أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الْحَادِي عَشَرَ-















المزيد.....


العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الْحَادِي عَشَرَ-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 15:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ السحر والعلم: جدلية المعرفة والحكمة

هل المعرفة التي يسعى إليها العلم هي معرفة عن الواقع، بينما المعرفة التي يسعى إليها السحر هي حكمة للتعايش مع الواقع؟ وهل هذا الفرق يجعلهما غير قابلين للمقارنة؟ إذا كان العلم يبحث عن معرفة عن الواقع، بينما السحر يبحث عن حكمة للتعايش معه، فهذا يضع فرقًا جوهريًا بينهما. نعم، هذا التمييز يجعلهما غير قابلين للمقارنة المباشرة على مستوى المنهج، ولكنه يجعلهما قابلين للمقارنة على مستوى الغاية. فكلاهما يسعى إلى منح الإنسان أداة للتعامل مع الوجود، و لكن من منظورين مختلفين. العلم الحديث هو في جوهره بحث عن معرفة. هذه المعرفة هي مجموعة من الحقائق الموضوعية، و القوانين، والنظريات التي تصف الواقع كما هو. مهمة العالم ليست إعطاء معنى لهذا الواقع، بل فهم آلياته. على سبيل المثال، يمنحنا علم الفلك معرفة دقيقة عن حركة الكواكب، ولكنه لا يخبرنا لماذا تتحرك أو ما هو معنى وجودها. يسعى العلم إلى الصدق المطلق. فإذا كانت المعرفة العلمية صحيحة، فإنها صحيحة لكل إنسان في أي مكان و زمان. هذا الصدق هو ما يمنح العلم قوته وموثوقيته. يرى العلم الواقع كـموضوع يمكن دراسته من الخارج. هذا الفصل بين الذات والموضوع هو ما يمنح العلم موضوعية، ولكنه يترك مساحة فارغة لأي علاقة وجودية أو شخصية بين الإنسان والكون.
على النقيض من ذلك، لا يهدف السحر إلى المعرفة بالمعنى العلمي للكلمة، بل يهدف إلى الحكمة. الحكمة ليست مجرد معلومات، بل هي فهم عميق لكيفية التعايش مع الواقع. السحر لا يخبرنا لماذا تحدث الأشياء، بل يخبرنا كيف يمكننا التفاعل معها. يسعى السحر إلى المعنى المطلق. فإذا كانت الحقائق العلمية لا تمنحنا معنى، فإن السحر يمنحنا إحساسًا بأننا جزء من قصة أكبر، وأن حياتنا ليست مجرد نتيجة عشوائية. يرى السحر الواقع كـتجربة شخصية و وجودية. الساحر لا يرى نفسه منفصلاً عن الكون، بل يراه كشريك في عملية الخلق. هذه العلاقة الوجودية هي ما تمنح الساحر الحكمة للتعامل مع قوى الطبيعة، وليس فقط فهمها.
نعم، على المستوى المنهجي، هما غير قابلين للمقارنة. لا يمكن الحكم على السحر بمعايير العلم، ولا العكس. فكل منهما لديه أهدافه و أدواته الخاصة. ولكن، على المستوى الفلسفي، هما قابلان للمقارنة، لأنهما يمثلان محاولتين مختلفتين للإجابة على سؤال واحد؛ كيف يجب أن يتعامل الإنسان مع الوجود؟ ربما يكون الفهم الكامل للوجود يتطلب كليهما. فالعلم يمنحنا المعرفة التي نحتاجها للتحكم في الواقع، بينما السحر يمنحنا الحكمة التي نحتاجها للتعايش معه. فالمعرفة بدون حكمة قد تكون خطيرة، و الحكمة بدون معرفة قد تكون غير فعالة.

_ العلم والسحر: جدلية الحقيقة الموضوعية والذاتية

إذا كانت الحقيقة العلمية قابلة للتكرار والتحقق من قبل أي شخص، فهل الحقيقة السحرية هي تجربة فريدة وشخصية لا يمكن نقلها؟ إن هذا التحليل يذهب إلى صميم العلاقة بين الحقيقة الموضوعية والحقيقة الذاتية. نعم، يمكن القول إن الحقيقة العلمية هي حقيقة قابلة للتكرار و التحقق من قبل أي شخص، بينما الحقيقة السحرية هي تجربة فريدة و شخصية لا يمكن نقلها بنفس الطريقة. هذا الإختلاف الجوهري يكمن في مصدر الحقيقة نفسه، وفي كيفية تعامل كل من العلم والسحر معها. يعتمد العلم الحديث على مبدأ أساسي؛ قابلة التكرار (Reproducibility). فإذا أجرى عالم تجربة معينة ووصل إلى نتيجة، يجب أن يكون أي عالم آخر قادرًا على إعادة التجربة والحصول على نفس النتيجة بالضبط، بغض النظر عن موقعه، أو معتقداته، أو مشاعره. هذا المبدأ هو الذي يمنح العلم قوته وموثوقيته. يرى العلم أن الحقيقة هي شيء موضوعي ومستقل عن وعي الإنسان. فالجاذبية هي قوة حقيقية سواء كان هناك من يلاحظها أم لا. هذا يمنح العلم القدرة على بناء معرفة تراكمية وموثوقة، خالية من أي إنحيازات شخصية. في هذا الإطار، يُنظر إلى الواقع كـموضوع يمكن دراسته وتحليله. العالم هو مراقب منفصل عن الواقع، مهمته وصفه كما هو، وليس التفاعل معه على مستويات أخرى.
على النقيض من ذلك، لا يعتمد السحر على مبدأ قابلية التكرار. فالحقيقة السحرية هي تجربة فريدة وشخصية لا يمكن نقلها بنفس الطريقة. الساحر لا يزعم أن ما مر به يمكن أن يمر به شخص آخر بنفس الطريقة، بل يؤمن بأن تجربته هي تجربة خاصة به، مرتبطة بوعيه وإرادته. يرى السحر أن الحقيقة هي شيء ذاتي ومرتبط بوعي الإنسان. فما يُعتبر حقيقة لساحر قد لا يكون حقيقة لساحر آخر، لأنها تعتمد على تجربته الشخصية. في هذا الإطار، لا يُنظر إلى الواقع كـموضوع يمكن دراسته، بل كـتجربة يمكن عيشها. الساحر هو مشارك في الواقع، وليس مجرد مراقب، وهذا يمنحه القدرة على التنقل بين العوالم المختلفة.
إذًا، يكمن الفرق الجذري بين العلم والسحر في طبيعة الحقيقة التي يسعى كل منهما إليها. فالعلم يبحث عن حقيقة موضوعية قابلة للتكرار، بينما السحر يبحث عن حقيقة ذاتية فريدة من نوعها. هذا لا يعني أن أحدهما صحيح والآخر خاطئ. فربما تكون الحقيقة أن الوجود له جانب موضوعي يمكن فهمه من خلال العلم، وجانب ذاتي يمكن فهمه من خلال السحر. في النهاية، كل من السحر والعلم هو محاولة من الإنسان للتعامل مع هذا الواقع، ولكن من منظورين مختلفين تمامًا.

_ الكون آلة أم كائن حي؟ العلم والسحر في مواجهة نظرة الإنسان للوجود

هل العلم يعكس إيمان الإنسان بأن الكون آلة صماء يمكن التحكم فيها، بينما السحر يعكس إيماناً بأن الكون كائن حي له وعي وروح يمكن التواصل معهما؟ نعم، يمكن القول إن هذا التحليل يلامس أحد الفروقات الفلسفية الأساسية بين العلم والسحر. فبينما يعكس العلم إيمان الإنسان بأن الكون آلة صماء يمكن فهمها و التحكم فيها، فإن السحر يعكس إيمانًا بأن الكون كائن حي له وعي وروح يمكن التواصل معهما. هذا الإختلاف ليس مجرد تباين في المنهج، بل هو تباين في النظرة الأساسية إلى الوجود نفسه. يعتمد العلم الحديث على الميكانيكية الكونية، و هي الفكرة القائلة بأن الكون يعمل كآلة عملاقة، يمكن فهمها من خلال قوانين فيزيائية صارمة. في هذا التصور، لا يوجد مكان للوعي، أو الغاية، أو القصد. كل ظاهرة طبيعية، من حركة الكواكب إلى تفاعلات الجسيمات، يمكن تفسيرها من خلال قوانين السببية المادية. يرى العلم أن القوة تكمن في فهم القوانين التي تحكم هذه الآلة. عندما يكتشف العالم قانونًا فيزيائيًا، فإنه لا يسيطر على القانون نفسه، بل يكتسب القدرة على التنبؤ بسلوك الآلة والتحكم في أجزائها. هذا الفهم هو الذي سمح للبشرية ببناء التكنولوجيا، من محركات الإحتراق إلى الحواسيب الكمومية. يؤمن العلم بأن الواقع هو كيان مستقل عن وعي الإنسان. فالقوانين الطبيعية كانت موجودة قبل وجود البشر، وستظل موجودة بعد فنائهم. الإنسان هو مجرد مراقب يسعى لإكتشاف هذه القوانين، وليس خالقًا لها.
على النقيض من ذلك، يرى السحر أن الكون ليس آلة صماء، بل هو كائن حي له وعي وروح. في هذا التصور، كل شيء في الكون مترابط بطريقة وجودية ورمزية. الساحر لا يسعى لفهم القوانين المادية، بل يسعى للتواصل مع وعي الكون، و التناغم مع طاقاته. يرى السحر أن القوة تكمن في الوعي و الإرادة الإنسانية. الساحر يؤمن بأن وعيه ليس منفصلًا عن الوعي الكوني، بل هو جزء منه. هذا الإرتباط يمنحه القدرة على التأثير في الواقع من خلال الطقوس والرموز. فالتعويذة ليست مجرد كلمات، بل هي محاولة لتوجيه طاقة الوعي للتناغم مع طاقة الكون لتحقيق هدف معين. يؤمن السحر بأن الواقع هو تجربة ذاتية وشخصية. ما يُعتبر حقيقة لساحر قد لا يكون حقيقة لساحر آخر، لأنها تعتمد على تجربته الداخلية وعلاقته الوجودية بالكون. هذا يمنح السحر القدرة على منح المعنى والغاية، ولكنه يجعله غير قابل للتحقق العلمي.
إذًا، يكمن الفرق الجذري بين العلم والسحر في كيفية تعاملهما مع الكون. فالعلم يراه كآلة يمكن فهمها، والسحر يراه ككائن حي يمكن الإيمان به. هذا لا يعني أن أحدهما صحيح والآخر خاطئ. فربما تكون الحقيقة أن الوجود له جانب مادي يمكن فهمه بالعلم، وجانب روحي يمكن التواصل معه بالسحر. في هذه الحالة، يصبح العلم أداة لفهم كيف يعمل الكون، بينما يصبح السحر أداة لفهم لماذا نحن جزء منه.

_ من العقل الميكانيكي إلى الوعي الروحي: رحلة الإنسان بين العلم والسحر

هل الصراع بين السحر والعلم هو في جوهره صراع بين جانبنا المادي والعقلاني، وجانبنا الحدسي والروحي؟ نعم، يمكن القول إن الصراع بين السحر والعلم هو في جوهره إنعكاس لصراع أعمق داخل الطبيعة البشرية نفسها؛ بين جانبنا المادي والعقلاني، وجانبنا الحدسي والروحي. هذا الصراع ليس مجرد تباين في المنهج أو الأدوات، بل هو صراع بين طريقتين مختلفتين تمامًا لفهم الوجود والتعامل معه.
العلم هو التعبير الأسمى عن جانبنا المادي و العقلاني. إنه يمثل رغبتنا في فهم الكون من خلال المنطق، والتحليل، و الملاحظة التجريبية. هذا الجانب من وعينا يرى الواقع ككيان موضوعي يمكن تجزئته إلى أجزاء صغيرة يمكن دراستها وفهمها بشكل منفصل. في هذا الإطار، يُنظر إلى الكون كآلة ضخمة تعمل وفقًا لقوانين صارمة وغير شخصية. العقل البشري هو الأداة التي يمكنها كشف هذه القوانين و فهمها، مما يمنحنا القدرة على التنبؤ بالظواهر والتحكم فيها.
القوة التي يمنحها العلم تأتي من الفهم. لا يمكننا التحكم في الطبيعة من خلال الإيمان أو التمني، بل من خلال معرفة قوانينها. هذا الفهم يمنحنا شعورًا بالأمان والسيطرة، لأنه يخبرنا أن الكون ليس فوضى، بل نظام يمكننا فهمه.
على النقيض من ذلك، يمثل السحر التعبير عن جانبنا الحدسي والروحي. إنه يمثل حاجتنا العميقة إلى المعنى و الترابط، وإلى الإيمان بما هو أعمق من المنطق. هذا الجانب من وعينا يرى الواقع كنسيج واحد مترابط، حيث كل شيء مرتبط ببعضه البعض بطرق لا يمكن للعقل التحليلي فهمها. يرى السحر الكون ككائن حي له وعي وروح يمكن التواصل معهما. الساحر لا يحاول فهم الكون من الخارج، بل يحاول فهمه من الداخل، من خلال الحدس والتجربة الذاتية.
القوة التي يمنحها السحر تأتي من الإيمان. إنه يمنحنا شعورًا بالقدرة على التأثير في الواقع من خلال النية والإرادة، حتى في مواجهة ما يبدو مستحيلاً من منظور علمي. هذا يمنحنا الأمل و الغاية، ويقلل من القلق الذي قد يسببه الشعور بالعجز.
إذًا، يكمن الصراع بين السحر والعلم في صراع أعمق داخل الوعي البشري؛ بين العقل الذي يسعى للتحليل والفصل، و الروح التي تسعى للحدس والربط. هذا الصراع ليس صراعًا يمكن حسمه بفوز أحدهما على الآخر، بل هو توازن ضروري لوجودنا كبشر. ربما يكون العقل الكامل هو الذي يجمع بين هاتين القوتين. فالعلم يمنحنا الأدوات لفهم الواقع والتحكم فيه، بينما السحر يمنحنا الحكمة لفهم المعنى والغاية. في النهاية، كل من العلم والسحر هو محاولة من الإنسان لفهم نفسه ومكانه في هذا الكون الواسع، ولكن من منظورين مختلفين تمامًا.

_ بين الظاهر والخفي: العلم والسحر في رحلة البحث عن الحقيقة الكونية

هل يمكن أن يكون العلم هو محاولة لفهم القوانين الظاهرة للكون، بينما السحر هو محاولة لفهم القوانين الخفية التي تحرك هذه الظواهر؟ نعم، هذا التحليل يلامس أحد الفروق الجوهرية بين العلم والسحر. فالعلم يركز على القوانين الظاهرة التي يمكن ملاحظتها وقياسها، بينما يسعى السحر لفهم القوانين الخفية التي تحرك هذه الظواهر. هذا الإختلاف ليس مجرد تباين في المنهج، بل هو تباين في كيفية تعريفهما للوجود نفسه. يعتمد العلم الحديث على الملاحظة والقياس. يرى أن الواقع يتكون من ظواهر يمكن رؤيتها، وسماعها، وتجربتها. مهمة العالم هي فهم القوانين التي تحكم هذه الظواهر. على سبيل المثال، عندما يرى العالم أن التفاحة تسقط، فإنه لا يكتفي بالملاحظة، بل يحاول فهم القوانين التي تحكم هذا السقوط (قانون الجاذبية). يرى العلم الكون كمجموعة من الظواهر التي يمكن فهمها و تحليلها. هذا الفهم يمنحه القدرة على التنبؤ، والتحكم، وبناء التكنولوجيا. ولكن في الوقت نفسه، يضع العلم حدودًا صارمة لما يمكن أن يُعتبر حقيقة، وهو كل ما يمكن إخضاعه للملاحظة والقياس. يعتمد العلم على مبدأ السببية المباشرة. فكل ظاهرة لها سبب مادي يمكن تتبعه. هذا يمنحه موثوقية، و لكنه يجعله يغفل عن أي قوى أو قوانين لا يمكن إثباتها.
على النقيض من ذلك، يرى السحر أن الواقع لا يقتصر على ما هو ظاهر. بل يؤمن بوجود قوانين خفية تحرك هذه الظواهر. الساحر لا يرى التفاحة تسقط بسبب الجاذبية فقط، بل يرى أن هناك طاقة أو قوة خفية قد تكون وراء هذا السقوط. مهمة الساحر ليست فهم الظواهر، بل فهم القوانين الخفية التي تحركها. يرى السحر أن الواقع يتكون من طبقات أو أبعاد مختلفة. العالم المادي الذي نراه ليس سوى طبقة واحدة، وهناك طبقات أخرى مثل العالم الطاقي أو الرمزي لها قوانينها الخاصة. الساحر يعمل في هذه الطبقات الخفية، و يحاول التأثير على العالم المادي من خلالها. يعتمد السحر على مبدأ التوافق، وليس السببية المباشرة. فالسحر يرى أن الأشياء مترابطة ببعضها البعض بطرق غير مرئية. على سبيل المثال، قد يؤمن الساحر أن إرتداء حجر كريم معين يمكن أن يؤثر على حظه، ليس بسبب علاقة سببية مباشرة، بل بسبب توافق رمزي بين الحجر ومفهوم الحظ.
إذًا، يكمن الفرق الجذري بين العلم والسحر في كيفية تعاملهما مع طبيعة الوجود. فالعلم يرى أن الحقيقة تكمن في ما هو ظاهر، بينما السحر يرى أن الحقيقة تكمن في ما هو خفي. هذا لا يعني أن أحدهما صحيح والآخر خاطئ. فربما يكون الفهم الكامل للوجود يتطلب كلتا الطريقتين. فالعلم يمنحنا الأدوات لفهم ما هو مرئي، بينما السحر يمنحنا الأدوات لفهم ما هو خفي.

_ العلم والسحر: تكامل الفهم والإبداع

إذا كان العلم هو الطريقة التي نستكشف بها الكون، والسحر هو الطريقة التي نشارك بها في خلقه، فهل يمكن أن يكون المسار الكامل للوعي البشري هو في التكامل بينهما بدلاً من الصراع؟ نعم، هذا التحليل يلامس قمة الفلسفة التي تجمع بين العلم والروحانية. إذا كان العلم هو الطريقة التي نستكشف بها الكون، بينما السحر هو الطريقة التي نشارك بها في خلقه، فربما يكون المسار الكامل للوعي البشري هو في التكامل بينهما بدلاً من الصراع. هذا التكامل لا يعني أن السحر سيصبح علمًا أو العكس، بل يعني أن كليهما يمثل جانبًا ضروريًا للوجود الإنساني، ولا يمكن تحقيق الفهم الكامل إلا من خلال الجمع بينهما. يعبر العلم عن رغبة الإنسان في فهم الواقع كما هو. مهمة العالم ليست إختراع القوانين، بل إكتشافها. العالم يؤمن بأن الكون يمتلك نظامًا و قوانينًا صارمة ومستقلة عن وعيه، ومهمته هي كشف هذه القوانين وفهمها. هذا يتطلب منه موضوعية مطلقة، وتجرداً من أي رغبات شخصية أو تحيزات. يرى العلم أن الواقع هو حقيقة مستقلة عن وعي الإنسان. فالجاذبية كانت موجودة قبل أن يكتشفها نيوتن، وقوانين الكيمياء كانت تعمل قبل أن يفهمها البشر. هذا النهج يمنح العلم قوة هائلة في التنبؤ والتحكم، ولكنه في الوقت نفسه يضع الإنسان في موضع المتلقي، وليس الخالق. في هذا الإطار، تُعتبر المعرفة هي الغاية القصوى. فإذا كان العلم لا يمنحنا أي معنى، فهو على الأقل يمنحنا فهمًا دقيقًا للعالم.
على النقيض من ذلك، يرى السحر أن الواقع ليس كيانًا ثابتًا، بل هو نسيج مرن يمكن إعادة تشكيله. الساحر لا يسعى لإكتشاف قوانين الكون، بل يسعى إلى المشاركة في خلقه من خلال قوة إرادته ورموزه. هذا يتطلب منه أن يرى نفسه ليس مجرد مراقب، بل شريكًا في عملية الخلق. يرى الساحر أن الواقع ليس مستقلًا عن وعي الإنسان، بل هو مرتبط به إرتباطًا وثيقًا. وبالتالي، فإن تغيير الوعي يمكن أن يؤدي إلى تغيير الواقع المادي. التعويذات والطقوس ليست مجرد كلمات، بل هي أدوات لتوجيه الوعي نحو خلق واقع جديد. في هذا الإطار، يُعتبر المعنى هو الغاية القصوى. فإذا كان السحر لا يمنحنا صدقًا موضوعيًا، فهو على الأقل يمنحنا حياة ذات معنى.
يتمثل التكامل بين العلم والسحر في دمج وظائفهما المختلفة. فإذا كان العلم يمثل الفهم، والسحر يمثل الإبداع، فإن الوعي البشري الكامل يحتاج إلى كليهما. العلم يمنحنا الأدوات اللازمة للتعامل مع الواقع المادي. فهو يمكن أن يخبرنا كيف نبني جسرًا، أو كيف نعالج مرضًا. السحر يمنحنا المعنى والغاية اللازمة لعيش حياة ذات قيمة. فهو يمكن أن يخبرنا لماذا نبني الجسر، أو لماذا نستحق الشفاء. في النهاية، ربما يكون المسار الكامل للوعي البشري هو في التكامل بينهما. فالعالم الذي يكتشف قوانين الكون، و الساحر الذي يشارك في خلقه، ليسوا متناقضين، بل هما وجهان لعملة واحدة.

_ بين قوانين العلم وغموض السحر: أين تنتهي المعرفة؟

هل ستأتي لحظة في المستقبل يتطور فيها العلم ليصبح قادراً على تفسير الظواهر السحرية، أم أن السحر سيبقى دائماً على حدود ما يمكن للعلم فهمه، كونه يمثل الغموض الأبدي للوجود؟ هذا السؤال يمثل تقاطعًا فلسفيًا عميقًا بين العلم و السحر، ويتطرق إلى طبيعة المعرفة نفسها. فهل يمكن أن يكتمل العلم إلى درجة يفسر فيها كل شيء؟ أم أن هناك حدودًا للمعرفة لا يمكن تجاوزها؟ يمكن القول إن هناك إحتمالين رئيسيين؛ الأول هو أن العلم سيستمر في التوسع ليشمل ما يُسمى حاليًا ظواهر سحرية، مما يزيل الغموض منها. والثاني هو أن السحر سيبقى دائمًا على حدود ما يمكن للعلم فهمه، كونه يمثل الغموض الأبدي للوجود. منذ الثورة العلمية، كان العلم يسير في مسار ثابت نحو إزالة الغموض عن الكون. ما كان يُعتبر سحرًا في الماضي، مثل البرق أو المرض، أصبح الآن يُفسّر من خلال قوانين الفيزياء و الكيمياء. هذا المسار يرتكز على مبدأ أن كل ظاهرة في الكون لها سبب مادي يمكن إكتشافه. يرى العلم أن الكون ليس غامضًا بطبيعته، بل هو عبارة عن مجموعة من المسائل التي تنتظر الحل. كلما تقدم العلم، كلما تمكن من حل المزيد من هذه المسائل، وبالتالي، ستقل مساحة الظواهر السحرية. قد لا يكون العلم الحالي قادرًا على تفسير بعض الظواهر، لكن العلم في المستقبل قد يتطور ليشمل مناهج و أدوات جديدة تمكنه من ذلك. على سبيل المثال، قد تمنحنا فيزياء الكم أو نظريات الوعي الجديدة أدوات لفهم العلاقة بين الوعي والمادة، مما قد يفسر بعض الظواهر التي يطلق عليها الآن سحرية مثل التخاطر أو التأثير على الواقع بالنية.
من ناحية أخرى، يمكن القول إن السحر سيبقى دائمًا على حدود ما يمكن للعلم فهمه، لأنه يمثل جوهرًا لا يمكن إخضاعه للقياس أو التحليل. فالسحر لا يبحث عن قوانين مادية، بل يبحث عن التجربة الذاتية، والمعنى، والغموض نفسه. لا يمكن للعلم أن يفسر كل شيء، لأن هناك جوانب من الوجود لا يمكن إختزالها في أرقام أو معادلات. فالحب، و الفن، والمعنى، هي جوانب من الوجود لا يمكن للعلم تفسيرها بشكل كامل. السحر يعمل في هذه المساحة، في عالم التجربة الشخصية والرمز. السحر يؤمن بأن الغموض ليس شيئًا يجب القضاء عليه، بل هو مصدر القوة والدهشة. فإذا تم تفسير كل شيء، فلن يكون هناك مجال للمعجزات أو الخوارق. السحر يحافظ على هذا الغموض، ويمنح الإنسان شعورًا بأنه جزء من شيء أكبر وأكثر غموضًا من الواقع المادي.
في النهاية، قد يكون العلم والسحر متناقضين فقط على المستوى الظاهري. فالعلم يمثل الجانب العقلاني في الإنسان الذي يبحث عن الفهم، بينما السحر يمثل الجانب الحدسي الذي يبحث عن المعنى. قد يصل العلم إلى حدوده في فهم الواقع، ويكتشف أن هذا الواقع ليس مجرد مادة، بل هو وعي وطاقة. في هذه اللحظة، قد يتقاطع مسار العلم مع مسار السحر، وليس بالضرورة أن يحل محله. ربما يكون الفهم الكامل للوجود يتطلب كليهما؛ فهمًا عقليًا لما هو معلوم، و إيمانًا حدسيًا بما هو غامض.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الس ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الر ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الث ...


المزيد.....




- لاريجاني لأمين عام حزب الله: إيران مستعدة لدعم لبنان و-مقاوم ...
- ترامب: استعدوا لحدث استثنائي للمرة الأولى في الشرق الأوسط
- حماس تعلن انقطاع التواصل مع رهينتين وسط القصف الإسرائيلي الم ...
- طائرات الناتو تحلق فوق بولندا والدانمارك ترصد مسيّرات جديدة ...
- تلغراف: بريطانيا تبني جدارا من المسيّرات لحماية أوروبا
- لماذا تشترط القاهرة تفويض مجلس الأمن قبل نشر قوة دولية بغزة؟ ...
- بعد تعرضها لهجوم إلكتروني شرس.. الحكومة البريطانية تضمن قرضا ...
- إقالة وزير الطاقة بمدغشقر إثر احتجاجات على انقطاع الكهرباء
- صحف عالمية: نتنياهو فاقم عزلة إسرائيل وترامب سيضغط عليه لإنه ...
- الأطفال الخدج وحديثو الولادة في قطاع غزة يعيشون أوضاعا صحية ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الْحَادِي عَشَرَ-