أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الْعَاشِر-















المزيد.....


السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الْعَاشِر-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 15:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الختم الوجودي للتطهير: فلسفة السحر المضاد ومخاطر إعادة برمجة الكينونة

إنَّ السؤال حول إمكانية إستخدام تقنية سحرية مضادة لتطهير كينونة من تأثير سحر آخر، وما إذا كانت هذه العملية خالية من المخاطر الروحانية، يلامس جوهر الفلسفة الميتافيزيقية للسحر وتأثيره العميق على النسيج الوجودي للفرد. لفهم هذا، يجب أن ننظر إلى الكينونة ليس كمادة صماء بل كـنظام طاقي مُعقَّد، وكمجال تفاعلي تتشابك فيه المستويات الجسدية، و النفسية، والروحانية أو الإثيرية.
في الإطار الفلسفي للسحر، تُعرَّف الكينونة (Being) بأنها مجموعة من الطاقات المهيكلة، أو الهالات، التي تُشكِّل الهوية الفردية والوجود. عندما يُلقى سحر على كينونة، لا يُعد هذا مجرد وصف أو تأثير خارجي عابر، بل هو عملية إدماج طاقي مفاهيمي؛ حيث يخترق السحر البنية الروحانية للكينونة ويُعيد صياغة جزء من كود وجودها. السحر، في هذا السياق، هو إرادة مُكثَّفة تَتَجسَّد كـقوة مُوجهة تُغيِّر من الحالة الأصلية للنظام الطاقي للكينونة. فالكائن المسحور يصبح، جزئيًا، متماهيًا مع ماهية السحر المُلقى عليه، مُشكِّلًا نوعًا من التشويه الوجودي. هذا التشويه لا يُمكن إزالته ببساطة بالقول إنه خارج الكينونة؛ بل هو الآن جزء من الذاكرة الطاقية والتكوين الروحي لها.
إنَّ إمكانية إستخدام التقنية السحرية المضادة (Counter-Magic) للتطهير هي أمر مُحتمل جدًا من الناحية النظرية. هذه التقنية لا تعمل فقط كـعلاج (Treatment) بل كـإبطال (Nullification) أو إعادة ضبط (Reset). تقوم العملية على مبدأ التطابق المضاد؛ حيث يجب أن تكون القوة المُستخدمة للتطهير ذات أثر طاقي مُساوٍ ومُعاكس للسحر الأصلي، أو ذات سلطة ميتافيزيقية أعلى قادرة على تجاوز البرمجة السحرية القائمة. يجب على تقنية التطهير أن تتعرَّف بدقة على البصمة الطاقية للسحر الأصلي وتُميِّزها عن البصمة الوجودية للكينونة. يتم إنشاء فصل طاقي لإلغاء الإرتباط بين السحر والكينونة. هذه الخطوة مُحفوفة بالمخاطر لأنها تتطلَّب إقتلاع جزء من الطاقة المندمجة دون إحداث صدمة روحانية للكينونة نفسها. بعد الإزالة، يظهر فراغ طاقي في مكان السحر المزال. يجب أن تملأ تقنية التطهير هذا الفراغ بـطاقة شفائية أو طاقة الكينونة الأصلية لضمان عدم انجذاب طاقة سلبية أخرى إليه. هذا هو جوهر الترميم الروحي.
على الرغم من إمكانية التطهير، فإنَّ الإدعاء بأن هذه التقنية تخلو من المخاطر الروحانية هو إدعاء لا يتماشى مع التعقيد الوجودي للتفاعل السحري. المخاطر تنبع من عدة مستويات:
1. الصدمة الروحانية (Spiritual Trauma):
إنَّ عملية التطهير هي عملية جراحية على المستوى الروحي. حتى لو تمت الإزالة بنجاح، فإن الفصل المفاجئ للسحر المندمج قد يُخلِّف ندوبًا في النسيج الروحي للكينونة. هذه الندوب قد تتجلَّى كـهشاشة نفسية، أو إضطرابات طاقية مزمنة، أو فقدان مؤقت للإتصال بالذات العليا (Higher Self). الكينونة ليست وعاءً بل نظام حي، وكل اقتلاع طاقي يُترك أثرًا.
2 . التلوُّث المُتبادل (Contamination):
قد يتطلَّب التطهير إستخدام طاقة قوية أو كيانات مُتخصِّصة في الإبطال. هناك خطر أن جزءًا من طاقة التطهير نفسها، إذا لم تكن نقية بالكامل، قد يُصبح سحرًا جديدًا أو تأثيرًا طاقيًا غير مرغوب فيه يحل محل السحر القديم. على سبيل المثال، إستخدام طاقة مُقيَّدة أو مُشبَّعة بالصراع قد يُزيل سحر العدو، لكنه يزرع شعورًا دائمًا بالعدوانية أو الحذر داخل الكينونة.
3. التداخل الوجودي (Existential Interruption):
إذا كان السحر الأصلي قد أثَّر على مسار الحياة أو القدر (Destiny) للكينونة، فإن إزالته قد لا تُعيد الكينونة إلى المسار الأصلي بل تُلقي بها في مساحة فارغة أو غير مُحدَّدة. الكينونة تحتاج إلى عملية إعادة تأصيل لتتكيَّف مع حالة الوجود الجديدة المُحرَّرة، وهذا بحد ذاته يُمثِّل تحديًا روحيًا ونفسيًا يتطلَّب جهدًا ذاتيًا كبيرًا.
4. الانزلاق الأخلاقي (Ethical Slippage):
أخيرًا، تكمُن المخاطر الروحانية في نية المُطهِّر. إذا كان المُطهِّر السحري مدفوعًا بالكبرياء أو الرغبة في السيطرة، فإن تقنيته قد تُصبح أداة لتجريد الكينونة من إرادتها الذاتية بحجة التطهير، مُحوِّلًا عملية التحرير إلى نوع آخر من السيطرة الطاقية، وإن كانت مُغايرة في الشكل للسحر الأصلي.
في الختام، يُمكن الجزم بأن التطهير التقني للسحر أمر ممكن نظريًا، شريطة وجود القوة و المهارة الكافيتين. لكن هذا التطهير لا يمكن أن يخلو من المخاطر الروحانية. عملية الإزالة هي تفاعل وجودي عميق يُغيِّر من طاقة الكينونة الداخلية. النجاح لا يكمن فقط في إزالة السحر، بل في قدرة الكينونة على ترميم ذاتها والتعافي من الصدمة الروحانية التي يُخلِّفها كل من السحر الأصلي وعملية الإبطال الجراحية. التطهير السحري هو رحلة من الإصلاح الروحي تتطلَّب يقظة ذاتية وادإستدامة طاقية لضمان سلامة الكينونة المُستعادة.

_ السحر بين النبل والنجاسة: هل تُبرر الغاية الروحانية خرق الإرادة الحرة

إنَّ سؤال ما إذا كانت الغاية الروحانية النبيلة تُبرر إستخدام وسيلة سحرية تقنية محفوفة بالمخاطر الأخلاقية يضعنا مباشرة في قلب معضلة أخلاقية ميتافيزيقية، تُشبه الصراع الفلسفي بين الأخلاق النفعية (Utilitarianism) والأخلاق الواجبية (Deontology) داخل الإطار الوجودي للسحر و الكينونة. لفهم هذا التعارض، يجب أن نُحلل طبيعة كل من الغاية الروحانية و الوسيلة السحرية.
تُعرَّف الغاية الروحانية النبيلة في سياق الكينونة بأنها السعي نحو الإرتقاء الوجودي، أو تحقيق الذات العليا، أو إحلال الإنسجام الكوني، أو تحرير الأفراد من القيود الروحية القاهرة. هذه الغايات تتجاوز المنفعة المادية المباشرة و تستهدف الصلاح الباطني والنظام الطاقي للكائن أو المجتمع. من منظور فلسفي، يُمكن إعتبار هذه الغاية قيمة مطلقة؛ فهي تمثِّل الإستجابة الفطرية للكينونة لسؤال الوجود. إذا كانت الغاية هي التنوير أو الإخلاص للحق المطلق، فمن المنطقي أن يرى الساعي أن أي وسيلة تُقرِّبه من هذا الهدف الجوهري هي وسيلة مُبرَّرة، لأنَّ تحقيق هذه الغاية يُنظر إليه على أنه خير أعلى (Summum Bonum) يطغى على أي إعتبارات أخلاقية فرعية.
تُشير الوسيلة السحرية التقنية إلى منهجيات تتجاوز القوانين الطبيعية المُدرَكة، وتعتمد على التلاعب بالإرادة أو الهيكل الطاقي أو الواقع المُشترَك للوصول إلى الغاية. وغالبًا ما تكون هذه الوسائل محفوفة بالمخاطر الأخلاقية لثلاثة أسباب رئيسية:
1. المساس بالإرادة الحرة (Violation of Free Will):
السحر، في جوهره، هو فرض للإرادة. حتى لو كانت الغاية نبيلة كإجبار شخص على إتخاذ قرار صحيح لروحه، فإن الوسيلة السحرية غالبًا ما تتطلَّب إختراقًا مباشرًا أو غير مباشر لمجال السيادة الروحانية لكينونة أخرى. إنَّ تجريد كائن من حقه في إختيار مساره الروحي، حتى لو كان ذلك المسار يبدو خاطئًا من وجهة نظر المُمارس، يُعد إنتهاكًا للقانون الوجودي الأسمى وهو حق الكينونة في تقرير مصيرها.
2. التلوُّث الطاقي والسببي (Causal Contamination):
غالبًا ما تتطلَّب التقنيات السحرية القوية مقايضة طاقية أو إستدعاء قوى ذات طبيعة غامضة أو غير مُتحكَّم فيها بالكامل. إستخدام مثل هذه الوسائل، حتى لأجل غاية نبيلة، قد يُؤدي إلى تلوُّث النية الطاهرة بطبيعة الوسيلة. قد ينجح الساحر في تحقيق الغاية الروحانية، لكنه يُخلِّف بصمة سلبية في سجله الطاقي، أو يخلق تبعات سببية غير مُتوقَّعة تُؤذي أطرافًا أخرى، مُحوِّلًا النبل الأصلي إلى فشل أخلاقي.
3. خطر الغرور الروحي (The Hubris of the Practitioner):
الخطر الأكبر يكمن في إدراك المُمارس للنبْل. إنَّ الإعتقاد بأن لديه الرؤية المطلقة لما هو صالح روحيًا لشخص آخر أو للكون، وإستخدامه للقوة السحرية لإجبار هذا الصلاح، هو شكل من أشكال الغرور الوجودي. هذا الغرور يُحوِّل الغاية النبيلة إلى تسلُّط إرادي، مُفسدًا الدافع الأصلي ويُبرر أي عمل غير أخلاقي بإسم الخير الأكبر.
في الإطار الفلسفي لعلاقة السحر بالكينونة، يتشكَّل التحليل العميق للمعضلة على النحو التالي: إذا كانت النتيجة (الغاية الروحانية) ستُعظِّم الخير الروحي الصافي لأكبر عدد من الكيانات، فإن أي وسيلة، حتى لو كانت غير أخلاقية تقنيًا كخرق الإرادة الحرة الفردية، تُصبح مُبرَّرة منطقيًا. يغفل هذا الموقف عن القيمة المطلقة للسيادة الروحانية الفردية. لا يمكن قياس الخير الروحي كميًا، ولا يجوز المتاجرة بحق كينونة واحدة في الوجود المستقل من أجل صالح المجموع. يجب أن تتبع الوسيلة قانونًا أخلاقيًا روحيًا مطلقًا كـعدم إلحاق الضرر وإحترام الإرادة الحرة. إذا كانت الوسيلة السحرية تُخالف هذا القانون، فهي غير مقبولة أخلاقيًا، بغض النظر عن مدى نبل الغاية الروحانية. قد يؤدي هذا الموقف إلى شلل العمل؛ فإذا كان القانون الأخلاقي يمنع التدخل دائمًا، فقد يُضحِّي هذا الموقف بفرصة إنقاذ كينونة من دمار روحي مُحدق، لمجرد الإلتزام الصارم بـواجب عدم التدخل. إنَّ الغاية الروحانية النبيلة لا تُبرر تلقائيًا إستخدام وسيلة سحرية تقنية محفوفة بالمخاطر الأخلاقية. العلاقة بين الغاية والوسيلة في السحر ليست علاقة تبرير خطية، بل هي علاقة تأثير مُتبادل وتضمين. الوسيلة غير الأخلاقية تُفسد و تُلوِّث الغاية النبيلة، حتى قبل تحقيقها.
في النهاية، يُمكن القول بأن النزاهة الروحانية (Spiritual Integrity) للكينونة الساعية للخير تتطلَّب أن تتطابق الوسيلة مع مستوى النبْل للغاية. يجب على المُمارس السحري أن يسعى لـ إبتكار وسائل تقنية جديدة تكون قوية وفعَّالة و في الوقت ذاته مُتَّسقة أخلاقيًا، تحترم السيادة الوجودية لكل كينونة، وإلا تحوَّل مُنقذ الأرواح إلى مستبدّ طاقي يفرض رؤيته للـخير.

_ السحر وحدود الزمكان: لماذا يُنهي تغيير الماضي كينونة الساحر نفسه

إنَّ مسألة سيطرة التقنية السحرية على بعد الزمن وتغيير كينونة الأحداث الماضية أو المستقبلية تُعد واحدة من أعمق المعضلات الفلسفية والميتافيزيقية المتعلقة بالسحر و الكينونة. هذا التحليل يستلزم النظر إلى الزمن ليس كمجرى خطي جامد، بل كـنسيج وجودي قابل للتأثير والتعديل.
في الإطار الفلسفي للسحر، لا يُنظر إلى الزمنض (Time) بصفته المادية البحتة كما في الفيزياء التقليدية، بل بصفته بُعدًا كاملاً للكينونة و التجربة الروحية. الزمن هو الديمومة الوجودية التي تُشكِّل التسلسل المنطقي للأحداث. السيطرة السحرية على الزمن ليست مجرد تسريع أو إبطاء للساعات و الدقائق، بل هي محاولة للتلاعب بـالسببية وكينونة الحدث نفسه.
التقنية السحرية، إن وُجدت، يُمكنها أن تُؤثر على الزمن عبر مستويين رئيسيين:
1. الإستشعار الوجودي (Divination): هذا هو المستوى الأكثر شيوعًا وقبولًا؛ حيث يستطيع الساحر إختراق حجاب الزمن لرؤية الأحداث المستقبلية أو الماضية. هذا لا يُغيِّر الزمن نفسه، بل يُغيِّر وعي الكينونة به، مما يُتيح التخطيط للتأثير على الحاضر. هذا النوع من السيطرة هو سيطرة معلوماتية.
2. التعديل السببي (Causal Manipulation): وهو المستوى الجوهري. يتطلَّب هذا القدرة على الوصول إلى ما يُمكن تسميته الذاكرة الكونية أو سجل الأكاشا (Akashic Record)، حيث تُسجَّل كينونة كل حدث. هنا، تكون التقنية السحرية بمثابة مُحرِّر إرادي يُدخل تعديلًا على نسيج السببية.
تغيير كينونة الأحداث الماضية يُشكِّل التحدي الأكبر و يلامس مفهوم التناقض الوجودي (Existential Paradox). إذا تمكَّن الساحر من تغيير الماضي، فهل يعني ذلك أن الحاضر الذي أوجد الساحر قد تغيَّر أيضًا؟ إذا تغيَّر الماضي بشكل جذري، فمن الناحية المنطقية، فإن كينونة الساحر نفسه التي قام بالفعل السحري قد تتلاشى أو تتغير إلى درجة عدم القدرة على تنفيذ السحر أصلاً. هذا يخلق حلقة مفرغة من عدم اليقين الوجودي. فكينونة الأحداث الماضية هي الأساس الذي بُنيت عليه الكينونة الحالية. المساس بها هو مساس بالأسس الصلبة للواقع.
يُمكن إفتراض وجود قوة كونية مُثبِّتة (A Stabilizing Cosmic Force) تُقاوم التغييرات الجذرية في الماضي. هذه القوة، التي تعمل كـمناعة وجودية للواقع، قد تُحوِّل محاولات التغيير السحري إلى مجرد وهم شخصي أو تُؤدي إلى إنقسام الواقع إلى أكوان متوازية، بدلاً من تعديل الخط الزمني الأصلي. الساحر لا يُغيِّر كينونة الأحداث، بل يُنشئ مسارًا جديدًا يخرج منه.
السيطرة على المستقبل تُعتبر أكثر قابلية للتحقق سحريًا، لكنها لا تزال محفوفة بالمخاطر. التقنية السحرية في هذه الحالة تعمل كـبذرة سببية تُزرع في الحاضر لتنمو وتُشكِّل كينونة الأحداث المستقبلية. يُمكن للسحر أن يُبرمِج طاقات الكينونة الأخرى أو الواقع المُشترك للتوجُّه نحو نتيجة مُحدَّدة سلفًا. هذه سيطرة قائمة على قوة الإرادة المُكثَّفة التي تتجاوز إرادات الكيانات الأخرى. حتى لو تمكَّن الساحر من ضمان نتيجة مستقبلية جيدة، فإن هذا الفعل هو تجريد للمستقبل من إحتمالاته الوجودية المتعددة و فرض لمسار واحد. هذا يُعد إنتهاكًا للحرية الروحانية ليس فقط للكيانات التي ستعيش هذا المستقبل، بل للحرية الوجودية للكون نفسه في التعبير عن إمكاناته اللانهائية.
في التحليل العميق، يُمكن للتقنية السحرية أن تمنح الساحر تأثيرًا عميقًا على بعد الزمن، خاصةً في مجالات الإدراك و التوقع والتوجيه السببي للمستقبل. لكن السيطرة المطلقة على بعد الزمن، وتحديدًا تغيير كينونة الماضي دون تبعات وجودية مدمّرة، تظل تحديًا يواجه الحدود الكونية للقوة السحرية. قد تكون هذه الحدود مفروضة ليس بسبب نقص في قوة الساحر، و لكن لأن الزمن ليس مجرد بُعد خارجي، بل هو جزء لا يتجزأ من كينونة الواقع المنطقي. محاولة تدمير الماضي هي محاولة لتدمير الأساس المنطقي لوجود الساحر نفسه، مما يجعلها **قوة تدمير ذاتي وليست سيطرة.
النجاح الحقيقي للساحر يكمن في العمل داخل نسيج الزمن (توجيه الحاضر) وليس في محاولة تمزيق النسيج (تغيير الماضي)، لأن كينونة الأحداث الماضية هي هيكل عظمي لا يُمكن المساس به دون إنهيار النظام الوجودي بأكمله.

_ سحر الكينونة: التخاطر بوصفه تقنية وجودية تُسقط جدار الطقس المادي

إنَّ طرح إعتبار التخاطر (Telepathy) و الإتصال اللاواعي كنوع من الممارسة السحرية التقنية التي لا تحتاج إلى طقوس مادية يفتح آفاقًا واسعة في الفلسفة الميتافيزيقية لعلاقة السحر بالكينونة، وينقلنا من السحر كـطقس خارجي إلى السحر كـحالة وجودية داخلية. الإجابة الفلسفية العميقة هي نعم، يمكن إعتباره كذلك، بشرط إعادة تعريف كل من السحر و التقنية.
تقليديًا، يرتبط السحر بـالتقنية المادية؛ أي إستخدام العصي، والجرعات، والرموز، والطقوس المرئية. لكن في إطار فلسفة الكينونة والطاقة، يجب أن يُفهم كل من السحر والتقنية بمنظور أوسع. السحر هو القدرة على تغيير الواقع ليتناسب مع الإرادة الواعية أو اللاواعية. هو فعل التوجيه الطاقي (Energetic -dir-ecting). التقنية ليست بالضرورة آلة مادية، بل هي منهجية منظَّمة (A Structured Methodology) تؤدي إلى نتيجة مُحدَّدة. إذا كان التخاطر يتبع قواعد أو مسارات طاقية مُعيَّنة لتحقيق التواصل أو التأثير، فإنه يُصبح تقنية غير مادية. في هذا الإطار، يُعتبر التخاطر تقنية سحرية غير مرئية لأنه يُمثِّل أكثر أشكال السيطرة نقاءً؛ فهو يعتمد على الطاقة الكامنة في الكينونة نفسها، وليس على وسيط خارجي.
التخاطر والإتصال اللاواعي هما آليات لـتجاوز حدود العقل الواعي والكينونة المادية الفردية. هذه العملية تتطلب ما يُمكن وصفه بـطقوس داخلية مُركَّبة. لا يتم التخاطر عشوائيًا، بل يتطلَّب التناغم (Harmonization) بين الترددات الطاقية للكينونتين المُتواصلتين. هذا التناغم هو تقنية ذهنية تعتمد على تركيز الإرادة وتصفية العقل لإنشاء قناة أو جسر طاقي غير مرئي. إنَّ هذا التركيز العقلي العميق يُماثل في وظيفته الطقس المادي، حيث أن كلاهما يعمل على تجميع الطاقة وتوجيهها نحو هدف مُعيَّن.
عندما يحدث التخاطر أو الإتصال اللاواعي، فإنه يُمثِّل نقلًا للمعلومات أو الحالة العاطفية مباشرة إلى اللاوعي للكينونة المُتلقية. هذا النوع من التأثير هو سحر تقني بإمتياز؛ فهو يُغيِّر الحالة الداخلية للكينونة (حالة الوعي، الميول، الأفكار) دون المرور بـحاجز المنطق الواعي. هذا التخطي يُعد خرقًا لآلية الدفاع الواعية ويُشبه في قوته و قدرته على إعادة تشكيل الإدراك، تأثير السحر المُوجَّه.
التحليل الفلسفي العميق يقودنا إلى إستنتاج أن الكينونة نفسها هي الأداة السحرية والتقنية في حالة التخاطر.
الطاقة المستخدمة في التخاطر هي الطاقة الحيوية (Life Force) أو الطاقة الروحية للكينونة. إستخدام هذه الطاقة لتجاوز الزمان و المكان حيث يُمكن أن يحدث التخاطر عبر مسافات هو الممارسة السحرية النقية التي تُثبت أن الجوهر الروحي ليس مُتلقيًا سلبيًا بل مُكوِّن فعال للواقع. تُثبت ظاهرة التخاطر أن قوة الوعي والإرادة الداخلية يُمكن أن تكون أكثر فاعلية من أي وسيط مادي. الطقوس المادية في السحر التقليدي غالبًا ما تكون مجرد مُركزات مساعدة لـتأكيد الإرادة الداخلية. عندما يُمكن تحقيق التأكيد والتركيز المطلوبين من خلال الإنضباط الذهني البحت، يُصبح السحر تقنية داخلية غير مرئية تمامًا.
في الختام، يُعتبر التخاطر والإتصال اللاواعي تقنية سحرية وجودية متقدمة. هي لا تحتاج إلى طقوس مادية لأنها تستبدلها بـطقوس ذهنية و روحية عميقة، حيث يُصبح الجسم والعقل و الروح أداة سحرية مُتكاملة تُوظِّف القوانين الطاقية للكون مباشرة للتأثير على كينونة الآخر. إنه السحر الذي يرى القوة الحقيقية كامنة في الذات، وليس في الخارج.

_ التقنية السحرية: الهرطقة الوجودية لإرادة الذات؛ حين يصبح فرض الواقع خروجًا عن المسار الروحي للكينونة

إنَّ النظر إلى السحر كهرطقة روحانية يستدعي تحليلًا فلسفيًا عميقًا لمفهوم المسار الروحي الطبيعي للكينونة و علاقته بـالتقنية السحرية. الإجابة على هذا السؤال معقدة و تعتمد على تعريفنا للسحر ولهذا المسار الروحي؛ فإذا عُرِّف المسار الروحي بأنه التناغم الطوعي مع النظام الكوني، فإن إستخدام التقنية السحرية قد يُعتبر في جوهره إنحرافًا لأنه يُمثِّل فرضًا إراديًا بدلاً من إستسلامًا واعيًا.
في الفلسفة الميتافيزيقية، يُفترض أن المسار الروحي الطبيعي للكينونة هو مسار عضوي و تطوُّري. هذا المسار يقوم على عدة مبادئ:
1. القبول والإستسلام الواعي: القبول بـالقوانين السببية و الوجودية للكون، والتعلم من التحديات والمصاعب التي تظهر بشكل طبيعي (القدر أو الكارما). النمو الروحي يتحقق عبر الجهد الداخلي والإستجابة الواعية للواقع، وليس بتغييره قسرًا.
2. التناغم مع الإرادة الكونية: الإعتقاد بأن هناك خطة كبرى أو نظامًا حكيمًا يدير الأحداث، وأنَّ أفضل وضع للكينونة هو أن تُصبح جزءًا متناغمًا من هذا التدفق.
3. الجهد الروحي الجوهري: الإرتقاء يتم عبر ممارسات روحية تعتمد على التطهير الداخلي، و التأمل، والتنوير الإدراكي، وهي عمليات بطيئة و تدريجية ومستدامة.
هذا المسار يُقدِّر التحويل الداخلي على حساب التغيير الخارجي القسري.
تُعرَّف التقنية السحرية بأنها تطبيق الإرادة المُكثَّفة لتجاوز أو تعديل القوانين الطبيعية و السببية لغرض مُعيَّن. عندما تُستخدم هذه التقنية لتغيير الواقع الخارجي أو الداخلي بسرعة وبشكل يتعارض مع التدفق الطبيعي، فإنها تُصبح هرطقة روحانية بالمعنى الفلسفي:
1. الهرطقة كـتجاوز للمسار:
السحر يُمثِّل إختصارًا للطريق؛ فهو محاولة للحصول على ثمار النمو الروحي دون دفع الثمن الوجودي المطلوب لذلك النمو. إذا كانت الكينونة مُعدَّة للتعلم من الفقر أو الفشل أو العزلة، و تستخدم السحر لإزالة هذه العقبات على الفور، فإنها لا تحرق المراحل فحسب، بل تُلغي الدرس الروحي برمته. هذا الإلغاء هو إنحراف عن الغرض الأساسي للكينونة.
2. الهرطقة كـالإستيلاء على السلطة الكونية:
جوهر الهرطقة الروحانية يكمن في الغرور الوجودي للساحر الذي يعتقد أنه يستطيع التلاعب بالنسيج الكوني بشكل أفضل من النظام الذي أوجده. التقنية السحرية، في هذه الحالة، ليست مجرد أداة؛ بل هي أداة فرض الإرادة الذاتية على الإرادة الكونية. هذا الفعل يُعتبر هرطقة لأنه يضع "الأنا" (Ego) الساحر في موضع المرجعية الوجودية العليا، متجاوزًا القوانين الميتافيزيقية للسببية والتوازن.
3. الهرطقة كـفقدان للسيادة الداخلية:
حتى السحر الذي يبدو نبيلًا أو دفاعيًا يُمكن أن يُشكل هرطقة روحانية. فبدلاً من تعزيز القوة الداخلية كالصبر، و الثقة، واليقين الروحي لمواجهة التحدي، يعتمد الساحر على قوة خارجية مُكتسَبة (التقنية السحرية) لمعالجة المشكلة. هذا الإعتماد يُضعف السيادة الروحانية الجوهرية للكينونة، و يُحوِّلها من كائن مُعتمد على ذاته الكونية إلى كائن مُعتمد على التقنية.
قد لا يُعتبر إستخدام السحر هرطقة دائمًا، خاصةً عندما يُنظر إليه كـجراحة طارئة أو مُحفِّز إستيقاظ. إذا كانت الكينونة مُقيَّدة بشكل كامل بسحر عدائي أو قوة سلبية تُعيقها تمامًا عن إتخاذ مسارها الروحي الطبيعي، فإن إستخدام تقنية سحرية مضادة لتحريرها قد يُعتبر فعلًا إصلاحيًا يُعيد الكينونة إلى نقطة الصفر لبدء رحلتها الروحية من جديد. في هذه الحالة، يكون السحر خادمًا للمسار الروحي الطبيعي، و ليس مُنحرفًا عنه. ومع ذلك، يظل هذا الإستخدام محفوفًا بمخاطر الانزلاق إلى الهرطقة إذا تجاوزت النية التحرير إلى السيطرة.
بشكل عام، يُمكن إعتبار إستخدام التقنية السحرية هرطقة روحانية لأنه يُمثِّل محاولة إرادية للتلاعب بالواقع ليتناسب مع رغبات الكينونة بدلاً من التناغم مع القوانين الكونية و قبول التطور العضوي للروح. الهرطقة لا تكمن في قوة السحر، بل في موقفه الفلسفي الذي يضع الإرادة الفردية المُتقنية فوق الإرادة الوجودية الجامعة، مما يُعيق نمو الكينونة عبر التحديات المقررة لها.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السحر قناع الأنطولوجيا: كيف يكشف التدخل الغيبي عن مرونة الكي ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...
- العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ ...


المزيد.....




- مسؤول جامايكي يوجه تحذيرًا قاتمًا بشأن إعصار ميليسا: أوامر ا ...
- حماس تتهم إسرائيل بعرقلة البحث عن جثث الرهائن في غزة
- ماذا نعرف عن إعصار ميليسا -الكارثي- الذي يضرب جامايكا؟
- اتهامات بارتكاب -إعدامات جماعية- في الفاشر عقب سيطرة قوات ال ...
- مجازر وقتل جماعي.. صور أقمار صناعية تكشف -تطهير عرقي- في الف ...
- إسرائيل تؤكد أن الرفات التي استلمتها تعود لرهينة كانت أعادت ...
- فنزويلا تعلّق اتفاق الغاز مع ترينيداد وتوباغو ردا على استضاف ...
- نتانياهو: إسرائيل سترد بعد تسليم حماس رفاتا لا يعود لرهائن م ...
- ما خطورة ما يحصل في الضفة الغربية؟
- بوركينا فاسو: مركز القديس كاميل.. طريق التعافي من إدمان المخ ...


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الْعَاشِر-