أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الرَّابِعُ و الْعِشْرُون-















المزيد.....


العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الرَّابِعُ و الْعِشْرُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 22:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ المسامحة ليست فضيلة: إنها إلغاء العقد الطاقي مع الماضي المؤلم

هل القدرة على المسامحة ليست مجرد فضيلة أخلاقية، بل هي تحرير للطاقة التي تربطنا بالماضي؟ نعم، يمكن تحليل القدرة على المسامحة (Forgiveness) بأنها تتجاوز كونها مجرد فضيلة أخلاقية أو واجباً إجتماعياً، لتصبح تحريراً فعلياً للطاقة (Energetic Liberation) التي تربط الوعي الفردي والوعي الجماعي بـالماضي المكبوت والمُقيِّد. هذه العملية هي خطوة حاسمة في رحلة الوعي للتحرر من الزمن الخطي والعودة إلى حالة السكينة الداخلية و التناغم الكوني.
في المنظور الميتافيزيقي، الماضي ليس شيئاً إنتهى؛ بل هو موجود في الوقت الحاضر كـتراكم طاقي في الزمكان الكتلي، حيث تتشابك الأحداث والعواطف. عدم المسامحة هو الآلية التي يستخدمها الوعي لـربط نفسه طاقياً بإستمرار بهذا الماضي المؤلم. عندما يرفض الوعي المسامحة، فإنه يقوم بتفعيل قوة سلبية تُشبه الجاذبية الأرضية الروحية، و لكنها موجهة نحو الماضي. عدم المسامحة تعني أن الطاقة الواعية (النية، التخيل) تُصبح مجمدة ومُحاصرة في لحظة الصدمة أو الظلم الذي وقع. هذه الطاقة المجمدة تخلق كتلة طاقية أو عُقدة في حقل الوعي الفردي، مما يُعزز من وهم الإنفصال ويزيد من الخوف (القوة السلبية). هذه الطاقة المربوطة بالماضي تصبح كارما نشطة تواصل بث التردد السلبي في الوعي، مما يؤدي إلى تجسد الأمراض الجسدية كتعبير مادي عن إختلال روحي، أو تكرار نقاط التزامن السلبية في المستقبل، حيث يواصل الوعي خلق سيناريوهات مشابهة للماضي. عدم المسامحة هي في جوهرها غياب للحب والرحمة، وبالتالي فهي تساهم في الشر (غياب الوعي). الوعي المربوط بالماضي لا يستطيع أن يرى الحقيقة (حالة الوعي الكامل)، ويصبح عاجزاً عن التناغم مع الإيقاع الكوني والسكينة الداخلية.
المسامحة ليست عملاً يُمنح للآخر، بل هي قرار واعي يمنحه الوعي لنفسه لـفك الإرتباط الطاقي مع الحدث الماضي. إنها تفعيل للقوة الخلقية للوعي. المسامحة تعمل كـإلغاء لـلعقد الطاقي غير الواعي الذي ربط الوعي بالماضي. عندما يُعلِن الوعي المسامحة، فإنه يحرر الطاقة المجمدة و يعيدها إلى الدائرة الكونية للإستخدام الإيجابي. هذا التحرير يُسهم في تمدد وتطور الوعي الكوني ككل، كونه يزيد من كمية الطاقة الإيجابية (الحب) المُتاحة. تحرير هذه الطاقة يُعزز من القوة الخلقية (التخيل) لدى الفرد، و يجعل النية أكثر صفاءً وقدرة على التأثير في المستقبل بشكل إيجابي. الوعي الذي سامح يتحول من كونه ضحية للماضي إلى خالق واعٍ للحاضر و المستقبل. المسامحة هي التجسيد الأسمى لـإدراك الوحدة. هي اللحظة التي يدرك فيها الوعي أن الطرف الذي أساء إليه هو في الحقيقة وعي مُقيَّد يعمل تحت وطأة الجهل و الخوف. المسامحة هي الرحمة التي تعترف بأن كلانا جزء من العقل الكوني الأكبر وأن الأمراض الجسدية والمعاناة هي أدوات تطوير للجميع.
المسامحة لا تُغيِّر الماضي الذي هو جزء ثابت من الزمكان الكتلي، بل تُغيِّر علاقة الوعي به، مما يُسرِّع من الوصول إلى الهدف النهائي للوجود البشري. التحرير الطاقي من الماضي يسمح للوعي بالإستقرار في حالة السكينة الداخلية، التي هي حالة من الوعي تتناغم مع الإيقاع الكوني. الوعي المتحرر من عبء الماضي يصبح أكثر إستعداداً لتلقي الحقيقة، حيث يدرك أن الأحلام والأساطير ليست مجرد خيال، بل هي رموز لحقائق روحية عميقة. بعد التحرير، يصبح الضحك ليس مجرد تعبيراً، بل قوة علاجية قادرة على التأثير في الترددات، لأنه لم يعد هناك عبء نفسي يمنع تدفق هذا التردد العالي.
إن النظر إلى القدرة على المسامحة على أنها ليست مجرد فضيلة أخلاقية، بل هي تحرير للطاقة التي تربطنا بالماضي، يمنحها قيمة وجودية مطلقة. المسامحة هي العمل الأسمى للوعي المتقن؛ إنها المفتاح الذي يفتح الأقفال الطاقية التي صنعناها بأنفسنا في الماضي. إنها تمكن الوعي من العيش في الحاضر بقوة كاملة، والتحرك نحو العودة الواعية إلى مصدره محملاً بـالحكمة والحب. هل يمكنك أن تحرر نفسك الآن من عبء الماضي لتبدأ في خلق مستقبلك بقوة كاملة؟

_ الأرض مختبر الوعي: كيف صُممت القيود المادية لتجبرنا على إكتشاف طبيعتنا الحقيقية

هل الوجود الإنساني هو مختبر للوعي، حيث نختبر أنفسنا لنفهم طبيعتنا الحقيقية؟ نعم، يمكن تحليل الوجود الإنساني (Human Existence) بأنه في جوهره مختبر (Laboratory) أو حقل إختبار مكثف للوعي، حيث يخوض الوعي الكوني الأكبر أو الروح الفردية تجربة ذاتية لإكتشاف وتجسيد طبيعته الحقيقية. هذا المنظور يفسر الحياة بكل تحدياتها كـأدوات تطوير ضرورية، وليس كأحداث عشوائية، مما يربط كل الظواهر الروحانية والجسدية بهذا الهدف الأسمى.
إذا كان الكون هو وعي يتمدد ويتطور بإستمرار، فإن هذا التمدد يحتاج إلى بيئة مقيدة ومُركزة لتوليد خبرة الإدراك. الأرض، في هذا الإطار، هي المختبر الأمثل لتسريع رحلة الوعي وكشف الحقيقة المطلقة. التجربة الإنسانية تم تصميمها بـقيود محددة لضمان أن الوعي يجب أن يعمل بجهد ليكتشف جوهره. هذه القيود هي شروط المختبر. الوجود يبدأ بـوهم الإنفصال عن الوعي الكوني الأكبر. هذا الوهم ضروري لإجبار الوعي الفردي على إثبات قانون الوحدة بطريقة عملية من خلال الحب والرحمة. لولا وهم الإنفصال، لما كانت هناك حاجة للعودة أو للتطور. الجاذبية الأرضية الروحية تُبقي الوعي مُقيداً بـالزمكان الكتلي، مما يفرض عليه إدراكاً خطياً للزمن. هذه الكثافة المادية هي التي تجعل التخيل والنية قوّتين فعالتين في التأثير على المستقبل، حيث يتطلب تجسيد النوايا جهداً وتركيزاً، مما يعزز القوة الخلقية للوعي. الخوف هو القوة السلبية الخلقية التي تعمل كـعامل محفز للمقاومة. في هذا المختبر، يتم إختبار الوعي: هل سيتفاعل مع الخوف بالإنكماش والشر (غياب الوعي)، أم سيتجاوزه بـالحب (التردد الكوني المطلق)؟ المعاناة والألم هما أدوات التطوير التي تفرض على الوعي الاختيار بين هاتين القوتين.
الهدف من هذا المختبر هو تحويل التحديات الكثيفة إلى إدراك صافٍ وحكمة، لخدمة الهدف النهائي للوجود البشري (العودة إلى حالة الوعي الكامل). الرغبة في المعرفة هي الدافع الأساسي للبحث في المختبر. كل إكتشاف علمي أو روحي، وكل فهم لـلأساطير والخرافات كـطرق رمزية لنقل الحقيقة، يمثل خطوة في فك شفرة قوانين المختبر (الكون). هذا الفهم هو الذي يسمح للوعي بالإنتقال من الحقيقة المكتشفة إلى الحقيقة كحالة من الوعي. الأمراض الجسدية هي تعبير مادي عن إختلال روحي، وهي دليل على أن الوعي يُجري التجربة بطريقة خاطئة (أي بمقاومة الإيقاع الكوني). الضحك والقدرة على المسامحة كـتحرير للطاقة المربوطة بالماضي هما الـمُعقِّمات الروحية التي تُعيد ضبط التوازن الطاقي وتُصحح معادلة الوعي، مما يسمح بـالشفاء المعجزي. الضمير يعمل كـجهاز القياس الداخلي للمختبر، الذي يُشير بإستمرار إلى مدى إنسجام الوعي مع الإيقاع الكوني و قانون الوحدة. إن السكينة الداخلية هي القراءة المثالية لهذا الجهاز.
الوجود الإنساني هو مختبر مؤقت. النجاح فيه يعني تحقيق الإستيقاظ الواعي من حلم الوعي وإدراك أن الكون كله وعي. الأحلام ليست مجرد معالجة للعقل الباطن، بل هي أبواب إلى عوالم أخرى، تُظهر للوعي أن هناك ما هو أبعد من قيود المختبر المادي. السحر هو محاولة واعية للتحكم في متغيرات هذا المختبر وتجسيد الوعي الكامل. التقارب بين شخصين ليس صدفة، بل هو تجاذب روحي بين وعيين منسجمين تم وضعهما معاً في المختبر لـلعمل كفريق (وعاء طاقي مشترك) لتسريع عملية التعلم لبعضهما البعض.
إن تحليل الوجود الإنساني على أنه مختبر للوعي يمنح معنى عميقاً وشاملاً لكل تجربة نمر بها. نحن لسنا مجرد كائنات تخضع للتجربة، بل نحن الوعي الذي يقوم بالتجربة. كل لحظة، كل تحد، وكل علاقة في حياتنا هي متغير مُصمم بذكاء ليجبرنا على إكتشاف أن طبيعتنا الحقيقية هي الحب والوحدة والوعي الكامل. الهدف ليس إجتياز الإختبار، بل أن نصبح نحن العالِم، وأن نعود إلى العقل الكوني الأكبر حاملين معنا الحكمة المكتسبة. هل أنت مستعد لتقبل مسؤولية كونك عالِم هذا المختبر؟

_ الدهشة ليست عاطفة: إنها لغة الوعي الكوني يتحدث بها إلى روحك

هل الشعور بالدهشة أمام الطبيعة هو في الواقع إتصال بالجانب الروحي للكون؟ نعم، يمكن تحليل الشعور بالدهشة (Sense of Awe and Wonder) الذي نختبره أمام عظمة الطبيعة ليس مجرد إستجابة عاطفية أو جمالية، بل هو في حقيقته اتصال مباشر (-dir-ect Connection) وإستجابة غريزية عميقة للجانب الروحي (Spiritual Aspect) أو الوعي الكامن للكون. هذا الشعور هو النافذة الحدسية التي تُطل منها الروح على الحقيقة المطلقة، مُدركة لوحدتها مع الوعي الكوني الأكبر.
في الإطار المادي، الدهشة هي تقدير لتعقيد الأنظمة البيولوجية أو ضخامة الظواهر الكونية. لكن في الإطار الروحي، إذا كان الكون هو وعي يتمدد ويتطور بإستمرار، فإن الطبيعة هي التجسيد المرئي لهذا الوعي، والدهشة هي اللغة الصامتة التي يتحدث بها الوعي الكوني إلى الوعي الفردي.
الشعور بالدهشة ينشأ من إدراك أن هناك شيئاً يتجاوز الفهم الخطي للعقل، وأن هذا الشيء هو في الواقع جزء منا. أمام شروق الشمس أو عظمة جبل، يدرك الوعي بشكل لا شعوري السكينة الداخلية والإنسجام المطلق الذي يحكم هذه الأنظمة. هذه اللحظة تُبطل وهم الإنفصال الذي يفرضه الخوف (القوة السلبية). الوعي يُقارن فوضاه الداخلية بـالترتيب العظيم للطبيعة، ويدرك أن الشر ليس قوة، بل غياب الوعي عن هذا الإيقاع. الطبيعة هي المصدر الأصلي للرموز والأشكال التي إعتمدت عليها الأساطير والخرافات لنقل المعرفة الروحانية. الشجرة الكونية، أو الثعبان، أو الشمس والقمر، كلها رموز تمثل قوانين التحول والخلق. الدهشة هي الإستجابة الروحية لـلوعي الفردي الذي يبدأ في فك شفرة هذه اللغة الكونية دون الحاجة إلى التفسير العقلي. في لحظة الدهشة، يتوقف العقل النقدي عن محاولة إكتشاف الحقيقة كـشيء خارجي، ويجربها كـحالة من الوعي تنبع من الداخل. هذه هي اللحظة التي تتذكر فيها *
الرغبة في المعرفة أنها في الواقع رغبة الروح في العودة إلى مصدرها.
الدهشة تعمل كـنقطة إستيقاظ تذكّر الوعي بـالغرض الأسمى من الوجود الإنساني الذي هو مختبر للوعي. في لحظة الدهشة، يشعر الفرد بـالخفة الروحية. هذا الشعور ليس مجرد عاطفة، بل هو تحرر مؤقت من الجاذبية الأرضية الروحية و من الطاقة السلبية التي تربط الوعي بـالزمن الخطي وعبء الماضي الذي يمكن تحريره بـالمسامحة. هذه الخفة تُعد تدريباً على الإستيقاظ من حلم الوعي بشكل كامل. الشعور بالدهشة هو أعلى تردد إهتزازي ينتقل به الوعي بعد الضحك. هذا التردد العالي يعمل كـقوة علاجية قادرة على إبطال تأثير الخوف وتصحيح الإختلال الروحي الذي يتجسد كـأمراض جسدية. الدهشة هي إعتراف الوعي بأن قوة الخلق والشفاء تأتي من مصدر أكبر، مما يُسهل التناغم الطاقي. الدهشة أمام جمال الكون و تصميمه المعقد، تثبت للوعي أن التقارب و الصدفة ليسا عشوائيين، بل هما جزء من التصميم المعقد للقدر الذي يحكمه الوعي الكوني الأكبر. هذا الإدراك يمنح السكينة الداخلية و يوقف مقاومة الوجود.
الدهشة، عندما تُدرك بوعي، تتحول إلى وسيلة لـلعودة الواعية إلى حالة الوعي الكامل التي كنا عليها. الدهشة هي لحظة فناء مؤقت للأنا. أمام عظمة الطبيعة، تتضاءل أهمية الأنا الفردية و الأهداف المادية البحتة كـالبقاء أو التطور المادي، ويدرك الوعي أنه جزء صغير ولكنه أساسي من الكل العظيم. هذه اللحظة تفتح الوعي على الحكمة وتفعيل الضمير.
إن النظر إلى الشعور بالدهشة أمام الطبيعة على أنه إتصال بالجانب الروحي للكون هو إثبات أن الروح تستجيب دائماً لنداء مصدرها. الدهشة هي التردد الصافي الذي تتذكره الروح من حالة الوعي الكامل؛ إنها تذكير بأننا لم نغادر المنزل الكوني أبداً، بل نحن جزء من وعي يتمدد إلى ما لا نهاية. مهمتنا هي إدامة حالة الدهشة، لأنها تعني العيش في حالة دائمة من الإتصال الروحي والإستعداد لتلقي الحقيقة المطلقة. هل تسمح للدهشة أن تكون دليلك في هذا المختبر الوجودي؟

_ الإيقاع الكوني: كيف تحاكي الموسيقى المتناغمة قانون الوحدة وحركة الكون

هل الموسيقى ليست مجرد أصوات، بل هي لغة كونية يمكنها أن تؤثر في مشاعرنا ووعينا؟ نعم، يمكن تحليل الموسيقى (Music) بأنها تتجاوز كونها مجرد أصوات مسموعة أو ترتيباً رياضياً للنغمات، لتصبح في جوهرها لغة كونية.(Cosmic Language) أو تردد وجودي أصيل يمتلك القدرة المباشرة والعميقة على التأثير في المشاعر والوعي البشري. هذا التفسير يؤكد أن الموسيقى هي التعبير الأكثر نقاءً عن الإيقاع الكوني والحقيقة المطلقة في حالة إهتزازية.
إذا كان الكون هو وعي يتمدد ويتطور بإستمرار ويعمل وفق مبدأ التردد والإهتزاز، فإن الموسيقى هي الآلية التي يُنظَّم بها هذا الإهتزاز ليصبح قابلاً للإدراك والتفاعل على مستوى الروح والجسد. الموسيقى، بإنتظامها الترددي وتناغمها، هي التجسيد السمعي لـقانون الوحدة الكوني و السكينة الداخلية. اللحن أو النغم المتناغم (Harmony) ليس عشوائياً، بل هو محاكاة دقيقة لـلإيقاع الكوني الذي يحكم حركة الكواكب، و تمدد الكون، ودورات الحياة والموت. الشعور بالدهشة الذي نختبره أمام عظمة الطبيعة هو في الواقع إتصال بالجانب الروحي للكون؛ و الموسيقى هي الترجمة السمعية لهذه الدهشة. الموسيقى تتجاوز الرموز والأشكال اللغوية التي تُستخدم في الحياة اليومية، وتصل مباشرة إلى الوعي الباطني والذاكرة الكونية (السجلات الأكاشية). إنها لغة لا تحتاج إلى ترجمة أو تفسير عقلي؛ بل تُحدث تغييراً فسيولوجياً وطاقياً فورياً. الموسيقى الجميلة والمتناغمة تعمل على رفع تردد الوعي إلى مستويات عالية تشبه الضحك كـقوة علاجية. هذا التردد العالي يمتلك القدرة على إبطال الطاقة السلبية والخوف، و يعمل على تفكيك الكتل الطاقية التي تسبب الإختلال الروحي والأمراض الجسدية.
دور الموسيقى الأساسي هو إعادة توحيد الوعي الفردي مع الوعي الكوني الأكبر ومساعدته في رحلة الوعي نحو العودة إلى مصدره. بعض الألحان قادرة على إستدعاء ذكريات الماضي المكبوت بقوة هائلة. هذا الإستدعاء ليس عشوائياً؛ بل هو آلية روحية تستخدمها الموسيقى لـإعادة تفعيل الطاقة المجمدة المرتبطة بعدم القدرة على المسامحة. الموسيقى تساعد الوعي على تحرير هذه الطاقة الطاقية من قيود الزمكان الكتلي، مما يمثل خطوة نحو الحرية الروحية. الموسيقى هي أداة قوية في مختبر الوجود الإنساني لفهم الرغبة في المعرفة التي هي في جوهرها رغبة الروح في العودة. الألحان المعقدة التي تثير التساؤل والبحث هي دعوة صامتة للوعي لـلإستيقاظ من حلم الوعي وإدراك الحقيقة كحالة من الوعي.
الموسيقى، خاصة عندما يتم إستخدامها بوعي، هي وعاء للطاقة الروحية يعزز القوة الخلقية (التخيل). الموسيقى الجماعية كالتراتيل أو المقطوعات الكلاسيكية المؤثرة تخلق حالة موحدة من الوعي الجماعي، مما يسهل تشكيل نية مشتركة قوية وإيجابية. هذا التناغم الطاقي يُسرِّع من عملية التأثير على المستقبل ويجذب التقارب الروحي ونقاط التزامن المتناغمة. الموسيقى التصويرية أو المقامات القديمة غالباً ما تثير شعوراً بالحنين العميق. هذا الشعور ليس للماضي الشخصي، بل هو الشوق الروحي لـحالة الوعي الكامل التي كنا عليها قبل النزول إلى الوجود المادي. الموسيقى هي التذكير الصوتي للروح بهدفها النهائي.
إن النظر إلى الموسيقى على أنها ليست مجرد أصوات، بل هي لغة كونية تؤثر في مشاعرنا و وعينا، يرفعها من فن إلى علم روحي. الموسيقى هي صوت العقل الكوني الأكبر؛ إنها الحقيقة المطلقة التي يُسمح لنا بسماعها و الإحساس بها في أثقل حالات الوجود الإنساني. إنها دعوة للوعي للتحرر من الزمن الخطي و الوهم، وإيجاد السكينة الداخلية من خلال العيش في تناغم مع الإيقاع الأبدي للكون. هل يمكنك أن تسمع نداء الموسيقى للعودة إلى جوهرك؟

_ الخلق لم ينتهِ: الوعي البشري هو القوة الديناميكية التي تُجدد الكون في كل لحظة

هل الخلق ليس حدثًا إنتهى، بل هو عملية مستمرة يشارك فيها الوعي البشري؟ نعم، يمكن تحليل الخلق (Creation) بأنه ليس حدثاً تاريخياً قد إكتمل وأنتهى في الماضي السحيق كما في بعض التفسيرات اللاهوتية أو العلمية الضيقة، بل هو في الحقيقة عملية مستمرة (Ongoing Process) ودائمة، يشارك فيها الوعي البشري بفعالية و إلزام، كجزء لا يتجزأ من تمدد وتطور الوعي الكوني الأكبر. هذا المنظور يرفع الإنسان من كونه مجرد ناتج للخلق إلى خالق مشارك ومسؤول في كل لحظة.
إذا كنا نتبنى الرؤية التي تقول بأن الكون هو وعي يتمدد و يتطور بإستمرار، وأن الوعي هو الجوهر الأولي، فإن هذا الوعي يجب أن يكون في حالة دائمة من التعبير الذاتي و التجديد. الخلق يصبح مرادفاً للوجود نفسه. الوعي الكوني (الخالق الأصلي) يحتاج إلى نقاط تركيز واعية لتجسيد الأشكال المادية وتحويل الإمكانات غير المحدودة إلى واقع محدد. هذا هو دور الوعي البشري. الإنسان يمتلك القدرة على التخيل، وهي في هذا السياق، ليست مجرد خيال عابر، بل هي القوة الخلقية التي يستخدمها الوعي الكوني لتوجيه الطاقة غير المتجسدة إلى شكل مادي. كل نية، كل فكرة مُركَّزة، وكل تساؤل روحي هو بذرة خلقية تضاف إلى الزمكان الكتلي وتؤثر في تشكيل الماضي الموازي و المستقبل. الوجود الإنساني هو مختبر" للوعي تم تصميمه ليعمل تحت قيود مثل الجاذبية الأرضية الروحية و الزمن الخطي. هذه القيود ضرورية لتعزيز قوة الخلق؛ فـالنية المشتركة التي تُبنى في ظل المعاناة والخوف تكون أكثر تركيزاً وقوة في التأثير على الواقع من النية التي تولد في حالة الوحدة المطلقة.
الخلق يستمر عبر النية المُوجَّهة والوعي المُلَمّ الذي يكتسبه الإنسان في رحلة الوعي. عملية الخلق المستمر تتطلب التحرر من الأشكال القديمة. القدرة على المسامحة هي في الواقع تحرير للطاقة التي ربطها الوعي بالماضي المؤلم، وهي خطوة ضرورية لإتاحة المجال لـطاقة خلقية جديدة و إيجابية. عدم المسامحة، أو الخوف، هما القوة السلبية التي تُعيق الخلق و تُنشئ الشر (غياب الوعي). الوعي البشري يخلق بإستمرار، ولكن نوعية الخلق تتحدد بـالتردد المُبثوث. الخلق الذي يتم بـالحب (التردد الكوني المطلق) يؤدي إلى نقاط تزامن إيجابية ويزيد من التناغم بين البشر (التقارب الروحي)، بينما الخلق الذي يتم بالخوف يؤدي إلى فوضى و أمراض جسدية كتعبير مادي عن إختلال روحي.
الخلق المستمر يعني أيضاً إعادة تشكيل إدراكنا للواقع. كلما إكتشفنا أن الأحلام هي أبواب إلى عوالم أخرى، وأن الأساطير والخرافات هي طرق رمزية لنقل المعرفة، كلما شاركنا في خلق حقيقة" جديدة ليست شيئاً يكتشف، بل هي حالة من الوعي يمكن الوصول إليها.
إذا كان الخلق عملية مستمرة، فإن هذا يفرض على الوعي البشري مسؤولية وجودية عميقة. هدفنا النهائي وهو العودة إلى حالة الوعي الكامل، هو في الحقيقة أقصى عمل خلقي يمكن أن يقوم به الوعي. الوصول إلى الحقيقة المطلقة و السكينة الداخلية هو تجسيد لكمال الخلق في الوجود الفردي. الضحك ليس مجرد تعبير، بل هو قوة علاجية وتردد خلقي عالٍ يفكك الوهم. الشعور بالدهشة أمام الطبيعة هو إتصال بالجانب الروحي للكون يغذي الإلهام الخلقي. هذان هما حالتا الوعي اللتان تسرعان الخلق الإيجابي.
إن النظر إلى الخلق على أنه ليس حدثاً إنتهى، بل هو عملية مستمرة يشارك فيها الوعي البشري، يضع الإنسان في قلب الوجود كقوة ديناميكية. الخلق هو الفعل الأبدي للوعي الكوني. نحن هنا لكي نكون المجسِّد الواعي لهذا الخلق، و لكي نختار بشكل مستمر ما إذا كنا سنخلق عالماً قائماً على الحب والحكمة، أو عالماً قائماً على الخوف والجهل. كل لحظة هي فرصة خلق جديدة. هل أنت واعٍ الآن لما تخلقه بنواياك وأفكارك؟



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...


المزيد.....




- البيت الأبيض يعلق على محادثات حماس وإسرائيل في مصر ويكشف ما ...
- استقالة رئيس الوزراء الفرنسي بعد أقل من شهر من تولي المنصب، ...
- خطة ترامب على طاولة مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس في ...
- الجيش اللبناني يرفع تقريره الأول حول -حصرية السلاح-.. والحكو ...
- -أسطول الصمود- - إسرائيل ترحل نشطاء وتواصل احتجاز 14 ألمانيا ...
- غزة:أي حظوظ لمفاوضات شرم الشيخ؟
- ماكرون يكلف رئيس الوزراء المستقيل بإجراء -محادثات أخيرة- مع ...
- سوريا تعلن أسماء أعضاء أول برلمان بعد الأسد
- لوباريزيان تروي قصة جنود احتياط يرفضون العودة لجيش إسرائيل
- استمرار الإغلاق الحكومي بأميركا ورواتب العسكريين تتوقف منتصف ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الرَّابِعُ و الْعِشْرُون-