في إستعبادي أو إستغلالي؛ لأنّني رجلٌ مسنٌّ، لا أقوى على فعلِ شيءٍ، وسأكونُ مجردَ عالةٍ على الآخرينَ. لهذا بقيتُ جائلًا في فضاءِ الحريةِ الواسعِ، كطائرٍ مُحرّرٍ للتوِّ من قفصٍ قديمٍ، يبحثُ عن سماءٍ لا تعرفُ القيودَ.
كنّا أنا ورفاقَ قيدي، عبيدًا بالأمسِ، لكنَّ أرواحَنا حرّةٌ كالفجرِ. نمضي في الأزقةِ والأحياءِ، أشباحٌ لا تتسوّلُ الأملَ، بل تزرعُهُ في قلبِ الفضاءِ، وفي الأسواقِ والساحاتِ العامّةِ، حيثُ الظلامُ يُسدلُ ستائرهُ على همسِ الليالي.
كانَ أصدقائي يبدؤونَ الغناءَ، صرخةً تعانقُ عنانَ السماءِ، نداءاتٍ من الماضي البعيدِ، منبعثةً من حنينِ الروحِ إلى وطنٍ لم يُنسَ، وتطلّعًا إلى الإنفلاتِ من قيودِ الظلامِ وقهرِ العبوديةِ. كنتُ أنا أُخرجُ هذهِ الآلةَ، الكّْمْبّْرِيّ صولجانَ عزٍّ من قلبِ الألمِ، ونبدأُ في العزفِ، نُحوّلُ الألمَ إلى نغمٍ خالدٍ، والقيودَ إلى أوتارٍ تُعزفُ عليها سمفونيةُ الحريةِ.
هكذا كانتْ كناوةُ، أو موسيقى العبيدِ كما سمّاها أهلُ ذاكَ العصرِ، نشأتْ من رحمِ المعاناةِ، وتُوّجتْ بصدى الأغلالِ المتحرّرةِ، لتُصبحَ ترنيمةَ فخرٍ تُرتّلُها الأجيالُ.
ذاكَ الرجلُ، كانَ إسمُهُ عصمانَ، لونهُ من سوادِ الليلِ المُطلقِ، ودمُهُ من ترابِ السودانِ الأصيلِ. أحضروهُ إلى المغربِ منذُ سنينَ طِوالٍ إنطوتْ، عمرًا بأكملهِ قد مضى، حُفِرَ كوشمٍ أبديٍّ في جبينِ الدهرِ. كلُّ تلكَ التجاربِ، وتلكَ الحقائقِ المريرةِ، أنهارٌ من الألمِ تدفّقتْ كشلالٍ من الدموعِ، عرفها بوبكرُ من عصمانَ في ذاكَ اللقاءِ الذي لا تُطوى صفحاتُهُ من الذاكرةِ.
صارَ بوبكرُ يترددُ على عصمانَ دائمًا، كظمآنَ يرتوي من نبعِ الحكمةِ المتدفّقِ، يأتي فيبقى يستمعُ إليهِ، غائصًا في عالمِ النغمِ الأسودِ، و موسيقى الروحِ المصفّاةِ من شوائبِ الألمِ. دندناتُ الكّْمْبّْرِيّ، لم تكنْ مجردَ أوتارٍ تُعزفُ، بل زلازلَ تهزُّ أركانَ جبلِ الروحِ من الأعماقِ السحيقةِ، تسلخُها عن إنسانيتها المُقيّدةِ، كأنّها طائرٌ من الغيبِ، أسودُ الريشِ كليلِ الحزنِ و أبيضُ الروحِ كفجرِ الأملِ، يُحلّقُ في فضاءاتِ الحريةِ، بأجنحةٍ من صبرٍ طويلٍ وسلوانٍ عميقٍ، حاملًا حكمةً خفيةً كامنةً في الجذورِ، تتوهّجُ في الظلامِ كَنَجمةٍ بعيدةٍ تُضيءُ دروبَ التائهينَ.
كانَ بوبكرُ أحيانًا، في جنحِ الظلامِ أو غفلةِ العيونِ، يسرقُ الحلوى، كشذراتِ نورٍ، أو الحليبَ، كقطراتِ أملٍ، من قصرِ الباشا الذي يمتصُّ الأرواحَ، ويأخذُها إلى عصمانَ، رفيقَ الروحِ و صديقَ الدربِ. إستمرَّ الحالُ هكذا، أيامٌ تتلوها أيامٌ، كَخيوطٍ من ذهبٍ تُنسجُ بينَ قيدٍ وحريةٍ، إلى أنْ أتى اليومُ الذي أسرَّ فيهِ عصمانُ لـبوبكرَ سرَّ الكّْمْبّْرِيّ، تلكَ الآلةِ التي هزّتْ أركانَ روحهِ.
أخبرهُ أنّ هذهِ الآلةَ، ليستْ مجرّدَ خشبٍ وأوتارٍ، بل قصةُ وجودٍ، شهادةُ روحٍ. صنعهُ بيديهِ، من خشبِ شجرةٍ ميتةٍ، يابسةٍ، مقطوعةٍ ومتروكةٍ كنسيٍّ قديمٍ، لكنّ فيها روحًا تنتظرُ أنْ تُبعثَ. ثمّ ذهبَ إلى إحدى المسالخِ، حيثُ تُراقُ الأرواحُ البريئةُ، ليتسوّلَ من الجزارينَ أمعاءَ التيسِ، خيوطًا مُبللةً بالدمِ، ويتسوّلَ منهم جلدَ الماعزِ، غطاءً مُنتزعًا من جسدٍ بلا روحٍ.
بعدَ ذلكَ، صنعَ عصمانُ هيكلَ الكّْمْبّْرِيّ، من خشبِ الشجرةِ اليابسةِ، كأنّهُ يُعيدُ تشكيلَ الهيكلِ العظميِّ لِفَنٍّ مفقودٍ. وجعلَ الجلدَ طبلةً تُغلّفُ وجهَ الآلةِ، كأنّها تُخبّئُ تحتَها أسرارَ الكونِ. ثمّ صنعَ من أمعاءِ الماعزِ أوتارًا، بعدَ غسلها وعصرها و تجفيفها تحتَ أشعةِ الشمسِ الحارقةِ، لتُصبحَ خيوطًا تُغنّي الألمَ. وهكذا، نطقَ عصمان، وكلماتُهُ تُشعلُ نارًا في روحِ بوبكرَ: هذا الكّْمْبّْرِيّ صُنعَ من ثلاثِ أرواحٍ.
تلكَ العبارةُ الأخيرةُ، نزلتْ كصاعقةٍ في قلبِ بوبكرَ، جعلتْهُ مشدوهًا ومنفعلًا، وهوَ يردّدُها، كصدىً يعودُ من أعماقِ الكونِ: "هذا الكّْمْبّْرِيّ مصنوعٌ من ثلاثِ أرواحٍ!". أجابَهُ عصمانُ، وصوتُهُ يحملُ حكمةَ الدهورِ: نعم، ثلاثُ أرواحٍ: روحُ الخشبِ الذي ماتَ لِيُبعثَ، وروحُ جلدِ الماعزِ الذي ضحّى بوجودِهِ، و روحُ أمعاءِ التيسِ التي تحوّلتْ إلى أوتارٍ تُغنّي الحياةَ و الموتَ. كلُّ نغمةٍ تخرجُ من هذهِ الآلةِ، تخرجُ من أرواحٍ ميتةٍ، لتُداويَ أناسًا ميتينَ، رُغمَ أنّهم يبدونَ في صفةِ أحياءٍ.
كلّما لتقى بوبكرُ بِـعصمانَ، لم يكنْ ذاكَ اللقاءُ مصافحةَ جسدينِ بليينِ، بل تلاقٍ لأرواحٍ متعطّشةٍ للتحرّرِ، كَلَظىً خفيٍّ يُصارعُ رمدَ الوجودِ. كانَ عصمانُ يعزفُ لهُ أغنياتِ "آطْرُّوحَا"، لا كأنغامٍ تُسلي السمعَ العابرَ، بل كَهَمسِ الرّوحِ المصلوبةِ، تراتيلَ تُشرقُ من جباهِ الألمِ. أغنياتٍ تتغنّى بمعاناةٍ حُفِرتْ في أجسادِ العبيدِ كوشمٍ أبديٍّ، وتنطقُ بإسمِ العبوديةِ التي تُحيلُ الإنسانَ إلى جسدٍ يمشي كَالشّبحِ، روحٌ ميّتةٌ تُواريَ أحزانَها في عالمِ الأحياءِ.
كانتْ تلكَ المواعظُ الموسيقيةُ، ترانيمَ النورِ المُتقدِ في قلبِ العتمةِ السّحيقةِ، قد أيقظتْ في روحِ بوبكرَ شرارةَ الحريةِ المقدّسةِ، كَنَجمةٍ إنفلتتْ من قبضةِ اللّيلِ. فادإنبعثتْ في أعماقهِ رغبةٌ جامحةٌ في الهربِ، لا كفرارِ جبانٍ، بل كَهَجرِ الكونِ لِقيدِهِ الأبديِّ، ليُحرّرَ نفسَهُ من وطأةِ الإستعبادِ التي تسحقُ الأحلامَ، كصخرٍ يهوي على زهرِ العمرِ. وهذا ما كانَ، فالحريةُ ليستْ منحةً تُقدّمُها أيادي القهرِ، بل إنتزاعٌ أزليٌّ يُخطُّ بالدّماءِ والأنينِ.
في إحدى الأيامِ، نسجَ بوبكرُ وعصمان خيوطَ إتفاقٍ سرّيٍّ، كخيوطِ فجرٍ ينسابُ من ظلمةِ ليلٍ طويلٍ، يُبشّرُ بِنَهْرِ الضّوءِ. ذهبَ بوبكرُ إلى السوقِ، مستغلًّا فرصةَ الخروجِ للتسوقِ، لا كَعبدٍ يُنجزُ مهمّةً، بل كقناعٍ شفافٍ يُخفي وراءَهُ ألفَ حُلمٍ يُرفرفُ، وميلادَ أملٍ لا يلينُ. تسلّلَ من السوقِ، تاركًا خلفَهُ صخبَ القيودِ المزمجرةِ، إلى غابةٍ تقعُ بعيدًا، لا كملاذٍ مؤقّتٍ، بل كالروحِ التي تهربُ من سجنِ الجسدِ الفاني. هناكَ، كانَ عصمانُ ينتظرهُ، لا كشخصٍ، بل كظلٍّ من الأملِ يتشكّلُ في فضاءِ الغيابِ. ثمّ إنطلقا بعيدًا، كطائرينِ حُرّينِ إخترقا سماءَ القدرِ، في رحلةِ معانقةِ الحريةِ في الفضاءِ المجهولِ، حيثُ لا قيودَ تُذكرُ ولا سجونَ تُرى، سوى رحابةِ الكونِ اللامتناهي، و خلودِ الروحِ المُتحرّرةِ.
بدأَ بوبكرُ رحلتَهُ، لم يعدْ عبدًا مُقيّدًا بِأغلالِ الجسدِ، بل روحًا تتعلّمُ أبجديةَ الحريةِ الكونيةِ، تنصتُ لِهمسِ النّجومِ. حفظَ أغانيَ الروحِ "آطروحا"، التي ليستْ مجرّدَ كلماتٍ تُردّدُها الشفاهُ، بل ألحانَ تاريخٍ يصرخُ بأوجاعِ الأمسِ، و أنّاتِ أرواحٍ أُعدمتْ في ساحاتِ القهرِ الصامتِ، كَشواهدَ على ظلمٍ أزليٍّ. وبدأَ يتعلمُ العزفَ على الكّْمْبّْرِيّ، تلكَ الآلةِ التي جمعتْ شتاتَ الألمِ و بعثتْ منهُ لحنَ الخلودِ. لكنّ عصمانَ، ذاكَ المعلمُ الذي فَتَحَ لهُ أبوابَ الروحِ المُوصَدةِ، وشقَّ لهُ دروبَ البصيرةِ، أصرَّ أن يلعبَ بوبكرُ على الصنوجِ الحديديةِ فقطْ؛ "القراقبُ"، التي كانَ كلُّ من يلعبُ عليها يُسمّى "كويو" بلغةِ كناوةَ الأفريقيةِ، كلمةٌ لا تحملُ في طيّاتها صدى وطنٍ بعيدٍ فحسبُ، بل هيَ ذكرى الأغلالِ التي كانتْ تُكبّلُ قوافلَ العبيدِ، وهيَ تُساقُ إلى الموانئِ، تراتيلُ لِصريرِ القيودِ وهيَ تُغنّي الألمَ. عصمانُ يعزفُ على الكّْمْبّْرِيّ، بوبكرُ يضربُ على "القراقبِ"، تناغمٌ روحيٌّ يتعالى من رحمِ الألمِ العميقِ، سيمفونيةُ قهرٍ تتحوّلُ إلى نشيدِ فخرٍ.
كانَ "كويو"، ورفيقُهُ عصمانُ، يتجولانِ في الأسواقِ، لا كَبَشرٍ عاديينِ، بل كظِلَّينِ مُقدّسينِ يُنشرانِ لحنَ الحياةِ الأبديةِ، يتسولانِ في ملكوتِ اللهِ الفسيحِ، بموسيقاهما التي لا تُداوي الجراحَ وحسبُ، بل تُعيدُ بناءَ الأرواحِ المُحطّمةِ، وتُلهِمُ الأملَ في قلوبِ ميّتةٍ بالحياةِ. بقيا على هذهِ الحالِ، أيامٌ تتبعُها أيامٌ، لا كَخُطى القدرِ على رمالِ الزمنِ الفاني، بل كَقَوافِلِ النورِ التي لا تتوقفُ عن المسيرِ، من مدينةٍ إلى مدينةٍ، من قريةٍ إلى قريةٍ، يزرعانِ بذورَ الأملِ في قلوبِ اليائسينَ، و يُوقدانِ شموعَ الإيمانِ في أرواحِ الضّالينَ.
إلى أنْ أتى يومٌ من أيامِ اللهِ، لا يُشبهُ سائرَ الأيامِ، يومٌ حُفرَ في ذاكرةِ الكونِ. كانا يعزفانِ في إحدى الأسواقِ، حيثُ الزحامُ ينسجُ قماشَ الحياةِ بألفِ خيطٍ، لكلِّ خيطٍ حكايةٌ، و لكلِّ صوتٍ صدى. فجأةً، ظهرتْ إمرأةٌ صدفةً بالقربِ منهما، لا كَبَشَرٍ، بل كَنَجمةٍ هوتْ من سماءٍ بعيدةٍ، تحملُ سرَّ الغيبِ في عينيها. أُغميَ عنها وسقطتْ في الحالِ، كأنّما روحُها لم تعدْ تحتملُ عبىءَ الوجودِ، أو أنّها إستمعتْ لِصوتٍ من عالمٍ آخرَ. في تلكَ اللحظةِ، بدأَ عصمانُ يجتهدُ، ويزيدُ في حبكةِ العزفِ، كأنّهُ يُصارعُ القدرَ بأوتارِهِ، يرفعُ الأنينَ إلى مصافِّ الروحانية الخالصة والألحانِ النابعة من أعماق القلب المكلوم. غنّى بنبرةٍ حادةٍ، وجبينُهُ يتصبّبُ عرقًا، لا كَقطراتِ ماءٍ، بل كأنهارٍ من الألمِ تُروي أرضَ المعاناةِ، وتُنبِتُ أزهارَ الصمودِ. إجتمعتِ الناسُ حولَ المرأةِ، أيقظوها، رشّوا على وجهها ماءَ الوردِ، لا كَنَدىً يُنعشُ أرواحًا ذابلةً، بل كَمَطرٍ سماويٍّ يُطهّرُ القلوبَ من درنِ اليأسِ.
قبلَ أن تُغادرَ تلكَ السيدةُ، التي بدتْ وكأنّها تحملُ أسرارًا خفيةً في عينيها، غموضًا يلفُّ روحَها كنجمةٍ غامضةٍ، وضعتْ يدها في حقيبتها، كأنّها تمدُّ يدًا من غيبٍ بعيدٍ، تحملُ معها بركاتٍ خفيةً، وأخرجتْ بعضَ القطعِ المعدنيةِ، ووضعتها لهما على المنديلِ، وغادرتْ، كظلٍّ يختفي في زحامِ البشرِ، لا يُخلّفُ إلاّ أثرَ نورٍ خافتٍ. وهكذا إستمرا على هذا الحالِ، رحلةً بلا نهايةٍ، من مكانٍ إلى مكانٍ، ومن مدينةٍ إلى مدينةٍ، حاملينَ موسيقاهما، ترانيمَ الحريةِ، صيحاتِ المجدِ من رحمِ الألمِ، إلى أنْ وصلا إلى مدينةِ الصويرةِ، والتي كانَ إسمُها آنذاكَ موغادورَ، لا مجردَ ميناءٍ، بل ميناءُ الأرواحِ الحُرّةِ، و ملتقى الأمواجِ بصدى الأغلالِ المتحرّرةِ، حيثُ تُكتبُ فصولُ الخلودِ.

يتبع ........



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أَطْلَانتس وَسيِّدِي مُوسَى
- الزَّرَادِشْتِيَّة
- جَوْهَرٌ أَعْمَق أَسْرَار الْوُجُود
- إخْتِرَاق الزَّمَكَان
- المُثَقَّف الْمُزَيَّف
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٌ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّالِثِ-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْء الثَّانِي-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة: الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...


المزيد.....




- فساتين النجمات في حفلات صيف 2025: بين الأناقة والتمرّد على ا ...
- مراسلة CNN تضغط على ترامب بشأن الاجتماع المحتمل مع بوتين
- البرغوثي يعلق على خطة غزة التي أعلنها نتنياهو
- ماذا كشف نتنياهو بخطة غزة الجمعة؟.. إليك ما نعلمه ولا نعلمه ...
- مفاوض سابق عن خطة احتلال غزة: من الصعب نجاحها وستكون باهظة ا ...
- لماذا تقود السعودية حملة دولية للاعتراف بدولة فلسطينية؟
- رفيقك الوفي.. كلبك قد يعيد لك توازنك ويخفف من الضغوط والتوتر ...
- وزير الهجرة اليوناني يشيد بتراجع أعداد الوافدين بعد شهر من ت ...
- فيدان: ناقشت مع الشرع تعميق التعاون والقضايا الأمنية
- حكم قضائي رابع يوقف أمر ترامب بمنع منح الجنسية الأميركية بال ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْكِمُبْرِي -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-