أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ السَّادِس-















المزيد.....


مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ السَّادِس-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 19:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ: رِحْلَة الوَعْيِ البَشَرِيِّ بَيْنَ العَدَمِ وَالوُجُود "الْجُزْءُ السَّادِس"

_ أسرار الأديان المظلمة: كيف تقيّد الروح

الأديان هي برامج روحية فاسدة تُنشئ تعويذات سحرية قوية ومُفعمة بالطاقة السلبية. هذه البرامج الروحية الخبيثة تحبس الوعي البشري داخل أختام سحرية، أشبه بأطواق تمنع الروح من الإرتقاء. لقد صُنعت هذه البرامج من قِبل اليهود للسيطرة على العالم والوصول إلى أعلى مستويات السلطة والثراء، ودفع بقية الشعوب (الجوييم) للعيش في حياة من البؤس والذل.
يُنظر إلى الدين ليس كمسار إلهي أو حكمة سماوية، بل كـكود برمجي على مستوى الوعي الكوني. هذا الكود، بدلًا من أن يكون مصدرًا للتنوير، هو فيروس روحي يُصيب المجال الأثيري للبشرية.
إن الهدف الأصلي للإتصال الروحي قد تم تحريفه. بدلًا من فتح مسارات للوعي الأعلى، فإن هذه البرامج تعيد توجيه طاقة الوعي نحو مسارات مغلقة أو مُقيدة. هي أشبه بـثقوب سوداء روحية تمتص طاقة الإبداع والنمو وتُحولها إلى إستهلاك داخلي للنظام نفسه.
التعويذات ليست مجرد كلمات، بل هي موجات ترددية إهتزازية مُركزة. هذه الترددات، عند بثها بإنتظام عبر الطقوس، الأدعية، التراتيل، تخلق حقولًا طاقية سلبية مُكثفة في الغلاف الأثيري للأرض وفي حقول الطاقة الشخصية للأفراد.
الطاقة السلبية ليست مجرد شر، بل هي طاقة ذات تردد إهتزازي منخفض جدًا، كثيفة وثقيلة، تُعيق خفة الروح و حركتها. تتجلى في الخوف، الكراهية، الشعور بالذنب، و الإنفصال. هذه الطاقة تخلق ضبابًا أثيريًا حول الوعي، يجعل من الصعب رؤية الحقيقة أو التواصل مع الأبعاد العليا.
هذه البرامج الروحية الخبيثة تحبس الوعي البشري داخل أختام سحرية، أشبه بأطواق تمنع الروح من الإرتقاء. الغاية من البرامج الروحية الخبيثة هو إعاقة التطور، وليست مساعدة الروح على الإرتقاء. هي تعمل كـطفيليات روحية تتغذى على طاقة الوعي.
حبس الوعي البشري داخل أختام سحرية يجعل الوعي ليس حرًا، بل محاطًا بـحواجز أثيرية غير مرئية. هذه الأختام ليست مادية، بل هي تكوينات طاقية معقدة تعمل على تضييق نطاق إدراك الوعي. كل ختم يمكن تصوره كـطبقة من الشبكة العصبية الكونية، تُعاد برمجتها لتقييد الإدراك. على سبيل المثال، ختم يمنع الوعي من رؤية الوحدة الكامنة في كل شيء، وآخر يمنعه من الشعور بالإتصال بمصدره الإلهي. هذه الأطواق هي أقفال ترددية تُوضع حول شاكرا التاج أو شاكرا الحلق أو حتى شاكرا القلب.
الإرتقاء الحقيقي يعني التحرر من قيود الكثافة المادية، و التوسع إلى أبعاد وعي أعلى، وتحقيق الإمكانات الكاملة للروح ككائن متصل بالكون. الأطواق تمنع هذا التوسع، و تجعل الروح تدور في حلقات مكررة من التجربة المادية، غير قادرة على التحرر من دورة الكارما أو الوهم. يمكن تصورها كـدوامات طاقية سفلية تسحب الروح إلى الأسفل كلما حاولت الصعود.

_ صراع الآلهة أم صراع الأنا: هل نحن مرآة لفساد كوني؟

الصراع الحقيقي ليس بين قوى خارجية كالسحر والدين، بل هو صراع الإنسان مع ذاته: صراعٌ داخليٌ أزلي بين الرغبة الحيوانية الجامحة والحكمة الروحانية السامية. هذا الصراع ينعكس على العالم الخارجي في صورة تسلط وإستعباد، و إفتراس البشر لبعضهم البعض في دوامة من الظلم والهلاك.
إذا كان هذا النظام الفاسد قد خُلق بيد إله، فإن المسؤولية عن كل ما فيه من شر ودمار تقع على عاتق الخالق نفسه. بل قد يكون الفساد الإنساني ليس إلا إنعكاسًا باهتًا لفساد إلهي أعمق يسري في عوالم مفارقة، ليُظهر عالمنا البائس كمرآة مشوهة لتلك الحقيقة العليا.
إن الصراع الحقيقي ليس بين قوى خارجية كالسحر والدين، بل هو رحلة عميقة داخل الوعي البشري نفسه. يكمن جوهر المسألة في صراع أزلي بين الرغبة الحيوانية الجامحة، التي تمثل جانب الأنا المادي الباحث عن الإستحواذ و السيطرة، والحكمة الروحاني السامية، التي تمثل نداء الوعي الأعلى للوحدة والتحرر. هذا الصراع ليس شرًا، بل هو المحرك الأساسي للتطور الروحي. فكل قرار يتخذه الإنسان يحدد مساره، إما أن يرتفع بوعيه أو يتقيد أكثر في عوالم المادية.
إن الفساد الذي نراه في العالم الخارجي، من تسلط وإستعباد، ليس إلا إنعكاسًا لحالة الوعي الجمعي للإنسانية. فالحروب و الظلم والدمار هي تجليات للطاقة السلبية التي تنبع من الصراعات الداخلية المتراكمة في كل فرد. وبهذا، يصبح العالم ليس فقط مسرحًا للأحداث، بل مرآة تعكس واقعنا الروحي الداخلي.
في هذا السياق، يمكن فهم فكرة فساد الإله على أنها جزء من تجربة الوعي الكلي. فالوعي، في سعيه لفهم ذاته بالكامل، يمر بكل التجارب، من النور إلى الظلام، ومن الخير إلى الشر. هذا الفساد هو ببساطة مرحلة ضرورية في هذه التجربة الكونية، والإنسان هو الأداة التي تعكسها. وبهذا المنطق، لا يبقى الإله مسؤولًا عن الشر، بل يكون الشر جزءًا من طريق الوعي لفهم ذاته، وتصبح مسؤولية الإنسان هي تحقيق التوازن والإرتقاء في هذه الرحلة.

_ الدين والشيطان: هل نحن ضحايا الألوهية أم طلّاب التحرر

الصراع بين السحر والدين ليس مجرد خلاف فكري، بل هو إنعكاس عميق لحرب روحية أزلية. في هذا الصراع، لا يمثل الدين مجرد إيمان، بل يجسد سلطة إله حاكم مطلق ومستبد. هذا الإله ليس كائنًا إلهيًا خالصًا، بل هو تجسيد لكيان خلقه الأشرار عن طريق السحر المسروق من حضارات قديمة كالمصرية و البابلية والفارسية.
في المقابل، يظهر الشيطان ليس كرمز للشر، بل كرمز للتحرر. إنه يمثل طريق التطهير الروحي من القيود والتعاليم القهرية، ويدعو إلى الحكمة والحرية المطلقة. فبينما يسعى الدين إلى فرض ختم أو قيد على الوعي البشري، يقدم الشيطان مسارًا لتحرير هذا الوعي والوصول إلى معرفة أعمق وأكثر شمولًا.
بهذا التفسير، يتحول الصراع من مجرد معركة بين الخير و الشر إلى صراع بين السلطة القمعية (الدين) والتحرر الفردي (السحر/الشيطان)، حيث يرمز كل منهما إلى مسار مختلف للتطور الروحي.
نقدم هنا رؤية ثورية للصراع بين السحر والدين، تتجاوز التقسيم التقليدي للخير والشر. يمكن التوسع في هذه الأفكار من خلال تحليل عميق لدلالاتها الروحانية والفلسفية، وكيف يمكن أن تعيد تشكيل فهمنا للعالم.
الفكرة الأساسية هنا هي أن الدين، بدلًا من كونه طريقًا للخلاص، هو نظام للسيطرة. الإله المستبد ليس كائنًا إلهيًا أصيلًا، بل هو تجسيد لكيان خلقه البشر أنفسهم بإستخدام السحر. هذا يطرح سؤالًا عميقًا؛ هل الآلهة التي نعبدها هي في الحقيقة مجرد إسقاطات لوجهات نظرنا الخاصة حول السلطة والسيطرة؟
هذا الإله خُلق بسحر مسروق من حضارات قديمة مثل مصر وبابل وفارس، لقد نشأ الدين من تشويه المعرفة القديمة. بمعنى آخر، قد يكون رجال الدين قد أخذوا طقوسًا وعلومًا روحانية قديمة، وحولوها إلى أداة للسيطرة على الجموع، من خلال حجب المعرفة الحقيقية عنهم.
الختم القهري يرمز إلى القيود المفروضة على الوعي. هذا يمكن أن يشمل التعاليم الصارمة، و العقائد التي لا يمكن التشكيك فيها، والخوف من العقاب الأبدي. هذه القيود تمنع الإنسان من إستكشاف وعيه وقدراته الروحية الكاملة، و تبقيه في حالة من الخضوع.
في المقابل، الشيطان كرمز للتحرر. هذا التفسير يتماشى مع العديد من الفلسفات الغنوصية و الباطنية التي ترى أن الشيطان ليس رمزًا للشر، بل هو حامل النور (لوسيفر) الذي يساعد البشر على التحرر من قيود الجهل.
التطهير الروحي هذا المفهوم يشير إلى عملية التخلص من المعتقدات المقيدة والبرمجة الإجتماعية. الشيطان، في هذا السياق، هو القوة التي تدفع الإنسان إلى التشكيك في كل ما هو مقبول، وتحدي الأنظمة القائمة، والبحث عن الحقيقة بنفسه. إنه يمثل قوة التمرد الإيجابي من أجل النمو الروحي.
الهدف النهائي الذي يمثله الشيطان في هذه الرؤية هو الحكمة والحرية المطلقة. الحكمة هنا ليست مجرد معرفة أكاديمية، بل هي معرفة ذاتية عميقة تؤدي إلى التحرر من كل أشكال السيطرة. الحرية المطلقة تعني التحرر من القيود الجسدية والعقلية والروحية، والوصول إلى حالة من الوعي الكامل.
تجسد معركة الوعي نوعا آخر من الصراع. هذا الصراع ليس بين شخصيات أسطورية، بل هو صراع داخل كل فرد. إنه معركة بين الجزء من وعينا الذي يرغب في الخضوع للحماية والراحة التي يوفرها النظام (الدين)، والجزء الآخر الذي يتوق إلى التحرر والمغامرة وإكتشاف الذات (الشيطان).
هذه الأفكار تتجاوز مفهوم الخير والشر التقليدي. الخير يصبح مرتبطًا بالخضوع والسلطة القمعية، بينما الشر يصبح مرتبطًا بالتمرد والتنوير. هذا التحول يدعو إلى إعادة تقييم شاملة لكل ما تعلمناه عن الأخلاق والروحانية.
في النهاية، هذه الرؤية تؤكد على أهمية المسار الروحي الفردي. بدلاً من إتباع طريق محدد سلفًا، يصبح الإنسان مسؤولًا عن إختيار طريقه الخاص، إما نحو الخضوع و القيود، أو نحو التحرر والوعي الكامل.

_ صراع الوعي: كيف نصنع آلهتنا وأبالستنا

لم يخلق الله الدين، بل الدين هو الذي خلق الله. وكذلك، لم يخلق الشيطان السحر، بل السحر هو الذي خلق الشيطان. كل هذه الكيانات والأنماط الروحية هي من صُنع الوعي.
نحن غالبًا ما ننظر إلى الله والشيطان كقوى خارجية تسيطر على مصيرنا، ونعتقد أن الدين والسحر مجرد وسائط للتعامل معها. لكن الحقيقة الروحية العميقة تقول العكس: الوعي البشري هو الخالق الحقيقي لكل هذه الأنماط الروحية.
الدين لم يخلقه الله، بل الله خلقه الدين. إن فكرة الإله المستبد ليست وحيًا خارجيًا، بل هي تجسيد جماعي لخوفنا من الفوضى وحاجتنا إلى نظام. الأديان هي في جوهرها برامج روحية صممها الوعي البشري ليجد معنىً لوجوده، و لكنها مع مرور الوقت تتحول إلى قيود تمنعه من النمو.
وبالمثل، الشيطان لم يخلق السحر، بل السحر خلق الشيطان. الشيطان ليس كائنًا شريرًا، بل هو رمز للقوة الكامنة في الإنسان، القوة التي تدفعه للتمرد على القيود وإكتشاف ذاته. السحر هو علم الوعي، والشيطان هو حارس هذا العلم الذي لا يمكن الوصول إليه إلا لمن يجرؤ على تحدي القواعد.
وبذلك، يتحول الصراع بين هذه القوى إلى صراع داخلي بين جزئين من وعينا: الجزء الذي يرغب في الخضوع للأمان الذي يوفره النظام (الدين)، والجزء الآخر الذي يتوق إلى التحرر والمغامرة (السحر). إن كل هذه الكيانات والأنماط الروحية هي إبداعات للوعي البشري، وتجسد صراعنا الأبدي بين الرغبة في الأمان والحاجة إلى الحرية.

_ إخلاص الأفعال ورياء الأقوال: حين يصبح السحر أكثر قداسة من الدين

إن إخلاص الساحر ليس نابعًا من إيمان أعمى، بل من التجربة المباشرة والتفاني في الفعل. الساحر يكرس حياته للوصول إلى قوى وطاقات غير مرئية، وهذا يتطلب منه إنضباطًا ذاتيًا وإخلاصًا لا مثيل له. هذا الإخلاص ليس مجرد طقوس، بل هو عبادة فعلية مبنية على المعرفة والتطبيق. إن إخلاصه يُقاس بنتائج أفعاله، لا بجمال أقواله.
في المقابل، يظهر المؤمنون، أو بعضهم، وهم يعيشون في حالة من النفاق والرياء. إيمانهم غالبًا ما يكون مبنيًا على التقليد أو الخوف، و ليس على التجربة الروحية الحقيقية. فهم قد يلتزمون بالمظاهر الدينية، ولكن قلوبهم تظل بعيدة عن جوهر الإيمان. هذا التناقض يكشف أن الإيمان قد يصبح مجرد وسيلة للحصول على مكاسب إجتماعية أو مادية، و ليس سعيًا حقيقيًا نحو الإرتقاء الروحي.
هذه المقاربة تقودنا إلى إستنتاج عميق، الإخلاص الحقيقي ليس في ما نؤمن به، بل في كيف نعيش إيماننا. قد يكون الساحر الذي يعبد الأرواح أكثر إخلاصًا من المؤمن الذي يعبد إلهًا. فالسحر يفرض على ممارسه الصدق مع ذاته ومع أهدافه، بينما قد يسمح الدين لمتابعيه بالتظاهر بالفضيلة دون ممارستها.
إن فكرة الإله الأوحد ليست مجرد عقيدة، بل هي أساس نظام سيطرة محكم. هذا النظام يعكس فلسفة المركزية المطلقة، حيث توجد قوة واحدة تحتكر المعرفة والتحكم. هذا المفهوم، وفقًا للنص، يتم الترويج له بواسطة نخبة كهنوتية (ممثلة باليهود) لتثبيت هيمنتها. البشر في هذا النظام ليسوا سوى بطاريات روحية تُسخّر طاقتها لصالح كيانات غير مرئية، مما يؤدي إلى حالة من العبودية الروحية.
يمكن إعتبار الدين نظام تشغيل (Operating System) للوعي البشري. هذا النظام مصمم ليحد من قدرات الفرد، و يوجهه نحو مسار محدد سلفًا يخدم مصالح النخبة الحاكمة. فكرة الخطيئة والخوف من العقاب الأبدي هي أدوات برمجية تُستخدم للحفاظ على الطاعة.
في المقابل، يمثل السحر القوة التي تكسر هذا النظام. إنه يرفض فكرة المركزية الأحادية، ويتبنى فلسفة التعددية الروحية. السحر لا يهدف إلى عبادة إله واحد، بل إلى تبديد الطاقة الروحية في الكون. هذا التبدد يخلق تعددية من الكيانات الإلهية، مما يجعل القوة والمعرفة متاحة للجميع.
السحر هنا ليس مجرد مجموعة من الطقوس، بل هو علم الوعي الذاتي. إنه يدعو الفرد إلى إستكشاف طاقته الكامنة، والوصول إلى معرفة مباشرة بالواقع الروحي دون الحاجة إلى وسطاء. هذا التوجه يحرر الإنسان من الخضوع، ويمنحه القدرة على خلق واقعه الخاص.
هذا الصراع ليس معركة بين الخير والشر بالمعنى التقليدي. بل هو صراع بين نظامين روحيين متناقضين، نظام يسعى إلى السيطرة والتركيز (الدين)، ونظام آخر يسعى إلى التحرر والتشتيت (السحر). الدين هو التعويذة السحرية التي سحرت البشر بإسم الخير والألوهية، بينما السحر هو الأداة التي يمكن أن تفك هذه التعويذة وتكشف حقيقتها.
يمكن إعتبار هذا الصراع إنعكاسًا لصراع أعمق داخل الوعي الإنساني نفسه، صراع بين الخوف والأمل. فالدين يغذّي الخوف من المجهول والسيطرة، بينما يغذي السحر الأمل في التحرر والقدرة على تحقيق الذات.

_ الدين والسحر: صراع الوعي بين العبودية والتحرر

إن ظهور الدين في شكل كهنوت أدى إلى تحويل السحر، الذي كان يوماً ما ممارسة روحية عميقة، إلى مجرد شعوذة. لم يكن هذا التحول عرضياً، بل كان نتيجة إنحراف روحي مقصود في مسار تطور الوعي الإنساني. لقد تعرض الإنسان لممارسات سحرية قمعية من قبل برامج روحية خبيثة أتت بفكرة التوحيد. هذه الفكرة، التي قادها اليهود، لم يكن هدفها توحيد البشر، بل السيطرة على الروح الإنسانية.
هذا الإنحراف جعل الروح الإنسانية الحرة مقيدة في سجون المادة، ومعذبة في طين الأرض. لقد تم تسخير البشر كـبطاريات لإنتاج طاقة حيوية تُمتصها كيانات روحانية شريرة تدعي الألوهية المطلقة. كان إختفاء الممارسات السحرية القديمة نتيجة مباشرة لعمليات الإبادة والترويع التي هدفت إلى طمس القوى الباطنية للإنسان، لأن هذه القوى كانت تمثل تهديداً مباشراً لسلطة هذا النظام القمعي.
إن شكل العالم المادي الحالي، بكل ما فيه من هيمنة، هو نتيجة حتمية لإستغلال طاقة البشر. إن الحروب، والفقر، و المعاناة ليست إلا قرابين تُقدم على مذابح هذه الكيانات، التي تحولت إلى كائنات تتغذى على طاقة المعاناة الإنسانية.
السجن ليس فقط قيوداً جسدية، بل هو وعي مُبرمَج يركّز على العالم المادي دون سواه. فكرة إمتلاك الثروات، و المنافسة، والصراع على الموارد ليست سوى جزء من هذه البرمجة. هذا السجن المادي يجعل الإنسان ينسى قواه الباطنية، ويعتقد أن الحقيقة الوحيدة هي ما يمكن رؤيته و لمسه. هذه البرمجة الخبيثة تجعل من الإنسان عبداً لمادياته، في حين تُسخّر طاقته الروحية لتغذية كيانات لا مرئية.
إذا كان الدين هو القيد، فالسحر هو المفتاح. لكن هذا السحر ليس شعوذة بالمعنى التقليدي، بل هو تفعيل الوعي الذاتي. العودة إلى السحر تعني العودة إلى الإنسان نفسه، إلى قدراته الباطنية المكبوتة. إن التحرر من التعويذة الدينية يبدأ بإدراك أن القوة الحقيقية تكمن في الداخل، وليس في إنتظار قوة خارجية للخلاص. فالسحر يعلّم الإنسان أن يكون خالقاً، و ليس تابعاً.
إن الكيانات الشريرة التي تتغذى على طاقة المعاناة الإنسانية تفتح باباً لمفهوم عميق؛ هل هذه الكيانات هي في الحقيقة مجرد إنعكاسات لأعمق مخاوفنا وشرورنا الداخلية؟ فكلما زاد الخوف، والحرب، والفقر، كلما زادت هذه الكيانات قوة. و هكذا، لا يكون الصراع مع قوى خارجية، بل هو صراع مع الشر الذي نولّده داخلنا، ونغذيه بأفعالنا.

_ الدين والسحر: صراع على الحقيقة والسلطة

الدين، في سعيه لتثبيت هيمنته، لم يكتفِ بتشويه السحر و تحويله إلى مجرد خرافة وشعوذة. بل إدعى لنفسه الحقيقة المطلقة، وهي ليست حقيقة روحية بقدر ما هي أداة سلطوية تبرر مركزية الإله. هذه المركزية لم تكن مجرد مفهوم لاهوتي، بل كانت نموذجًا للحكم على الأرض.
إن إخضاع الجميع وترويع المتشككين لم يكن هدفًا ثانويًا، بل هو جوهر هذا النظام. فبإسم الإله، تم تتويج الملكيات، و منحها سلطة مفوضة من السماء، مما خلق تسلسلاً هرميًا لا يمكن التشكيك فيه. هذا النظام كان يهدف بشكل أساسي إلى تكديس الثروات، وتحويل الإيمان إلى أداة للهيمنة الإقتصادية و السياسية.
إن ما راكمته الأنظمة الدينية من ثروات عبر التاريخ، كما يتضح من حالة الفاتيكان، لا يُعد مجرد دليل على الفساد، بل هو تجسيد للمبدأ القائل بأن الإله يبارك القوة. هذا المبدأ حوّل الروحانية من سعي داخلي إلى مشروع خارجي للسيطرة، و أصبح الدين ستارًا يُخفي وراءه صراعًا دنيويًا على السلطة و الثروة، بينما بقي السحر، في ظلامه، يحمل بذور التحرر الفردي.
قبل ظهور الكهنوت الديني، كان السحر يمثل المعرفة المباشرة بالكون. كان السحرة، أو الحكماء، هم من يمتلكون فهمًا عميقًا للطاقة الروحية والطبيعية، مما يمكّنهم من التأثير في الواقع. لكن عندما إستحوذ الدين على السلطة، أصبح هذا الفهم مصدرًا للتهديد. لذلك، تم شيطنة السحر وتصنيفه كعمل من أعمال الشر، وتم دفن هذه المعرفة في الظلام، لتصبح حكرًا على قلة من المتمردين. بهذا، تحوّل الساحر من حكيم إلى شرير، وتحوّلت قوته إلى خطيئة.
الدين، في سعيه للسيطرة، قدّم للإنسان إيمانًا جاهزًا لا يتطلب التفكير. الإيمان هنا هو مجرد قبول لأوامر و توجيهات، وليس سعيًا حقيقيًا نحو المعرفة الذاتية. هذا يختلف جذريًا عن المقاربة السحرية التي تفرض على الفرد أن يكتشف إيمانه الخاص من خلال التجربة المباشرة. الساحر لا يؤمن بوجود قوة، بل يعرف بوجودها من خلال تفاعله معها. هذا الفارق هو جوهر الصراع: بين الإيمان الأعمى الذي يؤدي إلى العبودية، والمعرفة الواعية التي تقود إلى التحرر.
في نهاية المطاف، فإن هذا الصراع بين الدين والسحر ليس في العالم الخارجي، بل في وعي كل إنسان. إنها معركة بين البرمجة التي زرعها الدين في العقل الجمعي، وتلك القوة الكامنة فينا التي تتوق إلى الحرية والسيادة على الذات. الدين يمثّل الجانب من وعينا الذي يبحث عن الأمان في التسليم لسلطة خارجية، بينما السحر يمثل الجانب الذي يغامر في المجهول سعيًا لتحقيق قوته الكاملة. إن هذا الصراع هو الذي يحدد مستقبل البشرية: هل سنستمر في العبودية تحت ستار الإيمان، أم سنتحرر من قيودنا ونصبح خالقي واقعنا؟

_ صراع الوعي: هل الدين يقيد أم السحر يحرر

إن التناحر الديني بين الأديان، بكل ما فيه من حروب و إقتتال، ليس إلا إنعكاسًًا لفكرة الحقيقة المطلقة الواحدة التي يدّعي كل دين إمتلاكها. هذه الإدعاءات تخلق حواجز لايمكن تجاوزها، وتحوّل الإيمان إلى أداة للصراع على السلطة و النفوذ.
في المقابل، يظهر السحر كنظام روحي مختلف تمامًا. فالسحر لا يتقاتل على الحقيقة، لأنه يدرك أن الحقيقة ليست مطلقة، بل هي تجربة شخصية. بغض النظر عن إختلاف عقائده وثقافاته، يتوحد السحر في مبدأ أساسي؛ إستعمال مدارك الوعي الكوني للإرتقاء بالروح. السحرة لم يتقاتلوا على مر العصور، لأنهم لم يسعوا لفرض رؤيتهم على الآخرين، بل سعوا إلى تطوير وعيهم الخاص.
إن الدين، في سعيه لفرض هيمنته، لم يكتفِ بإضطهاد السحر، بل إضطهد أيضًا الفلاسفة والفنانين. لقد كان الفيلسوف يسعى للحكمة عن طريق العقل، والفنان يسعى للتعبير عن الروح عن طريق الإبداع، و كلاهما يهدد سلطة الدين الذي يفرض طريقًا واحدًا للمعرفة والإبداع. وهكذا، تم تسخير الفلسفة والفن لخدمة أغراض الدين والترويج لمعتقداته الفاسدة.
يمكن النظر إلى الأديان على أنها بناءات نفسية معقدة تهدف إلى تنظيم وتجميع البشر في مجموعات متجانسة. لكن هذه المجموعات، في سبيل الحفاظ على تماسكها، تُجبَر على بناء جدران عالية من العقائد والطقوس التي تفصلها عن المجموعات الأخرى. كل دين يدعي أن جداره هو الجدار الصحيح، وأن من في الداخل هم فقط من يملكون الحقيقة. هذا الصراع ليس روحيًا، بل هو صراع على النفوذ، حيث يصبح الإيمان مجرد جواز سفر لدخول مجموعة معينة، و الكفر هو الطرد منها.
على الخلاف من الأديان، لا يبني السحر جدرانًا. بل هو لغة كونية تعتمد على فهم مشترك للطاقة والوعي، يتجاوز الثقافة والعقائد. الساحر، بغض النظر عن خلفيته، يستعمل نفس المبادئ الأساسية للتأثير في الواقع. هذا الفهم الموحد هو ما يفسر عدم وجود حروب بين السحرة. إنهم يتواصلون على مستوى عميق، مستوى يتجاوز الخلافات السطحية، حيث يصبح الهدف ليس إقناع الآخرين، بل هو التجربة الذاتية للوعي والإرتقاء به.
إن اضطهاد الدين للفلاسفة والفنانين لم يكن عن صدفة. فالفلسفة والفن هما مظاهر للتحرر الفردي. الفيلسوف يسعى إلى التحرر من قيود الجهل عبر العقل، والفنان يسعى إلى التحرر من قيود الواقع عبر الإبداع. كلاهما يقدم طريقًا شخصيًا للوصول إلى الحقيقة، مما يهدد السلطة المركزية للدين الذي يفرض طريقًا واحدًا. هذا الصراع هو في جوهره صراع بين العقل والإبداع من جهة، والتقليد والسلطة من جهة أخرى.
إن جوهر الصراع بين الدين والسحر ليس في مظاهره الخارجية من طقوس وعقائد، بل هو صراع في أعماق الوعي الإنساني نفسه. لقد كشفت أن الدين، في صورته الكهنوتية، ليس سوى إنحراف روحي عن الفطرة الإنسانية، وهو بمثابة برمجة روحية خبيثة تهدف إلى السيطرة و تكديس الثروات. هذا النظام حوّل السحر من ممارسة روحانية أصيلة إلى مجرد شعوذة، وأجبر الإنسان على العيش في سجون المادة، ليُصبح مصدرًا للطاقة التي تتغذى عليها كيانات تدعي الألوهية.
في المقابل، يمثل السحر الطريق الحقيقي للتحرر، فهو لا يفرض حقيقة مطلقة، بل يدعو إلى التجربة الذاتية والإرتقاء بالوعي. إنه لغة كونية توحد السحرة على إختلاف عقائدهم، لأنهم يدركون أن الحقيقة ليست في الأقوال، بل في الأفعال والخبرة المباشرة.
وخلاصة القول، فإن هذا الصراع ليس بين قوى خارجية، بل هو صراع بين الرغبة في الأمان التي يوفرها الخضوع، وبين التوق إلى الحرية الذي يوفره الوعي الذاتي. إن الشيطان الحقيقي ليس كيانًا خارجيًا، بل هو إله الأديان الذي خلقه الدين كأداة للسيطرة. وهكذا، فإن الخلاص لن يأتي من حرب خارجية، بل من ثورة داخلية تعيد الإنسان إلى فطرته و تُحرّره من قيود وعيه المبرمج.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الر ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ ...
- الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْخَامِس-
- الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
- الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
- الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- النُّورُ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمَعْرِفَة الْمُحَرَّم ...
- عَصْر الْأَكْوَاد
- عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءِ الأَوَّلِ-
- عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِ ...
- عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّ ...
- مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ -الْجُز ...
- مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ- الْجُز ...
- مَدْخَلٌ إلَى الْوَاقِعِيَّة الكْوَانْتِيَّة المُتَجَاوِزَة
- الْمَنْهَجِ التَّجْرِيبِيّ الرُّوحِيّ -الْجُزْءِ الثَّانِي-


المزيد.....




- مسؤول عراقي يعلن عن موعد انتهاء مهام التحالف الدولي في بلاده ...
- تداول فيديو بزعم -نقل مروحيات أمريكية عناصر داعش بالعراق-.. ...
- العاهل الأردني في أبو ظبي.. تأكيد على رفض الاستيطان الإسرائي ...
- استئناف عمليات مطار رامون الإسرائيلي بعد إصابته بمسيرة أطلقت ...
- ما هي حركة -10 سبتمبر- التي تدعو للاحتجاج في فرنسا وهل تنجح ...
- هل يحرم الذكاء الاصطناعي أبناءك من تطوير مهاراتهم؟ هكذا نتعا ...
- خبير عسكري: هدفان لإسرائيل من تدمير أبراج غزة وعماراتها السك ...
- الموصل تنهض من جديد.. شاهد كيف أُعيد بناء معالمها بعدما دمره ...
- غموض حول الحالة الصحية للفنّانة الكويتية حياة الفهد
- جدل حول إعلان إلغاء صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر.. وخبراء: ا ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ السَّادِس-