|
الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة الْعَقْل بِالْخَوَارِق -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 23:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن العلاقة بين الفلسفة والسحر ليست مجرد فصل تاريخي بين مرحلتين مختلفتين من تطور الفكر البشري. فبينما يرى البعض أن الفلسفة ولدت كتمرد عقلاني على غموض السحر، يرى آخرون أنها مجرد إمتداد منطقي له، حيث خلع الساحر عباءة الغموض واستلّ عقله. ولكن بالنظر بعمق، يمكننا أن نكتشف أن هذه العلاقة تتجاوز مجرد الصراع أو التطور. فهي ليست سوى إنعكاس لصراع أعمق يكمن في صميم الوعي الإنساني. إنه جدل أبدي بين نبضة العقل التي تسعى لفهم الوجود من خلال المنطق و التحليل، ونبضة الإرادة التي تسعى للتأثير على الواقع من خلال الحدس والقوة. السحر والفلسفة هما، في جوهرهما، لغتان مقدستان يتحدث بهما الوجود نفسه، لغة الكينونة ولغة المعنى. وربما لا يكمن الهدف من هذا الصراع في إنتصار أحدهما على الآخر، بل في تحقيق التوازن بينهما، لكي يتمكن الإنسان من أن يصبح ثنائي اللغة في الكون، جامعًا بين قوة السحر وحكمة الفلسفة.
_ الفيلسوف الأول: ساحرٌ تجرّأ على الفهم
إن الفلسفة لم تولد من فراغ، بل إنبعثت من رحم السحر، كزهرة تنمو من تربة غنية بالغموض والقوة. في البداية، كان الساحر هو العالم والفيلسوف الأول. كان ينظر إلى العالم بعين مختلفة، لا مجرد مراقب، بل مشارك فعال. يرى أن كل ظاهرة طبيعية، من رعد يزمجر إلى شمس تغيب، ليست مجرد حدث فيزيائي، بل تعبير عن قوى خفية وأرواح. كانت مهمته هي فهم هذه القوى والتحكم بها، ليس لأغراض شخصية بالضرورة، بل لإحداث التوازن بين عالم البشر وعالم الأرواح. كان الساحر يستخدم الطقوس والرموز والتعاويذ، ليست كوسائل لخداع، بل كأدوات لفهم الواقع. كانت كل حركة وكل كلمة تحمل معنى عميقاً، يربط بين المادي واللامادي. هنا، بدأت بذرة الفلسفة بالنمو. فمن خلال محاولاته فهم هذه الروابط الخفية، بدأ يطرح أسئلة أكثر عمقاً، لماذا تحدث هذه الظواهر؟ لم يعد الساحر يكتفي بالجواب لأن الأرواح تريد ذلك، بل بدأ يبحث عن أنماط وقوانين تحكم تصرفات هذه الأرواح. ما هي طبيعة هذه القوى؟ هل هي خير أم شر؟ هل هي جزء من شيء أكبر؟ ما هو موقع الإنسان في هذا النظام الكوني؟ هل هو مجرد لعبة في يد القوى الكونية، أم أن له دوراً فعالاً في تشكيل مصيره؟ بمرور الوقت، بدأت هذه الأسئلة تتجاوز الطقوس السحرية وتتخذ شكلاً أكثر تجريداً. تحولت التعاويذ من مجرد كلمات سحرية إلى محاولات لفهم المنطق الكوني. تحول الطقس من مجرد أداء حركي إلى تعبير عن التأمل العميق في الوجود. لم يعد الساحر يبحث عن التحكم، بل عن الفهم. وهكذا، إنشق الفيلسوف عن الساحر. الفيلسوف هو الساحر الذي قرر أن يضع أدواته جانباً، ويستخدم عقله فقط. هو الذي أدرك أن القوة الحقيقية ليست في التحكم بالظواهر الخارجية، بل في فهم المبادئ التي تحكمها. لم يتخلَ الفيلسوف عن هدف الساحر الأصلي، وهو فهم العالم، بل غير أدواته، من التعويذة إلى المنطق، ومن الطقس إلى الحوار. فنشأت الفلسفة كجسر بين عالمين؛ عالم الغموض والقوة الذي يمثله السحر، وعالم الوضوح والفهم الذي يمثله العقل. الفلسفة هي السحر الذي خلع عباءة الغموض، ليكشف عن وجهه الحقيقي؛ البحث عن الحكمة. أعتذر منك صديقي، لقد ارتكبت خطأً وكررت نفس النص السابق. سأقوم الآن بتقديم النص الكامل والموسع الذي طلبته.
_ المنطق ضد السحر: صراع الأدوات في رحلة البحث عن الحقيقة
إن الفلسفة لم تولد من رحم السحر كإستمرارية، بل كنوع من التمرد الجذري. في البداية، كان السحر يمثل ذروة المعرفة البشرية. لم يكن مجرد فن أو خدعة، بل كان نظامًا كونيًا متكاملاً، يُفَسِّر العالم ويُخضع قواه لإرادة الساحر. كان الساحر يؤمن بأن الوجود محكوم بقوى روحانية غامضة، و أن الأسرار تكمن في طقوسه المقدسة ورموزه السرية و كلماته المزمجرة. كانت معرفته تراكمًا لآلاف السنين من التجربة الحسية والخبرة المباشرة؛ فهو يراقب نتائج أفعاله السحرية ويتعلم منها، يختبر المواد، ويفهم إرتباط النجوم بالأرض، ويعرف كيف يتحدث مع الطبيعة لا ليتحكم بها بل ليجد توازنه معها. لكن في أعماق هذا النظام السحري، بدأت تظهر شروخ دقيقة. فبعض السحرة، بعد تجارب فاشلة أو نتائج غير متوقعة، بدأوا يتساءلون: هل يمكن أن تكون هناك قوانين ثابتة وموضوعية تحكم الكون، لا تتأثر بتقلبات مزاج الأرواح أو نقص دقة الطقوس؟ هل يمكن أن يكون هناك تفسير للظواهر الطبيعية لا يعتمد على التوسط الروحي، بل على مبادئ عقلانية ومنطقية يمكن أن يفهمها أي إنسان؟ هذا التساؤل كان بمثابة شرارة الإنفصال. الفيلسوف الأول، في هذه النظرية، لم يكن ساحرًا متطورًا، بل كان ساحرًا مرتدًا. لقد شكك في أساسيات عالمه، ورفض الإستسلام لسطوة الأسرار والغموض. كان يرى أن الإعتماد على الأسرار الروحية هو شكل من أشكال العبودية المعرفية؛ فالعقل البشري يظل رهينة لقوى خارجة عن إدراكه. بدلاً من محاولة إرضاء الأرواح أو التلاعب بها، قرر أن يضع ثقته في قوة العقل وحده. لقد كان إيمانه بأن الحقيقة ليست سِرًّا تُكشف عنه الأرواح، بل هي لغز يمكن للعقل حله. كانت هذه القطيعة مؤلمة، لكنها ضرورية. ففي حين كان السحر يربط الإنسان بالطبيعة عبر الخوف والإحترام للغامض، جاءت الفلسفة لتربطه بها عبر الفهم والتحليل. لم يتخلَ الفيلسوف عن هدف الساحر الأصلي، وهو فهم العالم، بل غير أدواته ومنهجه بالكامل. لم يعد الفيلسوف يؤمن بقوة الكلمات المزمجرة التي تستدعي القوى الخفية. بدلاً من ذلك، آمن بقوة الكلمات المنطقية التي تشكل حجة عقلية. إستبدل التعويذة بـالقياس المنطقي، ورمز السحر بـالمفهوم التجريدي. لم تعد الممارسات الطقسية هي الوسيلة للتواصل مع الحقيقة. بدلاً من ذلك، أصبح الحوار الفلسفي والجدل العقلي هما الطريق للوصول إلى الحكمة. الفلسفة جعلت من البحث عن الحقيقة عملية ديمقراطية يمكن لأي عقل أن يشارك فيها، بينما ظل السحر حكرًا على نخبة من الكهنة والسحرة. السحر كان يقوم على فكرة أن كل شيء له سر خاص به (سر النار، سر الماء، سر النبتة). أما الفلسفة فقد قامت على فكرة أن الوجود كُلٌّ واحد يمكن تفسيره بمبدأ واحد (الأصل عند طاليس، الأبدي عند بارمنيدس). لقد كانت الفلسفة هي محاولة الإنسان الأولى لتجريد الواقع من أسراره اللانهائية، وإيجاد مبدأ كوني موحد يجمع كل الظواهر تحت مظلته. وهكذا، لم تولد الفلسفة من السحر كإبنة مطيعة، بل كمتمردة ثورية، أخذت على عاتقها مهمة إزالة الغموض عن الوجود. هي ساحة معركة بين العقل والغموض، حيث كان النصر الأكبر للعقل هو إدراكه أن القوة الحقيقية تكمن في الفهم لا في التحكم.
_ الجرح المقدس: كيف قتلت الفلسفة سحر العالم
في البدء، لم يكن هناك سحر وفلسفة. كان هناك فقط الوجود المتكامل. كانت الأشجار تتحدث، والأنهار تهمس بالأسرار، و النجوم ترقص في السماء بحسب إيقاع روحي. لم يكن الإنسان مراقباً للكون، بل كان جزءاً لا يتجزأ منه. كانت معرفته حدسية، قائمة على الاتصال المباشر والتعايش مع القوى الكونية. كان الساحر أو الشامان هو الكاهن لهذه المعرفة، دوره لم يكن في التحكم، بل في التناغم مع الوجود. لم يكن يسأل لماذا؟، بل كان يشعر بـكيف؟ وكيفية التدفق مع إيقاع الكون. ثم جاءت اللحظة المأساوية، لحظة الإنفصال الأول. دفع العقل البشري، في لحظة من الغرور، نحو رغبة في الفهم المطلق. أراد أن يمسك بالوجود ويحلله، أن يفصله إلى أجزاء صغيرة ليفهمها. كانت الفلسفة في نشأتها هي أول فعل من أفعال العنف المعرفي ضد الوجود نفسه. كانت أول محاولة لفصل الذات المفكرة عن الشيء الذي يُفكر فيه. وفي هذه اللحظة، حدث الجرح الأبدي. عندما ولد المنطق (Logos)، قتل الأسطورة (Mythos). بمجرد أن بدأ العقل الفلسفي في تصنيف الأشياء وتجريدها من معانيها الروحانية، تحول العالم من كائن حي إلى جثة ميتة يمكن تشريحها. الأنهار لم تعد أرواحاً، بل مجرد مياه تتدفق. الشجرة لم تعد كائناً حكيماً، بل مجرد نبات يُحلل. و هكذا، فقد العالم سحره وتحول إلى مادة خام تنتظر الفهم و السيطرة. الفيلسوف، في هذه النظرية، هو إبن هذا الجرح. هو كائن منفي عن جنة المعرفة البدائية. حياته كلها هي محاولة يائسة لترميم الجسر الذي قام هو بكسره. كل سؤال فلسفي، من ما هي الحقيقة؟ إلى ما هو الوجود؟ هو صدى للنداء الأصيل للمعرفة التي فقدها. الفلسفة ليست تقدماً، بل هي حالة من الحنين الأبدي لما كان عليه الوعي قبل الجرح. السحر لم يمت، بل إنسحب إلى الظل. أصبح اللاوعي للفلسفة. إنه يظهر في كل مرة يفشل فيها المنطق في تفسير شيء ما: في الحدس الذي يتجاوز العقل، في التجربة الجمالية التي لا يمكن تحليلها، في الخبرة الصوفية التي تعجز الكلمات عن وصفها. هذه كلها بقايا مبعثرة للوعي الموحد الذي تمزق. وهكذا، الفلسفة ليست وريثة السحر، بل هي إبنته المتمردة التي جرحت أمها في عملية ولادتها. هي سعي لا نهائي لتعويض فقدان الإتصال المباشر بالكون، محاولة لإعادة بناء المعنى في عالم أفرغته من روحه. النصر الأكبر للعقل لم يكن في فهم العالم، بل في إدراكه أن القوة الحقيقية تكمن في الإتصال لا في التجزئة.
_ القطبان التوأمان: كيف يتصارع السحر والفلسفة داخلنا
إن الفلسفة والسحر ليسا مجرد ظاهرتين تاريخيتين، بل هما نبضتان ميتافيزيقيتان في قلب الوعي البشري. هما تعبير عن رغبتين أساسيتين متضادتين: 1. نبضة السحر (الرغبة في القوة)، هي دافعنا الجذري للتأثير على الواقع. السحر لا يهتم بالسبب والنتيجة بقدر إهتمامه بالفعالية. إنه يصرخ: أنا أريد أن أُغيّر! حقيقته ليست منطقية، بل برغماتية، هل هذا السحر يعمل؟ هل يُحقق الهدف؟ جوهره هو الإرادة. 2. نبضة الفلسفة (الرغبة في المعنى)، هي دافعنا العميق لفهم الوجود. الفلسفة لا تهتم بالتحكم بقدر إهتمامها بالإستنارة. إنها تسأل؛ أنا أريد أن أفهم! حقيقتها ليست عملية، بل عقلانية، هل هذا الفهم منطقي؟ هل يشرح كل شيء؟ جوهرها هو العقل. تاريخ البشرية، في جوهره، ليس إلا رقصة بين هاتين النبضتين، في ديالكتيك أبدي. في البداية، سيطرت نبضة القوة. كان الإنسان الأول يواجه عالمًا مخيفًا ومجهولًا. كان سحره هو محاولته الأولى للسيطرة على هذا الفراغ. لم يكن يبحث عن الأسباب، بل عن الأدوات؛ طقوس المطر، تعاويذ الصيد. كانت هذه الحقبة هي الولادة المظلمة للفلسفة، حيث كانت تكمن كامنة داخل كل طقس، كفكرة لم تنضج بعد. عندما إكتشفت نبضة المعنى أن الأدوات السحرية قد لا تعمل دائمًا، أو قد تكون متناقضة، بدأت في التمرد. هنا ولدت الفلسفة الحقيقية. لم تكن مجرد نفي للسحر، بل كانت محاولة لإعادة صياغة الوجود من فوضى الأرواح إلى هندسة عقلانية يمكن فهمها. كان هدفها هو تنظيف العالم من الغموض الذي لا يمكن التنبؤ به. لكن الفلسفة، في غرورها، ذهبت بعيدًا. عندما حاولت أن تكون منطقية بالكامل، قامت بتجريد الوجود من كل ما هو غير منطقي أو روحي. في هذه المرحلة، أصبح العالم مكانًا مُفسَّرًا بالكامل، لكنه فارغ من المعنى. أصبحت الأنهار مجرد مياه، والنجوم مجرد غاز، والإنسان مجرد آلة بيولوجية. هنا، تخلقت حالة من الوجود المادي الخالي من الروح، مما أدى إلى الشعور العميق بالضياع والعبثية. هذا الفراغ لا يمكن أن يدوم. فالطبيعة البشرية لا يمكن أن تكتفي بالمنطق وحده. وهكذا، عادت نبضة القوة لتملأ الفراغ. السحر لا يعود في صورته القديمة، بل في أشكال جديدة. في الفن الذي يعبر عن اللاوعي، في الروحانيات المعاصرة، في العلوم الحديثة التي تكتشف فوضى الكون (نظرية الفوضى)، وحتى في التكنولوجيا التي تمنحنا قوى سحرية لم يكن يحلم بها الساحر القديم. وهكذا، الفلسفة والسحر ليسا مرحلتين متعاقبتين، بل هما قطبا مغناطيس الوعي البشري. السحر هو المادة الخام للوجود، و الفلسفة هي اللغة التي نحاول بها فهم هذه المادة. لا يمكن لأحدهما أن يوجد بدون الآخر، فالسحر بدون فلسفة هو فوضى عمياء، والفلسفة بدون سحر هي عقلانية فارغة. الحكمة الحقيقية تكمن في إدراك هذا الترابط، وفي البحث عن نقطة التوازن التي تجمع بين إرادة القوة وحكمة المعنى.
_ الدماغ المقسم: الفلسفة والسحر كوجهين للوعي
يمكننا أن نرى الفلسفة والسحر على أنهما تعبير عن وظيفتي نصفي الدماغ: نصف الدماغ الأيمن (عالم السحر)، هذا النصف من الدماغ مسؤول عن الإدراك الشمولي، و الحدس، والإحساس بالترابط، والتفكير غير اللغوي. إنه يرى العالم كشبكة حية من العلاقات والمعاني الخفية، حيث كل شيء متصل ببعضه البعض. هذا هو موطن الوعي السحري. الساحر أو الشامان يعمل من خلال هذا الجزء من العقل؛ لا يرى الأشياء كأجزاء منفصلة، بل ككيان واحد متكامل. الطقوس والرموز ليست سوى لغة بدائية للتعبير عن هذا الفهم الحدسي والإتصال المباشر بالواقع. الحقيقة هنا ليست منطقية، بل هي مُعاشة و محسوسة. نصف الدماغ الأيسر (عالم الفلسفة)، هذا النصف مسؤول عن التحليل، والمنطق، والتفكير الخطي، واللغة. وظيفته هي تفكيك العالم إلى أجزاء صغيرة، تسميتها، وتصنيفها، وبناء أنظمة منطقية لفهمها. هذا هو محرك الفكر الفلسفي. الفيلسوف يسعى لخلق خريطة عقلية للواقع تكون دقيقة و منظمة. أداته الأساسية هي اللغة، التي تسمح له بتحويل التجربة المباشرة إلى مفاهيم مجردة قابلة للتحليل. الحقيقة هنا ليست محسوسة، بل هي مُستدلة ومنطقية. إن ميلاد الفلسفة لم يكن حدثًا تاريخيًا، بل كان صعودًا تدريجيًا لهيمنة نصف الدماغ الأيسر على الوعي البشري. لفترة طويلة، كان الإدراك الشمولي للسحر هو السائد. لكن مع تطور اللغة و المنطق، بدأ نصف الدماغ الأيسر في فرض هيمنته، ليصف العالم السحري بأنه خرافة أو لا عقلاني. وهنا يكمن المشروع الأعمق للفلسفة، محاولة إستخدام أدوات نصف الدماغ الأيسر (المنطق، اللغة) لفهم الواقع الشمولي الذي يدركه نصف الدماغ الأيمن. إنها مهمة مستحيلة وعبثية في جوهرها؛ محاولة رسم خريطة مثالية لمنطقة لا يمكن الإحاطة بها إلا بالتجربة المباشرة. كل نظام فلسفي، من أفلاطون إلى هيجل، هو في الأساس محاولة جريئة لخلق بناء مفاهيمي يمكنه إحتواء حقيقة تتجاوز المفاهيم. السحر هو الواقع المُعاش، والفلسفة هي النظام العقلي الذي نضعه لفهم هذا الواقع. لا يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر؛ فالفهم الحقيقي يأتي فقط من التناغم بينهما: أن نسمح للخريطة بأن تسترشد بالتجربة، وأن يكون المنطق مدفوعًا بالحدس.
_ بين التعويذة والمفهوم: صراع اللغات المقدسة للوجود
إن الحقيقة ليست شيئاً واحداً. إنها كائن مزدوج يتحدث بلغتين في آن واحد، ونحن كبشر، الكائنات الوحيدة القادرة على سماعهما معاً، لكننا نستخدم أدوات مختلفة لفهم كل لغة. 1.لغة الكينونة (السحر)، هذه هي لغة الوجود المطلق، لغة الكون بحد ذاته. إنها لغة غير لفظية، طاقية، ورمزية. إنها الطنين الصامت للكون، تدفق السبب والنتيجة خارج حدود الزمن الخطي. هذه هي اللغة التي يسعى السحر للتحدث بها. الساحر لا يخلق الواقع، بل يتعلم قراءة وقواعده الخفية. طقوسه ورموزه ليست مجرد أفعال، بل هي حروف في هذا النص الكوني الصامت. حقيقة هذه اللغة تُشعر وتُعاش، ولا يمكن أن تُقال. 2. لغة المعنى (الفلسفة)، هذه هي لغة الـ Logos، اللغة التي إخترعها العقل البشري لتصنيف الوجود. إنها لغة منظمة، منطقية، و مفاهيمية. تأخذ ما هو غير مسمى وتسميه، و تأخذ ما هو لانهائي وتضعه في إطار محدد. هذه هي اللغة التي تسعى الفلسفة لإتقانها. أدواتها (المنطق، التعريفات، الحجج) هي كدليل ترجمة للكون، رغم أن الكون لم يقصد أبداً أن يُترجم. حقيقة هذه اللغة تُدرك وتُفهم، ولا يمكن أن تُشعر. وجودنا هو مأساة وإنتصار في آن واحد لأننا عالقون بين هاتين اللغتين. نولد داخل لغة الكينونة؛ وعينا الطفولي و أحلامنا وحالاتنا البدائية متصلة تمامًا بالتدفق الطاقي للواقع. ثم نطور لغة المعنى (من خلال اللغة والتعليم) لكي نتمكن من العيش في عالم إجتماعي معقد. الصراع ليس بين فكرتين، بل بين توتر وجودي داخل كل إنسان. الفشل الأكبر للسحر هو عجزه عن التعبير عن نفسه. يمكنه التأثير على الواقع، لكنه لا يستطيع أن يشرح كيف أو لماذا بطريقة يمكن نقلها. إنه كالنحلة التي تعرف كيف تجد طريقها، لكن لا يمكنها أن تشرح سبب ذلك في كتاب. الفشل الأكبر للفلسفة هو عجزها عن لمس الواقع. يمكنها أن تخلق خريطة منطقية مثالية، لكن الخريطة ليست أبداً هي الأرض. إنها كدليل القواعد اللغوية للغة لا يمكنها التحدث بها. الفلسفة والسحر ليسا سوى محاولاتنا اليائسة لفك شفرة الوجود. الحكمة الحقيقية تكمن في أن نصبح ثنائيي اللغة في هذا الكون؛ أن نتقن لغة الـ Logos بينما ننصت في نفس الوقت للغة الكينونة الصامتة. أن نترك المنطق يسترشد بالحدس، وأن نُثري العقل بالروح.
_ العقل الأعمى والحدس المضيء: رحلة البحث عن الحقيقة الكاملة
هل المعرفة الحقيقية تأتي فقط من العقل والمنطق، أم أن هناك طرقًا أخرى لإكتسابها مثل الحدس والتجربة الروحية؟ هذا سؤال من أعمق الأسئلة الفلسفية التي شغلت الفكر الإنساني منذ القدم، وليس له إجابة واحدة قاطعة. يمكن النظر إلى هذه المسألة من عدة زوايا رئيسية: 1. المنهج العقلي والتجريبي يرى هذا الإتجاه أن المعرفة الحقيقية تأتي إما من العقل و المنطق (العقلانية) أو من التجربة الحسية (التجريبية). العقلانية تؤمن بأن العقل وحده قادر على الوصول إلى حقائق مطلقة ومجردة. فالمعرفة بالحقائق الرياضية، مثل أن 1+1=2، لا تتطلب تجربة، بل استنتاج عقلي محض. التجريبية ترى أن المعرفة تبدأ من الحواس. فالإنسان يولد و عقله صفحة بيضاء، وكل ما يعرفه يأتي من ملاحظة العالم الخارجي وتجاربه الحسية. كلا المنهجين يميلان إلى إستبعاد الحدس والتجربة الروحية بإعتبارهما مصادر غير موثوقة للمعرفة، لأنها ذاتية وتفتقر إلى الأدلة القابلة للقياس والتحقق. 2. المنهج الحدسي والروحي يؤمن هذا الإتجاه بأن هناك أشكالًا من المعرفة تتجاوز حدود العقل والمنطق والتجربة الحسية. الحدس يُعرف بأنه نوع من المعرفة الفورية أو الفهم المباشر لشيء ما دون الحاجة إلى التفكير الواعي أو التحليل المنطقي. غالبًا ما يستخدم في المجالات الإبداعية والفنية، و يعتبره البعض طريقًا للوصول إلى حقائق لا يمكن للعقل وحده فهمها. التجربة الروحية، يرى أصحاب هذا المنهج، خصوصًا في الفلسفات الشرقية والصوفية، أن المعرفة الأعمق والأسمى لا تُكتسب بالدراسة، بل من خلال تجربة روحانية مباشرة. هذه التجربة يمكن أن تكشف عن حقائق وجودية حول الكون و الإنسان لا يمكن للعقل أن يدركها. 3. التكامل بين المناهج العديد من الفلاسفة المعاصرين يحاولون تجاوز هذا الإنقسام. فهم يرون أن العقل والحدس لا يتعارضان، بل يكملان بعضهما البعض. العقل يمكن أن يكون أداة عمياء إذا لم يُغذَّ بمحتوى حسي أو حدسي. والحدس يمكن أن يكون فوضوياً إذا لم يُنظَّم و يُحلَّل بواسطة العقل. بإختصار، قد تكون الإجابة الأقرب إلى الصواب هي أن المعرفة الحقيقية لا تأتي من مصدر واحد، بل من التفاعل بينهما. فبينما يمنحنا العقل والمنطق الإطار لفهم العالم، يمنحنا الحدس والتجربة الروحية المحتوى والمعنى الذي يجعل هذا الفهم أعمق وأكثر ثراءً.
_ بين المنطق والحدس: رحلة العقل إلى ما يتجاوز اللغة
هل يمكن أن يكون هناك نوع من المعرفة السحرية التي تتجاوز اللغة والمفاهيم؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن للعقل أن يفهمها أو يصفها؟ نعم، يمكن أن يكون هناك نوع من المعرفة يتجاوز اللغة و المفاهيم. هذه المعرفة تُعرف غالبًا بالحدس، أو البصيرة، أو التجربة الصوفية. إن طبيعة هذه المعرفة ليست معلومات يمكن تخزينها في الدماغ، بل هي حالة من الوعي أو فهم مباشر للواقع. على سبيل المثال، يمكنك أن تقرأ كل الكتب عن الحب، لكنك لن تعرف ما هو الحب حقًا إلا عندما تجربه. وبالمثل، لا يمكنك أن تصف لونًا لشخص ولد أعمى، فالمعرفة هنا ليست فكرية، بل حسية و مباشرة. كيف يمكن للعقل أن يفهمها أو يصفها؟ هنا تكمن المفارقة. فالعقل، بأدواته المنطقية واللغوية، مصمم لتحليل وتفكيك الواقع. ولكن المعرفة السحرية أو الحدسية هي بطبيعتها موحدة وشاملة. لذلك، لا يمكن للعقل أن يفهمها أو يصفها بالكامل، بل يمكنه فقط أن يشير إليها بالمجاز. الفلاسفة و الشعراء والمتصوفة يستخدمون الرموز، والقصص، و المجازات للإشارة إلى هذه المعرفة. إنهم لا يقدمون المعرفة نفسها، بل يوجهونك نحوها، مثلما يشير إصبع إلى القمر. يمكن للعقل أن ينظم التجربة الروحية أو الحدسية في نظام فلسفي أو ديني. على سبيل المثال، يمكن أن يضع تجربة الوحدة مع الكون في إطار مفاهيم مثل الأصل أو الواحد، لكن هذه المفاهيم هي مجرد خريطة لتجربة لا يمكن إحتواؤها داخلها. الطريقة الأكثر جذرية لفهم هذه المعرفة هي أن يتوقف العقل عن محاولة الفهم. فمن خلال التأمل أو الصمت العميق، يمكن للفرد أن يهدئ العقل المنطقي، مما يسمح للمعرفة غير اللفظية بأن تظهر. بإختصار، العقل لا يستطيع أن يفهم هذه المعرفة، لأنه لا يمكن أن يحتضن ما هو أعظم منه، لكنه يستطيع أن يخلق الظروف التي تسمح لها بالظهور.
_ العلم والسحر: هل الفاصل بينهما حقيقي أم وهم
هل التمييز بين الحقيقة العلمية والإعتقاد السحري هو تمييز موضوعي أم مجرد بناء ثقافي؟ هذا سؤال عميق يمس جوهر فلسفة المعرفة وعلم الإجتماع، وليس له إجابة واحدة قاطعة. يمكن القول إن التمييز بين الحقيقة العلمية والإعتقاد السحري هو كلاهما: تمييز موضوعي في منهجه، وبناء ثقافي في سياقه. . التمييز كمعيار موضوعي يرى هذا الرأي أن هناك فرقاً جوهرياً وموضوعياً بين الحقيقة العلمية والاعتقاد السحري، ويستند إلى معايير صارمة: المنهجية القابلة للتحقق (Verifiability): الحقائق العلمية قائمة على منهج تجريبي يمكن لأي شخص تكراره في أي مكان والحصول على نفس النتائج. فظاهرة الجاذبية، على سبيل المثال، تعمل بنفس الطريقة في كل مكان. في المقابل، لا يمكن إخضاع الاعتقاد السحري للتجربة المتكررة والتحقق منه. القوة التنبؤية (Predictive Power): العلم لا يفسر الماضي فقط، بل يتنبأ بدقة بالمستقبل. نظرية فيزياء الكم، مثلاً، تتنبأ بسلوك الجسيمات بدقة لا مثيل لها. أما الإعتقادات السحرية فهي غالبًا ما تكون غير قادرة على التنبؤ، ونتائجها قد تكون مجرد مصادفات. التجريد والحياد: العلم يسعى إلى صياغة قوانين عالمية مجردة لا تتأثر بالمعتقدات الشخصية أو الثقافية. أما السحر فيرتبط إرتباطًا وثيقًا بالنية، والرموز، والطقوس التي تختلف من ثقافة لأخرى. من هذا المنظور، فإن التمييز بينهما ليس مجرد رأي، بل هو نتاج لمنهج صارم يُبنى على أدلة قابلة للقياس والتحقق. . التمييز كبناء ثقافي يرى هذا الرأي أن التمييز ليس مطلقًا، بل هو نتاج لسياق تاريخي وثقافي معين، ويستند إلى عدة نقاط: تاريخيًا، لم يكن الخط الفاصل بين العلم والسحر واضحًا. ففلاسفة مثل نيوتن مارسوا الكيمياء (Alchemy)، وهي مزيج من العلم والسحر. وقد كانت الثورة العلمية نفسها شكلًا جديدًا من السحر الذي سعى للسيطرة على الطبيعة عبر الفهم. يمكن القول إن مصطلحي العلم والسحر هما مجرد تصنيفين ثقافيين لترتيب المعرفة. غالبًا ما يُستخدم العلم كأداة للسلطة، حيث يمنح المعرفة التي ينتجها مكانة أعلى ويُهمِّش المعتقدات الأخرى بتصنيفها سحرًا أو خرافة. حتى العلم الحديث لا يخلو تمامًا من التأثير الثقافي. فالإختيارات المتعلقة بما يُبحث فيه، والأسئلة التي تُطرح، قد تتأثر بالقيم الإجتماعية والسياسية. الخلاصة الأعمق هي أن التمييز بينهما هو مزيج من الإثنين. إنه تمييز موضوعي في منهجه، فالعلم لديه أدوات فعالة لإنتاج معرفة يمكن الوثوق بها. ولكنه أيضًا بناء ثقافي، فالأسماء التي نطلقها على هذه المعارف، وطريقة تقييمنا لها، هي نتاج تاريخنا وتصوراتنا.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الس
...
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ
...
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الر
...
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث
...
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث
...
-
مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ
...
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْخَامِس-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
الْأَسَاطِيرُ وَالسِّحْر -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
النُّورُ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمَعْرِفَة الْمُحَرَّم
...
-
عَصْر الْأَكْوَاد
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الوَعْي -الْجُزْءِ الأَوَّلِ-
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِ
...
-
عِلْمَ هَنْدَسَة الطُّقُوس السِّحْرِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّ
...
-
مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ -الْجُز
...
-
مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيّ إلَى الْوَعْي الْكَوْنِيّ- الْجُز
...
-
مَدْخَلٌ إلَى الْوَاقِعِيَّة الكْوَانْتِيَّة المُتَجَاوِزَة
المزيد.....
-
الاحتلال يشدّد إجراءاته بالقدس ويقتحم مناطق بالضفة
-
-83 مليون دولار-.. محكمة تؤيد حكما بتغريم ترامب في قضية -الت
...
-
تونس توضح حقيقة -استهداف مسيرة لقارب بأسطول المساعدات المتجه
...
-
إثيوبيا تفتتح سد النهضة اليوم
-
الشاهبندر البرّاك.. المبعوث الذي يتاجر بسوريا لا معها
-
المقررة الأممية: قارب بأسطول المساعدات لغزة يبدو أنه تعرض له
...
-
غارات إسرائيلية قرب حمص واللاذقية، والخارجية السورية تطالب ب
...
-
هل يُعاقَب منتقد ماكرون بغرامة 3750 يورو؟
-
محللون: ترامب ونتنياهو يعرفان أن حماس سترفض خطتهما الجديدة
-
عاجل | إدارة أسطول كسر حصار غزة: تعرض سفينة رئيسية بالأسطول
...
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|