أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الثَّانِي عَشَرَ-















المزيد.....



العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الثَّانِي عَشَرَ-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 21:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الوعي: هل هو سجن بيولوجي أم قوة خارقة لتشكيل الواقع

هل الوعي قوة يمكنها التأثير على الواقع؟ هل الوعي مجرد نتاج للعمليات الكيميائية في الدماغ، أم أنه يمتلك القدرة على تشكيل الواقع من حولنا؟ هذا السؤال الفلسفي العميق يلامس جوهر وجودنا ويفرض تحديًا على فهمنا للعلاقة بين الذات والعالم المادي.
من منظور فلسفي، الوعي ليس مجرد وظيفة بيولوجية. إنه تلك التجربة الذاتية الفريدة التي تجعلنا ندرك وجودنا و نعطي معنى للعالم. هناك تيارات فلسفية، مثل المثالية، ترى أن الوعي هو أساس كل شيء. وفقًا لهذا المنظور، العالم المادي ليس إلا إنعكاسًا أو تجليًا للوعي. الفيلسوف الألماني هيجل، على سبيل المثال، يرى أن الوعي الذاتي هو القوة المحركة للتاريخ البشري، وأن الواقع يتطور نتيجة لتفاعل الأفكار والوعي. في هذا الإطار، يمكن القول إن الوعي لا يؤثر على الواقع فحسب، بل هو الواقع نفسه. على النقيض من ذلك، تقف الفلسفة المادية، التي تؤكد أن كل ما في الكون، بما في ذلك الوعي، هو نتاج للمادة والطاقة. من هذا المنظور، الوعي ليس إلا منتجًا ثانويًا لعمليات الدماغ المعقدة، و لا يملك أي قدرة على التأثير في العالم المادي بشكل مباشر. الواقع الخارجي هو الذي يؤثر على الوعي، و ليس العكس.
في إطار العلاقة بين العلم والسحر، يتضح التباين العميق في فهم الوعي وقدراته. يعتبر العلم أن الوعي محكوم بقوانين فيزيائية و كيميائية. في معظم الأحيان، لا يعترف العلم بوجود أي آلية يمكن من خلالها للوعي أن يؤثر على الواقع المادي. ومع ذلك، ظهرت بعض الفروع الحديثة، مثل الفيزياء الكمومية، لتلقي بظلال من الشك على هذا الإفتراض. تجربة الشق المزدوج الشهيرة أثبتت أن وجود المراقب أي الوعي يؤثر على سلوك الجسيمات دون الذرية، مما يشير إلى وجود علاقة غير مفهومة بين الوعي والواقع على المستوى الكمومي. هذا لا يعني أن الوعي يغير الواقع مباشرة، ولكنه يفتح الباب أمام تساؤلات حول دور الوعي في تشكيل الإحتمالات الكمومية. في المقابل، يرى السحر أن الوعي هو القوة الأساسية للتغيير. تعتبر التقاليد السحرية أن النية والتركيز هما أدوات يمكن من خلالها توجيه الطاقة و تغيير الأحداث. يعتمد هذا المفهوم على فكرة أن العالم ليس مجرد مجموعة من الجسيمات الجامدة، بل هو شبكة من الطاقات المترابطة التي يمكن للوعي أن يتفاعل معها. من هذا المنظور، عندما يمارس الساحر طقسًا أو تعويذة، فإنه لا يقوم بعمل مادي فقط، بل يركز وعيه ونواياه لتغيير تدفق الطاقة في الواقع، مما يؤدي إلى تغيير مادي.
على الرغم من التناقض الظاهري بين العلم و السحر، يمكننا أن نرى الوعي كجسر يربط بينهما. بينما يرفض العلم فكرة التأثير السحري المباشر، فإنه يعترف بتأثير الوعي غير المباشر على الواقع. على سبيل المثال؛ تأثير الدواء الوهمي (Placebo effect) هذا التأثير يثبت أن إعتقاد الشخص (وعيه) في فاعلية علاج معين يمكن أن يؤدي إلى تحسن حقيقي في حالته الصحية، حتى لو كان العلاج وهميًا. هذا دليل قاطع على أن الوعي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الجسد المادي. الوعي يمتلك القدرة على تشكيل معتقداتنا و أفكارنا، وهذه بدورها تؤثر على قراراتنا وسلوكنا. عندما نغير طريقة تفكيرنا، فإننا نغير أفعالنا، وهذا يؤدي في النهاية إلى تغيير الواقع الملموس. على سبيل المثال، إذا آمن شخص بقدرته على النجاح (وعي إيجابي)، فإنه سيبذل جهدًا أكبر و سيكون أكثر إصرارًا، مما يزيد من إحتمالية تحقيقه للنجاح في الواقع. في الختام، قد لا يمتلك الوعي القدرة على تغيير قوانين الفيزياء بشكل سحري، ولكنه يمتلك قوة هائلة على تشكيل الواقع من خلال تأثيره على تصوراتنا، معتقداتنا، و سلوكنا. إنه القوة المحركة التي تترجم الأفكار إلى أفعال، و بالتالي، تحول الواقع.

_ الوعي والطاقة: جدلية المادة والنية في تشكيل الواقع

إن التساؤل عما إذا كانت هناك أشكال من الطاقة غير المكتشفة يمكن التلاعب بها يلامس جوهر الصراع الفلسفي بين العقلانية المادية والرؤى الغنوصية/السحرية. إنه ليس مجرد سؤال علمي بحت، بل هو تحقيق في طبيعة الواقع نفسه، وهل هو مجموعة صلبة من القوانين أم نسيج مرن يمكن للنية أن تشكله.
يبدأ العلم الحديث رحلته من نقطة التواضع المعرفي. الفيزياء الحالية تعترف بوجود فجوة هائلة في فهمنا للكون، وهي ما يعرف بـالمادة المظلمة والطاقة المظلمة. تشكل هاتان الظاهرتان ما يقرب من 95% من الكون. هذه الكيانات غير مرئية، لا تتفاعل مع القوة الكهرومغناطيسية أي لا يمكن قياسها بالضوء أو الأدوات التقليدية، و تُستدل على وجودها فقط من خلال تأثيرها الجاذبي على المادة المرئية. من منظور فلسفي، هذه الـ95% تمثل الطاقة غير المكتشفة بإمتياز. حاليًا، لا يملك العلم أي آلية معروفة للتفاعل مع هذه الكيانات، ناهيك عن التلاعب بها. ومع ذلك، فإن مجرد وجودها يفتح الباب أمام إحتمالين عظيمين، قد تكون هذه الطاقات خاضعة لقوانين فيزيائية لم نكتشفها بعد، وفي هذه الحالة سيتم دمجها في القانون الطبيعي فور إكتشافها. أو قد تكون هذه الطاقات الرابط المفقود الذي تستغله الظواهر غير المفسرة، وربما تكون هي الوقود الذي تتحدث عنه التقاليد السحرية. العلم، في جوهره المادي، ينظر إلى الوعي على أنه منتج ثانوي للطاقة الكيميائية والكهربائية للدماغ. لذا، فإن أي تأثير للوعي على الواقع يجب أن يمر عبر مسارات مادية تقليدية مثل الحركة الجسدية أو التكنولوجيا.
على النقيض تمامًا، ترى التقاليد السحرية أن الكون ليس ماديًا بالكامل، بل هو كائن حي و نظام شبكي من الطاقات المترابطة. في هذا الإطار، الوعي هو الطاقة الأساسية و القابلة للتلاعب بها. لا يتعامل السحر مع الواط والجول، بل مع مفاهيم مثل البرانا (Prana)، التشي (Chi)، أو القوة الأثيرية. هذه هي أشكال من الطاقة غير المكتشفة أو غير القابلة للقياس بالطرق العلمية الحالية. تفترض هذه الرؤى أن هذه الطاقة الكونية تتدفق عبر كل شيء، وأن الكائن البشري، عبر النية المركزة والإرادة المدربة، يمكنه توجيه هذه الطاقة لتغيير الأحداث المادية. بالنسبة للساحر، الطقس أو التعويذة هو مجرد تقنية تركيز. إنه يهدف إلى مزامنة الموجات العقلية للساحر مع المجال الطاقي المحيط به. يُنظر إلى الواقع على أنه خلاصة إحتمالات، والنية القوية تعمل كـعامل جذب (Attractor) يغير توزيع هذه الإحتمالات لصالح النتيجة المرغوبة. في هذا المنظور، الوعي هو القوة، والسحر هو العلم التطبيقي لتلك القوة.
ظهرت الفيزياء الكمومية لتكون الجسر الأكثر إثارة للجدل بين هذين الإطارين. على المستوى دون الذري، ينهار التصور المادي الصلب للواقع. تجربة الشق المزدوج الشهيرة تثبت أن مجرد قياس الجسيمات دون الذرية يغير سلوكها من موجي إلى جسيمي. هذا يثير التساؤل الفلسفي، هل الوعي (المراقب) ليس مجرد متلقي سلبي للمعلومات، بل عنصر نشط في عملية تشكيل الواقع؟ يمكن النظر إلى فكرة الطاقة الصفرية (Zero-Point Energy)، هذه الفكرة النظرية في الفيزياء الكمومية تشير إلى وجود طاقة هائلة كامنة في الفضاء الفارغ نفسه. يرى بعض العلماء والمفكرين أن هذه الطاقة قد تكون هي خزان الطاقة الكونية الذي يتحدث عنه السحر. رغم أن العلم لم يكتشف طريقة لإستغلالها بعد، إلا أن مجرد وجودها المحتمل يمنح الطروحات السحرية أرضية نظرية أكثر رسوخًا.
يمكن التوفيق بين العلم والسحر عبر مفهوم التأثير غير المباشر للوعي. تأثير البلاسيبو (Placebo Effect). هذا أقوى دليل مادي على أن الإيمان (الوعي) يمكن أن يغير الكيمياء الحيوية و الفسيولوجيا في الجسم. إنه يثبت أن التلاعب بالمعتقدات هو شكل من أشكال التلاعب بالطاقة المادية داخل الجسد البشري. إذا كان الوعي يستطيع إعادة برمجة الجسد، فما هي حدوده على البيئة الخارجية؟ عندما يتلاعب شخص ما بوعيه عبر التركيز، الإيمان، أو التأمل، فإنه يغير تصوراته وقراراته و سلوكه. هذا التغيير في السلوك يولد سلسلة من الأفعال التي تغير الواقع المادي بشكل حقيقي و ملموس. على سبيل المثال، إيمان رائد الأعمال بنجاحه (وعي) يجعله يتخذ قرارات جريئة (سلوك) تؤدي إلى بناء إمبراطورية (واقع). في الختام، سواء كانت هناك طاقات غير مكتشفة يمكن التلاعب بها عن طريق آلات علمية في المستقبل، أو عبر إرادة مدربة كما يزعم السحر، فإن الوعي يظل هو القوة المحركة. إنه يمثل إمكانية غير مستنفدة للربط بين العالمين: العالم المادي الذي نحكمه، و العالم الطاقي الذي ما زلنا نسعى لفهم أسراره.

_ من المختبر إلى الروح: المعرفة التي تنقذ البشرية من عبودية القياس المادي

هل هذه قنوات للمعرفة لا تخضع للمنهج العلمي؟ نعم، هناك قنوات للمعرفة لا تخضع للمنهج العلمي، وذلك لأن المنهج العلمي مُصَمَّمٌ للإجابة على أنواع محددة من الأسئلة تتعلق بالعالم المادي القابل للقياس. المعرفة التي تأتي من قنوات أخرى تقع في نطاق الفلسفة، والفنون، والأخلاق، والخبرة الشخصية.
المنهج العلمي هو عملية منظمة للبحث عن المعرفة، تعتمد على الملاحظة، وصياغة الفرضيات، والتجريب، والتحليل. هذه الطريقة أثبتت فعاليتها بشكل هائل في فهم العالم المادي. ولكن، المنهج العلمي ليس الأداة الوحيدة للحصول على المعرفة، وله قيوده. العلم يمكن أن يخبرنا كيف تعمل الأشياء، لكنه لا يستطيع أن يخبرنا لماذا يجب أن نعمل شيئًا معينًا. على سبيل المثال، يمكن للعلم أن يشرح لنا الآثار البيولوجية لقتل إنسان، لكنه لا يمكن أن يخبرنا ما إذا كان هذا الفعل صوابًا أم خطأً. أسئلة مثل ما هو معنى الحياة؟ أو ما هو الغرض من الوجود؟ لا يمكن الإجابة عليها من خلال التجارب المعملية. هذه الأسئلة تقع في نطاق الفلسفة و الدين. العلم يمكن أن يحلل الترددات الصوتية في قطعة موسيقية أو الألوان في لوحة فنية، ولكنه لا يستطيع أن يخبرنا ما إذا كانت هذه القطعة جميلة أو قبيحة. المنهج العلمي يتطلب أن تكون الظواهر قابلة للقياس و التجريب المتكرر. الظواهر التي لا تخضع لهذه الشروط، مثل الوعي الذاتي أو الخبرة الصوفية، تقع خارج نطاق البحث العلمي المباشر.
بناءً على حدود المنهج العلمي، يمكننا أن نحدد عدة قنوات للمعرفة التي تقع خارج نطاقه. المعرفة الشخصية (الحدس و الخبرة) هذه المعرفة تأتي من الخبرة المباشرة للحياة. عندما تتعلم أن الثقة في شخص معين هي أمر جيد من خلال خبرتك الشخصية، فإنك لا تستخدم المنهج العلمي. الحدس هو أيضًا شكل من أشكال المعرفة الشخصية، وهو شعور أو فهم يأتي دون وجود عملية تفكير واعية. على الرغم من أن هذه المعرفة قد تكون خاطئة أو متحيزة، إلا أنها تشكل جزءًا أساسيًا من فهمنا للعالم. إن الفلسفة هي دراسة المعرفة، و الوجود، والقيم، والعقل، واللغة. أسئلتها لا يمكن الإجابة عليها بالتجربة العلمية، بل تتطلب التفكير النقدي، والمنطق، و التأمل. الفلسفة هي القناة التي نتعمق فيها في فهم ما هو الحق والخير والجمال. الفن هو قناة للمعرفة. عندما تشاهد لوحة فنية أو تستمع إلى مقطوعة موسيقية، فإنك تكتسب فهمًا أعمق للحالة الإنسانية أو لمشاعر معينة. هذا الفهم لا يمكن قياسه أو تكراره في مختبر، ولكنه حقيقي وملموس. فيما يتعلق بالمعرفة الدينية و الروحانية، هذه المعرفة تعتمد على الإيمان، و الوحي، والتجربة الروحانية. إنها تتعلق بالإجابة على الأسئلة الوجودية و الأخلاقية، وتقدم إطارًا لفهم العالم والكون. على الرغم من أن العلم لا يمكنه إثبات هذه المعرفة أو دحضها، إلا أنها تشكل جزءًا أساسيًا من حياة ملايين البشر. في النهاية، لا يجب أن يُنظر إلى هذه القنوات على أنها متناقضة مع المنهج العلمي. بل هي قنوات متكاملة. العلم يمنحنا المعرفة حول كيفية عمل العالم، بينما القنوات الأخرى تساعدنا في فهم لماذا نحن هنا وكيف يجب أن نعيش. المنهج العلمي هو أداة قوية، لكنه ليس الوحيد.

_ ماذا لو كانت أفكارنا أشكالاً من الطاقة؟ البحث عن الطبقات الخفية لواقعنا

هل هناك أبعاد خفية للواقع لم يتمكن العلم من قياسها بعد؟ نعم، من الممكن جدًا أن تكون هناك أبعاد خفية للواقع لم يتمكن العلم من قياسها بعد. هذا الإحتمال لا يتعارض بالضرورة مع المنهج العلمي، بل هو جزء من التوسع الفلسفي للعلم. المنهج العلمي يعتمد بشكل أساسي على الملاحظة، و القياس، والتجريب. لقد نجح هذا المنهج بشكل مذهل في فهم العالم المادي الذي نختبره بحواسنا. لكن، يجب أن نتذكر أن أدواتنا وأجهزة قياسنا محدودة. على سبيل المثال، لم يكن البشر قادرين على إكتشاف الموجات الراديوية أو الأشعة السينية حتى تم تطوير التكنولوجيا اللازمة. هذا يطرح سؤالاً مهمًا: هل هناك ظواهر أخرى موجودة في الكون، لكننا ببساطة لا نملك الأدوات المناسبة لقياسها أو إكتشافها؟ الفيزياء النظرية نفسها تشير إلى إمكانية وجود أبعاد خفية. نظرية الأوتار الفائقة، وهي واحدة من أبرز النظريات التي تحاول توحيد كل القوى الأساسية في الكون، تفترض أن الكون يحتوي على 10 أو 11 بُعدًا، وليس فقط الأبعاد الأربعة التي نعرفها (الطول، العرض، الإرتفاع، و الزمن). وفقًا لهذه النظرية، فإن الأبعاد الإضافية قد تكون ملتفّة أو صغيرة جدًا لدرجة أننا لا نستطيع إدراكها أو قياسها. هذا التفسير الفلسفي للفيزياء النظرية لا يقتصر على الرياضيات فقط، بل يفتح الفضاء أمام أسئلة عميقة حول طبيعة الواقع نفسه.
إضافة إلى الأبعاد المكانية والزمنية، يرى بعض الفلاسفة أن الوعي قد يكون بحد ذاته بعدًا أساسيًا للواقع. من منظور المثالية الفلسفية، الوعي ليس مجرد نتاج للدماغ المادي، بل هو الأساس الذي ينبثق منه الواقع. في هذا الإطار، لا يمكن قياس الوعي بالطرق التقليدية، لأنه ليس شيئًا ماديًا، بل هو التجربة الذاتية التي تجعل العالم ماديًا بالنسبة لنا. هذا المفهوم يتجاوز حدود الفيزياء التقليدية ويدخل في نطاق الميتافيزيقا. إذا كان الوعي هو بعدًا أساسيًا، فإن هذا يفسر لماذا لا يمكن للعلم أن يجد له مكانًا محددًا في الدماغ أو يفسر آلياته بالكامل. هذا لا يعني أن العلم مخطئ، بل يعني أن الأدوات المتاحة حاليًا غير كافية لفهم هذه الظاهرة.
يمكننا أن نفكر في الواقع كطبقات متعددة، مثل المحيط. السطح الذي نراه هو العالم المادي، و لكن هناك طبقات أعمق لم نكتشفها بعد. هذه الطبقات يمكن أن تحتوي على أشكال من الطاقة أو المعلومات التي تتفاعل مع العالم المادي بطرق لم نفهمها. على سبيل المثال، قد تكون الأفكار و المعتقدات التي نعتبرها غير مادية هي في الواقع أشكال من الطاقة التي تؤثر على الواقع. في الختام، بينما لا يوجد دليل علمي قاطع على وجود أبعاد خفية أو طاقة غير مكتشفة، فإن الفلسفة والفيزياء النظرية تشيران إلى أن هذا الإحتمال وارد جدًا. هذا يذكرنا بأن فهمنا للواقع ليس كاملًا، وأن هناك دائمًا مساحة للتوسع و الإكتشاف.

_ الخلق سحر إلهي: هل العلم هو محاولة الإنسان لفك شفرة التعويذة الكونية

هل يمكن أن يكون الخلق نفسه سحراً إلهياً، و العلم هو محاولة الإنسان لفهم طقوس هذا السحر؟ نعم، يمكن تحليل فكرة الخلق على أنها سحر إلهي، والعلم هو محاولة الإنسان لفهم طقوس هذا السحر. هذا التحليل هو إستعارة فلسفية عميقة تدمج بين اللاهوت والعلوم، و تنظر إلى الكون كعمل فني مذهل، لا مجرد آلة.
من منظور لاهوتي وفلسفي، الخلق هو فعل إعجازي يتجاوز قدرة العقل البشري على الفهم. إنه عملية إيجاد من العدم، أو "كن فيكون"، وهي فكرة تتجاوز قوانين الفيزياء التي نعرفها. في هذا السياق، يمكن أن يُنظر إلى الخلق على أنه سحر إلهي لأنه يحمل خصائص السحر في أذهاننا البشرية: إنه فعل يتجاوز حدود الواقع الملموس الذي نعيشه، ويُحدث تغييرًا جذريًا دون وجود آلية واضحة ومُفسّرة. البشر لا يمكنهم خلق شيء من العدم. يمكننا فقط إعادة ترتيب المادة الموجودة. هذا العجز هو ما يجعل فعل الخلق يبدو سحريًا أو إعجازيًا. القوانين الفيزيائية التي تحكم الكون مثل الجاذبية، و الكهرومغناطيسية، والقوانين النووية يمكن أن تُعتبر طقوسًا لهذا السحر الإلهي. هذه القوانين ليست مجرد حقائق، بل هي الأدوات التي يستخدمها الساحر الإلهي للحفاظ على عمل الكون بطريقة متناغمة ومنظمة. إذا كان الخلق هو السحر، فإن العلم هو محاولة الإنسان لفهم هذه الطقوس. العلماء هم الكهنة الذين يدرسون قوانين هذا السحر الإلهي. هم لا يهدفون إلى تكرار الخلق نفسه، بل إلى فهم كيف يعمل، ولماذا يعمل بهذه الطريقة. العلم لا يخلق قوانين الفيزياء، بل يكتشفها. عندما يصف نيوتن قوانين الحركة أو آينشتاين نظرية النسبية، فإنهما لم يختلقا هذه القوانين، بل قاما بتفسير طريقة عمل الكون. هذه القوانين كانت موجودة دائمًا، لكنها كانت تنتظر من يكتشفها. غالبًا ما يثير العلم فينا شعورًا بالدهشة والإبهار. عندما يكتشف العلماء شيئًا جديدًا عن الكون، فإن هذا الإكتشاف غالبًا ما يُشبه سحرًا أو إعجازًا بسبب جماله وتعقيده. هذا الشعور بالإعجاب هو ما يدفع العلماء لمواصلة البحث.
هذا التحليل لا يضع العلم في مواجهة الإيمان، بل يدمج بينهما. بدلاً من أن يكون العلم عدوًا للروحانية، يصبح أداة لفهمها. العلم يُفسِّر كيف يعمل الكون، بينما الإيمان يمكن أن يجيب على سؤال لماذا يوجد الكون. هذا التكامل يفتح الفضاء أمام فهم أعمق للوجود. في هذا الإطار، يمكن أن يكون العلم هو محاولة متواضعة من الإنسان لفهم العقل الإلهي من خلال دراسة أعماله. كل إكتشاف علمي هو خطوة في فك شفرة التعويذة الإلهية التي أوجدت الكون.

_ التأمل ليس سلامًا داخليًا: هل الوعي هو القوة السحرية للتحكم بالواقع

هل الهدف النهائي من التأمل والوعي ليس مجرد فهم الذات، بل هو التحكم بالطاقة بطريقة كان يُعتقد في الماضي أنها من السحر؟ يغوص هذا السؤال في أعماق العلاقة بين الممارسات الروحية القديمة والفهم المعاصر للوعي والطاقة. هل التأمل مجرد وسيلة للسلام الداخلي، أم أنه أداة قوية للتحكم في الواقع المادي؟
في العديد من التقاليد الروحية، من البوذية إلى الهندوسية، لم يكن التأمل مجرد ممارسة للإسترخاء. بل كان يُنظر إليه على أنه بوابة للوصول إلى حالات وعي أعلى، حيث يمكن للفرد أن يدرك طبيعة الواقع بشكل أعمق. في هذه التقاليد، كان يُعتقد أن الواقع ليس مجرد مادة جامدة، بل هو نسيج من الطاقة الواعية. في التقاليد الشرقية، هناك مفاهيم مثل البرانا في الهندوسية و التشي في الطاوية التي تُعرّف على أنها طاقة الحياة الكونية. كان يُعتقد أن هذه الطاقة تتدفق في كل شيء، بما في ذلك الجسم البشري. كان هدف التأمل والوعي هو توجيه هذه الطاقة والتحكم فيها، مما يؤدي إلى الشفاء الذاتي، والقدرات الخارقة للطبيعة، وحتى التحرر من دورة الحياة والموت. التأمل العميق، في هذه التقاليد، يهدف إلى تحقيق حالة من الوحدة مع الكون، حيث يدرك الفرد أن وعيه الفردي ليس منفصلاً عن الوعي الكوني. في هذه الحالة، يمكنه أن يتلاعب بالطاقة الكونية بطرق قد تبدو سحرية من منظورنا المادي.
إذا كانت الطاقة هي أساس كل شيء، فإن الوعي هو المفتاح للتحكم فيها. في الماضي، كان أي فعل يتجاوز الفهم البشري يُصنّف على أنه سحر. لكن، هل يمكن أن يكون ما كان يُعرف بالسحر هو مجرد تطبيق لقوانين لم نفهمها بعد؟ على الرغم من أن الفيزياء الكمومية لا تدعم بشكل مباشر فكرة التحكم بالطاقة عن طريق الوعي، إلا أنها تفتح الباب أمام أسئلة حول طبيعة الواقع. تجربة الشق المزدوج، على سبيل المثال، تشير إلى أن الملاحظة (الوعي) يمكن أن تؤثر على سلوك الجسيمات دون الذرية. هذا لا يعني أن الوعي يخلق الواقع، ولكنه يثير تساؤلات حول العلاقة بين الملاحظ والملاحظ. العلم الحديث يعترف بوجود طاقات غير مرئية، مثل الموجات الكهرومغناطيسية التي تشكل الضوء، والراديو، و الأشعة السينية. هذه الطاقات كانت سحرية في الماضي لأن البشر لم يكن لديهم الأدوات اللازمة لقياسها. هل يمكن أن تكون الطاقة التي يتحدث عنها ممارسو التأمل هي شكل آخر من أشكال الطاقة التي لم نكتشفها بعد؟
إذا كان الهدف النهائي للتأمل هو التحكم بالطاقة، فهذا يغير تمامًا فهمنا لهذه الممارسة. لم يعد التأمل مجرد وسيلة لتحقيق السلام الداخلي، بل يصبح تدريبًا عقليًا لإتقان التحكم في الواقع. إذا كانت هذه القدرة حقيقية، فإنها تفرض مسؤولية أخلاقية كبيرة. كيف يمكننا إستخدام هذه القوة؟ هل يمكن أن تُستخدم للشفاء أو للدمار؟ هذا المفهوم يدعو إلى تكامل بين العلم والروحانية. بدلاً من أن يكونا متناقضين، يصبحان وجهين لعملة واحدة. العلم يبحث في قوانين الواقع من الخارج، بينما الوعي يدرسها من الداخل. في الختام، قد يكون التأمل هو محاولة الإنسان لإعادة إكتشاف سحر الخلق، وفهم آليات الواقع الأساسية من خلال وعيه الداخلي. ربما لم يكن السحر في الماضي مجرد خرافة، بل كان محاولة مبكرة وغير مكتملة لفهم قوانين الوعي و الطاقة.

_ الكون حاسوب عملاق: هل السحر هو البرمجة والعلم هو دراسة الأجهزة

إذا كان الكون يتألف من طاقة ووعي، فهل السحر هو محاولة للتفاعل المباشر مع هذا الوعي، بينما العلم هو دراسة للطاقة؟ هذا السؤال يقدم إطارًا فلسفيًا جذابًا لإعادة تعريف العلاقة بين السحر والعلم، بدلاً من إعتبارهما متناقضين. إذا كان الكون يتألف بالفعل من طاقة ووعي، فإن هذا التحليل يمنح كلًا من السحر والعلم دورًا فريدًا ومتكاملًا في فهم الواقع. من هذا المنظور، السحر ليس مجرد خرافة أو حيل بصرية، بل هو نظام معرفي يعتمد على مبدأ أن الوعي هو القوة الأساسية للتغيير. إذا كان الكون يمتلك شكلاً من أشكال الوعي، فإن السحر هو محاولة للتواصل مع هذا الوعي والتأثير عليه من الداخل. في الممارسات السحرية، يتم التركيز على النية و التركيز كأدوات أساسية. هذا يتوافق مع فكرة أن الوعي يمكنه توجيه الطاقة. الساحر لا يحاول تغيير الواقع بقوة مادية، بل يحاول تغيير وعي الواقع، مما يؤدي إلى تغييرات مادية. الطقوس والرموز السحرية ليست مجرد حركات عشوائية، بل هي لغة للتواصل مع الوعي الكوني. كل رمز و كلمة في الطقس مصممة لتوجيه الوعي البشري نحو هدف معين، مما يجعله يتناغم مع الوعي الكوني.
على الجانب الآخر، فإن العلم هو دراسة منهجية للطاقة و المادة. إنه يهدف إلى فهم القوانين التي تحكم العالم المادي، من الجسيمات دون الذرية إلى المجرات. العلم لا يتعامل مباشرة مع الوعي، بل يدرس آثاره ونتائجه. يعتمد العلم على القياس، والملاحظة، والتجريب للوصول إلى إستنتاجات. إنه لا يهتم بالنية أو الإيمان، بل بالبيانات القابلة للقياس و التكرار. هذه الطريقة أثبتت فعاليتها في بناء الحضارة الحديثة، من الكهرباء إلى الإنترنت. العلم يفترض أن القوانين الفيزيائية ثابتة ومستقرة، ولا يمكن تغييرها بالنية. على سبيل المثال، لا يمكنك جعل تفاحة تطفو في الهواء بمجرد التفكير في ذلك. ولكن، هذا لا يعني أن الوعي لا يؤثر على الواقع، بل يعني أنه يؤثر بطرق مختلفة وغير مباشرة.
في هذا الإطار الفلسفي، لا يوجد صراع بين العلم والسحر، بل هما وجهان لعملة واحدة. العلم يدرس الخارج (الطاقة)، بينما السحر يدرس الداخل (الوعي). يمكن أن يكون الوعي هو القوة التي توجه الطاقة في الكون. العلم يدرس كيف تتحرك الطاقة، بينما السحر يدرس كيف يمكن للوعي توجيهها. هذا يفسر لماذا يمكن أن تكون النتائج السحرية غير قابلة للتكرار في المختبر، لأنها تعتمد على حالة الوعي، و ليس على القوانين المادية وحدها. يمكننا أن نفكر في الكون كحاسوب عملاق. العلم يدرس أجهزة هذا الحاسوب، بينما السحر يدرس كيفية كتابة البرامج التي تشغله. هذه الفكرة تجد صدى في الفيزياء الكمومية، التي تشير إلى أن الملاحظة (الوعي) يمكن أن تؤثر على الواقع. هذا يشير إلى أن الوعي والطاقة ليسا منفصلين، بل هما مرتبطان بطريقة لا نفهمها بالكامل. في النهاية، هذا التحليل يقدم طريقة جديدة للتفكير في الوجود. العلم ليس مجرد مجموعة من القوانين، بل هو فهم لكيفية عمل الطاقة. السحر ليس مجرد خرافة، بل هو محاولة للتفاعل مع الوعي الكامن في كل شيء.

_ الواقع Matrix: العلم يفهم القواعد... والسحر يبحث عن الثغرات.

هل يمكن أن يكون ما نطلق عليه القوانين الكونية هو في الواقع نظام برمجي للواقع، و السحر هو إختراق لهذا النظام؟ نعم، يمكن تحليل القوانين الكونية على أنها نظام برمجي للواقع، و السحر هو محاولة لإختراق هذا النظام. هذا التشبيه يدمج بين الفيزياء، والفلسفة، وعلوم الحاسوب، ويقدم إطارًا جديدًا لفهم طبيعة الواقع. إذا نظرنا إلى الكون من منظور برمجي، فإن القوانين الفيزيائية مثل الجاذبية، و الكهرومغناطيسية، ومبادئ الديناميكا الحرارية لا تكون مجرد حقائق ثابتة، بل تكون بمثابة كود المصدر الذي يحدد كيفية عمل الواقع. هذه القوانين تُشبه التعليمات البرمجية التي تُنظِّم كل شيء، من حركة الكواكب إلى تفاعل الجسيمات دون الذرية. يمكن أن تُعتبر العمليات الكيميائية والفيزيائية خوارزميات كونية تُنتج الظواهر التي نلاحظها. على سبيل المثال، نمو شجرة من بذرة يمكن أن يُنظر إليه على أنه سلسلة من التعليمات البرمجية التي تُحدد كيفية تحول المادة والطاقة إلى بنية معقدة. هذا المفهوم يتماشى مع فكرة أن الكون قد يكون محاكاة حاسوبية. إذا كان الأمر كذلك، فإن القوانين الفيزيائية هي مجرد قواعد تم تصميمها داخل هذه المحاكاة لضمان عملها بشكل متسق.
إذا كان الكون نظامًا برمجيًا، فإن السحر يمكن أن يُنظر إليه على أنه إختراق لهذا النظام. الساحر لا يحاول تغيير الواقع بالإعتماد على القوانين الفيزيائية المعروفة، بل يحاول تجاوزها أو تغييرها مؤقتًا. هذا التشبيه يمنح السحر معنى جديدًا، حيث لم يعد مجرد خرافة، بل يصبح محاولة للوصول إلى الكود الأساسي للواقع. يُعتقد أن السحر يستغل ثغرات في النظام أو طرقًا سرية للوصول إلى البرمجة الأساسية. هذه الثغرات يمكن أن تكون مرتبطة بالوعي، و النية، والرموز، التي تعمل كـكلمات مرور أو أوامر لتغيير سير الأحداث. الطقوس والتعويذات السحرية يمكن أن تُعتبر لغة برمجة بدائية مصممة للتفاعل مع هذا النظام. الساحر لا يتفاعل مع المادة بشكل مباشر، بل مع البرنامج الذي يُنظّم المادة.
العلم والسحر، من هذا المنظور، يصبحان منهجين مختلفين تمامًا للتعامل مع الواقع. العلم يقوم على المبدأ دراسة القوانين المبرمجة. أما السحر يحاول تجاوز القوانين المبرمجة. هدف العلم هو فهم كيفية عمل النظام. هدف السحر تغيير عمل النظام. العلم يستعمل التجريب، القياس، التحليل. كأداة. السحر يستعمل الوعي، النية، الطقوس. العلم يستند في الأساس إلى قوانين مادية قابلة للتكرار. السحر يستند إلى قوى غير مادية وغير قابلة للتكرار. العلم يركز على فهم كود الواقع من الخارج، بينما السحر يحاول التلاعب به من الداخل. هذا لا يعني أن السحر يعمل بالضرورة، لكنه يقدم إطارًا فلسفيًا لفهم سبب إعتقاد الناس بقدرته. في الختام، هذا التشبيه يمنحنا منظورًا جديدًا حول علاقة العلم بالسحر. إنه يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول طبيعة الوجود؛ هل نحن مجرد شخصيات في لعبة كمبيوتر كونية، أم أننا نملك القدرة على برمجة واقعنا بأنفسنا؟

_ الحظ ليس سحرًا: هل وعيك هو مبرمج الإحتمالات الذي يصنع المصادفات

هل الحظ أو المصادفة هما في الحقيقة أشكال من السحر التي لا نفهمها، والتي يمكن للعقل الواعي توجيهها؟ لا، لا يمكننا القول إن الحظ و المصادفة هما أشكال من السحر، بل إن هذا التحليل الفلسفي يقدم وجهة نظر مختلفة حول كيفية تفاعل الوعي مع هذه المفاهيم. بدلًا من أن تكون قوى سحرية، يمكن أن يُنظر إلى الحظ و المصادفة على أنهما إحتمالات يمكن للعقل الواعي أن يتفاعل معها، وربما يؤثر عليها، بطرق غير مباشرة. من الناحية العلمية، الحظ و المصادفة هما مفاهيم إحصائية بحتة. هما نتيجة لتفاعل عدد كبير من المتغيرات التي لا يمكن التنبؤ بها. على سبيل المثال، فوزك باليانصيب ليس سحرًا، بل هو نتيجة لإحتمالية ضئيلة جدًا تحدث. العلم يرى أن هذه الأحداث غير المخطط لها هي ببساطة جزء من طبيعة الكون العشوائية. حتى في الأنظمة الفوضوية، هناك قوانين تحكمها. على سبيل المثال، تقلبات الطقس تبدو عشوائية، لكنها في الواقع تتبع قوانين الديناميكا الحرارية. هذا يتماشى مع فكرة أن الكون ليس سحريًا، بل هو معقد جدًا لدرجة أننا لا نستطيع فهم كل متغيراته.
هنا يأتي دور التحليل الفلسفي. إذا كان الوعي يمكنه التأثير على الواقع بشكل ما، فإن هذا التأثير قد لا يكون عبر تغيير القوانين الفيزيائية، بل عبر التفاعل مع الإحتمالات. يمكن أن يكون الوعي مثل مبرمج للإحتمالات، يوجهها نحو نتائج معينة. عندما تركز على هدف ما أو تتمنى حدوث شيء جيد، فإنك لا تغير القوانين الفيزيائية. ولكن، يمكن أن تكون نيتك الواعية هي القوة التي توجهك نحو الفرص التي قد لا تلاحظها بطريقة أخرى. على سبيل المثال، قد لا تجذب وظيفة أحلامك بقوة سحرية، ولكن تركيزك عليها قد يجعلك أكثر إنتباهًا للإعلانات أو الفرص التي تؤدي إلى الحصول عليها.
من هذا المنظور، لا يُعتبر الحظ سحرًا، ولكنه يُفسَّر على أنه نتيجة لتفاعل بين الوعي والواقع. السحر، في هذا الإطار، هو محاولة واعية لتوجيه هذه الإحتمالات. قد يكون هناك فرق بين الحظ السلبي والحظ الإيجابي. الحظ السلبي هو ببساطة نتيجة لأحداث عشوائية، بينما الحظ الإيجابي قد يكون نتيجة لتأثير غير مباشر لوعينا. ربما يكون الأشخاص المحظوظون هم أولئك الذين يتمتعون بوعي يوجههم نحو الفرص الإيجابية. هذا لا يعني أن الوعي يمكنه التحكم الكامل في الحظ، ولكن يعني أن له تأثيرًا عليه. إنها ليست قوة خارقة للطبيعة، بل هي القدرة على التفاعل مع القوانين غير المرئية التي تحكم الإحتمالات في الكون. في الختام، يمكن أن يكون الحظ والمصادفة هما مساحات رمادية في الواقع، حيث لا يمكن تفسيرهما بالكامل بالعلم وحده. يمكن أن يكون الوعي هو القوة التي تملأ هذه المساحات، وتتفاعل مع الإحتمالات بطريقة لا نفهمها بالكامل.

_ التزامن: هل هو وهم معرفي أم لغة سرية يتحدث بها الوعي الكوني؟

هل يمكن أن يكون التزامن (synchronicity)، أي المصادفات ذات المعنى، هو دليل على وجود قوى روحية أو سحرية تعمل خارج نطاق العلم المادي؟ يمكن أن يُنظر إلى التزامن (synchronicity) كدليل محتمل على وجود قوى روحية أو سحرية، لكن هذا التحليل يقع خارج إطار المنهج العلمي التقليدي. المفهوم يجمع بين الفلسفة، وعلم النفس، و بعض المفاهيم الميتافيزيقية، مما يجعله تحديًا لفهمنا المادي للواقع. مصطلح التزامن صاغه عالم النفس السويسري كارل يونغ لوصف المصادفات ذات المعنى. التزامن ليس مجرد مصادفة عادية، مثل مقابلة صديق في مكان غير متوقع. بل هو حدثان أو أكثر لا يوجد بينهما علاقة سببية (causal connection) واضحة، ولكنهما مرتبطان ببعضهما البعض من خلال المعنى الذي يحملانه للفرد. أشار يونغ إلى أن التزامن قد يكون ناتجًا عن اللاوعي الجماعي (collective unconscious)، وهو طبقة عميقة من العقل البشري مشتركة بين جميع الأفراد. يعتقد يونغ أن هذا اللاوعي يحتوي على نماذج أولية (archetypes) كونية، وأن التزامن هو وسيلة لظهور هذه النماذج في الواقع المادي. التزامن يشير إلى أن هناك رابطًا بين العقل البشري و الواقع الخارجي. هذا الرابط ليس سببيًا، بل هو رابط ذو معنى. هذا يتجاوز فهمنا المادي للواقع، الذي يعتمد على أن الأحداث تحدث فقط بسبب علاقات سببية واضحة.
العلم السائد يرى أن التزامن هو مجرد وهم معرفي (cognitive bias). يرى العلماء أن البشر يميلون إلى البحث عن الأنماط والمعنى في الأحداث العشوائية. عندما تحدث مصادفة ذات معنى، فإننا نوليها إهتمامًا كبيرًا، بينما نتجاهل آلاف المصادفات التي لا تحمل أي معنى. في المقابل، ترى التقاليد الروحية والسحرية أن التزامن هو دليل على وجود قوى خفية أو ذكاء كوني يعمل في الكون. من هذا المنظور، فإن التزامن ليس وهمًا، بل هو رسالة أو إشارة من الكون. يعتقد بعض ممارسي السحر أنهم يمكنهم إستخدام تقنيات معينة مثل التأمل والتركيز لزيادة إحتمالية حدوث التزامن، مما يدل على أنهم يتفاعلون مع هذه القوى.
يمكننا أن نعتبر التزامن بمثابة لغة يتحدث بها الوعي الكوني مع الوعي البشري. هذه اللغة لا تستخدم الكلمات أو الأفعال المباشرة، بل تستخدم المصادفات ذات المعنى. إذا كان الكون يتألف من طاقة ووعي، كما يشير بعض التحليلات الفلسفية، فإن التزامن قد يكون دليلًا على تفاعل هذين البعدين. الوعي البشري لا يقتصر على الدماغ، بل هو جزء من شبكة كونية من الوعي. التزامن هو تجلي لهذا الإرتباط. في كثير من الأحيان، يرتبط التزامن بالرؤى و الحدس. عندما يفكر شخص في صديق لم يره منذ سنوات، ويقابله في نفس اللحظة، فإن هذا يمكن أن يكون ناتجًا عن الحدس، وليس مجرد صدفة. هذا يشير إلى أن الوعي يمكنه معرفة أشياء تتجاوز الحواس الخمس. في الختام، لا يمكن للعلم أن يثبت أو ينفي وجود التزامن كقوة روحية، لأنه يقع خارج نطاق أدواته. لكن فلسفيًا، يمكن أن يُنظر إليه على أنه نافذة على أبعاد أعمق للواقع، حيث يتشابك العقل البشري مع الكون بطرق لا نفهمها بالكامل.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- الْفَلْسَفَةِ وَالسِّحْر: قِرَاءَةٍ فِي تَارِيخِ عَلَاقَة ال ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الس ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الْ ...
- مِنْ سِحْرِ السَّيْطَرَة إلَى دِينِ الخُضُوعِ -الْجُزْءُ الر ...


المزيد.....




- كيف انتقلت من كونك قائدًا معارضًا لجزء من حكومة سوريا؟ الشيب ...
- مصر.. جدل بسبب طماطم -القلب الأبيض- والحكومة تقدم تفسيرًا عل ...
- غموض فوق المتوسط.. تقارير عن مسيّرات تركية تراقب -أسطول الصم ...
- لقاء ترامب - نتانياهو: ما مدى جدية خطة إنهاء حرب غزة هذه الم ...
- عاجل: قتيل وعدة إصابات بإطلاق نار وحريق داخل كنيسة في ولاية ...
- ترامب يلمح إلى -شيء لافت- في محادثات غزة وعاهل الأردن يتحدث ...
- وسط توتر مع الأطلسي ...روسيا تهاجم أوكرانيا بمئات المسيرات و ...
- شاهد.. قوة قسامية تقتحم موقعا عسكريا إسرائيليا بخان يونس
- رمضان 2026.. الدراما السورية تتحضر بخلطة من الإثارة والتراث ...
- نجاحها مذهل.. هل تهدد منصة -سبستاك- وسائل الإعلام التقليدية؟ ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الثَّانِي عَشَرَ-