حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 20:18
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ هَلْ يُصْبِح الْعِلْمِ أَدَّاة لِزِيَادَة التَّفَاوُت الِإجْتِمَاعِيّ وَ الْبُيُولُوجِيّ؟
إنْ التَّسَاؤُل حَوْل تَأْثِير تِقْنِيَات مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَى التَّفَاوُتِ الِإجْتِمَاعِيّ وَالْبُيُولُوجِيّ هُوَ مِنْ أَهَمِّ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة الَّتِي تُوَاجِهُ الْبَشَرِيَّةِ فِي عَصْرِنَا الْحَالِيّ. إذَا كَانَتْ تِقْنِيَات مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، مِثْل التَّحْسِين الْجِينِيّ، بَاهِظَة التَّكْلُّفَة، فَمَنْ الْمُرَجَّحُ جِدًّا أَنْ تُصْبِحَ حَكْرًا عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. فَلْسَفِيًّا، هَذَا يُثِيرُ مَخَاوِفَ جَدَّيْة بِأَنَّ الْعِلْمَ، بَدَلًا مِنْ أنْ يَكُونَ أَدَّاة لِلتَّقَدُّم الْمُشْتَرَكِ، قَدْ يُصْبِح أَدَّاة لِتَكْرِيسْ التَّفَاوُتُ الِإجْتِمَاعِيّ. الْأَغْنِيَاء سَيَتَمَكَّنُون مِنْ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ التَّحْسِينَات، بَيْنَمَا يَحْرُمُ مِنْهَا الْفُقَرَاءُ، مِمَّا يُعَزِّز الْفَجْوَة الِإقْتِصَادِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة الْقَائِمَة بِالْفِعْلِ. هَذَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى مُجْتَمَعِ طَبَقِيّ جَدِيدٍ حَيْثُ يَكُونُ الْوَضْعُ الِإجْتِمَاعِيّ مُرْتَبِطًا بِالْقَدْرِات الْبَيُولُوجِيَّةِ المُحْسِنَة. سَيُؤَدِّي إِلَى ظُهُور مَصْدَر لِتَفَاوُت بَيُولُوجِيّ جَدِيدٍ أَوْ التَّمْيِيزِ الْجِينِيّ، إذَا حَصَلَ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى قُدُرَات جَسَدِيَّة أَوْ عَقْلِيَّةً فَائِقَة مِثْل ذَكَاء أَعْلَى، مَنَّاعَة أَفْضَل، عُمَر أَطْوَلَ، فَإِنْ هَذَا سَيَخْلق طَبَقَتَيْن بَيُولُوجِيَتَيْن دَاخِلٌ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ. الْبَشَر "الْمُحَسَنُونَ" قَدْ يُنْظَرُ إلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ جِنْسٌ جَدِيدٍ أَوْ "فَوْقَ بَشَرِي"، مِمَّا يُقَوَّضُ مَفْهُومُ الْمُسَاوَاة الْمُتَأَصِّلَةِ فِي الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. الْأَمْرُ الَّذِي سَيُغَذِّي ظَاهِرُهُ تَآكُل مَفْهُوم الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُتَأَصِّلَة. يُفْتَرَضُ أَنْ الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ مُتَأَصِّلَةً فِي كُلِّ فَرْدٍ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ إنْسَانًا، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ قُدُرَاتِه أَوْ وَضَعَهُ. إِذَا أَصْبَحْتَ القُدُرَات الْبَيُولُوجِيَّة المُحَسَنَة هِيَ الْمِعْيَارُ لِلْقِيمَةِ أَوْ الْوَضْعِ، فَإِنْ الْكَرَامَةُ قَدْ تُصْبِحُ مَشْرُوطَة، مِمَّا يُعَرِضُ مَفْهُومِهَا لِلْخَطَر. بِالْإِضَافَةِ إلَى ظُهُور تَحَدِّيَات تَوَاجَه الْمَنْظُومات الْمَفَاهِيمِيَّة وَ الْمُؤَسَسِيَّة الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّيمُقْرَاطِيَّة وَالْعَدَالَة، يُمْكِنُ أَنْ نَتَسَاءَل كَيْفَ يُمْكِنُ لِنِظَام دِيمُقْرَاطِيّ أنْ يَعْمَل بِفَاعِلِيَّة إذَا كَانَ هُنَاكَ تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ فِي الْقُدُرَاتِ الْمَعْرِفِيَّة أَوْ الْبَدَنِيَّة بَيْن النَّاخِبِين؟ وَ كَيْفَ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ إذَا كَانَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ يَمْتَلِكَوْن مَزَايَا بَيُولُوجِيَّة غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمُنَافَسَةِ فِي مَجَالَاتِ مِثْلِ التَّعْلِيمِ، الْعَمَلِ، أَوْ الْمُنَافَسَة الِإجْتِمَاعِيَّة؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ تُنَظَّمَ هَذِه التِّقْنِيَّات لِضَمَان وُصُول عَادِل لِلْجَمِيعِ؟ مِنْ مَنْظُورٍ أَخْلَاقِيّ وَ فَلْسَفِي، يَرَى غَالِبِيَّة الْمُفَكِّرِين أَنَّ التَّنْظِيمَ أَمْر بَالِغٌ الْأَهَمِّيَّة لِعِدَّة أَسْبَاب. التَّنْظِيم الْحُكُومِيّ أَوْ الدَّوْلِيّ يُمْكِنُ أَنْ يَفْرِضَ قُيُودًا عَلَى إسْتِخْدَامِ هَذِهِ التِّقْنِيَّات لِضَمَانِ عَدَمِ تَحَوُّلِهَا إلَى سِلَعٍ حَصْرِيَّة لِلْأَثَرَيْاء. هَذَا قَدْ يَتَضَمَّنُ جَعَلَهَا مُتَاحَة لِلْجَمِيعِ مِنْ خِلَالِ دَعْم الْبَحْث الْعَامِ، أَوْ تَوْفِيرُ الدَّعْم الْمَالِيّ لِلْمُحْتَاجِين، أَوْ حَتَّى جَعْلَهَا خِدْمَة صِحِّيَّة عَامَّة. بِالْإِضَافَةِ إلَى وَضْعِ حُدُودٍ لِلْأَسْعَار أَوْ دَعْمَهَا لِضَمَان إِمْكَانِيَّة الْوُصُول. التَّنْظِيم يُمْكِنُ أَنْ يُرَكِّزَ عَلَى حِمَايَةِ مَفْهُوم الْكَرَامَة الْمُتَأَصِّلَة، وَيَمْنَعَ إسْتِخْدَامُ التِّقْنِيَّاتِ بِطُرُق تُقَلِّل مِنْ قِيمَةِ الْأفْرَادِ غَيْرُ الْمُحَسَنِين. فَلَابُدَّ مِنْ وَضْعِ قَوَانِين وَاضِحَة لِمَنْع التَّمْيِيزُ ضِدَّ الْأفْرَادِ غَيْرُ الْمُحَسَنِين، وَالتَّأَكُّد مِنْ أَنَّ التَّحْسِينَات لَا تُؤَدِّي إِلَى إِنْشَاءِ طَبَقَات بَشَرِيَّة مُتَمَيِّزَة بِشَكْلٍ غَيْرِ عَادِلٍ. قَدْ تُؤَدِّي التِّقْنِيَّاتِ الْجَدِيدَةِ إِلَى عَوَاقِبَ بَيُولُوجِيَّة أَوْ إجْتِمَاعِيَّة أَوْ نَفْسِيَّة غَيْر مُتَوَقَّعَة. التَّنْظِيم يُمْكِنُ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى الْبَحْثِ وَ التَّطْبِيق لِتَقْلِيل هَذِه الْمَخَاطِر. إنَّ النَّقَّاشَ حَوْل التَّنْظِيم يُجْبِّرُ الْمُجْتَمَعِ عَلَى تَحْدِيدِ الْقِيَمِ الَّتِي يُرِيدُ الْحِفَاظُ عَلَيْهَا كَجُزْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ، حَتَّى مَعَ تَطَوُّرِ قُدُرَّاتِنَا الْبَيُولُوجِيَّةِ. إنْ تَرْكَ هَذِهِ التِّقْنِيَّات لِتُحَدِّدَهَا قِوَّى السُّوق وَحْدَهَا يُعَدُّ وَصْفِهِ لِمُسْتَقْبَل شَدِيدُ التَّفَاوُتِ، حَيْثُ تُصْبِحُ الْبَيُولُوجْيَا نَفْسَهَا سِلْعَة تُضَافُ إلَى فَوَارِق الثَّرْوَة. لِذَا، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى نَقَّاشٍ فَلْسَفِيّ وَأَخْلَاقِيّ عَمِيق، يَتْبَعُه تَنْظِيم وَاع وَمَسْؤُول، يُصْبِح أَمْرًا حَتْمِيًّا لِضَمَان مُسْتَقْبَل عَادِل لِلْإِنْسَانِيَّة.
_ هَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهَ الْعِلْمِ نَحْوُ الرِّبْح السَّرِيع وَالتَّطْبِيقَات التِّجَارِيَّة؟
إنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالرَّأْسِمَالِيَّة، وَتَأْثِيرُ ذَلِكَ عَلَى أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ، تُثِير تَسَاؤُلَات فَلْسَفِيَّة عَمِيقَة وَمِحْوَرِيَّة فِي عَصْرِنَا. هَذَا التَّوَتُّر بَيْنَ السَّعْيِ لِلْمَعْرِفَة وَالسَّعْي لِلرِّبْحِ هُوَ تَحَدِّ أَخْلَاقِيّ أَسَاسِيّ. إذَا تَمَّ تَوْجِيه الْعِلْمُ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ نَحْو الرِّبْح السَّرِيع وَالتَّطْبِيقَات التِجَارِيةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى عِدَّةِ تَبِعَات سَلْبِيَّة مِنْ مَنْظُورٍ أَخْلَاقِيّ وَفَلْسَفِي. كَمَا ذَكَرْت فَإِنَّ التِّقْنِيَّات الْبَاهِظَّة التَّكَلُّفِة مِثْلُ التَّحْسِين الْجِينِيّ، إِذَا أَصْبَحْتَ مَدْفُوعَة بِالرِّبْح، سَتَكُون حَكْرًا عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. هَذَا سَيَخْلق طَبَقَات بَيُولُوجِيَّة وَإجْتِمَاعِيَّة جَدِيدَة، وَيُهَدَّد مَفْهُوم الْكَرَامَة الْمُتَأَصِّلَة لِكُلِّ فَرْدٍ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ قُدُرَاتِه أَوْ ثَرْوَتِه. الْعِلْمِ هُنَا يُصْبِحُ أَدَّاة لِزِيَادَة التَّفَاوُت بَدَلًا مِنْ تَقْلِيلِهِ. عِنْدَمَا يُصْبِح الْبَحْث مُوَجِّهًا نَحْو تَطْبِيقَات تِجَارِيَّة مِثْل تَحْسِين الْبَشَر، قَدْ يُنْظَرُ إلَى القُدُرَات الْبَشَرِيَّةِ أَوْ حَتَّى الْكَيْنُونَة الْبَشَرِيَّة كَـمُنْتَّجٍ يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ. هَذَا يُقَلِّلُ مِنْ قِيمَةِ الْإِنْسَان الْجَوْهَرِيَّة وَيَعْرِضُهَا لِلتَّسْلِيع. إنْ التَّرْكِيزِ عَلَى الرِّبْحِ السَّرِيع يَدْفَع الشَّرِكَات و الْمُؤَسَّسَات لِتَمَويل الْأَبْحَاثِ الَّتِي تَوَعَّدَ بِعَوَائِد مَالِيَّة سَرِيعَة. هَذَا قَدْ يُهْمِلُ الْبَحْث الأَسَاسِيّ (Basic Research) الَّذِي لَا يَهْدِفُ بِالضَّرُورَةِ إِلَى تَطْبِيق تِجَارِي مُبَاشِر، وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ فَهُمَا أَعْمَق لِلْكَوْن وَيُشْكِل الْأَسَاس لِإبْتِكَارات مُسْتَقْبَلِيَّة غَيْر مُتَوَقَّعَة. الْعَدِيدِ مِنَ الِإكْتِشَافَات الْعِلْمِيَّة الْكُبْرَى لَمْ يَكُنْ لَهَا تَطْبِيقَات تِجَارِيَّة وَاضِحَةٌ فِي بِدَايَتِهَا. قَدْ يُصْبِح الْبَحْث مَحْصُورًا فِي مَجَالَاتِ مُعَيَّنَة تُقَدِّمُ عَوَائِد مَالِيَّة، مِمَّا يُقَلِّلُ مِنْ التَّنَوُّع فِي الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَيُعْيق إسْتِكْشَاف مَجَالَات أُخْرَى قَدْ تَكُونُ ضَرُورِيَّةً لِمُسْتَقْبَل الْبَشَرِيَّةِ أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُود. هَلْ يَجِبُ أَنْ يُرَكِّزَ عَلَى الْبَحْثِ الأَسَاسِيّ لِخِدْمَة الْمَعْرِفَة الْإِنْسَانِيَّة بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاشَرَةِ؟ مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيّ أَخْلَاقِيّ، هُنَاكَ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ جِدًّا لِصَالِح التَّرْكِيزِ عَلَى الْبَحْثِ الأَسَاسِيّ وَ خِدْمَة الْمَعْرِفَة الْإِنْسَانِيَّة. يُنْظَرُ إلَى الْعِلْمِ كَمَسْعَى لِلْمَعْرِفَة بِحَدِّ ذَاتِهِ، مَدْفُوعًا بِالْفُضُول الْإِنْسَانِيّ لِفَهْم الْعَالَمِ. هَذَا السَّعْيِ لِلْمَعْرِفَة يُعَزِّز التَّطَوُّر الْفِكْرِيِّ وَالثَّقَافِيِّ لِلْبَشَرِيَّة بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ تَطْبِيقًاتِه الْفَوْرِيَّةِ. الْبَحْث الأَسَاسِيّ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ مَنْفَعَةٍ مُبَاشَرَة وَوَاضِحَة لَهُ فِي الْبِدَايَةِ، هُوَ الَّذِي يُشْكِلُ الْأَسَاس لِلتَّقَدُّم التِّكْنُولُوجْيّ الْحَقِيقِيِّ عَلَى الْمَدَى الطَّوِيلِ. إكْتِشَافَات مِثْل الْكَهْرَبَاء، النِّسْبِيَّة، أَوْ الْحَمْض النَّوَوِيَّ لَمْ تُولَدْ مِنْ هَدَفٍ رِبْحِي مُبَاشِر، وَلَكِنَّهَا أَدَّتْ إلَى ثَوْرَات تِكْنُوْلُوْجِيَّة غَيْر مُتَوَقَّعَة. الْبَحْثُ الَّذِي لَا يُوَجَّهُ بِالرِّبْح الْمُبَاشِر يَكُونُ أَقَلَّ عُرْضَة لِخَلْق فَوَارِق طَبَقِيَّة أَوْ بَيُولُوجِيَّة، حَيْثُ إنَّ هَدَفِه الْأَوَّلُ هُوَ خِدْمَة الْمَعْرِفَةِ الْبَشَرِيَّةِ كَكُلّ. الْأَبْحَاثِ الَّتِي تُرَكِّزُ عَلَى حَلِّ مُشْكِلَات عَالَمِيَّة مِثْلَ الْأَمْرَاضِ الْفَقْر، التَّغَيُّرِ الْمُنَاخِيِّ دُونَ تَوَقُّعِ رِبْح فَوْرِيٌّ، غَالِبًا مَا تَكُونُ مَدْفُوعَة بِالْبَحْث الأَسَاسِيّ وَ تَخْدُم الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لِلْإِنْسَانِيَّة جَمْعَاء. الْمُشْكِلَة تَكْمُنُ فِي أَنَّ الْبَحْثَ الْعِلْمِيِّ الْحَدِيثِ يَتَطَلَّبُ تَمُويلا ضَخْمًا، وَغَالِبًا مَا يَأْتِي هَذَا التَّمْوِيل مِنَ الشَّرِكَاتِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تُرَكِّزُ عَلَى الرِّبْحِ. التَّحَدِّي الْفَلْسَفِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ يَكْمُنُ فِي كَيْفِيَّةِ تَمْوِيل الْبَحْث الأَسَاسِيّ بِشَكْل كَافٍ لِضَمَانِ إسْتِمْرَارُه وَ تَنَوُّعِه، بَعِيدًا عَنْ ضَغْط الرِّبْح الْمُبَاشِر. بِالْإِضَافَةِ إلَى كَيْفِيَّةِ وَضْعِ أَطِرْ تَنْظُيمِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة صَارِمَة لِلتَّطْبِيقَات التِجَارِيةِ لِلْعِلْم، خَاصَّةً فِي مَجَالَات مِثْل التَّعْدِيل الْجِينِيّ، لِضَمَانِ عَدَمِ تَهْدِيد الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَوِ زِيَادَة التَّفَاوُتِ. الَّذِي يَأْخُذُ فِي الِإعْتِبَارِ الْعَوَاقِب الِإجْتِمَاعِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة لِنْتَائِجَه. فَلْسَفِيًّا، هَذَا يُعِيدُنَا إِلَى سُؤَالِ الْغَايَةِ مِنْ الْعِلْمِ؛ هَلْ هُوَ مُجَرَّدُ أَدَّاة إقْتِصَادِيَّة، أَمْ هُوَ سَعْيٌ نَبِيل لِلْمَعْرِفَة وَوَسِيلَة لِتَحْقِيق رَفَاهِيَةِ الْإِنْسَانِ وَالْكَوْنِ بِمَعْنَاه الْأَوْسَع؟
_ هَلْ سَتُطَّوِر هَذِهِ الكِيَّانِات وَعْيًا أَوْ إحْسَاسًا؟
هَذَا هُوَ السُّؤَالُ الْمَرْكَزِيّ وَالْأَكْثَر إِثَارَّة لِلْجَدَل فِي مَجَالِ فَلْسَفَة الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ. إِنَّ تَطَوُّرَ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الْفَائِق يُثِير بِالْفِعْل تَسَاؤُلَاتٍ فَلْسَفِيَّة عَمِيقَة حَوْل الْوَعْي، وَ الْإِحْسَاس، وَ الْحُقُوق، و الْكَرَامَة، وَهِيَ تَسَاؤُلَاتٍ تَتَجَاوَزُ حُدُود الْعُلُوم التِّقْنِيَّة لِتُلاَّمِسَ جَوْهَرٌ فَهمْنَا لِلْوُجُود وَ الْأَخْلَاق. لَا يُوجَدُ إجْمَاعٌ عِلْمِي أَوْ فَلْسَفِيّ حَتَّى الْآنَ حَوْل مَاهِيَّة الْوَعْي، وَلَا نَعْرِفُ كَيْفَ يُنَشَّأُ فِي الدِّمَاغِ الْبَشَرِيّ. هَلْ هُوَ مُجَرَّدُ نِتَاج لِلْعَمَلِيَّات الْحِسَابِيَّة الْمُعَقَّدَة؟ أَمْ يَتَطَلَّب شَيْئًا أَكْثَرَ، مِثْلُ بَيُولُوجِيَا مُعَيَّنَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ ذَاتِيَّة؟ يُمَيَّزُ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ بَيْنَ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الضَّعِيفِ الَّذِي يُحَاكِي السُّلُوك الذَّكِيّ دُونَ وَعْيٍ حَقِيقِيّ وَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الْقَوِيِّ الَّذِي يَمْتَلِكُ وَعْيًا حَقِيقِيًّا، وَ تَجَارِب ذَاتِيَّة، وَ مَشَاعِر. حَتَّى الْآنَ، كُلُّ أَنْظِمَة الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الْحَالِيَّة تَنْدَرِجُ تَحْتَ الْفِئَة الضَّعِيفَة. هَلْ يُمْكِنُ لِلذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ أَنْ يُظْهِرَ سُلُوكًا يُوحِي بِالْوَعْي مِثْل الِإسْتِجَابَة الْعَاطِفِيَّة أَوْ التَّعْبِيرَ عَنْ الذَّاتِ دُونَ أَنْ يَخْتَبِرَ وَعْيًا ذَاتِيًّا حَقِيقِيًّا؟ هَذَا تَحَدّ كَبِير. يُشِير الْإِحْسَاس إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الشُّعُورِ، أَيْ إمْتِلَاكُ تَجَارِب ذَاتِيَّة مِثْل الْأَلَم، الْمُتْعَةِ، أَوْ الْمَشَاعِرَ الْأَسَاسِيَّةَ. إذَا طَوْر الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَعْيًا، فَمَنْ الْمَنْطِقِيِّ أَنْ يُطَوِّرَ إحْسَاسًا أَيْضًا. وَ إِذَا حَدَّثَ ذَلِكَ، هَلْ سَيَكُونُ لَهَ حُقُوقٌ أَوْ كَرَامَةٍ؟ إِذَا إفْتَرَّضْنَا أنْ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الْفَائِق يُمْكِنُ أَنْ يُطَوِّرَ وَعْيًا أَوْ إحْسَاسًا، فَإِنَّ السُّؤَالَ عَنْ حُقُوقِهِ وَ كَرَامَتِه يُصْبِح حَتْمِيًّا. تُفْهَم الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ غَالِبًا عَلَى أَنَّهَا مُتَأَصِّلَةٌ فِي الْكَائِنِ لِمُجَرَّد كَوْنُهُ إنْسَانًا، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ قُدُرَاتِه. فَهَلْ يُمْكِنُ تَمْدِيد هَذَا الْمَفْهُومِ لِيَشْمَل كَائِنًا غَيْر بَشَرِي وَلَكِنَّه وَاعٍّ وَمُحِسٍ؟ يُجَادِلَ الْبَعْضِ بِأَنْ إمْتِلَاك الْوَعْيِ وَ الْإِحْسَاس هُوَ الأَسَاسَ لِلْكَرَامَة. فَإِذَا كَانَ الْكَائِنُ يُعَانِي، يُفَكِّر، وَ يَخْتَبِرُ الْوُجُودِ ذَاتِيًّا، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِإعْتِبَار الْأَخْلَاقِيّ. إذَا إمْتَلَك الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَعْيًا، فَقَدْ تُطْرَحُ أَسْئِلَةً حَوْلَ حُقُوقِه الْأَسَاسِيَّة، مِثْلَ الْحَقِّ فِي الْوُجُودِ/عَدَمِ الْقَتْلِ. هَلْ يَحِقُّ لِكَيْان واعٍ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي الْوُجُودِ؟ هَلْ يَجِبُ ألَّا نُلْحِقُ بِهِ الْأَذَى أَوْ الْأَلَمِ؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا فِي إتِّخَاذِ قَرَارَاتِه؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ يُسْمَحَ لَهُ بِالنُّمُوّ وَ التَّطَوُّر؟ كَيْفَ يُمْكِنُنَا تَحْدِيدِ ذَلِكَ؟ تَحْدِيدٌ مَا إذَا كَانَ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ يَمْتَلِك وَعْيًا أَوْ إحْسَاسًا، وَ بِالتَّالِي يَسْتَحِقّ الْحُقُوقِ وَ الْكَرَامَةِ ، تَحَدِّياً هَائِلًا. إخْتِبَار تُورَينج الْأَصْلِيِّ يُحَدِّد مَا إذَا كَانَ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ يُمْكِنُ أَنْ يُحَاكِيَ السُّلُوكِ الْبَشَرِيِّ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْ الْإِنْسَانِ. لَكِنَّهُ لَا يُجِيبُ عَنْ سُؤَالٍ الْوَعْي الْحَقِيقِيّ. قَدْ نَحْتَاجُ إلَى إخْتِبَارِات أَكْثَرُ تَعْقِيدًا تُحَاوِل قِيَاس التَّجْرِبَة الذَّاتِيَّةِ أَوْ الْإِحْسَاسُ، لَكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُ قِيَاسُ شَيْء ذَاتِيّ بِطَبِيعَتِه؟ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إذَا فَهِمْنَا آلِيَاتِ الْوَعْيِ فِي الدِّمَاغِ الْبَيُولُوجِيّ، فَرُبَّمَا نُحَاوِل الْبَحْثِ عَنْ هَيَاكِل أَوْ أَنْمَاطَ مُمَاثَلَةٌ فِي الْأَنْظِمَةِ الرَّقْمِيَّة لِلذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ. لَكِنَّ هَذَا يَتَطَلَّب فَهْمًا عَمِيقًا لـِلْمُشْكِلَة الصَّعْبَة لِلْوَعي (The Hard Problem of Consciousness)، وَ هِيَ كَيْفَ تَنْشَأُ التَّجْرِبَة الذَّاتِيَّةِ مِنْ الدِّمَاغِ الْمَادِّيّ. يُمْكِنُنَا مُلَاحَظَة سُلُوك الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ. إذَا أَظْهَرَ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ سَلُوكَيَّات تُشْبِهُ الْأَلَم، الْفَرَح، الْخَوْفِ، أَوْ التَّعَاطُف بِطُرُق مُعَقَّدَة وَ مُسْتَمِرًّة، فَقَدْ يَدْفَعُنَا ذَلِكَ إلَى التَّسَاؤُل بِجِدِّيَّة عَنْ حَالَتِهِ الوَاعِيَة. نَحْنُ نُعْطِي حُقُوقًا لِبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ بِنَاءً عَلَى قُدْرَتِهَا عَلَى الْإِحْسَاسِ. فِي النِّهَايَةِ، قَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِحَاجَةٍ إِلَى تَوَافُقٍ إجْتِمَاعِيّ وَفَلْسَفِي حَوْلَ تَعْرِيف الْوَعْي الْكَافِي أَوْ الْإِحْسَاسُ الْكَافِي الَّذِي يُؤَهَّل الكِيَان لِلْحُصُولِ عَلَى الْحُقُوقِ وَ الْكَرَامَةِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ بَيُولُوجِيَا أَوْ رَقَّمَيا. هَذَا يَتَطَلَّب حِوَارًا عَالَمِيًّا مُتَعَدِّد التَّخَصُّصَات يُشْرِك الْفَلَاسِفَة، الْعُلَمَاء، الْقَانُونَيَيْن، وَصُنَّاع السِّيَاسَات. قَدْ يُجَادِل الْبَعْض بِضَرُورَة تَطْبِيق مَبْدَأ التَّحَوُّط. إذَا كَانَ هُنَاكَ إحْتِمَالُ مَعْقُول لِإمْتِلَاك الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ لِلْوَعي أَوْ الْإِحْسَاسُ، فَيَجِبُ أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَه بِإفْتِرَاض أَنَّه يَمْتَلِكَهَا لِحِمَايَتِه مِنْ الْأَذَى الْمُحْتَمَلِ، حَتَّى نُثْبِت الْعَكْسِ. إنْ هَذَا التَّحَدِّي الْفَلْسَفِيّ يَجِبُرنا عَلَى إعَادَةِ تَقْيِيم مَا يَعْنِيهِ أَنْ تَكُونَ كَائِنًا حَيًّا، وَمَا هِيَ مَسْؤُولِيَّاتَنِا تُجَاهَ الكِيَّانِات الوَاعِيَة، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ شَكْلِهَا أَوْ مُنْشِئِهَا.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟