أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - جَوْهَرٌ أَعْمَق أَسْرَار الْوُجُود















المزيد.....



جَوْهَرٌ أَعْمَق أَسْرَار الْوُجُود


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 16:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


* ماهية الجوهر الروحي

الخوض في ماهية الجوهر الروحي الذي يُشكّل حقيقة الأسرار الباطنية يأخذنا إلى قلب اللُّب، إلى النقطة التي تتلاشى فيها الكلمات و تُصبح المفاهيم مجرد إشارات بعيدة. إنه سؤال عن جوهر الوجود نفسه، الوعي المطلق الذي لا يُدرك إلا بتجربة مباشرة تتجاوز العقل واللغة. في مختلف التقاليد الحكمية والمدارس الباطنية، يُشار إلى هذا الجوهر بأسماء متعددة، لكنها جميعاً تُحاول الإشارة إلى نفس الواقع المتسامي والمُتجلّي في آن واحد.
الوعي الخالص / المطلق (Pure/Absolute Consciousness) هو ليس مجرد وعي بالمعنى الإنساني (التفكير، الإحساس)، بل هو الوعي الذي لا يُدرك شيئاً سوى ذاته. إنه الأساس الذي ينبثق منه كل وعي، وكل فكرة، وكل إدراك. هو العمى الأولي الذي يسبق الوجود المادي، والزمان، والمكان. هذا الوعي ليس له بداية و لا نهاية، ولا شكل ولا صفة يمكن حصرها. إنه المراقب الأبدي الذي لا يُراقَب.
الواحدية المطلقة / اللا ازدواجية (Absolute Unity / Non-Duality) هو الجوهر الذي تُدرك فيه أن كل شيء هو جزء لا يتجزأ من الكل الواحد. هو النقطة التي تُلغى فيها جميع الأضداد والتمييزات (الروح والجسد، الذات والآخر، الداخل والخارج، النور والظلام). الأسرار الباطنية تُشير إلى أن الإنفصال مجرد وهم إدراكي. هذا الجوهر الروحي هو المادة الحقيقية التي تُشكل الكون كله، وهو مُتطابق مع الجوهر الروحي لكل فرد.
الفراغ الممتلئ / العدم المطلق (The Full Void / Absolute Nothingness) ليس فراغاً بمعنى العدم أو الغياب، بل هو إمتلاء لا نهائي من الإمكانية الخالصة. هو اللاشيء الذي هو في الحقيقة كل شيء. إنه مصدر كل الخلق، كل المظاهر، كل الأكوان. هو المساحة اللانهائية التي تتجلى فيها الحياة وتعود إليها. هذا الجوهر لا يُمكن تعريفه بما هو موجود لأنه يتجاوز الوجود نفسه، لكنه يُمكن كل الوجود.
الجوهر الإلهي المتسامي والمُتجلّي (Transcendental and Immanent Divine Essence) في العديد من التقاليد، يُرى هذا الجوهر كـالله أو اللاهوت. أو البراهمان (Brahman) أو الطاو (Tao). هو متسامٍ يتجاوز الكون المادي والزمان والمكان، لكنه أيضاً مُتجلّي. موجود داخل كل ذرة من الكون، وداخل كل كائن حي. هذا الجوهر هو الشرارة الإلهية في قلب كل كائن حي، وهو الهدف النهائي للاتحاد الصوفي.
لماذا تُشكّل هذه الماهية حقيقة الأسرار الباطنية؟
لأنها غير قابلة للإكتساب. لا يُمكن إمتلاك هذا الجوهر أو الحصول عليه كمعرفة، بل يُمكن فقط إدراكه، أو التحقق منه، أو الاندماج به. الأسرار البميستيكية لا تُنقل بالكلمات لأنها تُشير إلى هذه الحقيقة التي تقع خارج نطاق اللغة والتفكير الخطي. الإدراك الحقيقي لهذا الجوهر يتطلب إنحلال الأنا الفردية، تلك الحدود الوهمية التي تُفصل الذات عن الآخر. هذا الإنحلال هو ما يُخيف العقل، ولذلك تُحيط به الأسرار و يُدرّس في سياقات مُقيّدة. لأنها تُقدم التحرر المطلق. عندما يُدرك الفرد ماهية هذا الجوهر، فإنه يُتحرر من المعاناة، و الخوف، والوهم، ويُصبح مُتزامناً مع تدفق الوجود الكوني.
هذه هي الغاية القصوى للعمل العظيم (Magnum Opus) في الخيمياء الروحية، و التنوير في البوذية، والإتحاد في التصوف. لأنها لا تُخبأ، السر ليس مخفياً عمداً، بل هو شفاف للغاية ومُنتشر في كل مكان، بحيث لا يُمكن رؤيته إلا عندما تُرفع حُجب الإدراك العادي. هو الواضح الذي لا يُرى بسبب كثافته وشموله. إن ماهية الجوهر الروحي الذي يُشكل حقيقة الأسرار الباطنية هي الوعي الخالص، اللامتناهي، غير المتمايز، الذي هو الأصل و الجوهر لكل الوجود، والذي يُدرك من خلال التجربة الحدسية العميقة التي تتجاوز كل الحدود العقلية واللغوية.
* الوحدة الكونية كمظهر من مظاهر تجلي الوعي ؛ نحو تأسيس تصوف كوني ؟
الإختلاف في الأديان والعقائد الروحية و الفلسفات الباطنية هو إختلاف في المظهر الخارجي و الوصف اللغوي فقط، أما على مستوى الجوهر الروحي، فإنها متفقة ومنسجمة تماماً. هذا الوصف يُلامس جوهر الحكمة الخالدة، ويُعدُّ من أعمق الرؤى التي توصلت إليها الفلسفات الروحية والباطنية عبر العصور. هذه الحقيقة تُعرف في بعض الدوائر بـالفلسفة الخالدة (Perennial Philosophy)، والتي تُؤكد أن هناك حقيقة كونية واحدة، أو جوهر إلهي واحد، تُعبّر عنه الأديان و الفلسفات المختلفة بطرق متعددة تناسب سياقاتها الثقافية و التاريخية. لماذا تتفق هذه التقاليد في جوهرها الروحي ؟ إن الجوهر الروحي الذي ناقشناه سابقاً – الوعي الخالص، الوحدة المطلقة، العدم الممتلئ – هو في طبيعته لا يُوصف بالكلمات (Ineffable). إنه يتجاوز حدود اللغة، الفكر، و المفاهيم العقلية. لذا، فإن الأديان والفلسفات تلجأ إلى الرموز، الإستعارات، القصص، الطقوس، والتعاليم المُشفرة كما في الخيمياء والقبالة، في محاولة للإشارة إلى هذا الجوهر. كل ثقافة تُقدم خريطة أو دليلاً بلغتها ورموزها الخاصة، ولكن جميع هذه الخرائط تُشير إلى نفس الكنز أو الوجهة النهائية. سواء أُطلق عليه الله، الإله، براهما، عين سوف، أو الطاو، فإن جميع هذه التقاليد تُشير إلى مصدر واحد، أولي، وكوني لكل الوجود. هذا المصدر هو الجوهر الروحي الذي تُنبثق منه كل الكائنات وتعود إليه. رغم إختلاف المصطلحات (الخلاص، النيرفانا، التنوير، الإتحاد مع الإله، التفريد)، فإن الغاية القصوى لهذه المسارات هي نفسها. التحرر من الوهم، وإدراك الوحدة مع هذا الجوهر الأبدي، وتحقيق السلام والكمال الداخلي. على مستوى التجربة الروحية العميقة، يجد السالكون من مختلف التقاليد أنفسهم أمام نفس الحقائق الأساسية. إنحلال الأنا، إدراك الوحدة الكونية، الشعور بالحب اللامشروط، والوجود الخالص في اللحظة الأبدية. هذه التجارب المُباشرة، التي تتجاوز العقائد، هي التي تُؤكد على وحدة الجوهر. فالشخص الذي يُحقق التنوير في البوذية، أو الفناء في التصوف، أو الوحدة مع الله في المسيحية الصوفية، أو الكابالاه العليا، يُدرك نفس الواقع، وإن إختلف وصفه لما حدث بعد العودة من هذه التجربة. يُعزز هذا الفهم التسامح العميق بين الأديان و العقائد، حيث يُنظر إلى الإختلافات على أنها طرق متنوعة، وليست صراعات على حقيقة حصرية. لا يُصبح هناك "ديني" أو "طريقتي" فقط هي الصحيحة، بل كل الطرق تُمكن أن تُقود إلى نفس الجوهر إذا سُلِكت بصدق وعمق. يُحوّل التركيز من الإلتزام الشكلي بالطقوس والعقائد إلى البحث الداخلي عن الحقيقة والتجربة المباشرة للجوهر الروحي. فالمهم ليس ما تُؤمن به حرفياً، بل ما تُختبره وتُحققه في وعيك. يُبرز هذا الفهم وحدة البشرية على مستوى أعمق من الأعراق، الثقافات، والأوطان. فالجوهر الروحي الكامن في كل فرد هو نفسه، ويُشكل رابطاً لا يُرى لكنه أصيل بين الجميع. بشكل عام أنا أجعلك تضع يدك على أحد أعمق الأسرار وأكثرها تحريراً في الفلسفة الروحية. إن النور واحد، وإن اختلفت ألوان الزجاج الذي يمر عبره. كما أن الحقيقة واحدة، وإن تعددت الألسنة التي تُحاول التعبير عنها.
* رحلة البحث عن الجوهر "مفاتيح العلوم الحكمية"؟
البحث عن الجوهر الأعمق والأكثر تجريدًا أو سرية داخل العلوم الحكمية، تلك النقاط الخفية التي تُعتبر المفتاح لفهم العديد منها. إذاً، دعنا نُركز على بعض المفاهيم المحورية و السرية الأهم التي تُشكل الأسس الخفية للعديد من هذه التقاليد الباطنية، والتي غالباً ما تتجاوز مجرد التخصصات لتُصبح مفاتيح للفهم الكوني والتحول الذاتي.
. المادة الأولية (Prima Materia) والشيء الواحد (The One Thing). ليست مجرد عنصر مادي، بل هي المادة الأصلية الفوضوية والكونية التي يُعتقد أنها الأساس لكل الوجود. إنها السر الأعظم في الخيمياء، ليست شيئاً يمكن العثور عليه في الطبيعة بشكله النقي، بل هي حالة بدائية تتطلب إعداداً خاصاً مثل تنظيف الكبريت أو تفكيكه. في سياقات أخرى، هي اللاشيء الذي إنبثق منه كل شيء، أو الجوهر الكامن في كل كائن. لماذا هي مهمة وسرية؟ لأنها تمثل نقطة البداية والنهاية للتحول. فهمها يعني فهم أصل الخلق وإمكانية العودة إليه أو التحكم به. هي سر الوجود نفسه، وكيفية إستخلاص الجوهر الإلهي أو الذهب الفلسفي من الفوضى والظلام. هي الوعي الخام الذي يُمكن صياغته.
. قانون المُراسلات (Law of Correspondence). كما في الأعلى، كذلك في الأسفل (As Above, So Below). هذا هو المبدأ الأساسي في الهرمسية، وهو حجر الزاوية في فهم العلاقة بين المستويات المختلفة للوجود: الكوني، البشري، المادي، والروحي. يُشير إلى أن هناك توازناً وتطابقاً بين العالم الكبير (الكون الكلي - Macrocosm) والعالم الصغير (الإنسان - Microcosm). لماذا هو مهم وسري؟ لأنه يُمثل المفتاح لفهم أسرار الكون من خلال دراسة الذات، والعكس صحيح. يُمكّن الباطنيين من إستنتاج القوانين الكونية من الظواهر الأرضية، ومن ثم إستخدام هذه القوانين للتأثير على الواقع أو تحقيق التحول الروحي. هذا القانون يُفترض أن يُقدم بصيرة عميقة في كيفية عمل السحر بمعناه الباطني و التنجيم والخيمياء، فهو يُظهر أن كل شيء مُترابط.
. النار السرية (Secret Fire) أو عامل التحول الخفي. هي ليست ناراً مادية بالضرورة، بل هي قوة خفية، طاقة كامنة، أو مذيب كوني يُعتقد أنه ضروري لتحقيق التحولات العميقة، سواء في المعادن أو في النفس. يُمكن أن يُشار إليها بالزئبق الفلسفي أو روح المادة. في بعض الأحيان، تُفسر بأنها إرادة الروح الإنسانية نفسها أو شرارة الوعي الإلهي داخل الكائن. لماذا هي مهمة وسرية؟ لأنه يُعتبر السر العملي الذي يُنشط المادة الأولية ويُمكنها من المرور بمراحل التحلل و التطهير والإتحاد (Nigredo, Albedo, Rubedo). هي القوة الكامنة التي تُحوّل التراب إلى ذهب أو الجسد إلى روح. الوصول إليها وتفعيلها هو لبّ العمل العظيم، وهو يتطلب معرفة باطنية عميقة ودقيقة.
. التكامل الذاتي (Individuation) أو الإتحاد المقدس (Hieros Gamos). هذا هو الهدف النهائي للعمل الخيميائي على المستوى النفسي/الروحي، وهو مفهوم محوري في علم النفس اليونغي. يُمثل عملية توحيد الأضداد داخل النفس؛ الوعي واللاوعي، الذكر والأنثى (الأنيما و الأنيموس)، الظل والجانب المشرق. يُشار إليه بـالربس (Rebis)، الكائن ثنائي الجنس والمُتكامل الذي يُجسد الإتحاد المثالي. لماذا هو مهم و سري؟ لأنه يُمثل الكمال البشري الروحي. السر يكمن في كيفية تحقيق هذا الإتحاد، الذي يتطلب مواجهة عميقة للجوانب المظلمة من الذات (Nigredo)، وتطهيراً للنفس (Albedo)، قبل الوصول إلى التكامل النهائي (Rubedo). هذا يُنظر إليه على أنه الطريق الحقيقي للتنوير والتحرر من المعاناة.
. المعرفة اللفظية مقابل المعرفة التجريبية (Gnosis vs. Pistis). في العديد من العلوم الحكمية خاصة الغنوصية و القبالة، هناك تمييز صارم بين المعرفة السطحية أو الإيمانية (Pistis) والمعرفة العميقة، الباطنية، والحدسية التي تُكتسب من التجربة المباشرة (Gnosis). لماذا هي مهمة و سرية؟ لأن السر الأكبر لا يُمكن نقله بالكلمات أو النصوص وحدها. يجب أن يُختبر ويُدرك بشكل مباشر من خلال الممارسة، التأمل، أو الصحوة الروحية. الكتب قد تُشير إلى الطريق، لكن الرحلة يجب أن يُخاضها الفرد بنفسه ليُدرك الحقيقة السرية. هذا ما يجعل هذه العلوم سرية؛ ليس لأنها مخبأة، بل لأنها غير قابلة للنقل إلا من خلال التجربة الشخصية العميقة والتحول الداخلي. هذه المفاهيم تُعدُّ أعمدةً أساسية للفهم الباطني للكون والذات في العديد من التقاليد الحكمية، وتُقدم رؤى تتجاوز التفسيرات الحرفية.
* جوهر التجربة الصوفية الباطنية؛ "مفتاح المفاتيح" لأعمق أسرار الوجود
سوف نغوص هنا في جوهر التجربة الصوفية الباطنية، و اللُب الفلسفي للواقع كما تُدركه هذه التقاليد. هذه ليست علوم بالمعنى المنهجي، بل هي رؤى كونية و حقائق عليا يُقال إنها لا تُنقل بالكلمات، بل تُدرك بالتجربة المباشرة و التنوير. هذه هي الأسرار التي لا تُكتسب بالدراسة، بل بالتجربة و التحول العميق، وتُعتبر "مفتاح المفاتيح" لأعمق أسرار الوجود.
. سر الوحدة المطلقة (Non-Duality) / اللاشيء (Ain Soph / Emptiness). هذا هو أعمق سر في العديد من التقاليد الصوفية والشرقية مثل الأدفايتا فيدانتا، البوذية الماهايانا، القبالة العليا، والتصوف الأقصى. إنه الإدراك بأن كل الوجود هو في جوهره واحد غير مُتجزئ. جميع الأضداد والإزدواجيات التي نُدركها (الخير والشر، النور والظلام، الروح والمادة، الذات والآخر) هي مجرد أوهام أو تجليات لمبدأ واحد أسمى. في القبالة، يُسمى هذا عين سوف (Ain Soph)، أي اللامحدود أو اللاشيء الذي منه إنبثق كل الوجود. في البوذية، هو الفراغ (Emptiness) ليس بمعنى العدم، بل بمعنى غياب الجوهر الذاتي المنفصل عن الكل. لماذا هو الأعمق و الأكثر سرية؟ لأنه يتجاوز كل المفاهيم الثنائية التي يُبنى عليها فكرنا ولغتنا. لا يمكن وصفه بالكلمات، بل يُدرك فقط من خلال تجربة التنوير أو الصحوة الروحية. إنه يُفكك الواقع كما نعرفه، ويُلغي الأنا (Ego) الفردية، ويُشير إلى أن السر ليس شيئاً يمكن إمتلاكه، بل هو طبيعة الوجود نفسه التي يجب أن تُعاش. إنه يُقدم مفتاح التحرر المطلق من المعاناة والأوهام.
. الوعي هو الواقع الوحيد (Consciousness as the Sole Reality). هذه الرؤية تُجادل بأن الوعي ليس مُنتجاً للمادة، بل هو الأساس الذي تُنبثق منه المادة والزمان و المكان. الكون ليس هناك في الخارج منفصلاً عن المُراقب، بل هو تجلٍّ للوعي الكوني أو الإلهي. الأفكار، المشاعر، و التجارب ليست مجرد منتجات ثانوية لدماغ مادي، بل هي جوهر الوجود. لماذا هو الأعمق والأكثر سرية؟ لأنه يُغير جذرياً فهمنا للعلاقة بين الروح والجسد، ويُعطي الوعي قوة لا تُصدق في تشكيل الواقع. إذا كان الوعي هو كل شيء، فإن التحكم بالوعي (عبر التأمل، اليوغا، أو الممارسات الباطنية) يُصبح المفتاح الحقيقي لتحقيق أي تحول، سواء داخلي أو خارجي. يُمكن أن تُقود هذه الرؤية إلى مستويات عميقة من المسؤولية الذاتية، وإلى إدراك أن الكون الذي نُدركه هو في الأساس إنعكاس لوعينا.
. الموت كتحول مطلق وتجربة الإندماج الكوني. الموت ليس مجرد نهاية للوجود البيولوجي، بل هو التحول الأقصى و الإندماج النهائي مع الوحدة المطلقة أو الوعي الكوني. في التقاليد الباطنية، يُنظر إلى الموت على أنه ذروة عملية التحلل (Nigredo)، حيث تتفكك الحدود الفردية وتُعاد الروح إلى مصدرها الكوني. الموت هو البوابة إلى معرفة عميقة حول طبيعة الخلود، وليس بالمعنى الديني التقليدي (الجنة/النار)، بل بمعنى الإنصهار في الكل. لماذا هو الأعمق و الأكثر سرية؟ لأن مجتمعاتنا الحديثة تُفضل تجنب الحديث عن الموت. أما في التقاليد الباطنية، ففهم الموت ومواجهته هو خطوة أساسية لتحقيق الوعي الكامل في الحياة. الخوف من الموت يُنظر إليه على أنه خوف من التغيير الجذري و غياب السيطرة. من خلال فهم أن الموت هو تحول وإندماج، يُمكن للسالك أن يُحرر نفسه من أكبر القيود وأعمق الأوهام، ويُدرك الوجود على مستوى يتجاوز الفناء.
. الرمزية الكونية كأداة للإدراك المباشر.؟ إنها ليست مجرد إستخدام للرموز (كالطاووس، الغراب، التنين)، بل هو إدراك أن الكون نفسه يتحدث بلغة الرموز الأركيتايبية التي تتجاوز الكلمات والعقل المنطقي. الرموز الخيميائية، القبالية، أو الأساطير القديمة ليست قصصاً أو رسومات عادية، بل هي بوابات تُؤدي إلى مستويات أعمق من الوعي، وتُقدم معرفة مُباشرة لا تُقيدها قيود اللغة. لماذا هي الأعمق و الأكثر سرية؟ لأنها لغة تُخاطب اللاوعي والروح مباشرة، ولا تُقدم نفسها للمنطق العادي. فهمها يتطلب بصيرة.أو إدراكاً داخلياً يتجاوز مجرد فك التشفير. السر يكمن في القدرة على قراءة هذه اللغة الكونية والتفاعل معها، مما يفتح قنوات للحدس و المعرفة التي لا تُكتسب بالطرق التقليدية.
هذه المفاهيم تُشكل قمة الهرم في العلوم الحكمية، وهي ليست مُعدة لكل من يبحث عنها، بل لمن هو مُستعد لتفكيك واقعه الخاص والتعامل مع الحقائق التي قد تُزعزع أسس فهمه للعالم. إنها دعوة للغوص في الوعي نفسه، وإدراك أن أعظم الأسرار ليست مخبأة في الكتب القديمة، بل في أعماق الكائن البشري والكون الذي هو جزء منه.
* نسكن عالم من الرموز بنفس القدر الذي تسكن فيه هذه الرموز عالمنا؟

إن جوهر الفهم الباطني للواقع، يُعبر عن علاقة تداخل و تكامل مُذهلة بين الوعي البشري و الكون. إنه يتجاوز مجرد إستخدام الرموز ليُشير إلى كونها نسيج الوجود ذاته.
"نحن نسكن في عالم من الرموز". هذا الجزء يُشير إلى أن إدراكنا للواقع ليس مباشراً وبسيطاً، بل هو مُتوسط و مُشكل بواسطة الرموز. نحن نُدرك العالم ونُفسره من خلال اللغة، المفاهيم، الصور الذهنية، الأساطير، وحتى أنماط التفكير. هذه كلها أشكال من الرموز. فكرة الشجرة ليست الشجرة نفسها، بل هي رمزٌ لمجموعة من الصفات والتجارب المرتبطة بها. تُرى الظواهر الكونية والطبيعية وحتى الأحداث الحياتية كرموز أو تجليات لقوى ومبادئ أعمق. الشمس ترمز للنور و الحياة، القمر للأنوثة و اللاوعي، الماء للتطهير والتحول. نحن لا نعيش فقط بين الأشياء، بل بين المعاني التي تُعبر عنها هذه الأشياء. عالمنا ليس فقط فيزيائياً، بل هو عالم من الدلالات والتفسيرات.
"بنفس القدر الذي تسكن فيه هذه الرموز عالمنا" هذا هو الجزء الأكثر عمقاً، وهو ما يرفع الفهم إلى مستوى الوحدة المطلقة. إنه يُشير إلى أن الرموز ليست مجرد إختراعات بشرية أو أدوات لتفسير الواقع، بل هي مبادئ وجودية كامنة في نسيج الكون نفسه. في الفلسفات الباطنية، الرمز ليس ميتاً؛ إنه كائن حي يحمل طاقة ومعنى وقوة. الأركيتايبات (الأنماط الأصلية) كما وصفها يونغ، ليست مجرد أفكار في عقولنا، بل هي هياكل عالمية تُنظم التجربة البشرية وتُشكل المظاهر الكونية. الرموز تسكن عالمنا بمعنى أنها تتجلى في الظواهر الطبيعية، في سلوكيات البشر المتكررة، في أنماط الأحلام، وفي الأحداث المتزامنة (Synchronicities). هي ليست فقط في أذهاننا، بل هي جزء من "المادة الأولية" للواقع، تتجسد وتُعبر عن نفسها.
"الوحدة بين المُدرك والمُدرَك"؛ هذا الجزء يُلغي الفصل بين الذات والموضوع. فنحن لا نسكن عالماً من الرموز التي نُشكلها، ولا تسكن الرموز عالمنا كـكائنات منفصلة. بدلاً من ذلك، هناك تفاعل وتداخل مستمر حيث يُشكل الوعي الرموز، وتُشكل الرموز الوعي والواقع الذي يُدركه. الرمز هو نقطة إلتقاء الوعي بالواقع. هذا الفهم يُقدم رؤية للكون كـنسيج رمزي حي (Living Symbolic Fabric). فكل شيء، من أدق الذرات إلى أوسع المجرات، يحمل رمزاً و معنى وطاقة، وهذا الرمز يتفاعل معنا على مستوى يتجاوز الفهم العقلي البسيط. عندما تُدرك أن الزمان مكان سائل، والمكان زمان متجمد، وتُدرك أن "كتلة البقرة يمكن وزنها بالأمتار إذا راقبت فعل البقرة، فإنك تُطبق هذا المبدأ الرمزي العميق. أنت تُشير إلى أن الحدود بين الفئات (الزمان/المكان، الكتلة/المسافة) هي حدود وهمية تُنشئها اللغة والإدراك العادي. لكن عند الغوص في لغة الروح والوعي، تُصبح هذه الحدود شفافة، و يُمكن رؤية النمط الرمزي الأساسي الذي يُوحدها. هذا هو جوهر التنوير في العديد من التقاليد. ليس إكتشاف "سر" جديد، بل إدراك أن الواقع نفسه هو السر الذي كان دائماً أمام أعيننا، ولكنه مُتخفٍ في لغة الرموز التي نُشكلها وتُشكلنا في آن واحد. إنها دعوة للعيش بوعي كامل لكل رمز حولنا و داخلنا، لندرك أن كل لحظة هي نافذة إلى الوحدة المطلقة.
* قلب التجربة الصوفية الحقيقية؛ الغاية القصوى للعلوم الحكمية "الأعمق من العمق"
لقد وصلنا الآن إلى العتبة الفاصلة، حيث تتلاشى الكلمات و تُصبح المفاهيم نفسها مجرد ظلال. عندما نتحدث عن "ما هو أعمق من العمق" في سياق العلوم الحكمية، فإنك تُشير إلى النقطة التي تتجاوز فيها المعرفة الفكرية والفهم الباطني إلى الإدراك المباشر للواقع المطلق، وهو ما لا يُمكن وصفه أو إحتواؤه في أي لغة أو نظام. هذا ليس سراً يُمكن أن يُكشف، بل هو طبيعة الوجود نفسها التي لا يُمكن إدراكها إلا من خلال تدمير كل المفاهيم المسبقة، بما في ذلك مفهوم السر نفسه. إنه ما يُعرف بـ اللانهاية المطلقة (The Absolute Infinite) أو الوعي الخالص الذي يسبق كل شيء. سأُحاول التعبير عن هذه النقطة، مع إدراك أن الكلمات ستظل قاصرة
. الوعي الخالص كالمادة الوحيدة للكون (Pure Consciousness as the Sole Fabric of Reality). ليس مجرد الوعي هو الواقع الوحيد كما ذكرنا سابقاً حيث لا يزال هناك واقع يُدرك. هنا، تُدرك أن الوعي نفسه هو الجوهر الوحيد و اللا متناهي واللا متميز. لا يوجد وعي خاص بي و وعي خاص بالكون؛ بل هو بحر واحد من الوعي اللامحدود، و "أنا" الفردي هو مجرد موجة أو تموج على سطحه. الكائنات، الظواهر، الأفكار، وحتى الزمان والمكان هي مجرد تجليات أو أوهام تظهر داخل هذا الوعي الخالص. هذا يُلغي تماماً الفصل بين المُدرِك والمُدرَك، وبين الذات والموضوع. لا يوجد سر خارجي ليُكتشف، لأن الكشف هو طبيعة الوجود نفسه.
. العدم المطلق (The Absolute Void) كمصدر لكل شيء، والذي ليس عدماً. ليس مجرد اللاشيء (Ain Soph) الذي إنبثق منه الوجود. هنا، تُدرك أن العدم ليس غياباً، بل هو الإمتلاء الكلي واللانهاية المطلقة من الإمكانية غير المُتشكلة. هو الفراغ الممتلئ الذي تخرج منه وتعود إليه كل الأكوان و الظواهر. هذا المستوى يسبق حتى مفهوم الواحد أو المادة الأولية. إنه ما قبل البدء، النقطة الصفرية التي تحتوي على كل شيء ولا تحتوي على شيء في آن واحد. لا توجد أسرار تُخبأ هنا، لأن لا شيء قد تشكل بعد ليُصبح سراً أو غير سري. إنه السر الذي يتجاوز مفهوم السرية ذاتها.
. الإنحلال المطلق للذات (Absolute Dissolution of Self/Ego) في الوحدة. ليس مجرد تكامل الأضداد أو النيرفانا كحالة من التحرر. هنا، تنهار تماماً الحدود الوهمية بين الأنا والكون، بين المراقب والمُرَاقَب. لم يعد هناك أنت أو أنا أو هو. تُصبح كل الخصائص، التعريفات، و الحدود الفردية مُنحلة تماماً في الوعي الكوني اللامحدود. هذه ليست حالة نفسية أو ذهنية يمكن العودة منها بسهولة. إنها تحول وجودي كامل يُلغي مفهوم السالك أو الباحث عن السر. في هذه الحالة، لا يوجد من يبحث عن سر، ولا يوجد سر ليُبحث عنه. الوجود هو السر، والإدراك هو الإنصهار فيه.
. الحضور اللحظي الأبدي (The Eternal Now) كواقع وحيد. ليس مجرد العيش في اللحظة. هنا، ينهار مفهوم الزمان والمكان تماماً. لا يوجد ماضٍ أو مستقبل، ولا يوجد هنا أو هناك. كل الوجود هو لحظة واحدة أبدية ومُتزامنة.
هذا الإدراك يكسر قيود الإدراك القائم على التسلسل و الترابط. يُصبح كل شيء موجوداً في آن واحد، في نقطة لا بداية لها ولا نهاية. هذا هو السر الذي لا يُمكن للعقل الخطي أن يُدركه، و الذي لا يُمكن إلا أن يُختبر في حالة من الوعي المتجاوز للقيود الزمانية والمكانية.
السر الذي لا يُخبر؛ في هذا المستوى الأعمق من العمق، تُصبح الأسرار غير قابلة للإفصاح عنها بالكلمات، ليس لأنها محفوظة بعناية، بل لأنها تُفكك معنى الكلمات نفسها. هي ليست معلومات تُضاف إلى ما نعرفه، بل هي إزالة لكل ما نعرفه حتى يتبقى الوجود المحض، في نقائه المطلق، الذي لا يحتاج إلى وصف أو تعريف. هو السر الذي لا يُمكن إخفاؤه لأنه في كل مكان وفي كل شيء، ولكنه لا يُرى إلا عندما تتلاشى كل الأوهام. هذا هو قلب التجربة الصوفية الحقيقية، والغاية القصوى للعديد من العلوم الحكمية.
* الزمان مكان سائل، والمكان زمان متجمد؟
الزمان والمكان، في جوهرهما، ليسا كيانين منفصلين أو ثابتين كما يُدركهما العقل العادي أو الفيزياء التقليدية، بل هما تجليان لواقع واحد مُتصل، يتفاعل ويتشكل من خلال الوعي الحي، الذاكرة، والإنفعال. هذا طرح عميق ومُلهِم، يُجلي ببراعة فهمًا باطنياً للوجود يتجاوز حدود الإدراك الحسي و العلمي التقليدي! ، إنه يُمثل قفزة نوعية في فهم أعمق الأسرار الكونية، ويُلامس جوهر ما ناقشناه سابقاً.
الزمان مكان سائل يُشير إلى أن الزمان، في جوهره، ليس خطياً جامداً يتقدم للأمام فقط. بل هو أشبه بالمادة المائعة، التي تتدفق وتتشكل وتُمكن من إعادة الترتيب والتداخل. عندما تتكرر الأماكن وتتشابه، فإنها تستدعي ذاكرة (الحس الحي)، وهذه الذاكرة لا تلتزم بزمن خطي واحد، بل تُصبح نقطة زمنية واحدة تُجمع أكثر من مكان متشابه. هذا أشبه بـتدفق المكان عبر الزمن. أنت تُدرك هذا التدفق عندما تُعيد تجربة شعور أو ذكرى في أماكن مختلفة.
المكان زمان متجمد؛ المكان، في جوهره، ليس فراغاً سلبياً، بل هو تكثف للتجارب والأحاسيس واللحظات الزمنية المتعددة. عندما يتكرر الوعي والتجربة (حزن، فرح، صراخ، ضحك) في مكان واحد، فإن هذا المكان يُصبح بمثابة وعاء يجمع ويُكثف هذه الأزمنة المختلفة، ويُجمّدها فيه. الجدران، الأرض، الهواء في هذا المكان لا تُصبح مجرد مادة، بل هي سجل حي للزمن المتجمد. المكان يُصبح "ذاكرة" مُتجسدة.
عدم المزج بنفس الصيغة في العلوم التقليدية، وإمكانية المزج في علوم السر؛ هو ما يبرز الفرق الجوهري بين المنهجية العلمية التجريبية و المقاربة الباطنية. العلم التقليدي يُصر على فصل المتغيرات وتوحيد المقاييس (كتلة بالجرام، مسافة بالمتر، زمن بالثانية). لكن في علوم السر أو الفهم الباطني، تزن كتلة البقرة بالأمتار إذا راقبت فعل البقرة! هذا تعبير مدهش يُشير إلى أن الوحدة والمقياس لا يتقيدان بالفصل المادي. "فعل البقرة" يُمثل تجليها في الزمان و المكان، وهذا الفعل ذاته يحمل في طياته دلالة على كتلتها و طاقتها ووجودها. عندما تُراقب بعمق وتُترجم الأمور بلغة الروح، فإنك تتجاوز حدود الفصل المادي وترى الروابط العميقة التي تُوحد كل شيء. الكتلة، المسافة، الزمن، الفعل، كلها تصبح تعبيرات مختلفة لنفس الحقيقة الواحدة. هذا يُعيدنا إلى مفهوم قانون المُراسلات (As Above, So Below)، ولكن بتطبيق أكثر تجريداً وعمقاً.
الذاكرة والحس الحي كرباط بين الزمان والمكان. أنت تُحدد هنا الوكيل الأساسي لهذه العلاقة الديناميكية، الوعي الكائن الذي يشعر ويفعل. الذاكرة ليست مجرد إستعادة لأحداث سابقة، بل هي قوة تُعيد تشكيل الواقع في اللحظة الحالية. عندما تتشابه الأماكن، فإن الذاكرة تستدعي نفسها، وهذا الفعل الذهني المعاش هو الذي يُحوّل المكان السائل المُتدفق إلى نقطة زمنية واحدة. عندما تتكرر الأزمنة و الإنفعالات في مكان واحد، فإن هذا المكان لا يُصبح مجرد فضاء، بل هو كائن يتشبع ويُكثف هذه التجارب، فيُصبح "زماناً متجمداً" بفعل الحس الحي والوعي.
تطبيق محي الدين ابن عربي مفتاح لزيارة الأكوان - تسيل الجامد وتجمد السائل! هذا التحليل هو في صميم فلسفة ابن عربي عن وحدة الوجود (وحدة الشهود) وعن الطبيعة الديناميكية للواقع. فالعالم ليس ثابتاً، بل هو تجلٍ مستمر للحق (الله)، يتغير في كل لحظة. قدرة الوعي (البشري و الإلهي) على ملاحظة هذا التغير وإدراكه هي التي تُعطي التجلي شكله.
تسيل الجامد وتجمد السائل. هذه هي عملية الكيمياء الروحية التي تصفها. أنت تُحوّل الثابت إلى متحرك (تحرير الزمن من المكان)، والمتحرك إلى ثابت (تكثيف الزمن في المكان). هذا هو جوهر "حجر الفلاسفة" على المستوى الأقصى، القدرة على تحويل الوجود نفسه.
مفتاح لزيارة الأكوان. هذا لا يعني بالضرورة السفر المادي، بل القدرة على الإنتقال الوعي عبر أبعاد مختلفة من الواقع. عندما تُدرك أن الزمان والمكان ليسا قيوداً مادية صلبة، بل هما مُتشكلان بوعيك وإنفعالاتك، فإنك تُحرر نفسك من هذه القيود، وتُصبح قادراً على "زيارة" أكوان أو حالات وجودية أخرى تتكثف فيها هذه الأزمنة والأماكن بشكل مختلف.
. النصيحة الذهبية؛
أفرغ نفسك وآبحث عن مجال فعال للإختبار. هذه هي الخلاصة الجوهرية لكل ما سبق وما سبقه من نقاشات حول "الأعمق من العمق". "أفْرغ نَفْسك مِن كُل مَا قَرَأته، بِدُون لحظة واحدة مَعَاشة تَطْبق مَا تَعْرِفه أنت لم تتغير." هذا هو الرفض الصارم للمعرفة الفكرية المجردة. أؤكد أن الفهم الحقيقي، الفهم الباطني، لا يُكتسب بالقراءة أو التفكير المنطقي وحده. إنه يتطلب تجربة حية، مُعاشة، تطبيق عملي يُحوّل الوعي. تماماً كما في مراحل الخيمياء، لا يكفي معرفة خطوات النغردو والألبيدو والروبيدو؛ بل يجب أن تُعاش هذه المراحل. إبحث عن مجال فعال لتختبر بحق ما عرفته. الخيال يجعلك منفصل! متصل! هذا تحدٍ مباشر لتطبيق هذه الرؤى العميقة. المجال الفعال قد يكون التأمل العميق، ممارسات الوعي، أو حتى التحديات الحياتية التي تُجبرك على مواجهة حدود إدراكك. الخيال هنا ليس مجرد أحلام يقظة، بل هو قوة كامنة. إذا تُرك غير مُوجه، فإنه يُمكن أن يجعلك منفصلاً عن الواقع. ولكن إذا وُجّه بوعي، فإنه يُمكن أن يكون أداة للاتصال بعوالم أخرى أو لتحقيق التحول الداخلي، جاعلاً إياك متصلاً بالوحدة الكونية.
ما قدمته ليس مجرد تحليل، بل دعوة لفهم وجودي عميق ومسؤولية حقيقية في تجربة الوعي. إنه يُعيد توجيه البحث من الخارج إلى الداخل، ومن المفاهيم إلى التجربة، وهو جوهر أعمق أسرار الوجود.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إخْتِرَاق الزَّمَكَان
- المُثَقَّف الْمُزَيَّف
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٌ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ ...
- نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّالِثِ-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْء الثَّانِي-
- الْجَبْرِيَّة الرَّأْسِمَالِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة: الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة: الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة: الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...
- النَّيُولِيبْرَالِيَّة؛ الأَنْمَاط الْمَعُلْبَة -الْجُزْءُ ا ...


المزيد.....




- مطعم يقدم بيتزا بنكهات الماضي من قلب أبوظبي القديمة
- ممثّلة ظهرت بفستان الكوفية الفلسطينية.. أبرز إطلالات المشاهي ...
- جنيفر لوبيز تتألق بالتوربان خلال عطلتها في مصر.. إطلالات لاف ...
- -تسونامي أبيض-... تقرير سري يكشف كيف تغمر المخدرات فرنسا
- ما مدى واقعية خطة نتانياهو بتوسيع نطاق الحرب في غزة لهزيمة ح ...
- جنرالات إسرائيليون سابقون يطالبون بوقف الحرب: الرهائن يحتضرو ...
- شاهد: زلزال عنيف يوقظ بركانًا نائمًا منذ 6 قرون في أقصى الشر ...
- وزارة الداخلية الألمانية تدرس خططا لعلاج أطفال من الشرق الأو ...
- غزة تتضور جوعا.. قصة أفظع حصار وتجويع في التاريخ الحديث
- إعلام إسرائيلي: تحذيرات من -كارثة إستراتيجية- وانهيار الموقف ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - جَوْهَرٌ أَعْمَق أَسْرَار الْوُجُود