|
|
كتاب -غزة ليست فقط قصة حب أخرى- حسن يافا
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 02:31
المحور:
الادب والفن
تفاعل الفلسطينيين والعرب مع مقتلة غزة، يشير إلى وجود من يقول: لا، وبصوت عال، خاصة إذا جاءت "لا" من خلال الأدب، الذي يبقيها مدوية وخالدة إلى يوم يبعثون، "حسن يافا" يعود بنا إلى الأدب الملتزم بقضايا الأمة، فالكاتب يوثق جرائم الاحتلال وبطولات الفلسطيني، من هنا نجده يتوقف عند محطات وأحداث وشخصيات بارزة: "الطبيب خالد البرش، الدكتورة آلاء النجار، الصحفية فاطمة حسونة، شرين أبو عقلة، المناضل وائل البرغوثي" وكما يتوقف عند بعض العائلات التي أبيدت على يد جنود الاحتلال. الاحتلال الاحتلال أكبر شر على الأرض، على البشر، فالاحتلال عبر التاريخ يحمل المعاناة والألم والقتل والتشرد والاغتصاب والسلب، وبما أننا أمام احتلال استيطاني فهذه يعني تجميع أكثر من شر، لأنه متعلق باحتلال الأرض والسيطرة عليها، ومحو/ إزالة/ قتل/ تشريد الناس، يقدم لنا الكاتب مشاهد عن هاذين الأمرين في مقطع الفراشة والدبابة الخائفة: "أن القضاء على المقاومة في تل الهوى لن يتحقق إلا بمسح كل مبنى فيها عن وجهة الأرض، وقتل أكبر عدد من الناس من رجال ونساء وأطفال" ص15، هذا المشهد واقعي ويعطي المتلقي فكرة عن طبيعة الاحتلال وجرائمه. وينقل لنا حال الناس في ظل المقتلة الصهيونية في "فاطمة حسونة": "حرقت قلبها مشاهد الأشلاء والجثث في الشوارع، والأطفال الهائمين على وجوههم دون أهل، والجرحى الذين يحتاج كثير منهم إلى بتر الأطراف بلا تخدير" ص25، فمن خلال هذا المشهد يعطينا الكاتب صورة شاملة عن جرائم المحتل الذي يقتل كل شيء، الاحتلال الذي يستند على: "لا تبق فيها نسمة حياة" الكاتب يعطينا صورة عامة تشمل حال غزة وأهلها: "لم يعد عناك وقت للعزاء.. غزة خرجت كي تجد كأس ماء وكي تجمع الأشلاء والشهداء وتسلم الأمانة للسماء" ص38، فرغم أن المشاهد خارج عن الواقعية، إلا أنه يعطينا صورة عن طبيعة الاحتلال ووحشيته. المستشفيات والمرضى والأطباء كانوا احد أهم الأهداف (العسكرية المشروعة) للاحتلال، في "إبراهيم البرش" يقدم لنا الكاتب صورة عن هذه الاستهدافات: "اقتحم جيش الاحتلال مستشفى الشفاء، وقتلوا المصابين في الممرات وفي غرف الطوارئ، وفتشوا عليك في غرفة العمليات" ص44، فالكاتب هنا يوثق أدبيا جرائم الاحتلال، لتبقى راسخة وحاضرة ودائمة في الذاكرة العربية والعالمية، فوحشية الاحتلال وبربرته ستلاحقه إلى الأبد، وستبقى الذاكرة الإنسانية حافظة لهذه الجرائم. وعن الجرائم الفردية لجنود الاحتلال ينقل لنا الكاتب مشهد في: "أنت جائع.. إذا أنت موجود": "اعترف جندي من قوات نحال أنه قتل أما وطفليها... هذا كيف "يعالج" جنود الاحتلال الجوع" ص85، وبهذا تكتمل صورة وحشية الجيش، وصورة بربرية الجندي، فكلاهما مجرم ومتوحش. الفلسطيني في المقابل نجد صورة الفلسطيني كضحية وكبطل، ففي "الفراشة والدبابة الخائفة" نجد صورة الضحية: "قتلت عائلات بكاملها، وانتشرت الجثث والأشلاء على الطرقات" ص16، رغم وحشية الاحتلال وحجم الإبادة، إلا أن هناك صورة أخرى للفلسطيني، صورة البطل التي نجدها في "فاطمة حسونة": "أرادات أن تقاتل، أنن تحمل بندقية، أن تقف في وجه الطغيان...وجدت كاميرا... وضعت فيها شريحة ذاكرة وقالت لرفيقتها هذه هي الرصاصة والكاميرا بندقية، أدافع بها عن نفسي وعن بلدي" ص 25، اللفت في هذا المشهد فكرة المقاومة، فالفلسطيني يستخدم أية وسيلة تتاح يقاوم بها العدو، ولا يقف مكتوف الأيدي، مستسلما للواقع أو للعدو. ونجد البطولة حاضرة في الترغيب والترهيب، فعندما تناول الكاتب "إبراهيم البرش" قدمه بهذه الصورة: "أكثر من مستشفى في الخليج عرض عليه عقود عمل مغرية، أشتد إلحاحها له بعد الحرب على غزة، لكنه رفضها كلها مقابل قطعة خبز وقطعة جبن وكوب ما في مستشفى الشفاء، كان يقول: نؤدي الرسالة وأجرنا على الله" ص42و43، هذا الموقف ينم على شهامة ونبل وإخلاص ووفاء "إبراهيم البرش" الذي باع الدنيا مقابل الآخرة، باع وترك المال مقابل شعبه/ أهله. العرب أثر مظلومية الفلسطيني امتدت إلى الأقطار العربية، فالشعوب العربية تنحاز للفلسطيني وتقف إلى جانبه، بينما الأنظمة الرسمة في واد آخر، تقف مع العدو، يقم لنا الكاتب هاتين المتناقضتين في: عائشة، لقمة الخبز.. وفلسطين" التي يتحدث فيها عن رحلته إلى المغرب: "نحن نحب فلسطين جدا، ونتألم كثيرا لأجل شعبها، ونحرج في المظاهرات، والشعب يحب القدس وفلسطين وغزة" ص67، هذا حال الشعب المغربي، أم عن حال الأنظمة فنجدها في "نائل، أربعة وأربعين عاما في سجون الاحتلال": "عبر بك باص إلى مصر، مصر كانت نائمة على رغيف خبز تحت قدم السلطان... مستورة في قميص نوم ممزق... كانت السماء السوداء تنتظر ظهور الهلال، كي يصوم الناس عن الأكل وعن سماع أخبار غزة" ص79، نلاحظ أن الكاتب يستخدم الإيحاء/ الإشارة وليس المباشرة، وكأنه بها يحاول التخفيف ـ قدر المستطاع ـ على القارئ، فمصر القريبة من فلسطين كنا نتوقع منها الكثير، لكنها كانت... في المقابل نجده يستخدم المباشرة والوضوح حينما تناول دول الخليج النفطي، نجد ذلك في "قصة مدينين في رمضان": "في المدينة الضالة، الرياض، يستيقظ "المسلمون" قبل غروب الشمس على رائحة المندي أو المناسف، أو المحاشي التي حضرتها الخادمات السريلانكيات والفلبينيات اللاتي استقطبتهن أموال النفط من مختلف بلاد القحط.. وبعد أن يتم بأمان الله الالتهام والتخزين ينطلق "المسلمون" إلى محال الحلويات والمقاهي ليستمتع المجتمعون بالأرجيلة وأخيرا بوجبات السحور... ثم يبدأ نوم اليوم وما يزور الأحلام من عناء الصوم" ص132، يعود التباين بين الموقفين، لطبيعة العلاقة بين فلسطين ومصر، وفلسطين ودول الخليج، فوجع مصر أشد وقعا علينا، لهذا ارتأى الكاتب أن يستخدم الإيحاء، بينما في دول الخليج، المعروفة بمواقفها المعادية لكل ما هو قومي ووطني، فلم يجد (إحراجا) في الحديث عنها مباشرة وبوضوح. الشكل والمضمون مضمون/ المادة التي يحملها الكتاب مؤلمة للقارئ، وهذا ما يجعله كتابا قاسا، مؤلما، لكن، الكاتب الجديد هو الذي يجد مخارج/ طرق/ أشكال أدبية يسهل على المتلقي تناول الكتاب بأقل الأضرار النفسية، من هذا الأشكال/ الأساليب كان تعدد أشكال (السرد) فمرة نجدها من خلال السرد الخارجي وهو الشكل الغالب في الكتاب، ومرة من خلال أنت المخاطب: "نائل أربعة وأربعين عاما في سجون الاحتلال، أيها العيد .. لماذا أتيت مرة أخرى"، ومرة من خلال أنا السارد: "عائشة لقمة الخبز.. وفلسطين، الرغيفة الخالية والرغيف العامر"، كما نجد في "قتلوا سعاد أيها العيد السعيد " شكل القصيدة. كما نجده يستخدم الفانتازيا في "الفراشة والدبابة الخائفة" حيث يلجأ الكاتب إلى أدب الأطفال الذين يستطيعون مخاطبة ومحاورة كل شيء: "سألت هند الفراشة، لماذا أنت حزينة؟ ـ لأن جبل الحديد أكل موسم الربيع ـ كيف؟ دهس حقل الورد وزهور اللوز ...وأنت يا هند لماذا أنت حزينة؟ ـ لأن الدبابة جعلت أهلي ميتين. ـ الدبابة؟ ـ جبل الحديد الذي يتقدم نحوي.. أسمه في لغة البشر دبابة" ص19و20، أهمية هذا الاسلوب الأدبي في قدرته على أيصال الفكرة للقارئ بأقل الأضرار النفسية، كما أنه يعمق الفكرة ويرسخها في ذهن القارئ، من مضمون الحوار، ومن خلال شكل الحوار، طفلة وفراشة. يضاف إلى ذلك وجود مجموعة صورة الأدبية التي تخففت من حدة قتامة الأحداث: "سقطت شرين على جنبها، وكأنها تسجد لهذه الأرض لآخر مرة. كانت الساعة السادسة وستل وعشرين دقيقة صباحا تواصل وابل الرصاص نحوها كأنما يتراقص حول صيده الثمن. أما الشمس فواصلت ارتفاعها فوق سهل مرج بن عامر تجفف الندى عن جفون السنابل" ص54، نلاحظ طول الصورة وتساعها، فالكاتب يعي أنه يقدم حدثا في غاية الألم ـ مقتل شرين ـ فأراد التخفيف/ أزالت القسوة من خلال الصورة الأدبية. كما نجد الكاتب يستخدم البساطة في تقديم الحدث، فعندما تناول استشهاد عائلة "الدكتورة آلاء النجار" استخدم حوارا بسيط عن الحدث: "قال أحد الناس: أنهم يموتون أجابه آخر: شهداء عند ربهم يرزقون" ص101، فرغم بساطة الحوار إلا أن المتلقي يجد فيه الإيمان الراسخ، من خلال الفكرة المشهد، ومن خلال الآية القرآنية. وإذا علمنا أن هناك صورة فوتوغرافية تسبق الفصل المراد تناوله، نكون أمام اكثر من شكل وطريقة واسلوب يسهل على المتلقي الوصول إلى مضمون الكتاب، وهذا ما سهل ورسخ فكرة/ مضمون الكتاب فيه. الكتاب من منشورات دارة الرعاة للدراسات والنشر، رام اله، فلسطين، الطبعة الأولى 2025.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب -النزعة الصوفية والتأملية في شعر منذر يحيى عيسى- عبير خ
...
-
الحواس في -يسافر همسك- وفاء كامل
-
القتامة في -ما الملجأ؟- شيماء عبده
-
ديمقراطية النقد والناقد في كتاب -الأسوار والكلمات- فراس حج م
...
-
الأردن في رواية -تايكي- يوسف الغزو
-
رواية -أشياء تتداعى- نشنوا أتشيبي ترجمة سمير عزت نصار
-
الفلسطيني في مجموعة -بيتزا من أجل ذكرى مريم- رشاد أبو شاور
-
الحاجة إلى الحب في رواية -امرأة من بغداد- حمدي مخلف الحديثي
-
النعومة في كتاب -ياسمينات باسمة- زياد جيوسي
-
الأجناس الأدبية في كتاب -أطياف- محمد حافظ
-
الاجتماعية في رواية رقصة التوت فوزي نجاجرة
-
القبيلة والعشيرة!!
-
الخلود في رواية -تفاصيل الحلم الدافئ- سعادة أبو عراق
-
الأسرى والكتابة في كتاب -احتمالات بيضاء: قراءات في أدب الحري
...
-
الأسرى والكتابة في كتاب -احتمالات بيضاء، قراءات في أدب الحري
...
-
فرح حوارة فرح فلسطيني
-
البؤس العربي في رواية -آرام- فاطمة محمد الهلالات
-
السادية في رواية -واختفي أنف أبي- خليل ناصيف
-
الرنتيسي يكرس لغة سردية مختلفة في روايته -بقايا رغوة-
-
الشاعر المنتمي في زمن المحو: قراءة في كتاب -أكتب موتي واقفاً
...
المزيد.....
-
-طاعة الزوج عبادة-.. فنانة خليجية تشعل جدلا بتعليق
-
لغة الدموع الصامتة
-
مصر.. عمر هلال يجمع أحمد حلمي وهند صبري في فيلم -أضعف خَلقه-
...
-
فنانة سورية تصبح سيدة نيويورك الأولى...من هي ؟
-
صوّر في طنجة المغربية... -الغريب- خلال استعمار الجزائر في قا
...
-
يتناول ثورة 1936.. -فلسطين 36- يحصد الجائزة الكبرى في مهرجان
...
-
-صهر الشام- والعربية والراب.. ملامح سيرة ثقافية للعمدة ممدان
...
-
انطلاق أعمال المؤتمر الوطني الأول للصناعات الثقافية في بيت ل
...
-
رأي.. فيلم -السادة الأفاضل-.. حدوتة -الكوميديا الأنيقة-
-
-المتلقي المذعن- لزياد الزعبي.. تحرير عقل القارئ من سطوة الن
...
المزيد.....
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
المزيد.....
|