أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مظهر محمد صالح - منظر دجلة بين طفولتي وكهولتي: الخوف والخجل














المزيد.....

منظر دجلة بين طفولتي وكهولتي: الخوف والخجل


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 17:21
المحور: سيرة ذاتية
    


(ذاكرة الماء والمدينة)

في مدن الذاكرة، يبقى الماء أوّلَ المرائي وآخرَها.
فمنه نُولد على خوفٍ،
وإليه نعود بخجلٍ.
وما بين طفولةٍ يطغى فيها الفيضان،
وكهولةٍ يجفّ فيها النهر،
تتقلّب حكايةُ وطنٍ أرهقه عطشُ الحاضر،
كما أرعبته فيوضاتُ الأمس.

قضيتُ ساعاتٍ قليلة وأنا أتطلّع إلى نهر دجلة وهو يتدفق بهدوءٍ فوق الأرض التي احتضنته منذ عصر التكوين إلى يومنا هذا،
فوجدته يتعثّر في تدفّقاته كأنّه يودّع كهولته وكهولتي معًا،
في طريقه نحو جنوب العراق،
حيث قامت أجملُ الحضارات الإنسانية وأقدمها ،
حضارات الماء،
أو ما تسميه كتبُ الاستشراق بـ الحضارات الهيدروليكية.

حزنتُ لتلك اللحظات،
وتذكّرتُ خوفي القديم من النهر في طفولتي قبل سبعين عامًا.
كانت اللحظات نحو دجلة آنذاك مختلفةَ المنال.

كان العام 1954 مشهدًا مرعبًا،
وأنا أرى كفاح بغداد لدرء خطر الغرق،
خشية مياه دجلة المجنونة التي حاصرها البغداديون خلف سدٍّ ترابيٍّ،
سُمّي يومها سدّ ناظم باشا.


كانت وجهتي مع والدتي وسيدةِ الدار من أقربائي
نحو حيٍّ مزدهرٍ يُسمّى الوزيرية،
وقد لفَّه الرعب من البحر القريب
الذي أغرق مساحاتٍ خلف السدّ
حفاظًا على قلب بغداد الحضري.

صمتت والدتي بخشية،
تحدّق في ذلك البحر من المياه المتلاطمة،
كأنّها قوةٌ هوجاء تريد اقتلاع كلّ شيء لتتحرّر من أغلالها.

كنت أرتجف،
وأتّكئ في مخيّلتي على نخلةٍ حزينةٍ غُمرت حتى سعفها في ذلك البحر،
تبكي بصمتٍ ونحن نبكي بخوف،
وقد تسلّقنا سطحَ المنزل
نرقب العاصمة وهي يحيط بها بحرٌ حُجز في الأرض لصدّ طغيان الماء.


عدتُ إلى أوجاع ذاكرتي…

فبلادي، بين سبعة عقودٍ من مياهٍ سائبةٍ مخيفةٍ
متدفقةٍ جنوبًا نحو البحر،
تواجه اليوم ندرةً تقلب الموازين إلى خطرٍ وجودي.

سبعون عامًا، ودجلة يبكي عشقه لبغداد،
والعذابات لم تنقطع
بين من أحبّ دجلته
ومن أحببته.

إنها دموعٌ من الأسى،
تقلّبت بين الخوف والرعب في الأمس،
والخجل واليباس في اليوم.

فهذه العقودُ السبعة،
بعضها يخجل من بعض،
وبعضها يخاف من بعض،

في قصةٍ واحدةٍ هي قصةُ مياهِ دجلة —
عروسِ الحضارة في وادٍ اسمه بلادُ ما بين النهرين،
يعيشُ وجعَ الذاكرة.
(انتهى)



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علم النفس التربوي يوم تعثّرت أيديولوجياته في ذاكرة طفولتي
- رغيف الخبز: الأم والوطن والطفولة (من ذاكرة الجمر والقمح)
- قصر النهاية: حين مررنا بالسجن ولم نعد إلى بابل
- الشاي… نباتُ الصين العظيم من قرن الإذلال إلى الحرب التجارية ...
- اقتصاد الدموع : حين يصبح الحنين عملةً رمزية.
- خليجان يحرسهما قمر واحد – من أزمنة لا تموت رحلة تأملية بين ف ...
- السفرة المؤجَّلة: أزمنة لا تموت
- تحت ظلال شجرة النارنج: مدرسة زهاء حديد في بغداد
- جدلية الظل والمصالحة مع الذات : القرين الخفي مرآة ديستوفسكي ...
- بكاء الأمهات على بوابة سجن متخلف..
- البنادق مقابل اللوبستر البحري: مقاربة في الاقتصاد السياسي لم ...
- وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية ...
- تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي
- ربطة العنق: متلازمة التعليم والأناقة في بغداد
- حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها
- حكاية خبز .. بين أمستردام ومدينتي
- جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات اللي ...
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري


المزيد.....




- وزير خارجية عُمان: إسرائيل هي المصدر الرئيسي لغياب الأمن بال ...
- المتحف المصري الكبير... صرح ثقافي يروي تاريخ الحضارة الفرعون ...
- فرنسا: القضاء سيدرس طلب إخلاء سبيل ساركوزي في نوفمبر
- ترامب يبدي استعداده للإبقاء على تمويل برنامج الإعانات الغذائ ...
- أرقام جديدة عن ضحايا الإبادة والمصابين بالأمراض المزمنة في غ ...
- ظروف صعبة لنازحي الفاشر والدعم السريع تخطط للانسحاب من المدي ...
- بولس: خطاب العاهل المغربي كان حكيما لجهة مد اليد إلى الجزائر ...
- توم براك: على لبنان التقدم بسرعة بشأن حصر سلاح حزب الله
- غارات على غزة بعد إعلان إسرائيل تسلّمها جثثا لا تعود لرهائن ...
- افتتاح المتحف الكبير.. بداية حقبة جديدة في السياحة المصرية


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مظهر محمد صالح - منظر دجلة بين طفولتي وكهولتي: الخوف والخجل