أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مظهر محمد صالح - مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي














المزيد.....

مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 22:50
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


كانت مدرستي المسماة “فيصل الثاني”
تضج بالحراك والاستعداد لإجراء امتحاناتنا الأولى، نحن تلاميذ الصف الابتدائي. كنّا قد تعلمنا أبجديات الكتابة، وكان الامتحان الخطوة الثقافية والتربوية الأولى التي منحتنا مفتاحًا لطموحات طفولية لم تكن تدرك تمامًا شكل العالم، لكنها كانت تسعى لفهمه.
في تلك الأيام، لم يكن يخلو بيتنا من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية، وكان الجميع في أسرتنا الكبيرة يطالع الأخبار ويستمع إلى الراديو، يتابعون ما يدور في البلاد والعالم.
كنت أجد نفسي منجذبًا إلى ذلك الزخم الإعلامي، وأحاول أن أفهم بفضول طفل لم يتجاوز الثامنة ، ماذا تعني كل تلك الكلمات الكبيرة: الاستعمار، الاستقلال، التكتلات، الحرب الباردة…!
لكن الحدث الذي هزّ وعيي الطفولي لأول مرة ، مؤتمر باندونغ الذي انعقد في إندونيسيا في 18 نيسان/أبريل عام 1955.
اذ كان حديث الصحف والمجلات مشحونًا بالحماسة، يصوّر المؤتمر كعلامة فارقة في تاريخ العلاقات الدولية، ومنعطفًا أساسيًا في مسيرة حركات التحرر، ونقطة انطلاق لمشروع دولي جديد (حركة عدم الانحياز)
كنت يومها أتقلب بين صفحات القراءة الخلدونية، ومحاولات الفهم البريء لمعنى “عدم الانحياز”، غير أنني وجدت نفسي أتساءل: ما هو الانحياز أصلًا حتى أفهم نقيضه؟
أعجبتني صور القادة الذين احتلوا الصفحات الأولى لصحف اليسار واليمين العراقي، وتجلّت أمامي هيبة رجالٍ صنعوا مجد المؤتمر: نهرو، سوكارنو، عبد الناصر… كانوا رموزًا للاستقلال والكرامة.

وفي الوقت ذاته، كانت مدينتي تئنّ من آثار الاستعمار البريطاني وقواعده التي لا تزال نشطة، تدعم حلف بغداد.
كان هناك تناقضاً فاضحاً بين ما نقرؤه عن الحرية ، وما نراه من جدران ومعسكرات لا تزال قائمة وقتها . كانت الوطنية في ذهني الطفولي تنمو في وسط تلك التناقضات، تبحث عن معنى الحرية الحقيقي.
مرت سنوات قليلة، وكنا نقترب من نهاية المرحلة الابتدائية.
جمعتني الحياة ذات يوم بمقعد دراسي مع أحد التلاميذ ، كان مولعًا بفكرة “الحياد الإيجابي” سألته ببراءة عن نتائج مؤتمر باندونغ، بعد أن بدأت أفهم - بشق الأنفس - معنى عدم الانحياز ، وحاولت أن أبدو كمن يملك مفاتيح السياسة الدولية.
ابتسم بثقة، كأنما هو قائد سياسي، وقال:
“لقد دعا المؤتمر إلى تعزيز السلام العالمي وتخفيف التوترات الدولية ، وكان منصة للتضامن الدولي، وقد مهد لانتصار مصر في حرب السويس في الاعوام القليلة الماضية.”
عدت إلى البيت متحمسًا، وجلست على مائدة الغداء، وأخذت أشرح لوالدي بصوتٍ عالٍ أهمية مؤتمر باندونغ، وسألته بحرارة: لماذا لم يحضر العراق ذلك المؤتمر؟
نظر إلي والدي، وفي عينيه نصف ابتسامة، ثم قال بهدوء وهو يشير إلى طبقي الممتلئ بالأرز ومرق السمك العراقي البني، الذي أعدّته أمي بتمر هندي وثوم وكرفس وهو متبل بتوابل شرق آسيا:
“يا بني، مؤتمر عدم الانحياز يعني أن نحافظ على خيرات بلادنا… لنستمر في التمتع بهذه المائدة، دون أن نُحرم من لذتها.”
عندها، ترسّخت في ذهني فكرةٌ جديدة: أن السياسة ليست فقط مؤتمرات وشعارات، بل هي أيضًا أرزٌّ ومرق، كرامةٌ يومية، واستقلالٌ يتجلى حتى في الطعام.
تلك كانت بذرة وعيي الاقتصادي الأول، تنامت في ظل ما كان يُسمى بـ”العالم الثالث”، ورافقني هذا الهمّ حتى وأنا أقترب اليوم من عقدي الثامن. لقد تغيّر شكل الاستعمار، وبدّل جلده، ولم يعد احتلالًا مباشرًا، بل صار هيمنةً عبر “الإمبريالية الوظيفية”، حيث توظَّف الدول التابعة لخدمة مصالح القوى الكبرى، دون أن تطأ جيوشها الأرض.
انها هيمنة لا تُفكك السيادة والاستقلال فحسب ، بل تجعل الأرض والدولة مسرحًا لعمليات اقتصادية وسياسية تخدم الآخر، لا الذات.
ولكن يبقى مؤتمر باندونغ لن يغيب عن ذاكرتي ومحيطها الوطني والانساني.


انتهى///



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف
- دموع الذكريات على سفوح الجبال
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال
- مدينةٌ تخفت في جلابيبها.
- سان فرانسيسكو: قوة تكنوقراط ناصحة !
- في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي
- الحادي والعشرون من ديسمبر… النور الذي يسبق العاصفة
- المثقف المشرقي على مصفوفة الوحدة : بين ألتوسير وفوكو ودريدا
- الصين وحساسية الدولة العظمى: قوة ناعمة على مائدة الدولة
- شحاذ رقمي تحت الراية الحمراء
- أمُّ العراق… الكوت والجنة تحت قدميها!
- توازن السوق بإشارة سالبة؟ مشادة أكاديمية صامتة!!
- من عصر الفوانيس إلى الطاقة الشمسية: جدل لا ينتهي


المزيد.....




- مقتل 4 جنود إسرائيليين في -كمين- بغزة.. والجيش يكشف الملابسا ...
- رئيس وزراء إسبانيا يصف ما تفعله إسرائيل في غزة -بالإبادة الج ...
- ترامب يحتفل بإلغاء حفل تكريم توم هانكس ويصفه بالمدمر
- شاهد.. أسباب تخلي الجزائر وتونس والمغرب عن الأداء و الاكتفاء ...
- مع ترقب الهجوم الأعنف.. الخوف وضيق الحال يعصفان بسكان غزة
- ترامب يعيد الأميركيين إلى -الأيام السيئة القديمة-.. فما الذي ...
- الحرب على غزة مباشر.. أكثر من 300 شهيد بسبب التجويع وهجمات ل ...
- خسائر إسرائيلية.. كيف يمكن أن تؤثر على مسار الأحداث؟
- الدعم السريع و4 سيناريوهات متوقعة في السودان
- أبرز أبراج غزة التي دمرها الاحتلال وعدد طوابقها


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مظهر محمد صالح - مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي